الأقسام:
 مقال مختار:
 كتاب مختار:
 محاضرة مختارة:
الصوتيات الادعاءات الباطلة والإجابة عليها (١)
التاريخ ٢٠٠٦ | الحجم ٦.٠٧
التفاصيل
 جديد المحاضرات:
الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة– الحلقة الرابعة- العلم والعلماء (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٩) الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة– الحلقة الثالثة- النسب المزيف (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٩) الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة- الحلقة الثانية- كي لانخدع (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٩) الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة - الحلقة الاولى الرد على المدعو احمد الحسن (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٨) الصوتيات بطلان أدلة إمامة احمد إسماعيل كاطع (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات هل الرؤى والأحلام حجة؟ (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات من هم المهديون الاثنا عشر (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات اليماني ليس احمد اسماعيل كاطع (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات تعريف باليماني المذكور في الروايات (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات هل الوصية لا يدعيها الا صاحبها (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧)
 جديد المقالات:
المقالات (٣٣) التقليد فوق الشبهات (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٣٢) رسالة في حصر الأئمة (عليهم السلام) بالاثني عشر ومفهوم العدد (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٣١) الحلم والمنام ودفع الأوهام (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٣٠) أخبار المهديين بين النفي والإثبات (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٢٩) مشروعية التقليد في زمن الغيبة الكبرى (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٢٨) تحصين الأنام من دعاوى الاتِّصال بالإمام (عجّل الله فرجه) (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠)
 جديد الكتب:
الكتب الأربعون حديثاً فِي إِبْطَالِ إِمَامَةِ دَجَّالِ البَصْرَةِ (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب رايات الضلال (أحمد إسماعيل گاطع أُنموذجاً) (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب رواية (من ظهري) في الميزان (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب دعوى السفارة في الغيبة الكبرى (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب الشهب الأحمدية على مدَّعي المهدوية (دعوة أحمد الكاطع في الميزان) (تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٥/٣١) الكتب فعاليات صهيونية وهابية في العراق- حركة أحمد إسماعيل نموذجاً (تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٥/٣١) الكتب أهدى الرايات-دراسة في شخصية اليماني (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/١١/١٢) الكتب أحمد إسماعيل ليس من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨) الكتب حجّية الاستخارة في العقائد (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨) الكتب التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨)
 البحث:
 الصفحة الرئيسية » دعوى اليماني » كتب الرد على دعوى اليماني » الردّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم (عليه السلام)
 كتب الرد على دعوى اليماني

الكتب الردّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم (عليه السلام)


الردّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم (عليه السلام)

تأليف: الشيخ علي آل محسن
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام

فهرست الموضوعات

مقدّمة المركز
الإهداء
مقدّمة
المنهج المتَّبع في الردّ على دعوة البصري وكتاب الوصيّة المقدَّسة
١ _ الاحتجاج بعلم الرجال والدراية
٢ _ الاحتجاج بقواعد علم أصول الفقه والمنطق والنحو
٣ _ الاحتجاج بالكتب والبيانات المنسوبة لأحمد إسماعيل
ما هي الوصيّة التي وصفوها بالمقدَّسة؟
سند رواية الوصيّة
١ _ علي بن سنان الموصلي العَدْل
٢ _ علي بن الحسين
٣ _ أحمد بن محمّد بن الخليل
٤ _ جعفر بن أحمد المصري
٥ _ الحسن بن علي عمّ جعفر بن أحمد المصري
٦ _ والد الحسن بن علي
أقوال العلماء في رواية الوصيّة
روايات الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام
روايات المهديّين في كتب الشيعة الإمامية
من هو أوّل المهديّين؟
ادّعاءات أحمد إسماعيل البصري
الفصل الأوّل: الردّ على الجواب الأوّل
جواب أحمد إسماعيل البصري على السؤال الأوّل
خطأ أحمد إسماعيل في تفسير الآية
بطلان زعم أحمد إسماعيل تشبيه الأئمّة بالملائكة
إنَّ الله لم يشبّه إبليس بالمَلَك
خطأ أحمد إسماعيل في تفسير: (وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)
نصّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام دون غيرهم
وصايا متعدّدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
خلط أحمد إسماعيل بين الوصيّة والكتاب العاصم من الضلال
بطلان قول أحمد إسماعيل: إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلاَّ صاحبها
هل رواية كتاب (الغيبة) تشير إلى أحمد إسماعيل؟
ما هو الكتاب العاصم من الضلال؟
استدلال أحمد إسماعيل بروايات تبطل دعواه
بطلان دليل أحمد إسماعيل على أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها مبطل
هل حفظ الله سبحانه رواية كتاب (الغيبة)؟
ادّعاءات المبطلين لا تنافي حفظ النصّ الإلهي
إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتقوَّل على الله في أمر الخلافة
بتر عُمْر كلّ من يدَّعي الإمامة بغير حقّ
هل المبطل مصروف عن ادّعاء الوصيّة؟
عدم تطابق آية التقوّل مع استدلال أحمد إسماعيل
هل يمكن ادّعاء النصّ التشخيصي؟
تفصيل لا دليل عليه
توضيح لا فائدة فيه
لا فرق بين ادّعاء المنصب الإلهي وادّعاء النصّ التشخيصي
عدم ادّعاء الكاذبين لوصايا الأنبياء عليهم السلام
الوصيّة لم يدَّعها أحد قبل أحمد إسماعيل
أدلَّة أحمد إسماعيل على حقّية دعوته
الدليل الأوّل: العلم بدين الله وبحقائق الخلق
١ _ أخطاء أحمد إسماعيل في قراءة القرآن
٢ _ أخطاء أحمد إسماعيل اللغوية والنحوية
٣ _ أخطاء أحمد إسماعيل في التفسير
٤ _ أخطاء أحمد إسماعيل في الفقه
٥ _ أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات الأنبياء عليهم السلام
٦ _ أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات أهل البيت عليهم السلام
٧ _ غرائب وعجائب من علم أحمد إسماعيل
١) أنَّ الحجر الأسود هو أحمد إسماعيل نفسه
٢) أنَّ أحمد إسماعيل كان حَجَراً في يمين أمير المؤمنين عليه السلام
٣ _ أنَّ أحمد إسماعيل هو شبيه عيسى بن مريم الذي فدّاه بنفسه
اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي
أين النصّ التشخيصي؟
الدليل الثاني: الدعوة إلى حاكمية الله
الدليل الثالث: الرؤى والأحلام
حثّ أحمد إسماعيل الناس على الإيمان به ونصرته
الفصل الثاني: الردّ على الجواب الثاني
جواب أحمد إسماعيل البصري على السؤال الثاني
الوصيّة بتقوى الله ونصرة خليفة الله
هل مات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوص؟
قياس أحمد إسماعيل كتابة الكتاب بمسائل فقهية
هل كتب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً عاصماً من الضلال؟
هل ترك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتابة وصيَّته؟
من الذي اتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟
ماذا أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب؟
هل رواية كتاب (الغيبة) شخّصت الثقلين؟
ما بلّغه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان كافياً لهداية الأُمّة
رواية كتاب (الغيبة) لا تشتمل على تشخيص دقيق للثقلين
أحمد إسماعيل يحتجّ بروايات تبطل معتقده
روايات المهديّين الاثني عشر
أوجه التشابه بين أحمد القادياني.. وأحمد البصري
بدء دعوتهما بالأحلام
ادّعاءات بلا أدلّة
دعاوى كثيرة وعظيمة
ادّعاء النبوَّة
ادّعاء المهدوية
ادّعاءات متشابهة حول السيّد المسيح عليه السلام
ادّعاء المجيء بالمعجزات والإخبارات الغيبية
تأويلات باطلة للنصوص المخالفة للدعوة
الطعن في العلماء بطعون شديدة وقبيحة
إثبات الدعوة بالأحلام والاستخارة
المبالغة في تحدّي الخصوم
ادّعاء وضوح الدعوة
خاتمة
مصادر الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
تصدّى العلماء ورجال الفكر والأدب للدفاع عن العقائد الحقّة في كلّ زمان واجهوا فيه أدعياء الانحراف والضلال وبمختلف الوسائل الفكرية والعلمية والأدبية كلٌّ حسب سعته وتخصّصه.
واليوم وفي زمان كثر فيه أدعياء الضلال والانحراف وصارت دعاوى التقمّص للشخصيات المقدَّسة بضاعة رائجة حتَّى أُحصي أنَّ من ادّعوا الألوهية والنبوَّة والعيسوية والإمامة فضلاً عن النيابة بالمئات بل الآلاف.
وصار التصدّي لهؤلاء على كثرتهم يستنفذ الوقت والجهد إلَّا أنَّه ومع ذلك لا يترك واجب التصدّي والحفاظ على حياض العقيدة والدين بانتشار هذه الظاهرة واستفحالها في أغلب المذاهب والأديان، ومن هنا أخذ مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام على عاتقه متابعة ما يكتبه العلماء في هذا الجانب ونشره لتعمّ الفائدة منه، ومن ذوي أهل الأقلام البارعة والبيان الجذاب الساحر سماحة الشيخ علي آل محسن الذي تصدّى في كتابه هذا لدعاوى الضلال والانحراف التي ادّعاها أحمد إسماعيل كاطع والتي فاقت الخمسين دعوى حسب احصاءات هذا الكتاب الذي نقدّمه للقارئ الكريم، والذي يحمل بين جنبيه مناقشات علمية متينة ومتابعات دقيقة واحصاءات كلّ دعاوى هذا الدجّال، حيث يجد القارئ الكريم فيه المنهج المتَّبع والذي قُسِّمَ إلى أقسام ثلاثة، ثمّ ملاحقة الدعاوى الرئيسية وعدم إغفال الدعاوى الأُخرى وإن كانت ثانوية، فضلاً عن ملاحقة وبيان بطلان الأجوبة التي صدرت من أحمد إسماعيل كاطع أو أتباعه على المقالات والكتابات التي سبقت هذا الكتاب، وقد امتاز هذا الكتاب بأنَّه سلَّط الضوء بشكل يلفت النظر على الأخطاء والأغلاط التي وقع فيها ابن كاطع وأتباعه، وقد أبدع الشيخ المؤلِّف في إيجاد الشبه بين دعوى أحمد البصري وأحمد القادياني واضحة الفساد في كثير من مفاصل الدعوى كالاستدلال على الدعوى بالأحلام وتكاثر الدعاوى وعظمها من ادّعاء النبوَّة والمهدوية والعيسوية وغيرها.
هذا ولم يغفل الشيخ المؤلِّف في بداية بعض المطالب أن يشير إلى القواعد والأُصول التي ينبغي مراعاتها، والتي لا بدَّ من الالتزام بها وأنَّها توجب الاستقامة والأمان من الزلل.
فهذا الكتاب يتمتَّع بالاستقصاء الشمولي والمتابعات الدقيقة والالتفاتات اللطيفة ومعالجة الردود التي صدرت ويحتمل أن تصدر دفاعاً عن وجهة نظر الأدعياء، ثمّ استخلص من ذلك كلّه ومن هذا الجهد الكبير المتراكم أنَّ هذه الدعوى دعوى باطلة لا يمكن الإيمان بها أو اتّباعها لأنَّها تحمل في طيّاتها الكثير من المتناقضات في أصل الادّعاء أو في ما يترتَّب عليه، فضلاً عن أنَّ الكثير من الدعاوى هي مستحيلة بالنسبة لأيّ شخص يدَّعيها، فكون أحمد معصوماً وأنَّه في رتبة الأئمّة وأنَّه يتمتَّع بمميّزات وخصائص لا يتمتَّع بها إلَّا الأنبياء والأوصياء، هذه دعاوى قد أُوصد عليها الباب ولا يمكن تصديقها بأيّ حالٍ من الأحوال نظير دعاوى النبوَّة بعد ختمها، إلَّا أنَّه وحيث ادَّعى كثير من الأشخاص أنَّهم أنبياء مع كونها مختومة بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم استدعى ذلك الردّ عليها وبيان أوجه المغالطة والتشويش من قِبَل أدعيائها، فكذلك هو الحال هنا، فرغم كون الكثير من ادّعاءات أحمد البصري هي واضحة البطلان، إلَّا أنَّ المؤلِّف لم يغفل تسليط الضوء عليها وبيان أوجه بطلانها.
فيجد القارئ وهو يجول ببصره وفكره في هذا الكتاب ما يحصنه من هذه الدعوى ومن أشباهها، ويؤهِّله علمياً لأن يناظر أتباع هذه الدعوة الباطلة ويبيِّن عقم ما يستدلّون به.
ونحن إذ نقدِّم هذا الكتاب لقرّائنا الكرام نأمل من الله سبحانه وتعالى وبشفاعة وليّه الأعظم الإمام الغائب المظلوم عليه السلام أن يُجزي صاحب الكتاب عن جهده، وأن يجعله في عين الرعاية والقبول، وأن يجد القارئ في هذا الكتاب ما ألمحنا إليه، وأن يكون خير بضاعة وزاد لردّ شبهات من يريد استغفال أبناء هذه الطائفة المباركة.

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

الإهداء

إلى سيّدي ومولاي..
الإمام المهدي المنتظر عليه السلام..
أُقدِّم إليكم هذا الكتاب المتواضع في الدفاع عنكم، وكشف كذب من افترى عليكم، وادّعى الانتساب إليكم، والسفارة والوصاية لكم..
أتمنّى أن تشرِّفني بقبوله بأحسن القبول.

* * *
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.
وبعد..
فقد ظهر في العراق رجل من أهل البصرة، اسمه أحمد إسماعيل البصري، ادَّعى أنَّه سفير الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وسمّى نفسه بالإمام أحمد الحسن، وبعد أن وجد له أتباعاً وأنصاراً كثرت ادّعاءاته، فادَّعى أنَّه ينتسب إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وأنَّ الإمام عليه السلام جدّه الرابع، ثمّ ادَّعى أنَّه وصيّه والإمام من بعده(١).
وقد أحصيتُ دعاوى هذا الرجل على عجالة فجمعت منها أكثر من خمسين ادّعاءً، منها دعاوى غريبة لا يصدّقها عاقل، مثل: أنَّه هو الذي فدّى عيسى بن مريم عليه السلام، وصُلِبَ دونه، وأنَّه كان حَجَراً في يد علي بن أبي طالب أنقذ به سفينة نوح عليه السلام(٢)، وأنجى به إبراهيم عليه السلام من نار نمرود(٣)، وخلَّص به نبيَّه يونس عليه السلام من بطن الحوت(٤)، وكلَّم به موسى بن عمران عليه السلام على الطور(٥)، وأنَّ الله تعالى جعله عصا يفلق بها موسى عليه السلام البحار(٦)، وجعله درعاً لداود عليه السلام(٧)، وأنَّه كان درعاً عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تدرَّع به يوم أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين(٨)، وغير ذلك من العجائب والغرائب.
ناهيك عن ادّعاءاته العظيمة التي منها: أنَّه هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنَّه مؤيَّد بجبرئيل، ومسدَّد بميكائيل، ومنصور بعزرائيل، وأنَّه مذكور في القرآن والتوراة والإنجيل، وأنَّه رسول السيّد المسيح عليه السلام(٩)، وأنَّه مخلِّص اليهود والنصارى، وأنَّه دابّة الأرض التي تكلّم الناس في آخر الزمان(١٠)، وأنَّ بظهره خاتم النبوَّة(١١)، وغير ذلك ممَّا قام الدليل على بطلانه، ممَّا تشيب له الولدان، ولا يقبله أيّ عاقل، وسنذكر ما وقفنا عليه من ادّعاءاته في مطاوي هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وفي موقع أنصاره كتب كثيرة منسوبة إليه، مملوءة بالجهل والخرافات والتناقضات، وتفسير أحلام يضحك الثكلى، وغير ذلك.
ثمّ إنَّه لم يكتفِ بكلّ هذه الدعاوى وغيرها، بل صار يتحدَّى مراجع التقليد، ويدعوهم للمناظرة؛ ليثبت للناس أنَّه أعلم منهم، وأنَّه هو الإمام المفروض الطاعة في هذا العصر.
وهذا الرجل لا يَظهر للناس، ولا يُعلَم في هذا الوقت أنَّه حيٌّ أم ميّت، وليس هناك أيّ وسيلة للتواصل معه، إلَّا موقعاً في الانترنت لأنصاره الذين يزعمون أنَّه يمكن التواصل معه من خلال موقعهم، وعبر صفحة منسوبة إليه على الفيسبوك يقول أنصاره: إنَّه هو الذي يكتب فيها بنفسه.
ولكن كلّ هذه الأُمور غير معلومة، وليس هناك طريقة للتأكّد من صحَّة كلامهم، فلعلَّ الرجل لم يدَّع كلّ هذه الدعاوى، ولعلَّه قد مات منذ سنين، وأنصاره يتاجرون باسمه، والله العالم.
وقبل حوالي شهر صدر كتيّب نُسِبَ إليه، اسمه: (الوصيّة المقدَّسة: الكتاب العاصم من الضلال)، جمعه وعلَّق عليه واحد من أنصاره اسمه: (علاء السالم)، وهذا الكتيّب مشتمل على جوابين عن سؤالين موجّهين لأحمد البصري هذا، فأجاب عليهما بجوابين فيهما بعض التفصيل، وفي هذين الجوابين كما يزعم (علاء السالم) حقّ واضح صريح، ليس بوسع مؤمن التنكّر له إلَّا بالخروج من ربقة المؤمنين(١٢).
ولوثوق أنصار أحمد إسماعيل البصري بما في هذا الكتيّب زعموا أنَّ إمامهم يتحدَّى جميع مراجع النجف الأشرف في أن يردّوا على ما ورد في هذا الكتيّب، ولهم أن يستعينوا بمراجع قم المقدَّسة أيضاً.
وسيلاحظ القارئ العزيز أنَّه كتيّب لا يستحقّ من مرجع أن يصرف شيئاً من وقته في الردّ عليه، أو يبذل فيه شيئاً من جهده، ولأجل هذا رأيت أن أردَّ على هذه الدّعوة من خلال ردّي على ما جاء في هذا الكتيّب؛ ليتبيَّن للناس أنَّ هذه الدعوة باطلة من أساسها، وأنَّها لا تختلف عن غيرها من الدعوات الباطلة التي سبقتها، سواء كانت في زمان الأئمّة الأطهار عليهم السلام، أم في الأزمنة اللاحقة بعد ذلك، وأنَّ هذه الدعوة حالها حال البابية(١٣)، والبهائية(١٤)، والقاديانية(١٥)، وغيرها من دعاوى المهدوية أو السفارة التي سبقتها، وسيتَّضح إن شاء الله من خلال هذا الكتاب أنَّ تحدّيات هؤلاء القوم كلّها فارغة جوفاء، يريدون بها خداع البسطاء والمغفَّلين لا أكثر.
ويحتوي الكتاب على مقدّمة وفصلين، بيَّنا في الفصل الأوّل الردّ على جواب السؤال الأوّل للمدَّعي أحمد البصري في الكتاب الموسوم (الوصيّة المقدَّسة: الكتاب العاصم من الضلال)، وفي الفصل الثاني أيضاً أوضحنا الردّ على جوابه للسؤال الثاني في نفس الكتاب.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخراً لي يوم فقري وفاقتي، ومرضيّاً ومقبولاً عند إمام العصر عليه السلام، إنَّه سميع مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

في (١٣/ ربيع الأوّل/ ١٤٣٤هـ)
علي آل محسن

المنهج المتَّبع في الردّ على دعوة البصري وكتاب الوصيّة المقدَّسة

المنهج الذي سأتبعه في هذا الكتاب في الردّ على أحمد إسماعيل البصري وأنصاره يتلخَّص في أُمور:
١ _ الاحتجاج بعلم الرجال والدراية:
من يقرأ كتب أحمد إسماعيل وأنصاره يجد أنَّهم يطعنون في علم الرجال بشدَّة، ويعيبون من يضعِّف أيّ رواية وردت في أيّ كتاب من كتب الشيعة، ويتَّهمونه بأنَّه يردّ كلام آل محمّد عليهم السلام.
قال ناظم العقيلي وهو من أشدّ المروِّجين لأحمد إسماعيل البصري:
(والعجيب أنَّهم يقبلون أقوال علماء الرجال من دون أن يعلموا سندها أصلاً، ويرجّحونها أحياناً على المسند الصحيح من روايات المعصومين عليهم السلام في مدح أو ذمّ الرجال! فالتوثيقات والتضعيفات الرجالية لا تخلو إمَّا أن تكون عن رأي واجتهاد وحدس علماء الرجال، وإمَّا أن تكون منقولة لهم، والرأي والاجتهاد لا خلاف في عدم الاعتماد عليه، وخصوصاً بعد الاطّلاع على خطأهم الكثير في ذلك. وأمَّا المنقول لهم فهو لا يخلو إمَّا أن يكون منقولاً عن أهل البيت عليهم السلام، أو عمَّن يُحسب عليهم عليهم السلام، وإمَّا أن يكون منقولاً عن غير أهل البيت عليهم السلام، والمنقول عن غير أهل البيت عليهم السلام ليس حجَّة علينا وخصوصاً إذا جهلنا سلسلة الرواة لهذه الأقوال ومنهجهم في الجرح والتعديل، فلا بدَّ أن نعرف مثلاً الذي ينقل عنه النجاشي أو الطوسي، ولا بدَّ أن نعرف الناقل لهما عن أيّ شخص نقل هذا الكلام، وهكذا حتَّى نصل إلى المعاشر لأصحاب الأئمّة أو رواة الحديث، ثمّ نرى كيف أنَّه وثَّقهم أو ضعَّفهم، وما هو منهجه في ذلك، هل هو الظنّ والاجتهاد والحدس أم ماذا؟ وأمَّا المنقول لعلماء الرجال عن أهل البيت عليهم السلام فأيضاً لا بدَّ أن نعرف سلسلة السند كاملة، وأن لا تحتوي على إرسال ولا على مجهول ولا على مضعّف، وهذا من باب الإلزام، وإلَّا فلماذا التدقيق في أسانيد الروايات، وترك التدقيق في حال التوثيقات والتضعيفات المنقولة؟! والحال أنَّ كتب الرجال وخصوصاً كتاب النجاشي والطوسي وابن الغضائري لا سند لها ولا طريق إلَّا ما ندر، وكلّها أقوال لا تصمد أمام النقد العلمي أبداً، اللّهمّ إلَّا ما اشتهر من الرجال بالوثاقة أو الضعف، وهؤلاء لا اختصاص لكتب الرجال في بيان حالهم، بل هم معروفون [كذا] الحال من خلال الروايات وما اشتهر من السيرة والتاريخ)(١٦).
ونتيجة كلّ هذا الكلام أنَّه لا يقبل أيّ توثيق ولا أيّ تضعيف من أيّ أحد كائناً من كان، رجالياً كان أم غيره، وبهذا كلّه يسقط علم الرجال من أساسه.
ثمّ إنَّ كلامه قد اشتمل على كثير من الخبط والخلط والجهل.
من ذلك زعمه أنَّ العلماء يقبلون أقوال علماء الرجال من دون أن يعلموا سندها أصلاً، ويرجّحونها أحياناً على المسند الصحيح من روايات المعصومين عليهم السلام في مدح أو ذمّ الرجال.
وهذا كذب فاضح، فإنَّ الرجاليين حكموا على الرواة طبقاً للروايات المادحة أو الذامّة لهم، واعتماداً على أقوال المعاصرين لأُولئك الرواة التي وصلت إليهم إمَّا مشافهة، أو بالشهرة، أو بالتلقّي عن مشايخهم الثقات ولم تصل إلينا، فإنَّ الرجاليين الذين تلقّى عنهم الشيعة التوثيق والتضعيف كانوا على معرفة تامّة بالرجال وبدرجة من الجلالة والورع تمنعهم عن مدح راوٍ أو قدحه بدون حجَّة صحيحة، وهذا كافٍ في اعتبار توثيقاتهم وتضعيفاتهم.
ومتى ما جاءت الرواية صحيحة عن إمام معصوم في مدح راوٍ أو ذمّه فإنَّها مقدَّمة على كلّ قول، وعلماء الرجال قد استندوا على روايات صادرة عن أئمّة الهدى عليهم السلام في أحكامهم على كثير من الرواة.
وأمَّا إشكاله على أقوال علماء الرجال بأنَّها لا تخلو إمَّا أن تكون عن رأي واجتهاد وحدس من علماء الرجال، وإمَّا أن تكون منقولة لهم، والرأي والاجتهاد لا خلاف في عدم الاعتماد عليه.
فجوابه: أنَّ حجّية قول الرجالي إنَّما هي بسبب كونه من أهل الخبرة الذين يُرجع إليهم كما يُرجع إلى أهل الخبرة في سائر الفنون، والتوثيقات والتضعيفات الرجالية كلّها مبتنية عند العقلاء على الحدس والاجتهاد الناشئين من مناشئ عقلائية معروفة؛ وذلك لأنَّ العدالة والضعف لا يُدرَكان بالحسّ، وإنَّما يُدرَكان بالحدس والاجتهاد.
وقوله: (والمنقول عن غير أهل البيت عليهم السلام ليس حجَّة علينا، وخصوصاً إذا جهلنا سلسلة الرواة لهذه الأقوال، ومنهجهم في الجرح والتعديل).
واضح الضعف؛ لأنَّ المنقول في توثيق الرجال وتضعيفهم إنَّما يكون حجَّة إذا كان المنقول عنهم ثقاتاً، ولا يلتزم عاقل بألَّا يقبل توثيقاً أو تضعيفاً لراوٍ إلَّا إذا كان صادراً عن أهل البيت عليهم السلام، مع أنّا لا نحتاج لأن نعرف منهج المنقول عنه في الجرح والتعديل إذا كان يشهد بكذب راوٍ أو بصدقه ووثاقته وعدالته.
وأمَّا قوله: (وأمَّا المنقول لعلماء الرجال عن أهل البيت عليهم السلام فأيضاً لا بدَّ أن نعرف سلسلة السند كاملة، وأن لا تحتوي على إرسال ولا على مجهول ولا على مضعّف).
فهو واضح الركاكة؛ لأنَّا كيف نعرف حال سلسلة السند من حيث الوثاقة والضعف إذا لم نرجع إلى أقوال الرجاليين المعروفين الذين لهم خبرة بالرجال ومعرفة تامّة بأحوال الرواة؟!
مع أنَّه يلزم ممَّا قاله ناظم العقيلي ألَّا نقبل توثيقاً ولا تضعيفاً لراوٍ قطّ، سواء صدر ذلك عن الرجاليين المعروفين، أم عن المعاصرين للرواة، أم عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وهذا لا يقوله محصِّل.
وزعمه أنَّ كتب الرجال وخصوصاً كتاب النجاشي والطوسي وابن الغضائري لا سند لها ولا طريق إلَّا ما ندر.
مجازفة واضحة؛ لأنَّ كتب الرجال المعروفة، وخصوصاً كتاب النجاشي قدس سره وكتابي الشيخ الطوسي قدس سره _ الرجال والفهرست _ منقولة عن مؤلّفيها بالتواتر، ولهذا لم يُشكِّك أحد في نسبة هذه الكتب وغيرها لهؤلاء الأعلام، مع أنَّه لو راجع كتب الرجال لوجد فيها أسانيد هذه الكتب لأصحابها.
ولا يخفى أنَّ أحمد إسماعيل وأنصاره إنَّما حاولوا إسقاط علم الرجال بكامله ليتسنّى لهم التمسّك برواية كتاب (الغيبة) التي قامت عليها دعوتهم، وليحتجّوا على خصومهم بكلّ رواية يؤيّدون بها باطلهم حتَّى لو كانت من دون إسناد، أو كان في سندها إرسال أو ضعف.
لكنَّهم مع ذلك فإنَّهم يأخذون بأقوال الرجاليين، ويضعّفون أسانيد بعض الروايات التي تصطدم مع دعوتهم، مثل تضعيفهم توقيع السفير الرابع الشيخ علي بن محمّد السمري رضي الله عنه الذي رواه الشيخ الصدوق قدس سره عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتَّب، قال:
كنت بمدينة السلام في السنة التي توفّي فيها الشيخ علي بن محمّد السمري قدَّس الله روحه، فحضرتُه قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميّت ما بينك وبين ستَّة أيّام، فأجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ...)(١٧).
قال أحمد إسماعيل:
(توجد كثير من المناقشات لهذه الرواية، وهي كافية، ولذا فهم تركوها، وأعرضوا عنها منذ زمن بعيد؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ الاحتجاج بها لا قيمة له، فهي مطعون في سندها، وعندهم لو كانت صحيحة السند لا تفيد الاعتقاد دون أن يعضدها ما يوصل إلى اليقين بصدورها)(١٨).
وبعض أنصار أحمد إسماعيل وهو ضياء الزيدي كتب كتاباً أسماه: (قراءة جديدة في رواية السمري)، ضعَّف فيه هذا التوقيع، وقال:
(إنَّ الرواية على الرغم من ضعف السند الذي مرَّ علينا أوّلاً، هي خبر واحد، ولا يمكن تحصيل العلم من خبر الواحد الثقة، فضلاً عن المرسلة أو المجهولة)(١٩).
مع أنَّ هذا التوقيع ممَّا أجمع الشيعة على صحَّته واعتباره في جميع الأعصار، وكان العمل عليه منذ صدوره إلى يومنا هذا، لم يطعن فيه طاعن، ولكن لأنَّه يتعارض مع دعوتهم بصورة واضحة حاولوا تضعيفه والتشكيك في دلالته على تكذيب كلّ من يدَّعي السفارة قبل الصيحة والسفياني.
وهؤلاء وإن زعموا أنَّهم إنَّما يضعّفون بعض الأحاديث من باب الإلزام لمخالفيهم الذين يعتمدون علم الرجال، إلَّا أنَّهم بالنتيجة يطرحون تلك الروايات، ولا يعملون بها مع أنَّها حجَّة عليهم وإن كانت ضعيفة عند غيرهم.
وكيف كان، فإنَّني سأحتجّ عليهم بجميع الروايات المرويّة في كتب الشيعة الإمامية من دون النظر في أسانيدها، إلزاماً لهم بمنهجهم الذي التزموا به والذي يحتجّون به على غيرهم، ولن أتكلَّم في أسانيد الروايات في غالب الأحيان إلَّا إذا اقتضت الحاجة ذلك.
نعم، بما أنَّ الروايات الضعيفة ليست بحجَّة في العقائد القطعية والأحكام الإلزامية، فإنّي سأردّ كلّ رواية ضعيفة يحتجّون بها على غيرهم عملاً بهذا المنهج الصحيح.
٢ _ الاحتجاج بقواعد علم أصول الفقه والمنطق والنحو:
ذهب أحمد إسماعيل وأنصاره إلى أنَّ علم أُصول الفقه والمنطق والنحو كلّها بدعة، لا قيمة لها؛ لأنَّها كلّها لم ترد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وإنَّما وردت عن غيرهم ممَّن لا يُحتجُّ بقوله.
قال أحمد إسماعيل في تقديمه لكتاب (الإفحام لمكذِّب رسول الإمام عليه السلام):
(قرأت هذا الكتاب، وهو ردّ موفَّق للشيخ ناظم العقيلي على جواب السيّد محمود الحسني لسؤال سأله فيه سائل عن هذه الدعوة الحقَّة، فكذَّب السيّد محمود الحسني هذه الدعوة في طيّات كلامه دونما حجَّة: (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (يونس: ٣٩)، وطلب السيّد محمود الحسني في جوابه معجزة _ توهَّمها هو _ في أُصول الفقه، وكأنَّه لا يعلم أنَّ أصول الفقه علم ظنّي ونظريات ظنّية مستندة إلى قواعد وضعها كفرة اليونان، وقالوا: إنَّها بديهيات منطقية لا خلاف فيها بين العقلاء، وليت شعري لو كان هؤلاء اليونانيّين عقلاء لما أعرضوا عن الأنبياء: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:٧٢)، ولو كان دين الله يصاب بعقول بني آدم الناقصة لصحَّ استدلال كارل ماركس ومن أسَّس لإنكار وجود الله سبحانه وتعالى ولكانوا معذورين، فقد تبنّوا قواعد ادَّعوا أنَّها بديهيات، وأسَّسوا عليها نظريات، أنكروا بها وجود الله سبحانه وتعالى، وضلّوا وأضلّوا بها نصف أهل الأرض)(٢٠).
ولا يخفى أنَّ هذا الكلام ناشئ عن جهل أحمد إسماعيل بهذه العلوم، وعدم معرفته بها، ويكفي قوله: (إنَّ أُصول الفقه علم ظنّي ونظريات ظنّية مستندة إلى قواعد وضعها كفرة اليونان)، مع أنَّ علماء اليونان لا علاقة لهم بأُصول الفقه من قريب ولا بعيد، والعلم الذي وضعه فلاسفة اليونان هو علم المنطق، ومن الواضح أنَّ أحمد إسماعيل لا يميّز بين علم أُصول الفقه وعلم المنطق، فحكم عليهما بحكم واحد.
مع أنَّ قواعد علم المنطق قواعد قطعية لا ظنّية؛ لأنَّه وضع أساساً لصيانة العقل عن الوقوع في الخطأ، وليتوصَّل في استدلاله وتفكيره إلى نتائج قطعية لا ظنّية، وهذا أمر واضح يعرفه كلّ من درس هذا العلم.
ولا يخفى أنَّ هذه العلوم علوم إنسانية اتَّفق جميع العقلاء والعلماء قديماً وحديثاً على أهمّيتها وكثرة فوائدها، ولذلك اعتنوا بها وبدراستها، وكتبوا الكتب في تدوينها وتنقيحها.
وحال هذه العلوم حال العلوم الأُخرى التي توصَّل إليها الإنسان بتجاربه الكثيرة عبر العصور المتعاقبة، كالطبّ، والفيزياء، والكيمياء، والهندسة التي صرف أحمد إسماعيل في دراستها سنين من عمره، وغيرها من العلوم الإنسانية النافعة، التي لا يقول فيها عاقل: إنَّها غير مهمّة ولا قيمة لها؛ لأنَّها لم تُؤخذ عن أهل البيت عليهم السلام.
لقد كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام يناظرون الملاحدة والزنادقة وأصحاب الأديان المختلفة، وما كانوا يحتجّون عليهم بالكتاب أو السُنَّة، وإنَّما كانوا يناظرونهم بالعقل، ويستعملون معهم قواعد الاستدلال الصحيح التي تكفَّل علم المنطق ببيانها.
وقد روى الصفّار في (بصائر الدرجات) بسنده عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام، فأقبلت أقول: كذا وكذا يقولون. قال: (فيقول لي: قل كذا وكذا). فقلت: جُعلت فداك، هذا الحلال والحرام والقرآن أعلمُ أنَّك صاحبه، وأعلم الناس به، وهذا هو الكلام؟! فقال لي: (وتشكُّ يا هشام؟ من شكَّ أنَّ الله يحتجُّ على خلقه بحجَّة لا يكون عنده كلّ ما يحتاجون إليه فقد افترى على الله)(٢١).
وكلّ من تتبَّع كلام أحمد إسماعيل وأتباعه يجد أنَّهم لجهلهم يستخدمون القواعد الأُصولية والمنطقية والنحوية في كلامهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فإنَّهم عندما يحتجّون بحديث ما فإنَّ لازم احتجاجهم به أنَّهم يقولون: إنَّ أخبار الآحاد حجَّة، بل خبر غير الثقة حجَّة، وأنَّ ظاهر الكلام حجَّة، وأنَّ الأمر ظاهر في الحثّ والبعث أو في الوجوب، والنهي ظاهر في المنع والزجر أو في الحرمة، وغير ذلك، وهذه كلّها قواعد أُصولية معروفة.
كما أنَّهم عندما يكتبون كتبهم فإنَّهم يرفعون الفاعل، وينصبون المفعول، ويجرّون المجرور، وهكذا، وهذه قواعد نحوية معروفة ومضبوطة، يعملون بها شاؤوا أم أبوا.
وكيف كان فإنَّ هؤلاء القوم ليس عندهم قواعد مضبوطة يرجعون إليها في شتّى العلوم، وإنَّما يأخذون من القواعد ما يستفيدون منه بشكل انتقائي، ويردّون ما كان حجَّة عليهم وإن قام الدليل على صحَّته.
ومن المعلوم أنَّ الداعي لإسقاط كلّ هذه العلوم هو جهلهم بها من جهة كما قلنا، وكثرة وقوع إمامهم أحمد إسماعيل البصري في أخطاء فاضحة لا يقع فيها صغار طلبة العلم من جهة ثانية، ولذلك برَّروا أخطاءه الكثيرة بأنَّ علم النحو لم يرد عن أهل البيت عليهم السلام، فلا يجب الالتزام به، ولا قيمة له عندهم.
ومع أنَّهم يتَّبعون هذا المنهج المعوجّ غير الموافق للقواعد الأُصولية أو المنطقية المتسالم عليها، إلَّا أنّي لا أحتاج للردّ على دليلهم المعوجّ بدليل معوجّ مثله، فإنَّ في الدليل الصحيح والحجَّة التامّة غنى وكفاية لكلّ طالب حقّ، وكان غرضي هو بيان طريقتهم في الاستدلال ومنهجهم في الاحتجاج ليكون القارئ العزيز على بيِّنة من أمرهم.
٣ _ الاحتجاج بالكتب والبيانات المنسوبة لأحمد إسماعيل:
نسب أنصار أحمد إسماعيل إليه مجموعة من الكتب والبيانات، ولم نجد منه ما يدفع ذلك أو يكذِّبه، وهو في تلك الكتب المنسوبة إليه كثيراً ما يُرشد الناس إلى الاستفادة من موقع أنصاره ويدعوهم إلى الاستفادة منه، فإنَّه قال في جواب سؤال موجَّه إليه ما نصّه:
(وأمَّا سؤالك عن قبلة الصلاة فالقبلة الحقيقية هو حجَّة الله في كلّ زمان، واتّخاذه قبلة بأن تتبعه وتعمل معه، ويمكنك أن تقرأ الكتب في موقع أنصار الإمام المهدي لتتعرَّف على العقيدة الحقّ [كذا])(٢٢).
وقال في جواب سؤال آخر:
(ويمكنك قراءة تفسير هذه الآيات في كتاب تفسير آية من سورة يونس، وهو منشور في موقع أنصار الإمام المهدي؛ لعلَّ الله ينفعك بها)(٢٣).
وقال في جواب سؤال ثالث:
(ويمكنك قراءة كتاب الشرائع، وقد بيَّنت فيه ما هو الواجب على الزوجة تجاه زوجها، وأيضاً متى يكون للفتاة الحقّ في الولاية على نفسها، والكتاب منشور في موقع أنصار الإمام المهدي عليه السلام، وإذا لم يتبيَّن لكم شيء بعد القراءة يمكنكم السؤال، وأكون بخدمتكم إن شاء الله)(٢٤).
وفي تفسيره لرؤيا أحد السائلين قال:
(أمَّا الخَضار فهو الدين، وأمَّا السطح فهو الارتقاء في ملكوت السماوات والأرضين، وفي هذه الرؤيا وجه بسيط بين يديك، وهو موقع الأنصار على الشبكة، والحديقة الخضراء الواسعة: هي العلم الموجود في الموقع، والسطح: هو الأثير، طريق الاتّصال في الشبكة، والنافذة: هي نافذتك على الموقع، والبيت البسيط: هو الموقع نفسه؛ لأنَّه صغير بحجمه)(٢٥).
ولأجل ذلك فإنّي سأحتجّ لإبطال هذه الدعوة بكلّ ما في تلك الكتب والبيانات المنسوبة إليه، والموجودة في موقع أنصاره، وما هو منسوب إليه في الموقع المذكور وفي كتبهم أنصاره؛ لأنَّهم إذا لم يفتروا عليه فما في موقعهم وكتبهم حجَّة عليه، وإن كانوا قد افتروا عليه فإنَّ الواجب عليه أن يُبيِّن للناس ذلك، وحيث إنَّا لا نعلم بحقيقة الحال، وهو لم ينكر شيئاً ممَّا نسبوه إليه، فإنَّ سكوته إقرار منه بما في ذلك الموقع، وتسليم بنسبة تلك الكتب إليه إن كان لا يزال على قيد الحياة.

