الصفحة الرئيسية » مجلة الانتظار » العدد: ١٥/ شوال / ١٤٢٩هـ » دراسات/ الحركة الجغرافية للسفياني
 العدد: ١٥/ شوال / ١٤٢٩ه

المقالات دراسات/ الحركة الجغرافية للسفياني

القسم القسم: العدد: ١٥/ شوال / ١٤٢٩هـ الشخص الكاتب: السيد جلال الموسوي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٩/٢٨ المشاهدات المشاهدات: ٢٤٥٧٩ التعليقات التعليقات: ٠

 

الحركة الجغرافية للسفياني

السيد جلال الموسوي/ فرع المركز قم المقدسة

بداية الشؤم:

لم تحدّد الروايات الواردة في علائم الظهور وقتاً محدّداً لبداية حركة السفياني انسجاماً مع توخّي الرمزية والسرية في العلائم، خاصة المقارنة القريبة من عصر الظهور.

أجل، ورد في الروايات إرشادات إلى أحداث مقارنة لحركة السفياني كإشارات مبهمة بدورها لكنها صالحة للدليل على قرب تحقّق حركة السفياني المشئومة مثل ما ورد أن حركته وحركة اليماني في وقت واحد.

فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (اليماني والسفياني كفرسي رهان)(١).

وما ورد عن الباقر عليه السلام أنه قال: (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد)(٢).

وورد في بعض الروايات أن خروجه يكون في شهر رجب فقد أورد النعماني في غيبته قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثني محمّد بن الفضل بن إبراهيم بن رمانة من كتابه في رجب سنة خمس وستين ومائتين، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن فضال، قال: حدّثنا ثعلبة بن ميمون أبو إسحاق، عن عيسى بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (السفياني من المحتوم وخروجُه في رجب)(٣).

وعنه عليه الاسلام أيضاً: (السفياني لا بدَّ منه ولا يخرج إلاّ في رجب)(٤).

مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام وعدم تحديد زمن تحرك السفياني إنما هو باعتبار مقارنته لزمن الظهور الذي روعي فيه السرية والكتمان الشديدين.

وأما ذكر اقتران حركة السفياني بحركة الخراساني واليماني فلعلَّه للتنبيه على وجود أكثر من سفياني واحد وأن السفياني السابق للظهور هو ذلك الذي تقترن حركته بحركة اليماني والخراساني لا غيره، وهو الذي يقتل على يد الإمام المهدي عليه السلام أو على يد أنصاره، بعد ظهوره صلوات الله وسلامه عليه.

ومما يدلُّ على وجود أكثر من سفياني واحد، ما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال: (... أوّلها السفياني وآخرها السفياني).

فقيل له: وما السفياني والسفياني؟

فقال: (السفياني صاحب هجر والسفياني صاحب الشام).(٥)

وقد يبدو من بعض الآثار أن السفياني له حركتان تفشل الأولى منهما على يد السمرقندي فيعتزل المعترك السياسي والميداني ويركن إلى أخواله الذين يؤونه، فيبقى متخفياً لفترة من الزمن خائفاً من حكومة ذلك الوقت.

وحركته الثانية تبدأ سرّية، وبداياتها تكون مريبة كما ذكر الدمشقي في عقد الدرر عن فتن ابن حماد قال:

وعن أبي مريم عن أشياخه قال: يؤتى السفياني في منامه فيقال له: قم فاخرج. فيقوم لا يجد أحداً. ثمّ يؤتى الثانية فيقال له مثل ذلك، ثمّ يقال له في الثالثة: قم فاخرج فانظر على باب دارك. فينحدر في الثالثة إلى باب داره فإذا هو بسبعة نفر أو تسعة ومعهم لواء فيقولون: نحن أصحابك. فيخرج فيهم ويتبعهم ناس من قرَيات الوادي اليابس فيخرج إليه صاحب دمشق ليلقاه ويقاتله، فإذا نظر إلى رايته انهزم).(٦)

