فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » إشراقات حسينية في الثورة المهدوية
 كتب أخرى

الكتب إشراقات حسينية في الثورة المهدوية

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: الشيخ إبراهيم الأنصاري البحراني تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٩/٠٧ المشاهدات المشاهدات: ٦٥٢٦ التعليقات التعليقات: ٠

إشراقات حسينيّة في الثورة المهدوية

الشيخ إبراهيم الأنصاري البحراني

فهرس الكتاب

مقدَّمة
مسؤولية الأنبياء (عليهم السلام):
الانقلاب على الأعقاب:
ولكن هل ستبقى الأرض هكذا إلى الأبد؟
العلاقة الوثيقة بين الثورة الحسينيّة والثورة المهدوية، ودور الإمام الخميني (قدس سرُّه) في توطيد هذه العلاقة:
أداء التكليف:
الرؤيا الصادقة:
خروج الحسين (عليه السلام):
المبرّرات الاُخرى لخروجه (عليه السلام):
لماذا هذا النوع من التكليف؟
نتائج الثورة الحسينيّة:
الأول: نتائج قصيرة المدى:
زيارة الأربعين:
شخصية جابر:
شخصية عطيَّة:
حدثٌ غير منتظر:
الثاني: نتائج بعيدة المدى:
الاُولى: التشيّع رؤية شاملة:
الثانية: المهدي (عليه السلام) والعدل الحقيقي:
دولة العدل:
موسى (عليه السلام) والعبد الصالح:
دور الزيارات والأدعية:
١ - الوصول إلى الجوانب الخفيّة من نهضة عاشوراء:
٢ - التأمّل في ما صدر عن المعصومين (عليهم السلام):
المفاهيم التي تشتمل عليها زيارة الحسين (عليه السلام):
١ - مفاهيم اعتقادية:
٢ - مفاهيم أخلاقية:
٣ - مفاهيم سياسية:
٤ - ثأر الله:
عدم الإسراف في القتل:
نفي لا نهي:
دم الإمام الشهيد:
دور عاشوراء في توجيه جيش الحجَّة:
يوم خروج القائم (عليه السلام):
يقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام):
الشجرة الملعونة في القرآن:
فما يزيدهم إلاّ طغياناً:
المبرِّر لقتل الذراري:
خروج لا استثناء:
الإمام الخميني (قدّس سرُّه) وتوطيد العلاقة بين الثورتين الحسينيّة والمهدويّة:
اهتمام الإمام الخميني (قدّس سرُّه) بالسيرة الحسينيّة:
البكاء على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام):
التزام الزيارة:
اللطم على الصدور:
عاشوراء والثورة:
سرّ الانتصار:

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدَّمة

الحمد لله الذي يؤمن الخائفين، وينجِّي الصالحين، ويرفع المستضعفين، ويضع المستكبرين، ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين، والصلاة والسلام على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.
مسؤولية الأنبياء (عليهم السلام):
إنّ الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء وأرسل الرسل من أجل أن يبلِّغوا رسالاته، فيتمُّوا الحجَّة على الناس. قال تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ِلئلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيماً﴾ (النساء: ١٦٥). ولا فرق بين كافة الأنبياء في أداء هذه المهمَّة بأحسن الوجوه؛ سواءً كان هو النبي نوحاً (عليه السلام)، أو سليمان (عليه السلام)، أو النبيّ محمداً (صلّى الله عليه وآله)، فكلّ منهم قد أدّى رسالة ربِّه، وأوصل ما عليه من المسؤولية إلى منزلها، من غير أن يفرِّط فيما حمِّل، ولم يطلب الأجر من الناس. قال تعالى: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء: ١٠٩).
اللّهمّ إلاّ ما طلبه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الذي يعدُّ بشارة للناس لا عبئاً عليهم. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (الشورى: ٢٣)؛ لأنَّ منافع هذا الأجر ترجع إلى المؤمنين أنفسهم. قال تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (سبأ: ٤٧).
وبغضّ النظر عن البعد الإلهي وأداء المسؤولية، فإنّنا لو نظرنا إلى الجانب العملي لرسالة الأنبياء (عليهم السلام)، فالأمر يختلف بين نبي وآخر.
فمنهم مَنْ لم يؤمن به إلاّ القليل، فلم يتمكن من تغيير واقع الأمّة بنحو شامل وكلي، كنوح (عليه السلام)، الذي وصل أمره إلى أن يقول الله تعالى عنه: ﴿أُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (هود: ٣٦)؛ ولذلك دعا على المعاندين والكافرين منهم جميعاً. قال تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّاراً﴾ (نوح: ٢٦-٢٧).
ومنهم مَنْ تمكّن من تشكيل حكومة على أساس التوحيد، كسليمان (عليه السلام). قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي ِلأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ (ص: ٣٥).
وقد استجاب الله دعوته حيث قال: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ (ص: ٣٦).
الانقلاب على الأعقاب:
لا شكّ في أنّ الخطّ العملي الذي رسمه خاتم النبيين، الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وضحَّى في سبيله بكلّ غالٍ وثمين، لم يستمرّ بعد ارتحاله بالشكل الكامل؛ وذلك لا لتقصيره في تبليغ الشريعة، كيف وهو الذي خاطبه الله سبحانه بقوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ (الكهف: ٦)، ولكن لانتكاس الأمّة، وسوء تصرُّف الولاة.
وقد أخبر القرآن الكريم بذلك حيث قال: ﴿أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ (آل عمران: ١٤٤)، فانحرفت المسيرة عن صراطها المستقيم، فاستُبدل الإسلام المحمّدي الأصيل الذي كان بصدد إيصال الناس إلى السعادة الأبدية، بإسلام مُزيَّف أرجع الأمّة القهقرى، وورّطها في متاهات لا خلاص منها، فوصلت إلى ما هي عليه الآن، لا خيار لها إلاّ الرضوخ للظالمين المستكبرين، والائتمار بأوامرهم الشيطانيّة.
اللّهمّ إلاّ القليل الذين وفوا بعهد الله، وتمسكُّوا بحبله، رغم الصعوبات القاصمة للظهر، والشدائد المنفدة للصبر، فالتزموا طريق الحقّ والصبر وتواصوا بهما، فهم المؤمنون حقّاً غير الخاسرين صدقاً، اقتدوا بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
ولكن هل ستبقى الأرض هكذا إلى الأبد؟
كيف وقد وعد الله عباده المستضعفين؛ حيث قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: ٥-٦)، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥)؟
فهناك مَنْ يخلِّص الناس من الاستضعاف، وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولكلٍّ من الأئمة (عليهم السلام) دور خاصّ في التمهيد لذلك المصلح العالمي.
هذا وحيث إنَّ قيام دولة المهدي (روحي لتراب مقدمه الفداء) يتطلَّب اُموراً كثيرةً من ناحية إعلامية، ومن ناحية عملية؛ فلذلك نشاهد أنَّ أدوار أئمتنا كانت مختلفة، فكلٌ كان يهيِّئ الأرضية من جانبٍ خاصّ.
وهذا لا يعني أنَّ الزمان والمكان والظرف لم يكن لها أيّ دور في تلك المواقف، بل كان لها دورٌ، ولكنَّه هامشي، لا يغيِّر في الاستراتيجية، بل له تأثير في الخطَّة والتكتيك.
فالإمام الرضا (عليه السلام) بهجرته التأريخية المؤلمة، وتحمُّله الصعوبات والضغوط الروحية والجسمية، تمكَّن من إيجاد المدرسة الخراسانيَّة، التِّي لها الأثر الكبير في تعزيز جيش الإمام المهدي (عليه السلام)، وكان بصدد خلق أرضيَّة عملية لتلك الدولة المباركة التِّي تحدَّث عنها وهو في نيسابور، عندما التقاه دعبل الخزاعي، وأنشد قصيدته التائية، إلى أن قال:

خروجُ إمامٍ لا محالة خارجٌ * * * يقومُ على اسم اللهِ والبركاتِ
يميّزُ فينا كلّ حقّ وباطلٍ * * * ويجزي على النعماء والنقماتِ

فبكى الإمام (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه وقال: «يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري مَنْ هذا الإمام ومتى يقوم؟». فقلت: لا يا مولاي، إلاّ أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد، ويملأها عدلاً.
وهكذا سائر أئمتنا (عليهم السلام)، لكلٍّ منهم موقف ينصبُّ في الغاية القصوى التِّي من أجلها بُعِث الرُسل وشُرِّع الدين. الغاية التي لا تكتمل إلاّ بظهور الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه).
وأمّا الإمام الحسين (عليه السلام) فتميَّز بأنّه كان بصدد إيجاد روحيّة الجهاد، وتطهير الأرض من كلّ عوامل الضلال والانحراف، والظلم والفساد، وهي روحية تتلخّص في مفهوم أخلاقي مقدَّس، وهو (أخذ ثأر الله تعالى) الذي هو الشعار الحقيقي لمهدي الأمّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).
وهذا الجانب الروحي له دور رئيس في قيامه، وفي انتصاره العظيم على جيش السفياني الذي يمثِّل خطّ الضلال والباطل طوال التأريخ الإسلامي.