* * *

ما هي الوصيّة التي وصفوها بالمقدَّسة؟
الرواية التي أسموها برواية الوصيّة(٢٦) رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا نصّها:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً، سمَّاك الله تعالى في سمائه: عليّاً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلَّقْتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أُمَّتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفَظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديّاً، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(٢٧).
سند رواية الوصيّة:
هذه الرواية سندها ضعيف، بل مظلم جدَّاً، وأغلب رواتها مجاهيل، لم يرد لهم ذكر في كتب الرجال، لا بمدح ولا بقدح.
وإليك بيان حال بعضهم:
١ _ علي بن سنان الموصلي العَدْل:
وهذا مهمل في كتب الرجال، لم يرد له فيها ذكر، لا بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
ووصفه بالعَدْل لا يدلُّ على التوثيق؛ لأنَّه ربَّما يكون وصفاً لأحد أجداده، فلا يُعلَم أنَّه وصف له، ولو سلَّمنا بأنَّه وصف له فلعلَّ المراد به شيء آخر غير التوثيق.
قال السيّد الخوئي قدس سره في ترجمة الفقيه الدارمي العَدْل:
(لا يبعد أنَّ الرجل من العامّة، وأنَّ كلمة (العدل) من ألقابه، وهذه كلمة تُطلَق على الكُتَّاب في القضاء والحكومات، فيقال: كاتب العدل)(٢٨).
والسيّد الخوئي قدس سره رجَّح من هذا الوصف أنَّه رجل من العامّة، فقال: (إنَّ كلمة (العدل) على ما يظهر من ذكرها في مشايخ الصدوق قدس سره كان يوصف بها بعض علماء العامّة، فلا يبعد أن يكون الرجل من العامّة)(٢٩).
ولو سلَّمنا أنَّ هذا الوصف له وأنَّه يُراد به التوثيق، فلا نعلم من وصفه بهذا الوصف، فلعلَّ الواصف له بذلك لا يُعتمد عليه في جرح ولا تعديل.
٢ _ علي بن الحسين:
وهو اسم مشترك، يُعرف بالراوي والمروي عنه، ولم يتَّضح بتتبّع الروايات من يروي عن أحمد بن محمّد بن الخليل، ويروي عنه علي بن سنان الموصلي العدل، وعليه فهو مجهول الحال، لا يُعرَف من هو.
ولا يُتوهَّم أنَّه علي بن الحسين بن بابويه (والد الشيخ الصدوق قدس سره)؛ لأنَّ والد الشيخ الصدوق لا يروي عن أحمد بن محمّد بن الخليل، ولا يروي عنه علي بن سنان الموصلي العدل.
مضافاً إلى أنَّ الشيخ الطوسي قدس سره يروي عن والد الشيخ الصدوق بواسطتين، هما: الشيخ المفيد، الذي يروي عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه.
قال الشيخ الطوسي قدس سره:
(علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رضي الله عنه، كان فقيهاً جليلاً ثقةً، وله كتب كثيرة...)، إلى أن قال: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته: الشيخ المفيد رحمه الله، والحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر ابن بابويه [الصدوق]، عن أبيه)(٣٠).
وأمَّا الوسائط بين الشيخ الطوسي قدس سره وبين علي بن الحسين المذكور في رواية كتاب (الغيبة) فثلاث، هي: (جماعة، عن الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل)، وهذا يدلُّ على اختلاف الطبقة بين علي بن الحسين المذكور في رواية كتاب (الغيبة) ووالد الشيخ الصدوق قدس سره.
مع أنَّ الشيخ الصدوق قدس سره يروي عن علي بن سنان الموصلي بواسطتين كما ورد ذلك في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)، حيث قال:
(حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمّد بن مهران الآبي العروضي رضي الله عنه بمرو، وقال: حدَّثنا (أبو) الحسين (بن) زيد بن عبد الله البغدادي، قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي، قال: حدَّثني أبي، قال: لمَّا قُبِضَ سيّدنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وَفَدَ من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تُحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام، فلمَّا أن وصلوا إلى سُرَّ من رأى سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي عليهما السلام، فقيل لهم: إنَّه قد فُقِدَ...)(٣١).
مضافاً إلى أنَّ الشيخ الصدوق قدس سره يروي عن والده بالمباشرة لا بالواسطة، وهذا يدلُّ على أنَّ علي بن الحسين الذي يروي عنه علي بن سنان الموصلي شخص آخر.
٣ _ أحمد بن محمّد بن الخليل:
وهو مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا ذمّ، فلا يُعرَف من هو.
وقد اعترف بذلك ناظم العقيلي _ وهو من المدافعين بشدَّة عن أحمد إسماعيل البصري والمروّجين له _ في كتابه (انتصاراً للوصيّة) حيث قال:
(ولم يبقَ أحد من رواة الوصيّة لم يُعلَم تشيّعه إلَّا أحمد بن محمّد بن الخليل)(٣٢).
قلتُ: مضافاً إلى أنَّه لا يُعلَم تشيّعه فإنَّه لم ينصّ أحد على وثاقته، وهذا كافٍ في إسقاط الرواية من أساسها.
وما زعمه ناظم العقيلي من أنَّه لا ينبغي الشكّ في تشيّعه؛ لشهادة الشيخ الطوسي كما تقدَّم، ولاعتماد علي بن الحسين بن بابويه عليه في الرواية، ولما قاله الشيخ علي النمازي عند ترجمته، حيث قال:
(وقع في طريق الشيخ عن علي بن سنان الموصلي، عن علي بن الحسين، عنه...)، إلى قوله: (وفي هذه الرواية النصّ على الأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وأسمائهم، وفضائلهم، فهي تفيد حسنه وكماله)(٣٣).
مردود بأنَّ الشيخ الطوسي قدس سره لم يشهد بتشيّعه، ولا بتشيّع غيره ممَّن ذُكروا في رواية كتاب (الغيبة)، وإنَّما ذكر هذه الرواية ضمن روايات الخاصّة، والمراد بذلك أنَّها مروية عن الإمام الصادق عليه السلام، حتَّى لو كان بعض رواتها من العامّة، مثل روايات السكوني وحفص بن غياث، ونوح بن درّاج وغيرهم عن أئمّتنا عليهم السلام، فإنَّها معدودة من روايات الخاصّة رغم أنَّ هؤلاء جميعاً من العامّة.
قال الشيخ الطوسي قدس سره:
(فأمَّا إذا كان الراوي مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمّة عليهم السلام نُظِرَ فيما يرويه، فإن كان هناك من طُرُق الموثوق بهم ما يخالفه وجب إطراح خبره...)، إلى أن قال: (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلّوب، ونوح بن درّاج، والسكوني، وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه، ولم يكن عندهم خلافه)(٣٤).
وأمَّا ما زعمه ناظم العقيلي من اعتماد علي بن الحسين بن بابويه عليه في الرواية، فهو مردود بما بيَّناه من أنَّ الراوي عنه ليس علي بن الحسين بن بابويه، وإنَّما هو رجل مجهول، لا يُعرَف من هو؛ وذلك لاختلاف الطبقة كما بيَّناه فيما تقدَّم.
ولو سلَّمنا أنَّ الراوي عنه هو ابن بابويه فإنَّ ما قاله العقيلي لا يتمّ؛ لأنَّا لم نجد رواية أُخرى رواها علي بن الحسين عن أحمد بن محمّد بن الخليل إلَّا هذه الرواية، وهذا لا يُحقِّق اعتماده عليه في الرواية، مع أنَّا لم نرَ من صرَّح بأنَّ علي بن الحسين بن بابويه لا يروي إلَّا عن ثقة.
وأمَّا ما قاله النمازي فهو رأي ضعيف لا يساعد عليه التحقيق، ولم يدلُّ عليه دليل صحيح، وهو مخالف لما قاله أكثر علماء الطائفة، فلا ندري لِمَ اعتمده ناظم العقيلي وقلَّد فيه النمازي؟! مع أنَّهم يذمّون علم الرجال، ولا يعتمدون أقوال الرجاليين، إلَّا أنَّهم يعتمدون الأقوال الضعيفة إذا كانت توافقهم، ويردّون الأقوال الأُخرى إذا كانت تخالفهم.
٤ _ جعفر بن أحمد المصري:
وهو مهمل في كتب الرجال أيضاً، لم نجد له ترجمة، ولم نجد من قال بوثاقته.
نعم قال ابن حجر العسقلاني:
(جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة أبو الفضل الغافقي المصري، ويُعرَف بابن أبي العلاء، قال ابن عدي بعد أن ساق نسبه: كتبت عنه سنة تسع وتسعين، وسنة أربع وثلاثمائة، وأظنّه مات فيها، فحدَّثنا عن أبي صالح وعبد الله بن يوسف الكلاعي، وأبو محمّد الدمشقي التنيسي، وسعيد بن عفير، وجماعة بأحاديث موضوعة كنّا نتَّهمه بوضعها، بل نتيقَّن ذلك، وكان رافضيّاً)(٣٥).
إلَّا أنَّ هذا الكلام لا يدلُّ على وثاقته إن لم يدلّ على ضعفه.
٥ _ الحسن بن علي عمّ جعفر بن أحمد المصري:
وهو كسابقيه، مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
٦ _ والد الحسن بن علي:
وهو علي بن بيان بن زيد بن سيابة المصري، وهو أيضاً مجهول الحال، لم يذكره علماء الرجال بمدح ولا قدح.
والنتيجة:
أنَّ أكثر رواة رواية كتاب (الغيبة) مجاهيل، لا يُعرَفون من هم، ولم تثبت وثاقتهم، فتكون الرواية ساقطة، لا تصلح للاستدلال بها على شيء، فضلاً عن صلاحيتها للاستدلال على إثبات اثني عشر إماماً بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
أقوال العلماء في رواية الوصيّة:
قال الشيخ المجلسي قدس سره بعد أن ذكر بعض الأخبار الظاهرة في أنَّ بعد الاثني عشر إماماً اثني عشر مهديّاً:
(هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين:
الأوّل: أن يكون المراد بالاثني عشر مهديّاً: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأئمّة سوى القائم عليه السلام، بأن يكون مُلْكهم بعد القائم عليه السلام، وقد سبق أنَّ الحسن بن سليمان أوَّلَها بجميع الأئمّة، وقال برجعة القائم عليه السلام بعد موته، وبه أيضاً يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدَّة ملكه عليه السلام.
والثاني: أن يكون هؤلاء المهديّون من أوصياء القائم، هادين للخلق في زمن سائر الأئمّة الذين رجعوا؛ لئلَّا يخلو الزمان من حجَّة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمّة أيضاً حُجَجَاً، والله تعالى يعلم)(٣٦).
وقال الحرّ العاملي قدس سره في (الفوائد الطوسية):
(فائدة ٣٨: حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر عليهم السلام: اعلم أنَّه قد ورد هذا المضمون في بعض الأخبار، وهو لا يخلو من غرابة وإشكال، ولم يتعرَّض له أصحابنا إلَّا النادر منهم على ما يحضرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزماً قطعاً؛ لأنَّ ما ورد بذلك لم يصل إلى حدّ اليقين، بل تجويزه احتمالاً على وجه الإمكان مشكل؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى من كثرة معارضه. وبالجملة فهو محلّ التوقّف إلى أن يتحقَّق وتظهر قوَّته على معارضه، والذي يحضرني الآن من ذلك أنَّه ورد من طرق:
أحدها: ما رواه الشيخ في كتاب (الغيبة) في جملة الأحاديث التي رواها من طريق المخالفين في النصّ على الأئمّة عليهم السلام، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد البصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر دواة وصحيفة. فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته، حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه يكون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً...) الخ(٣٧).
وقال الشيخ البياضي العاملي قدس سره:
(الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذّة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنَّه ليس بعد القائم دولة، وأنَّه لم يمضِ من الدنيا إلَّا أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، على أنَّ البَعْدية في قوله: (من بعدهم) لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية: ٢٣]، فجاز كونهم في زمان الإمام، وهم نوّابه عليه السلام.
إن قلتَ: قال في الرواية: (فإذا حضرته _ يعني المهدي _ الوفاة فليسلّمها إلى ابنه) ينفي هذا التأويل.
قلتُ: لا يدلُّ هذا على البقاء بعده، يجوز أن يكون لوظيفة الوصيّة؛ لئلَّا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضرُّ ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه.
قال المرتضى: لا يُقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمّة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يُخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية؛ لأنَّا كُلِّفنا بأن نعلم إمامتهم، إذ هو موضع الخلاف، وقد بيَّنَّا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم.
وأنا أقول: هذه الرواية آحادية، توجب ظنَّاً، ومسألة الإمامة علمية، ولأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يبيِّن المتأخّرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة، وأيضاً فهذه الزيادة شاذّة لا تعارض الشائعة الذائعة.
إن قلتَ: لا معارضة بينهما؛ لأنَّ غاية الروايات: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة)، (الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل) ونحوها.
قلتُ: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني عشر، ولأنَّ في أكثر الروايات: (وتسعة من ولد الحسين)، ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنَّهم لم يُذكَروا في التوراة وأشعار قسّ وغيرها، ولا أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربّه، ولمَّا عدَّ الأئمّة الاثني عشر، قال للحسن: (لا تخلو الأرض منهم)، ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمّة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أنَّ المقصود به أولادهم؛ لأنَّه من المجاز، ولا ضرورة تحوج إليه)(٣٨).
إذا عرفت ما قاله علماء الطائفة في هذه الرواية ونحوها نقول:
إنَّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أمروا شيعتهم بالأخذ بما يرويه الأعدل والأفقه والأصدق والأورع في الحديث، ويُؤخذ بالمشهور عنهم عليهم السلام، ويُترك الشاذّ النادر، فقد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: (الحُكْم ما حَكَمَ به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يُلتفَت إلى ما يحكم به الآخر). قال: قلت: فإنَّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على الآخر. قال: فقال: (يُنظَر إلى ما كان من روايتهم عنَّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك، فيُؤخَذ به من حكمنا، ويُترَك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه)(٣٩).
وروى ابن أبي جمهور، عن زرارة بن أعين، قال: سألت الباقر عليه السلام، فقلت: جُعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟ فقال: (يا زرارة، خُذْ بما اشتهر بين أصحابك، ودَعْ الشاذّ النادر). فقلت: يا سيّدي إنَّهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم. فقال عليه السلام: (خُذْ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك)(٤٠).
ولا شكَّ في أنَّ رواية المهديّين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام رواية شاذّة مخالفة لما تواتر عنهم عليهم السلام من أنَّ الأئمّة اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، مضافاً إلى أنَّ هذه الرواية قد رواها المجاهيل الذين لا يُعرَفون، وأمَّا الروايات الحاصرة للأئمّة في اثني عشر فقد رواها الثقات من أصحاب الأئمّة خلفاً عن سلف من غير نكير من أحد، وهذا كلّه يحتّم علينا طرح رواية المهديّين الاثني عشر من ولد الإمام القائم عليه السلام.
روايات الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام:
اشتملت رواية كتاب (الغيبة) على عبارات ينبغي التوقّف عندها، والتعليق عليها:
منها: قوله: (يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً).
وهؤلاء الاثنا عشر إماماً دلَّت عليهم روايات أُخر متواترة مرويّة من طُرُق الشيعة وأهل السُنَّة.
أمَّا ما روي من طريق الشيعة، فمنه:
١ _ ما رواه الكليني والصدوق قدَّس الله أسرارهما بأسانيدهما عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (نحن اثنا عشر إماماً، منهم حسن وحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليه السلام)(٤١).
٢ _ ما رواه الكليني والصدوق والنعماني قدَّس الله أسرارهم بأسانيدهم عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عبّاس: (إنَّ ليلة القدر في كلّ سنة، وإنَّه ينزل في تلك الليلة أمر السَّنَة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال ابن عبّاس: من هم؟ قال: (أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدَّثون)(٤٢).
٣ _ ما رواه الحرّ العاملي قدس سره عن كتاب الفضل بن شاذان (إثبات الرجعة) بسند صحيح عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه، عن الإمام الحسن السبط عليه السلام، قال: (سألت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأئمّة بعده، فقال: الأئمّة بعدي بِعدد نقباء بني إسرائيل: اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي...)(٤٣).
وستأتي روايات أُخرى غيرها قريباً، فانتظرها.
وأمَّا من طريق أهل السُنَّة، فمنه:
١ _ ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون اثنا عشر أميراً)، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنَّه قال: (كلّهم من قريش)(٤٤).
قال البغوي: (هذا حديث متَّفق على صحَّته)(٤٥).
٢ _ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: (إنَّ هذا الأمر لا ينقضي حتَّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة). قال: ثمّ تكلَّم بكلام خفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش)(٤٦).
٣ _ وأخرج مسلم أيضاً بسنده عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً)، ثمّ تكلَّم النبيّ صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (كلّهم من قريش)(٤٧).
٤ _ وأخرج مسلم أيضاً عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة)، ثمّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: (كلّهم من قريش)(٤٨).
والتعبير باثني عشر إماماً أو خليفةً في كلّ هذه الروايات وغيرها يفيد الحصر؛ لأنَّه لو كان هناك غيرهم لبُيِّن ولو في بعض الروايات، ولَمَا أطبقت جميع الروايات على ذكر هذا العدد المعيَّن، ومع أنَّ الشيعة وأهل السُنَّة اختلفوا في كثير من مسائل الإمامة، وتنازعوا فيها نزاعاً شديداً، إلَّا أنَّهم أجمعوا على أنَّ عدد الخلفاء اثنا عشر، من غير زيادة ولا نقيصة، واختلافهم إنَّما هو في انطباق هذه الأحاديث، هل تنطبق على أئمّة أهل البيت عليهم السلام كما يقول الشيعة، أو تنطبق على غيرهم كما يقول أهل السُنَّة، ولم يقل أحد من هذه الأُمَّة قبل أحمد إسماعيل البصري: (إنَّ الأئمّة أربعة وعشرون)، وكفى هذا دليلاً على بطلان زعمهم.
مع أنَّ حصر الأئمّة في اثني عشر إماماً مع وجود غيرهم بَعْدَهم يستلزم العبث والتعمية كما قال البياضي العاملي رحمه الله، بل يترتَّب عليه إيقاع الناس في الضلال بإيهامهم أنَّ الأئمّة اثنا عشر بينما هم أكثر من ذلك، وهذا لا يصدر عن المعصوم عليه السلام.
ومن تتبَّع الروايات يجد أنَّ هناك روايات كثيرة واضحة الدلالة على حصر الخلفاء أو الأئمّة في اثني عشر إماماً، لا يزيدون ولا ينقصون.
منها: ما رواه الشيخ محمّد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره بسند صحيح عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوَّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها)(٤٩).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً بسند صحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني بعدد الأئمّة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوَّلهم أنت، وآخرهم القائم)(٥٠).
وبسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (منّا اثنا عشر مهديّاً، مضى ستّة، وبقي ستّة، يصنع الله بالسادس ما أحبّ)(٥١).
وبسنده عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: (منّا اثنا عشر مهديّاً، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ، يُحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويُظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدُّ فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيُؤذَون، فيقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس: ٤٨]، أمَا إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(٥٢).
وبسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن مولانا الإمام علي بن موسى الرضا، عن آبائه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث طويل: (فنظرت وأنا بين يدي ربّي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي، أوّلهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أُمَّتي)(٥٣).
وبسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحُجَج الله على أُمَّتي بعدي، المقرُّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر)(٥٤).
وبسنده عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا سيّد النبيّين، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإنَّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم القائم)(٥٥).
ولعلَّ من أوضح الروايات الدالّة على انحصار الأئمّة في اثني عشر إماماً ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (أيّها الناس، أتعلمون أنَّ الله أنزل في كتابه: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: ٣٣]، فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً، ثمّ ألقى علينا كساءً، وقال: اللّهمّ إنَّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهِبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً، فقالت أُمّ سَلَمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت على خير، إنَّما أُنزلت فيَّ، وفي أخي، [وفي ابنتي فاطمة](٥٦)، وفي ابنيَّ الحسن والحسين، وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصَّة، ليس معنا فيها أحد غيرنا؟)، فقالوا كلّهم: نشهد أنَّ أُمّ سَلَمة حدَّثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدَّثنا كما حدَّثتنا به أُمّ سَلَمة رضي الله عنها...).
إلى أن قال: قال: (أنشدكم الله، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيباً، لم يخطب بعد ذلك، فقال: يا أيّها الناس، إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فتمسَّكوا بهما لئلَّا تضلّوا، فإنَّ اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنَّهما لن يفترقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض.
فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب، فقال: يا رسول الله، أكلّ أهل بيتك؟ قال: لا، ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي في أُمَّتي، ووليّ كلّ مؤمن بعدي، هو أوّلهم، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتَّى يَرِدوا عليَّ الحوض، شهداء الله في أرضه، وحُجَجه على خلقه، وخُزّان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله عز وجل؟)، فقالوا كلّهم: نشهد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك(٥٧).
وقوله عليه السلام في الفقرة الأُولى: (ليس معنا فيها أحد غيرنا)، وحصر العترة المطهَّرة من الرجس في اثني عشر فقط في الفقرة الثانية يُخرج مَنْ عداهم من المهديّين الذين يدَّعيهم أحمد إسماعيل وغيرهم عن أن يكونوا من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، كما يُخرجهم عن أن يكونوا من الثقلين اللذين يجب التمسّك بهما.
ومن الروايات الواضحة أيضاً في الدلالة على انحصار الأئمّة في اثني عشر فقط ما رواه الخزّاز القمّي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين! قال: (كذبوا والله، أوَلم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف: ٢٨]؟ فهل جعلها إلَّا في عقب الحسين؟)، ثمّ قال: (يا جابر، إنَّ الأئمّة هم الذين نصَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة، وهم الأئمّة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لمَّا أُسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثنا عشر اسماً، منهم علي، وسبطاه، وعلي، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمّد، وعلي، والحسن، والحجَّة القائم، فهذه الأئمّة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلَّا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده)(٥٨).
وقوله عليه السلام: (والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلَّا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده) واضح الدلالة على أنَّ الأئمّة اثنا عشر، وأنَّ كلّ من ادَّعى الإمامة من غير هؤلاء الأئمّة فهو دجّالٌ، ضالٌّ، مضلٌّ.
روايات المهديّين في كتب الشيعة الإمامية:
من عبارات رواية كتاب (الغيبة) قوله: (ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً).
وسواء صحَّت هذه الرواية كما يزعم أحمد إسماعيل وجماعته أم لم تصحّ كما هو الحقّ، فإنَّ لفظ (المهديّين) قد تكرَّر كثيراً في الروايات، فمن هم هؤلاء المهديّون؟ هل هم الأئمّة الاثنا عشر الذين ورد ذكرهم في الروايات المتواترة، أم أنَّهم أئمّة آخرون مغايرون لهم؟
في هذا المقام نقول: إنَّ الذي يتتبَّع الروايات يجد أنَّ لفظ (المهديّين) استُعمل في عدَّة موارد:
١ _ أنَّه أُطلق على الأئمّة الاثني عشر المعصومين عليهم السلام، وهذا الإطلاق كثير في الروايات، ومنها: الأحاديث التي نقلناها آنفاً، التي ورد فيها وصف الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام بأنَّهم مهديّون.
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال : (منّا اثنا عشر مهديّاً)(٥٩).
ومنها: موثَّقة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (نحن اثنا عشر مهديّاً)(٦٠).
٢ _ أنَّه أُطلق على اثني عشر رجلاً من الشيعة غير الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، يَدْعون الناس إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقّهم.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك عليه السلام أنَّه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهديّاً)، فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهديّاً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يَدْعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)(٦١).
ووصف الإمام عليه السلام لهؤلاء المهديّين الاثني عشر بأنَّهم (قوم من شيعتنا)، دون أن يصفهم بأنَّهم من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، دليل واضح على أنَّهم لا ينتسبون إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّهم ليسوا بأئمّة معصومين، ولذلك أخبر عنهم بأنَّهم يَدْعون الناس إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقّهم، ولو كانوا حُجَجاً معصومين لدعوا الناس إلى موالاتهم لا إلى موالاة غيرهم.
وزعم بعضهم أنَّ الإمام الصادق عليه السلام إنَّما أكَّد على أنَّ أباه الإمام الباقر عليه السلام قال: (اثنا عشر مهديّاً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً)، ونفي أنَّ الإمام الباقر عليه السلام قال: (اثنا عشر إماماً)، لا يعني نفي الإمامة عن المهديّين، وإنَّما يدلُّ على نفي قول ذلك(٦٢).
وهذا الزعم مردود بأنَّ الإمام الصادق عليه السلام كان في صدد بيان معنى الحديث لأبي بصير، ولم يكن في صدد التعمية والإبهام عليه، مع أنَّه لو كان هؤلاء المهديّون أئمّة لما كان هناك أيّ داعٍٍ لعدم التأكيد على إمامتهم ووصفهم بأنَّهم قوم من الشيعة، فإنَّ إمامتهم لا ينبغي أن تكون سرّاً، خصوصاً إذا كان الكلام مع أمثال أبي بصير!
وعلى هذا القول يُحمل ما ورد في رواية كتاب (الغيبة) لو سلَّمنا بصحَّتها، فيكون المراد بقوله: (بعد القائم) أي بعد ظهوره، لا بعد موته بحيث يتولّون الإمامة بعده؛ لأنَّهم ليسوا بأئمّة كما نصَّ عليه هذا الحديث.
٣ _ أنَّ هذا الوصف وُصِفَ به أحد عشر رجلاً من ولد الحسين عليه السلام بعد الإمام المهدي عليه السلام.
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل، قال: (يا أبا حمزة، إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر مهديّاً من ولد الحسين عليه السلام)(٦٣).
وهذه الرواية _ مع التسليم بصحَّتها _ محمولة على أنَّ المراد بالمهديّين الأحد عشر: الأئمّة المعصومون الأحد عشر عليهم السلام أنفسهم الذين تولّوا الإمامة قبل القائم عليه السلام، فإنَّهم يقومون بالأمر بعد القائم عليه السلام إذا رجعوا إلى الدنيا واحداً بعد واحد، فالأحد عشر بعد الإمام المهدي عليه السلام هم الأحد عشر السابقون له عليه السلام، ووصفهم بأنَّهم من ولد الإمام الحسين عليه السلام إنَّما ورد بنحو التغليب، أي إنَّ أغلبهم من ولد الإمام الحسين عليه السلام.
وفي الروايات الأُخر ما يشير إلى ذلك، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث طويل ذكر فيه بعض ما حدث في عروجه إلى السماء، فقال: (فنوديت: يا محمّد أنت عبد، وأنا ربّك، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، فإنَّك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجَّتي على بريَّتي، لك ولمن تبعك خلقت جنَّتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي. فقلت: يا ربّ، ومن أوصيائي؟ فنوديت: يا محمّد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي. فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم مهدي أُمَّتي، فقلت: يا ربّ، هؤلاء أوصيائي بعدي؟ فنوديت: يا محمّد، هؤلاء أوصيائي، وأحبّائي، وأصفيائي، وحُجَجي بعدك على بريَّتي، وهم أوصياؤك، وخلفاؤك، وخير خلقي بعدك، وعزَّتي وجلالي لأُظهرنَّ بهم ديني، ولأُعلينَّ بهم كلمتي، ولأُطهِّرنَّ الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأُملِّكنَّه مشارق الأرض ومغاربها، ولأُسخِّرنَّ له الرياح، ولأُذلِّلنَّ له السحاب الصعاب، ولأرقينَّه في الأسباب، ولأنصرنَّه بجندي، ولأُمدَّنَّه بملائكتي، حتَّى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لأُديمنَّ ملكه، ولأُداولنَّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة)(٦٤).
وهذه الرواية واضحة الدلالة كغيرها من الروايات على أنَّ أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر، لا يزيدون ولا ينقصون، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
وقوله: (ثمّ لأُديمنَّ ملكه، ولأُداولنَّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة) دالٌّ على دوام ملك الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّ أولياء الله _ وهم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحد عشر عليهم السلام _ سيتداولون الملك بعده.
وإنَّما تعيَّن هذا الحمل لأنَّ الأحاديث المتواترة دلَّت على أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط بلا زيادة ولا نقيصة، كما دلَّت أحاديث أُخر على رجعة الأئمّة المعصومين عليهم السلام بعد الإمام المهدي عليه السلام مباشرة.
ومن هذه الأحاديث ما رواه الحسن بن سليمان في (مختصر البصائر) بسنده عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ لعلي عليه السلام في الأرض كرَّة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما، يُقْبِل برايته حتَّى ينتقم له من بني أُميّة ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه، ثمّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذٍ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيلقاهم بصفّين مثل المرَّة الأُولى حتَّى يقتلهم، فلا يُبقي منهم مخبراً، ثمّ يبعثهم الله عز وجل، فيدخلهم أشدّ عذابه مع فرعون وآل فرعون، ثمّ كرَّة أُخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يكون خليفته في الأرض، ويكون الأئمّة عليهم السلام عمّاله، وحتَّى يُعبَد الله علانية، فتكون عبادته علانية في الأرض كما عُبد الله سرّاً في الأرض)(٦٥).
وبسنده عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) [المائدة: ٢٠]، فقال: (الأنبياء: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإبراهيم، وإسماعيل، وذرّيته، والملوك: الأئمّة عليهم السلام)، قال: فقلت: وأيّ ملك أُعطيتم؟ قال: (ملك الجنَّة، وملك الكرَّة)(٦٦).
وفي خبر آخر عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال في حديث: (ما من إمام في قرن إلَّا ويكرَّ معه البرّ والفاجر في دهره، حتَّى يديل الله عز وجل المؤمن من الكافر)(٦٧).
من هو أوّل المهديّين؟
استدلَّ أحمد إسماعيل البصري وأنصاره على أنَّه هو المهدي الأوّل بقوله في رواية كتاب (الغيبة): (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين).
بتقريب أنَّ المراد بـ (ابنه) في الرواية هو أحمد إسماعيل البصري، حيث إنَّ من ضمن أسمائه: أحمد.
وهذا الاستدلال واضح الفساد؛ لأنَّ الضمير في قوله: (له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي)، لا يعود على ابن الإمام المهدي عليه السلام، وإنَّما يعود على الإمام المهدي نفسه، بدليل وجود روايات أُخر ورد فيها التصريح بأنَّ الإمام المهدي عليه السلام له هذه الأسماء.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر المهدي فقال: (إنَّه يُبايَع بين الركن والمقام، اسمه: أحمد، وعبد الله، والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)(٦٨).
ويظهر من بعض الروايات أنَّ من جملة أسماء الإمام المهدي عليه السلام غير المشهورة: أحمد، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، له اسمان: اسم يخفى واسم يُعلَن، فأمَّا الذي يخفى فأحمد، وأمَّا الذي يُعلَن فمحمّد، إذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميّت إلَّا دخلت عليه تلك الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه)(٦٩).
والغريب أنَّ أحمد إسماعيل احتجَّ بهذه الرواية في بيان له بعنوان: (السيّد أحمد الحسن اليماني الموعود)، وقال:
(وأحمد اسم المهدي الأوّل، ومحمّد اسم الإمام المهدي عليه السلام).
مع أنَّ الرواية واضحة الدلالة على أنَّهما اسمان لمسمَّى واحد، وهو الإمام المهدي عليه السلام، والضمير في قوله: (له اسمان) لا يعود على رجلين مختلفين كما يزعم أحمد إسماعيل الذي أضحك الناس عليه.
مع أنَّ هذه الرواية لا تشير لا من قريب ولا من بعيد للمهدي الأوّل؛ وإنَّما تشير للإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
مضافاً إلى أنَّ الاسم المعروف لأحمد إسماعيل هو أحمد، ولا يُعرَف أن من أسمائه: محمّداً، بخلاف الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، فإنَّ الحديث ينطبق عليه؛ لأنَّ اسمه المعروف المعلَن هو محمّد، واسمه الآخر المخفي هو أحمد.
وهذه إحدى الطامّات التي صدرت من أحمد إسماعيل، حيث يحتجّ بأحاديث لا يفهم معناها، بل هي خلاف ما يدَّعيه، فما أكثر أخطاءه وغفلاته!
ثمّ إنّا لو سلَّمنا جدلاً بأنَّ الضمير في رواية الوصيّة يعود على (ابنه)، فإنَّ أحمد إسماعيل البصري ليس ابناً مباشراً للإمام المهدي عليه السلام كما يعترف هو، وليس ابناً بالواسطة كما هو الثابت الصحيح؛ لأنَّ أحمد إسماعيل من عشيرة البوسويلم في البصرة، وهؤلاء لا ينتسبون للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ولا لسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو المعروف من نسبهم، وهم لا يدَّعون لأنفسهم أنَّهم ينتسبون إلى الإمام المهدي عليه السلام، بل ينكرون ذلك.
ولو سلَّمنا أنَّ أحمد إسماعيل البصري ابن غير مباشر للإمام المهدي عليه السلام، وأنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الجدّ الرابع لأحمد إسماعيل كما يزعم هو وأنصاره(٧٠)، فإنَّ ظاهر الرواية الذي يؤيِّده الإطلاق اللغوي هو أنَّ (الابن) يراد به غالباً الابن المباشر، بقرينة أنَّها استعملت في الرواية تسع مرَّات بهذا المعنى دون غيره، ولو أُريد بالابنِ الابنُ بواسطة فلا بدَّ من نصب قرينة على ذلك، فكيف يصحّ أن يراد بالابن بعد الإمام المهدي الابن بوسائط متعدِّدة من دون أيّ قرينة في البين؟!
وقد احتمل الحرّ العاملي قدس سره وجود تصحيف في هذه الرواية في قوله: (فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين)، وأنَّ الصحيح هو: (فليسلّمها إلى أبيه أوّل المقرَّبين)، والمراد بالأب هو الإمام الحسين عليه السلام.
قال قدس سره:
(وما تضمَّنه الحديث المروي في كتاب (الغيبة) على تقدير تسليمه في خصوص الاثني عشر بعد المهدي عليه السلام لا ينافي هذا الوجه؛ لاحتمال أن يكون لفظ (ابنه) تصحيفاً، وأصله (أبيه) بالياء آخر الحروف، ويراد به الحسين عليه السلام؛ لما روي سابقاً في أحاديث كثيرة من رجعة الحسين عليه السلام عند وفاة المهدي عليه السلام ليغسِّله)(٧١).
ويشير الحرّ العاملي قدس سره إلى الروايات التي دلَّت على أنَّ الإمام الحسين عليه السلام يتولّى الأمر بعد وفاة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
فقد روى الحسن بن سليمان الحلّي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه سُئِلَ عن الرجعة، أحقٌّ هي؟ قال: (نعم). فقيل له: مَنْ أوّل مَنْ يخرج؟ قال: (الحسين عليه السلام، يخرج على أثر القائم عليه السلام). قلت: ومعه الناس كلّهم؟ قال: (لا، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) [النبأ: ١٨]، قوم بعد قوم)(٧٢).
وعنه عليه السلام، قال: (ويقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قُتلوا معه، ومعه سبعون نبيّاً كما بُعثوا على موسى بن عمران عليه السلام، فيدفع إليه القائم الخاتم، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله، وكفنه، وحنوطه، ويواري به في حفرته)(٧٣).
وعن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (والله ليملكنَّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة، ويزداد تسعاً). قلت: متى يكون ذلك؟ قال: (بعد القائم عليه السلام). قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: (تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا _ وهو الحسين عليه السلام _ فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)(٧٤).
ومن أوضح الروايات التي تدلُّ على رجوع الإمام الحسين عليه السلام مع الإمام المهدي عليه السلام رواية ثابت بن دينار عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لأصحابه قبل أن يُقتل بليلة واحدة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: يا بُني إنَّك ستُساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها: (عمورا) و(كربلاء)، وإنَّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة. وقد قَرُبَ ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّي راحل إليه غداً، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإنّي قد أذنت له، وهو منّي في حلٍّ. وأكَّد فيما قاله تأكيداً بليغاً، وقالوا: والله ما نفارقك أبداً حتَّى نرد موردك. فلمَّا رأى ذلك، قال: فأبشروا بالجنَّة، فوَالله إنَّما نمكث ما شاء الله تعالى بعدما يجري علينا، ثمّ يُخرجنا الله وإيّاكم حين يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين، وإنّا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب والنكال. فقيل له: مَنْ قائمكم، يا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمّد بن علي الباقر، وهو الحجّة بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(٧٥).
والأحاديث في ذلك كثيرة، وهي تدلُّ بوضوح على أنَّ الذي يتولّى الأمر بعد الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام الحسين عليه السلام، لا أوّل المهديّين كما يدَّعي أحمد إسماعيل البصري، فإنَّ ذلك لم تدلّ عليه رواية واحدة، وإطلاق القائم في الروايات يراد به الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وصرفه إلى غيره يحتاج إلى دليل، ولا دليل في البين.