وحاول البعض تفسير الراية هنا بالسلاح الفتّاك الذي يتحاشاه ويهرب منه من نظر إليه وعاينه!! ويستشهد هؤلاء البعض بما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (... يخرج من ناحية مدينة دمشق في وادٍ يقال له الوادي اليابس، يخرج في سبعة نفر مع رجل منهم لواء معقود يعرفون به في النصر يسير بين يديه على ثلاثين ميلاً لا يرى ذلك العلم أحدٌ بيده إلاّ انهزم).(٧)

وحاول البعض الآخر تفسير العقدة في العلم أو اللواء تفسيراً ميتافيزيقياً مشيراً إلى احتمال استفادة السفياني من السحر وتسخير مردة الشياطين والجن، كما عرف ذلك عن الشيصباني أيضاً.

ونحن وإن تعقلنا الاحتمالات التي ذهب إليها من ذهب، فلا نستبعد وجود جهة أجنبية معادية للإسلام متقدّمة في التطور التكنولوجي والتقنية العسكرية تدعم أمثال هذه الحركات المعادية للإسلام الأصيل ونوجّه حينئذٍ أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى الكيان الصهيوني الغاصب للقدس الشريف.

كما أننا لا نستبعد إقبال السفياني وجماعته على استغلال السحرة والكهنة اليهود وغير اليهود في تنفيذ مآربهم، خاصة وإن مثل مناطق الوادي اليابس معروفة بوجود بعض ذوي الطاقات الروحية والسحرية.

لكن لا بدَّ من الإشارة إلى وجود احتمال معاكس لهذه المحتملات أو على الأقل نافٍ لمداليلها وهو أن مثل هذه الأخبار قد صدرت من بعض الأقلام المأجورة لبني أميّة، فهذه الهالة الروحية الميتافيزيقية والإعجازية حول السفياني وعصابته وكأنَّ معجزة إلهية تسير معهم أينما ساروا، هي من نسج خيال بني أميّة ضرورة استبعاد التقنية العسكرية المتطوّرة التي ذهب إليها البعض.

وبتصورنا فإن هذه المغالاة في تصوير قوّة السفياني من قبل حكام بني أميّة إنما جاءت منسجمة مع حسدهم لبني هاشم، ذلك أن الروايات الواردة في المهدي المنتظر عليه السلام المنتسب لبني هاشم قد حركت الحسّ الحسدي عند بني أميّة فاخترعوا تلك الأخبار المغالية في السفياني كما فعلوا في المغالاة في تصوير بعض الصحابة حتّى وصلوا بهم إلى درجة مساوية للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بل في بعضها رقى هؤلاء الصحابة مرقاة أعلى من مرقاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم نعوذ بالله بحسب الأخبار التي وضعها الوضّاعون، كل ذلك حسداً لبني هاشم وكانوا كما وصفهم القرآن الكريم، بقوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا).(٨)

حَرَسْتا:

حرستا قرية كبيرة عامرة في أطراف دمشق الشام يختفي فيها السفياني بعد فشله في حركة سياسية عسكرية يخوضها ضدّ الحكم القائم في وقته، أو إقصاء عن منصب يشغله في السلطة. ومما يدلُّ على تخفيه فيها ما ورد في الخبر من أنه يقتل جارية له مخافة أن تدلَّ على مكانه، فقد نقل في كمال الدين قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عمر بن يزيد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس... وقد بلغ من خبثه أنه يدفن اُمَّ ولد له مخافة أن تدلَّ عليه)(٩).

فالرواية تدلُّ على تكتمه على موضع وجوده وخوفه من السلطة.

وكما أشرنا آنفاً فإن تكتّمه على محل وجوده قد يكون له مناشئ سياسية أو انحرافات فكرية أدَّت إلى ملاحقة السلطة له، فيبقى متخفّياً إلى وقت اجتماع أنصار له على معتقداته ومذهبه للبدء بحركته المشئومة والتي تكون الثانية والمستمرة إلى وقت الظهور.