ولكن أبى الله أن يجري الاُمور إلاّ بأسبابها، فكان للأمّة دور فعّال في تثبيت ونشر ثورة سيّد الشهداء (عليه آلاف التحيَّة والثناء)، وذلك من خلال إحياء ذكرى عاشوراء، والبكاء واللطم، والمشاركة في أكبر التظاهرات والمواكب الحسينيّة.
غير أنّ للثورة الإسلاميّة التي قام بها الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدَّس الله نفسه الزكية) دوراً أكبر، وتأثيراً أعظم في تعزيز فكر عاشوراء، وبلورة خطّ سيّد الشهداء، ونقله من مستوى النظرية إلى مستوى الواقع، من خلال مقارعة الظالمين بالسيف، والتضحية بالدم، حيث سقط على الأرض آلاف الشهداء، كلُّهم ينادون: السلام عليك يا أبا عبد الله.
هذا الكتاب أُلّف من أجل تبيين الغاية من الثورة الحسينيّة المباركة، وعلاقة هذه الثورة بنهضة الإمام المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، وأيضاً دور الإمام الراحل في تعزيز وتوطيد الخطّ الحسيني، وربطه بالخطّ المهدوي.
أدعو الله سبحانه أن يتقبَّله منّي، فلا اُريد إلاّ رضاه، ورضا مَنْ رضاهم رضاه، أهل بيت العصمة والطهارة، محمَّد وآله الطيبين الطاهرين (روحي وأرواح مَنْ سواهم فداهم).
والحمد لله ربِّ العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقة الوثيقة بين الثورة الحسينيّة والثورة المهدوية، ودور الإمام الخميني (قدس سرُّه) في توطيد هذه العلاقة

أداء التكليف:
عندما نتأمّل في النهضة الإسلاميّة المباركة التّي حققها سيّد الشهداء، وأبو الأحرار، الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، نستنتج أنّه (عليه السلام) لم يكن يلحظ من وراء ثورة عاشوراء إلاّ العمل بالتكليف الإلهي، الذي ينحصر في شيء واحد وهو رضا الله تعالى، وهو من أرقى الكمالات الإنسانية التي لا يصل إلى قمّتها إلاّ المطهّرون عن الرجس بنحو مطلق، والمهاجرون إلى الله تعالى الذين يخطون خطاهم، ويستضيئون بنورهم.
وبما أنّ الله سبحانه هو غاية الجمال، فالسالك إليه يرى كلّ شيء فيه رضاه تعالى جميلاً؛ ولذلك عندما واجه الطاغية عبيد الله بن زياد عقيلةَ بني هاشم في مجلسه وقال لها: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ قالت: ما رأيت إلاّ جميلاً.
ولذا اكتسبت حادثة عاشوراء قدسيّةً منقطعةَ النظير، وهذا شأن كلّ عملٍ إلهي يكون خالصاً لوجهه تعالى.
قال الإمام الخميني (قدِّس سرُّه): نحن كلُّنا مأمورون بأداء التكليف والوظيفة، ولسنا مأمورين بالنتيجة.
وفي بيان السرّ في أنَّ ضربة عليٍّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين، قال (قدِّس سرُّه): إنَّ قيمة الأعمال ترجع إلى العشق والحبّ للحقّ تعالى، وترجع إلى هذا الفناء والتوحيد الموجود في الإنسان، وهذا الأمر هو الذي أعطى الأهميَّة لهذه الضربة، حيث صارت أفضل من عبادة الثقلين.
ولو فُرض أنَّ شخصاً آخر كان قد ضرب هذه الضربة دفاعاً عن الإسلام، ولكن ليس من منطلق العشق، وبالفعل أدَّت تلك الضربة إلى حفظ الإسلام وانتشاره، ولكن مبدأها لم يكن عِشقيّاً، لم تكن تلك الضربة بالتأكيد أفضل من عبادة الثقلين، فليست القيمة المعنوية لرفع اليد وقتل الكافر، بل القيمة المعنوية للنيَّة والعشق لله سبحانه.
ومن هذا المنطلق العقائدي، وأيضاً عند التمعُّن في كلمات سيّد الشهداء (عليه السلام)، وكلمات كلّ مَنْ أخبر عن حادثة كربلاء من الأنبياء (عليهم السلام)، والنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، نصل إلى النتيجة التالية، وهي أنَّ هناك تكليفاً إلهياً على عاتق الإمام الحسين (عليه السلام) بالخصوص لا يمكن لغيره من الأولياء والأنبياء أداء هذا التكليف؛ لخصوصيَّة في شخصيته (عليه السلام)، وكذلك في العصر الذي كان يعيش فيه.
الرؤيا الصادقة:
هناك حديث طويل ينقله ابن الحنفيَّة حول الرؤيا التي رآها الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث رأى فيها جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وهو يخاطبه قائلاً: «يا حسين، اخرج فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً».
فقال محمّد بن الحنفية: إنّا لله وإنا إليه راجعون! فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟
قال: «فقال لي (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله قد شاء أن يراهنَّ سبايا»(١).
وفي رواية المفيد (عليه الرحمة) قال (عليه السلام): «إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المنام وأمرني بما أنا ماضٍ له». فقالوا له: ما تلك الرؤيا؟ فقال: «ما حدّثت أحداً بها، ولا أنا محدّث بها أحداً حتّى ألقى ربّي (عزّ وجلّ)»(٢).
خروج الحسين (عليه السلام):
هل كانت هذه الرؤيا هي السبب الرئيس في خروجه (عليه السلام) إلى كربلاء؟ وهل شأن رؤيا الإمام هو شأن رؤى الأنبياء والأوصياء دائماً، فتكون الأوامر التِّي يأمرهم الله سبحانه بها وحياً إلهياً يجب اتِّباعها وإن كانت في الرؤيا؟ أم كان الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال معايشته لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإخباراته الغيبيَّة له، يَعلم أنَّه سوف يُقتل بأرض معيَّنة وفي زمن محدَّد، وكان يَعرف جميع خصوصيّات الحادثة، وما الرؤيا إلاّ تأكيد وتعزيز لتلك المعرفة السابقة؟
إنَّ هناك أحاديث كثيرة نُقلت عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) تتعلَّق بقتل الحسين (عليه السلام) بالتفصيل، قد ذكر فيها سنة شهادته، وكيفيَّة قتله، والجماعة التي تخرج لقتله، ومحلّ شهادته.
أما عن سنة شهادته فقد ورد عن الرسول (صلّى الله عليه وآله): «يُقتل حسين بن علي على رأس ستين من مهاجرتي».
وأما عن كيفيَّة قتله فقد قال (صلّى الله عليه وآله): «يُقتل ابني الحسين بالسيف».
وأمّا عن الذين يقتلونه فقد ورد عنه (صلّى الله عليه وآله): «يَقتل الحسينَ شرُّ الاُمّة، ويتبرأ من ولده مَنْ يكفر بي». «يزيد! لا بارك الله في يزيد»، ثم ذرفت عيناه (صلّى الله عليه وآله)(٣)، ثم قال: «نُعي إليّ حسين، وأُتيت بتربته، وأُخبرت بقاتله».
وأمّا الأحاديث عن محلّ شهادته فكثيرة. نذكر بعضها:
- «يُقتل الحسين بأرض بابل».
- «إنّ ابني هذا يُقتل بأرض العراق، فمَنْ أدركه فلينصره».
- «أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أنّ هذا - أي الإمام الحسين (عليه السلام) - يُقتل بأرض العراق».
- «إنّ الحسين يُقتل بشط الفرات».
- «إنّما هي أرض كرب وبلاء».
- «وإنّ سبطك هذا - وأومى بيده إلى الحسين - مقتول في عصابة من ذريّتك وأهل بيتك، وأخيار من اُمّتك بضفة الفرات، بأرض يُقال لها: كربلاء».
- «يا بني، إنّك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تُدعى عمورا، وإنّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك».
- «اُسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يُقال له: كربلاء، فرأيت فيه مصرع الحسين ابني، وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي».
- «طوبى لك من تربة، وطوبى لمَنْ يُقتل فيك»(٤).
وأما عن كيفية قتله، ومَنْ الذي يقتله، وجزاء قاتليه فقد جاء:
- «يا عمّة، تقتله الفئة الباغية من بني اُميّة».
- «يا اُمّ سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل».
- «يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم، والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء، يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم. قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يُقال له: كربلا، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمّة، يخرج عليهم شرار اُمّتي».
- «يا بني، أُقبّل موضعَ السيوفِ منك. قال: يا أبه، وأُقتل؟ قال: إي والله».
- «أتاني جبرئيل فأخبرني أنّ أمّتي تقتل ولدي هذا، وقد أتاني بتربة حمراء».
- «وايم الله ليقتُلُنّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي».
- «كأنّي به وقد خُضّبت شيبته من دمه، يدعو فلا يُجاب، ويستنصر فلا يُنصر».
- «بل تُقتل يا بُني ظلماً».
- «الويل لمَنْ يقتلك».
- «أوحى الله إلى نبيّكم (صلّى الله عليه وآله): إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً»(٥).