* * *

ادّعاءات أحمد إسماعيل البصري
من الغرائب أنَّ أحمد إسماعيل البصري قد جازف مجازفات عظيمة بادّعاء دعاوى كبيرة وكثيرة جدّاً، قد قام الدليل على كذبه فيها، إلَّا أنَّ بعضها غريب جدّاً، وكثير منها يُضحك الثكلى.
ومن جملة دعاواه التي جمعتها على عجالة:
١ _ أنَّه رسول الإمام المهدي عليه السلام وسفيره.
قال: (أتيتكم باسم الإمام المهدي عليه السلام، ولم أطلب مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني، فمن لا يقبلني لا يقبل أبي الذي أرسلني، والحقّ أنَّ من لا يكرم الابن لا يكرم الأب الذي أرسله)(٧٦).
٢ _ أنَّه وصيّ الإمام المهدي عليه السلام والمتولي للأمر من بعده.
وهو يوقِّع في كلّ كتبه وبياناته بعد ذكر اسمه المستعار _ وهو السيّد أحمد الحسن _ بوصيّ ورسول ويماني الإمام المهدي عليه السلام.
٣ _ أنَّه وزير الإمام المهدي عليه السلام بعد ظهوره.
قال: (حيث إنَّ المهدي هو اليماني ووزير الإمام المهدي عليه السلام، فالإمام المهدي عليه السلام يسمّى بالمهدي، وأيضاً اليماني يسمّى بالمهدي كما في وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(٧٧).
٤ _ أنَّه من ولد الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّ الإمام جدّه الرابع، وهذا ذكرناه فيما سبق.
وجاء في جواب موقع من أنصار الإمام المهدي قولهم:
(كما أنَّ الإمام المهدي عليه السلام مراراً يتلفَّظ بكلمة: (بُنَي) عند حديثه مع السيّد أحمد الحسن كما ورد في أحد البيانات، حيث ورد: بُنَي فديتُك، عجِّل)(٧٨).
٥ _ أنَّه معصوم، لا بمعنى أنَّه لا يخطئ؛ لأنَّه قد ثبت أنَّ أخطاءه كثيرة، وإنَّما بمعنى أنَّه لا يُخرج الناس من هدى، ولا يُدخلهم في ضلالة.
قال ناظم العقيلي في ردّه على من طعن في عصمة إمامه أحمد إسماعيل بأنَّه أخطأ أخطاء فاحشة في اللغة العربية:
(وحتَّى لو تنزَّلنا جدلاً(٧٩) وقلنا بوجود أخطاء فعلاً من قِبَل السيّد أحمد الحسن، فهو لم يعلن بأنَّه معصوم في اللغة العربية، بل قال إنَّه معصوم من باب أنَّه لا يُدخل الناس في باطل، ولا يُخرجهم من حقّ، وهذا هو الهدف الذي بُعِثَ من أجله الأنبياء والمرسلون، والذي يكفل دخول الناس الجنَّة ورضا الله تعالى)(٨٠).
٦ _ أنَّه أوّل المهديّين الاثني عشر.
قال: (لا أقول ولم أقل: إنّي الإمام المهدي عليه السلام، بل أنا المهدي الأوّل من ولده عليهم السلام، ورسوله، ووصيّه، واليماني)(٨١).
٧ _ أنَّه المذكور في رواية كتاب (الغيبة).
وهذا كثير في كلماته، بل إنَّ دعوته قائمة على هذا الأمر.
٨ _ أنَّه أوّل المؤمنين بالإمام المهدي بعد ظهوره.
فقد جاء في جواب موقع من أنصار الإمام المهدي قولهم:
(وهو أوّل المهديّين، وهو أوّل المؤمنين بدعوة الإمام المهدي عليه السلام)(٨٢).
٩ _ أنَّه الإمام الثالث عشر الذي تُوهِم بعض الروايات الدلالة عليه.
فإنَّ هناك بعض الروايات التي ربَّما يُتوهَّم منها أنَّها تدلُّ على أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر، وأحمد إسماعيل وأنصاره يطبِّقونها عليه.
قال ناظم العقيلي: (ومن المعلوم أنَّ الحادي عشر من الأئمّة من ولد أمير المؤمنين عليه السلام هو الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، فيكون المولود الذي من ظهره هو المهدي الأوّل من ذرّيته عليهم السلام)(٨٣).
١٠ _ أنَّ له دعوة خاصّة، وأنَّ دعوته مشابهة لدعوة نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال في جواب سؤال ورد له: (فدعوتي كدعوة نوح عليه السلام، وكدعوة إبراهيم عليه السلام، وكدعوة موسى عليه السلام، وكدعوة عيسى عليه السلام، وكدعوة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(٨٤).
وكلامه واضح في أنَّ له دعوة جديدة، مغايرة لدعوات الأنبياء السابقين عليهم السلام، إلَّا أنَّها مشابهة لها، ولذلك قال: (وكدعوة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يقل: هي دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
١١ _ أنَّه سعد النجوم، ودِرْع داود، والنجمة السداسية، ونجمة الصبح.
قال: (فجميع هذه الأسماء لي، فأنا سعد النجوم، ونجمة الصبح، ودرع داود، وأنا الطاهر، وأنا وعد الله غير مكذوب)(٨٥).
ويريد بنجمة الصبح نجمة داود السداسية التي هي الآن شعار دولة العدوّ الصهيوني).
قال في كتابه (بيان السداد):
(سابغات: وهي درع داود، وهي النجمة السداسية، أو نجمة الصبح.
س|ا| ب|غ|ا|ت
٩|١|٢|١|١|٤|٤=١٥(٨٦).
وهو رقم المهدي الأوّل بعد أربعة عشر معصوماً في الإسلام، هم محمّد وعلي وفاطمة والأئمّة من ولد علي، وعددهم جميعاً (١٤) معصوماً، ثمّ يأتي المهدي الأوّل وهو رقم (١٥).
وهو درع داود، وشعاره درع داود، ودرع داود في القرآن وُصفت بأنَّها سابغات: (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ: ١١].
مَنْ نجمة داود؟ = أحمد الحسن)(٨٧).
١٢ _ أنَّه كتاب الله، والقرآن الكريم الناطق.
قال: (فتبيَّن لك ممَّا سبق أنَّ أحمد هو رسول المهدي، وكتاب الله، والقرآن الكريم الناطق)(٨٨).
قلت: إذا كان أحمد إسماعيل يزعم أنَّه إمام معصوم وأنَّه رسول الإمام المهدي عليه السلام، فينبغي أن يكون في هذا العصر إماماً صامتاً، لا ناطقاً؛ لأنَّ الروايات دلَّت على أنَّه لا يجتمع إمامان في عصر واحد إلَّا كان أحدهما صامتاً.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: (لا). قلت: يكون إمامان؟ قال: (لا، إلَّا وأحدهما صامت)(٨٩).
١٣ _ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصَّى به، وذكر اسمه ونسبه وصفته.
قال: (لن أشكوكم إلى الله، بل سيشكوكم جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّه وصَّى بي، وذكر اسمي، ونسبي، وصفتي)(٩٠).
١٤ _ أنَّ الأئمّة عليهم السلام ذكروه باسمه ونسبه وصفته وسكنه.
قال: (وسيشكوكم آبائي الأئمّة عليهم السلام؛ لأنَّهم ذكروني باسمي، ونسبي، وصفتي، وسكني)(٩١).
١٥ _ أنَّ أشعيا وأرميا ودانيال ويوحنّا البربري بيَّنوا أمره لأهل الأرض قبل سنين طويلة.
قال: (وسيشكوكم أشعيا وأرميا ودانيال ويوحنّا البربري؛ لأنَّهم بيَّنوا أمري لأهل الأرض قبل سنين طويلة، كلّ هذا وتخذلونني؟)(٩٢).
١٦ _ أنَّ دماء الإمام الحسين عليه السلام سالت في كربلاء لله، ولأجل أبيه عليه السلام، ولأجل أحمد إسماعيل نفسه.
قال: (وستشكوكم دماء الحسين عليه السلام التي سالت في كربلاء لله، ولأجل أبي عليه السلام، ولأجلي)(٩٣).
١٧ _ أنَّه يشير في بعض كلماته إلى أنَّه أفضل من الإمام الحسين عليه السلام وإن لم يجرؤ على التصريح بذلك؛ فإنَّه قال كما مرَّ آنفاً: (إنَّ دماء الإمام الحسين عليه السلام سالت لأجله)، ولأنَّه يدَّعي أنَّه تخلَّص من شرك (الأنا).
قال: (فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي عليه السلام، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام أفضل من المهدي الأوّل، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم، الذي تردّى به المهدي الأوّل؛ لأنَّه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح، بينما الإمام المهدي عليه السلام حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنَّه في آنات لا يبقى إلَّا الله الواحد القهّار، أمَّا المهدي الأوّل فلم يحصل له الفتح، لهذا يُسدَّد بروح القدس الأعظم، ويُدعى له بـ: (أن يعبدك لا يُشرك بك شيئاً)، أي حتَّى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلَّا الله، فالعبادة هي المعرفة)(٩٤).
وأمَّا الإمام الحسين عليه السلام فليس كذلك، فإنَّه سُئِلَ عن معنى قول الإمام الحسين عليه السلام: (إلهي أخرجني من ذلّ نفسي، وطهِّرني من شكّي وشركي)، فأجاب بجواب جاء فيه قوله:
(٣ _ الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بدَّ للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم التي بدونها لا يبقى إلَّا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكلّ عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين عليه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشكّ، وكان الإمام الحسين عليه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده)(٩٥).
١٨ _ أنَّه المشار إليه بالرسول في آيات كثيرة من القرآن، منها: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: ١٥)، (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) (الدخان:١٣)، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأَمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:٢)، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (يونس:٤٧)، وغيرها، فإنَّه ذكر هذه الآيات مستدلَّاً بها على أنَّه هو المعنيُّ بها(٩٦).
وقال في كتابه (بيان الحقّ والسداد من الأعداد): (فتبيَّن لك أنَّ أحمد الحسن هو الرسول المبين في سورة الدخان، وبالإثبات العلمي الرياضي الذي سمَّيته أنت بسيّد الأدلَّة)(٩٧).
١٩ _ أنَّه قائم آل محمّد المذكور في كثير من الروايات.
فإنَّه ذكر في كتاب المتشابهات ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: (إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر مهديّاً من ولد الحسين عليه السلام).
ثمّ قال: (وفي هذه الرواية: القائم هو المهدي الأوّل، وليس الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّ الإمام عليه السلام بعده اثنا عشر مهديّاً)(٩٨).
٢٠ _ أنَّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
٢١ _ أنَّه يمهِّد للإمام المهدي عليه السلام دولته.
قال أحمد إسماعيل في أحد بياناته: (إنَّ اليماني ممهِّد في زمن الظهور المقدَّس، ومن الثلات مائة وثلاث عشر [كذا]، ويسلِّم الراية للإمام المهدي)(٩٩).
٢٢ _ أنَّه بقيّة آل محمّد.
٢٣ _ أنَّه الركن الشديد.
٢٤ _ أنَّه مؤيَّد بجبرائيل.
٢٥ _ أنَّه مسدَّد بميكائيل.
٢٦ _ أنَّه منصور بإسرافيل.
وكثير من توقيعاته في أواخر كتبه وبياناته موقَّعة بهذه الأوصاف الخمسة السابقة، مثل توقيعه في آخر كتابه (المتشابهات) وغيره، وتوقيعه في بيان أسماه: (لا يماني إلَّا من كان كيميني)، وبيان آخر اسمه: (بيان أسرار الإمام المهدي عليه السلام)، وبيان ثالث اسمه: (بيان الفئات وفيه مخاطبة الرموز الدينية كلّ حسب فئته)، وغيرها.
٢٧ _ أنَّه اليماني المذكور في الروايات.
قال في بيان اسمه: (السيّد أحمد الحسن اليماني الموعود): (واليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، فلا بدَّ أن يكون اليماني هو أوّل المهديّين؛ لأنَّ الأحد عشر مهديّاً بعده هم من ولده...).
إلى أن قال: (والمهدي الأوّل بيَّنت روايات أهل البيت عليهم السلام اسمه، وصفاته، ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد، وكنيته عبد الله أي إسرائيل).
٢٨ _ أنَّ من لم يؤمن به فهو في النار.
قال في بيان البراءة في (١٣/٦/١٤٢٥هـ): (لقد قامت عليكم الحجَّة البالغة التامّة من الله سبحانه وتعالى بي، بأنّي الصراط المستقيم إلى جنّات النعيم، فمن سار معي نجا، ومن تخلَّف عنّي هلك وهوى، وهذا هو الإنذار الأخير لكم من الله ومن الإمام المهدي عليه السلام، وما بعده إلَّا آية العذاب والخزي في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة جهنَّم يصلونها وبئس المهاد لمن لم يلتحق بهذه الدعوة...).
إلى أن قال:
(وأعلن باسم الإمام محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام أنَّ كلّ من لم يلتحق بهذه الدعوة، ويعلن البيعة لوصيّ الإمام المهدي عليه السلام بعد (١٣/ رجب/ ١٤٢٥هـ. ق) فهو:
١ _ خارج من ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو بهذا إلى جهنَّم وبئس الورد المورود، وكلّ أعماله العبادية باطلة جملةً وتفصيلاً، فلا حجَّ ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية.
٢ _ أنَّ رسول الله محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بريء من كلّ من ينتسب إليه، ولم يدخل في هذه الدعوة، ويعلن البيعة).
٢٩ _ أنَّه يجب على الأُمَّة نصرته، وأنَّ من لم ينصره فهو في النار.
قال في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدَّسة:
(يا من تتخاذلون عن نصرة الإمام المهدي عليه السلام، هل تنتظرون إلَّا الاصطفاف مع السفياني (لع) وارث يزيد بن معاوية (لع)، بعد اصطفافكم مع الدجّال الأكبر (أمريكا)، إذن فأبشروا بنار (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)، ماذا ستقولون: بكينا، ولطمنا الصدور على الحسين عليه السلام؟ سيأتيكم جواب الحسين عليه السلام: (أنتم ممَّن أُشرك في دمي، فقد قاتلتم ولدي المهدي)، ماذا بعد، هل ستقولون: إنَّنا نقف على الحياد؟ إذن جوابكم: لعن الله أُمَّة سمعت بذلك ورضيت به...).
إلى أن قال: (وإذا كان قراركم هو خذلان الحسين في هذا الزمان، وإذا اخترتم ظلم أنفسكم، فإنّي أُحذِّركم وأُنذركم عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، ولا عذر لكم ولا عاذر).
٣٠ _ أنَّه مؤيَّد بروح القدس.
قال: (وهكذا الإمام المهدي عليه السلام يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنَّه فُتِحَ له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأوّل)(١٠٠).
وقال: (وأرواح القدس كثيرة، وليست واحداً، والذي مع عيسى عليه السلام ومع الأنبياء دون الذي مع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام وفاطمة عليها السلام والأئمّة عليهم السلام، وهذا هو الروح القدس الأعظم، لم ينزل إلَّا مع محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وانتقل بعد وفاته إلى علي عليه السلام، ثمّ إلى الأئمّة عليهم السلام، ثمّ من بعدهم إلى المهديّين الاثني عشر)(١٠١).
٣١ _ أنَّه مذكور في التوراة.
٣٢ _ أنَّه مذكور في الإنجيل.
فقد ورد إليه سؤال موقَّع بامرأة مسيحيّة، نصّه: أنتم الشيعة تقولون بأنَّ السفراء أربعة، وانقطعت بعدها السفارة، فكيف تثبت بالدليل النقلي والعقلي من القرآن والتوراة والإنجيل بأنَّك سفير رقم (٥)؟
فأجاب أحمد إسماعيل بنقل نصوص من التوراة والإنجيل والقرآن يزعم أنَّها تشير إليه، وتدلُّ عليه، وأنَّه هو المراد بها، وكلامه طويل ممل لا حاجة لنقله؛ لأنَّه خالٍ من أيّ إثبات، فمن أراده فليراجعه(١٠٢).
وقد جمع بعض أنصاره مجموعة مسائل هذه المرأة النصرانية في كتاب أسماه: (وصيّ ورسول الإمام المهدي عليه السلام في التوراة والإنجيل والقرآن)، وهو من ضمن إصدارات أنصار أحمد إسماعيل.
٣٣ _ أنَّه المعزِّي المذكور في الإنجيل.
فقد ورد في موقع أنصار أحمد إسماعيل في قسم دعوة المسيحيّين تحت عنوان: (السيّد أحمد الحسن عليه السلام هو المعزّي) ما لفظه:
(ورد التبشير بالإمام المهدي الأوّل وصيّ ورسول الإمام المهدي عليه السلام، ورد في العهد الجديد في مواضع متعدّدة تبشير عيسى عليه السلام بالمعزِّي، ففي (يوحنّا ١٤: ٢٦): وأمَّا المعزِّي الروح القدس، الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلِّمكم كلّ شيء، ويذكِّركم بكلّ ما قلته لكم).
ومن جملة ما كتبه بعض أنصار أحمد إسماعيل كتاب: (البشارة بالمعزِّي أحمد ومطارحات في العقيدة المسيحيّة)، كتبه: عادل السعيدي لإثبات أنَّ المعزِّي هو أحمد إسماعيل.
ولا يخفى أنَّ هذا مخالف لما ذهب إليه علماء المسلمين من أنَّ المعزِّي المذكور في الإنجيل والذي بشَّر به نبيّ الله عيسى عليه السلام، وأمر أتباعه بالإيمان به هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال المرجع الديني الكبير الشيخ حسين الوحيد الخراساني (دام ظلّه):
(لقد بشَّرت الكتب السماوية والأنبياء السابقون عليهم السلام بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ومع أنَّ أتباعهم حرَّفوا كتبهم لكي لا يبقى أثر لتلك البشارة، لكن المتأمِّل فيما بقي منها تنكشف له الحقيقة، ونكتفي منها بنموذجين...).
إلى أن قال:
(الثاني: جاء في إنجيل يوحنّا الإصحاح الرابع عشر: (١٥) إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. (١٦) وأنا أطلب من الأب فيُعطيكم مُعَزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. وفي الإصحاح الخامس عشر: (٢٦) ومتى جاء المعزِّي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الذي من عند الأب ينبثق، فهو يشهد لي. وقد ورد في النسخة الأصلية اسم النبيّ الذي وعدهم عيسى بأنَّ ربّه سوف يرسله (بارقليطا) أو (بركليتوس)، وترجمتها: المحمود والأحمد، ولكن المترجمين غيَّروها إلى المعزِّي)(١٠٣)!
٣٤ _ أنَّه أفضل من نبيّ الله عيسى بن مريم عليهما السلام.
فإنَّ أحمد إسماعيل لمَّا ادَّعى أنَّه هو المعزِّي المذكور في الإنجيل، قال:
(ورد في النصوص ما يدلُّ على أفضلية المعزِّي على عيسى عليه السلام: لكنّي أقول لكم الحقّ: إنَّه خير لكم أن أنطلق؛ لأنَّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزِّي، ولكن إن ذهبتُ أرسله لكم)(١٠٤).
٣٥ _ أنَّه الخروف القائم في رؤيا يوحنّا اللاهوتي.
فقد ذُكِرَ في موقع أنصار أحمد إسماعيل في الانترنت في قسم دعوة المسيحيين تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن عليه السلام الخروف القائم كأنَّه مذبوح في رؤيا يوحنّا اللاهوتي)، هذيان كثير، منه ما لفظه:
(فمن هو الذي يجمع أنصار أبيه غير أوّل المؤمنين من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام؟! ومن هم الشيوخ الأربعة والعشرون غير الأئمّة الاثنا [كذا] عشر والمهديّين الاثنا [كذا] عشر؟! ومن هو الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود والذي يفتح السفر، ويفكّ ختومه؟! غير الأسد الذي كرَّ مع علي عليه السلام في خيبر وأُحُد وحنين وبدر… وهو من سبط يهوذا؛ لأنَّ أُمّه من بني إسرائيل (نرجس) أُمّ الإمام المهدي عليه السلام. ومن هو الخروف الذي وُصِفَ بأنَّه (خروف قائم كأنَّه مذبوح) وهو يحمل سبعة قرون وسبعة أعين، هم المعصومون الأربعة عشر: محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمّة عليهم السلام، غير المهدي الأوّل واليماني رسول الإمام المهدي ورسول عيسى عليه السلام).
٣٦ _ أنَّه شبيه عيسى بن مريم عليه السلام الذي فداه بنفسه، فقُتِلَ دونه.
فقد ورد التصريح بذلك في موقع أنصار أحمد إسماعيل في قسم المسيحيّين، تحت عنوان: (السيّد أحمد الحسن عليه السلام الشبيه المصلوب الذي فدّى السيّد المسيح عليه السلام)، وممَّا ذُكِرَ في ذلك ما نصّه:
(وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى عليه السلام، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صُلِبَ وقُتِلَ)، فكان درعاً له وفداءً، وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمّد عليهم السلام، صُلِبَ وقُتِلَ وتحمَّل العذاب لأجل قضيّة الإمام المهدي عليه السلام).
وفي جواب سؤال موجَّه لأحمد إسماعيل يبدو أنَّه من رجل نصراني، نصّه:
(فلقد أخبرني زميلي بخبر كان صاعقاً بالنسبة لي، مفاده أنَّكم كنتم الشبيه ليسوع الربّ أثناء صلبه، وإنَّ جسمك الشريف يحمل آثار الصلب الذي حدث في الماضي. سؤالي هو: هل ممكن أن ترونا صوراً تُبيِّن الآثار الباقية من ذلك الحدث العظيم؟).
قال أحمد إسماعيل:
(أسأل الله لك أن ترى الحقّ جليّاً لتنصره، والصور أُطلبها من الله سبحانه وتعالى، فهو قادر أن يريك الحقيقة جليّة إن طلبتها منه سبحانه بإخلاص)(١٠٥).
٣٧ _ أنَّه أعلم الناس بالتوراة والإنجيل والقرآن.
فقد قال أحمد إسماعيل:
(وبهذا يكون اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خدّه الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شابّاً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمّة)(١٠٦).
وفي موقع أنصاره على الانترنت تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن عليه السلام يدعو العلماء إلى المناظرة وأهل كلّ كتاب بكتابهم)، ما لفظه:
(قال السيّد أحمد الحسن عليه السلام: أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم، وأعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقرآنهم).
وأنا أتعجَّب من ادّعائه مثل هذا الادّعاء مع كثرة أخطائه الفاضحة في قراءة آيات القرآن الكريم كما سيأتي تفصيله، ولكن إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت!
٣٨ _ أنَّه النبأ العظيم.
قال: (وفي هذا الزمان فإنَّ وصيّ الإمام المهدي عليه السلام هو النبأ العظيم)(١٠٧).
٣٩ _ أنَّه حَجَر في يد علي بن أبي طالب أنقذ به سفينة نوح.
٤٠ _ أنَّ الله نجَّى به نبيَّه إبراهيم عليه السلام من نار نمرود.
٤١ _ أنَّ الله خلَّص به نبيّه يونس عليه السلام من بطن الحوت.
٤٢ _ أنَّ الله كلَّم به موسى بن عمران عليه السلام على الطور.
٤٣ _ أنَّ الله تعالى جعله عصا يفلق بها موسى عليه السلام البحار.
٤٤ _ أنَّ الله تعالى جعله درعاً لداود عليه السلام.
٤٥ _ أنَّه كان درعاً تدرَّع به أمير المؤمنين عليه السلام يوم أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين.
قال أحمد إسماعيل:
(أمرني أبي وسيّدي محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام أن أقول هذه الكلمات: أنا حَجَر في يمين علي بن أبي طالب عليه السلام ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح عليه السلام، ومرَّةً ليُنجي إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وتارةً ليخلِّص يونس عليه السلام من بطن الحوت، وكلَّم به موسى عليه السلام على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرعاً لداود عليه السلام، وتدرَّع به في أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين)(١٠٨).
٤٦ _ أنَّه رسول السيّد المسيح عليه السلام.
٤٧ _ أنَّه رسول إيليا.
٤٨ _ أنَّه رسول الخضر.
قال أحمد إسماعيل:
(والإمام المهدي عليه السلام وعيسى وإيليا والخضر عليهم السلام يأتون في القيامة الصغرى [أي عند قيام دولة الإمام المهدي عليه السلام]، وهي حساب وعذاب ونقمة على الظالمين، فهل يصحُّ العذاب والنقمة قبل الإنذار؟ فمن المنذر؟).
وأجاب على تساؤله بقوله:
(لا بدَّ أن يكون هناك رسول منهم عليهم السلام يبشِّر وينذر الناس بين أيديهم، أي قبل ظهورهم)(١٠٩).
ثمّ قال:
(لذا فإنَّ الرسول الذي يرسله الإمام المهدي عليه السلام ومن معه، وهم عيسى وإيليا والخضر، وخروجه من العراق...).
إلى أن قال:
(فمن هو هذا العبد الأمين الحكيم؟ إلَّا أن يكون رسولاً من الإمام المهدي، ومن عيسى، وإيليا، والخضر عليهم السلام).
٤٩ _ أنَّه دابّة الأرض التي تكلِّم الناس في آخر الزمان(١١٠).
قال في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدَّسة:
(من له أُذنان فليسمع: هذه دابّة الأرض التي تكلِّم الناس، وهذا علي بن أبي طالب عليه السلام المزمع أن يأتي. (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ)(١١١) [النمل: ٨٢]).
وهو يشير بـ (هذه، وهذا) إلى نفسه.
٥٠ _ أنَّ بظهره خاتم النبوَّة.
قال أحمد إسماعيل:
(بالنسبة لختم النبوَّة هو في ظهر كلّ وصيّ من أوصياء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من الأئمّة والمهديّين عليهم السلام، وهو ختم رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، أمَّا هل أنَّه ظاهر في ظاهر الخلقة فلا، ولكن يمكن أن يُظهره الله لمن يشاء، ويجعله ظاهراً ليراه، ويمكن أن يريه الله أيضاً لمن يشاء من عباده، سواء بالرؤيا أو الكشف)(١١٢).
٥١ _ أنَّه روضة من رياض الجنَّة أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ذكر ذلك أحمد إسماعيل في كلمة مسجَّلة له ذكر فيها معجزة معرفته بموضع قبر السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، فقال:
(ولهذا أمرني أبي الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام أُبيِّن [كذا] شيء [كذا] من موضعي منه عليه السلام، وهو أنّي وصيّه، وأوّل من يحكم من ولده، وأنّي روضة من رياض الجنَّة أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
٥٢ _ أنَّه الحجر الأسود.
قال في كتابه الجواب المنير:
(فالحجر الأسود الموضوع في ركن بيت الله والذي هو تجلّي [كذا] ورمز للموكَّل بالعهد والميثاق، هو نفسه حجر الزاوية الذي ذكره داود وعيسى عليهما السلام، وهو نفسه الحجر الذي يهدم حكومة الطاغوت في سِفْر دانيال عليه السلام، وهو نفسه قائم آل محمّد أو المهدي الأوّل الذي يأتي في آخر الزمان كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام)(١١٣).
وقال أيضاً:
(بقي أنَّ أمانة كلّ إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو كما عبَّر عنه عليه السلام: (بأنَّه مَلَك ابتلع كتاب العهد والميثاق)، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة، وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأوّل واليماني، وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العهد الإلهي والممهِّد الرئيسي لها، والحاكم الأوّل بعد قائدها الإمام المهدي عليه السلام)(١١٤).
٥٣ _ أنَّ أنصاره أوّل من يدخلون الجنَّة.
قال في بيان البراءة الصادر في (١٣/٦/١٤٢٥هـ):
(أنصاري خير أنصار، تفتخر الأرض بسيرهم عليها، وتحفّهم الملائكة، وأوّل فوج يدخل الجنَّة يوم القيامة).
وهذه الدعاوى يلاحظ عليها عدَّة ملاحظات:
١ _ أنَّ جميع هذه الدعاوى لا دليل عليها، ودليل أحمد إسماعيل وأنصاره عليها هو الادّعاء المجرَّد، ودليل بعض أنصاره هو أنَّ أحمد إسماعيل البصري إمام معصوم صادق، وهو أخبر بأنَّه متَّصف بجميع هذه الأُمور التي ذكرناها وغيرها، فوجب تصديقه فيها.
وهذا الكلام مردود بأنَّ أحمد إسماعيل لم ولن تثبت إمامته، بل ثبت أنَّه غير صالح للإمامة بالقطع واليقين؛ ويكفي في ثبوت كذبه في ادّعاء الإمامة أنَّه لم يستطع أن يثبت إمامته بدليل واحد، ومن أوضح ما يبطل دعواه وقوعه في أخطاء كثيرة لا يقع فيها كثير من صبيان الشيعة، وهي كاشفة عن أنَّه عامّي صرف، وسنذكر جملة وافرة من أخطائه في ردِّنا على زعمه أنَّه أعلم الناس بالقرآن والتوراة والإنجيل، الذي جعله من جملة أدلَّته على صحَّة إمامته.
مع أنَّ الإمام المعصوم لا يدَّعي ما هو غير قابل للتصديق، ولا يصف نفسه بما ثبت بطلانه بالأدلَّة الصحيحة، وكلّ عاقل إذا سمع هذه الادّعاءات يقطع بأنَّها هي بنفسها دليل على كذب أحمد إسماعيل وافترائه على الله وعلى أهل البيت عليهم السلام.
٢ _ أنَّ جملة وافرة من هذه الدعاوى لا يصدِّقها حتَّى المجانين، فإنَّ أحمد إسماعيل يدَّعي أنَّه الحجر الأسود، وهذا غير معقول، ولو تنزَّلنا بأنَّ أحمد إسماعيل والحجر الأسود شيء واحد، فكيف يكون شيء واحد موجوداً في مكانين مختلفين في آنٍ واحد وبصورتين مختلفتين، بأن يكون في مكّة حجراً أسود، ويكون في البصرة أحمد إسماعيل؟!
ويُفهَم من ادّعاءاته أنَّه متقلِّب الخلقة، فإنَّه يدَّعي أنَّه كان حَجَراً في يمين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ تحوَّل هذا الحجر إلى عصا كانت عند نبيّ الله موسى عليه السلام يفلق بها البحار، ثمّ تحوَّلت العصا إلى دِرْع كان عند داود، وأمَّا الآن فنحن نتساءل عن الكيفية التي استقرَّت عليها حالته؟ هل هو الآن عصا، أو درع، أو حجر أسود، أو حجر آخر، أو أحمد إسماعيل البصري؟!
٣ _ أنَّ بعض ادّعاءاته هذيان لا معنى له، فإنَّه ادَّعى أنَّه درع داود، والنجمة السداسية، وهذا هذيان واضح، إذ كيف يكون أحمد إسماعيل درع داود والنجمة السداسية التي هي شعار إسرائيل؛ لأنَّ درع داود كانت درعاً حقيقية تُلبَس في الحرب، والنجمة السداسية شيء آخر مختلف ومغاير للدرع، ونحن نفترض في هذه الدعاوى أنَّه ذكرها بنحو الحقيقة لا بنحو المجاز، وحتَّى لو فرضنا أنَّه أراد بها المجاز فإنَّ عليه أن ينصب قرينة على هذا المجاز، وهو لم يفعل، فيكون كلامه خطأً لغويّاً يضاف إلى أخطائه التي لا تُعَدُّ.
ومن هذيانه زعمه أنَّه الذي فدّى عيسى بن مريم عليه السلام بنفسه، فقُتِلَ دونه، إذ كيف يُصلَب قبل أكثر من ألفي سنة، ثمّ يولد من جديد في البصرة، فإنَّ من وُلِدَ في الزمان السابق لا يُولَد من جديد، وإنَّما يمكن أن يرجع إلى الدنيا على حالته التي مات أو قُتِلَ عليها، لا أن يُولَد ولادة ثانية، ولاسيّما أنَّه يزعم أنَّ آثار الصَّلْب لا تزال موجودة في جسمه كما مرَّ.
٤ _ أنَّ بعضاً آخر من ادّعاءاته يكذِّبها الدليل والبرهان، مثل زعمه أنَّه أعلم الناس بالتوراة والإنجيل والقرآن، والحال أنَّ نقولاته _ التي يسمّيها احتجاجات _ من التوراة والإنجيل إنَّما هي نقولات من النسخ المحرَّفة، وإذا كان أعلم الناس بهذين الكتابين فإنَّ عليه أن يبرز النسخ الصحيحة ويخرجها للناس، وأمَّا ما هو عند اليهود والنصارى فلا يصحُّ أن يسمَّى توراة أو إنجيل.
وأمَّا زعمه أنَّه أعلم الناس بالقرآن فإنَّ عليه أن يخجل من قول هذا الكلام؛ لأنَّ التسجيلات المنشورة في موقع أنصاره بصوته دلَّت على أنَّه لا يُحسن أن يقرأ كثيراً من آيات القرآن بصورة صحيحة، وقراءة كثير من صبيان الشيعة أصحُّ من قراءته، فإذا كان لا يُحسن قراءة آيات القرآن فكيف يُحسن تفسيره وبيان معانيه، وسنبيّن ذلك فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
٥ _ أنَّ أحمد إسماعيل زعم أنَّه رسول الإمام المهدي، والسيّد المسيح، وإيليا، والخضر عليهم السلام، ومن الواضح أنَّ الرسول إنَّما هو نائب عن المرسِل، ولا يكون رسولاً إلَّا إذا كان المرسِل قد بدأ دعوته، وكانت عنده تعاليم أو أوامر يريد إيصالها إلى الناس، والسيّد المسيح عليه السلام لم يظهر بعدُ حتَّى يرسل رسولاً من قِبَله، وكذلك إيليا، ثمّ كيف يرسل السيّد المسيح عليه السلام رسولاً له في زمان الإمام المهدي عليه السلام؟ فهل سيقوم السيّد المسيح بدعوة مغايرة لدعوة الإمام المهدي عليه السلام حتَّى يحتاج إلى إرسال رسول خاصّ به؟ مع أنَّ مهمّة الإمام المهدي عليه السلام عالمية، وأنَّه سيطهّر الأرض من كلّ ظلم وجور وضلال، فلا تكون أيّ حاجة لأن يأتي في زمانه من له دعوة مماثلة لدعوته.
أضف إلى ذلك أنَّ الخضر عليه السلام ليس بصاحب دعوة خاصّة به، وليست له مهمّة في آخر الزمان حتَّى يرسل للناس رسولاً من قِبَله!
مع أنَّ أحمد إسماعيل لم يبلِّغ الناس شيئاً مهمَّاً عن الإمام المهدي أو السيّد المسيح عليهما السلام، وكلّ ما بذله من جهد إنَّما هو في دعوة الناس إلى نفسه، حتَّى الرسالة العملية التي أمر أتباعه بالعمل بها وهي كتاب (شرائع الإسلام) فإنَّه اقتبسها من كتاب (شرائع الإسلام) المشهور للمحقّق الحلّي قدس سره، ولحدّ الآن لم يتم، فإنَّه مشتمل على أبواب العبادات والنكاح وتوابعه فقط.
والنتيجة أنَّ كلّ هذه الدعاوى لم يقم عليها دليل، بل قام الدليل على بطلانها وفسادها، ولم يتمكَّن أحمد إسماعيل وأتباعه من إثباتها، وهي هراء وهذيان لا يصدران ممَّن يحترم عقله، ويحترم عقول الناس.
والملاحظ أنَّ كلّ الدجّالين يدَّعون دعاوى عظيمة تدلُّ على كذبهم، وأنَّهم يتدرَّجون في دعاواهم حتَّى تصل بهم إلى حدٍّ لا يصدّقه إلَّا الأغبياء المغفَّلين، ومن ينظر إلى هذه الدعاوى التي ادّعاها أحمد إسماعيل يجزم بكذبه ودَجَله، فإنَّه لم يبقَ له بعدها إلَّا أن يدَّعي أنَّه نبيّ أو إله، والسبب في حشده كلّ هذه الدعاوى أنَّه وجد قوماً أغبياء يصدّقونه ويقبلون منه كلّ ما يقوله حتَّى لو كان غير قابل للتصديق، وحال هؤلاء حال فرعون وقومه الذين قال فيهم سبحانه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (الزخرف: ٥٤).
فما أعجب هذه العقول المريضة كيف تصدِّق أمثال هذه الترّهات والأكاذيب المكشوفة من مدَّعٍ جاهل ومجهول!

* * *
الفصل الأوّل: الردّ على الجواب الأوّل

جواب أحمد إسماعيل البصري على السؤال الأوّل
وجَّه بعضهم سؤالاً لأحمد إسماعيل البصري، نَصُّه: (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ) [الزخرف: ٦٠]، ما معنى هذا [كذا] الآية، وهل لها علاقة بأصحاب المهدي عليه السلام أو المهديّين؟
خطأ أحمد إسماعيل في تفسير الآية:
أجاب أحمد إسماعيل على السؤال السابق بما نصّه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد الأئمّة والمهديّين وسلَّم تسليماً كثيراً(١١٥).
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [الزخرف: ٥٧ _ ٦١].
قريش والعرب كانوا يجادلون بمغالطة يصيغونها على أنَّها سؤال يطلبون جوابه من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وسؤالهم يقارن بين أُلوهية أصنامهم التي يدَّعونها، وأُلوهية عيسى التي يدَّعيها المسيحيّون لعيسى عليه السلام، في حين أنَّ المسؤول صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينكر عليهم تأليه الأصنام أيضاً لا يقرُّ بأُلوهية عيسى عليه السلام المطلقة، بل يقول: إنَّ عيسى عليه السلام إنسان، وعبد من عباد الله، وخليفة من خلفاء الله في أرضه، ولهذا وصف الله حالهم بأنَّهم مجادلون، حيث إنَّ السؤال مبني على فرض غير صحيح، ولا يقرّه ولا يقول به المسؤول).
والجواب:
أنَّ كلام أحمد إسماعيل أجنبي عن ظاهر الآية المباركة؛ لأنَّ الآية واضحة الدلالة على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ضرب مثلاً بعيسى بن مريم عليه السلام، وأمَّا كلام أحمد إسماعيل فإنَّه ظاهر في أنَّ الكفّار قارنوا بين أُلوهية الأصنام وأُلوهية عيسى عليه السلام، فقالوا: كما أنَّ أُلوهية عيسى عليه السلام جائزة فإنَّ أُلوهية الأصنام كذلك.
وهذا كلام يخالف ظاهر الآية من وجهين:
١ _ أنَّ كلام قريش على ما قاله أحمد إسماعيل ليس فيه ضرب مثل، وإنَّما هو سؤال للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أو مقارنة بين عبادة الآلهة وعبادة عيسى عليه السلام، وبين السؤال أو المقارنة وضرب المثل فرق واضح.
٢ _ أنَّه يظهر من الآية أنَّ الذين ضُرِبَ عيسى عليه السلام مَثَلَاً لهم هم قوم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الذين صدّوا عنه، وأمَّا كلام أحمد إسماعيل فإنَّه يفيد أنَّ الكفّار هم الذين قارنوا بين أُلوهية الأصنام وأُلوهية عيسى عليه السلام، وهذا لا يقتضي منهم شيئاً من الصدّ!
مضافاً إلى ذلك فإنَّ الكليني قدس سره روى في الكافي بسنده عن أبي بصير، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالساً إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ فيك شَبَهاً من عيسى بن مريم، ولولا أن تقول فيك طوائف من أُمَّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمرُّ بملأ من الناس إلَّا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة). قال: فغضب الأعرابيان، والمغيرة بن شعبة، وعدَّة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمّه مَثَلاً إلَّا عيسى بن مريم؟! فأنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) يعني من بني هاشم (مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ)...)(١١٦).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عامر بن واثلة، قال: كنت في البيت يوم الشورى، فسمعت علياً عليه السلام وهو يقول: (استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحقُّ بالأمر وأولى به منه، واستخلف أبو بكر عمر وأنا والله أحقُّ بالأمر وأولى به منه، إلَّا أنَّ عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم، لا يُعرَف لهم عليَّ فضل، ولو أشاء لاحتججت عليهم بما لا يستطيع عربيّهم ولا عجميّهم المعاهد منهم والمشرك تغيير ذلك)، ثمّ قال: (نشدتكم بالله أيّها النفر هل فيكم أحد وَحَّدَ الله قبلي؟)، قالوا: اللّهمّ لا. قال: (نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنَّه لا نبيّ بعدي، غيري؟)، قالوا: اللّهم لا...
إلى أن قال: (نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ الباب فإنَّ زوّاراً من الملائكة يزوروني، فلا تأذن لأحد منهم. فجاء عمر، فرددته ثلاث مرَّات، وأخبرته أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتجب وعنده زوّار من الملائكة، وعدَّتهم كذا وكذا، ثمّ أذنت له، فدخل فقال: يا رسول الله إنّي قد جئتك غير مرَّة، كلّ ذلك يردّني علي، ويقول: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتجب وعنده زوّار من الملائكة، وعدَّتهم كذا وكذا، فكيف علم بالعدَّة؟ أعايَنَهم؟ فقال له: يا علي قد صدق، كيف علمت بعدَّتهم؟ فقلت: اختلفتْ عليَّ التحيّات، وسمعت الأصوات، فأحصيتُ العدد. قال: صدقت، فإنَّ فيك سُنَّة من أخي عيسى، فخرج عمر وهو يقول: ضَرَبَه لابن مريم مثلاً! فأنزل الله عز وجل: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)، قال: يضجّون، (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ)، غيري؟)، قالوا : اللّهمّ لا(١١٧).
وهذان الحديثان واضحا الدلالة على أنَّ الذي ضرب عيسى عليه السلام مثلاً هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّه لا يراد بقوله سبحانه: (قَوْمُكَ)، العرب أو كفّار قريش، وإنَّما يراد بهم بعض الصحابة.
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا الأُسلوب يستخدمه أئمّة الكفر دائماً عندما يجدون أنَّ أدلَّة الدعوة الإلهية قد أخذت بأعناقهم، فيصيغون سؤالاً مبنيّاً على مغالطة وفرض غير صحيح، لا يقرّه ولا يقول به المسؤول، ليشكلون [كذا] على الدعوة الإلهية، ويطلبون [كذا] جواباً لمغالطتهم وسؤالهم الخاطئ، والمبنيّ على الخطأ، وهؤلاء جوابهم يكون في بيان أنَّ السؤال مبنيّ على فرض خاطئ؛ ليتَّضح أنَّهم مجرَّد مجادلين كما وصفهم القرآن: (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)).
والجواب:
أنَّه قد تبيَّن من ظاهر الآيات السابقة أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ضرب عيسى عليه السلام مثلاً لصحابته، فصدّوا عنه، ولم يقبلوه منه، وهذا ما يدلُّ عليه قوله تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)؛ لأنَّه لا يُعقَل أن يضرب كفّار قريش مثلاً بعيسى عليه السلام، ثمّ يصدّوا عن مَثَلهم الذي ضربوه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمَّا قوله سبحانه: (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) فهو كلام مستأنف، والآية تشير إلى الكفّار أو المنافقين الذين لا يزالون يعتقدون بتعدّد الآلهة وإن أظهروا الإسلام؛ لقولهم: (أَآلِهَتُنا).
والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا شبَّه أمير المؤمنين عليه السلام بعيسى شقَّ ذلك على جماعة من أصحابه، ورأوا أن تصديقهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك كأنَّه يستلزم أن يعبدوا علياً عليه السلام إذا تبرَّكوا بتراب أقدامه، وإذا كانوا سيعبدون علياً عليه السلام فإنَّ عبادتهم لآلهتهم أولى وأحقّ، ولذلك قالوا: (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ)، والله سبحانه وتعالى أجابهم بقوله: (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أي إنَّهم لم يقولوا: إنَّ عبادة آلهتهم أحقّ وأولى إلَّا جدلاً بالباطل ومن أجل العناد والخصام؛ وإلَّا فإنَّهم يعلمون أنَّ عبادة آلهتهم لا خير فيها.
وقد روى السيّد شرف الدين الأسترابادي عن ابن عبّاس، أنَّه قال: بينما النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه إذ قال: (الآن يدخل عليكم نظير عيسى بن مريم في أُمَّتي)، فدخل أبو بكر، فقالوا: هو هذا؟ فقال: (لا)، فدخل عمر، فقالوا: هو هذا؟ فقال: (لا)، فدخل علي عليه السلام، فقالوا: هو هذا؟ فقال: (نعم)، فقال قوم: لَعِبادة اللَّات والعزّى أهون من هذا. فأنزل الله عز وجل: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ...) الآيات)(١١٨).
قال العلَّامة السيّد الطباطبائي قدس سره: (والرواية غير متعرِّضة لتوجيه قولهم: (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ)، ولئن كانت القصَّة سبباً للنزول فمعنى الجملة: لئن نتَّبع آلهتنا ونطيع كبراءنا خير من أن نتولّى علياً فيتحكَّم علينا، أو خير من أن نتَّبع محمّداً فيحكِّم علينا ابن عمّه)(١١٩).
وممَّا قلناه يتبيَّن عدم فهم أحمد إسماعيل لظاهر آيات القرآن، وجهله بروايات أهل البيت عليهم السلام أو تجاهله لها، وهذا ليس بجديد على هؤلاء القوم الذي عُرفوا بانتقائيّتهم.
بطلان زعم أحمد إسماعيل تشبيه الأئمّة بالملائكة:
قال أحمد إسماعيل:
(ومن ثَمَّ انتقل النصّ الإلهي إلى القول: (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ) أي لو نشاء لجعلنا منكم خلفاء كالملائكة معصومين أنقياء أطهار، يخلفون الله سبحانه وتعالى بعد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ويخلفون محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتقاله إلى الملأ الأعلى، ويخلف بعضهم بعضاً، كما أنَّه سبحانه جعل قبل هذا عيسى عليه السلام عبد الله خليفة لله في أرضه، فالله سبحانه وتعالى قال عن عيسى عليه السلام: (وَجَعَلْناهُ)، ثمّ قال: (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ)، والجعل فيهما واحد، (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ...) أي جعل عيسى عليه السلام مثالاً وقدوةً وقائداً يقتدي به بنو إسرائيل ويتَّبعونه، ولو شاء الله لجعل منكم خلفاء في هذه الأُمَّة تقتدون بهم، وتتعلَّمون منهم، وتتَّخذونهم مثالاً يُحتذى به كما جعل الله عيسى عليه السلام (مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ)).
والجواب:
أنَّ هذا التفسير مردود؛ لأنَّ كلمة (لو) حرف امتناع لامتناع، أي إنَّها تدلُّ على امتناع شيء لامتناع غيره، فإذا قلنا: (لو جاء زيد لأكرمته) فإنَّ معناه: أنَّه لم يأتِ فلم أُكرمه، فامتنع إكرام زيد لامتناع مجيئه.
وعليه، فلو كان المراد بالآية كما قال أحمد إسماعيل، وهو: (لو شاء الله لجعل منكم خلفاء في هذه الأُمَّة تقتدون بهم، وتتعلَّمون منهم، وتتَّخذونهم مثالاً يُحتذى به كعيسى عليه السلام)، لكانت الآية تدلُّ على أنَّ الله تعالى لم يشأ ذلك، فلم يجعل خلفاء في الأرض يُقتدى بهم، ويتعلَّم منهم الناس، وهذا باطل بالضرورة.
ولهذا فلا مناص من أن نقول: إنَّ المراد هو: لو شاء الله تعالى لجعل بدلاً منكم خلفاء في الأرض من الملائكة، ولكن الله تعالى ما اقتضت مشيئته ذلك، فجعل الخلفاء من جنس الإنسان، لا من جنس الملائكة.
وإنَّما وقع أحمد إسماعيل في هذا الخطأ الشنيع لأنَّه قليل المعرفة بعلوم اللغة العربية وقواعدها، وإلَّا فإنَّ ذلك يعرفه صغار طلبة العلم.
قال أحمد إسماعيل:
(وحقيقةً أنَّ العجب لا ينقضي ممَّن يسمّون أنفسهم مفسّري القرآن، ويقولون: إنَّ المراد هنا هو: (بدلاً منكم)، فلو كان يمكن أن تقلب المعاني بهذه الصورة القبيحة بإضافة ألفاظ تغيّر معنى الكلام تماماً بحيث يقلب النفي إيجاباً، والإيجاب نفياً، لما بقي للكلام معنى، فكيف لعاقل أن يقول: إنَّ معنى (مِنْكُمْ) بدلاً منكم، هذا كمن يقول: إنَّ معنى (نعم) هو (لا)، ومعنى (لا) هو (نعم)؟!).
والجواب:
أنَّ التفسير الذي قاله المفسّرون، وهو أنَّ كلمة: (مِنْكُمْ) معناها: (بدلاً منكم) ليس تغييراً لمعنى الكلام، وليس فيه إضافة ألفاظ تقلب النفي إلى إيجاب، أو الإيجاب إلى نفي، وإنَّما هو استعمال لكلمة (مِنْ) في أحد معانيها اللغوية، وهذا لا إشكال فيه؛ لأنَّ كلمة (مِنْ) تأتي لعدَّة معانٍ في اللغة، وهذا المعنى أحدها.
بل إنَّ حمل هذه الكلمة على هذا المعنى متعيَّن، وذلك لعدَّة أُمور:
١ _ أنَّ كلمة (مِنْ) تستعمل في اللغة بمعنى البدل، والشواهد القرآنية واللغوية على ذلك كثيرة، منها: قوله تعالى: (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) (التوبة: ٣٨)، أي بدلاً من الآخرة، وقوله سبحانه: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس: ٣٦)، أي لا يغني بدل الحقّ شيئاً.
ومنه قول الشاعر:

أَخَذُوا المخاضَ مِنَ الفَصِيلِ غُلُبَّةً * * * ظُلماً، ويُكْتَبُ لِلأَميرِ: أفيلا(١٢٠)