إنَّ (حرستا) هي المنطلق الجغرافي للسفياني ولعلَّها المنطلق الفكري أيضاً حيث يعيش أخواله من بني (كلب) فيها والذين يكون في حينها لهم موقع في الحركة الميدانية الفكرية فهم في مقام الخطابة على منابر الشام ويبدو أنهم من المتطرفين عقائدياً ولا تنسجم أطروحتهم الفكرية مع منهج السلطة الحاكمة في ذلك الوقت، مما يدعوهم إلى الالتفاف حول ابن اُختهم لمعرفتهم بتوجّهاته المنحرفة المتناغمة مع توجهاتهم العقائدية.

ولعلَّنا اليوم لا نواجه صعوبة في تشخيص وجود مثل هذه الحركات الفكرية الهدّامة والانحرافية التي تدّعي الانتماء إلى الإسلام، والإسلام منها بَراء حيث تسعى جاهدة لتأصيل الرؤية الجاهلية وإثارة النعرات الطائفية والقومية وتكفير المسلمين والإفتاء بوجوب قتلهم وإزالة ومحو المعالم الإسلاميّة، الإيمانية ومحاربة الشعائر الدينية، والجمود على فعل وسيرة أسلافهم الذي وقفوا بكل صلافة لمحاربة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم والاعتراض على كلّ ما لا يروق لأمزجتهم وهواهم حتّى لو كان هواهم يجرُّهم إلى النار كما قد ورد عن باقر علوم الأوّلين والآخرين عليه السلام حيث قال: (السفياني أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط ولم يرَ مكّة والمدينة قط يقول: يا رب ثاري والنار، يا رب ثاري والنار).(١٠)

ومراده هو أنه يطلب الثأر ولو أدّى به إلى دخول النار، وهي قولة قالها أسلافه حيث ورد أنهم قالوا: النار ولا العار.

وأما مراده من الثأر فهو الثأر من الهاشمي لما فعله من قتل بني أميّة حيث ورد أن السيد الهاشمي يلحق بجيش السفياني الذي يترك الكوفة بعد إعاثة الفساد وقتل العباد فيها، فتدور بينهما معركة شرسة تنتهي بإبادة جيش السفياني الذي يقدر عدده بمائة ألف وبعض الأخبار تشير إلى اشتراك اليماني في المعركة أيضاً وسيأتي بيان ذلك.

الشّام والسّفياني:

تبدأ حركة السفياني بنشاطاته المشئومة في الشام بعد أحداث طبيعية وسياسية وعسكرية ميدانية تؤدّي إلى حصول فراغ في السلطة المركزية أو ضعفها على أقل التقادير مما يؤدّي إلى استغلال السفياني لهذا الفراغ لإحكام سيطرته على بعض ولايات الشام.

فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله رحمةً للمؤمنين وعذاباً على الكافرين فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة والرايات الصفر تقبل من المغرب حتّى تحلّ بالشام وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها: حرستا فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتّى يستوي على منبر دمشق فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي)(١١).

إذن، رجفةٌ تؤدّي إلى هلاك عشرات الآلاف، وخسفٌ وموت أحمر وجزع أكبر، كل ذلك في بلاد الشام، وهذا من شأنه خلق حالة من الانفلات الأمني بطبيعة الحال حتّى في أقوى الدول سيطرة وإحكاماً لمقاليد الأوضاع الأمنية، مما يسهل الأمر على المتصيدين في المياه العكرة من الاستفادة من هذه الأوضاع لتحقيق مآربهم، وهذا ما يفعله السفياني حينذاك.

وقد روى جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (يا جابر إلزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك... فتلك السنة _ يا جابر _ فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب فأوّل أرض تخرب أرض الشام ثمّ...)(١٢).

وليست الشام هي الوحيدة المبتلاة بالخراب وإنما ذكر في بعض الروايات تحقّق مثل هذه الكوارث والخراب في كثير من بلدان العالم حتّى أن بعض الأخبار ذكرت أن ثلثي سكان العالم يفنَونَ بسبب الزلازل والكوارث الطبيعية.

فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن قال: (لا يخرج المهدي حتّى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث)(١٣).