المبرّرات الاُخرى لخروجه (عليه السلام):
وأمّا المبرّرات الاُخرى التِّي يُشير إليها الإمام الحسين (عليه السلام)، سواء في خُطبه، أو كلماته، أو أدعيته، أو مواقفه العملية - مع الدِّقة والتأمِّل فيها - فهي لا تخلو من أحد اُمور ثلاثة:
١ - إمّا بيان ذلك التكليف، ولكن بلسان غير صريح.
٢ - وإمّا هي منصبَّة بالأخير في تلك المسألة، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير على منهاج رسول الله، وأيضاً طلبُ الشهادة من الله سبحانه.
٣ - وإمّا أنَّها لإسكات عامّة الناس الذين لا يستوعبون أفعال المعصوم ومواقفه، وهو نوع من الجدال بالتي هي أحسن، كعرض كتب أهل العراق.
لماذا هذا النوع من التكليف؟
يبقى هذا السؤال بلا جواب، وهو لماذا هذا النوع من التكليف لسيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)؟ حيث يُقتل هو وجميع أولاده وأصحابه وذويه، وتسبى نساؤهم من بلد إلى بلد.
- هل كان هذا ضمن المخطط الإلهي في قضائه وقدره؟
- أم إنّ الناس بتخاذلهم عن علي (عليه السلام)، وبانحرافهم عن الإسلام الأصيل ووضعهم الأحكام الباطلة، هم الذين أوصلوا الأمر إلى هذه المرحلة الخطيرة، التي انجرّت إلى إلقاء هذا التكليف على عاتق الحسين (عليه السلام)؟
- ثمَّ هل حدث تغيير جذري في الإسلام باستشهاده (عليه السلام)؟ وهل استقام دين محمد بقتله، حين قال: إنّ كان دين محمَّد لم يستقم إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني؟
- وهل كانت كلّ هذه التضحيات لأجل بقاء ظاهر الإسلام من أذانٍ لا محتوى فيه، وصلاةٍ لا عروجَ إلى الله يصحبها، وصوم لا جُنةً من النار تلازمه، وحجّ لا قيام ضدِّ الشرك ومظاهره يعقبه، وإنفاقٍ لا بركة وراءه، وقراءةِ قرآن لا عمل به؟ أم إنّ هناك مسألة اُخرى وراء كلِّ هذه التضحيات؟ وما هي؟
نتائج الثورة الحسينيّة:
أقول: يمكننا أن نلخّص نتائج هذه الثورة العظيمة بنظرةٍ سريعة في أمرين مضافين إلى مقام سيّد الشهداء (عليه أفضل الصلاة والسلام)، الذي ورد فيه عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) مخاطباً إياه (عليه السلام): «إنَّ لك في الجنّةِ درجاتٍ لا تنالها إلاّ بالشهادة»(٦):
الأول: نتائج قصيرة المدى:
وهي تتلخَّص في كلمة واحدة، وهي كشف الوجه الآخر لبني اُميّة، والممهِّدين لهم بنحو عام، وإظهار حقيقة يزيد بن معاوية (عليه اللعنة) بنحو خاص.
وهذه رغم أهميَّتها البالغة لا تشكِّل البعد الأهم في هذه النهضة المباركة، ولا تتناسب مع ما حدث في كربلاء من جرائم بحقّ سيّد شباب أهل الجنَّة، وريحانة رسول الله الإمام الحسين (عليه السلام).
وقد تحقّق هذا الأمر - أعني انكشاف مساوئ بني اُميّة - من خلال مواقف كثيرة. نشير إلى أهمِّها:
أوّلاً: خطب وكلمات الإمام الحسين (عليه السلام)، ومواقفه الحاسمة:
١ - ففي وصيته (عليه السلام) لأخيه ابن الحنفيّة قال: «إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلّى الله عليه وآله)؛ اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبى طالب (عليه السلام)، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين»(٧).
٢ - وفي كتابه إلى أشراف الكوفة: «أمّا بعد، فقد علمتم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد قال في حياته: مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله»(٨).
٣ - وقال (عليه السلام): «موت في عزّ خيرٌ من حياة في ذلّ»، وأنشأ (عليه السلام) يوم قُتل:

الموتُ خيرٌ من ركوب العارِ * * * والعارُ أولى من دخول النارِ(٩)

٤ - قال لأصحابه: «قد نزل ما ترون من الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتّى لم يبق منها إلاّ كصبابة الإناء، وإلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون الحقّ لا يُعمل به، والباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن فى لقاء الله، وإنّى لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً»(١٠).
٥ - وروي أنّه (صلوات الله عليه) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال: «الحمد الله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله وسلم، خُطّ الموت على ولد آدم مخَطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا، فيملأنَ منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين.
لن تشذّ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز لهم وعده. مَنْ كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا؛ فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله»(١١).
٦ - «ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك! هيهات منّي الذلّة، أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طهرت، وحجور طابت أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(١٢).
ثانياً: المواقف البطوليَّة لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى والإمام زين العابدين وأهل البيت (عليهم السلام)، وسائر مَنْ أُخذوا أسرى إلى الكوفة والشام
١ - وهذه المواقف قد ظهرت في خطبة زينب (عليها السلام) في أهل الكوفة التي من جملتها: فتعساً تعساً، ونكساً نكساً، لقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبُؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة. أتدرون - ويلكم! - أي كبد لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) فريتم؟ وأيّ عهد نكثتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ حرمة له هتكتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ (لقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً). لقد جئتم بها صلعاء عنقاء، سوداء فقهاء، شوهاء خرقاء، كطلاع الأرض وملء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟ (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ)(١٣).
٢ - وأيضاً في خطبتها في الشام، وقد ورد فيها: فكِد كَيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدد، وجمعك إلاّ بَدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين(١٤).
٣ - خطبة الإمام زين العابدين (عليه السلام) في أهل الكوفة: «أيّها الناس، ناشدتكم بالله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، وقاتلتموه وخذلتموه؟ فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم! بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من اُمّتي؟!»(١٥).
٤ - وخطبته (عليه السلام) أيضاً في الشام: «يا بن معاوية وهند وصخر، لم تزل النبوّة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد، ولقد كان جدّي علي بن أبي طالب في يوم بدر وأحد والأحزاب في يده راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار. ويلك يا يزيد! إنّك لو تدري ماذا صنعت، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذاً لهربت في الجبال، وافترشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب مدينتكم، وهو وديعة رسول الله فيكم، فأبشر بالخزي والندامة غداً إذا جُمع الناس ليوم القيامة»(١٦).
ثالثاً: زيارة الأربعين، وخروج الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه) برفقة مفسِّر القرآن عطيَّة العوفي إلى زيارة قبر أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)؛ حيث إنَّ هذه الزيارة قد قضت على جميع الأضاليل الإعلامية التي نشرها يزيد بن معاوية ضدَّ سيّد الشهداء (عليه السلام)، حتّى في مركز حكومته - أعني الشام -؛ ولذلك صار الأربعين من أيام الله، يجتمع فيه المؤمنون تحت قُبَّة سيّد الشهداء (عليه السلام)، ويذكرون تلك المواقف البطولية، ويردّدون مصائبه الأليمة، فيسلِّمون على الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه البررة، ويلعنون الزمرة الطاغية من آل أميّة.
وصار الأربعين من السنن التي تشخِّص هويَّة الشيعة، فهذه السُنَّة قد أسَّسها الإسلام حين دعا إلى الاهتمام بزيارة قبور الأولياء والشهداء، وقد كان يُحييها أولياء الدين؛ حيث كانوا يزورون قبور الرموز الدينية من الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين.
زيارة الأربعين:
هذه الزيارة من علامات المؤمن. ويراد من المؤمن الشيعي الإمامي الاثني عشري.
فقد ورد في الحديث عن الإمام العسكري (عليه أفضل التحيَّة والثناء) أنه قال: «علامات المؤمن خمس؛ صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم».
إنّ هذه الخطوة التِّي خطاها هذا الصحابي الجليل (رضوان الله تعالى عليه) كان لها الأثر البالغ في إحياء شريعة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله)، وكان لها دور عظيم في تثبيت النهضة المباركة الحسينيّة، وتركيز جذورها على مدى العصور؛ حيث تمكّن هذا الصحابي أن يقضي على جميع مؤامرات بني اُميّة، وإعلامهم المناوئ ضد الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه، كما فنّد بزيارته العقائد الفاسدة التِّي نشرها بنو أميَّة في أفكار المسلمين عامَّة، وأهل الشام خاصّة.
كلُّ ذلك لأنّ جابر بن عبد الله الأنصاري وعطية العوفي كانا رمزين من الرموز المعروفة لدى المسلمين.
شخصية جابر:
هو ابن عبد الله الأنصاري ابن عمرو بن حزام المدني العربي الخزرجي. نزل المدينة، وهو من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد شهد معه بدراً وثماني عشرة غزوة، ومن الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن شَرَطة خميسه، ومن أصحاب الإمام الحسن والإمام الحسين، والإمام السجّاد والإمام الباقر (عليهم السلام).
وكان له ولاء وحبّ مميَّز لأهل البيت (عليهم السلام)، ويكفى في بيان مستوى حبِّه ما ورد في الحديث عن معاوية بن عمّار، عن أبي الزبير المكّي قال: سألت جابر بن عبد الله، فقلت: أخبرني أيّ رجل كان علي بن أبي طالب؟ قال: فرفع حاجبه عن عينيه، وقد كان سقط على عينيه، قال: فقال: ذلك خير البشر. أما والله، إنّا كنّا لنعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ببغضهم إيّاه.