والشاعر يصف جباة الزكاة بأنَّهم ظالمون خائنون؛ لأنَّهم أخذوا المخاض وهي الناقة الحامل، بدل الفصيل، وهو ولد الناقة المفصول عن الرضاع، ويكتبون للأمير أنَّهم أخذوا: أفيلاً، وهو ولد الناقة الذي عمره سبعة أشهر.
٢ _ أنّا لو قلنا: إنَّ كلمة (مِنْ) في قوله: (مِنْكُمْ) تبعيضية، لا بدلية، وأنَّ كلمة (ملائكة) معناها رجال مطهَّرون يشبهون الملائكة، فإنَّ ذلك يستلزم أنَّ الله تعالى لم يشأ أن يجعل خلفاءه في الأرض رجالاً مطهَّرين يُقتدى بهم كالملائكة؛ لما بيَّناه من أنَّ (لو) تدلُّ على امتناع أمر لامتناع أمر آخر، وهذا معلوم البطلان وواضح الفساد، فإنَّ خلفاء الله تعالى كلّهم من الرجال.
مضافاً إلى أنَّ هذا القائل يلزمه أن تكون كلمة: (ملائكة) قد استعملت في الآية استعمالاً مجازياً، ومعناها: رجال مطهَّرون يقتدى بهم كالملائكة، وصرف الكلمة عن معناها الحقيقي إلى معنى مجازي يحتاج إلى قرينة، ولا قرينة في الآية تدلُّ على ذلك.
٣ _ أنَّ تشبيه خلفاء الله تعالى بالملائكة يدلُّ على أنَّهم دون الملائكة في الطهارة والصلاحية للاقتداء؛ لأنَّ طبيعة التشبيه تقتضي أن يكون وَجْه الشبه في المشبَّه به أكثر ظهوراً منه في المشبَّه، فإذا قيل: (زيد كالأسد)، فإنَّ وجه الشبه وهو الشجاعة أكثر ظهوراً في الأسد منه في زيد.
وبهذا يتَّضح أنَّه لا يصحُّ تشبيه أئمّة الهدى عليهم السلام بالملائكة؛ لأنَّهم أعلى رتبةً وأقرب إلى الله تعالى من الملائكة.
وما ذكرناه في معنى الآية لا يتنافى مع رواية كتاب الكافي التي نقلناها فيما سبق من قوله: (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) يعني من بني هاشم (مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ)...(١٢١)؛ لأنَّ المعنى هو: ولو نشاء لجعلنا بدلاً من بني هاشم ملائكة في الأرض، وليس المراد: (ولو نشاء لجعلنا من بني هاشم ملائكة)؛ لما بيَّنَّاه آنفاً من الأسباب.
إنَّ الله لم يشبّه إبليس بالمَلَك:
قال أحمد إسماعيل:
(في حين أنَّ عدَّ فرد من الجنّ أو الإنس بأنَّه من الملائكة لسبب، كمشابهتهم في الطاعة، أو نقاء وطهارة باطنه، أو لارتقائه معهم في السماوات، قد ذُكِرَ في القرآن، فالله قد عدَّ إبليس من الملائكة؛ لأنَّه كان قبل أن يعصي، وبحسب ارتقائه في السماوات يُحسب من الملائكة: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) [طه: ١١٦]، (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة: ٣٤]).
والجواب:
أنَّه لا يصحُّ اعتبار فرد من الجنّ أو الإنس مَلَكَاً من الملائكة، وإن كان بين ذلك الفرد وبين الملك مشابهة في أمر ما؛ لأنَّ اعتباره مَلَكَاً خلاف الواقع، والملك والجنّي والإنسي لهم حقائق خارجية متغايرة عن بعضها، فلا يصحُّ اعتبار أيّ حقيقة منها حقيقة أُخرى مغايرة لها.
نعم، لا محذور في تشبيه بعض الجنّ أو الإنس بالملائكة فيما هو ظاهر من صفات الملائكة، وتشبيه إبليس الذي هو من الجنّ بالملَك لارتقائه مع الملائكة في السماوات غير صحيح؛ لأنَّ هذه الصفة ليست هي الصفة البارزة في الملائكة حتَّى يصحّ أن تكون هي وجه الشبه بين الجنّي والملائكة، وقد قال علماء البلاغة: إنَّه لا يصحُّ تشبيه رجل بالأسد في بَخْر فمه؛ لأنَّ هذه الصفة وإن كانت من صفات الأسد إلَّا أنَّها ليست هي الصفة البارزة فيه.
وأحمد إسماعيل لمَّا رأى شمول لفظ (الملائكة) لإبليس؛ لكونه مأموراً مع الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، توهَّم أنَّ الله سبحانه عدَّ إبليس من الملائكة، أو شبَّهه بهم، وهو توهّم فاسد كما بيَّناه آنفاً.
والسبب في وقوع أحمد إسماعيل في هذا الخطأ هو أنَّه لم يدرس علم البلاغة، فلم يلتفت إلى أنَّ الله سبحانه إنَّما أطلق لفظ (الملائكة) على المجموع الذين فيهم إبليس من باب تغليب الملائكة على غيرهم؛ لأنَّهم أشرف من إبليس وأكثر عدداً.
والاستثناء في قوله سبحانه: (إِلَّا إِبْلِيسَ) استثناء منقطع، وهو الذي لا يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، ولكن لأنَّ أحمد إسماعيل لا يعرف هذا الأمر البسيط من علم النحو، فإنَّه توهَّم أنَّ الاستثناء متَّصل كما هو الغالب في الاستثناءات، وهو الذي يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، فوقع في هذا الخطأ الواضح، إذ توهَّم أنَّ الله تعالى عدَّ إبليس من الملائكة.
قال أحمد إسماعيل:
(والجعل في الآيات المتقدّمة هو نفسه الجعل الأوّل لآدم عليه السلام خليفة الله في أرضه، (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة: ٣٠]، وهو نفسه جعل الله لداود عليه السلام خليفة في الأرض: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص: ٢٦].
فلو رتَّبنا الآيات وقرأناها بالتوالي سنجد أنَّ القرآن ينصّ بوضوح على أنَّ أمر الاستخلاف بدأ بآدم عليه السلام، وهو مستمرّ بعد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً... يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ... إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ... وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرضِ يَخْلُفُونَ)).
والجواب:
أنّا لا نختلف في أنَّ الله سبحانه قد اقتضت حكمته أن يجعل له خلفاء في أرضه، وأنَّ الخليفة الأوّل في الأرض هو آدم عليه السلام، ثمّ توالى خلفاء الله سبحانه وتعالى، فجعل أنبياء وأوصياء، وأنَّ الأرض لا تخلو من خليفة لله تعالى يقوم بأمره.
إلَّا أنَّ الكلام في هؤلاء الخلفاء من هم؟ وبِمَ تثبت خلافتهم؟
هذا ما نختلف فيه مع أحمد إسماعيل وأنصاره كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قال أحمد إسماعيل:
(وقد شاء سبحانه وتعالى، وفعل ما أراد، وجعل ملائكة في الأرض يخلفون بعد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء هم آل محمّد عليهم السلام: الأئمّة والمهديّون).
والجواب:
أنّا بيَّنّا أنَّ الملائكة في الآية لا يراد بهم الذي يشبهون الملائكة وهم آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما يزعم أحمد إسماعيل، وإنَّما يراد بهم الملائكة بالمعنى الحقيقي.
وأمَّا الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهم الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام كما دلَّت على ذلك الأحاديث المتواترة عند الشيعة، وأمَّا المهديّون فإن أُريد بهم أئمّة وخلفاء آخرون يتولّون الإمامة بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام من ولده كما يزعم أحمد إسماعيل وأنصاره، فهذا لم يثبت بدليل صحيح، بل قامت الأدلَّة على خلافه كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
وإن أُريد بالمهديّين الأئمّة الأحد عشر أنفسهم الذي تولّوا الإمامة قبل الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وأنَّهم يرجعون إلى الدنيا كما دلَّت عليه الروايات التي سيأتي ذكرها، ويتولّون أمر الأُمَّة واحداً بعد واحد، فهذا صحيح، وسنزيد هذا الكلام إيضاحاً فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
خطأ أحمد إسماعيل في تفسير: (وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ):
قال أحمد إسماعيل:
(ولهذا أتمَّ سبحانه بقوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي إنَّ هذا الجعل الإلهي (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) _ والذي نُقِلَ بنصّ وصيّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الوحيدة في ليلة وفاته _ عِلْمٌ يُعرَف به دين الله الحقّ إلى يوم القيامة).
والجواب:
ما قاله أحمد إسماعيل لا يدلُّ عليه ظاهر الآية لا من قريب ولا من بعيد، وإنَّما هو تحميل للآية ما لا تحتمل، فإنَّه جعل الضمير في قوله: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) يعود على مصدر متصيَّد من قوله: (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) وهو الجَعْل، وهذا مضافاً إلى أنَّه لا دليل عليه، فإنَّ معنى الآية حينئذٍ يكون فاسداً؛ إذ يصبح معنى الآية: إنَّ جعل الأئمّة والمهديّين علامة على قيام الساعة، وهذا معنى باطل؛ لأنَّ المراد بالعلم: العلامة، والمراد بالساعة هو يوم القيامة، وجعل الأئمّة لا يكون علامة من علامات الساعة كما هو واضح.
وقوله: (عِلمٌ يُعرَف به دين الله الحقّ إلى يوم القيامة) لا يدلُّ عليه قوله تعالى: (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) بأيّ دلالة، مع ما فيه من جعل اللام في (للساعة) بمعنى (إلى) لانتهاء الغاية، واللام المفردة المفتوحة لا تأتي في اللغة بهذا المعنى، وهي هنا للتوكيد لا غير، كما أنَّه قدَّر صفة لكلمة (عِلْم)، وهي: (يُعرَف به دين الله الحقّ)، وهذا التقدير لم يدلُّ عليه أيّ دليل، ولم تقم عليه أيّ قرينة.
وعليه فلا بدَّ أن يعود الضمير في (وَإِنَّهُ) على شيء من أشراط الساعة وعلاماتها، إمَّا سابق مذكور في الآية وهو عيسى بن مريم عليه السلام كما قال مشهور المفسِّرين، أو يعود الضمير على شيء آخر يفهم من سياق الآيات المباركة.
قال الشيخ المجلسي قدس سره: (المشهور بين المفسِّرين أنَّ الضمير راجع إلى عيسى عليه السلام، أي نزول عيسى من أشراط الساعة يُعلَم به قربها، (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) أي بالساعة، وقيل: الضمير راجع إلى القرآن)(١٢٢).
ثمّ إنَّ لازم ما قاله أحمد إسماعيل من أنَّ جعل الأئمّة والمهديّين عِلمٌ يُعرَف به دين الله الحقّ إلى يوم القيامة أنَّ كلّ المسلمين من زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زمان أحمد إسماعيل لم يعرفوا دين الله الحقّ؛ لأنَّهم لم يصل إليهم هذا الجعل، فلم يؤمنوا بالمهديّين، ولم يعرفوا أحمد إسماعيل هذا ولا غيره من المهديّين الذين لم يفصح أحمد إسماعيل عن أسمائهم حتَّى الآن!
مضافاً إلى أنَّ القول بأنَّ جَعْل الأئمّة والمهديّين عِلْماً يُعرَف به دين الله الحقّ إلى يوم القيامة يستلزم اتّهام أئمّة أهل البيت عليهم السلام بالتقصير في بيان الدين الحقّ لشيعتهم ومواليهم، حيث أخفوا ذكر المهديّين الاثني عشر، ولم يذكروا لهم أسماءهم، بل نصّوا في روايات كثيرة متواترة أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط، أوّلهم أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم القائم المنتظر المهدي عليه السلام كما سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى.
نصّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام دون غيرهم:
ما زعمه أحمد إسماعيل من أنَّ الجعل الإلهي للأئمّة والمهديّين نُقِلَ بنصّ وصيّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الوحيدة في ليلة وفاته، مردود بأمرين:
١ _ أنَّ الجعل الإلهي _ وهو النصّ على الأئمّة الاثني عشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ صدر من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل ليلة وفاته، فإنَّه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر في مشاهد متعدِّدة أنَّ الأئمّة اثنا عشر، والروايات التي رواها الشيعة وأهل السُنَّة في ذلك كثيرة ومشهورة.
وأمَّا المهديّون الاثنا عشر من أبناء الإمام المهدي المنتظر عليه السلام فلم يرد لهم ذكر في تلك الروايات، ولم يُشَر إليهم لا من قريب ولا بعيد.
وإذا كان هؤلاء المهديّون بهذه الأهمّية التي يتشدَّق بها أحمد إسماعيل وأنصاره، فإنَّ من اللازم بيان أسمائهم كما بُيِّنت أسماء الأئمّة الاثني عشر السابقين لهم، أو على الأقلّ ذكرهم في الروايات مقرونين بذكر الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، بحيث يُذكرون في الروايات إذا ذُكِرَ الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام، كما يصنع أحمد إسماعيل وأنصاره في الصلاة على النبيّ وآله، حيث يقولون: (اللّهمّ صلِّ على محمّد وآله: الأئمّة والمهديّين).
مع أنَّ ذلك كلّه لا وجود له في الروايات المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، رغم اهتمام أهل البيت عليهم السلام ببيان جميع مسائل الإمامة الإلهية وتفاصيلها، وكثرة ما صدر عنهم عليهم السلام من الروايات التي ذكرت الأئمّة الاثني عشر دون غيرهم.
ولم أجد في كلام أحمد إسماعيل وأنصاره بحسب تتبّعي لكلماتهم أنَّهم ذكروا سبباً صحيحاً يبرِّر إغفال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام لذكر هؤلاء المهديّين في أحاديثهم، مع تأكيدهم على ذكر الأئمّة الاثني عشر فقط.
كما أنّي لم أجد في كلامهم سبباً صحيحاً يبرِّر عدم ذكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء المهديّين الاثني عشر إلى حين وفاته، ليبيِّن عددهم في وصيّة خاصّة لا يعلم بها إلَّا عدد قليل، مع أنَّ هذه المسألة إذا كانت بهذه الأهمّية التي يذكرها أحمد إسماعيل فإنَّه ينبغي التأكيد عليها في المشاهد المتعدِّدة حتَّى تقوم الحجَّة على كلّ أحد.
ومن الروايات التي بيَّن فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أسماء الأئمّة الاثني عشر دون غيرهم، ما رواه الفضل بن شاذان في كتاب (إثبات الرجعة) بسند صحيح عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ الحجَّة بن الحسن، الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية، ويغيب مدَّة طويلة، ثمّ يظهر، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(١٢٣).
ومنها: خبر سليم بن قيس، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول: كنّا عند معاوية، أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أُمّ سَلَمة وأُسامة بن زيد، فجرى بيني وبين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا علي، ثمّ ابنه محمّد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدركه يا حسين، ثمّ تكملة اثني عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين)، قال عبد الله بن جعفر: واستشهدت الحسن، والحسين، وعبد الله بن عبّاس، وعمر بن أُمّ سَلَمة، وأُسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية. قال سليم: وقد سمعت ذلك من سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وذكروا أنَّهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١٢٤).
وهاتان الروايتان وغيرهما ممَّا سُمِعَ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قِبَل أفراد متعدِّدين، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر فيهما المهديّين الاثني عشر من ولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ولم يشر إليهم أصلاً، وإنَّما حصر الأئمّة في اثني عشر فقط، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية الأُولى: (ثمّ الحجَّة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية) واضح الدلالة على أنَّه لا أوصياء بعد الحجَّة عليه السلام من أولاده.
وهاتان الروايتان وغيرهما دليل على أنَّ الجعل الإلهي إنَّما هو في اثني عشر إماماً فقط، وأمَّا المهديّون فلم يثبت لهم جعل إلهي؛ لعدم وجود روايات متواترة تدلُّ على ذلك.
٢ _ أنَّ رواية الوصيّة المذكورة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره لا يثبت بها جعل إلهي؛ لأنَّ الجعل لا بدَّ أن يكون قطعياً، وهذه الرواية ضعيفة السند كما مرَّ، ومعارضة بالأحاديث المتواترة التي تدلُّ على انحصار الأئمّة في اثني عشر إماماً فقط، وأنَّ آخرهم هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ولا بأس أن أنقل للقارئ العزيز جملة من الروايات التي تحصر الأئمّة في اثني عشر فقط وإن كان بعض منها ذكرناه فيما سبق.
فقد روى الشيخ محمّد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره بسند صحيح عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوَّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها)(١٢٥).
وروى أيضاً قدس سره بسند صحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني بعدد الأئمّة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوَّلهم أنت، وآخرهم القائم)(١٢٦).
وبسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوَّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحُجج الله على أُمَّتي بعدي...)(١٢٧).
وبسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ذكر فيه بعض ما جرى في المعراج، فقال: (فنُوديتُ: يا محمّد أنت عبدي، وأنا ربّك، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، فإنَّك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجَّتي على بريَّتي، لك ولمن اتَّبعك خَلقتُ جنَّتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبتُ كرامتي، ولشيعتهم أوجبتُ ثوابي، فقلت: يا ربّ، ومن أوصيائي؟ فنوديتُ: يا محمّد، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي. فنظرت وأنا بين يدي ربّي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كلّ نور سطر أخضر، عليه اسم وصيّ من أوصيائي، أوّلهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أُمَّتي، فقلت: يا ربّ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحُججي بعدك على بريَّتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك...)(١٢٨).
وبسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أُمَّتي بعدي، المقرُّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر)(١٢٩).
وبسنده عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، قال: (منّا اثنا عشر مهدياً، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ، يُحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدُّ فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذَون، فيقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الملك: ٢٥]؟ أمَا إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(١٣٠).
وبسنده عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي: اثنا عشر، أوَّلهم أخي، وآخرهم ولدي). قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: (علي بن أبي طالب)، قيل: فمن ولدك؟ قال: (المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ نبيَّاً لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لَطَوَّلَ الله ذلك اليوم حتَّى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم، فيُصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب)(١٣١).
وبسنده عن السيّد بن محمّد الحميري _ في حديث طويل _ يقول فيه: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحَّة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: (إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحقّ، بقيّة الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتَّى يظهر، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(١٣٢).
والأحاديث في ذلك كثيرة، لا حاجة لاستقصائها، وهي دالّة بما لا ريب فيه على أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط، لا يزيدون ولا ينقصون، وأنَّه لا أئمّة بعدهم من ولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؛ لأنَّه لو كان ثَمَّة أئمّة مهديّون بهذه الصفة لكان التعبير بأنَّ آخرهم القائم بالحقّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً خطأً فاضحاً.
وصايا متعدّدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
في كلام أحمد إسماعيل الذي نقلناه آنفاً إصرار على أنَّ رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) هي الوصيّة الوحيدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّه لا وصيّة غيرها، وإصراره هذا ربَّما يكون ناشئاً عن كذبه، أو قصوره أو تقصيره في الاطّلاع على روايات أهل البيت عليهم السلام؛ لأنَّه قد رُويت روايات متعدِّدة مشتملة على وصايا أُخر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد في شيء منها أيّ ذكر للمهديّين الاثني عشر من أولاد المهدي المنتظر عليه السلام.
منها: ما رواه الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدَّثني موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: (قلت لأبي عبد الله: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصيّة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقرَّبون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلاً، ثمّ قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر، نزلت الوصيّة من عند الله كتاباً مسجَّلاً، نزل به جبرئيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمّد، مُرْ بإخراج من عندك إلَّا وصيّك؛ ليقبضها منّا، وتشهدنا بدفعك إيّاها إليه ضامناً لها _ يعني علياً عليه السلام _، فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً عليه السلام، وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمّد ربّك يُقرئك السلام، ويقول: هذا كتاب ما كنتُ عهدتُ إليك، وشرطت عليك، وشهدت به عليك، وأشهدت به عليك ملائكتي، وكفى بي يا محمّد شهيداً).
قال: (فارتعدت مفاصل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا جبرئيل، ربّي هو السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام، صدق عز وجل وبرَّ، هات الكتاب. فدفعه إليه، وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: اقرأه. فقرأه حرفاً حرفاً، فقال: يا علي! هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ، شرطه عليَّ وأمانته، وقد بلَّغت ونصحت وأدَّيت. فقال علي عليه السلام: وأنا أشهد لك [بأبي وأُمّي أنت] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي. فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا لكما على ذلك من الشاهدين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، أخذتَ وصيَّتي، وعرفتَها، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها. فقال علي عليه السلام: نعم بأبي أنت وأُمّي، عليَّ ضمانها، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، إنّي أُريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي عليه السلام: نعم، أشهد. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن، وهما حاضران، معهما الملائكة المقرَّبون لأُشهدهم عليك. فقال: نعم ليشهدوا وأنا _ بأبي أنت وأُمّي _ أُشهدهم. فأشهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان فيما اشترط عليه النبيّ بأمر جبرئيل عليه السلام فيما أمر الله عز وجل أن قال له: يا علي، تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله، والبراءة منهم، على الصبر منك، [و]على كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقّك، وغصب خُمْسك، وانتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل عليه السلام يقول للنبيّ: يا محمّد، عرِّفْه أنَّه يُنتهك الحرمة، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أن تُخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. قال أمير المؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل، حتَّى سقطت على وجهي. وقلت: نعم، قبلتُ ورضيتُ وإن انتُهكت الحرمة، وعُطِّلت السنن، ومُزِّق الكتاب، وهُدِمت الكعبة، وخُضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابراً محتسباً أبداً حتَّى أقدم عليك. ثمّ دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة والحسن والحسين، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله، فخُتمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تمسّه النار، ودُفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام)، فقلت لأبي الحسن عليه السلام: بأبي أنت وأُمّي ألَا تذكر ما كان في الوصيّة؟ فقال: (سنن الله وسنن رسوله). فقلت: أكان في الوصية توثّبهم وخلافهم على أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: (نعم، والله شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، أمَا سمعت قول الله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)؟ والله لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدَّمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا)(١٣٣).
وهذه الرواية تدلُّ على وجود وصيّتين: وصيّة أملاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام، ولعلَّها كانت قبل ليلة الوفاة، ووصيّة أُخرى نزلت من عند الله كتاباً مسجَّلاً لعلَّها قبيل وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يبطل ما يدَّعيه أحمد إسماعيل من أنَّ الوصيّة التي ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) هي الوصيّة الوحيدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك روايات أُخر تدلُّ على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بوصايا عهدية متعدِّدة بمحضر المهاجرين والأنصار، فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن محمّد بن علي، وعن زيد بن علي، كلاهما عن أبيهما علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: (لمَّا ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قُبِضَ فيه كان رأسه في حجري، والبيت مملوء من أصحابه من المهاجرين والأنصار، والعبّاس بين يديه، يذبُّ عنه بطرف ردائه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغمى عليه ساعة ويفيق ساعة، ثمّ وجد خفَّة، فأقبل على العبّاس، فقال: يا عبّاس، يا عمّ النبيّ، اقْبَل وصيَّتي في أهلي وفي أزواجي، واقض ديني، وانجز عداتي، وأبرئ ذمَّتي. فقال العبّاس: يا نبيّ الله، أنا شيخ ذو عيال كثير، غير ذي مال ممدود، وأنت أجود من السحاب الهاطل والريح المرسلة، فلو صرفتَ ذلك عنّي إلى من هو أطوق له منّي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمَا إنّي سأعطيها من يأخذها بحقّها، ومن لا يقول مثل ما تقول، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي اقْبَل وصيَّتي، وأنجز مواعيدي، وأدِّ ديني، يا علي اخلفني في أهلي، وبلِّغ عنّي من بعدي).
قال علي عليه السلام: (فلمَّا نعى إليَّ نفسه، رجف فؤادي، وألقي عليَّ لقوله البكاء، فلم أقدر أن أُجيبه بشيء، ثمّ عاد لقوله، فقال: يا علي، أوَتقبل وصيَّتي؟)، قال: (فقلت وقد خنقتني العبرة، ولم أكد أن أُبيِّن: نعم يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا بلال، ائتني بسوادي، ائتني بذي الفقار، ودرعي ذات الفضول، ائتني بمغفري ذي الجبين، ورايتي العقاب، وائتني بالعنَزَة والممشوق. فأتى بلال بذلك كلّه إلَّا درعه كانت يومئذٍ مرتهنة، ثمّ قال: ائتني بالمرتجز والعضباء، ائتني باليعفور والدلدل. فأتى بها، فأوقفها بالباب، ثمّ قال: ائتني بالأتحمية والسحاب، فأتاه بهما، فلم يزل يدعو بشيء، فافتقد عصابة كان يشدُّ بها بطنه في الحرب، فطلبها فأُتي بها، والبيت غاصٌّ يومئذٍ بمن فيه من المهاجرين والأنصار. ثمّ قال: يا علي، قم فاقبض هذا. ومدَّ إصبعه، وقال: في حياة منّي، وشهادة من في البيت؛ لكيلا ينازعك أحد من بعدي. فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتَّى استودعت ذلك جميعاً منزلي. فقال: يا علي أجلسني. فأجلسته وأسندته إلى صدري)، قال علي عليه السلام: (فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنَّ رأسه ليثقل ضعفاً، وهو يقول يُسْمِع أقصى أهل البيت وأدناهم: إنَّ أخي، ووصيّي، ووزيري، وخليفتي في أهلي: علي بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعدي، يا بني هاشم، يا بني عبد المطَّلب، لا تبغضوا علياً، ولا تخالفوا أمره فتضلّوا، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتكفروا...)(١٣٤).
وهذه الرواية مشتملة أيضاً على وصيّة أُخرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال للعبّاس أوّلاً ثمّ لأمير المؤمنين عليه السلام ثانياً: (اقْبَل وصيَّتي)، وما جاء في هذه الوصيّة مغاير لما ورد في رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا كافٍ في الدلالة على بطلان ما زعمه أحمد إسماعيل من أنَّ تلك الوصيّة هي الوصيّة الوحيدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
خلط أحمد إسماعيل بين الوصيّة والكتاب العاصم من الضلال:
قال أحمد إسماعيل:
(أي كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه كتاب عاصم من الضلال أبداً، (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)، والله يقول: هو كذلك، فلا تشكّوا بأنَّه عاصم لكم من الانحراف والضلال عند ساعة القيامة الصغرى وظهور من يحتجّ بهذا النصّ).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل خلط بين وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه لهذه الأُمَّة كيلا تضلّ من بعده أبداً، فإنَّه لم يرد في رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وصف هذه الوصيّة بأنَّها عاصمة لهذه الأُمَّة من الضلال؛ إذ كيف تكون عاصمة للأُمَّة من الضلال وهي وصيّة خاصّة لم يرد فيها خطاب للأُمَّة، أو تكليف عامّ للناس، مع كونها مروية بسند ضعيف مظلم، ومشتملة على عبارات غير صحيحة، وعبارات أُخر غير واضحة المعنى، وكونها مخالفة للروايات المتواترة التي حصرت الأئمّة في اثني عشر فقط؟
بخلاف الكتاب الآخر الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للناس في يوم الخميس، فحال عمر بن الخطّاب بينه وبين كتابته، فإنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وصفه بأنَّ الأُمَّة بسببه لا تضلّ بعده أبداً؛ لأنَّه كتاب موجَّه إلى عامّة المسلمين، وغير مخصوص بأشخاص معيَّنين، والغاية الأساس من كتابته اطّلاع عموم المسلمين على ما إن أخذوا به فإنَّهم لا يضلّون أبداً.
قال أحمد إسماعيل:
(فمن يحتجّ بهذا النصّ فهو صاحبه، وإلَّا لما صحَّ أن يوصف النصّ بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، فلو لم يكن محفوظاً من الله أن يدَّعيه الكاذبون المبطلون حتَّى يدَّعيه صاحبه، لكان وصفه بأنَّه عاصم من الضلال كذباً وإغراءً للمكلَّفين باتّباع الباطل، وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل يزعم أنَّه منصوص عليه في هذه الرواية، وأنَّ الضمير في قوله: (له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين) يعود عليه، وأنَّه هو ابن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وهو أوّل المهديّين الاثني عشر، واستدلَّ على ذلك بأنَّ كل من يدَّعي أنَّه منصوص عليه في رواية كتاب (الغيبة) فهو صادق في دعواه؛ لأنَّ النصّ في هذه الرواية لا يدَّعيه إلَّا صاحبه، وإلَّا لو صحَّ أن يدَّعيه غير صاحبه لكان وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذه الوصيّة بأنَّها عاصمة من الضلال غير صحيح؛ لأنَّها حينئذٍ لن تعصم الناس من الضلال إذا تأتّى لكلّ كذّاب أن يدَّعي أنَّه منصوص عليه فيها.
وكلامه واضح البطلان؛ لعدَّة أُمور:
١ _ ما قلناه فيما سبق من أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يصف هذه الوصيّة المذكورة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره بأنَّها عاصمة من الضلال، وإنَّما وصف الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس قبيل وفاته بأربعة أيّام بأنَّ من أخذ به فإنَّه لا يضلّ، كما أنَّه لم يصف الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس قبيل وفاته بأنَّه وصيّة.
٢ _ أنّا لا نشكّ في أنَّ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي هي بحوزة أئمّة الهدى عليهم السلام عاصمة للأُمَّة من الضلال، وأمَّا رواية الوصيّة المروية في كتاب (الغيبة)، فهي رواية ضعيفة السند قد رواها المجاهيل، ممَّا يجعلنا نحتمل أنَّها مكذوبة، أو أنَّ يد التحريف قد بدَّلت بعض ألفاظها، أو زادت فيها أو أنقصت، ولاسيّما أنَّ الرواية لم تنقل الوصيّة بتمامها، ومع كلّ ذلك فهي معارَضة بالروايات المتواترة التي أشرنا إليها، فكيف توصف هذه الرواية بأنَّها عاصمة للأُمَّة من الضلال، وأنَّ من يدَّعي أنَّه منصوص عليه فيها صادق في دعواه؟!
٣ _ أنَّ أحمد إسماعيل إذا كان منصوصاً عليه باسمه كما يزعم في رواية كتاب (الغيبة)، فإنَّ النصّ وحده كافٍ في ثبوت الإمامة، ولا يحتاج معه إلى ضمّ قاعدة تتمّم ما في النصّ من قصور في الدلالة على إثبات إمامته، وهي القاعدة الباطلة التي ابتدعها من عنده، وهي: (إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها).
وبتعبير أوضح أقول:
إنَّ أحمد إسماعيل يعلم أنَّ الاسم الوارد في رواية الوصيّة وهو: (أحمد)، لا ينصرف إليه بخصوصه، ولا يعيِّنه دون غيره؛ لأنَّه اسم يشترك فيه معه كثيرون جدَّاً، ولهذا فإنَّ كون اسمه: (أحمد) لا ينفعه في شيء؛ لأنَّه لا يُعَدُّ نصَّاً على إمامته.
ولأجل ذلك التجأ أحمد إسماعيل ليتمّم ما في النصّ الذي يزعمه من قصور في الدلالة عليه بخصوصه، بأن ابتدع قاعدة باطلة من عنده، تتمّم ما في النصّ من قصور واضح، وهي قاعدة: (إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها).
إلَّا أنَّ هذه القاعدة ليست بديهية عند الناس، وهي تحتاج إلى إثبات أنَّها قاعدة صحيحة، ولاسيّما أنَّ كلّ العقلاء يعلمون أنَّ كلّ شيء يمكن أن يدَّعيه المبطلون الكاذبون، حتَّى الأُلوهية التي ادّعاها فرعون، والنبوَّة التي ادّعاها مسيلمة الكذّاب، والإمامة التي ادّعاها كثيرون بالباطل، فكيف صارت الوصيّة بخصوصها لا يدَّعيها إلَّا صاحبها، وأنَّ كلّ من ادّعاها فهو محقّ غير كاذب؟!
وهنا لم يجد أحمد إسماعيل مناصاً من أن يدَّعي أنَّ هذه الوصيّة هي نفس الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه في يوم الخميس كي لا تضلُّ الأُمَّة بعده، ليزعم بعد ذلك أنَّ الوصيّة عاصمة للأُمَّة من الضلال، والأُمَّة بسببها لن تضلّ أبداً، وإذا كانت كذلك فإنَّ الكاذب لا يمكن أن يدَّعيها؛ لأنَّ ادّعاء الكاذب لها يستلزم بنظره محاذير لا تصحّ، وسنبيّن فيما سيأتي فساد هذا الدليل كلّه.
والذي أُريد أن أُنبِّه القارئ العزيز عليه هو أنَّ أحمد إسماعيل وإن زعم أنَّه منصوص عليه في رواية كتاب (الغيبة) إلَّا أنَّ لجوءه إلى هذا الاستدلال يدلُّ على أنَّه يعلم في دخيلة نفسه أنَّ ما زعمه نصَّاً ليس بنصّ، وأنَّ هذا النصّ المزعوم يحتاج إلى دعاوى متعدِّدة تعضّده؛ لكي تكون دلالة هذا النصّ عليه تامّة، وهذا كافٍ في إثبات أنَّه ليس بنصّ؛ لأنَّ النصّ مضافاً إلى أنَّه يجب أن يكون قطعياً، لا يحتمل الدلالة على غيره، فإنَّه لا يحتاج إلى شيء آخر معه، وإلَّا لما كان نصَّاً.
٤ _ أنّا لو سلَّمنا جدلاً بأنَّ رواية كتاب (الغيبة) عاصمة للأُمَّة من الضلال، فإنَّها إنَّما تعصم من تمسّك بها بعد أن يفهم المراد بها، وأمَّا من خالفها فاعتقد بإمامة من لم تثبت إمامته فإنَّها لا تعصمه من الضلال، وحينئذٍ فإنَّه يجب على كلّ مكلَّف أن يتأكَّد من اتّباعه للأئمّة الذين وردت أسماؤهم في الوصيّة، بتعيين الإمام السابق للإمام اللاحق، وتنصيصه عليه بحيث لا يلتبس بغيره، وأمَّا من يتسرَّع ويقول بإمامة أحمد إسماعيل البصري فإنَّه لم يُعصَم من الضلال؛ لأنَّه اعتقد بإمام غير منصوص عليه باسمه واسم أبيه في رواية كتاب (الغيبة)، أو لا أقلّ اعتقد بإمام مشكوك في إمامته؛ لأنَّه لم يتمّ التأكّد من أنَّ تلك الرواية تشير إليه.
ومن الأوهام التي وقع فيها بعض أتباع أحمد إسماعيل هي اعتقادهم بأنَّه متى ما ثبتت الوصيّة فإنَّه تثبت إمامة أحمد إسماعيل البصري، مع أنَّ رواية الوصيّة لو ثبتت جدلاً فإنَّها لا تشير إليه لا من قريب ولا بعيد كما بيَّنّا.
٥ _ أنّا لو سلَّمنا بأنَّ رواية كتاب (الغيبة) عاصمة من الضلال، فإنَّ ادّعاء بعضهم كذباً أنَّه منصوص عليه فيها لا يتنافى مع كونها عاصمة من الضلال؛ لأنَّ كلّ مدّعٍٍ لهذا الأمر لا تُقبَل دعواه إلَّا إذا جاء بدليل صحيح، وإذا لم يكن عنده أيّ دليل يثبت صحَّة دعواه فهو كاذب مفتر؛ لأنَّ الإمامة لا تثبت بمجرَّد الادّعاء، خصوصاً إذا لم ينصّ عليه أيّ واحد من الأئمّة السابقين عليهم السلام، ولم يتَّصف المدَّعي بصفات الإمام الحقّ.
وحال رواية كتاب (الغيبة) حال قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: ٥٩)، فإنَّ كثيراً من أئمّة الضلال وسلاطين الجور ادَّعوا أنَّهم أُولو الأمر المأمور بطاعتهم في هذه الآية المباركة، وادّعاءاتهم هذه لا تتنافى مع كون هذه الآية عاصمة لمن اتَّبعها من الضلال، وإنَّما تتنافى مع كونها عاصمة من الضلال لو كانت الآية تنطبق حقيقة على أئمّة الضلال وسلاطين الجور، وأمَّا إذا كانت لا تنطبق عليهم، فإنَّ ادّعاءاتهم التي لم تثبت بدليل صحيح لا قيمة لها.
٦ _ إنَّ وصف النصّ بأنَّه عاصم من الضلال لا كذباً وإغراءً للمكلَّفين باتّباع الباطل إلَّا إذا انطبق على واحد من الدجّالين والكذّابين الذين يدَّعون الإمامة بغير حقّ، وأمَّا إذا لم يكن كذلك فلا يكون وصف النصّ بذلك كذباً.
ونصّ الوصيّة التي نتحدَّث عنها لا يدلُّ على أحمد إسماعيل بأيّ دلالة، وادّعاؤه أنَّه هو المعنيُّ في الحديث لا يفيده ما دامت الأدلَّة كلّها تبطل كلامه وتكذِّبه.
بطلان قول أحمد إسماعيل: إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلاَّ صاحبها:
قال أحمد إسماعيل:
(إذن فلا تشكّوا أنَّها ساعة القيامة الصغرى عندما يرفع هذا الكتاب (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها)، فمن يرفع هذا الكتاب فهو صاحبه).
والجواب:
مراده بساعة القيامة الصغرى هو زمان دولة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وفي ذلك الزمان فإنَّ المؤمنين الأبرار يعملون بتوجيهات الإمام المهدي عليه السلام، ويمتثلون أمره في كلّ شيء، فمن رفع كتاباً في ذلك الوقت وادَّعى شيئاً، فإنَّ المؤمنين ينظرون ما يقول الإمام المهدي عليه السلام في ذلك الكتاب وصاحبه، ويعملون على طبق كلامه عليه السلام، فلا يحصل لهم أيّ لبس حينئذٍ في أيّ شيء.
وقوله: (فمن يرفع هذا الكتاب فهو صاحبه) إن كان المراد به أنَّ من يرفع الوصيّة الحقيقية المختومة بختم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتي بها للناس فهو صاحبها فهذا كلام صحيح؛ لأنَّ الأخبار دلَّت على أنَّ من ضمن علامات الإمام أن يكون عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد روى العيّاشي في تفسيره عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (الزم الأرض، لا تحرِّكنَّ يدك ولا رجلك أبداً حتَّى ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى منادياً ينادي بدمشق، وخسف بقرية من قراها، ويسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها، فأقبلت الترك حتَّى نزلت الجزيرة، وأقبلت الروم حتَّى نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في كلّ أرض من أرض العرب، وإنَّ أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب، والأبقع، والسفياني...).
إلى أن قال: (فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره، وإيّاك وشُذّاذاً من آل محمّد، فإنَّ لآل محمّد وعلي راية، ولغيرهم رايات، فالزم الأرض، ولا تتَّبع منهم رجلاً أبداً حتَّى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، فإنَّ عهد نبيّ الله صار عند علي بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً، وإيّاك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامداً إلى المدينة حتَّى يمرّ بالبيداء...)(١٣٥).
إلَّا أنَّ هذا لا يفيد أحمد إسماعيل في شيء؛ لأنَّ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآن ليست عنده، وإنَّما هي عند الإمام المنتظر عليه السلام، ولا أظنّه يدَّعي أنَّ الوصيّة الآن في حوزته، ولو ادَّعى ذلك فلا بدَّ له من إظهارها للناس، وإثبات أنَّها عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشتمل على النصّ عليه بالتعيّين، وأنّى له بذلك!
والمستفاد من هذه الرواية وغيرها أنَّ العهد الذي يحتجُّ به الإمام عليه السلام هو شيء يُتوارَث ويتناقله الأئمّة عليهم السلام، وليس جزءاً من رواية موجودة في كتاب (الغيبة).
وأمَّا إذا كان مراد أحمد إسماعيل أنَّ من يدَّعي أنَّه هو المشار إليه في الوصيّة فهو صادق؛ لأنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها، وأحمد إسماعيل قد ادَّعى الوصيّة فهو صاحبها، فيجب تصديقه والإيمان به، فهذا كلام مردود من وجوه:
١ _ أنّا لا نعلم بالقطع واليقين أنَّ أحمد إسماعيل ادَّعى الوصيّة؛ لأنَّه لم يظهر للناس ويدَّعي ذلك علانية، وإنَّما رأينا ذلك في كتب وتسجيلات منسوبة إليه، ونحن لا نعلم بصحَّة تلك النسبة، فلعلَّ تلك الكتب منحولة عليه، والتسجيلات مفبركة، وكلام أنصاره لا يَثْبُت به أنَّه ادَّعى الوصيّة فعلاً.
٢ _ أنّا لو سلَّمنا أنَّ أحمد إسماعيل ادَّعى الوصيّة فعلاً، فإنَّ مجرَّد الادّعاء لا يكفي في إثبات صدق دعوى المدَّعي كما ذكرنا ذلك فيما تقدَّم، وعلى أحمد إسماعيل أن يقيم الدليل الصحيح على أنَّه هو المشار إليه في الوصيّة، وهو لم يأتِ بأيّ دليل يدلُّ على صحَّة دعواه.
٣ _ أنَّ أحمد إسماعيل في الحقيقة لم يدَّعِِ الوصيّة؛ لأنَّ مدَّعي الوصيّة هو الذي يأتي بوصيّة مكتوبة، ويزعم أنَّها وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويدَّعي أنَّه منصوص عليه فيها، وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه لم يأتِ بأيّ وصيّة، وإنَّما ادَّعى أنَّه مشار إليه في رواية في كتاب (الغيبة)، ومثل هذا الادّعاء لا يكون ادّعاءً للوصيّة.
وعليه فإنَّ قوله: (إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها) لا ينطبق على أحمد إسماعيل؛ لأنَّه إنَّما ادَّعى الإشارة إليه في رواية في كتاب (الغيبة)، ولم يدَّعِ أنَّ عنده وصيّة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنصُّ عليه.
٤ _ أنَّه لا استحالة في أن يدَّعي أيّ كاذب أنَّ رواية كتاب (الغيبة) تشير إليه كما صنع أحمد إسماعيل؛ لأنَّ الكذّابين قد ادَّعوا ما هو أعظم من ذلك، إذ ما من مقام ديني إلَّا ادَّعاه كاذب مفتر، فإنَّ فرعون كما قلنا ادَّعى الأُلوهية، ومسيلمة الكذّاب وسجّاح ادَّعيا النبوَّة، وأمَّا الإمامة فقد ادَّعاها كثير من الناس، فكيف لا يدَّعي كاذب أنَّه مشار إليه في آية أو رواية، ولاسيّما إذا كانت الرواية ضعيفة السند كرواية كتاب (الغيبة)، وكان الادّعاء دون الادّعاءات التي ذكرناها؟!
٥ _ أنَّ قوله: (إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها) إن كان مراده بصاحب الوصيّة هو المنصوص عليه فيها بنحو لا يلتبس بغيره كما هو حال وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووصايا الأئمّة الأطهار عليهم السلام، فهذا لا نختلف فيه؛ لأنَّه من الطبيعي ألَّا يدَّعي شخص آخر أنَّه صاحب الوصيّة إلَّا إذا كان مجنوناً لا يُعتَب عليه؛ لأنَّ صاحب الوصيّة وهو الإمام المعيَّن معروف لا يختلف فيه اثنان، فلا يمكن لعاقل أن يدَّعي أنَّه هو المنصوص عليه دونه.
ولهذا لم يُحدِّث التاريخ أنَّ رجلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو في زمان واحد من الأئمّة الأطهار عليهم السلام ادَّعى أنَّه هو المنصوص عليه دون الإمام المراد بالنصّ.
وأمَّا إذا كان مراده بقوله: (إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها) أنَّ من ادَّعى أنَّه مشار إليه في آية قرآنية أو رواية متواترة أو غير متواترة، فإنَّ ادّعاءه دليلٌ على صدقه في دعواه، فهو كلام باطل، لا يقوله من يحترم عقله، مع أنَّ هذا الزعم قد كذَّبته الحوادث التاريخية الكثيرة التي سنذكر بعضاً منها إن شاء الله تعالى.
هل رواية كتاب (الغيبة) تشير إلى أحمد إسماعيل؟
قال أحمد إسماعيل:
(فإذا كنتم تريدون النجاة من الضلال والانحراف اتَّبعوا محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بقبول وصيَّته التي أوصاها ليلة وفاته، والتي فيها العلم الذي يكفيكم للنجاة أبداً، وفيها علم الساعة ومعرفة الحقّ عند القيام، وتشخيص المدَّعي عندما يرفع هذا الكتاب الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال).
والجواب:
أنَّه لا خلاف بين المسلمين في أنَّه يجب اتّباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كلّ أقواله وأفعاله وتقريراته، وأنَّ من اتَّبعه فقد نجا من الضلال والانحراف، كما أنَّه لا نزاع في وجوب قبول وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أوصى بها أُمَّته، وأمرهم بالتمسّك بها والعمل بما فيها.
ولكن النزاع في أنَّ رواية الوصيّة التي ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) بسند مظلم جدَّاً، هل هي وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو على الأقلّ هل هي مبيِّنة لما هو مكتوب في وصيّته، أم لا؟
ومن الواضح جدَّاً أنَّ هذه الرواية _ لضعف سندها، ومخالفتها للروايات المتواترة التي حصرت الأئمّة في اثني عشر إماماً، ومعارضتها لروايات الوصيّة الأُخرى الخالية من ذكر المهديّين الاثني عشر _ لا يصحُّ العمل بها، ولا الاعتقاد بمضمونها، ولا يجوز نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو وصفها بأنَّها كتاب عاصم من الضلال، أو أنَّ فيها من العلم ما يكفي للنجاة ومعرفة الحقّ عند القيام أو قبله.
والغريب زعم أحمد إسماعيل أنَّ هذه الوصيّة يمكن بها تشخيص المدَّعي عندما يرفع هذا الكتاب الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال، مع أنَّه لم يأتِ بوصيّة، ولم يرفع هذا الكتاب الذي وصفه بأنَّه عاصم من الضلال، وإنَّما تمسَّك برواية ضعيفة زعم أنَّها تدلُّ عليه وتشير إليه، من دون أن يأتي بدليل واضح أو حجَّة صحيحة.
قال أحمد إسماعيل:
((وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي اتَّبعوا محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم في نصّه من الله على من يخلفونه من بعده).
والجواب:
أنَّ اتّباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في نصّه على من يخلفونه من أئمّة الهدى إنَّما يتحقَّق بالأخذ بالروايات المتواترة أو الصحيحة غير المعارضة بما هو أصحّ منها، وأمَّا الأخذ بالروايات الشاذّة مثل الرواية التي أسموها برواية الوصيّة فهذا ليس اتّباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّما هو عين المخالفة له.
قال أحمد إسماعيل:
(والوصيّة كتاب كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر لحظات حياته امتثالاً لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة: ١٨٠]، ووصفه بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به أبداً، وأُؤكّد في آخر لحظات حياته؛ لأنَّه نبيّ يُوحى له، فما يقوله في آخر لحظات حياته هو خلاصة رسالته، وما يحفظ الدين بعده، فما بالك إذا كان مع شدَّة مرضه، وأوجاع السُمّ التي كانت تقطّع كبده مهتمّاً أشدّ الاهتمام أن يكتب هذا الكتاب، ويصفه بأنَّه عاصم من الضلال، فهذا الكتاب من الأهمّية بمكان بحيث إنَّ الله سبحانه وتعالى الذي كان يرحم محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى درجة أنَّه يشفق عليه من كثرة العبادة التي تتعب بدنه، فيخاطبه بقوله: (طه * ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) نجده سبحانه مع شدَّة رحمته بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم وإشفاقه عليه يكلِّف محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم في آخر لحظات حياته أن يملي كتاباً، ويصفه بأنَّه عاصم من الضلال على رؤوس الأشهاد، رغم ما كان يعانيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من آلام السُمّ الذي كان يسري في بدنه ويقطع كبده).
والجواب:
أنّا لا نشكُّ في أنَّ ما أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلّغه للناس في آخر ساعات حياته له من الأهمّية الكبيرة التي ليست لغيره، وأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أمير المؤمنين عليه السلام بوصاياه، وأعطاه وصيّة مكتوبة، ولكن الكلام في أنَّ هذه الرواية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) والتي أطلق عليها أحمد إسماعيل وأنصاره رواية الوصيّة هل هي وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم لا؟ وهل هي كتاب عاصم للأُمَّة من الضلال؟
هذا ما يجب على أحمد إسماعيل إثباته أوّلاً، وهو لم يستطع أن يثبت ذلك، وأنّى له بإثبات شيء لم يثبت في نفسه!
وأمَّا الآية التي احتجَّ بها أحمد إسماعيل فهي خارجة عن موضوع البحث؛ لأنَّها متعلّقة بالأموال، كما دلَّت على ذلك بعض الروايات.
منها: ما رواه الكليني قدس سره بسنده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن الوصيّة للوارث، فقال: (تجوز). قال: ثمّ تلا هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة: ١٨٠](١٣٦).
وسيأتي مزيد كلام حول هذه الآية الشريفة.
ما هو الكتاب العاصم من الضلال؟
قال أحمد إسماعيل:
(وهذه بعض النصوص التي وصف فيها الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم كتاب الوصيّة بأنَّه عاصم من الضلال وفي آخر لحظات حياته، ففي يوم الخميس أراد كتابته لكلّ الأُمَّة، وأراد أن يشهد عليه عامّة الناس، ولكن منعه جماعة وطعنوا في قواه العقلية، وقالوا: إنَّه يهجر (أي يُهذي ولا يعرف ما يقول)، فطردهم، وبقي رسول الله بعد يوم الخميس إلى يوم وفاته الإثنين، فكتب في الليلة التي كانت فيها وفاته وصيّته، وأملاها على علي عليه السلام، وشهدها بعض الصحابة الذين كانوا يؤيِّدون كتابتها يوم الخميس).
والجواب:
أنَّ الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للناس في يوم الخميس هو الكتاب الذي وصفه بأنَّه لا يضلُّ الناس بعده أبداً، وأمَّا الوصيّة التي كُتبت في ليلة وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فلم توصف بذلك، مع التنزّل جدلاً والتسليم بوجود وصيّة كُتبت في ليلة وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
وبتعبير أوضح أقول:
ما أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه يوم الخميس، ويُشهد عليه عامّة الناس كان كتاباً موجَّهاً لعامّة الناس، ولم يكن وصيّة خاصّة، وقد وصفه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث التي ذكرتْ رزية يوم الخميس بأنَّه (كتاب)، وبيَّن صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الداعي إلى كتابته هو ألَّا يضلُّ الناس بعده.
وأمَّا الوصيّة التي كُتبت في ليلة وفاته صلى الله عليه وآله وسلم _ بحسب ما جاء في رواية كتاب (الغيبة) الضعيفة السند والمتن _ فإنَّها لم تكن لعامّة الناس، ولا يظهر منها أنَّ الغرض من كتابتها هو منع الناس عن الوقوع في الضلال من بعده، بل كان غرضه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب وصيّة خاصّة تكون عند أمير المؤمنين عليه السلام، يأمره فيها بما يفعله بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، وعند قرب وفاته هو عليه السلام، وما يصنعه كلّ إمام من بعده عند قرب وفاته، ولا يوجد في هذه الوصيّة أيّ خطاب عامّ للناس ليفعلوا أمراً معيَّناً، أو يتمسَّكوا بشيء، فكيف تكون عاصمة للناس من الضلال؟!
ثمّ إنَّ أحمد إسماعيل سرد بعض الروايات الواردة من طرق أهل السُنَّة والشيعة التي أراد فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب للأُمَّة كتاباً أو وصيّة، فقال تحت عنوان: (في كتب أهل السُنَّة):
(ابن عبّاس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتدَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ نزاع، فقالوا: ما شأنه؟ أهجر، استفهموه، فذهبوا يردّون عليه، فقال: (دعوني فالذي أنا فيه خير ممَّا تدعونني إليه)، وأوصاهم بثلاث، قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال فنسيتها). (صحيح البخاري: ج ٤/ ص ٤١٦٨).
عن ابن عبّاس، قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثمّ جعل تسيل دموعه، حتَّى رُؤيتْ على خدّيه كأنَّها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بالكتف والدواة _ أو اللوح والدواة _ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)، فقالوا: إنَّ رسول الله يهجر. (صحيح مسلم/ كتاب الوصية)).
والجواب:
أنَّ هاتين الروايتين واضحتا الدلالة على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب للأُمَّة كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً في يوم الخميس، أي قبل أربعة أيّام من وفاته، وهذا لا ينسجم مع ما جاء في الحديث الذي أسموه حديث الوصيّة، فإنَّه كان وصيّة خاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام كتبها صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة وفاته، ولم تكن للناس عامّة، كما أنَّها لم تُكتب بغرض ألَّا تضلُّ الأُمَّة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أبداً.
استدلال أحمد إسماعيل بروايات تبطل دعواه:
قال أحمد إسماعيل:
(في كتب الشيعة: عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت علياً عليه السلام بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفع الكتف: (ألَّا نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف ممَّا لو كتبه لم يضلّ أحد ولم يختلف اثنان...) (كتاب سليم بن قيس: ص ٣٩٨).
عن سليم بن قيس، قال الإمام علي عليه السلام لطلحة: (ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأُمَّة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنَّ نبيّ الله يهجر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...) (كتاب سليم بن قيس: ص ٢١١).
عن سليم بن قيس: إنَّ علياً عليه السلام قال لطلحة في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم: (يا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلّ الأُمَّة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنَّ رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها؟)، قال: بلى قد شهدته. (الغيبة للنعماني: ص ٨١)).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل لم يكمل هذه الروايات الثلاث، بل بترها بتراً متعمّداً؛ لأنَّ هذه الروايات الثلاث ذُكِرَ فيها الأئمّة الاثنا عشر، ولم تشر من قريب أو بعيد للمهديّين الاثني عشر.
أمَّا الرواية الأُولى التي رواها سليم بن قيس فهي:
وعن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت علياً عليه السلام _ بعد ما قال ذلك الرجل ما قال، وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودفع الكتف _: (ألَا نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف ممَّا لو كتبه لم يضلّ أحد ولم يختلف اثنان؟)، فسكتُّ حتَّى إذا قام من في البيت، وبقي علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وذهبنا نقوم أنا وصاحبَيَّ أبو ذر والمقداد، قال لنا علي عليه السلام: (اجلسوا). فأراد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا أخي، أمَا سمعت ما قال عدوّ الله؟ أتاني جبرئيل قبلُ، فأخبرني أنَّه سامري هذه الأُمَّة، وأنَّ صاحبه عِجْلها، وأنَّ الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أُمَّتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك، وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادعُ لي بصحيفة). فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمّة الهداة من بعده رجلاً رجلاً، وعلي عليه السلام يخطّه بيده، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي أُشهدكم أنَّ أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أُمَّتي علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ من بعدهم تسعة من ولد الحسين). ثمّ لم أحفظ منهم غير رجلين: علي ومحمّد، ثمّ اشتبه الآخرون من أسماء الأئمّة عليهم السلام، غير أنّي سمعت صفة المهدي وعدله وعمله، وأنَّ الله يملأ به الأرض عدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً. ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي أردتُ أن أكتب هذا، ثمّ أخرج به إلى المسجد، ثمّ أدعو العامّة، فأقرأه عليهم، وأُشهدهم عليه، فأبى الله وقضى ما أراد). ثمّ قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدَّثاني، ثمّ لقيت علياً عليه السلام بالكوفة والحسن والحسين عليهما السلام، فحدَّثاني به سرَّاً، ما زادوا ولا نقصوا، كأنَّما ينطقون بلسان واحد(١٣٧).
وأمَّا الرواية الثانية التي نقلها أحمد إسماعيل من كتاب سليم بن قيس فهي:
[عن سليم بن قيس، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:] (يا طلحة، ألستَ قد شهدتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلُّ الأُمَّة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنَّ نبيّ الله يهجر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ تركها؟)، قال: بلى، قد شهدتُ ذاك. قال: (فإنَّكم لمَّا خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبالذي أراد أن يكتب فيها، وأن يُشهد عليها العامّة، فأخبره جبرائيل: أنَّ الله عز وجل قد علم من الأُمَّة الاختلاف والفرقة، ثمّ دعا بصحيفة، فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وسمَّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمّاني أوّلهم، ثمّ ابني هذا _ وأدنى بيده إلى الحسن _، ثمّ الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا _ يعني الحسين _، كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟)، فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي ذر: (ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ولا أبرّ عند الله)، وأنا أشهد أنَّهما لم يشهدا إلَّا على حقّ، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما. ثمّ أقبل عليه السلام على طلحة، فقال: (اتَّقِ الله يا طلحة، وأنت يا زبير، وأنت يا سعد، وأنت يا ابن عوف، اتَّقوا الله، وآثروا رضاه، واختاروا ما عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم)(١٣٨).
وأمَّا الرواية الثالثة التي نقلها أحمد إسماعيل عن كتاب (الغيبة) للنعماني، فهي:
عن سليم بن قيس: أنَّ علياً عليه السلام قال لطلحة _ في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم _: (يا طلحة، أليس قد شهدتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلُّ الأُمَّة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنَّ رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها؟)، قال: بلى، قد شهدته. قال: (فإنَّكم لمَّا خرجتم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أراد أن يكتب فيها ويُشهد عليه العامّة، وأنَّ جبرئيل أخبره بأنَّ الله تعالى قد علم أنَّ الأُمَّة ستختلف وتفترق، ثمّ دعا بصحيفة، فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد، وسمَّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمّاني أوّلهم، ثمّ ابني هذا حسن، ثمّ ابني هذا حسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا حسين، كذلك يا أبا ذر، وأنت يا مقداد؟)، قالا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي ذر: (ما أقلَّت الغبراء، ولا أظلَّت الخضراء ذا لهجة أصدق ولا أبرّ من أبي ذر)، وأنا أشهد أنَّهما لم يشهدا إلَّا بالحقّ، وأنت أصدق وأبرّ عندي منهما(١٣٩).
وهذه الروايات الثلاث وغيرها يلاحظ فيها عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كلّ هذه الروايات التي وصف فيها كتابه بأنَّ الأُمَّة لا تضلُّ بعده أبداً لم يذكر إلَّا اثني عشر إماماً من أئمّة الهدى عليهم السلام، ولم يذكر مهديّين اثني عشر، ولو كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد نصَّ على أربعة وعشرين إماماً، منهم اثنا عشر مهدياً، لبيَّن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، ولما اقتصر على ذكر اثني عشر إماماً فقط، فلمَّا لم يذكر إلَّا هؤلاء الاثني عشر فقط علمنا أنَّهم هم الأئمّة دون غيرهم، وأنَّه لا مهديّين من أولاد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
٢ _ أنَّه لو كان بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام اثنا عشر مهدياً من ولده لما صحَّ قول أمير المؤمنين عليه السلام: (ثمّ ابني هذا حسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا حسين)؛ لأنَّ باقي الأئمّة الذين يتولّون الإمامة بعد الإمام الحسين عليه السلام واحد وعشرون إماماً: التسعة الباقون والاثنا عشر مهدياً.
٣ _ أنَّ الظاهر من هذه الروايات الثلاث أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد بكتابة هذا الكتاب أن يبيِّن للأُمَّة أسماء أئمّة الهدى الاثني عشر، وأن يُشهد الناس على ذلك، وأمَّا ما أسموه برواية الوصيّة ففيها ذَكَرَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وصاياه، وما يجري على أهل بيته من بعده كما دلَّت على ذلك بعض الروايات التي ذكرنا بعضها فيما تقدَّم(١٤٠).
٤ _ أنَّ أحمد إسماعيل بتر هذه الروايات بتراً متعمِّداً، واكتفى بذكر ما يخدم هدفه، وهو وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للكتاب بأنَّ الأُمَّة لا تضلُّ بعده أبداً، ولم يذكر في الروايات الثلاث ما هو حجَّة عليه، وهو اقتصار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيها على ذكر أسماء الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام دون غيرهم، ولو كان أحمد إسماعيل إماماً معصوماً كما يزعم لأثبت إمامته بأحاديث صحيحة، ولم يحتجّ للتلبيس على الناس إلى بتر النصوص والروايات.
ومن راجع كتب أحمد إسماعيل وأنصاره يجد أنَّ ديدنهم البتر والتلاعب بالنصوص تبعاً لأهوائهم ولإغواء أتباعهم، والعاقل يعلم أنَّه لو كان عند هؤلاء دليل تامّ لما احتاجوا إلى هذه الأساليب الملتوية.