كما رُوي عنه أيضاً أنه قال: (بين يَدَي المهديّ موتٌ أحمر وموتٌ أبيض وجرادٌ في حينه وجرادٌ في غير حينه كألوان الدم. فأما الموت الأحمر فالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون)(١٤).

وروي عن صادق آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (قدّام القائم موتان موت أحمر وموت أبيض حتّى يذهب من كلّ سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف والموت الأبيض الطاعون)(١٥).

وروي عنه عليه السلام أيضاً أنه قال: (لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلثا الناس).

فقيل له: فإذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟

فقال عليه السلام: (أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي)(١٦).

ونكتفي بذكر هذا المقدار من الروايات الدالة على قتل مريع في الناس بسبب الأمراض والأوبئة وبسبب الحروب ولعلَّ كثرة القتلى في الحروب تشير إلى احتمال وقوع حرب عالمية شاملة تؤدّي بحياة ثلثي الناس ولا أدري هل هي الحرب العالمية الثالثة أم الرابعة أم...؟

فهذا الظرف العصيب لابد أن يلقي بظلاله على سورية والشام فيستفيد السفياني من هذه الظروف لتثبيت حركته كما أنه يستفيد من اختلاف الاتجاهات السياسية المتسلطة على الشام ويحارب خصومه السياسيين وينتصر عليهم لأسباب موضوعية عديدة، منها نفرة الناس من تلك الاتجاهات السياسية في الشام في ذلك العصر وانخداعها بنفاق السفياني الذي ورد في بعض الأخبار أنه يحاول في أوّل تحركه استمالة عواطف الناس وتضليلهم بسلوكه.

فقد ورد في خطبة البيان لأمير المؤمنين إشارة إلى نفاق السفياني وريائه. قال عليه السلام: (... ثمّ يغلبهم السفياني فيقتل منهم خلقاً كثيراً ويملك بطونهم ويعدل فيهم حتّى يقال فيه: والله ما كان يقال عليه إلاّ كذباً، والله إنهم لكاذبون ولا يعلمون ما تلقى أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم منه ولو علموا لما قالوا ذلك. ولا يزال يعدل فيهم حتّى يسير فأوّل سيره إلى حمص...) الخبر(١٧).

ومن الخبر يُعلم أنَّ لهذا الرجل سمعة سيّئة وصيت مكروه فيحاول بنفاقه في أوّل الأمر تحسين صورته القبيحة، فينخدع به السذّج من الناس وذوي الأهواء والهامشيين.

لكنّ هذا التقمص لقميص العدالة والتديُّن لا يستمر كثيراً فسرعان ما تنكشف الحقائق، خاصة عندما يرجع جيش السفياني منكسراً من الكوفة فقد ورد في نفس خطبة البيان عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: (فإذا دخل بلده اعتكف على شرب الخمر والمعاصي ويأمر أصاحبه بذلك فيخرج السفياني وبيده حربة ويأمر بالامرأة فيدفعها إلى بعض أصحابه فيقول له: افجُر بها في وسط الطريق. فيفعل بها، ويبقر بطنها، ويسقط الجنين من بطن اُمّه(١٨) فلا يقدر أحد أن ينكر عليه ذلك فعند ذلك تضطرب الملائكة في السماوات ويأذن الله بخروج القائم من ذريتي وهو صاحب الزمان ثمّ يشيع خبره في كلّ مكان فينزل _ حينئذٍ _ جبرائيل على صخرة بيت المقدس فيصيح في أهل الدنيا (جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(١٩).

كما ورد في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثه عن السفياني: (... ثمّ يدور الأمصار والأقطار ويقتل أهل العلم ويحرق المصاحف ويخرب المساجد ويستبيح الحرام ويأمر بضرب الملاهي والمزامير في الأسواق والشرب على قوارع الطرق ويحلّل لهم الفواحش...)(٢٠).