شخصية عطيَّة:
كما كان عطيّة بن سعد بن جنادة العوفي من محبيهم (عليهم السلام)، الوالهين إليهم؛ فقد ورد في وجه تسميته أنّه جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو بالكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه قد ولد لي غلام فسمّه. فقال: «هذا عطيّة الله»، فسمّي عطيّة.
وهو مفسِّر للقرآن، له تفسير في خمسة أجزاء، وهو الذي ينقل الخطبة الفدكيَّة عن زينب (عليها السلام)، عن الزهراء (عليها السلام).
حدثٌ غير منتظر:
ذهابهما إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء كانت مفاجأة عظيمة، وحدث غير منتظر، فلم يكن عامّة الناس يدرون أنّ الإمام الحسين قد قُتل، فزيارة جابر وعطية لقبر الإمام الحسين (عليه السلام) ثبّتت اُموراً كثيرة، كأصل استشهاده (عليه السلام)، وفضيلة زيارته، وفضيحة بني اُميّة، الذين كانوا يتولّون شؤون المسلمين، لا سيما أنّ الزيارة قد وقعت بنحو من التمثيل والتجسيد؛ كي تبقى في الأذهان مدى العصور.
يقول عطيّة العوفي: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلمّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل، ثمّ ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سعد فنثرها على بدنه، ثمّ لم يَخطُ خطوة إلاّ ذكر الله، حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه.
فألمسته، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه، فرششت عليه شيئا من الماء فأفاق، وقال: يا حسين، ثلاثاً، ثمّ قال: حبيبٌ لا يجيب حبيبَه، ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب وقد شُحطت أوداجك على أَثباجِك، وفُرِّقَ بين بدنك ورأسك، إلى آخر الزيارة.
رابعاً: إقامة مجالس العزاء، وإحياء ذكر سيّد الشهداء من قِبل الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام)، والحث على ذلك ببيان فضائلهم، ومثالب أعدائهم، وأهمِّية الإنشاد فيهم.
وقد ورد في الحديث عن الرضا (عليه السلام): «مَنْ تذكّر مصابنا، وبكى لما ارتُكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومَنْ ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى، لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَنْ جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(١٧).
والأحاديث في هذا المجال كثيرة(١٨).
خامساً: الزيارات المستمرة ذات المحتوى المركَّز والدقيق، في المواسم الخاصّة التي تعدّ من أيّام الله، وحث الأمَّة على التزامها.
الثاني: نتائج بعيدة المدى:
فلسفة الثورة الحسينيّة هي إيجاد أرضية خصبة؛ لتمكين الإسلام المحمَّدي الأصيل على جميع بقاع الأرض في ظل الحكومة الإلهيَّة، التي سوف يؤسِّسها ولي العصر وصاحب الأمر، الحجَّة بن الحسن المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).
ومن ثمَّ استقامة دين الله، وتحقق مصداقية خلق الإنسان، بل السماوات والأرض، وإظهار الحكمة الإلهيَّة، والفلسفة الربّانية من خلق الكون، وتجسيد هدف بعث الأنبياء جميعاً، وذلك بظهور المهدي المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وحينئذٍ يكون هناك تناسب بين إراقة تلك الدماء الطاهرة وهذه الغاية المنشودة؛ حيث إنَّها الغاية من الدين، والمغزى من بعثة جميع الأنبياء والمرسلين، والسرّ في نبوَّة خاتم النبيّين.
فالحجَّة ابن الحسن المهدي (روحي له الفداء) هو وارثهم جميعاً، وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، (حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ).
وإثبات هذه الحقيقة يحتاج إلى شرحٍ وافٍ، واستقراء تامّ للآيات والأحاديث، والزيارات والأدعية الشريفة.
وقبل الشروع في ذلك لا بدّ من ذكر مقدّمتين:
الاُولى: التشيّع رؤية شاملة:
إنّ التشيّع الذي يمثّل الإسلام المحمدي الأصيل هو مدرسة متكاملة، وفي نفس الوقت فإنّ مفرداته مترابطة تماماً غير قابلة للانفكاك. فعقيدة التشيّع لا تنفك عن أخلاقياته، كما لا ينفكان عن تأريخه ومواقف أئمّته (عليهم السلام).
فمَنْ أراد أن يعرف تاريخ أئمّة الشيعة (عليهم السلام)، ومواقفهم في قبال الظلمة المعاصرين لهم، ينبغي له أن يدرس الفكر الشيعي بدقَّة أولاً، وعلى ضوء ذلك يعمد إلى تاريخ الشيعة فيتجوّل حيث شاء.
وأمّا لو وضع الباحث يده على مفردة من المفردات الشيعيَّة، وركَّز على زاوية واحدة فحسب، من غير أن يلاحظ سائر الزوايا المرتبطة بها، فمن الطبيعي أن ينحرف عن المسار الصحيح.
وهذا الانحراف سوف يؤدِّي به إلى السقوط في أخطاء كبيرة اُخرى، لا يمكن التخلُّص منها فيما بعد، شأنه شأن مَنْ يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.
ومن الواضح أنَّ مثل هذا الإنسان سوف ينحرف عن المسير الصحيح، وسوف يقع في ظلمات لا خلاص له منها.
الثانية: المهدي (عليه السلام) والعدل الحقيقي:
ثمّ لا يخفى على كل مَنْ يدرس فكر الشيعة - ولو إجمالاً - أنّ الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) من أهم وأبرز معتقداتهم، وأنّ دولته المباركة هي العلّة الغائية، والنتيجة الأخيرة التي يتوقّعها كلّ مَنْ يوالي أهل البيت (عليهم السلام).
«اللّهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة».
ومن الطبيعي أنّ الباحث لو نسي تلك النتيجة، أو تغافل عنها، سوف يؤدِّي ذلك إلى انحرافه الفكري، وخروجه عن الصراط المستقيم.
دولة العدل:
ثمَّ إنَّ الإمام الحجَّة ابن الحسن (عليه السلام) سوف يؤسِّس دولة يطبَّق فيها حقيقة الدين، وباطن شريعة سيّد المرسلين؛ حيث لا عدل حقيقياً إلاّ بذلك.
وهذا ما يدلّنا عليه حكم العقل، حيث يقول: إنّ العدل هو إعطاء كلِّ ذي حقّ حقَّه، ومصداقيته لا تظهر إلاّ إذا كان الحاكم ببصيرته الملكوتية الباطنية يشرف على الأمَّة، فيتعامل معهم تعاملاً غيبياً، غير معتمدٍ على الشهود والبيِّنات الظاهرية؛ لأنّ البيّنات إنّما تُثبت أحكاماً ظاهرية غير واقعيَّة، فربَّ ظالم يغصب حقَّ الآخرين بشهادة زور.
موسى (عليه السلام) والعبد الصالح:
ولعلّ ذكر ما جرى بين موسى والعبد الصالح (الخضر) في القرآن الكريم إنّما هو من أجل تبيين نموذج من العدل الواقعي؛ تمهيداً لما سيتحقَّق في المستقبل على مستوى العالم كلِّه.
وقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمِّي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(١٩) ما ملخّصه: إنّه لمّا كلم الله موسى تكليماً، وأنزل عليه الألواح، أراد الله أن يبيِّن لموسى (عليه السلام) مستوى علمه، فأوحى إلى جبرئيل (عليه السلام) أن أخبره بأنّ هناك رجلاً أعلم منك فاذهب إليه وتعلَّم منه.
فعندما أخبره ذلَّ موسى (عليه السلام) في نفسه، ودخله الرعب، و﴿قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾ (الكهف: ٦٠)، فتزوَّد وصيُّه يوشع حوتاً مملوحاً، فخرجا، ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ (الكهف: ٦١) وجدا رجلاً مستلقياً على قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصيّ موسى (عليه السلام) الحوت وغسله بالماء، ووضعه على الصخرة، ومضيا وقد ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾ (الكهف: ٦١-٦٢)، أي عناء، فذكر وصيُّه السمكة، ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً﴾ (الكهف: ٦٣).
فقال موسى (عليه السلام): ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ (الكهف: ٦٤-٦٥)، وهو في الصلاة، فقعد موسى حتّى فرغ من الصلاة، فسلّم عليهما، ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً﴾ (الكهف: ٦٦-٦٧).
ففعل أفعالاً ثلاثة لم يصبر موسى عليها، رغم أنَّه وعده بذلك إن شاء الله، وكان مستعدّاً ومتهيّئاً له، وهي:
١ - خرق السفينة: ولم يصبر موسى على ذلك، بل اعترض و ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾ (الكهف: ٧١).
٢ - قتل الغلام: فاعترض أيضاً وقال: ﴿أقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً﴾ (الكهف: ٧٤).
٣ - بناء الجدار الذي كان مشرفاً على السقوط، ولم يتمالك موسى (عليه السلام) نفسه، فاعترض عليه مرَّة ثالثة بقوله: ﴿لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ (الكهف: ٧٧).