٥ _ أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب هذا الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة من بعده في يوم الخميس كما هو ظاهر الروايات السابقة، وأمَّا رواية كتاب (الغيبة) فإنَّها _ على فرض صحَّتها _ كُتبت في ليلة الإثنين وهي وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا دليل واضح على أنَّ الذي وصفه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ الأُمَّة لا تضلُّ بعده هو ذلك الكتاب الذي حيل بينه وبين كتابته، لا الوصيّة التي يراها أحمد إسماعيل أقوى أدلَّته.
قال أحمد إسماعيل:
(وفي كتاب الغيبة للطوسي نقل النصّ الوحيد المروي للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابته كما ثبت في أصحّ كتب السُنَّة البخاري ومسلم، ومَنْ نقل الوصيّة عن الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم آل محمّد عليهم السلام).
والجواب:
أنّا بيَّنّا فيما تقدَّم أنَّ الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة بعده مغاير لوصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المشتملة على وصاياه الخاصّة، والمبيِّنة للحوادث التي تجري على أهل البيت عليهم السلام من الظلم والجور كما مرَّ في رواية الكافي(١٤١)، ولهذا لم توصف الوصيّة المنقولة في كتاب (الغيبة) أو (الكافي) أو غيرهما بأنَّ الأُمَّة لا تضلُّ بعدها أبداً؛ لأنَّ الأُمَّة لم ترَها ولم تطَّلع على ما فيها.
كما أنّا أوضحنا أيضاً فيما سبق أنَّ رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) ليست هي النصّ الوحيد للوصيّة، فضلاً عن أن تكون النصّ الوحيد للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للأُمَّة.
والشيخ المجلسي قدس سره في بحار الأنوار في باب: (وصيّته صلى الله عليه وآله وسلم عند قرب وفاته، وفيه تجهيز جيش أُسامة وبعض النوادر) ذكر ثماني وأربعين رواية في وصايا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(١٤٢)، وهذا يبطل زعم أحمد إسماعيل أنَّ رواية كتاب (الغيبة) هي النصّ الوحيد للوصيّة.
والعجيب أنَّ أحمد إسماعيل وأنصاره دائماً ما يعبِّرون عن هذه الرواية بأنَّها وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشنِّعون على من ضعَّف سند الرواية أو لم يأخذ بها بأنَّه يردّ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حين أنَّ هذا النصّ لو سلَّمنا بصحَّته ما هو إلَّا رواية تشير إلى جزء من الوصيّة، وليست هذه الرواية بنفسها وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يقول هذا الرجل وأتباعه.
بطلان دليل أحمد إسماعيل على أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها مبطل:
بعد أن نقل أحمد إسماعيل رواية الوصيّة التي ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، قال:
(ووصف الرسول له بأنَّه عاصم من الضلال أبداً يجعل من المحال أن يدَّعيه مبطل، ومن يقول: إنَّ ادّعاءه من المبطلين ممكن فهو يتَّهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتابٍ وَصَفَه بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، أو يتَّهم الله بالكذب؛ لأنَّه وصف الكتاب بأنَّه عاصم من الضلال أبداً، ومن ثَمَّ لم يكن كذلك!! أو يتَّهم الله بالجهل؛ لأنَّه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلاً بحاله، وحاشاه سبحانه من هذه الأوصاف وتعالى الله عمَّا يقول الجاهلون علوّاً كبيراً).
والجواب:
أنّا أوضحنا فيما سبق أنَّ أحمد إسماعيل يعلم أنَّ الاسم الوارد في رواية كتاب (الغيبة) وهو: (أحمد) ليس نصَّاً عليه؛ لأنَّه اسم يشترك فيه معه كثيرون من الناس، ولهذا التجأ ليتمِّم ما في هذا (النصّ) من قصور بأن ابتدع قاعدة باطلة من عنده، وهي قاعدة: (إنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها)؛ ليتمّ استدلاله بهذا الذي سمّاه نصَّاً، وهو ليس بنصّ.
لكنَّه وقع في مأزق كبير، وهو أنَّه يعلم أنَّ هذه القاعدة غير صحيحة، وهذا يُحتِّم عليه أن يلبِّس على الناس بدليل يثبتها رغم أنَّها باطلة، ولاسيّما أنَّ الناس يعلمون أنَّ جميع المقامات الدينية قد ادَّعاها المبطلون الكاذبون، حتَّى الأُلوهية، والنبوَّة، والإمامة، والوصيّة من ضمنها يمكن أن يدَّعيها غير صاحبها.
ولذلك التجأ أحمد إسماعيل إلى أن يدَّعي أنَّ هذه الوصيّة هي نفس الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه في يوم الخميس كي لا تضلّ الأُمَّة بعده، ليزعم بعد ذلك أنَّ الوصيّة عاصمة للأُمَّة من الضلال، وإذا كانت كذلك فإنَّ الكاذب لا يمكن أن يدَّعيها؛ لأنَّ ادّعاء الكاذب لها يستلزم بزعمه محاذير لا تصحّ، فلا يدَّعيها إلَّا صاحبها، وحيث إنَّ أحمد إسماعيل ادَّعى أنَّه هو المراد في الوصيّة، فيكون صادقاً في دعواه.
فانظر أيّها القارئ العزيز كيف ذهب أحمد إسماعيل بعيداً من أجل إثبات أنَّه هو المراد في رواية كتاب (الغيبة) رغم أنَّه يزعم أنَّه منصوص عليه فيها باسمه، فكيف صار هذا النصّ المزعوم محتاجاً إلى دعاوى متعدِّدة تعضده؛ لكي يكون تامّ الدلالة على إمامة أحمد إسماعيل؟!
ونحن لو سلَّمنا جدلاً لأحمد إسماعيل بأنَّ الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة بعده هو هذه الوصيّة التي كُتبت في ليلة وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأغمضنا عن ضعف سندها، وعن معارضتها للروايات المتواترة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فإنَّ هذا الكلام الذي قاله أحمد إسماعيل مع كلّ ذلك لا يصحّ؛ لأنَّ قوله: (ووصف الرسول له) أي للكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للناس (بأنَّه) أي بأنَّ ذلك الكتاب (عاصم من الضلال أبداً) أي يمنع مَنْ وصل إليه هذا الكتاب، وتمسَّك به من أن يقع في الضلال، هذا الوصف لهذا الكتاب (يجعل من المحال أن يدَّعيه) أي يدَّعي ذلك الكتاب (مُبْطِل) أي شخص يدعو إلى الباطل.
مردود بأنَّ المبطل لم يدَّعِ الكتاب، وإنَّما ادَّعى أنَّه هو المشار إليه في بعض فقرات الكتاب، فإنَّ أحمد إسماعيل لم يدَّعِ أنَّ الكتاب الآن عنده، وإنَّما ادَّعى أنَّه هو المهدي الأوّل المذكور في الكتاب، وهذا يكشف عن أنَّ أحمد إسماعيل لم يحسن إرجاع الضمائر كما ينبغي.
ولهذا فنحن سنتجاوز ركاكة التعبير وقصور عبارة أحمد إسماعيل عن بيان مراده، وسنحمل كلامه على أنَّ مراده هو أنَّه من المحال أن يدَّعي مبطل أنَّه قد أُشير إليه أو نُصَّ عليه في ذلك الكتاب.
والجواب:
أنَّ مثل هذا الادّعاء ليس بمحال؛ لأنَّ المبطلين يدَّعون كلّ دعوى باطلة، ودعاواهم لا تقف عند حدٍّ، فإنَّ فرعون ادَّعى الأُلوهية، ومسيلمة وسجّاح وغيرهما ادَّعوا النبوَّة، والمدَّعون للإمامة أكثر من أن يُعَدّوا، وكلّهم يدَّعي أنَّه من أُولي الأمر المأمور بطاعتهم في قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: ٥٩).
ومرزا غلام أحمد القادياني ادَّعى أنَّه نبيّ، وأنَّه هو المشار إليه في قوله تعالى: (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف: ٦)(١٤٣)، كما ادَّعى أنَّه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود اللذان ورد ذكرهما في الروايات المتواترة.
وليس هناك دليل أدلُّ على الإمكان من الوقوع، وهذا واضح لا يختلف فيه اثنان.
وأمَّا إن كان مراده أنَّ الكتاب العاصم من الضلال لا يمكن أن يدَّعي حيازته شخصٌ مبطل، فعلى أحمد إسماعيل قبل كلّ شيء أن يُبرز هذا الكتاب ليُثبت أنَّه في حوزته، وأنّى له بذلك!
وكيف كان فإنَّ أحمد إسماعيل وأنصاره يتشدَّقون بألفاظ لا يفهمونها، إلَّا أنَّهم استطاعوا بذلك أن يلبِّسوا على البسطاء والجهّال، وكلّ من تأمَّل كلامهم يجد أنَّهم يستخدمون بعض العبارات التي لا تدلُّ على مرادهم، فإنَّهم يدَّعون مثلاً أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها، ويريدون بالوصيّة الإشارة إليه فيها، ومن الواضح أنَّ ادّعاء الإشارة إليه في الوصيّة ليس ادّعاء للوصيّة، وإنَّما هو ادّعاء للنصّ عليه في الوصيّة، وادّعاء الوصيّة يعني أنَّ الوصيّة في حوزته، وأنَّه قد أُوصي إليه فيها، مع أنَّهم لا يريدون ذلك، وهكذا أكثر كلامهم.
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (ومن يقول: إنَّ ادّعاءه من المبطلين ممكن فهو يتَّهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتابٍ وَصَفَه بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، أو يتَّهم الله بالكذب...، أو يتَّهم الله بالجهل...) إلى آخر كلامه.
فهو مردود بأمرين:
١ _ أنَّ الله تعالى لم يتكفَّل بحفظ الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للناس كيلا يضلّوا بعده، ولم يرد في الأحاديث ما يدلُّ على أنَّ الله تعالى وعد نبيّه بحفظ هذا الكتاب إلى قيام الساعة، ولهذا استطاع عمر أن يحول بين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبين كتابته، ولو كتب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكتاب لما كان من الممتنع أن يقوم بعض الخلفاء بعد ذلك بحرق هذ الكتاب أو إتلافه.
٢ _ سلَّمنا جدلاً أنَّ الله تعالى قد وعد نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بحفظ هذا الكتاب، إلَّا أنَّ ادّعاء المبطل أنَّه قد نُصَّ عليه في هذا الكتاب لا يتنافى مع حفظ الكتاب وصيانته، ولا يستلزم أيّ لازم من اللوازم التي ذكرها أحمد إسماعيل؛ لأنَّ الادّعاءات التي قام الدليل على بطلانها أو التي لم يدلّ أيّ دليل على صحَّتها لا تتنافى مع حفظ الكتاب المذكور عن التغيير والتبديل والتحريف، وكلّ ادّعاء لم يقم على صحَّته دليل لا قيمة له.
ومن الواضحات أنَّ الله سبحانه وتعالى قد تكفَّل بحفظ كتابه العزيز، إلَّا أنَّ بعض المبطلين كما قلنا ادَّعوا أنَّ بعض الآيات الشريفة تنطبق عليهم، مثل آية أُولي الأمر وآية البشارة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهما من الآيات التي ادَّعى المبطلون أو أتباعهم أنَّها تشير إليهم أو نازلة فيهم، وهذه الادّعاءات كثيرة في تفاسير المخالفين، إلَّا أنَّها لا تنافي حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا دليل على أنَّ الله تعالى قد صان كتابه العزيز عن الادّعاءات الكاذبة، وقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر: ٩) يدلُّ على أنَّ الله تعالى حفظ كتابه العزيز عن التحريف والتبديل والزيادة والنقيصة، وأمَّا الادّعاءات الكاذبة فهي ليست بتحريف لألفاظ الكتاب حتَّى يلزم صيانة القرآن الكريم عنها.
وممَّا قلناه يتبيَّن فساد قول أحمد إسماعيل: (أو يتَّهم الله بالكذب؛ لأنَّه وصف الكتاب بأنَّه عاصم من الضلال أبداً، ومن ثَمَّ لم يكن كذلك!!)؛ لأنَّ ادَّعاء بعض المبطلين أنَّ الكتاب ينصُّ عليهم _ كما قلنا _ لا قيمة له، ولا يستلزم مثل هذا الادّعاء نسبة الكذب إلى الله تعالى؛ لأنَّ الله تعالى لم يقل: (إنَّ هذا المقام لن يدَّعيه مبطل كاذب)، حتَّى يلزم تكذيب الله تعالى عندما يدَّعي هذا المقام كاذب مبطل.
كما أنَّ ادّعاء المبطل بأنَّه منصوص عليه في هذا الكتاب لا يدلُّ بأيّ دلالة على أنَّ الكتاب ليس عاصماً من الضلال لمن تمسَّك به؛ فإنَّ الكتاب العاصم من الضلال لا تبطل عاصمّيته من الضلال بالادّعاءات الباطلة، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد إيضاح.
والله سبحانه تعالى وصف القرآن الكريم بأنَّه يهدي للتي هي أقوم، وأنَّه هدى للمتّقين، وأنَّه لا ريب فيه وغير ذلك، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وصفه في حديث الثقلين بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، إلَّا أنَّ ذلك لا يمنع من وجود ادّعاءات باطلة في تفسير آياته، خصوصاً الآيات المتعلِّقة بالمناصب الدينية، كآية أُولي الأمر وغيرها.
وقول أحمد إسماعيل: (أو يتَّهم الله بالجهل؛ لأنَّه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلاً بحاله) مردود بأنَّ ادّعاء الكاذب المبطل أنَّه منصوص عليه في هذا الكتاب مضافاً إلى أنَّه لا قيمة له إذا لم يقم على صحَّته دليل، فإنَّ هذا الادّعاء لا يصيِّر الكتاب غير عاصم من الضلال حتَّى يستلزم نسبة الجهل إلى الله؛ لأنَّه جهل أنَّ هذا الكتاب سيدَّعيه كاذب وسيصبح غير عاصم من الضلال.
والعجيب أنَّ أحمد إسماعيل في الوقت الذي يدَّعي فيه أنَّ هذه الرواية الضعيفة قد حفظها الله، وجعلها عاصمة للأُمَّة من الضلال، نجد أنَّه يؤكِّد على وقوع التبديل والتغيير في كتاب الله عز وجل، ويصرّ على عقيدة التحريف الباطلة فيه.
قال في كتابه (العِجْل):
(وردت روايات كثيرة عن أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دالّة على التحريف، كما وردت روايات عن صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق السُّنَّة في كتبهم دالّة على وقوع التحريف، والمقصود بالتحريف: أنَّ القرآن الذي بين أيدينا غير كامل، وأنَّ بعض كلماته تبدَّلت أو بُدِّلت بقصد).
إلى أن قال:
(والخلاصة: أنَّ القول بالتحريف لا يعدو القول بالنقصان أو بتغيير بعض الكلمات اعتماداً على الروايات التي وردت عن المعصومين عليهم السلام وعن بعض الصحابة، وكلاهما _ أي النقصان وتغيّر بعض الكلمات _ لا يقدح بكون الذي بين أيدينا قرآناً، حيث إنَّ القول بالنقصان يعني أنَّ الذي بين أيدينا بعض القرآن، فلا إشكال في أنَّه من الله سبحانه)(١٤٤).
فهل حَفِظَ الله رواية كتاب (الغيبة)، وعجز عن أن يحفظ كتابه الذي وصفه بأنَّه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (فصّلت: ٤٢)، وتعهَّد بحفظه؟!
وحاصل ما قلناه أُمور:
١ _ أنَّ الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه كيلا تضلّ الأُمَّة من بعده مغاير للوصيّة؛ لأنَّ الكتاب المذكور أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه لعامّة الناس، وأمَّا الوصيّة فهي مخصوصة بأمير المؤمنين عليه السلام، ولهذا كانت مشتملة على بيان الحوادث التي ستجري على أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من بعده كغصب الخلافة وغيرها.
٢ _ أنَّ الوصيّة المذكورة لم توصف في الروايات بأنَّها عاصمة للأُمَّة من الضلال، وزعم أحمد إسماعيل أنَّها عاصمة للأُمَّة من الضلال زعم باطل لم يقم عليه أيّ دليل.
٣ _ أنَّ الله سبحانه لم يتكفَّل بحفظ هذا الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه لأُمَّته سواء أكان هو الوصيّة أم غيرها.
٤ _ أنَّ الادّعاءات لا تقف عند حدٍّ، ولا استحالة في أن يدَّعي من شاء ما شاء، سواء كان المدَّعَى أُلوهية، أم نبوَّة، أم إمامة، أم سفارة، أم وصيّة، أم غير ذلك، وكلّ هذه الادّعاءات يمكن لغير صاحبها أن يدَّعيها بكلّ سهولة.
٥ _ أنَّ ادّعاءات المبطلين لا تستلزم أيّ شيء ممَّا ذكره أحمد إسماعيل، فلا تستلزم نسبة العجز إلى الله، أو الكذب، أو الجهل، كما أوضحناه آنفاً.
هل حفظ الله سبحانه رواية كتاب (الغيبة)؟
قال أحمد إسماعيل:
(فلا بدَّ أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النصّ _ الذي وصفه بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به _ من ادّعاء المبطلين له حتَّى يدَّعيه صاحبه، ويتحقَّق الغرض منه، وإلَّا لكان جاهلاً، أو عاجزاً، أو كاذباً مخادعاً ومغرياً للمتمسّكين بقوله باتّباع الباطل، ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلاً أو عاجزاً؛ لأنَّه عالم وقادر مطلق، ويستحيل أن يصدر من الحقّ سبحانه وتعالى الكذب؛ لأنَّه صادق وحكيم، ولا يمكن وصفه بالكذب، وإلَّا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء، ولانتقض الدين).
والجواب:
أنَّ هذا تكرار لكلامه السابق، ونحن رددنا عليه بالتفصيل، وبيَّنّا ما فيه من خلل، ولكن مع ذلك نعيد بيان ضعف كلامه بعبارة أُخرى أكثر وضوحاً، فنقول:
١ _ أنَّ دليل أحمد إسماعيل على صحَّة دعواه مبنيٌّ على أمر لم يثبت، بل ثبت بطلانه، وهو أنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ ما أسماه الكتاب العاصم من الضلال وهو رواية الوصيّة المروية في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره.
وهذا كلام مردود بأمرين:
الأوّل: أنَّ الله لم يتكفَّل بحفظ رواية كتاب (الغيبة)، إذ لا دليل على ذلك، وليس كلّ حديث مذكور في الكتب قد تكفَّل الله بحفظه حتَّى لو كان باطلاً، والكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه قبيل وفاته كيلا تضلّ الأُمَّة من بعده، فحيل بينه وبين كتابته، لم يتعهَّد الله بحفظه إلى قيام الساعة، إذ لم يثبت ذلك أيضاً بدليل صحيح، وعلى أحمد إسماعيل أن يثبت مدَّعاه أوّلاً قبل أن يرتِّب عليه تلك اللوازم الفاسدة، لا أن يرسله إرسال المسلَّمات بلا حجَّة ولا برهان.
والثاني: أنَّ الله تعالى لو تكفَّل بحفظ رواية كتاب (الغيبة) لقيَّض لها من يرويها بالأسانيد الصحيحة والطرق الكثيرة التي تقطع حجَّة كلّ أحد، ولتواترت روايات أهل البيت عليهم السلام في النصّ على المهديّين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ولَمَا وَرَدَ متواتراً حصرُ الأئمّة في اثني عشر إماماً فقط، ولَعَلِمَ الشيعة خلفاً عن سلف بعدد المهديّين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي عليه السلام وأسمائهم كما علموا بأسماء الأئمّة السابقين لهم.
فلمَّا لم يحصل كلّ ذلك عُلِمَ أنَّ ما قاله أحمد إسماعيل من أنَّ الله تكفَّل بحفظ رواية كتاب (الغيبة) كلام يخالفه الدليل الصحيح المتواتر، والبرهان القطعي الذي لا يمكن ردّه أو خدشه.
٢ _ أنَّه ليس كلّ نصٍّ عاصمٍ من الضلال تكفَّل الله بحفظه وصيانته إلى قيام الساعة؛ لأنَّه من المعلوم أنَّ كثيراً من أقوال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام كانت عاصمة من الضلال، ومع ذلك لم تبقَ هذه الأقوال إلى يومنا هذا فضلاً عن بقائها إلى قيام الساعة.
٣ _ أنَّ الله تعالى إنَّما تكفَّل بحفظ ما تتوقَّف عليه هداية عامّة الناس، وهما أمران: كتاب الله العزيز، والعترة النبوية الطاهرة، وقد علمنا ذلك بقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر: ٩)، وتأكيد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك في الحديث المتواتر المعروف بحديث الثقلين، فإنَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(١٤٥).
فإنَّ عدم افتراق الكتاب والعترة إلى قيام الساعة دليل على أنَّ الله تعالى قد تكفَّل بحفظهما ما دامت السماوات والأرض، وكلّ نصّ آخر يزعم أحمد إسماعيل أنَّ الله تكفَّل بحفظه وصيانته سواء أكان رواية كتاب (الغيبة) أم غيرها فعليه أن يقيم الدليل على ذلك.
٤ _ أنَّ الله سبحانه تعهَّد بحفظ كتابه العزيز من أن يتطرَّق إليه تغيير في ألفاظه، أو نقص في كلماته، أو زيادة في آياته، أو ما شاكل ذلك؛ لئلَّا تسقط حُجّيته، كما قال سبحانه: (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصّلت: ٤١ و٤٢)، وأمَّا ادّعاءات المبطلين فهي خارجة عن نطاق الحفظ المتعهَّد به؛ لأنَّ كلّ ادّعاء لم يقم عليه دليل لا قيمة له، وحفظ الكتاب العزيز لا يتوقَّف على منع المدَّعين من الادّعاءات الكاذبة المتعلِّقة بكتابه العزيز.
ولهذا فإنَّ بعضهم ادَّعى أنَّ القرآن محرَّف، ومنهم أحمد إسماعيل كما مرَّ آنفاً، وبعضهم حرَّف معاني آيات من القرآن وصرفها عما يُراد بها، وبعضهم ادَّعى أنَّه نبيّ مع أنَّ الله تعالى أخبر في كتابه أنَّه ختم النبوَّة بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب: ٤٠)، وغير ذلك ممَّا ذكرناه فيما سبق، وهذا وغيره لا يتنافى مع حفظ الله تعالى لكتابه العزيز وصيانته له.
وكذلك الحال في الوصيّة المذكورة لو سلَّمنا جدلاً أنَّ الله تكفَّل بحفظها بعينها، فإنَّ حفظها إنَّما يتحقَّق بصيانتها عن التحريف بالزيادة والنقيصة والتبديل في ألفاظها، وأمَّا الادّعاءات الكاذبة المتعلِّقة بها فحالها حال غيرها من الادّعاءات التي لم تثبت بدليل صحيح، فلا قيمة لها.
قال أحمد إسماعيل:
(فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأُمور: إذا كنتَ تريد شرب الماء فاشرب من هنا، وأنا الضامن أنَّك لن تُسقى السُّمَّ أبداً من هذا الموضع، ثمّ إنَّك سقُيت في ذلك الموضع سُمَّاً، فماذا يكون الضامن؟ هو إمَّا جاهل، وإمَّا كاذب من الأساس، أو عجز عن الضمان، أو أخلف وعده، فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد؟! تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً).
والجواب:
أنّا لو سلَّمنا أنَّ الله تعالى قال: (إنَّ هذا الكتاب عاصم من الضلال)، فهو لم يكذب فيما قال، ولم يعجز عن حفظ كتابه من التحريف، ولذلك بقي هذا الكتاب عاصماً من الضلال؛ لأنَّه سبحانه حال دون تحريفه وتبديله، وبذلك يكون قد وفّى بوعده في أن يبقيه عاصماً من الضلال إلى قيام الساعة، فلا يكون سبحانه جاهلاً قد توهَّم أنَّه كتاب عاصم من الضلال، مع أنَّه لم يكن كذلك.
وأمَّا الادّعاءات الكاذبة فهي لا تنافي كون الكتاب عاصماً من الضلال؛ لأنَّها كما قلنا إذا لم تثبت بدليل فلا قيمة لها.
وأمَّا المثال الذي ذكره أحمد إسماعيل فهو بعيد كلّ البعد عمَّا نحن فيه؛ لأنَّ هذا الرجل ضمن لغيره ألَّا يُسقى سُمَّاً فسُقي، فوقع خلاف ما ضمنه، فيكون إمَّا عاجزاً عن أن يمنع السُّمَّ من أن يصل إلى ذلك الرجل، أو جاهلاً بأنَّه سيُدَسُّ إليه السُّمَّ، أو كان يعلم بأنَّه سيُسقى سُمَّاً، فكذب على ذلك الرجل، وأخبره بخلاف ما يعلم، أو أنَّه أراد بهذا الإخبار أن يعده بأنَّه سيحفظه من أن يُدَسُّ إليه السُّمَّ، وكان قادراً على ذلك، لكنَّه لم يفِ بوعده.
ففي هذا المثال وقع خلاف ما أخبر به ذلك الرجل، وأمَّا ما نحن فيه فليس كذلك، والمثال الصحيح هو أنَّ الرجل المفروض في المثال المذكور لم يُدَسّ إليه السُّمَّ، وإنَّما جاء إليه كاذب، فأخبره كذباً أنَّه سقاه سُمَّاً، وتأكَّد هذا الرجل بأنَّ هذا المخبر كان كاذباً، فحينئذٍ لا يقول عاقل: إنَّ من تعهَّد إليه بحفظه من أن يسقى سُمَّاً لم يحفظه من الادّعاءات الكاذبة والإخبارات الباطلة، فيكون المتعهِّد لذلك الرجل إمَّا جاهلاً، أو كاذباً، أو عاجزاً، أو مخلفاً بوعده!!
وهكذا الحال في رواية كتاب (الغيبة) لو سلَّمنا جدلاً بأنَّ الله أخبر بأنَّها عاصمة من الضلال، فإنَّها بقيت كذلك، وكلّ من فهمها، وعرف ما يراد بها، وتمسَّك بها حقيقة فإنَّه لن يضلّ أبداً، وادّعاءات المبطلين كادّعاءات أحمد إسماعيل كذباً وزوراً أنَّه ممَّن نصَّت عليهم الوصيّة، لا تنافي كون الوصيّة في نفسها عاصمة من الضلال لمن تمسَّك بها؛ لأنَّ مثل هذه الادّعاءات كلّها قد ثبت بطلانها بالدليل التامّ الصحيح، فالوصيّة لم تتبدَّل، ولم تتحوَّل إلى وصيّة غير عاصمة من الضلال.
ادّعاءات المبطلين لا تنافي حفظ النصّ الإلهي:
قال أحمد إسماعيل:
(وقد تكفَّل الله في القرآن وفيما روي عنهم عليهم السلام بحفظ النصّ الإلهي من أن يدَّعيه أهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادّعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة: ٤٤ _ ٤٦]).
والجواب:
أنَّ كلام أحمد إسماعيل غير دقيق، بل إنَّه كعادته يقول شيئاً ويريد شيئاً آخر، فإنَّه يريد بقوله: (قد تكفَّل الله... بحفظ النصّ الإلهي من أن يدَّعيه أهل الباطل) أنَّ الله تعالى حفظ النصّ الإلهي كالوصيّة مثلاً عن أن يدَّعي أهل الباطل أنَّه يشير إليهم، كما يزعم أحمد إسماعيل أنَّ الله حفظ رواية كتاب (الغيبة) التي يسمّيها مقدَّسة من أن يدَّعي أهل الباطل أنَّها تشير إليهم.
ولكن عبارته لا تدلُّ على ذلك، وإنَّما تدلُّ على أنَّ الله تكفَّل بحفظ النصّ الإلهي عن أن يدَّعيه أهل الباطل، كأن يدَّعي هؤلاء المبطلون أنَّهم جاؤوا بالقرآن من عند الله، وهذا ليس مراده قطعاً، فإنَّه عبَّر بادّعاء الوصيّة عن ادّعاء أنَّ الوصيّة تشير إليه وتدلُّ عليه، وبين الأمرين فرق واسع وواضح جدَّاً.
ونذكِّر القارئ الكريم بما قلناه فيما تقدَّم من أنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ القرآن من كلّ زيادة أو نقيصة، ولكنَّه لم يتكفَّل بحفظه من الادّعاءات الباطلة، فإنَّ هذا لم يدلّ عليه أيّ دليل، لا من كتاب الله تعالى، ولا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام، وكان اللازم على أحمد إسماعيل ليثبت صحَّة هذه الدعوى أن يدعم قوله بآية أو رواية تثبت أنَّ الله حفظ كلّ نصّ إلهي عن أن يدَّعي كاذب مبطل أنَّه يشير إليه أو نازل فيه، أو أنَّ الله تعالى صرف المبطلين عن أن يدَّعوا أنَّ النصّ الإلهي يشير إليهم أو ينطبق عليهم.
ولو استطاع أحمد إسماعيل أن يثبت ذلك فإنَّ عليه أن يثبت أنَّ رواية كتاب (الغيبة) نصٌّ إلهي تكفَّل الله تعالى بحفظه إلى قيام الساعة، وهذا كلّه دون إثباته خرط القتاد.
وأمَّا قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) فإنَّ فيه دلالة على أنَّ النبيّ لم يتقوَّل على الله تعالى بقول، وأنَّه لو فعل ذلك لأنزل الله تعالى عليه عقوبته، وقد ورد في بعض الروايات أنَّ هذا مرتبط بتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وليَّاً على الناس، ولا علاقة له بالتقوّل في أُمور الدين الأُخرى.
فقد روى الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ)، قال: (يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم)، قلت: (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) [الصفّ: ٨]، قال: (والله متمُّ الإمامة...).
إلى أن قال: قلت: قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، قال: (يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي عليه السلام)، قال: قلت: (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ)؟ قال: (قالوا: إنَّ محمّداً كذّاب على ربّه، وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآناً، فقال: إنَّ ولاية علي (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) محمّد (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)...)(١٤٦).
إذن فالعقوبة على التقوّل على الله تعالى مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تشمل باقي الناس الذين يتقوَّلون على الله في أُمور الدين، كما أنَّ هذه العقوبة إنَّما تقع في مورد خاصّ لا تتعدّاه إلى غيره، وهو التقوّل الباطل في تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعلَّ السبب في معاجلة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإهلاك لو تقوَّل على الله بشيء هو أنَّ تقوّله صلى الله عليه وآله وسلم يُفضي إلى تحريف الشريعة؛ لأنَّه لا يُعلَم حينئذٍ أنَّه ليس من عند الله تعالى، وإنَّما يُظَنُّ أنَّه تشريع، بخلاف تقوّل غيره من الناس، فإنَّه لا يؤدّي إلى تحريف شيء من أحكام الشريعة، وإذا لم يكن مستنداً إلى دليل صحيح فإنَّه لا حُجَّة لأحد في الأخذ به.
قال أحمد إسماعيل:
(ومطلق التقوّل على الله موجود دائماً، ولم يحصل أن منعه الله، وليس ضرورياً أن يُهلِك الله المتقوّلين مباشرة، بل أنَّه [كذا] سبحانه أمهلهم حتَّى حين، وهذا يعرفه كلّ من تتبَّع الدعوات الظاهرة البطلان كدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقوّل على الله، بل المراد التقوّل على الله بادّعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجَّة، عندها يتحتَّم أن يتدخَّل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجَّة، وهو النصّ الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص مَنْ بعده والموصوف بأنَّه عاصم من الضلال، حيث إنَّ عدم تدخّله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النصّ: وصيّة عيسى عليه السلام بالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ووصيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالأئمّة والمهديّين عليهم السلام).
والجواب:
أنَّ ما قاله أحمد إسماعيل من أنَّ مطلق التقوّل على الله موجود، وأنَّ الله تعالى لم يمنعه بإهلاك المتقوّلين المبطلين، بل إنَّه سبحانه أمهلهم حتَّى حين، كلّه صحيح، ومن ضمن من يتقوَّل على الله من يدَّعي أنَّه قد أُشير إليه في رواية كتاب (الغيبة) أو غيرها، فإنَّ الله لا يعاجله بالعقوبة، حاله حال غيره من أصحاب الدعوات الباطلة كأحمد إسماعيل وغيره من المدَّعين بالباطل.
وقوله: (بل المراد التقوّل على الله بادّعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجَّة، عندها يتحتَّم أن يتدخَّل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجَّة، وهو النصّ الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص مَنْ بعده والموصوف بأنَّه عاصم من الضلال).
مردود بأنَّ الآية المباركة دلَّت بظاهرها _ بغضّ النظر عن دلالة الرواية التي ذكرناها سابقاً _ على أنَّ الله سيُهلِك نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا تقوَّل على الله ببعض الأُمور التي لم يكن مأموراً بتبليغها، من غير فرق بين أن يتقوَّل بالتنصيص على خليفة من بعده أو غيره؛ والسبب في الإهلاك أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم نبيّ مرسل من قِبَل الله، وعليه أن يبلِّغ عن الله سبحانه ما يأمره الله بتبليغه من دون أن يتجاوزه قيد أنملة؛ لئلَّا يلتبس حينئذٍ الحقّ بالباطل، والصدق بالكذب، فيضلّ الناس ضلالاً بعيداً، وهذا يفوِّت الغرض من بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي هداية البشر، والآية لا تدلُّ بأيّ نحو على أنَّ الإهلاك بسبب التقوّل شامل لغيره من المتقوّلين المبطلين.
ولو كان هذا الحكم شاملاً لغير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من المتقوّلين على الله تعالى لكان ادّعاء أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنَّهم أئمّة منصوص عليهم من قِبَل الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم حجَّة لهم على غيرهم؛ لأنَّ لهم حينئذٍ أن يقولوا لخصومهم: (بما أنَّ الله تعالى يُهلِك كلّ من تقوَّل عليه، ونحن ندَّعي أنَّنا أئمّة معصومون منصوبون من قِبَل الله تعالى، ومنصوص علينا من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلو كنّا كاذبين في دعوانا لنزل علينا العذاب الأليم، وحيث إنَّه لم ينزل علينا عذاب فإنَّ ذلك دليل صدقنا في دعوانا)، مع أنَّه لم يرد في شيء من الروايات أنَّهم عليهم السلام احتجّوا على إمامتهم بأنَّ ادّعاءهم للنصّ دليل على صدقهم؛ وهذا دليل واضح على أنَّ مجرَّد ادّعاء النصّ ليس دليلاً على صدق المدَّعي، وإلَّا لما غفل عنه أئمّة أهل البيت عليهم السلام جميعاً.
والعجيب أنَّ القوم لا يقولون باستحالة ادّعاء الكاذب للمقامات الدينية كالأُلوهية والنبوَّة والإمامة والمهدوية والسفارة، ولكنَّهم يمنعون ادّعاء الكاذب لما أسموه (القول الإلهي الذي تقام به الحجَّة)، ويقصدون به رواية الوصيّة الموجودة في كتاب (الغيبة) ونحوها! مع أنَّ أحمد إسماعيل لم يدَّعِ قولاً إلهيّاً، وإنَّما ادَّعى الإشارة إليه في رواية كتاب (الغيبة) التي هي ليست قولاً إلهيّاً، ولو سلَّمنا بأنَّها قول إلهي فإنَّ ادّعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجَّة لا يختلف عن ادّعاء تلك المقامات الدينية، وكلّ من ادَّعى النصّ على الإمامة فقد ادَّعى الإمامة نفسها، بل إنَّه لا يدَّعي النصّ إلَّا لأجل التوصّل به إلى ادّعاء الإمامة.
وقوله: (حيث إنَّ عدم تدخّله سبحانه مخالف للحكمة) مردود بأُمور:
١ _ أنَّ هذا الكلام يدلُّ بوضوح على أنَّه يمكن للكاذب أن يدَّعي أنَّه منصوص عليه، لكن ما تقتضيه حكمة الله سبحانه وتعالى هو التدخّل الإلهي بإهلاك المدَّعي الكاذب، لا بصرفه عن ادّعائه.
وهذا اعتراف من أحمد إسماعيل من حيث لا يشعر بأنَّه يمكن لأيّ كاذب أن يدَّعي ما شاء، إلَّا أنَّ الله تعالى سيهلكه ولو بعد حين من ادّعائه، وفي كلامه هذا اعتراف ضمني بأنَّ مجرَّد ادّعاء النصّ ليس دليلاً على صدق المدَّعي.
٢ _ قد يقال: إنَّ مقتضى الحكمة الإلهية هي عدم التدخّل الإلهي، حيث إنَّ الحكمة قد اقتضت ابتلاء الناس في هذه الدنيا ليتبيَّن المحقّ من المبطل، والصالح من الطالح، وهذا يقتضي عدم صرف المدَّعين الكاذبين عن ادّعاءاتهم الباطلة، بل مقتضى التكليف هو إمهالهم حتَّى حين كما قال سبحانه وتعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (آل عمران: ١٧٨).
٣ _ سلَّمنا أنَّ الحكمة تقتضي التدخّل الإلهي، لكن هذا التدخّل غير منحصر في صدّ المبطل عن الادّعاء، إذ ربَّما تتدخَّل القدرة الإلهية ببتر عمر هذا المدَّعي كما ورد في الحديث الذي رواه الكليني قدس سره بسنده عن الوليد بن صبيح، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (إنَّ هذا الأمر لا يدَّعيه غير صاحبه إلَّا تبر(١٤٧) الله عمره)(١٤٨).
قال أحمد إسماعيل:
(ومثال هذا القول أو النصّ: وصيّة عيسى عليه السلام بالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ووصيّة الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالأئمّة والمهديّين عليهم السلام).
والجواب:
أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يوص بمهديّين اثني عشر من ولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وإنَّما نصَّ على أنَّ الأئمّة من بعده اثنا عشر إماماً من عترته الطاهرة، والأحاديث في ذلك متواترة رواها الشيعة وأهل السُّنَّة في كتبهم المشهورة وقد ذكرنا جملة منها فيما سبق، وأمَّا المهديّون الاثنا عشر من ولد الإمام المهدي عليه السلام فلم يرد لهم ذكر إلَّا في رواية واحدة وهي ما أسماها أحمد إسماعيل برواية الوصيّة، وهي ضعيفة السند جدَّاً كما أوضحنا ذلك فيما تقدَّم.
وأمَّا ادّعاء المبطل أنَّه منصوص عليه فهو _ كما قلنا سابقاً _ لا قيمة له، ولم يدلّ أيّ دليل على أنَّ الله تعالى يصرف المبطلين عن ادّعاءاتهم الكاذبة، وقد دلَّت صحيحة محمّد الحلبي على أنَّ كثيراً من المبطلين ادَّعوا أنَّهم منصوص عليهم في نصّ (عاصم من الضلال)، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسند صحيح عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً، فقال: إنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم، ويسومونكم سوء العذاب، وإنَّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه موسى بن عمران عليه السلام، غلام طوال جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران، ويسمّي عمرانُ ابنَه: موسى). فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسين، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: (ما خرج موسى حتَّى خرج قبله خمسون كذّاباً من بني إسرائيل، كلّهم يدَّعي أنَّه موسى بن عمران)(١٤٩).
فإنَّ هذه الرواية الصحيحة دلَّت على أنَّ خمسين كذّاباً ادَّعى كلّ واحد منهم كذباً وزوراً أنَّه هو المنصوص عليه في وصيّة نبيّ الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وهذه الرواية تبطل ما زعمه أحمد إسماعيل من أنَّ من يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصّ موصوف بأنَّه عاصم من الضلال فهو صادق.
قال أحمد إسماعيل:
(فالآية في بيان أنَّ هذا التقوّل ممتنع، وبالتالي فالنصّ محفوظ لصاحبه، ولا يدَّعيه غيره).
والجواب:
أنّا أوضحنا فيما سبق أنَّ الآية مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي مورد خاصّ كما جاء في الرواية، ولا تشمل كلّ المتقوّلين على الله تعالى بالباطل، فالتقوّل على الله سبحانه غير ممتنع، لا بدلالة هذه الآية ولا بغيرها.
مضافاً إلى أنَّ الآية إنَّما دلَّت على أنَّ تقوّل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد امتنع خارجاً بدليل عدم وقوع هلاكه، فإنَّ (لو) حرف امتناع لامتناع، وهي تفيد أنَّ الإهلاك لم يحصل لعدم حصول التقوّل، ولا تدلُّ على أنَّ تقوّل غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ممتنع، أو أنَّ الله تعالى يصرف المبطلين عن التقوّل عليه بالباطل.
وبتعبير آخر نقول: إنَّ الآية دلَّت على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتقوَّل على الله تعالى في شيء، وأنَّه بلَّغ عن الله تعالى كما أمره الله به، وفي هذا دلالة على عصمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّه لم يقع منه أيّ تقوّل على الله سبحانه.
والآية لا تدلُّ بأيّ دلالة على أنَّ المبطلين الكاذبين لا يتقوَّلون على الله تعالى أبداً، فما قاله أحمد إسماعيل من أنَّ (النصّ محفوظ لصاحبه، ولا يدَّعيه غيره) واضح البطلان؛ لأنَّ الآية المباركة إنَّما كانت في صدد الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بخصوصه، ولم يرد في الآية أيّ ذكر لقاعدة عامّة يمكن تطبيقها على غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتقوَّل على الله في أمر الخلافة:
قال أحمد إسماعيل:
(وتوجد روايات تُبيِّن أنَّ الآية في النصّ الإلهي على خلفاء الله بالخصوص، فهو نصّ إلهي لا بدَّ أن يحفظه الله حتَّى يصل إلى صاحبه، فهو نصّ إلهي محفوظ من أيّ تدخّل يؤثِّر عليه، سواء كان هذا التدخّل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله، أم في مرحلة _ أو مراحل _ وصوله إلى الخليفة الذي سيدَّعيه).
والجواب:
أنّا ذكرنا فيما سبق أنَّ رواية محمّد بن الفضيل دلَّت على أنَّ بعضهم اتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن نصب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة على الناس بأنَّه فعل ذلك من تلقاء نفسه، وأنَّ الله تعالى لم يأمره بذلك، فنزلت بعض الآيات الكريمة التي تبيِّن أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إنَّما بلَّغ عن الله تعالى ما أمره الله بتبليغه، وأنَّه لو تقوَّل على الله في أمر الخلافة بما لم يأمره الله به لأهلكه الله من غير إمهال.
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (فهو نصّ إلهي لا بدَّ أن يحفظه الله حتَّى يصل إلى صاحبه...) إلى آخر كلامه، فلا معنى له في مورد الآية؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بلَّغ الناس ما أراده الله تعالى من نصب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة للمسلمين، وهذا هو النصّ المطلوب إيصاله للناس، وقد أوصله للناس فعلاً، فلا معنى لأن يحفظه الله تعالى حتَّى يصل إلى صاحبه؛ لأنَّه ليس كتاباً، أو رسالةً، أو ورقةً مكتوبةً حتَّى يتكفَّل الله بحفظها إلى أن تصل للناس.
كما أنَّه لا معنى لوجوب حفظ هذا النصّ من الادّعاءات الكاذبة كيلا يدَّعيه غير صاحبه؛ لأنَّ صاحبه _ وهو أمير المؤمنين عليه السلام _ معروف، لا يمكن أن يلتبس بأيّ كاذب مبطل يريد استغلال النصّ ليدَّعي أنَّه هو المنصوص عليه فيه دون أمير المؤمنين عليه السلام.
وهكذا الحال في باقي النصوص التي صدرت عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فإنَّ كلّ إمام قد نصَّ على الإمام الذي يتولّى الإمامة بعده، وعيَّنه بحيث لا يمكن أن يلتبس بغيره؛ لكونه معروفاً ومشهوراً في زمانه.
وممَّا قلنا يتبيَّن أنّا لو سلَّمنا بأنَّه يجب حفظ نصّ كلّ إمام على من يتولّى الإمامة بعده، فإنَّ حفظ النصّ إنَّما يكون بصيانة النصّ عن التبديل والتحريف، وإيصاله إلى الناس بأسانيد صحيحة لا يُخدَش فيها، وجعله واضحاً لا لبس فيه، وأمَّا صيانة النصّ عن أن يدَّعيه غير صاحبه فلا معنى له كما قلنا؛ لأنَّ صاحبه معروف ومشهور لا يلتبس بغيره.