والذي ورد في الروايات حول اختلاف الاتجاهات السياسية هو أن هناك ثلاث رايات واتجاهات متقاتلة على السلطة في سورية الشام وهي راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني، كما في رواية جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام المتقدّمة وقد جاء فيها: (يا جابر إلزم الأرض... فأوّل أرض تخرب أرض الشام(٢١) يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون ويقتله السفياني ومن تبعه، ويقتل الأصهب).

كما روى الإمام الباقر عليه السلام عن جدِّه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلاّ عن آية من آيات الله).

قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟

قال عليه السلام: (رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف...)(٢٢).

والظاهر من اختلاف الرمحين هو الكناية عن الحرب والقتال، ولعلَّ المراد اقتتال اتجاهين سياسيين فيما بينهما فيستغلُّ السفياني انشغالهما ببعضهما ونفرة الناس منهما ليشكّل جناحاً ثالثاً قويّاً فيتغلّب عليهماً معاً ويستمكن من السيطرة على الشام جميعاً، وينقاد له كل أهلها إلاّ القليل ممن ثبت على الحق.

ففي الخبر المروي عن الباقر عليه السلام حيث قال: (لا بدَّ لبَني فُلان أن يملكوا... وإذا كان ذلك خرج السفياني يملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلاّ طوائف من المقيمين على الحق يعصمهم الله من الخروج معه...)(٢٣).

ولا يخفى أن الرايات الثلاث كلها منحرفة عن الحق وكلٌّ منها يريد الحكم لنفسه وتنتهي المعارك بفوز الأحمر الأزرق وهو السفياني على الأبقع والأصهب، فيسيطر السفياني على كلِّ الموقف في الشام ويتبعه أهلها إلاّ القليل الذين يعصمهم الله تعالى عن اتّباعه وهم جماعة من المخلصين الممحصين الكاملين المعبّر عنهم في بعض الأخبار بالأولياء وبالأبدال(٢٤).

والروايات الدالة على سيطرة السفياني على كل بلاد الشام كثيرة تصرّح أكثرها بسيطرته على دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين، والتي يعبّر عنها في الروايات بالكور الخمس، والكور جمع كورة، وهي المدينة أو البقعة من الأرض الآهلة.

وقد مرَّ الخبر المروي عن الصادق عليه السلام، وهو ما أخرجه الصدوق عن عبد الله بن أبي منصور البجلي قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اسم السفياني.

فقال: (وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن، وقنسرين، فتوقّعوا عند ذلك الفرج)(٢٥).

وبهذا تكون الشام مركز تحركات السفياني وعاصمة حكومته المشؤومة فيصعد المنبر ويخطب الناس معلناً عن بداية حكومته.

فقد روي بسند معتبر عن الباقر عليه السلام أنه قال: (لا يكون ما ترجون (قيام القائم)(٢٦) حتّى يخطب السفياني على أعوادها فإذا كان ذلك انحدر عليكم قائم آل محمّد من قِبَل الحجاز)(٢٧).

وسيطرة السفياني على الشام ليست هي الهدف الواقعي لحركته وإنما وبحسب فهمنا للروايات يكون هدفه الرئيسي متمثلاً في أمرين متلازمين هما:

الأوّل: القضاء على شيعة آل محمّد وأتباعهم تمهيداً للأمر الثاني.

الثاني: القضاء على حركة الإمام المهدي عليه السلام وبالتالي تصفيته جسدياً.


 

 

الهوامش:


(١) غيبة النعماني: ٣٨٨/ باب ١٤/ ح ١٥.

(٢) غيبة النعماني: ٣٣٨/ باب ١٤/ ح ١٣.

(٣) غيبة النعماني: ١٤٦/ باب ١٨/ ح ١.

(٤) التشريف بالمنن/ ابن طاووس: ٢٧١/ باب ٢٩/ ح ٣٩٣.

(٥) غيبة النعماني: ٤١٦/ باب ١٨/ ح ٧.

(٦) عقد الدرر: ١٠٧/ الفصل الثاني.

(٧) كتاب الفتن لأبي نعيم: باب صفة السفياني.

(٨) النساء: ٥٤.

(٩) كمال الدين ٢: ٥٥٧/ باب ٥٧/ ح ١٠.