وحينئذٍ قال الخضر (عليه السلام): ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ (الكهف: ٧٨)، وأخبره عن السبب لتلك التصرُّفات، وانكشف أنَّها جميعاً كانت طبقاً لموازين شرعيّة وأحكام إلهيَّة.
والجدير بالذكر ما في الحوادث الثلاثة من التنوُّع والاختلاف من نواحٍ شتَّى، منها الاختلاف من حيث الزمان؛ فخرق السفينة كان لأجل ما سيتحقّق في الحال، من أخذ كلّ سفينة سليمة غصباً، وقتل الغلام كان لأجل أنَّه سوف يؤذي أبويه في المستقبل، وبناء الجدار لأجل وجود كنز تحته في الماضي، فكان الخضر عالماً بما كان وما يكون وما هو كائن.
هذا، ووليُّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه) سوف يتعامل مع الاُمور تعاملاً غيبياً كصاحب موسى (عليه السلام)، فمَنْ ليس له ارتباط روحي به لا يتمكّن من التأقلم والاستئناس معه (عليه السلام)، ولا يصل الإنسان إلى تلك الدرجة إلاّ إذا كان يمتلك فهماً للمسائل أعلى مستوىً من موسى (عليه السلام)؛ ليصبر على ما سيحقِّقه ولي الله الأعظم، ممّا يتراءى لبعض الناس أنّه قتل وتخريب أو غير ذلك؛ فإنَّه سوف يقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) كما سيأتي شرحه تفصيلاً.
دور الزيارات والأدعية:
يضاف إلى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والأدعية مجموعة كبيرة من الزيارات العامَّة والخاصَّة لكلِّ إمام، يمكن أن يُفهم منها كثير من الجوانب الغامضة غير المذكورة في تاريخ حياة أئمتنا (عليهم السلام). منها:
١ - الوصول إلى الجوانب الخفيّة من نهضة عاشوراء:
هناك زيارات لسيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)؛ سواء المطلقة منها كزيارة وارث، أو الخاصة بزمان كزيارة عاشوراء، من خلالها يمكننا أن نصل إلى كثير من الجوانب الخفية من نهضته المباركة نهضة عاشوراء.
علماً بأنَّ المؤرخين في سنة ستين من الهجرة في كربلاء لم يكونوا من المؤمنين بأهل البيت (عليهم السلام)، بل كانوا من جملة أتباع الخليفة يزيد بن معاوية، جاءوا مع العسكر؛ لكي يدوِّنوا ما يطلقون عليه قتل الخوارج ونهب أموالهم، ثم يصلوا إلى مطامعهم الدنية، فمن الطبيعي أنّهم لم يعمدوا إلى الحقائق ليثبتوها، بل كانت غايتهم إرضاء الطاغية يزيد (عليه اللعنة).
٢ - التأمّل في ما صدر عن المعصومين (عليهم السلام):
ومن هذا المنطلق يكون من الضروري واللازم علينا التأمّل في كلّ ما صدر عن المعصومين (عليهم السلام)، لا بالصراحة فحسب، بل حتّى بالإيماء والإشارة من خلال الزيارات المختلفة.
وأعني من كلمة التأمّل الدقّة والإمعان بوضع النقاط على الحروف، كالدقّة التّي نمارسها في فهم القرآن الكريم.
ومن الجدير أن ندقِّق في مثل هذه الواقعة العظيمة التي تتعلّق بسيّد الشهداء، وسبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجنّة، أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، التي نحن نعيشها بجميع وجودنا، وهي قوام مذهبنا الحقّ.
وقد ورد عن أئمّتنا (عليهم السلام) زيارات كثيرة لسيِّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، تشتمل على مفاهيم اعتقادية، وأخلاقية وسياسيَّة وغيرها، وهذه الزيارات يمكن تقسيمها في بادئ الأمر إلى قسمين:
أ - الزيارات المطلقة.
ب - الزيارات المختصّة بأوقات معيَّنة.
المفاهيم التي تشتمل عليها زيارة الحسين (عليه السلام):
١ - مفاهيم اعتقادية:
«السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله... يا مولاي يا أبا عبد الله، أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك مدلهمّات ثيابها، وأشهد أنّك من دعائم الدين، وأركان المؤمنين، وأشهد أنّك الإمام البرّ التقي، الرضي الزكي، الهادي المهدي، وأشهد أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والحجّة على أهل الدنيا، وأُشهد الله وملائكته، وأنبياءه ورسله، أنّي بكم مؤمن وبإيابكم، موقن بشرائع ديني، وخواتيم عملي، وقلبي لقلبكم سلم، وأمري لأمركم متبع...»(٢٠).
٢ - مفاهيم أخلاقية:
«اللّهمّ اجعل ما أقول بلساني حقيقته في قلبي، وشريعته في عملي. اللّهمّ اجعلني ممّن له مع الحسين (عليه السلام) قدماً ثابتاً(٢١)، وأثبتني فيمَنْ استشهد معه»(٢٢).
٣ - مفاهيم سياسية:
«لعن الله أمّة قتلتك، ولعن الله أمّة خذلتك، ولعن الله أمّة خذّلت عنك. اللّهمّ إنّي أُشهدك بالولاية لمَنْ واليت، ووالته رسلك، وأشهد بالبراءة ممّن برئت منه، وبرئت منه رسلك. اللّهمّ العن الذين كذّبوا رسلك، وهدموا كعبتك، وحرّفوا كتابك، وسفكوا دماء أهل بيت نبيك، وأفسدوا في بلادك، واستذلّوا عبادك»(٢٣).
٤ - ثأر الله:
وهناك مفهوم مهمٌّ للغاية مشترك بين كثير من الزيارات، وهو «ثأر الله وابن ثأره، والوتر الموتور»، فقد ورد ذلك في زيارة العيدين، وعرفة، وعاشوراء: «السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره. السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض»، وفي زيارة عاشوراء «فأسأل الله الذي أكرم مقامك، وأكرمني بك، أن يرزقني طلب ثأرك مع إمام منصور من أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله)... وأسأله أن يبلّغني المقام المحمود لكم عند الله، وأن يرزقني طلب ثأري مع إمام هدىً ظاهر ناطق بالحق منكم».
ومن خلال هذه الزيارات نستنتج الاُمور التاليَّة:
١ - أنَّ مفهوم الثأر بعدما كان سائداً بين الجاهليَّة بشكل خاطئ، ينبع من العصبية، وحسّ الانتقام، والتشفي الشخصي والقبلي، قد اكتسب صبغةً مُقدَّسةً في الإسلام؛ وذلك لأنَّه أضيف إلى الله سبحانه وتعالى (ثأر الله).
٢ - أنَّ الحسين (عليه السلام) هو ثأر الله، كأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو أيضاً ثأر الله، ولكن ثأر عليٍّ (عليه السلام) قد تجسَّد في ابنه الحسين (عليه السلام)، فصار الحسين هو (ثأر الله وابن ثأره).
٣ - أنّ سيّد الشهداء (عليه السلام) هو الوتر الموتور. وقال الفيروزآبادي: الموتور: الذي قُتل له قتيل فلم يدرك بدمه.
٤ - أنّه من خلال التعابير الثلاثة، وهي (ثأر الله، ثأرك، ثأري) يكون ثأر الله هو بعينه ثأر الحسين (عليه السلام)، وهو ثأر المؤمن الموالي والتابع لسيّد الشهداء (عليه السلام)، ولا تعارض بينها؛ حيث إنَّ الثأر الإلهي قد تجلَّى وظهر في الحسين (عليه السلام)، ثمّ في المؤمنين الذائبين في شخصية الإمام (عليه السلام).
٥ - أنَّ طلب ثأر الحسين (عليه السلام) هو من الأرزاق الإلهيَّة، التِّي هي من مقتضيات ولوازم كرامة الله للإنسان بالحسين (عليه السلام)، فهو من متطلبات البلوغ إلى المقام المحمود الذي وصل إليه الحسين (عليه السلام)، وهذا المقام هو مقام النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) المشار إليه في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾ (الإسراء: ٧٩).
٦ - أنَّ الذي يَطلب الثأر هو الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) من ولد الحسين (عليه السلام)، وهو الإمام المنصور من أهل بيت محمَّد (صلّى الله عليه وآله).
وقد أُشير إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً﴾ (الإسراء: ٣٣).
عدم الإسراف في القتل:
قد وردت عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) أحاديث في تأويل هذه الآية المباركة، منها ما في بحار الأنوار نقلاً عن تفسير العياشي: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله:‏ (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً).‏ قال: «هو الحسين بن علي (عليه السلام) قُتل مظلوماً، ونحن أولياؤه، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين (عليه السلام)، فيقتل حتّى يُقال: قد أسرف في القتل».
وقال (عليه السلام): «المقتول الحسين، ووليه القائم، والإسراف في القتل أن يَقتل غير قاتله. إنّه كان منصوراً؛ فإنّه لا يذهب من الدنيا حتّى ينتصب رجل من آل رسول الله (عليهم الصلاة والسلام)، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(٢٤).
وفي الكافي الشريف للكليني (رحمه الله): علي بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾. قال: «نزلت في الحسين (عليه السلام)، لو قُتل أهل الأرض به ما كان سرفاً»(٢٥).