قال أحمد إسماعيل:
(وهنالك روايات بيَّنت هذه الحقيقة، وهي أنَّ التقوّل في هذه الآية هو بخصوص النصّ الإلهي: عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ)، قال: (يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم). قلت: (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ)، قال: (والله متمُّ الإمامة...).
قلت: قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، قال: (يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي عليه السلام). قال: قلت: (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ)، قال: (قالوا: إنَّ محمّداً كذّاب على ربّه، وما أمره الله بهذا في علي. فأنزل الله بذلك قرآناً، فقال: إنَّ وِلايةَ عَليٍّ (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)) [الكافي: ج ١/ ص ٤٣٤]).
والجواب:
أنَّ هذه الرواية _ كما قلنا _ خاصّة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي مورد خاصّ، وهو النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام، فلا تشمل كلّ من يدَّعي على الله دعوى باطلة أو يتقوَّل عليه بشيء، سواء أكانت دعواه تتعلَّق بنصٍّ خاصٍّ، أم بمقام ديني كالنبوَّة والإمامة، أم غير ذلك، ونحن بيَّنّا ذلك فيما تقدَّم، فلا حاجة لإعادته.
بتر عُمْر كلّ من يدَّعي الإمامة بغير حقّ:
قال أحمد إسماعيل:
(كما أنَّ الإمام الصادق عليه السلام يقول: (إنَّ هذا الأمر لا يدَّعيه غير صاحبه إلَّا تبر الله عمره) [الكافي للكليني: ج ١/ ص٣٧٢]).
والجواب:
أنَّ هذه الرواية تدلُّ على عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ كلّ من يدَّعي الإمامة وهو ليس بإمام من الله تعالى فإنَّ الله يبتر عمره لا محالة، وبتر العمر غير مخصوص بمن يدَّعي الوصيّة فقط كما هو واضح من هذا الحديث.
٢ _ أنَّ ادّعاء الكاذب المبطل للإمامة أمر ممكن بل واقع، وأنَّ الله لا يحول بين الكاذب وبين ادّعائه للإمامة، ولا يصرفه عن هذا الادّعاء الكاذب، وإنَّما يعاقبه ببتر عمره، وهو إنقاصه، لا قطعه بعد ادّعاء الإمامة مباشرة، بمعنى أنَّ المبطل الكاذب المدَّعي للإمامة يمكن أن يعيش بعد ادّعاء الإمامة عدَّة سنين، لكنَّه لا يعيش عمره الطبيعي الذي قدَّره الله له والذي كان سيعيشه لو لم يدَّعِ الإمامة، وسيعترف أحمد إسماعيل بذلك فيما يأتي من كلامه، فانتظر.
ويشير إلى ما قلناه ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنَّه قال في حديث: (والذنوب التي تعجِّل الفناء: قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة، والزنا، وسدّ طرق المسلمين، وادّعاء الإمامة بغير حقّ)(١٥٠).
ولا ريب في أنَّ من قطع رحمه أو كذب أو زنا أو سدَّ طريقاً فإنَّ الله لا يعاجله بالهلاك مباشرة بعد صدور الذنب عنه، والحديث يدلُّ على أنَّ هذه الأعمال القبيحة ومن ضمنها ادّعاء الإمامة بغير حقّ من أسباب تعجيل الفناء أي إنقاص العمر وتعجيل الموت.
٣ _ أنَّ هذه الرواية تُبطِل ما قاله أحمد إسماعيل من أنَّ الله يصرف المبطل عن ادّعاء النصّ؛ لأنَّها دلَّت على أنَّ مدَّعي الإمامة يمكن أن يدَّعي أنَّه منصوص عليه أو أنَّه مستخلف من قِبَل إمام الحقّ الذي قبله، إلَّا أنَّ الله تعالى يبتر عمره لو ادَّعى ذلك، ولو أنَّ الله سبحانه يصرف الكاذبين عن ادّعاء الإمامة لما استحقّوا بعد ذلك أن يبتر الله أعمارهم.
هل المبطل مصروف عن ادّعاء الوصيّة؟
قال أحمد إسماعيل:
(فالمبطل مصروف عن ادّعاء الوصيّة الإلهية الموصوفة بأنَّها تعصم من تمسَّك بها من الضلال، أو أنَّ ادّعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادّعاء للناس، حيث إنَّ إمهاله مع ادّعائه الوصيّة يترتَّب عليه إمَّا جهل، وإمَّا عجز، أو كذب مَنْ وَعَدَ المتمسّكين به بعدم الضلال، وهذه أُمور محالة بالنسبة للحقّ المطلق سبحانه، ولهذا قال تعالى: (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ). وقال الصادق عليه السلام: (تبر الله عمره)).
والجواب:
أنَّ قول أحمد إسماعيل: (إنَّ المبطل مصروف عن ادّعاء الوصيّة الإلهية) صحيح إلى حدٍّ ما؛ وذلك لأنَّ الوصيّة الحقيقية لا بدَّ أن تنصّ على أئمّة معروفين لا يلتبسون بغيرهم، ولا يمكن أن تكون مبهمة تحتمل رجالاً كثيرين، ولهذا فإنَّ كلّ مبطل يصرفه عقله عن أن يدَّعي أنَّه هو المنصوص عليه في الوصيّة، وكلّ من يدَّعي أنَّه منصوص عليه وهو ليس كذلك فإنَّ العقلاء لا يعتبون عليه، ولا يدرجونه في عدادهم؛ لأنَّه ادَّعى ما لا يدَّعيه عاقل، كمن يدَّعي في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مع أنَّه شخص آخر معروف باسمه ونسبه.
ولهذا فإنَّنا لا نجد أحداً من الكذّابين المبطلين ادَّعى أنَّه موصى إليه أو منصوص عليه في وصيّة معروفة ثابتة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو عن واحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وأمَّا ادّعاء الكذّابين أنَّ بعض النصوص تشير إليهم فهو كثير كما مرَّ في ادّعاء خمسين كذّاباً، كلّ واحد منهم يدَّعي أنَّه موسى بن عمران، وادّعاء القادياني أنَّ آية بشارة عيسى بن مريم عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنَّما تعنيه هو دون غيره.
وأمَّا زعم أحمد إسماعيل أنَّ المبطل الكذّاب إذا ادَّعى النصّ فإنَّ ادّعاءه مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادّعاء للناس، فهو غير صحيح؛ لأنَّ الله تعالى لا يعاقب قبل الجريمة، والكذّاب قبل أن يصل كذبه للناس فهو لم يكذب بعد، فكيف يعاقبه الله تعالى بالإهلاك على نيَّته السيّئة وعزمه الخبيث؟!
وما ذكره أحمد إسماعيل ممَّا زعمه لوازم مترتّبة على إمهال الكاذب إلى أن يدَّعي الوصيّة، من نسبة الجهل، أو العجز، أو الكذب إلى الله تعالى، فهي غير لازمة، وقد أجبنا عليها فيما سبق مفصَّلاً، فلا حاجة لإعادة الجواب عليها.
عدم تطابق آية التقوّل مع استدلال أحمد إسماعيل:
قال أحمد إسماعيل:
(وللتوضيح أكثر أقول: إنَّ الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أنَّ الادّعاء ممتنع وليس ممكناً، فإنَّ قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)، معناه أنَّ الهلاك ممتنع لامتناع التقوّل، أي إنَّه لو كان متقوّلاً لهلك، والآية تتكلَّم مع من لا يؤمنون بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله؛ لأنَّهم لا يؤمنون بهذا، بل الاحتجاج هو بمضمون الآية، أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلاً وهو أنَّ النصّ الإلهي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به لا يمكن أن يدَّعيه غير صاحبه؛ لأنَّ القول بأنَّه يمكن أن يدَّعيه غير صاحبه يلزم منه نسب [كذا] الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل وصف استدلاله بأنَّه استدلال عقلي، وهو في حقيقته ليس بعقلي، وإنَّما هو جهل مكشوف، وكان اللازم عليه أن يحتجّ على دعواه بالكتاب العزيز وأحاديث أهل البيت عليهم السلام؛ لأنَّه كثيراً ما يعيب الذين يستعملون عقولهم الناقصة في أصول الفقه والمنطق وغيرهما من العلوم، وهو هنا قد وقع فيما يعيب العلماء به.
ومن باب الإلزام لأحمد إسماعيل نقول: إنَّ استدلاله هذا لو سلَّمنا بأنَّنا رأيناه تامّاً صحيحاً بحسب عقولنا الناقصة، فإنَّ ذلك لا يلزم منه أن يكون هذا الاستدلال صحيحاً في الواقع؛ لأنَّ عقولنا الناقصة قد لا تدرك الواقع، وقد تصحِّح ما ليس بصحيح.
ثمّ إنَّ طرق الاستدلال العقلي لا بدَّ أن تكون منضبطة بقواعد ذكرها العلماء في كتب المنطق، فإن كان أحمد إسماعيل يرى أنَّ هذه القواعد صحيحة، فقد وقع فيما عابه على العلماء من اعتماد علم المنطق الذي هو علم وثني من علوم اليونان.
وإن كانت لأحمد إسماعيل قواعد أُخرى غير ما يقوله العلماء في المنطق من طرق الاستدلال فعليه أن يبيّنها، لننظر فيها هل هي صحيحة أم لا.
وعليه، فإنَّ هذا الاستدلال (العقلي) الذي ذكره أحمد إسماعيل لا ينبغي الأخذ به بحسب قواعده التي يدندن بها، بغضّ النظر عمَّا قاله في استدلاله العقلي هذا هل هو صحيح عندنا أم لا.
وهنا أود الإشارة إلى أنّي إنَّما ذكرت ذلك لأُبيّن أنَّ أحمد إسماعيل ليست له قواعد يسير عليها، فما ينكره في مورد يتمسَّك به في مورد آخر إذا كان يظنّ أنَّه يصل به إلى غرضه.
إذا تبيَّن ذلك أقول: إنَّ الآية لا تطابق الاستدلال الذي ذكره أحمد إسماعيل وسمّاه عقليّاً من عدَّة وجوه:
١ _ أنَّ الآية خاصّة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولا دلالة فيها على أنَّ كلّ من تقوَّل على الله تعالى فإنَّ الله يعاقبه بالإهلاك، وأحمد إسماعيل جعل الآية قاعدة عامّة، وزعم أنَّها تشمل كلّ من تقوّل على الله بالباطل، سواء أكان نبيّاً أم غيره، وهذا غير صحيح كما بيَّناه فيما سبق.
٢ _ أنَّ الآية المفسَّرة برواية محمّد بن الفضيل التي استدلَّ بها أحمد إسماعيل فيما سبق مخصوصة بالتقوّل على الله في أمر خلافة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وكلام أحمد إسماعيل مخصوص بمن يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصّ عاصم من الضلال، وهناك فرق كبير بين أن يبلِّغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الله ما لم يأمره به، وبين أن يدَّعي رجل أنَّه منصوص عليه في نصّ عاصم من الضلال، فمورد الآية مغاير للمورد الذي استدلَّ عليه أحمد إسماعيل.
٣ _ أنَّ الآية لا تدلُّ على أنَّ التقوّل ممتنع على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وعدم وقوعه منه صلى الله عليه وآله وسلم لا يدلُّ على امتناعه، ولو كان ممتنعاً لما كان هناك أيّ فائدة في الإخبار بعقوبة هذا التقوّل، ولما كان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أيّ فضل في عدم تقوّله على الله سبحانه؛ لأنَّه ممتنع عليه، وهو غير مختار فيه.
وكذلك الحال في ادّعاء المبطل الكاذب أنَّه منصوص عليه في نصّ عاصم من الضلال فإنَّه ممكن أيضاً لا استحالة فيه، إلَّا أنَّ الفرق بين الأمرين هو أنَّ التقوّل على الله لا يقع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان ممكناً عقلاً، وأمَّا التقوّل من المبطل الكاذب فإنَّه يقع بكثرة.
وأنا أتعجَّب ممَّن يدَّعي الإمامة كيف لا يفهم الفرق بين الممتنع والممكن، ولو كان يريد بالممتنع الممتنع وقوعاً لكان عليه أن يقيِّد الممتنع بذلك، لا أن يطلقه من دون تقييد، فإنَّه إذا أطلق دلَّ على الممتنع عقلاً لا وقوعاً.
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (والآية تتكلَّم مع من لا يؤمنون بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله؛ لأنَّهم لا يؤمنون بهذا) فهو خلاف ما دلَّت عليه رواية محمّد بن الفضيل التي احتجَّ بها أحمد إسماعيل آنفاً، فإنَّها واضحة الدلالة على أنَّها كانت في صدد الردّ على بعض الصحابة الذين كانوا بحسب ظاهر حالهم يؤمنون بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويؤمنون بالقرآن الكريم، إلَّا أنَّهم كانوا يظنّون أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة من بعده لا بأمر من الله تعالى، وإنَّما من تلقاء نفسه.
والكلام في هذا المورد مع الذين لا يؤمنون بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا يؤمنون بالقرآن عبث محض؛ لأنَّ هؤلاء بما أنَّهم لا يؤمنون بالقرآن فلن يؤمنوا بهذا الوعيد المذكور في هذه الآية، ولن يصدّقوا أنَّ الله سبحانه وتعالى سيهلك نبيّه لو تقوَّل عليه بشيء؛ لأنَّهم يرون أنَّ كلّ الرسالة كذب وتقوّل على الله بالباطل.
ولا يخفى أنَّ غرض أحمد إسماعيل من زعمه أنَّ الآية تتكلَّم مع الذين لا يؤمنون بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو التأكيد على أنَّ الاستدلال المذكور في الآية عقلي، وبهذا يتطابق مضمون الآية والاستدلال الذي ذكره وسمّاه عقليّاً، مع أنَّه من الواضح أنَّ الآية لا تشتمل على أيّ دليل عقلي، ولا تتحدَّث عن موضوع عامّ، وإنَّما هي في صدد بيان أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يتقوَّل على الله سبحانه وتعالى بشيء، ولو تقوَّل عليه بشيء لعاقبه الله بالإهلاك.
وقول أحمد إسماعيل: (بل الاحتجاج هو بمضمون الآية، أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلاً، وهو أنَّ النصّ الإلهي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به لا يمكن أن يدَّعيه غير صاحبه)، واضح البطلان؛ لأنَّ العقلاء لا يقولون: (إنَّ النصّ الإلهي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لا يدَّعيه غير صاحبه)، بمعنى أنَّ غير صاحب النصّ لا يدَّعي أنَّ النصّ يشير إليه وينصّ عليه، فإنَّنا لم نجد أحداً من العقلاء قبل أحمد إسماعيل قال هذا الكلام، مع أنَّ كفّار قريش لو كانوا يعتقدون بأنَّ النصّ الإلهي لا يدَّعيه إلَّا صاحبه، للزمهم أن يعتقدوا بنبوَّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المنصوص عليه في التوراة والإنجيل.
ولا ينقضي العجب من قول أحمد إسماعيل إنَّه احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلاً، مع أنَّه يعرف أنَّ العرب كانوا أُمَّة أُمّيّة، لا يعرفون شيئاً من المعارف، فهل يمكن الاحتجاج عليهم بما لا تدركه عقولهم ولا تصل إليه أفهامهم؟
وأمَّا قول أحمد إسماعيل: (لأنَّ القول بأنَّه يمكن أن يدَّعيه غير صاحبه يلزم منه نسب الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى) فقد بيَّنا فساده فيما سبق، فلا حاجة لإعادته.
قال أحمد إسماعيل:
(إذن فلا يمكن _ عقلاً وقرآناً وروايةً _ أن يحصل ادّعاء النصّ الإلهي التشخيصي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به).
والجواب:
أنَّه قد تبيَّن للقارئ العزيز بطلان ما قاله أحمد إسماعيل، وأنَّه لم يستطع أن يثبت دعواه لا عقلاً، ولا قرآناً، ولا روايةً، بل الثابت خلاف كلامه.
أمَّا عقلاً فلأنَّ العقل لا يمنع أن يدَّعي المبطل ما شاء من الدعاوى الباطلة التي لا تقف عند حدّ، وليس هناك أدلّ على إمكان ذلك من وقوعه، فإنَّ من البشر من ادَّعى الأُلوهية والنبوَّة والإمامة وغيرها، سواء أكان ادّعاؤه متعلّقاً بنصّ عاصم من الضلال كالقادياني وغيره أم لم يكن كذلك، وما سمّاه أحمد إسماعيل دليلاً عقليّاً فهو ليس كذلك، وإنَّما هو تلفيقات لدعاوى باطلة، رتَّب عليها أموراً غير لازمة.
وأمَّا الآيات القرآنية التي استدلَّ بها على دعواه، وهي قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)، فإنَّها خاصّة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قلنا، وغير شاملة لكلّ المبطلين الكاذبين المدَّعين للمقامات الدينية العالية كالنبوَّة والإمامة وغيرها، سواء أكان ادّعاؤهم مرتبطاً بنصٍّ عاصم من الضلال أم لا.
وأمَّا الروايات فقد نقلنا رواية كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) التي أخبر فيها الإمام الرضا عليه السلام بأنَّ خمسين كذَّاباً ادَّعوا أنَّهم موسى بن عمران الذي أخبر نبيّ الله يوسف عليه السلام بأنَّ نجاة بني إسرائيل ستكون على يديه، وهذا ادّعاء يتعلَّق بنصّ تشخيصي عاصم من الضلال كما هو واضح، ومع ذلك ادَّعاه كذّابون كثيرون.
قال أحمد إسماعيل:
(أي أنَّ النصّ محفوظ من الادّعاء حتَّى يدَّعيه صاحبه؛ ليتحقَّق الغرض من النصّ، وهو منع الضلال عن المكلَّف المتمسِّك به كما وعده الله سبحانه).
والجواب:
أنَّنا ذكرنا فيما سبق أنَّ الله تعالى لم يتكفَّل بحفظ جميع النصوص الإلهية العاصمة من الضلال، فإنَّ كثيراً من النصوص العاصمة من الضلال الصادرة عن الأنبياء وأئمّة الهدى عليهم السلام لم تبقَ إلى يومنا هذا ولم تصل إلينا، فكيف يمكن ادّعاء حفظها؟
والنصوص العاصمة من الضلال التي حفظها الله ووصلت إلينا لم يحفظها الله سبحانه من ادّعاءات الكاذبين المبطلين؛ لأنَّ كلّ ادّعاء لم يقم عليه دليل لا قيمة له عند العقلاء، وادّعاءات المبطلين لا تقف عند حدّ، والمدَّعون للباطل كثيرون، وكلّهم مصابون في عقولهم أو في دينهم، والشواهد القرآنية والروائية والتاريخية تؤكِّد أنَّ الله تعالى لم يصرف هؤلاء المدَّعين عن ادّعاءاتهم الكاذبة، وقد ذكرنا فيما سبق نماذج من هذه الادّعاءات التي تتعلَّق بالنصوص العاصمة من الضلال، فلا حاجة لتكرارها.
وأمَّا الغرض من النصّ المذكور _ وهو المنع من الضلال _ فإنَّه يتحقَّق حتَّى مع ادّعاء الكاذبين المبطلين الذين لم يُثبتوا ادّعاءاتهم بدليل صحيح؛ لأنَّ النصّ العاصم من الضلال لا يخرج عن كونه عاصماً من الضلال بأمثال هذه الادّعاءات الكاذبة المعلوم بطلانها.
هل يمكن ادّعاء النصّ التشخيصي؟
قال أحمد إسماعيل:
(وللتوضيح والتفصيل أكثر أقول:
إنَّ مدّعي المنصب الإلهي: إمَّا أن يكون مدَّعياً للنصّ التشخيصي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، فهذا المدَّع [كذا] محقّ، ولا يمكن أن يكون كاذباً أو مبطلاً).
والجواب:
أنَّ مدَّعي المنصب الإلهي كالنبوَّة أو الإمامة أو السفارة إذا ادَّعى النصّ التشخيصي، أي ادَّعى أنَّه منصوص عليه بشخصه في نصٍّ صحيح وارد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو عن أحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام، فلا يخلو الحال من أحد أمرين:
إمَّا أن يكون النصّ قد عيَّن إماماً معروفاً تعييناً واضحاً جليّاً بحيث لا يحصل أيّ لبس في الإمام المنصوص عليه كما هو المعهود في النصوص على الإمامة، كنصّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير، ونصّ كلّ إمام على الإمام الذي بعده، فلا يمكن حينئذٍ أن يدَّعي شخص آخر أنَّه هو المنصوص عليه دون صاحب النصّ الحقيقي؛ ومن ادَّعى ذلك فإنَّه ينبغي ألَّا يُدرَج في عداد العقلاء، فلا يؤاخذ بما يقول، ولا يعتنى بادّعائه في هذا الأمر.
وإمَّا أن يكون النصّ قد ذكر اسماً يمكن انطباقه على كثيرين، ولم يعيِّن شخصاً معيَّناً لا يلتبس بغيره، مثل قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصفّ: ٦)، ومثل رواية الوصيّة في كتاب (الغيبة) التي يحتجُّ بها أحمد إسماعيل، التي ورد فيها قوله: (فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهديًّا، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلِّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)، لو سلَّمنا جدلاً بأنَّ الضمير في كلمة: (له ثلاثة أسامي) يعود على ابن الإمام الثاني عشر عليه السلام، فيكون أحد أسمائه: أحمد.
فحينئذٍ لا شكَّ في أنَّ هذا النصّ لا يكون نصَّاً تشخيصيّاً؛ لأنَّه لا يعيِّن شخصاً بعينه ولا يميِّزه عن غيره، ولهذا قال عيسى عليه السلام فيما حكاه عنه الله سبحانه: (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)، فهي بشارة ببعثة نبيّ بهذا الاسم، وهذا ليس نصَّاً تشخيصيّاً، فيكون خارجاً عمَّا نتكلَّم فيه.
ولهذا لم يكتفِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذه البشارة لإثبات نبوَّته؛ وإنَّما جاء بالمعجزات الدالّة على صدقه، ولو كانت هذه البشارة نصَّاً تشخيصيّاً كافياً لإثبات النبوَّة لصحَّ له أن يكتفي بها من دون حاجة لأن يتكلَّف عناء الإثبات بالمعجزات أو غيرها، ولو صحَّ الاكتفاء بها كذلك لادَّعى النبوَّة في الجاهلية كلّ من تسمَّى بمحمّد أو أحمد، ويجب على الناس حينئذٍ الإيمان به بمجرَّد دعواه؛ لأنَّه منصوص عليه بهذا النصّ الذي سمّاه أحمد إسماعيل نصَّاً تشخيصيّاً، وزعم أنَّه لا يدَّعيه إلَّا صاحبه، ولا شكَّ أنَّ هذا كلام لا يقوله جاهل فضلاً عن عالم فاضل.
ومن باب الإلزام نقول: إنَّ هذا المصطلح وهو (النصّ التشخيصي) الذي دار كثيراً في كلام أحمد إسماعيل وأنصاره هو مصطلح مستحدَث مبتدَع لا وجود له في روايات أهل البيت عليهم السلام، ومن قرأ النصوص الشرعية يجد أنَّ الضابط للتمييز بين مدَّعي الحقّ ومدَّعي الباطل هو الوصيّة الظاهرة، ولا يخفى أنَّ إصرارهم على هذا المصطلح إنَّما هو من أجل التلبيس على العوامّ والتلاعب بالألفاظ لا أكثر.
قال أحمد إسماعيل:
(لأنَّ هذا النصّ لا بدَّ من حفظه من ادّعاء الكاذبين والمبطلين، وإلَّا فسيكون الله قد أمر الناس بالتمسّك بما يمكن أن يضلّهم، ورغم هذا قال عنه بأنَّه عاصم من الضلال أبداً، وهذا كذب يستحيل أن يصدر من الله).
والجواب:
أنَّنا بيَّنّا فيما سبق أنَّه لا يجب على الله أن يحفظ النصّ من الادّعاءات الكاذبة، وأنَّ الادّعاءات الكاذبة لا تنافي حفظ النصّ، ولا تُخرج النصّ العاصم من الضلال عن هذه الصفة، وأمر الناس بالتمسّك بالنصّ الصحيح لا يكون أمراً لهم بما يمكن أن يضلّهم في حال وجود دعوى باطلة، لأنَّ الفرض أنَّه نصٌّ عاصم من الضلال، فهو سيبقى كذلك وإن كانت هناك ادّعاءات باطلة، ووصفه بأنَّه عاصم من الضلال مع وجود ادّعاءات كاذبة لا يستلزم الكذب؛ لأنَّ الادّعاء الكاذب لم يغيِّر صفته السابقة وهي أنَّه كتاب عاصم من الضلال، فلا يكون وصفه بذلك حينئذٍ كذباً حتَّى يستحيل على الله تعالى.
وكما لاحظ القارئ العزيز أنَّ مشكلة أحمد إسماعيل أنَّه لا يلتفت إلى أنَّ بعض ما يذكره ويظنّه لازماً ليس بلازم، ولذلك فإنَّه يرتّب أُموراً من عنده يظنّ أنَّها لوازم، وهي ليست كذلك، فيخرج بنتائج خاطئة، وبعد هذا كلّه يظنّ أنَّه فتح فتحاً عظيماً بدليله الذي سمّاه دليلاً عقليّاً!
تفصيل لا دليل عليه:
قال أحمد إسماعيل:
(وإمَّا أن يكون مدَّعياً للمنصب الإلهي، ولكنَّه غير مدَّع للنصّ التشخيصي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، وهكذا مدَّعي [كذا]: إمَّا أن يكون ادّعاؤه فيه شبهة على بعض المكلَّفين لجهلهم ببعض الأُمور، وهذا ربَّما يمضي الله به الآية، ويهلكه رحمة بالعباد، وإن كان بعد ادّعائه بفترة من الزمن رغم أنَّه لا حجَّة ولا عذر لمن يتبعه.
وإمَّا أنَّه لا يحتمل أن يشتبه به أحد إلَّا إن كان طالباً للباطل فيتبع شخصاً بدون نصّ تشخيصي كما بيَّنت، ومع هذا تصدر منه سفاهات، ويجعل الله باطله واضحاً وبيِّناً للناس، وهذا لا داعي أن تطبَّق عليه الآية، بل ربَّما أُمهل فترة طويلة من الزمن، فهو يُترَك لمن يطلبون الباطل بسفاهة).
والجواب:
أنّا بيَّنّا فيما سبق أنَّ آيات التقوّل مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تشمل كلّ من يتقوَّل على الله سبحانه بشيء، فلا حاجة للإعادة.
وعليه، فإنَّ التفصيل الذي ذكره أحمد إسماعيل المشتمل على التفريق بين المدَّعي الذي يكون في ادّعائه شبهة على بعض المكلَّفين لجهلهم ببعض الأُمور، فتجري فيه الآية، ويهلكه الله رحمة بالعباد ولو بعد حين، وبين من لا يحتمل أن يشتبه به أحد إلَّا إن كان طالباً للباطل، فلا تجري فيه الآية، ولا ينزل عليه العذاب، وربَّما أُمهل فترة طويلة من الزمن، فهذا كلّه لا دليل عليه، لا من الكتاب ولا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام كما لا يخفى على من تتبَّع الأحاديث وفهمها.
والوارد في الروايات ما رواه الشيخ الكليني قدس سره في كتاب الكافي بسنده عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنَّه قال: (إنَّ هذا الأمر لا يدَّعيه غيرُ صاحبه إلَّا تبر الله عمره).
وكلام الإمام عليه السلام في مدَّعي الإمامة مطلق شامل لمن يدَّعي الإمامة، ويكون في ادّعائه شبهة على بعض المكلَّفين لجهلهم ببعض الأُمور، ومن لا يُحتمل أن يشتبه به أحد إلَّا إذا كان طالباً للباطل، ولمن كان يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصٍّ تشخيصي موصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به، فجميع هؤلاء يبتر الله أعمارهم من غير فرق؛ لأنَّ كل واحد منهم بالنتيجة مدَّعٍ للإمامة بغير حقّ.
توضيح لا فائدة فيه:
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا تقريب ليتوضَّح الأمر أكثر: نفرض أنَّ هناك ثلاث دوائر؛ بيضاء، ورمادية، وسوداء. فالدائرة البيضاء محميّة من أن يدخل لها كاذب، وبالتالي فكلّ من دخلها فهو مدَّعٍ صادق، ويجب تصديقه، فالآية: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) واجبة التطبيق في هذه الدائرة.
والرمادية غير محميّة من أن يدخل لها كاذب، فلا يصحُّ الاعتماد على من كان فيها وتصديقه، ورغم هذا فيمكن أن تُحمى بعض الأحيان من الكاذب بعد دخوله رحمة بالعباد رغم أنَّهم لا عذر لهم باتّباع من كان في هذه الدائرة، فالآية ممكنة التطبيق على هذه الدائرة وليس [كذا] واجبة التطبيق.
والثالثة سوداء غير محميّة من أن يدخل لها الكاذب، بل هي دائرة الكاذبين وواضحة بأنَّها دائرة الكاذبين، فلا داعي لحمايتها أصلاً من الكاذبين لا قبل دخولهم ولا بعد دخولهم، فالآية ليس موضعها هذه الدائرة).
والجواب:
أنَّ هذا التوضيح لا طائل تحته، وهو تكثير للكلام بلا فائدة، مع أنَّ فيه من الخلل ما هو واضح لكلّ ذي عينين، وإذا أردنا أن نجاري أحمد إسماعيل في هذه الدوائر نقول: إنَّ الدوائر اثنتان فقط: دائرة بيضاء، ودائرة أُخرى سوداء، والدائرة البيضاء لا يدخلها إلَّا نبيّ أو إمام منصوص عليه حقيقة، أو سفير منصوب من قِبَل الإمام عليه السلام، وهؤلاء كلّهم قد قام الدليل الصحيح القطعي على صدقهم فيما قالوه.
وأمَّا الدائرة السوداء فكلّ من دخلها فهو كاذب مفتر، سواء ادَّعى منصباً إلهيّاً كالنبوَّة أو الإمامة، أم ادَّعى أنَّ وصيّة المعصوم تشير إليه، أم ادَّعى غير ذلك من الدعاوى التي لم يستطع أن يثبتها بالدليل الصحيح القطعي.
والسبب في ذلك أنَّ المقامات الإلهيّة لا يكون في ثبوتها أيّ لبس أو غموض، فإمَّا أن يستطيع المدَّعي إثباتها بدليل قطعي، كالمعجزة، أو النصّ القطعي الذي يدلُّ عليه بما لا لبس فيه، فهذا يكون نبيّاً أو إماماً معصوماً على حسب دعواه ودليله الذي دلَّ عليه، وأمَّا إذا لم يكن كذلك فهو كاذب مفتر، ما دام أنَّه لم يستطع أن يثبت صحَّة دعواه بدليل صحيح، سواء ادَّعى مقاماً إلهيّاً، أم ادَّعى النصّ عليه في وصيّة غير واضحة الدلالة عليه، أم غير ذلك.
وأمَّا الدائرة الرمادية التي ذكرها أحمد إسماعيل فلا حاجة لها؛ لأنَّها دائرة يمكن أن يدخلها صادق أو كاذب؛ لأنَّ المدَّعي إن أثبت صحَّة دعواه فهو محقّ، ومحلّه حينئذٍ الدائرة البيضاء، وإن لم يستطع فمحلّه الدائرة السوداء، وهي دائرة الكاذبين الذين لا عذر للناس في تصديقهم أو اتّباعهم، ولا ثالث في البين.
ولعلَّ هذا المثال الذي جاء به أحمد إسماعيل _ إن كان هو الذي أجاب على هذا السؤال _ يبيِّن لنا أنَّ الرجل لا علاقة له بالعلوم الشرعية، ولذلك لم يستطع أن يضرب مثالاً مقرِّباً لما يدَّعيه إلَّا بالدوائر والألوان، والظاهر أنَّ هذا ممَّا تعلَّمه في الجامعة المختلطة التي قضى فيها سنوات من حياته.
لا فرق بين ادّعاء المنصب الإلهي وادّعاء النصّ التشخيصي:
قال أحمد إسماعيل:
(فلا بدَّ إذن من الانتباه إلى أنَّ كلامنا في منع ادّعاء النصّ التشخيصي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال، وليس في ادّعاء المنصب الإلهي عموماً، فادّعاء المنصب الإلهي أو النبوَّة أو خلافة الله في أرضه باطلاً بسفاهة ودون الاحتجاج بالوصيّة (النصّ التشخيصي) حصل كثيراً، وربَّما بقي حيّاً من ادَّعى باطلاً فترة من الزمن، ومثال لهؤلاء مسيلمة الكاذب ادَّعى أنَّه نبيّ في حياة رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وبقي مسيلمة حيّاً بعد موت رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فالادّعاء بدون شهادة الله ونصّ الله وبدون الوصيّة لا قيمه له، وهو ادّعاء سفيه، فمن يصدِّق هكذا مدَّعٍ [كذا] مبطل [كذا] لا عذر له أمام الله).
والجواب:
أنَّه إذا كان ادّعاء المنصب الإلهي أو النبوَّة أو خلافة الله في أرضه قد حصل كثيراً بسفاهة، وأنَّ من يصدِّق هكذا مدَّعياً مبطلاً لا عذر له أمام الله تعالى، فكذلك من يصدِّق من يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصٍّ خاصٍّ وإن كان هذا النصّ موصوفاً بأنَّه عاصم من الضلال، ما دام النصّ غير واضح في الدلالة عليه، فلم يعيِّنه أو يميِّزه عن سواه، ولم يُقم هذا المدَّعي على صحَّة كلامه أيّ دليل، فإنَّه لا عذر لمن يُصدِّق هكذا مدَّعياً أمام الله سبحانه؛ لأنَّ النصّ التشخيصي لا بدَّ أن يكون معيِّناً للمنصوص عليه، بحيث لا يلتبس بغيره، ومتى ما كان مبهماً غير واضح فلا يكون بنفسه نصَّاً لا تشخيصيّاً ولا غيره، ولا بدَّ لمعرفة المنصوص عليه في هذا النصّ من بيان المعصوم عليه السلام، وإذا لم نحصل على أيّ بيان من المعصوم عليه السلام فإنَّ هذا النصّ لا يكون تشخيصيّاً، ولا يصلح لأن نتمسَّك به في إثبات الإمامة التي يجب أن يكون دليلها قطعياً، ولا يجوز لعاقل أن يُصدِّق من ادَّعى أنَّه منصوص عليه في هذا النصّ إذا لم يُقم أيّ دليل على صحَّة كلامه، ومجرَّد ادّعاء أنَّه منصوص عليه في هذا النصّ غير كافٍ في قبول دعواه، ولا يستلزم ادّعاء الكاذب أنَّه منصوص عليه أيّ محذور من المحاذير التي ذكرها أحمد إسماعيل كما بيَّنا ذلك فيما تقدَّم.
وعليه، فمن يُصدِّق هذا المدَّعي لا عذر له أمام الله سبحانه؛ لأنَّه صدَّق مدَّعياً عاجزاً عن إقامة الدليل الصحيح على صحَّة دعواه.
قال أحمد إسماعيل:
(إذن، فالمقصود ليس منع أهل الباطل من الادّعاء مطلقاً، بل منعهم من ادّعاء النصّ التشخيصي الموصوف بأنَّه عاصم لمن تمسَّك به من الضلال، وهو وصيّة خليفة الله للناس).
والجواب:
أنَّه لا فرق بين ادّعاء المنصب الإلهي كالنبوَّة والإمامة، وادّعاء ما أسماه أحمد إسماعيل بالنصّ التشخيصي؛ لأنَّ ادّعاء النّص إنَّما هو لأجل ادّعاء النبوة أو ادّعاء الإمامة، فهو بالنتيجة ادّعاء للمنصب الإلهي، وهذا هو مقصود المدَّعي، إلَّا أنَّ المدَّعي للنصّ إنَّما احتال على الناس بادّعاء أنَّه منصوص عليه في نصٍّ معيَّن كما مرَّ من أنَّ خمسين كذّاباً كلّهم ادَّعوا أنَّهم موسى بن عمران المنصوص عليه في وصيّة نبيّ الله يوسف عليه السلام، وغاية كلّ هؤلاء الخمسين كذَّاباً هي ادّعاء المنصب الإلهي، إلَّا أنَّهم سلكوا هذا الطريق للتدجيل على الناس.
إذن فمن يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصٍّ مبهم، ورد بسند ضعيف بل مظلم جدَّاً، وبعض رواته من العامّة كما ذكر ذلك الحرّ العاملي قدس سره، وهو معارَض بأحاديث متواترة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، مع أنَّ هذا المدَّعي لم يُقم أيّ دليل على أنَّه هو المنصوص عليه في هذا النصّ، وإنَّما زعم أنَّ ادّعاءه للنصّ هو دليل صدقه، كيف يمكن لعاقل أن يُصدِّق هذا المدَّعي العاجز عن إثبات دعاواه بدليل صحيح؟!
ومن المعلوم لكلّ عاقل أنَّ أحمد إسماعيل لمَّا عجز عن إثبات إمامته بمعجزة أو نصّ صريح، لجأ إلى هذه الحيلة التي لا تنطلي إلَّا على البسطاء والجهّال والمغفَّلين، وجاء بدعوى غريبة لم يدَّعها قبله أحد من العالمين، وهي أنَّ النصّ التشخيصي لا يدَّعيه إلَّا صاحبه، وكفى في بطلانها أنَّها لم ترد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام، ولم يقل بها عاقل فضلاً عن عالم فاضل، مع أنَّ الأحاديث المتكفِّلة ببيان علامات الإمام كثيرة جدَّاً، ولم تبيِّن أنَّ ادّعاء النصّ التشخيصي بالنحو الذي ذكره أحمد إسماعيل دليل على الإمامة، فكيف يمكن تصحيح مثل هذه الإمامة التي يجب أن يكون ثبوتها قطعياً لا لبس فيه؟!
ولا يخفى أنَّ عبد الله الأفطح وغيره من المدَّعين إنَّما يدَّعون أنَّهم قد أُوصي إليهم بالإمامة، فهم يدَّعون النصّ عليهم في نصّ تشخيصي يزعمون أنَّه في حوزتهم، والله تعالى لم يصرفهم عن دعواهم، ولم يحل بينهم وبين ما يدَّعون، ولذلك صار لهم أتباع يعتقدون بإمامتهم، فكيف يكون مجرَّد الادّعاء دليلاً على صحَّة الدعوى؟!
كما أنَّ القادياني قد ادَّعى أنَّ آية من القرآن تشير إليه، بل تدلُّ على نبوَّته، وكذلك ادَّعى أنَّ الأحاديث المتواترة الدالّة على ما يحدث في آخر الزمان تشير إليه، وتدلُّ على أنَّه هو الإمام المهدي والمسيح الموعود، فهو يدَّعي أنَّ النصّ التشخيصي القرآني والروائي يشيران إليه، ويدلّان عليه، فهل يجب تصديقه في دعاويه بنظر أحمد إسماعيل؟!
إنَّ دليل أحمد إسماعيل الباطل يفتح الباب على مصراعيه لقبول ادّعاءات الكاذبين المفترين، ويُجرِّئ كلّ من هبَّ ودبَّ على ادّعاء المقامات الدينية العالية، ويترتَّب على قبول هذا الدليل أنَّه يجب على الناس تصديق كلّ كاذب مفترٍ إذا زعم أنَّ بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث الصحيحة تشير إليه، وأنَّه هو المعنيُّ بها.
وحينئذٍ يجب علينا أن نُصدِّق كلّ من اسمه محمّد بن الحسن إذا ادَّعى أنَّه هو الإمام المهدي المنصوص عليه في روايات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وفي الوصيّة التي جعلها أحمد إسماعيل أساساً لدعوته؛ لأنَّه حينئذٍ يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصٍّ تشخيصي وصفه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه عاصم من الضلال بنظر أحمد إسماعيل، وهذا لا يقبله كلّ عاقل يحترم عقله، ولاسيّما إذا تعدَّد المدَّعون وكثروا.
عدم ادّعاء الكاذبين لوصايا الأنبياء عليهم السلام:
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا المنع الذي أثبتناه عقلاً، وأكَّد عليه النصّ القرآني والروائي يؤكِّده أيضاً الواقع، فمرور مئات السنين على النصّ دون أن يدَّعيه أحد كافٍ لإثبات هذه الحقيقة، فقد مرَّ على وصايا الأنبياء في التوراة ووصيّة عيسى عليه السلام مئات السنين، ولم يدَّعِها غير محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه من بعده، كما ولم يدَّعِ وصيّة النبيّ غير الأئمّة عليهم السلام).
والجواب:
أنَّنا بيَّنّا فيما سبق أنَّ الدليل الذي أسماه أحمد إسماعيل عقلياً ليس بعقلي وليس بتامّ، وأنَّ كلّ ما توهَّمه أحمد إسماعيل أنَّه من اللوازم فهو غير لازم، وأمَّا الدليل القرآني فهو مخصوص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بيَّنّاه فيما سبق، والدليل الروائي يدلُّ على خلاف ما زعمه أحمد إسماعيل، فإنَّ خمسين كذّاباً زعم كلّ واحد منهم أنَّه منصوص عليه في نصّ تشخيصي، وأنَّه هو موسى بن عمران الذي أخبر به نبيّ الله يوسف عليه السلام.
وأمَّا الواقع فيثبت أنَّ دعاوى المبطلين لا تنتهي عند حدٍّ، ويكفي في النقض على أحمد إسماعيل بادّعاء أولئك الخمسين كذّاباً الذين ادَّعى كلّ واحد منهم أنَّه موسى بن عمران، وادّعاء القادياني أنَّه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود المنصوص عليهما في الروايات الصحيحة المتواترة.
وأمَّا وصايا الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام فإنَّما لم يستطع أن يدَّعيها غير صاحبها لثلاثة أسباب مهمّة:
١ _ أنَّ تلك الوصايا كانت معيِّنة للمنصوص عليه، ومميِّزة له باسمه وشخصه وصفاته بحيث لا يلتبس بغيره، ومن غير المحتمل أن يأتي شخص آخر له نسب معروف عند الناس فيدَّعي أنَّه هو ذلك المنصوص عليه الذي له نسب آخر وصفات أُخر لا تتوفَّر في هذا المدَّعي، كما في نصّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ونصّ كلّ إمام على الإمام الذي بعده، فإنَّه من غير الممكن أن يدَّعي شخص آخر أنَّه هو المنصوص عليه.
٢ _ أنَّ كلّ من يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصٍّ مبهم، فإنَّ عليه أن يثبت صحَّة دعواه بدليل تامّ صحيح، خصوصاً إذا كان النصّ غير واضح، ولم يصل إلى الناس بسند صحيح، وإنَّما جاء على شكل رواية في كتاب مثل رواية كتاب (الغيبة) التي يتمسَّك بها أحمد إسماعيل وأنصاره، والادّعاء المجرَّد عن الإثبات لا ينفع الكاذب المبطل، ولا يخفى أنَّ كلّ كاذب مبطل لا يستطيع أن يثبت كذبه بدليل صحيح، ولهذا قلَّ في الكذّابين المبطلين من يدَّعي أنَّه منصوص عليه، ولا تحصل أمثال هذه الدعاوى الكاذبة إلَّا إذا كان النصّ ضعيف السند، وكان مبهماً غامضاً، بحيث يظنّ المبطل أنَّه يستطيع أن يتلاعب بألفاظه، ويصرفه إلى غير ما يراد به كما في رواية كتاب (الغيبة) التي يتعكَّز عليها أحمد إسماعيل.
٣ _ أنَّ كلّ من يدَّعي أنَّه منصوص عليه في نصٍّ كالوصيّة مثلاً، فإنَّ عليه أن يحضر الوصيّة الأصلية التي نُصَّ عليه فيها، ولا يكفي الإتيان برواية في كتاب، وبما أنَّه كذّاب مفترٍ فإنَّه لن يتمكَّن من الإتيان بها، وهذا الغباء لا يُقدِم عليه أكثر الدجّالين المبطلين؛ لأنَّهم ليسوا بدرجة من البلاهة بحيث يدَّعون كذباً مفضوحاً مكشوفاً لكلّ ذي عينين.
وأنا أتعجَّب أشدّ العجب ممَّن يدَّعي الإمامة والسفارة والوصاية وخمسين دعوى أُخرى باطلة، ويستدلُّ على النصّ عليه بالإمامة بورود اسم مفرد في رواية ضعيفة السند يوافق اسمه المفرد كما يوافق أسماء عشرات الأُلوف الذين تسمّوا بهذا الاسم، ثمّ يزعم أنَّ ادّعاءه دليل على صحَّة دعواه! ويعجز عن إثبات دعواه إلَّا بالادّعاءات الكاذبة فقط، كيف يُصدِّقه الناس ويتعصَّبون له؟! ولكن صدق مولانا أبو جعفر الباقر عليه السلام حيث قال فيما روي عنه: (وإنَّه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجّال إلَّا سيجد من يبايعه)(١٥١).
قال أحمد إسماعيل:
(وقد احتجَّ الإمام الرضا عليه السلام بهذا الواقع على الجاثليق، فبعد أن بيَّن النصّ من الأنبياء السابقين على الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من التوراة والإنجيل احتجَّ الجاثليق بأنَّ النصوص يمكن أن تنطبق على أكثر من شخص، فكان احتجاج الإمام الرضا عليه السلام على الجاثليق أنَّه لم يحصل أن ادَّعى الوصايا المبطلون، وهذا هو النصّ موضع الفائدة، قال الجاثليق:... ولكن لم يتقرَّر عندنا بالصحَّة أنَّه محمّد هذا، فأمَّا اسمه محمّد فلا يصحُّ لنا أن نقرّ لكم بنبوَّته، ونحن شاكّون أنَّه محمّدكم...، فقال الرضا عليه السلام: (احتججتم بالشكّ، فهل بعث الله من قبل أو من بعد مِنْ آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمّد؟ وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمّد؟)، فأحجموا عن جوابه. [إثبات الهداة: ج ١/ ص ١٩٤ _ ١٩٥]).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل زعم أنَّ الإمام الرضا عليه السلام احتجَّ على الجاثليق بأنَّه لم يحصل أن ادَّعى الوصايا المبطلون، مع أنَّ الرواية خالية من ذلك، فلم يرد فيها أيّ ذكر لأيّ وصيّة، وإنَّما كان الخلاف بين الإمام الرضا عليه السلام والجاثليق في أنَّ محمّداً المذكور في الإنجيل هل يراد به نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم، أو يراد به شخص آخر؟
ثمّ إنَّ الإمام الرضا عليه السلام لم يقل: (فهل ادَّعى أحد أنَّه نبيّ، وأنَّه هو محمّد المذكور في التوراة والإنجيل؟) حتَّى يثبت أنَّه لا يدَّعي ذلك إلَّا صاحبه، وإنَّما قال: (فهل بعث الله مِنْ قبل أو مِنْ بعد مِن آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمّد؟).
ولو سلَّمنا أنَّه قال ذلك، فإنَّه عليه السلام لم يُصرِّح بأنَّه لو ادَّعى أحد آخر أنَّه محمّد المذكور في التوراة والإنجيل لكان ذلك دليل صدقه في دعواه؛ لأنَّ الكاذب مصروف عن هذا الادّعاء.