(١٠) غيبة النعماني: ٣٠٦.

(١١) غيبة النعماني: ٣٠٦ و٣٩٥؛ عقد الدرر: ٥٣.

(١٢) غيبة النعماني: ٢٧٩ و٢٨٠؛ بحار الأنوار ٥٢: ٢٣٧.

(١٣) عقد الدرر، وذكره ابن حماد في الفتن.

(١٤) عقد الدرر: ٦٥؛ غيبة الطوسي: ٢٦٧؛ غيبة النعماني: ٢٧٨.

(١٥) كمال الدين ٢: ٦٦٥.

(١٦) كمال الدين ٢: ٦٥٦.

(١٧) إلزام الناصب ٢: ١٨٨ - ٢٠٠؛ كتاب نوائب الدهور في علائم الظهور/ مير جهاني الطباطبائي.

(١٨) لعلَّ المرأة كانت حاملة بجنين، إمعاناً منه في الغيّ.

(١٩) المصدر السابق.

(٢٠) راجع الخبر في كتاب المهدي من المهد إلى الظهور: ٤٢٩.

(٢١) ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني.

(٢٢) غيبة النعماني: ٣٠٥؛ عقد الدرر: ٥٣. وقد مرَّ ذكر بعض الخبر.

(٢٣) غيبة النعماني: ٢٧٨.

(٢٤) تاريخ ما بعد الظهور/ السيد محمّد الصدر: ١٦٥.

(٢٥) كمال الدين: ٦٥١/ باب ٥٧/ ح ١١.

(٢٦) ما بين القوسين توضيح من المؤلف وليس من متن الخبر.

(٢٧) إثبات الوصية: ٢٢٦.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *
 مقال مختار:
 أكثر المقالات زيارةً:
المقالات دراسات/ حقيقة الإمام المهدي عليه السلام في روايات ومصادر العامة من وسائل التقريب ونبذ الطائفية (المشاهدات: ٩٠٢,٢٤٦) المقالات دراسات/ دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر (المشاهدات: ٥٩,٥٢٨) المقالات دراسات/ منزلة الإمام المهدي عليه السلام عند آبائه المعصومين عليهم السلام (المشاهدات: ٤٠,٨٧٩) المقالات دراسات/ الإمام المهدي في الشعر العربي (المشاهدات: ٣٩,٢٤٢) المقالات دراسات/ البصرة في ظهور الامام عليه السلام (المشاهدات: ٣٨,٠٨٤) المقالات دراسات/ التوظيف السياسي لفكرة المهدي في العهود الاسلامية الاولى (المشاهدات: ٣٧,٣٨٢) المقالات دراسات/ أبعاد من الحكمة الإلهية لغيبة الإمام المهدي عليه السلام (المشاهدات: ٣٥,٢٥٠) المقالات دراسات/ الصيحة والنداء السماوي (المشاهدات: ٣٢,٧٤٩) المقالات دراسات/ أفكار في سلاح الإمام المهدي عليه السلام عند الظهور (المشاهدات: ٣٠,٩٦٤) المقالات دراسات/ دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام (المشاهدات: ٢٨,٠٠١)
 أكثر المقالات تقييماً:
المقالات دراسات/ دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر (التقييمات: ٥.٠ / ٦) المقالات دراسات/ دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ مدّعو المهدوية مهدي السلفية التكفيرية وحركة جهيمان العتيبي (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ الرايات الصفر في الميزان (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ كارثة المسيح الدجال صحابي مسلم مجاهد (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ دراسة القضايا المهدوية (١) (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات شبهات/ شبهات اهل اليمن (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات دراسات/ أصحاب الإمام المهدي عليه السلام الخصوصيات الذاتية والفكرية (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات دراسات/ المهدي والمسيح عليهما السلام علاقة الاقتداء والاستيعاب من منظور قرآني (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات صفحة الطفل المنتظر/ قصة قصيرة (التقييمات: ٥.٠ / ١)
 لتحميل أعداد المجلة (pdf):

 البحث:

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016