قال العلاّمة المجلسي (قُدّس سرّه): ويُحتمل أن يكون المعنى أنّ السرف ليس من جهة الكثرة، فلو شرك جميع أهل الأرض في دمه، أو رضوا به، لم يكن قتلهم سرفاً، وإنّما السرف أن يقتل مَنْ لم يكن كذلك، وإنّما نُهي عن ذلك.
نفي لا نهي:
أقول: يظهر من هذه الروايات أنَّ أئمّتنا (عليهم السلام) كانوا يقرؤون الآية بالقراءة الخاصّة بهم، وهو (فلا يُسرِفُ) نفياً لا (فلا يُسرِفْ) نهياً، وقد أشار إلى ذلك العلاّمة المجلسي (رحمه الله) حيث قال: فيه إيماء إلى أنّه كان في قراءتهم (عليهم السلام) (فلا يسرفُ) بالضم.
ولا يخفى أنَّ بين المعنيين فرقاً كبيراً، ونُذكِّر القرّاء أنَّ القراءات المختلفة موجودة في كثير من آيات القرآن، وذلك لدى الفريقين، وهذا لا يعني تحريف الكتاب أصلاً، فتأمَّل في ذلك.
٧ - أنه يُستفاد من بعض الزيارات أنَّ دم سيّد الشهداء (عليه السلام) سكن في الخُلد، وقد اقشعرت أظلّة العرش لدمه (عليه السلام)، وبكت له الموجودات جميعاً بلا استثناء، كما تدلُّ عليه الأحاديث الكثيرة المتواترة عند الخاصّة والعامّة، فالحسين (عليه السلام) قتيل الله وابن قتيله.
دم الإمام الشهيد:
وهناك أحاديث دالّة على أنَّ دمَ الحسين (عليه السلام) ارتفع إلى السماء ولم يرجع منه قطرة واحدة.
منها: «ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح، فلما امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة»(٢٦).
ومنها في خصوص الطفل الرضيع. قال المفيد: دعا ابنه عبد الله. قالوا: فجعل يقبّله وهو يقول: «ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدّك محمّد المصطفى خصمهم!»، والصبي في حجره، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين (عليه السلام)، فتلقّى الحسين (عليه السلام) دمه حتّى امتلأت كفّه، ثمّ رمى به إلى السماء(٢٧).
قال الباقر (عليه السلام): «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض»(٢٨).
دور عاشوراء في توجيه جيش الحجَّة:
وللحسين (عليه السلام) دور رئيس في ذلك الجيش الإلهي الذي سوف يحقّق انتصارات كبيرة، فهناك ظواهر حسينيّة في الثورة المهدوية في مختلف النواحي، أهمُّها الجانب الإعلامي والروحي؛ فإنَّ شعار جيش الحجَّة هو: (يا لثارات الحسين).
هذا ما تدلُّ عليه عشرات من الأحاديث الشريفة، مضافاً إلى الدعم القرآني كما سيأتي. ونكتفي بالحديثين التاليين:
١ - في الحديث المعروف عن الريان بن شبيب، عن الإمام الرضا (عليه السلام): «ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين»(٢٩).
فالذي يدفعهم إلى تعزيز جيش الحجَّة ونصرته، إنَّما هو طلب ثأر الحسين (عليه السلام)؛ لأنَّه هو ثأر الله وابن ثأره، والوتر الموتور، كما ورد في كثير من الزيارات: «السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره، والوتر الموتور»(٣٠).
٢ - وفي حديث آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في وصف أصحاب الحجَّة (عجّل الله تعالى فرجه) يقول: «فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوثٌ بالنهار، هم أطوع له من الأمَة لسيِّدها، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى أرسالاً، بهم ينصر الله إمامَ الحقّ»(٣١).
ولا يخفى ما في قوله (عليه السلام): «لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل»، فهذه كانت صفة أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) في ليلة عاشوراء.
قال تعالى في وصف أصحاب الرسول (صلّى الله عليه وآله): ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران: ١٥١).
ففي الحديث المرتبط بالإمام الحسين (عليه السلام): «يسير الرعب أمامها شهراً، ويخلف أبناء سعد السقاء بالكوفة، طالبين بدماء آبائهم، وهم أبناء الفسقة، حتّى يهجم عليهم خيلُ الحسين (عليه السلام)، يستبقان كأنّهما فرسا رهان، شعث غبر، أصحاب بواكي وقوارح»(٣٢).
ومن هنا صار الحسين قتيل العبرة، فهذا البكاء له دور حيوي في تلك النهضة المباركة.
يوم خروج القائم (عليه السلام):
هذا الأمر أيضاً له دلالة على أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الثورتين من ناحية الزمان، ففي الحديث عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشوراء، اليوم الذي قُتل فيه الحسين (عليه السلام)»(٣٣).
ويفسّره حديث أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إنّ القائم (صلوات الله عليه) ينادى باسمه ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشورا، يوم قُتل فيه الحسين بن علي (عليه السلام)»(٣٤).
فلا منافاة بين النداء باسمه وخروجه في اختلاف زمانهما، فربّما يكون النداء باسمه في يوم الجمعة.
يقتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام):
وقد أفرد العلاّمة المجلسي (رحمه الله) باباً مستقلاً تحت عنوان (العلّة التي من أجلها أخّر الله العذاب عن قتلته (صلوات الله عليه)، والعلّة التي من أجلها يُقتل أولاد قتلته (عليه السلام)، وينتقم الله له في زمن القائم (عليه السلام)، فإِنَّ هناك أحاديث كثيرة تؤكِّد ذلك.
ونحن قد ذكرنا سابقاً بعض ما يدلّ على هذا الأمر، حيث تطرّقنا إلى آية الإسراف في القتل، وتتميماً للفائدة نشير إلى الأحاديث الاُخرى:
عن الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها»؟ فقال (عليه السلام): «هو كذلك». فقلت: وقول الله (عزّ وجلّ) ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ ما معناه؟ قال: «صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومَنْ رضي شيئاً كان كمَنْ أتاه، ولو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله (عزّ وجلّ) شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم (عليه السلام) إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم»(٣٥).
الشجرة الملعونة في القرآن:
وقد وردت آيات في هذا المجال، أوضحها قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ (الإسراء: ٦٠).
وفي الحديث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّي رأيت اثني عشر رجلاً من أئمّة الضلال يصعدون منبري وينزلون، يردّون اُمّتي على أدبارهم القهقرى»(٣٦). يعني بذلك اثنين من بني اُميّة، وسبعة من أولاد الحكم، وخمسة من بني أبي العاص.
قال العلاّمة المجلسي (رضوان الله عليه): ولا خلاف بين أحد أنّه تبارك وتعالى أراد بها بنى أمية، وممّا ورد من ذلك في السُنّة، ورواه ثُقات الأمّة، قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه، وقد رآه مقبلاً على حمار، ومعاوية يقوده، ويزيد يسوقه: «لعن الله الراكب، والقائد، والسائق»(٣٧).
وقال القرطبي في تفسير الآية المباركة: قال سهل: إنّما هذه الرؤيا هي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كان يرى بني اُميّة ينزون على منبره نزو القردة، فاغتم لذلك، وما استجمع ضاحكاً من يومئذ حتّى مات (صلّى الله عليه وآله)، وقال ابن عباس: هذه الشجرة بنو أميّة.
وذكر الرازي في تفسيره هذا القول فراجع.
فما يزيدهم إلاّ طغياناً:
قال الفيض الكاشاني (رحمه الله): وفي قوله سبحانه (فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً) لطافة لا تخفى(٣٨). وهذه مبالغة في الطغيان، فما ارتكبوه في الطفّ من الجرائم جعله حقيقةً الطغيان المبين.
ومن هنا ورد في الزيارة «ولعن الله بني اُميّة قاطبة»(٣٩)، وفي زيارة اُخرى «ولعن الله بني اُميّة قاطبة إلى يوم القيامة»(٤٠).
قال في محيط اللغة: قاطبة: يطلق على كلِّ جيل من الناس.
المبرِّر لقتل الذراري:
أقول: وأمّا المبرِّر لقتل ذرية قاتلي الحسين (عليه السلام) فهو نفس المبرّر لقتل أيِّ قاتلٍ آخر؛ لأنَّ فلسفة القتل تكمن في أمرٍ واحدٍ، وهو الروح الخبيثة الملوَّثة التي يتّصف بها القاتل بسبب جرأته على أمر القتل، وهذا لا يختصّ بمَنْ باشر القتل فقط، بل يشمل حتّى المحرِّض عليه، والراضي به؛ ومن هنا صارت للنيّة الحسنة شأن كبير من خلاله يقيَّم العمل الصالح، وكذلك بالنسبة للنيَّة السيِّئة، فهي السبب الذي يوجب خبثَ العمل.
وعليه فالمفروض أن يُقتل كلّ مَنْ هو راضٍ بأمر القتل، كما ذكر ذلك الإمام (عليه السلام) في الحديث السابق حيث قال: «ولو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب، لكان الراضي عند الله (عزّ وجلّ) شريك القاتل». ولكنَّ الوضع الحالي لا يسمح بتطبيق هذا الحكم؛ حيث لا سلطة ظاهرية للمعصوم علينا، وكذلك في عصر المعصومين (عليهم السلام)؛ حيث لم يكونوا مبسوطي الأيدي يفعلون ما يشاؤون.