ثمّ إنَّ أحمد إسماعيل على عادته في بتر النصوص والروايات أهمل باقي الرواية الذي يدلُّ على خلاف دعواه، وهو قوله: فقال الرضا عليه السلام: (أنت يا جاثليق آمِنٌ في ذمَّة الله، وذمَّة رسوله أنَّه لا ينالك منّا شيء تكره ممَّا تخافه وتحذره). قال: فأمَّا إذا آمنتني فإنَّ هذا النبيّ الذي اسمه محمّد، وهذا الوصيّ الذي اسمه علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور. قال الرضا: (فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور من اسم هذا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الوصيّ، وهذه البنت، وهذين السبطين، صدق وعدل، أم كذب وزور؟)، قال: صدق وعدل، وما قال الله إلَّا الحقّ. فلمَّا أخذ الرضا إقرار الجاثليق بذلك، قال لرأس الجالوت: (فاسمع الآن يا رأس الجالوت، السفر الأوّل من زبور داود). قال: هات، بارك الله عليك وعلى من ولدك. فقرأ الرضا عليه السلام السفر الأوّل من الزبور، حتَّى انتهى إلى ذكر محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، فقال: (سألتك يا رأس الجالوت بحقّ الله، هذا في زبور داود؟ ولك منّي الأمان والذمَّة والعهد ما قد أعطيت الجاثليق). فقال رأس الجالوت: نعم، هذا بعينه ألفيته في الزبور بأسمائهم. قال الرضا عليه السلام: (فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران في التوراة، هل تجد صفة محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟)، قال: نعم، ومن جحدها كان كافراً بربّه وأنبيائه. فقال الرضا عليه السلام: (فخذ الآن عليَّ سفر كذا من التوراة)، فبُهت رأس الجالوت متعجِّباً من تلاوته وبيانه وفصاحة لسانه، حتَّى إذا بلغ ذكر محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال رأس الجالوت: نعم، هذا أحمد، وإيليا، وفطيم، وشبَّر، وشبير، وتفسيره بالعربية محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام. فتلا الرضا السفر إلى تمامه، فقال رأس الجالوت _ لمَّا فرغ من تلاوته _: والله يا ابن محمّد، لولا الرئاسة التي حصلتْ لي على جميع اليهود، لآمنت بأحمد، واتَّبعت أمرك(١٥٢).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أنَّ النصّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، كان واضحاً جليّاً في التوراة والإنجيل والزبور، وأنَّ صفاتهم فيها ظاهرة لدرجة أنَّ من جحدهم فهو كافر بالله تعالى، وقد اعترف الجاثليق ورأس الجالوت بذلك، وليس هناك نبيّ عنده صهر اسمه علي، وبنت اسمها فاطمة، وولدان اسمهما الحسن والحسين إلَّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا دليل واضح على أنَّه هو المراد لا غيره.
مع أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتف في إثبات نبوَّته بذكر اسمه المبارك في التوراة والإنجيل والزبور، وإنَّما جاء بالمعجزات الكثيرة الدالّة على أنَّه نبيّ لا مُدَّعٍ للنبوَّة.
وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه ادَّعى أنَّه المشار إليه في رواية ضعيفة، سندها مظلم، وعباراتها مضطربة، وزعم أنَّ ادّعاءه المجرَّد دليل على أنَّه صادق في دعواه، ولم يأتِ بأيّ دليل يثبت إمامته، فالعجب مِنْ بلاهة مَنْ يُصدِّقه في هذه الدعوى!
قال أحمد إسماعيل:
(فاحتجاج الأوصياء السابقين بهذا النصّ حجَّة على من يؤمن بهم، وقد احتجَّ عيسى ومحمّد صلوات الله عليهما به، فعيسى عليه السلام احتجَّ بنصّ الأنبياء السابقين عليه رغم عدم مباشرتهم له، ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم كما في القرآن احتجَّ بنصّ عيسى عليه السلام ونصّ الأنبياء قبل عيسى عليه السلام عليه، قال تعالى: (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: ٦]. (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأَمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: ١٥٧]).
والجواب:
أنَّ الله تعالى قال في الآية الأُولى: (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ)، أي إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جاء قومه بالبيِّنات والمعجزات والدلائل الواضحات التي تدلُّ على أنَّه نبيّ، ولم يقتصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الاحتجاج بهذا النصّ كما فعل أحمد إسماعيل.
مع أنَّ الاسم المفرد _ وهو أحمد _ ليس نصَّاً؛ لأنَّ النصّ لا بدَّ أن يكون معيِّناً للمنصوص عليه بحيث لا يلتبس بغيره، وهذا ليس كذلك، ولهذا عُبِّرَ عنه في الآية المباركة بأنَّه بشارة لا أكثر.
وقال سبحانه في الآية الثانية: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأَمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ)، وقوله: (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ) واضح الدلالة على أنَّهم علموا بالقطع واليقين أنَّ المذكور في التوراة والإنجيل هو نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم، لا أنَّهم لمَّا رأوا الاسم المفرد في التوراة والإنجيل، ورأوا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد ادَّعى أنَّه هو المشار إليه في هذين الكتابين بهذا الاسم آمنوا به وصدَّقوه؛ لأنَّ النصّ لا يدَّعيه إلَّا صاحبه كما يزعم أحمد إسماعيل.
ثمّ إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتج على العرب بأنَّه مذكور في التوراة والإنجيل؛ لأنَّ العرب كانت أُمَّة أُمّيّة، لا تقرأ ولا تكتب، ولا يعلمون بما في التوراة والإنجيل، ولو علموا بما فيهما فإنَّهم لا يصدّقونه؛ لأنَّهم كانوا وثنيّين، لا يعتقدون بالتوراة ولا بالإنجيل.
وزَعْمُ أحمد إسماعيل أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم احتجَّ على العرب بأنَّه مذكور في التوراة والإنجيل يحتاج منه إلى إثبات، وهو لم يثبت ذلك بأيّ دليل، ولكنَّه كعادته يرسل الكلام إرسال المسلَّمات من دون دليل ولا حجَّة.
وأمَّا أحبار اليهود والنصارى فإنَّهم كانوا يعلمون أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو المشار إليه في كتبهم، ولكنَّهم كانوا يجحدون ما يعلمون أنَّه الحقّ كما مرَّ في مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع الجاثليق ورأس الجالوت.
ولو احتجَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على العرب واليهود والنصارى بأنَّه مذكور في التوراة والإنجيل، وذَكَرَ أنَّه منصوص عليه فيهما فلا محذور في ذلك؛ لأنَّ ذِكْره صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة والإنجيل ليس بالاسم المفرد فقط، وإنَّما كان مذكوراً باسمه وصفاته المعيِّنة له، والتي لا تنصرف إلى غيره كما مرَّ في كلام الإمام الرضا عليه السلام مع الجاثليق، وإقرار الجاثليق بذلك.
وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه يحتج باسم مفرد موافق لاسمه ورد في رواية ضعيفة لا تدلُّ على أحمد إسماعيل بأيّ دلالة، فأين هذا من ذاك؟!
قال أحمد إسماعيل:
(والله بيَّن في القرآن أنَّ ادّعاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لو كان باطلاً _ وحاشاه _ لما تركه يدَّعيه؛ لأنَّ الله متكفِّل بحفظ النصّ وصونه من ادّعاء المبطلين، أو يمكن أن نقول: إنَّ الله متكفِّل بصرفهم عن النصّ، (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ * وَما لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الحاقة: ٣٨ _ ٥٢]).
والجواب:
أنَّ هذه الآيات لا دلالة فيها على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لو كان مبطلاً لما تركه الله يتقوَّل عليه بأيّ قول، وإنَّما تدلُّ على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لو تقوَّل على الله بالباطل لأهلكه الله تعالى، وبين الأمرين فرق واضح.
ونحن بيَّنّا فيما سبق أنَّ الآية لا دلالة فيها على أنَّ الله تعالى يهلك المتقوِّلين بالباطل، أو يصرفهم عن أن يتقوَّلوا عليه بقول؛ لأنَّ الكاذبين المبطلين الذين يتقوَّلون على الله كثيرون كما اعترف بذلك أحمد إسماعيل فيما سبق من كلامه.
كما أنَّ الآيات لا تدلُّ على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لو كان كاذباً مبطلاً لصرفه الله تعالى عن ادّعاء أنَّه منصوص عليه في التوراة والإنجيل أو غيرهما، فإنَّ كلّ هذا أجنبي عن مفاد الآيات المباركة.
ورواية محمّد بن الفضيل التي احتجَّ بها أحمد إسماعيل فيما تقدَّم دلَّت على أنَّ المراد بالتقوّل في الآيات هو التقوّل في أمر الخلافة، بأن ينصب رجلاً خليفة على الناس من تلقاء نفسه، ويدَّعي أنَّ ذلك بأمر الله تعالى له.
ولو صرفنا النظر عن هذه الرواية فإنَّ ظاهر الآيات عامّ وشامل للتقوّل في كلّ أُمور الشريعة، ومنه الزيادة في كتاب الله تعالى من غير وحي من الله تعالى كما ربَّما يظهر لمن تأمَّل مساق هذه الآيات الشريفة.
وعليه، فهذه الآيات أجنبية عمَّا قاله أحمد إسماعيل، ولا دلالة فيها على شيء من مزاعمه الباطلة.
ولو سلَّمنا أنَّها تدلُّ على أنَّ الله تعالى سيُهلك نبيَّه إذا تقوَّل عليه فزعم كذباً أنَّه منصوص عليه في التوراة والإنجيل، فإنَّ الآيات لم تعطِ قاعدة عامّة مفادها أنَّ كلّ من تقوَّل على الله تعالى بادّعاء أنَّه منصوص عليه في نصٍّ معيَّن فإنَّ الله سيهلكه لا محالة، وأنَّ الله متكفِّل بحفظ النصوص العاصمة من الضلال حتَّى من الادّعاءات الكاذبة!
ثمّ كيف يحتجّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بآيات التقوّل على مشركي مكّة الذين لا يعتقدون بالقرآن كلّه، ولا يدركون أنَّ من يدَّعي نصَّاً تشخيصيّاً فإنَّ الله تعالى يهلكه ولا يمهله؟!
الوصيّة لم يدَّعها أحد قبل أحمد إسماعيل:
قال أحمد إسماعيل:
(وها هو كتاب الوصيّة الذي كتبه الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته موجود منذ أكثر من ألف عام في الكتب، ويستطيع أيّ إنسان أن يقرأه ويطَّلع عليه، ولكن لم يتمكَّن مبطل من ادّعائه مع كثرتهم، فالله صرف عنه كلّ مدَّعٍ كاذب، حيث ادَّعى كثيرون النبوَّة والإمامة والمهدوية، ولكن أبداً لم يتمكَّن أحدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدَّعيه).
والجواب:
أنَّ ما سمّاه أحمد إسماعيل وصيّة ليس بوصيّة كما بيَّنّا فيما سبق، وإنَّما هي رواية في كتاب، مذكور فيها بعض الأُمور التي ربَّما يكون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بها، ولا يستطيع أحمد إسماعيل أن يزعم أنَّ ما ذُكِرَ في هذه الرواية هو وصيّة كاملة.
مضافاً إلى أنَّ زعمه أنَّ هذه الوصيّة كتبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت بدليل صحيح؛ لأنَّ هذه الرواية _ كما قلنا _ مروية بسند ضعيف جدَّاً، وأكثر رواتها مجاهيل، ولعلَّ بعضهم من العامّة، وألفاظها مضطربة، وفيها مضامين مخالفة لما هو متواتر عن أهل البيت عليهم السلام، فكيف يمكن أن يكتبها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ولو كان ما جاء في هذه الرواية هو وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل لعُني بها أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ورُويت عنهم بطرق متواترة، وحثُّوا شيعتهم على الاعتقاد بالمهديّين الاثني عشر من أبناء الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وأكَّدوا على أنَّ أوّل المهديّين اسمه أحمد، وهو حفيد حفيده، لا ابنه المباشر، وأنَّه ينتمي إلى قبيلة بني سويلم بالبصرة الذين هم معروفون بأنَّهم لا ينتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إلَّا أنَّ كلّ ذلك لا عين له ولا أثر في الروايات، فضلاً عن أن يكون متواتراً.
وأمَّا زعم أحمد إسماعيل أنَّ الله تعالى صرف المدَّعين الكاذبين عن أن يدَّعوا هذه الوصيّة، وأنَّه لم يتمكَّن أحدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدَّعيه، فهذا مصادرة على المطلوب؛ لأنَّ هذا هو ما نتنازع فيه معه، فإنّا نعتقد أنَّ أحمد إسماعيل كاذب قد ادَّعى أنَّه مشار إليه في رواية الوصيّة، وأنَّ الله تعالى لم يصرفه عن ادّعائه الكاذب، وأنَّه سبحانه لم يضرب أيّ حجاب على هذه الرواية بحيث يمنع المدَّعين من ادّعاءاتهم الكاذبة.
إذا تبيَّن ذلك نقول: إنَّ الأسباب التي لأجلها لم يدَّعِ أحد هذه الدعوى قبل أحمد إسماعيل فهي:
١ _ أنَّ هذا النصّ ورد في رواية ضعيفة السند كما قلنا، معارَضة بالروايات المتواترة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام الدالّة على أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط، وليس كلّ كاذب مبطل يجازف بادّعاء خلاف ما هو متواتر عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام؛ لأنَّ المبطل يريد أن يدَّعي ما يحتمل أن يُصدِّقه بعض الناس فيه، وادّعاء خلاف المتواتر المغروس في أذهان الناس لا يُصدِّقه أكثر الناس، بل يردّونه وينكرونه.
٢ _ أنَّ كلّ مُدَّعٍ لا يستطيع أن يثبت أنَّه ابن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فضلاً عن أن يثبت أنَّه وصيّه، والإمام من بعده، وأنَّه سفيره، وغير ذلك من الادّعاءات التي ثبت كذبها، فكيف يدَّعي المبطل ادّعاءات عظيمة وكثيرة لا يمكنه إثباتها؟
٣ _ أنَّ من يدَّعي أنَّه إمام فعليه أن يُثبت أنَّه معصوم من الخطأ والزلل، والكاذب المبطل لا يستطيع أن يُثبت ذلك، بل إنَّه سيُثبت خطأه المنافي لعصمته والمبطل لإمامته.
٤ _ عدم ادّعاء المبطلين السابقين بعض ما هو مذكور في الروايات لا يدلُّ على أنَّ المبطل الأخير صادق في دعواه، وأنَّ الله صرف كلّ مبطل عن أن يدَّعي هذه الدعوى، ليدَّعيها صاحبها؛ لأنَّنا إذا أخذنا بهذه القاعدة فإنَّه يجب علينا تصديق كلّ من يدَّعي في عصرنا الحاضر أنَّه الخراساني، أو شعيب بن صالح، أو النفس الزكية، ودليله هو نفس دليل أحمد إسماعيل، وهو أنَّ الله سبحانه صرف المبطلين السابقين عن أن يدَّعي واحد منهم أنَّه أحد هؤلاء الرجال، حتَّى ادّعاها صاحبها.
ولا يخفى أنَّ السبب الحقيقي في عدم ادّعاء بعض ما هو مذكور في الروايات هو ما قلناه من أنَّ بعض الادّعاءات لا يجازف المبطل بادّعائها؛ لعلمه بعدم قدرته على إثباتها للناس وإقناعهم بها.
٥ _ أنَّ المبطل الكاذب لا يريد أن يدَّعي ما يعلم كلّ عاقل أنَّه كذب مفضوح، فلهذا لم يدَّعِ أحد أنَّه أوّل المهديّين المذكورين في رواية كتاب (الغيبة)، لا لأنَّ الله تعالى ضرب حجاباً على هذه الوصيّة، وصرف المبطلين الكاذبين عن ادّعائها! وإنَّما لأجل أنَّ أمثال هذه الادّعاءات لا يمكن للمدَّعي الكاذب أن يثبتها بدليل، فلا يجازف بادّعائها، ومن يجازف بمثل هذا الادّعاء إمَّا أن يكون مصاباً في عقله، أو يعتقد أنَّ المصابين في عقولهم الذين سيصدِّقونه في دعواه كثيرون في الناس.
أدلَّة أحمد إسماعيل على حقّية دعوته:
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا الواقع يؤكِّد ما بيَّنته فيما تقدَّم من أنَّ وصف هذا الكتاب بأنَّه عاصم من الضلال بذاته يعني أنَّه لا يدَّعيه غير صاحبه الذي ذكره الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن يدَّعيه فهو صادق، وهو صاحبه.
وهذا كافٍ كدليل تامّ وحجَّة قائمة على أحقّية [كذا] هذه الدعوة، فمن أراد الحقّ ومعرفة أحقّية [كذا] هذه الدعوة تكفيه الوصيّة وادّعائي أنّي المذكور فيها).
والجواب:
أنّا أوضحنا بطلان زعمه أنَّ رواية كتاب (الغيبة) كتاب عاصم من الضلال، وبطلان أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها، وأنَّ من ادَّعاها فهو صادق، وبهذا تكون كلّ دعاوى أحمد إسماعيل ساقطة وباطلة.
إنَّ أحمد إسماعيل لمَّا عجز عن أن يثبت أنَّه سفير للإمام المهدي، ووصيّ له، وأنَّه إمام معصوم وغير ذلك من دعاواه، لجأ إلى هذه الحيلة الواهية لكي يخدع العوامّ الجهّال والسُّذَّج، فزعم أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها، وهو في هذا لم يستند إلى أيّ دليل صحيح، لا من القرآن ولا من روايات أهل البيت عليهم السلام، وعجزه هذا أوضح دليل على أنَّه كاذب مبطل.
ونحن بيَّنّا فيما سبق أنَّ أحمد إسماعيل إنَّما لجأ إلى هذه الحيلة لعلمه أنَّ رواية كتاب (الغيبة) لا تدلُّ عليه بأيّ دلالة، ولهذا تنازل عن دلالة النصّ، ولجأ إلى أنَّ الوصيّة لا يدَّعيها إلَّا صاحبها.
وكلّ من نظر بأدنى تأمّل إلى أدلَّة هذه الدعوة الباطلة يجد أنَّها ليست أدلَّة، وإنَّما هي مجرَّد دعاوى لم يقم على صحَّتها دليل، بل قامت الأدلَّة على بطلانها وفسادها، ولهذا تراهم يلجؤون لإثبات دعوتهم بالأحلام، والاستخارات، وحسبك هذا دليلاً على أنَّهم لا أدلَّة لهم.
قال أحمد إسماعيل:
(وهناك أدلَّة كثيرة غيرها، كالعلم بدين الله وبحقائق الخلق، والانفراد براية البيعة لله، وأيضاً النصّ من الله مباشرة بالوحي لعباده بالرؤيا وغيرها من سبل شهادة الله عند خلقه لخلفائه في أرضه، فكما شهد للملائكة بخلافة آدم عليه السلام بالوحي فقد شهد الله عند عدد كبير من الناس المتفرّقين بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب بأنَّ أحمد الحسن حقّ، وخليفة من خلفاء الله في أرضه، وقد قال تعالى: (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩]، وقال تعالى: (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء: ١٦٦]).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل ذكر ثلاثة أدلَّة أُخرى غير الوصيّة تدلُّ على صحَّة دعوته، وهي:
١ _ العلم بدين الله وبحقائق الخلق.
٢ _ الانفراد براية البيعة لله.
٣ _ الرؤى والأحلام.
وهذه الأدلَّة سنتكلَّم عنها بشيء من التفصيل، فنقول:
الدليل الأوّل: العلم بدين الله وبحقائق الخلق:
ادَّعى أحمد إسماعيل أنَّه أعلم من عليها، ولهذا فإنَّه تحدَّى مراجع النجف وقم ليناظروه.
قال في أحد بياناته:
(أمَّا الآن فإنّي أُكرِّر الدَّعوة إلى بعض مراجع التقليد للمناظرة في القرآن الكريم؛ لإثبات أنَّ ما عندي من علم في القرآن هو من الإمام المهدي عليه السلام، وأنّي مرسل من الإمام عليه السلام، حتَّى لا تبقى حجَّة لمحتجّ ولا عذر لمعتذر، ومن أجل الحرص على هداية هذه الأُمَّة التي ظُلمت واستُضعفت على مرِّ العصور. أُناشد العلماء ورجال الدين والمؤمنين والناس كافّة، بأن يساعدوا على الاستجابة لدعوة المناظرة، حتَّى لا يكون الجميع مشمولين بقوله تعالى: (حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل: ٨٤]. أعاذنا الله وإيّاكم أن نكون من المكذِّبين بآيات الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يوفِّق المؤمنين للتشرف بخدمة الإمام المهدي عليه السلام، إنَّه سميع مجيب. وهذه الدَّعوة موجَّهة إلى ثلاث فئات من العلماء:
الفئة الأُولى: السيّد علي السيستاني، أو السيّد المرعشي نيابة عن السيّد السيستاني بتخويل مختوم، والسيّد محمّد سعيد الحكيم، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، وشروط المناظرة مع هؤلاء العلماء الثلاثة أن تكون المناظرة على رؤوس الأشهاد، وللناس كافّة، وفي مكان عامّ، وإذا انتهت المناظرة مع أحدهم إلى تكذيب رسول الإمام صلى الله عليه وآله وسلم، فعلى المكذِّب أن يباهل رسول الإمام في نفس المكان وأمام الناس كافّة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: ٤٢]...) إلى آخر كلامه(١٥٣).
ولا يخفى أنَّ الدَّعوة للمناظرة إنَّما هي للتدجيل على الناس؛ لأنَّ أحمد إسماعيل مختفٍ لا يظهر للناس، ولا يُعلَم أنَّه حيّ أو ميّت، فكيف سيناظر مراجع التقليد؟!
وكيف كان فإنّا لو نظرنا إلى كتبه المنسوبة إليه وبياناته وتسجيلاته فإنَّنا نجد فيها كثيراً من الأخطاء الفاضحة التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلاً عن إمام معصوم، وحيث إنَّ المقام طويل فإنّي سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة، وهي عدَّة أنواع:
١ _ أخطاء أحمد إسماعيل في قراءة القرآن:
من يستمع إلى التسجيلات الصوتية لأحمد إسماعيل يجد أنَّه وقع في أخطاء فاضحة في قراءة بعض آيات القرآن الكريم، وهي كثيرة جدَّاً، ومن أهمّ خطاباته الصوتية المسجَّلة خطابه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدَّسة، ومن المفترض أن يكون هذا الخطاب متقناً خالياً من الأخطاء؛ لأنَّه يزعم أنَّه إمام معصوم لا ينبغي أن يخطئ، ولأنَّه وجَّه كلامه لطلبة العلم الذين يُتوقَّع منهم أن يحاسبوه على كلّ هفوة في كلامه، إلَّا أنَّ كلامه مملوء بأخطاء كثيرة فاضحة في الآيات وغيرها، مع أنَّه يَظهر منه أنَّه لم يكن يتكلَّم ارتجالاً، وإنَّما كان يقرأ في ورقة.
* والمضحك أنَّه استفتح كلامه بأن أخطأ في قراءة قوله تعالى: (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) (الأعراف: ١٦٤)، حيث قرأ لفظ الجلالة مفخَّمة، ولم يُكسر نون تنوين (قَوْماً)، مع أنَّ الصحيح كسرها وترقيق لفظ الجلالة.
* وقرأ قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: ٦٩)، فأخطأ في كلمة: (سُبُلَنا)، فرفعها، فقال: (سُبُلُنا)، وهذا خطأ فاضح لا يقع فيه صغار طلبة العلم.
* وقرأ كلمة: (ضِيزى) من قوله تعالى: (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (النجم: ٢٢) بفتح الضاد، فقال: (ضَيْزَى)، مع أنَّها مكسورة الضاد.
وزعم بعض أنصار أحمد إسماعيل أنَّه إنَّما قرأها بهذا النحو على رواية أهل البيت عليهم السلام، فإنَّ من ضمن القراءات الواردة في هذه الكلمة أنَّها تُقرأ: (ضَيْزَى)، ولا يخفى أنَّ هذا الكلام تبرير بارد؛ لأنّا لم نجد في الروايات ما يدلُّ على أنَّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يقرؤونها بهذا اللفظ، مضافاً إلى أنَّ أحمد إسماعيل لو كان يُحسِن قراءة القرآن لأمكن تصديق ذلك، ولكن مع كثرة أخطائه الفاضحة فإنَّ من يُصدِّق بهذا التبرير ساذج مغفَّل.
* وقرأ قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: ٢٦)، فأخطأ فيها ثلاثة أخطاء واضحة، فإنَّه قرأ: (اللَّهُمَّ) بالتفخيم مع أنَّ الصحيح قراءتها مرقَّقة لكسر لام (قُلِ). والخطأ الثاني: أنَّه جرَّ كلمة (مالِكَ) مع أنَّها منصوبة، والثالث: أنَّه قال: (وتنزَع) بفتح الزاي، مع أنَّها مكسورة.
* وقرأ قوله تعالى: (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (الأعراف: ١٦)، فأخطأ في كلمة: (لَأَقْعُدَنَّ)، فقال: (لأَقْعِدَنَّ)، بكسر العين مع أنَّها مضمومة، ثمّ أراد تصحيحها فأخطأ فيها أيضاً، فقال: (لأَقْعَدَنَّ) بفتح العين.
* وقرأ قوله تعالى: (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (النمل: ٨٢)، فحذف الواو من كلمة (وَإِذا).
* وقرأ قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (الأعراف: ٤)، فأخطأ في كلمة: (بَياتاً)، إذ قرأها: (بِياتاً) بكسر الباء مع أنَّها مفتوحة الباء.
* وقرأ قوله سبحانه: (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الأعراف: ١٤)، فأخطأ في كلمة: (أَنْظِرْنِي)، فقرأها: (انظِرني) فجعل الهمزة همزة وصل مع أنَّها همزة قطع.
* وقرأ قوله سبحانه: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسروا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (الأعراف: ٩)، فقال: (يَظْلَمون) بفتح اللام مع أنَّه مكسورة.
* وقرأ قوله تعالى: (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (الأعراف: ١٢)، بتسكين آخر كلمة (تَسْجُدَ).
* وقرأ قوله تعالى: (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف: ١٨)، فقرأ (مَذْؤُماً) مذموماً، وقرأ: (تَبِعَكَ) بفتح الباء، فقال: (تَبَعَكَ)، مع أنَّها مكسورة.
هذا كلّه في خطاب واحد، فما بالك بأخطائه في سائر خطاباته!
والمضحك أنَّ من تبجّحاته أنَّه قال في بعض كتبه:
(وبهذا يكون اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خدِّه الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شابّاً، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمّة)(١٥٤).
وورد في موقع أنصاره في الانترنت تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن عليه السلام يدعو العلماء إلى المناظرة وأهل كلّ كتاب بكتابهم)، ما يلي:
(قال السيّد أحمد الحسن عليه السلام: أنا أعلم مِن أهل التوراة بتوراتهم، وأعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقرآنهم).
فإذا كان أحمد إسماعيل لا يُحسن قراءة آيات القرآن بصورة صحيحة، لدرجة أنّا رأينا أنَّ قراءة كثير من صبيان المسلمين للقرآن أصحُّ من قراءته، فكيف يكون أعلم من جميع علماء المسلمين في علوم القرآن وفهم معانيه؟!
٢ _ أخطاء أحمد إسماعيل اللغوية والنحوية:
وأمَّا أخطاؤه اللغوية والنحوية فحدِّث ولا حرج، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبه أو بيان من بياناته أو تسجيل من تسجيلاته من أخطاء نحوية كثيرة فاضحة.
وكما قلنا فإنَّ من أهمّ خطاباته الصوتية المسجَّلة خطابه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدَّسة، الذي ذكرنا آنفاً أخطاءه فيه في قراءة جملة من الآيات القرآنية، وأمَّا أخطاؤه اللغوية والنحوية الفاضحة في هذا الخطاب فلا تكاد تُحصر، مع أنَّ أحمد إسماعيل دأب على تسكين أواخر أكثر كلمات خطابه خوفاً من الفضيحة.
* ومن أخطائه النحوية قوله: (وأمَّا العترة فقد ذروتم حكمتهم اليمانية، ورواياتَهم الربّانية ذرو الريح للهشيم).
فنصب كلمة: (رواياتهم) بالفتحة مع أنَّها تُنصب بالكسرة.
* وقال: (تقولون: إنَّ رواياتَهم التي وصفوني بها ليست حِجَّة، ووصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأئمّة وبي وبالمهديّين ليست حِجَّة، ومعرفة القرآن وطرق السماوات ليست حِجَّة).
فنصب كلمة: (رواياتهم) بالفتحة مع أنَّها تُنصب بالكسرة، وقال: (حِجَّة) بكسر الحاء، وكرَّر ذلك ثلاث مرَّات مع أنَّها مضمومة الحاء، والفرق بين الحُجَّة والحِجَّة، أنَّ الحُجَّة هي ما يُستدلُّ به على الخصم، وهو المراد في كلامه، وأمَّا الحِجَّة فهي السَّنَة، كما قال تعالى: (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) (القصص: ٢٧)، أي ثماني سنوات، فانظر كيف تغيَّر المعنى بالكلّية، وأحمد إسماعيل لم يشعر بذلك!
* ومن أخطائه الفاضحة أنَّه قال: (والحقُّ أقول لكم: إنَّ في التوراة مكتوبْ: توكَّل عليَّ بكُلْ قلبَك، ولا تعتمد على فهمَك).
فرفع كلمة (الحقّ)، مع أنَّها منصوبة (بأقول) مقدَّرة، وسكَّن باء (مكتوب) من دون أن يُبدل تنوين النصب بألف، وسكَّن لام (كلّ)، ونصب (قلبك) مع أنَّها مجرورة بالإضافة، ونصب (فهمك) مع أنَّها مجرورة بـ (على).
* وقال: (من بيده ملكوت السماواتُ والأرض).
فرفع كلمة (السماوات) مع أنَّها مجرورة بالإضافة.
* وقال: (وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتَّى يقولْ الإمام الصادق عليه السلام: من أراد أن يرى رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرؤيا فليفعل كذا وكذا).
فإنَّه ذكر كلمة (رسول) في هذا المقطع مرَّتين، رفعها مرَّةً وجرَّها مرَّةً أُخرى، وكلاهما خطأ، والصحيح نصبهما بالفتحة؛ لأنَّ كلَّاً منهما مفعول به.
* وقال: (قال الإمام عليه السلام: إنَّ كلامنا في النوم مثلَ كلامنا في اليقظة).
فنصب كلمة (مثل)، مع أنَّ حقّها أن تُرفع؛ لأنَّها خبر (إنَّ).
* وقال: (ألم يقبل رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان خالد بن سعيد الأُموي؛ لأنَّه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى بن عمران عليه السلام).
فجرَّ كلمة (رسول) مرَّتين مع أنَّ حقّهما الرفع؛ لأنَّ كلَّاً منهما فاعل مرفوع.
* ومن أخطائه الفاضحة أنَّه قال: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما أثقل الدنيا في كفَّةَ ميزانكم).
فنصب كلمة (كفَّة) مع أنَّها مجرورة بـ (في)، وعلامة جرّها الكسرة.
* وقال: (الحسينْ عليه السلام فداءَ عرش الله سبحانه وتعالى).
فنصب كلمة (فداء) مع أنَّها مرفوعة لأنَّها خبر.
* وقال: (وواجه الحسينْ عليه السلام العلماءْ غيرِ العاملين).
فجرَّ كلمة (غير) مع أنَّ حقَّها النصب؛ لأنَّها صفة للعلماء التي هي منصوبة.
* وقال: (وواجه الحسينْ في كربلاءْ الدنيا وزخرفِها).
فجرَّ كلمة (زخرفها) مع أنَّ حقَّها النصب؛ لأنَّها معطوفة على منصوب وهو (الدنيا).
* وقال: (وأيّ خصاصة كانت خصاصةِ العبّاس عليه السلام، وأيّ إيثار كان إيثارَه؟).
فجرَّ كلمة (خصاصة) وحقّها الرفع؛ لأنَّها اسم (كان)، كما أنَّه نصب كلمة (إيثاره)، وكان اللازم رفعها؛ لأنَّها اسم (كان).
* ومن أخطائه الفاضحة أنَّه قال: (ولقد انتصر الحسينْ عليه السلام وأصحابَه في هذه المواجهة).
فنصب كلمة (أصحابه)، مع أنَّ اللازم رفعها؛ لأنَّها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* ومن أخطائه أيضاً أنَّه قال: (وأمَّا الدنيا وزخرفِها فقد طلَّقها الحسينْ عليه السلام وأصحابَه عليهم السلام وساروا في ركب الحقيقة).
فإنَّه جرَّ كلمة (وزخرفها)، مع أنها معطوفة على مرفوع وهو (الدنيا)، ونصب كلمة (أصحابه) مع أنَّ حقَّها الرفع؛ لأنَّها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* وقال: (ميزان الشهادة التي شهدها الحسينْ عليه السلام وأصحابَه عليهم السلام بدمائهم).
فإنَّه نصب كلمة (أصحابه) مع أنَّ حقّها الرفع؛ لأنَّها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* ومن أخطائه الفاضحة أيضاً أنَّه قال: (إنَّ هؤلاءْ العلماءْ غيرِ العاملين الذين يؤيِّدون حرّية أمريكا وديموقراطيتِها، أحراراً؛ فلو كانوا عبيداً للهْ لاستَحُوا من الله).
فإنَّه جرَّ كلمة (غير) مع أنَّها منصوبة بالفتحة؛ لأنَّها صفة لمنصوب وهو (العلماء)، وجر كلمة (وديموقراطيتها)، مع أنَّ اللازم نصبها بالفتحة؛ لأنَّها معطوفة على منصوب وهو (حرّية)، ونصب كلمة (أحرار) مع أنَّ حقّها الرفع؛ لأنَّها خبر (إنَّ)، وقال: (لاستَحُوا)، والصحيح: (لاستَحْيَوا).
هذا قليل من أخطائه في خطاب واحد، مع أنّي تغافلت عمَّا التزم به أحمد إسماعيل من تسكين أواخر أكثر كلمات خطابه، وتركت النظر في باقي خطابه لأنّي سئمت من عَدِّ أخطائه، وخشيت أن يملَّ القارئ الكريم من ذكر جميع الأخطاء التي وقع فيها في هذا الخطاب.
ولو تتبَّعنا أخطاءه النحوية في كتبه وباقي خطاباته لطال بنا المقام، فلا تكاد تجد تسجيلاً صوتياً له خالياً من أخطاء لغوية ونحوية فاضحة في كلّ سطر يقرؤه، وكلّ من يعرف علم النحو ويستمع إلى كلامه يجزم بأنَّه رجل جاهل بقواعد اللغة العربية، فأيّ إمام معصوم هذا؟!
ومن العجائب تبرير أحد أنصاره وهو ناظم العقيلي، حيث قال:
(فهل يعقل يا حسن النجفي أنَّ السيّد أحمد الحسن لا يُميِّز حروف الجرّ، هل هي ناصبة للأسماء أم جارّة لها؟! فهذا الأمر لا يخفى على أدنى المستويات العلمية. وأحبّ أن أُخبرك بأنَّ السيّد أحمد الحسن لا يشقّ له غبار في علوم اللغة العربية، وهو أعرف بها منك ومن أسيادك، ولكنَّه لا يبالغ في التركيز على ذلك في كتاباته بقدر ما يركِّز على وضوح المعنى وقوَّة الحجَّة والبرهان، والأخطاء التي تشدَّقت بها لا تُغيِّر المعنى، وأغلبها من الترف اللغوي الذي يضر أكثر ممَّا ينفع، وهو من الانهماك في اللغة الذي ورد النهي عنه من أهل البيت عليهم السلام كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى)(١٥٥).
ولا يخفى أنَّ هذا تبرير سخيف جدَّاً لا يصدر إلَّا من معاند مكابر؛ لأنّا لاحظنا أنَّ أحمد إسماعيل أخطأ فنصب المجرور بـ (في) و(على)، فقال: (في كفَّةَ ميزانكم)، وقال: (ولا تعتمد على فهمَك)، وهذا دليل على أنَّه دون أقلّ المستويات العلمية.
وقوله: (إنَّه لا يبالغ في التركيز على ذلك) شهادة من ناظم العقيلي بأنَّ إمامه ضعيف التركيز، ونحن لا نطلب منه المبالغة في التركيز، وإنَّما نطلب منه أدنى التفات، بحيث يرفع المرفوع، وينصب المنصوب، ويجرّ المجرور، لا أكثر من ذلك.
وزعمه أنَّ أخطاء أحمد إسماعيل لا تُغيِّر المعنى غير صحيح؛ لأنَّ من أخطائه المغيِّرة للمعنى قوله: (وأمَّا الدنيا وزخرفِها فقد طلَّقها الحسينْ عليه السلام وأصحابَه عليهم السلام) حيث نصب كلمة (أصحابَه) مع أنَّها مرفوعة؛ لأنَّها معطوفة على (الحسين)، وما يريد أن يقوله هو: (أنَّ الحسين عليه السلام وأصحابه طلَّقوا الدنيا)، ولكن لمَّا نصب أحمد إسماعيل كلمة (أصحابه) صار المعنى: (إنَّ الحسين طلَّق الدنيا وطلَّق أصحابه)، وهو معنى فاسد وغير مراد.
وزعم العقيلي أنَّ السيّد أحمد الحسن لا يشقُّ له غبار في علوم اللغة العربية من المكابرات السمجة التي لا تستحقُّ أن يُرَدُّ عليها.
٣ _ أخطاء أحمد إسماعيل في التفسير:
* ذكر أحمد إسماعيل في تفسير قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: ١٤٣)، أنَّ الأُمَّة الوسط (هم الأُمَّة المحمّدية الحقيقية، وهم الثلاث مائة الثلاث [كذا] عشر، والوسط هو الصراط المستقيم، وهو المهدي الأوّل؛ لأنَّه وسط بين الأئمّة والمهديّين، فالأُمَّة الوسط هم أتباع المهدي الأوّل وأنصار الإمام المهدي عليه السلام، وهم أيضاً خير أُمَّة أُخرجت للناس، بل وخير أئمّة)(١٥٦).
فإنَّ كلامه متضارب جدَّاً؛ لأنَّه قال: (إنَّ الأُمَّة الوسط هم الثلاثمائة والثلاثة عشر)، ثمّ عدل عن كون هؤلاء هم الوسط، فقال: (والوسط هو المهدي الأوّل)، ومن المعلوم أنَّ الخبر عين المبتدأ، وهنا جعل الأُمَّة هي الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلاً، وجعل الخبر وهو الوسط: المهدي الأوّل، فكيف يُخبَر عن الجمع بمفرد مغاير له؟!
ثمّ عدل عمَّا قاله قبل سطرين، وقال: (إنَّ الأُمَّة الوسط هم أتباع المهدي الأوّل وأنصار الإمام المهدي عليه السلام)، ولا يخفى أنَّ الثلاثمائة والثلاثة عشر ليسوا أتباع المهدي الأوّل وهو أحمد إسماعيل، وإنَّما هم أنصار الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ثمّ وصف أتباع المهدي الأوّل بأنَّهم خير أُمَّة وخير أئمّة، ومن المعلوم أنَّ أتباع المهدي الأوّل ليسوا بأئمّة، فانظر مقدار التضارب والهذيان في كلام له لا يتجاوز خمسة أسطر!
* وفي تفسير قوله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلهِ قانِتِينَ) (البقرة: ٢٣٨)، قال:
(والصلاة هي الولاية، أي حافظوا على الولاية، والصلاة الوسطى أي الولاية بين الأئمّة والمهديّين، أي ولاية المهدي الأوّل في بداية ظهور الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّ المهدي الأوّل من المهديّين، وأيضاً يُعَدُّ من الأئمّة كما في الروايات عنهم عليهم السلام التي تَعُدُّ الأئمّة من ولد علي وفاطمة عليهما السلام اثني عشر)(١٥٧).
ولا يخفى أنَّ عطف الصلاة الوسطى على الصلوات _ وهو ما يُعبَّر عنه بذِكْر الخاصّ بعد العامّ _ إنَّما هو لبيان أهمّية الخاصّ، وولاية المهدي الأوّل _ وهو أحمد إسماعيل كما يزعم _ ليست أكثر أهمّية من ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وولاية باقي الأئمّة المعصومين عليهم السلام لتكون مخصوصة بالذكر دون ولاية باقي الأئمّة عليهم السلام!
والمهدي الأوّل ليست له ولاية خاصّة به في بداية ظهور الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنَّه تابع للإمام المهدي عليه السلام ورعيّة له، فأيّ ولاية له؟ وإذا كانت له ولاية فإنَّها ستكون بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام وتولّي المهدي الأوّل مقاليد الإمامة، وولايته حينئذٍ لا خصوصية لها ليرد التأكيد عليها دون غيرها.
أضف إلى ذلك أنَّ الآية التي بعد هذه الآية، وهي قوله سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة: ٢٣٩) يدلُّ على أنَّ المراد بالصلوات في الآية السابقة هي الصلوات المعروفة؛ لأنَّ ما يصحُّ أن يؤتى به رجالاً أو ركباناً في حال الخوف هو الصلاة لا الولاية كما هو واضح.
هذا مع أنَّ ما قاله أحمد إسماعيل مخالف لما دلَّت عليه الروايات الصحيحة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في تفسير هذه الآية.
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: (وقال تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)، وهي صلاة الظهر، وهي أوّل صلاة صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي وسط النهار، ووسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة وصلاة العصر)(١٥٨).
ومنها: صحيحة أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (صلاة الوسطى: صلاة الظهر، وهي أوّل صلاة أنزل الله على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم)(١٥٩).
وغيرهما من الروايات الدالّة على خلاف ما يقوله أحمد إسماعيل.
* وفي تفسير قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (النساء: ١)، قال:
(خلق الله سبحانه وتعالى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ خلق منه علياً، وفاطمة، نوراً ظاهره علي، وباطنه فاطمة، ثمّ خلق الخلق منهما)(١٦٠).
وهو كلام يخالف ظاهر الآية المباركة؛ فإنَّ ظاهر الآية أنَّ ابتداء الخلق نفس واحدة، ثمّ خلق منها زوجها، وهو إشارة واضحة لآدم وحوّاء عليهما السلام، وهو معنى قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: ١٣).
وليس المراد أنَّ ابتداء الخلق كان من نفس واحدة، وهو نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي خُلِقَ منه عليٌّ وفاطمة عليهما السلام؛ لأنَّ الله تعالى قال: (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها)، وأمير المؤمنين والسيّدة فاطمة عليهما السلام ليسا زوجاً للنفس الأُولى!
ويظهر من قوله: (ثمّ خلق الخلق منهما) أنَّ الضمير فيه يعود على علي وفاطمة عليهما السلام؛ لأنَّه لو كان عائداً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة عليهما السلام لقال: (ثمّ خلق الخلق منهم)، مع أنَّ ظاهر قوله تعالى: (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) أنَّ الله تعالى خلق من النفس الأُولى وزوجها رجالاً كثيراً ونساءً.
* وقال أحمد إسماعيل في تفسير قوله تعالى: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (النور: ٣٥):
(فالزيتون، والشجرة التي تخرج من طور سيناء، والتي تنبت بالدهن، والزيتونة اللاشرقية ولا غربية كلّها تشير إلى شخص واحد، هو المهدي الأوّل في زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فهو الزيتون في السورة التي نحن بصددها، وهو الشجرة التي تخرج من طور سيناء (أي النجف) كما روي عن أمير المؤمنين والصادق عليه السلام)(١٦١).
وهذا الكلام فيه عدَّة مجازفات، فإنَّ قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ * فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (المؤمنون: ١٨ _ ٢٠)، واضح الدلالة على أنَّ الله تعالى أنزل ماءً من السماء، فخلق به جنّات فيها ثمار شتّى، وكذلك أنشأ به شجرة تخرج من طور سيناء، وهي شجرة حقيقية خلقها الله بماء المطر، يستفاد منها في الأكل، كما أنشأ الله سبحانه جنّات من نخيل وأعناب وفواكه كثيرة لهذا الغرض، ولهذا وصف الله تعالى شجرة طور سيناء بأنَّها تنبت بالدهن وصبغ للآكلين، وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون المباركة كما ذكر ذلك المفسّرون.
قال الطبرسي قدس سره:
((تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أي تَنبُت ثمرها بالدهن(١٦٢)؛ لأنَّه يُعصر من الزيتونِ الزيتُ، (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) والصبغ ما يُصطَبغ به من الأُدُم، وذلك أنَّ الخبز يلوَّن بالصبغ إذا غُمِسَ فيه، والاصطباغ بالزيت الغمس فيه للائتدام به، والمراد بالصبغ الزيت... عن ابن عبّاس)(١٦٣).
وأمَّا قوله تعالى: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) فلا يراد به شجرة حقيقية معيَّنة؛ لأنَّ الله سبحانه ضرب هذا مَثَلاً، فقال: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ).
وعليه، فكيف يمكن أن تكون هذه الشجرة التي يستفيد منها الناس في الأكل والزيت هي المهدي الأوّل؟! وكيف يكون المهدي الأوّل هو الشجرة التي ذكرها الله سبحانه في المثل الذي ضربه لنوره؟! وما خصوصية المهدي الأوّل من دون باقي الأئمّة الأطهار عليهم السلام لتكون له هذه الخصوصية؟!