هذا ما أدَّى إلى الركون إلى الظاهر، والاعتماد على الشهود والبيّنات، وإجراء الحدود في نطاق خاصٍّ، وهو في خصوص المباشرين لأمر القتل فحسب. وأمّا الحجَّة (عليه السلام) فأمره يختلف تماماً، وهو كما قلنا يتعامل مع القضايا تعاملاً خِضرياً، ولكن بشكل أوسع، وإطار أشمل.
خروج لا استثناء:
قلنا: إنَّ اللعن شامل لجميع مَنْ ينتسب إلى بني اُميّة صغيراً كان أم كبيراً من غير استثناء أصلاً، وهذا شأن كلِّ أمرٍ حاسم له أهميَّة بحيث تغطِّي على كافة الأضرار الهامشيَّة، وهذا لا ينافي خروج البعض من بني اُميّة عن هذه القاعدة، كما ورد في سعد الخير، فعن أبي حمزة قال: دخل سعد بن عبد الملك - وكان أبو جعفر (عليه السلام) يسمّيه سعد الخير، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان - على أبي جعفر (عليه السلام)، فبينا ينشج كما تنشج النساء قال: فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «ما يبكيك يا سعد؟».
قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن؟
فقال له: «لست منهم، أنت اُموي منّا أهل البيت. أما سمعت قول الله (عزّ وجلّ) يحكى عن إبراهيم (عليه السلام): (فمَنْ تبعني فإنّه منّي)؟»(٤١).
وهذا الاُسلوب من الخروج هو المستخدم في كثير من الأحاديث، وقد تحدَّث الفقهاء عنه في علم الاُصول تفصيلاً تحت عنوان (الحكومة والورود). ومن نماذج هذا النوع من الخروج قوله: «لا شك لكثير الشك»، فهذا الحديث يخرج هذا النمط من الشك، أعني مَنْ يشك كثيراً، عن القاعدة العامَّة للشكّ الوارد في سائر الأحاديث، كبطلان الصلاة عند الشك في صلاة الصبح، وعليه فلا تبطل صلاة كثير الشك حتّى لو كانت ثنائية، وكذلك قوله: «لا ربا بين الوالد وولده» الذي يخرج هذا النوع من الربا - رغم كونه رباً فعلاً - عن القانون العام الوارد في القرآن الكريم، وهو: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة: ٢٧٥)، فهذا خروج لا استثناء فتأمَّل تعرف.
الإمام الخميني (قدّس سرُّه) وتوطيد العلاقة بين الثورتين الحسينيّة والمهدويّة:
إنّ المجالس الحسينيّة على طول التأريخ، كان لها التأثير الكبير في تثبيت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد سعى الطغاة، ومنهم رضا شاه المجرم في إيران، بشتى الوسائل للقضاء عليها، ولكن كيف يمكن إطفاء مَنْ هو مصباح الهدى، والنور الذي لا يُطفأ ولن يُطفأ أبداً؟!
وقد كان للرموز الدينية كلّهم دور كبير في إبقاء هذه الشعيرة الإلهيَّة خالدة مدى القرون والأعوام، ولكنَّ الإمام الخميني (قدّس سرُّه) كان له التأثير الأكبر في الأمَّة في هذا المجال، فكانت له حكومة على قلوب الأمّة، وذلك من منطلق الإمامة والقيادة، والأمَّة تهتدي بهداه، وتسجيب لأوامره، فكان (رضوان الله تعالى عليه) يدعو إلى دعم وتعزيز وإقامة مجالس سيّد الشهداء بالطريقة التقليدية، ويؤكِّد أنَّ السبب الأوَّل لبقاء الإسلام الأصيل إنَّما هو مجالس سيّد الشهداء (عليه السلام).
اهتمام الإمام الخميني (قدّس سرُّه) بالسيرة الحسينيّة:
البكاء على مصاب الإمام الحسين (عليه السلام):
عندما استشهد نجل الإمام آية الله السيّد مصطفى الخميني (رضوان الله تعالى عليه) ذهبنا إلى بيت الإمام (قدس الله نفسه)، فجلست قبالته أنظر إلى وجهه النوراني، فرغم أنّه افتقد فقيهاً عالماً، وابناً باراً، ولكنّه لم تذرف عينه عليه أصلاً، وكنت أشاهد سماحة السيّد أحمد الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، الذي قد أتى في تلك الأيام إلى النجف الأشرف لزيارة أبيه، بعد الابتعاد عنه سنوات عديدة، رأيته ينظر إلى وجه أبيه، فلم يتمالك نفسه، فرفع صوته بالبكاء.
وكان المراجع يأتون للتعزية، ومنهم سماحة آية الله العظمى السيّد الخوئي (رضوان الله عليه)، فكان الإمام يرحّب بهم، إلى أن جاء الخطيب الخراساني وجلس إلى جنب الإمام (قدّس سرُّه)، وشرع في ذكر مصيبة كربلاء، ولعلها كانت مصيبة علي الأكبر، وهناك بدأ الإمام بالبكاء حتّى تقاطرت الدموع على محاسنه المباركة، فالحسين هو قتيل العبرة، لا يذكره مؤمن إلاّ استعبر.
التزام الزيارة:
الإمام الراحل كان يزور ضريح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلّ ليلة، طوال وجوده في المنفى، وكان يركِّز على الزيارة الجامعة الكبيرة، متوجهاً إلى القبر، فاتحاً الكتاب، وكان يلتزم الطريقة التقليدية في الزيارة، وفي المواسم التي يستحبّ فيها زيارة سيّد الشهداء، وكذلك في كلِّ ليلة جمعة كان يزور الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، إلى جانب ذلك كان له مجلس اُسبوعي باسم سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
اللطم على الصدور:
يقول أحد قادة الحرس الثوري: وقع هجوم على القوّات العراقية، ولكن لم نحقق جميع الأهداف التي كنّا قد خطّطنا لها، فذهبنا إلى زيارة الإمام القائد (رضوان الله تعالى عليه) وشرحنا له المخطّط والنتائج، فقال: أنتم في ليلة الهجوم على العدوّ قرأتم مصيبة سيّد الشهداء (عليه السلام)، وبكيتم على مصابه، ولكن لِمَ لم تلطموا على صدوركم. في المرّة الاُخرى عليكم باللّطم على صدوركم حينما تستعدون للهجوم على الأعداء.
عاشوراء والثورة:
إنَّ أول شعلة أشعلها الإمام الراحل كانت في يوم عاشوراء، حيث ألقى الإمام خطبة عنيفة هاجم فيها حكومة الشاه المقبور، وأكَّد فيها أنَّ الحكومة قد رضخت للمخطّطات الصهيونية التي تهدف إلى تحقير القرآن الكريم، وتصفية الزعماء الدينيّين، والسماح لإسٍرائيل بأن تسيطر على الاقتصاد الإيراني.
وقد أُلقي القبض على الإمام، ونُقل إلى سجن (القصر) في طهران، فنزل الناس إلى الشوارع في قم بقيادة السيّد مصطفى الخميني ابن الإمام، وقاموا بالتظاهر والاحتجاج على اعتقال زعيمهم الديني.
وفي اليوم التالي قامت مظاهرات مماثلة في طهران، وقد قمعتها قوات الأمن ما أدّى إلى سقوط ١٥ ألف قتيل في طهران، و٤٠٠ قتيل في قم، ونُفي الإمام إلى تركيا، ومن ثمّ إلى العراق.
وكان لمسيرات تاسوعاء وعاشوراء دور كبير في زعزعة عرش الطاغوت، كما كان للخطباء الحسينيّين في أرجاء البلاد تأثير إعجازي في رص الصفوف، ودفعها إلى الشارع، وحثها على القيام ضد الطغاة.
سرّ الانتصار:
مجالس عزاء سيّد الشهداء (عليه السلام) أساس حفظ مدرسة سيّد الشهداء. واُولئك الذين يمنعون الناس عن إقامة مجالس العزاء لا يعرفون شيئاً عن هذه المدرسة، ولا يدركون أنّ هذه المجالس هي التي حفظت مدرسة سيّد الشهداء (عليه السلام) إلى يومنا هذا.
ولا ريب أنّ هذه المجالس والمآتم والتعزية والمصائب حفظت الإسلام طوال ألف وأربعمئة سنة(٤٢).
وكان الإمام الخميني (قدّس سرُّه) يرى أنّ الثورة الحسينيّة ليست هي مجرد حركة عادية، بل هي إعلان رسمي لجميع الشعوب؛ للوقوف في وجه الظالمين دائماً.
فهو يقول: إنّ مجالس العزاء إعلام ضدّ الظلم وضد الظالمين، وبيان المظالم وتوضيحها لا بدّ أن يبقى إلى الأبد … وعندما يقول الرسول (صلّى الله عليه وآله): «أنا من حسين»، يعني أنّ الحسين هو الذي سوف يحافظ على الإسلام والدين، ولا شك أنّ هذه التضحيات التي قدّمها الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه هي التي أبقت على الإسلام إلى يومنا هذا، وبقي علينا حفظ الإسلام كما ينبغي(٤٣).
وكان يحُث الأمَّة على إقامة المجالس الحسينيّة، ويقول: أقيموا المجالس، وابكوا جميعاً على الحسين، وعلى جميع المسلمين في كافة الدول الإسلاميّة أن يقيموا مجالس العزاء، وبالأحرى يومي تاسوعاء وعاشوراء(٤٤).
إنّ ذكر هذه المظالم يخلق حركة ونهضة عالمية على مستوى العالم، فلا تحتقروا هذه المجالس(٤٥).
وكان يرى أنّ الجهاد بقسميه الأكبر والأصغر لا يتمّ إلاّ من خلال ارتباط الأمّة بالإمام الحسين (عليه السلام).
قال: إنّ مجالس إحياء سيّد المظلومين، وإمام الأحرار، إنّما هي مجالس غلبة جنود العقل على الجهل، وجنود العدل على الظلم، والأمانة على الخيانة، والحكومة الإسلاميّة على حكومة الطاغوت، فإلى الأمام انشروا الفكر الحسيني، وارفعوا أعلام عاشوراء المدميَّة؛ لتكون دليلاً على حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم(٤٦).
أما عن فلسفة البراءة من أعداء الله فقال: هذا اللعن والتبرؤ صراخ مستمر على جميع المستبدّين والظالمين في العالم، ولا بدّ من إحياء هذا الصراخ المحطِّم للظلم، والمبيد للاستبداد(٤٧).
ثمّ انظر إلى هذا التعبير العظيم: جميع المجالس والمنابر، وحتّى محراب العبادة، بقاؤها بوجود سيّد الشهداء (عليهم السلام)(٤٨).
فسيّد الشهداء إذاً هو كلُّ شيء، وهو مصباح الهدى للأمَّة، فلا خير من الله (جلَّ وعلا) ينزل إلاّ من خلاله (عليه السلام)، وهذا المقام قد منحه الله سبحانه حيث ضحَّى بما لديه في سبيل الله (عزّ وجلّ).
ومن ثمرات ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي هذه الثورة الإسلاميّة العظيمة التي قام بها الإمام الخميني (قدّس الله نفسه) ضدّ الطاغية شاه إيران، بل الطغاة الذين كانوا يدعمونه، وعلى رأسهم أمريكا الشيطان الأكبر.
لقد استمدت الثورة الإسلاميّة حدوثها وبقاءها من كربلاء. يقول الإمام الراحل (رضوان الله تعالى عليه): لولا نهضة سيّد الشهداء (عليه السلام) لما استطعنا تحقيق النصر في ثورتنا هذه. ولا شك أنّ مجالس العزاء هي التي حافظت على كيان الثورة الإسلاميّة بالرغم من المخطّطات الاستعمارية، التي تخطّط لها القوى الكبرى، وتهاجمها من كل صوب(٤٩).
وعلى ضوء ما ذكرناه نستنتج أنَّ الثورة الخمينية العظيمة إنّما هي حلقة وصل بين الثورتين الحسينيّة والمهدوية، بل هي المحطَّة التي تتبلور فيها الروح الحسينيّة لتحرِّك الناس على مدى التأريخ، وتثير أحاسيسهم، وهم يحملون راية شهيد الطفّ حتّى يسلِّموها إلى صاحبها الحقيقي، وهو صاحب الثأر بقيَّة الله وحجته في أرضه، مهدي الأمّة، قائم آل محمَّد (عليه صلوات الله وملائكته والناس أجمعين)؛ ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾.
وهذا هو تفسير قول إمام القلوب نائب المهدي، حيث أكّد أنّ طريق القدس يمرُّ من كربلاء.
فمَنْ أراد أن يكون مهدوياً يقتدي به في الصلاة العالمية التي يقيمها في المسجد الأقصى، ينبغي له أن يلتزم خطّ الإمام الحسين (عليه السلام)، فيلبي نداءه الذي ملأ السماوات والأرض «هل من ناصر ينصرني»، فيسير على دربه درب التضحية والفداء، والشهادة والفناء في الله إلى أن يجري القضاء الإلهي ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: ٥-٦).
بل يُستفاد من بيان الإمام الراحل (قدِّس سرُّه) حينما تطرّق إلى أهمّية يوم انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة، وقال: الثاني والعشرون من بهمن هو بداية النهضة العالميَّة بقيادة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه). إنّ هذه الثورة هي ضمن تلك الثورة المباركة التي وعد الله أن يحقّقها ويحافظ عليها، ومن أجل ذلك لم يتمكّن العدوُّ من الإطاحة بها والقضاء عليها مهما خطط له من مؤامرات.
وكلّ راية ارتفعت قبل الثاني والعشرين من بهمن؛ كراية زيد بن علي، وشهيد فخ، والثورات المعاصرة كحركة السيّد جمال الدين الأفغاني، وثورة العشرين في العراق وغيرها، لم تنجح في الظاهر رغم مساهمتها في التمهيد للدولة الحقّة، وأمّا هذه الراية فهي بعينها بداية راية مهدي الأمّة، وتنتهي بتمكين الحقّ، وبسط العدل على البسيطة. (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً).

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٤.
(٢) بحار الأنوار ٤٠ / ٣٥٨.
(٣) بحار الأنوار ٤١ / ٤٩.
(٤) بحار الأنوار ٤٠ / ٢٢١ - ٢٤٥.
(٥) الأحاديث الغيبية ١ / ١٧١ - ١٩٢.
(٦) بحار الأنوار ٤٤ / ٣١٠.
(٧) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٩، ب ٣٧، ح ٢.
(٨) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٨١، ب ٣٧، ح ٢.
(٩) بحار الأنوار ٤٤ / ١٩١، ب ٢٦ ح ٤.
(١٠) بحار الأنوار ٤٤ / ١٩٢، ب ٢٦، ح ٤.
(١١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٦، ب ٣٧، ح٢.
(١٢) بحار الأنوار ٤٥ / ٨٣، ب ٣٧، ح ١٠.
(١٣) نفس المهموم - للشيخ عباس القمي / ٣٥٩.
(١٤) نفس المهموم / ٤٠٦.
(١٥) بحار الأنوار ٤٥ / ١٥٧، ب ٣٩، ح ٥.
(١٦) بحار الأنوار ٤٥ / ١٣٤، ب ٣٩، ح ١.
(١٧) بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨، ب ٣٤، ح ١.
(١٨) بحار الأنور ٤٤ / ٢٨٢، ب ٣٤، ح ١٥ , ٤٥ / ٢٠٦، ب ٤٠، ح ١٣ , و٢٣٨، ب ٤٣ ح ٨ , و٢٤٣، ب ٤٤، ح ٤.
(١٩) بحار الأنوار ١٣ / ٢٧٨، ب١٠، ح١.
(٢٠) بحار الأنوار ١٠١ / ١٩٧، ب١٨، ح٣٢.
(٢١) هكذا ورد، والصحيح هو (قدم ثابت). (موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السلام»
(٢٢) بحار الأنوار ١٠١ / ١٤٨، ب١٨، ح١.
(٢٣) المصدر نفسه.
(٢٤) بحار الأنوار ٤٤ / ٢١٨، ب٢٨ ح٧، و٥١ / ٣٠، ب٢، ح٨، و٤٥ /٢٩٨، ب٤٥، ح٧.
(٢٥) الكافي ٨ / ٢٥٥، ب٨ ح٣٦٤.
(٢٦) بحار الأنوار ٤٥ / ٥٣، ب٣٧.
(٢٧) الإرشاد / ٢٢٤، بحار الأنوار ٤٥ / ٤٦ ب٣٧.
(٢٨) الملهوف / ١٠٣.
(٢٩) بحار الأنوار ٤٤ / ٥٨٢، ب٤٣، ح٣٢.
(٣٠) بحار الأنوار ١٠١ / ٣٥٢، ب٣٠، ح١.
(٣١) بحار الأنوار ٢٥ / ٣٠٧، ب٢٦، ح٨٢.
(٣٢) بحار الأنوار ٥٣ / ٨٣.
(٣٣) بحار الأنوار ٥٢ / ٨٥٢، ب٢٦، ح١٧.
(٣٤) بحار الأنوار ٥٢ / ٢٩٠.
(٣٥) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ١ / ٢٧٣، علل الشرائع ١ / ٢١٩، بحار الأنوار ٤٥ / ٢٩٥.
(٣٦) بحار الأنوار ٣٣ / ٢٦٣.
(٣٧) بحار الأنوار ٣٣ / ٢٠٨.
(٣٨) تفسير الصافي ٣ / ١٩٩.
(٣٩) بحار الأنوار ١٠١ / ٢٩٢.
(٤٠) بحار الأنوار ١٠١ / ٢٩٣.
(٤١) بحار الأنوار ٤٦ / ٣٣٧.
(٤٢) صحيفة نور ٨ / ٧٠.
(٤٣) صحيفة نور ٨ / ٧٥.
(٤٤) صحيفة نور ١٠ / ٢١٧.
(٤٥) صحيفة نور ١٦ / ٢٠٨.
(٤٦) صحيفة نور ٣ / ٢٦٦.
(٤٧) صحيفة نور ١٠ / ٣١.
(٤٨) صحيفة نور ٨ / ٧٠.
(٤٩) صحيفة نور ٢١ / ٢٠٨.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٢ / ١.٥
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016