هذا مع أنَّ أحمد إسماعيل خالف كلامه الذي قاله هنا في موضع آخر في تفسير هذه الآية، فقال:
((يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) شجرة في وسط الجنَّة هي شجرة علم محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، التي نهى الله آدم عليه السلام عن الأكل منها، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)؛ لأنَّها كلمات الله سبحانه، وهي القرآن، فهذا الزيت هو المدد الإلهي وهو القرآن)(١٦٤).
فأيّ التفسيرين هو الصحيح يا أُولي الألباب؟
* وفي تفسير قوله تعالى: (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (مريم: ٥٢)، وقوله: (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (القصص: ٣٠)، قال:
(الشجرة هي الشجرة المباركة في القرآن، وهي شجرة آل محمّد عليهم السلام، وفروعها الأئمّة والمهديّون...، والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو اليماني (المهدي الأوّل من المهديّين)، والبقعة المباركة هو [كذا] الحسين عليه السلام، فالكلام من الطور الوادي الأيمن، أي اليماني (المهدي الأوّل)، والوادي الأيمن الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأوّل (اليماني) من ولد الحسين؛ لأنَّه من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام، والبقعة المباركة من الشجرة (أي محمّد وعلي عليهما السلام)، فالحسين من محمّد وعلي عليهما السلام...).
إلى أن قال:
(فمكلِّم موسى هو الله، ومكلِّم موسى هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو علي عليه السلام، ومكلِّم موسى هو المهدي الأوّل (اليماني))(١٦٥).
وهذا الكلام هذيان واضح.
أمَّا قوله: (الشجرة هي شجرة آل محمّد عليهم السلام، وفروعها الأئمّة والمهديّون)، فهو باطل؛ لأنَّ ظاهر الآية المباركة أنَّ الله تعالى نادى نبيّه موسى عليه السلام نداءً حقيقياً خلقه سبحانه وجعله منبعثاً من شجرة حقيقية، فأسمعه موسى عليه السلام، ولا معنى لمناداة موسى عليه السلام من شجرة آل محمّد عليهم السلام.
وقوله: (والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو اليماني (المهدي الأوّل من المهديّين))، هذيان واضح؛ لأنَّ معنى الآية على هذا: أنَّ الله تعالى نادى موسى عليه السلام من جانب المهدي الأوّل، وهذا كلام لا يصدر من عاقل.
مع أنَّ الآية الثانية فيها تصريح بأنَّ النداء كان من شاطئ الوادي الأيمن، فلا ندري ما هو شاطئ أحمد إسماعيل الذي نودي منه موسى عليه السلام؟
وقوله: (والبقعة المباركة هو الحسين عليه السلام) يُضحِك الثكلى؛ لأنَّه على هذا يكون المهدي الأوّل هو الجانب الأيمن من الإمام الحسين عليه السلام، ويكون معنى الآية: أنَّ الله تعالى نادى موسى عليه السلام (من الشجرة) أي من شجرة آل محمّد عليهم السلام، لكن ليس من جميع الشجرة وإنَّما من الجانب الأيمن من (الطور) وهو المهدي الأوّل، (في البقعة المباركة) وهي الإمام الحسين عليه السلام، أي إنَّ المهدي الأوّل موجود في الإمام الحسين عليه السلام.
وهذا كما قلنا هذيان واضح لكلّ ذي عينين، وليس تفسيراً لآيات الكتاب العزيز.
وقوله: (والوادي الأيمن: الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأوّل (اليماني) من ولد الحسين)، مخالف لظاهر الآية، فإنَّه سبحانه قال: (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ)، أي إنَّ الوادي الأيمن موجود في البقعة المباركة، لا من البقعة المباركة، حتَّى يُفسر بأنَّ المهدي الأوّل من الإمام الحسين عليه السلام.
ثمّ كيف يكون مكلِّم موسى هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، أو علي عليه السلام، أو المهدي الأوّل (اليماني)، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (النساء: ١٦٤)، مع أنَّ النداء هو: (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)، فهل يمكن أن يُنادى موسى عليه السلام بهذا النداء من قِبَل غير الله تعالى؟!
* ومن هذيان أحمد إسماعيل أيضاً ما ذكره في تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: ٧)، حيث قال:
(العرش هو القرآن، والماء هو محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، نور الله سبحانه وتعالى، وهو يجري في السماوات والأرض وفي الخلق كما يجري الماء في الأنهار)(١٦٦).
فإنَّ معنى الآية هو أنَّ الله تعالى لمَّا خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام كان القرآن على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا ندري ما فائدة ذلك، وما أهمّيته؟!
ولو تتبَّعنا كلماته في تفسير آيات القرآن الكريم لرأينا فيها العجائب والغرائب التي لا يُصدِّق عاقل أنَّها صادرة من شخص يدَّعي الإمامة والمهدوية، ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
٤ _ أخطاء أحمد إسماعيل في الفقه:
لا يخفى أنَّ الفقه يعسر فيه بيان أيّ خطأ لفقيه أو مُدَّعٍ للفقاهة إلَّا ببيان دليل المسألة الذي ربَّما لا يفهمه أكثر الناس، ولو أنَّك أقمت الدليل على وقوع الخطأ فربَّما يزعم زاعم أنَّ صاحب الفتوى لم يخطئ فيها؛ لأنَّه توصَّل إلى ما لم يتوصَّل إليه غيره، وكان عنده من الأدلَّة في هذه المسألة ما لم يكن عند غيره، خصوصاً بالنسبة إلى هذا الرجل الذي يدَّعي أنَّه يتلقّى الأحكام من الإمام المهدي المنتظر عليه السلام مباشرةً.
وعليه فمن الصعب جدَّاً إقناع القارئ المحايد فضلاً عن الموالي لأحمد إسماعيل البصري بأنَّه أخطأ في هذه المسألة الفقهية أو تلك.
نعم، يمكن إثبات ذلك ببيان تناقض كلامه في موردين، وهذا كافٍ في بيان كذب دعواه أنَّه يتلقّى الأحكام الفقهية وغيرها من الإمام المهدي عليه السلام.
فإنَّ أحمد إسماعيل قال في كتاب (شرائع الإسلام):
(وأمَّا ماء البئر فإنَّه ينجس بالملاقاة إذا كان ما فيه أقلّ من كرّ، وماؤه يأتيه بالرشح، أمَّا إذا كان ماؤه يأتيه بالعين المتَّصلة بمادّة الماء الجوفي أو كان ماؤه كرَّاً فما فوق فلا ينجس إلَّا بتغيُّر أحد أوصافه: اللون أو الطعم أو الرائحة، وطريقة تطهيره: يُنزَح منه ماء بحسب ما وقع فيه.
١ _ من موت العصفور إلى الدجاجة أو ما في حجمها فيه: بين (١٠ لتر [كذا] _ ١٠٠ لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله، والعقرب والحيّة والوزغ يُنزَح لها بين (٣٠ لتر _ ٧٠ لتر) [كذا] بحسب حجم الحيوان وحاله)(١٦٧).
وكلامه هذا دليل على أنَّه يرى أنَّ ما مات من العقارب والحيّات والوزغ كلّه نجس، وإذا وقع في البئر تنجَّس، ولزم تطهيره بنزح بعض الماء منه.
ولكنَّه قال في تعداد النجاسات:
(السادس والسابع: الكلب والخنزير، وهما نجسان عيناً ولعاباً، وما عداهما من الحيوان فليس بنجس، والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة طاهرة)(١٦٨).
وقال أيضاً قبل ذلك:
(الرابع: الميتة: ولا ينجس من الميتات إلَّا ما له نفس سائلة...)(١٦٩).
والمراد بما له نفس سائلة: ما له عروق ينبعث منها الدم إذا قُطعت كالإنسان والشاة والبعير ونحوها، وهذه ميتتها نجسة، وأمَّا ما ليس له نفس سائلة كالوزغ والذباب والعقرب والحيّة فليس كذلك، وربَّما يرشح منها الدم رشحاً كالسمك مثلاً، وهذه ميتتها طاهرة.
قال الشيخ الطوسي في الخلاف:
(مسألة ١٤٥: ما لا نفس له سائلة، كالذباب، والخنفساء، والزنابير وغير ذلك، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء، ولا المائع الذي يموت فيه...).
إلى أن قال:
(دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل طهارة الماء، والحكم بنجاسة هذه الأشياء يحتاج إلى دليل. وروى عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سُئل عن الخنفساء، والذباب، والجراد، والنملة، وما أشبه ذلك يموت في البئر، والزيت والسمن وشبهه؟ قال: (كلّ ما ليس له دم فلا بأس به). وروى حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: (لا يُفسِد الماء إلَّا ما كانت له نفس سائلة)(١٧٠).
فإذا كانت الوزغة طاهرة عند أحمد إسماعيل فلماذا أوجب نزح (٣٠) لتراً لموتها في البئر، مع أنَّه صرَّح بأنَّ الغرض من النزح هو التطهير؟!
وممَّا أعدُّه خطأً _ وأمثاله كثير _ تحديده لأقلّ زمان نكاح المتعة بستّة أشهر، حيث قال:
(وأمَّا الأجل فهو شرط في عقد الزواج المنقطع، ولو لم يذكره انعقد دائماً، وتقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، وأقلّه ستّة أشهر)(١٧١).
مع أنَّه لم يرد في شيء من روايات أهل البيت عليهم السلام تحديد أقلّ زمان نكاح المتعة بستّة أشهر.
قال صاحب الجواهر قدس سره:
((و) كيف كان فـ (تقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، كالسنة والشهر واليوم)؛ لإطلاق الأدلَّة الخالية عن تحديده قلَّةً وكثرةً، بل صريح غير واحد منها التعليق على ما شاءا من الأجل وتراضيا عليه، مؤيَّداً ذلك بإطلاق الفتاوى على وجه يمكن دعوى الإجماع عليه، وما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقلّ بما بين طلوع الشمس والزوال محمول على المثال، وإلَّا كان محجوجاً بما عرفت)(١٧٢).
٥ _ أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات الأنبياء عليهم السلام:
فإنَّ كتب أحمد إسماعيل اشتملت على طعون متعدِّدة في مقامات بعض الأنبياء عليهم السلام.
منها: أنَّه زعم في كتابه (المتشابهات) أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام كان يعتقد بأرباب غير الله تعالى، فقال:
(فإبراهيم عليه السلام لمَّا كُشِفَ له ملكوت السماوات، ورأى نور القائم عليه السلام قال: (هذا ربّي)، فلمَّا رأى نور علي عليه السلام قال: (هذا ربّي)، فلمَّا رأى نور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هذا ربّي)، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنَّهم عباد إلَّا بعد أن كُشِفَ له عن حقائقهم، وتبيَّن أُفولهم وغيبتهم عن الذات الإلهية، وعودتهم إلى الأنا في آنات، وعندها فقط توجَّه إلى الذي فطر السماوات، وعلم أنَّهم عليهم السلام (صنائع الله، والخلق بعد صنائع لهم) كما ورد في الحديث عنهم عليهم السلام)(١٧٣).
ولا يخفى أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام أَجَلُّ وأعرف بالله تعالى من أن يقع في هذه الوقعة العظيمة، فيعتقد أنَّ له أرباباً من دون الله تعالى ولو في بعض الآنات؛ إذ كيف يرى نوراً في السماء فيعتقد أنَّه ربّه، ثمّ يرى نوراً آخر، فينصرف عن اعتقاده الأوّل، ويعتقد أنَّ هذا النور الثاني هو ربّه، ثمّ يرى نوراً ثالثاً، فيعتقد أنَّ هذا النور هو ربّه!؟
مع أنَّ كلام أحمد إسماعيل خلاف ظاهر الآيات الشريفة، فإنَّ الله تعالى قال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: ٧٦)، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: ٧٧)، (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (الأنعام: ٧٨)، فإنَّه سبحانه وتعالى ذكر أنَّ إبراهيم عليه السلام رأى كوكباً، ثمّ رأى القمر، ثمّ رأى الشمس، وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه ذكر أنَّه إنَّما رأى أنواراً، ولم يرَ كوكباً أو القمر والشمس.
مع أنَّ إبراهيم عليه السلام لم يخبر بأنَّه يعتقد أنَّ هذه المخلوقات أرباباً له، وإنَّما قال: هذا ربّي؟ على نحو الإنكار والاستخبار، كأنَّه قال: أهذا ربّي؟ منكراً أن يكون هذا ربَّه، ومستخبراً، أي سائلاً لمن يسمعه، فكأنَّه سأله قائلاً: هل تقول: إنَّ هذا ربّي؟
وقوله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) (الأنعام: ٨٣) فيه دلالة واضحة على أنَّ ما قاله إبراهيم عليه السلام إنَّما كان في مقام الاحتجاج على قومه، وأمَّا على تفسير أحمد إسماعيل فالأمر ليس كذلك.
وفي الروايات ما يدلُّ على ما قلناه، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم، قال: حضرتُ مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: (بلى)...
إلى أن قال: فقال المأمون: أشهد أنَّك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقَّاً، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقّ إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)، فقال الرضا عليه السلام: (إنَّ إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزُّهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب(١٧٤) الذي أُخفي فيه (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)، فرأى الزهرة قال: (هذا رَبِّي) على الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ) الكوكب (قالَ لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ)؛ لأنَّ الأُفول من صفات المحدَث لا من صفات القِدَم، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) على الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)، يقول: لو لم يهدني ربّي لكنت من القوم الضالّين، (فَلَمَّا) أصبح و(رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الإخبار والإقرار، (فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ) للأصناف الثلاثة من عَبَدَة الزهرة والقمر والشمس: (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشركُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشركِينَ)، وإنَّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيِّن لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أنَّ العبادة لا تحقُّ لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنَّما تحقُّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتجَّ به على قومه ممَّا ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ))، فقال المأمون: لله درّك يا ابن رسول الله(١٧٥).
كما أنَّ أحمد إسماعيل زعم أنَّ نبيّ الله يوسف عليه السلام أشرك، فإنَّه قال:
(وأوحى الله ليوسف: إنَّ هذا السجين سينجو، وسيكون قريباً من الملك (برؤيا السجين)، وأوحى الله ليوسف عليه السلام: إنَّ هذا الملك سيُخرجه من السجن، وإنَّ هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، أراد بهذا أن يبيِّن لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطرّ في المستقبل إلى ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلى حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأى الرؤيا التي ستكون سبباً في خروج يوسف عليه السلام من السجن. وهنا التفت يوسف عليه السلام إلى الأسباب، ومع أنَّه لم يغفل عن مسبِّب الأسباب كما توهَّم بعضهم أنَّه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإنَّ يوسف عليه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمةً ووزناً في ميزانه، وهو عليه السلام الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضى من حياته، وهذا الشرك الخفي ذُكِرَ في آخر سورة يوسف: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشركُونَ))(١٧٦).
وزعم أحمد إسماعيل كذلك أنَّ موسى كان عنده أيضاً شرك الأنا.
قال في كتابه (رحلة موسى إلى مجمع البحرين):
(إذن، جاء موسى عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنَّه ظنَّ أنَّه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلتَ هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلى منه مقاماً بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتّباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أنَّ الأمر يعود إلى مواجهة موسى عليه السلام مع الله سبحانه وتعالى، فهو في كلّ مرَّة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنَّه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلى الله، أي إنَّهم يستهينون ربَّما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بآرائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنَّها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى في حقيقتها وواقعها _ وفي حين أنَّهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتَّى أن يلتفتوا إلى فشلهم)(١٧٧).
بل إنَّه نفى العصمة عن موسى عليه السلام في بعض مراتبها، فقال:
(موسى عليه السلام نبي مرسل من الله معصوم منصوص العصمة، ومع هذا يأمره الله سبحانه أن يتَّبع العبد الصالح ولا يخالفه، وهو نفسه قد تعهَّد بعدم المخالفة (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً)، ولكنَّه أخلف وعده، وخالف العبد الصالح، ولو كانت المخالفة واحدة وفي مرَّة واحدة لهانت، ولكنَّه خالف في كلّ الامتحانات والاختبارات، فهي كانت ثلاثة، وخالف في ثلاثتها، يعني موسى عليه السلام هنا قد خالف أمر الله، وإذا لم تشأ قَوْل: (إنَّه خالف أمراً مباشراً)، فليكن أنَّه خالف تعهّده، وهذا أكيد ينقض العصمة هنا وفي هذا الموقف)(١٧٨).
وفي جواب لأحمد إسماعيل يشير إشارة واضحة إلى أنَّه أفضل من نبيّ الله موسى من بعض الجهات، فقد ورد له سؤال نصّه:
(ما المواصفات التي أهَّلتك لهذه المهمّة، أو لنقل: ماهية المواصفات التي ميَّزتك عن باقي أبناء الشيعة لكي يختارك مهديّهم لسفارته؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(عندما كلَّم الله موسى عليه السلام قال له: (إذا جئتَ للمناجاة فاصحب معك من تكون خيراً منه). فجعل موسى عليه السلام لا يعترض أحداً إلَّا وهو لا يجترئ أن يقول: (إنّي خير منه)، فنزل عن الناس، وشرع في أصناف الحيوانات، حتَّى مرَّ بكلب أجرب، فقال: أصحبُ هذا. فجعل في عنقه حبلاً، ثمّ مرَّ به، فلمَّا كان في بعض الطريق نظر موسى عليه السلام إلى الكلب، وقال له: لا أعلم بأيّ لسانٍ تسبِّح الله، فكيف أكون خيراً منك؟ ثمّ إنَّ موسى عليه السلام أطلق الكلب، وذهب إلى المناجاة، فقال الربّ: يا موسى أين ما أمرتك به؟ فقال موسى عليه السلام: يا ربّ لم أجده. فقال الربّ: يا ابن عمران، لولا أنَّك أطلقت الكلب لمحوتُ اسمك من ديوان النبوَّة).
وعقَّب أحمد إسماعيل على ذلك بقوله:
(وأنا العبد الحقير لا يخطر في بالي أنّي خير من كلب أجرب، بل أراني ذنْباً عظيماً يقف بين يدي ربّ رؤوف رحيم)(١٧٩).
وفي كلامه إشارة واضحة إلى أنَّه إنَّما صار مؤهَّلاً للسفارة لأنَّه خير من موسى بن عمران عليه السلام من جهة إنكاره لذاته.
٦ _ أخطاء أحمد إسماعيل في مقامات أهل البيت عليهم السلام:
* فإنَّ أحمد إسماعيل ذكر أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام عقله مغلوب من جهة الأنا والظلمة، فقد وُجِّه إليه سؤال نصّه: (ما معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح: (عقلي مغلوب)؟).
فأجاب بقوله:
(من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمّد [كذا] صلى الله عليه وآله وسلم، وكان في مرتبة (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)، وهي مرتبة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(١٨٠).
كما أنَّه ذكر أنَّ (الإنسان) في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسر) (العصر: ٢) هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد له سؤال نصّه: (ما معنى قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسر)؟).
فأجاب بقوله:
(أمير المؤمنين علي عليه السلام، فهو الإنسان، وهو في خسر نسبةً إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فمقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلى وأعظم من مقام الإمام علي عليه السلام، فالرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هو مدينة الكمالات الإلهية في الخلق أو مدينة العلم، وعلي عليه السلام هو الباب...)(١٨١).
وهذا كلام باطل جزماً؛ لأنَّ الله تعالى يقول: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: ٣)، فاستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات عن أن يكونوا في خسر، وفي هذا دلالة واضحة على أنَّ المراد بالإنسان هو جنس الإنسان، لا واحد بعينه؛ لأنَّه لو كان واحداً بعينه كما يقول أحمد إسماعيل لما صحَّ هذا الاستثناء منه.
ثمّ ما هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام بخصوصه في خسر نسبةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ والحال أنَّه إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام في خسر فإنَّ باقي الناس كذلك من باب أولى.
وكان اللازم على أحمد إسماعيل أن يبيِّن للقرّاء ماذا خسر أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكلّ حياته طاعة لله تعالى وجهاد وتضحيات في سبيله، وهو الذي قال عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: (فُزْتُ وربِّ الكعبة).
* وممَّا ذكره أحمد إسماعيل أيضاً أنَّ الإمام الحسين عليه السلام فيه شِرْك نفسي، وهو الأنا، فقد ورد إليه سؤال نصّه: (ما معنى قول الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: (إلهي أخرِجْني من ذلِّ نفسي، وطهِّرني من شكِّي وشِرْكي)؟).
فأجاب بجواب طويل ذكر فيه أنَّ الشرك ثلاثة أنواع، إلى أن قال:
(٣ _ الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بدَّ للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم، التي بدونها لا يبقى إلَّا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكلّ عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين عليه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشكّ، وكان الإمام الحسين عليه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده، التي بدونها لا يبقى إلَّا الله الواحد القهّار سبحانه، وبالتالي فإنَّ الحسين عليه السلام كأنَّه يقول: (إلهي لا أحد يستحقّ الوجود إلَّا أنت، ووجودي ذَنْبٌ عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلَّا بفنائي وببقائك أنت سبحانك). وهذا الشكّ والشرك بالقوَّة لا بالفعل، أي إنَّ منشأه موجود، لا أنَّه موجود بالفعل، أي إنَّ قابلية الفعل موجودة، لكنَّها غير متحقّقة بالفعل، أي لا توجد في الخارج...)(١٨٢).
والتهافت كثير في هذا الكلام، فإنَّ الشرك والشكّ إذا كانا غير موجودين بالفعل فلماذا يدعو الإمام الحسين عليه السلام ربَّه لكي يطهِّره منهما؟ ولِمَ يدعو عليه السلام أن يطهِّره الله سبحانه من الشكّ والشرك اللذين بدونهما لا يبقى إلَّا الله تعالى؟ وهل يصحّ أن يكون معنى كلام الإمام الحسين عليه السلام أنَّه لا أحد يستحقّ الوجود إلَّا الله، وأنَّ وجوده ذَنْبٌ عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلَّا بفنائه؟! مع أنَّه عليه السلام لم يتسبَّب في وجوده، وكان وجوده بفعل الله تعالى، وهو نعمة ورحمة أسبغهما الله سبحانه وتعالى عليه!
والغريب أنَّ أحمد إسماعيل مع ذلك يزعم أنَّه تخلَّص من ظلمة الأنا، حيث قال:
(وهكذا الإمام المهدي عليه السلام يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنَّه فُتِحَ له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأوّل، فكما يَصْدُق: (أنفسنا وأنفسكم) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام، كذلك يصدق هنا على الإمام المهدي عليه السلام والمهدي الأوّل عليه السلام، من جهة الرداء الذي لبسه رسول الله وأمير المؤمنين، وهو روح القدس الأعظم، وإلَّا فلا تساوي بينهما إلَّا من هذه الجهة، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي عليه السلام، وكذلك الإمام المهدي عليه السلام أفضل من المهدي الأوّل، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم، الذي تردَّى به المهدي الأوّل؛ لأنَّه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح، بينما الإمام المهدي عليه السلام حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنَّه في آنات لا يبقى إلَّا الله الواحد القهّار. أمَّا المهدي الأوّل فلم يحصل له الفتح، لهذا يُسدَّد بروح القدس الأعظم، ويُدعى له بـ: (أن يعبدك لا يشرك بك شيئاً)، أي حتَّى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلَّا الله)(١٨٣).
وفي هذا الكلام من الهراء ما لا يخفى، فإنَّ الإمام المهدي عليه السلام والمهدي الأوّل إذا صدق عليهما: (أنفسنا وأنفسكم) كما زعم أحمد إسماعيل، فإنَّ الإمام المهدي إذا حصل له الفتح فقد حصل الفتح للمهدي الأوّل أيضاً؛ لأنَّه نفسه ووصيّه، والإمام من بعده، ووزيره، والحاكم في دولته بزعم أحمد إسماعيل، ولا حاجة لأن يكون للمهدي الأوّل فتح خاصٌّ به.
ثمّ إنَّ كلّ إمام معصوم يحتاج إلى تسديد روح القدس دائماً كما دلَّت عليه الأحاديث، والإمام المهدي عليه السلام كذلك حتَّى بعد حصول الفتح له في زمن الغيبة، ولا معنى لما زعمه أحمد إسماعيل من أنَّ الإمام المهدي عليه السلام لمَّا حصل له الفتح في غيبته فإنَّ تسديده يكون من الفتح؛ إذ كيف يكون الفتح مسدِّداً للإمام المهدي عليه السلام؟ وأيّ فتح هذا الذي حصل للإمام المهدي عليه السلام في زمن غيبته حتَّى أغناه عن أن يُسدِّده روح القدس؟!
بل إنَّ الإمام المهدي عليه السلام بعد قيام دولته أكثر حاجة لتسديد روح القدس له؛ لكثرة الحوادث والوقائع وشدَّة الحاجة إلى الحكم فيها بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يتطلَّب التسديد المؤكَّد كما دلَّت الروايات على أنَّ الإمام المعصوم يُسدِّده روح القدس إذا أراد أن يحكم بحكم ولم يكن عنده في تلك الواقعة شيء.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره في (الكافي) بسند موثَّق عن عمّار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: (بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، تلقّانا به روح القدس)(١٨٤).
وروى الصفّار في (بصائر الدرجات) بسنده عن علي بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، إنَّ الناس يزعمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجَّه علياً عليه السلام إلى اليمن ليقضي بينهم، فقال عليٌّ: (فما وردتْ عليَّ قضيّة إلَّا حكمتُ فيها بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم). فقال: (صدقوا). قلت: وكيف ذاك ولم يكن أُنزل القرآن كلّه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غائباً عنه؟ فقال: (تتلقّاه به روح القدس)(١٨٥).
ومن غرائب كلمات أحمد إسماعيل في كتابه: (إضاءات من دعوات المرسلين) أنَّه قال:
(فأينما تتَّجهون فإنَّ قبلتكم إلى الله هي وجه الله (وليّ الله وحجَّته على خلقه)؛ لأنَّ روحه لا تُقيَّد بقيد الأجسام، فهي موجودة ومحيطة بكم من كلّ الجهات، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، بل لو تفقهون هذه الكلمات لعرفتم الحقيقة، فآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم الطعام الذي تأكلون، والماء الذي تشربون، والهواء الذي تتنفَّسون، قال عيسى عليه السلام: (أنا خبز الحياة)، وآل محمّد هم موسى وهامان، وهم إبراهيم ونمرود، وهم نار إبراهيم، وهم بردها وسلامها، فقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، وآل محمّد هم الرحمن في الخلق، وهم صنائع الله والخلق صنائع لهم، وخلقهم الله، ومنهم عليهم السلام خلق الخلق)(١٨٦).
وهذا الكلام فيه من الغرائب ما لا يخفى؛ إذ كيف يكون آل محمّد عليهم السلام موسى وهامان، وإبراهيم ونمرود، فتكون حقيقتهم عليهم السلام جامعة للمتضادّات التي لا تجتمع بحال؟!
وإذا أمكن أن نؤوِّل كلامه بأنَّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم موسى وإبراهيم عليهما السلام، أي إنَّهم كموسى وإبراهيم في أنَّهم حُجج الله تعالى الذين تجب طاعتهم، ويجب التمسّك بهم، فلا يمكن أن نؤوِّل قوله: (إنَّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هم هامان ونمرود)، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
٧ _ غرائب وعجائب من علم أحمد إسماعيل:
كلّ من يطالع الكتب المنسوبة إلى أحمد إسماعيل يرى أنَّها اشتملت على كثير من الغرائب والعجائب التي لا يُصدِّقها عاقل، وسأذكر نماذج من غرائبه ليتبيَّن للقارئ العزيز صحَّة ما قلته فيه، فمن هذه الغرائب:
١) أنَّ الحجر الأسود هو أحمد إسماعيل نفسه:
فإنَّه قال في كتابه (المتشابهات):
(بقي أنَّ أمانة كلّ إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو كما عبَّر عنه عليه السلام: بأنَّه مَلَك ابتلع كتاب العهد والميثاق، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة، وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأوّل واليماني، وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العدل الإلهي والممهِّد الرئيسي لها، والحاكم الأوّل بعد قائدها الإمام المهدي عليه السلام)(١٨٧).
وهذا كلام كسابقه لا معنى له، بل هو كلام متهافت، فتارةً يقول: إنَّ الحجر الأسود مَلَك، وتارةً أُخرى يقول: (إنَّه إنسان)!، فكيف يمكن الجمع بين هذين الادّعاءين؟!
ثمّ كيف يكون الحجر الأسود هو اليماني والمهدي الأوّل، مع أنَّ الحجر الأسود والمهدي الأوّل شيئان متباينان؟!
ولا ندري بعد هذا ماذا سيحدث إذا قام المهدي الأوّل الذي هو اليماني بثورته ليمهِّد للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، فهل سيبقى الحجر الأسود في مكانه؟ أم أنَّ الحجر الأسود سيتحوَّل بقدرة قادر إلى ثائر عنيد يحارب أعداء الله، وينتقم منهم؟!
وعلى هذا فإنَّ نقطة انطلاق الحجر الأسود الذي هو المنصور اليماني من الركن العراقي في الكعبة المشرفة مع أنَّ الروايات دلَّت على أنَّ اليماني سيخرج من اليمن، ومن صنعاء بالخصوص.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام في حديث قال: قلت: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدول، واستخفَّ الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتُّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية)(١٨٨).
وروى النعماني بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذُكِرَ عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: (أنَّى يخرج ذلك؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء)(١٨٩).
وإذا كان الحجر الأسود هو المنصور اليماني فينبغي لأحمد إسماعيل أن يبيِّن للناس لماذا لا يزال الحجر الأسود في موضعه مع أنَّ اليماني _ وهو بزعمهم أحمد إسماعيل _ موجود في العراق!
٢) أنَّ أحمد إسماعيل كان حَجَراً في يمين أمير المؤمنين عليه السلام:
قال في كتابه (الجواب المنير عبر الأثير):
(أنا العبد الحقير الخسيس الذليل قليل العمل كثير الزلل، أراني ذَنْباً عظيماً بين يدي ربّ رؤوف رحيم، أمرني أبي وسيّدي محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام أن أقول هذه الكلمات: أنا حَجَر في يمين علي بن أبي طالب عليه السلام، ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح عليه السلام، ومرَّة لينجي إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وتارة ليخلِّص يونس عليه السلام من بطن الحوت، وكلَّم به موسى عليه السلام على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرعاً لداود عليه السلام، وتدرَّع به في أُحُد، وطواه بيمينه في صفّين)(١٩٠).
أقول:
سبحان الله العظيم، ما أعظم هذا الحجر وأكثر بركته، وغرابة تحوّله من شيء غريب إلى شيء آخر أغرب منه، والأغرب من كلّ ذلك أنَّه إمام معصوم، وثائر يمهِّد للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، ولا ينقضي العجب منه إذا عرفت أنَّه حجر قد ولدته امرأة من أهل البصرة، فخرج من بطنها إنساناً لا يَعرف نَسَبه بزعمه إلَّا بعد أن شارف على الأربعين!
وهذا الذي قاله أحمد إسماعيل ونسبه زوراً وبهتاناً للإمام المهدي عليه السلام كلّه هراء وهذيان، مخالف للقرآن الكريم ولأحاديث أهل البيت عليهم السلام، أمَّا مخالفته للقرآن فإنَّه دلَّ بوضوح على أنَّ الله تعالى أنجى نبيّه إبراهيم عليه السلام بأن جعل النار برداً وسلاماً عليه، قال سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (الأنبياء: ٦٩)، ولم يطفئها سبحانه بحجر ألقاه أمير المؤمنين عليه السلام في تلك النار.
وأمَّا مخالفته لأحاديث أهل البيت عليهم السلام فإنَّها دلَّت على أنَّ جبرئيل عليه السلام أعطى إبراهيم عليه السلام ثوباً من الجنَّة لا يضره معه حرّ ولا برد، فإنَّ الكليني قدس سره روى بسنده عن مفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام؟)، قال: قلت: لا. قال: (إنَّ إبراهيم عليه السلام لمَّا أُوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنَّة، فألبسه إيّاه، فلم يضره معه حرّ ولا برد، فلمَّا حضر إبراهيمَ الموتُ جعله في تميمة، وعلَّقه على إسحاق، وعلَّقه إسحاق على يعقوب، فلمَّا وُلِدَ يوسف عليه السلام علَّقه عليه، فكان في عضده، حتَّى كان من أمره ما كان، فلمَّا أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) [يوسف: ٩٤]، فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنَّة). قلت: جُعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: (إلى أهله). ثمّ قال: (كلّ نبيّ ورَّث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم)(١٩١).
وإذا كان الله أنجى إبراهيم عليه السلام بجعل النار برداً وسلاماً عليه، وبقميص أنزله جبرئيل عليه السلام له من الجنَّة، فما هو دور هذا الحجر المزعوم المسمَّى بأحمد إسماعيل في نجاة إبراهيم عليه السلام بعد هذا كلّه؟
وأمَّا نبيّ يونس عليه السلام فإنَّ الله تعالى خلَّصه من بطن الحوت بأن نبذه منه إلى العراء بحكمته سبحانه وإرادته، لا بحجر كان في يمين علي عليه السلام. قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (الصافات: ١٣٩ _ ١٤٥).
وكذلك الحال في باقي هذيانه، فلا حاجة لبيان بطلانه لوضوحه.
٣ _ أنَّ أحمد إسماعيل هو شبيه عيسى بن مريم الذي فدّاه بنفسه:
قال أحمد إسماعيل:
(وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى عليه السلام، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صُلِبَ وقُتِلَ)، فكان درعاً له وفداءً، وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمّد عليهم السلام، صُلِبَ، وقُتِلَ وتحمَّل العذاب لأجل قضيّة الإمام المهدي عليه السلام).
إلى أن قال:
(وكلّ الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلَّموا، لم يذهب أحد منهم صامتاً إلى الذبح، بل هم أُرسلوا ليتكلَّموا ويُبكِّتوا ويعظوا الناس، وعيسى عليه السلام بالخصوص كم بَكَّتَ العلماء والناس، وكم وعظهم، فلا يَصدِقُ عليه أنَّه ذهب إلى الذبح صامتاً، بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامتاً هو الوصيّ: (شبيه عيسى) الذي صُلِبَ وقُتِلَ دون أن يتكلَّم، أو يطلب من الله أن يصرف عنه العذاب والصلب والقتل، ودون أن يتكلَّم مع الناس)(١٩٢).
وهذه المسألة ذكرناها فيما سبق في ادّعاءات أحمد إسماعيل، والغريب أنَّه إذا كانت له تلك المقامات العظيمة التي يدَّعيها لنفسه، فكيف يكون فداءً لعيسى بن مريم عليه السلام، مع أنَّه يُصرح كما مرَّ سابقاً في ادّعاءاته أنَّه خير من عيسى عليه السلام، فكيف يُفدي من هو دونه في الفضل؟! إنَّ هذا لشيء عجيب!!
علماً أنَّ الروايات فيها ما يدلُّ على أنَّ الذي فدَّى نبيّ الله عيسى عليه السلام هو أحد حواريّيه الاثني عشر، فقد روى علي بن إبراهيم في تفسيره بسند صحيح عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنَّ عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رَفَعَه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلاً، فأدخلهم بيتاً، ثمّ خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إنَّ الله أوحى إليَّ أنَّه رافعي إليه الساعة، ومطهِّري من اليهود، فأيّكم يُلقى عليه شبحي، فيُقتل ويُصلَب، ويكون معي في درجتي؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هو ذا)(١٩٣).
فهل كان أحمد إسماعيل موجوداً في ذلك العصر؟
الذي يظهر من ادّعاءاته أنَّه كان موجوداً بجسمه هذا في عصور متعدِّدة، وأنَّه قام بأدوار عظيمة، ولا أعجب إلَّا ممَّن يُصدِّقه في هذه الادّعاءات التي دليل كذبها معها!
اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي:
قال أحمد إسماعيل:
(وأيضاً بالنسبة للمسلمين السُّنَّة فقد حثَّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نصرة المهدي، وأسماه (خليفة الله المهدي) كما في الروايات الصحيحة في كتب السُّنَّة، وقد جئتهم واسمي يواطئ اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أحمد)، واسم أبي يواطئ اسم أب رسول الله (إسماعيل) كما نصَّت الروايات والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أنا ابن الذبيحين: عبد الله وإسماعيل)).
والجواب:
أنَّ المذكور في روايات أهل السُّنَّة هو الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وإنَّما يعرفه أهل السُّنَّة بعد خروجه وقيامه لتطهير الأرض من كلّ ظلم وجور، وأمَّا الكذّابون المدَّعون للمهدوية _ كأحمد إسماعيل الذي لم يأتِ على صحَّة دعاواه بدليل واحد صحيح _ فلا قيمة لدعاواهم كلّها.
والروايات التي دلَّت على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واسم أبيه اسم أبيه وردت في حديث من طرق أهل السُّنَّة بصيغ مختلفة، وأكثر ما يقال فيه: (إنَّه حديث حسن عندهم).
مع أنَّ هذا الحديث المتعدِّد الطرق يرد عليه عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ هذا الحديث تنتهي طرقه إلى عاصم بن أبي النجود صاحب القراءة المشهورة، وهو معروف عندهم بسوء الحفظ.
قال الذهبي: (ثَبْتٌ في القراءة، وهو في الحديث دون الثَّبْت، صدوق يهم.
وقال يحيى القطّان: ما وجدتُ رجلاً اسمه عاصم إلَّا وجدته رديء الحفظ.
وقال النسائي: ليس بحافظ.
وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.
وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.
وقال شعبة: حدَّثَنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها.
وقال ابن سعد: ثقة إلَّا أنَّه كثير الخطأ في حديثه.
وقال أبو حاتم: ليس محلّه أن يقال: ثقة)(١٩٤).
(وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وهو ثقة.
وقد تكلَّم فيه ابن علية وقال: كان كلّ من اسمه عاصم سيِّئ الحفظ.
وقال العقيلي: لم يكن فيه إلَّا سوء الحفظ)(١٩٥).
وحديث: (يواطئ اسمه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي) رواه عاصم عن زر بن حبيش، وقد أعلَّ بعض علماء أهل السُّنَّة خصوص روايات عاصم المرويّة عن زر بن حبيش كما في هذه الرواية.
قال ابن رجب: (كان حفظه سيِّئاً، وحديثه خاصّةً عن زر وأبي وائل مضطرب، كان يُحدِّث بالحديث تارةً عن زر، وتارةً عن أبي وائل)(١٩٦).
قلت: إذا كان حال الرجل هكذا فكيف يصحُّ التعويل على روايته في مسألة عقديّة مهمّة كهذه المسألة؟
٢ _ أنَّ الرواية عن عاصم قد اختلفت من هذه الناحية، فمنهم من رواها عنه من دون ذكر: (واسم أبيه اسم أبي)، ومنهم من رواها عنه مشتملة على هذه الزيادة.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: (يلي رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي)(١٩٧).
وأخرج أيضاً بسنده عن سفيان الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الدنيا حتَّى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي)(١٩٨).
والذين رووا هذا الحديث عن عاصم خالياً من قوله: (واسم أبيه اسم أبي) أكثر من (١٨) رجلاً ذكرتهم بالتفصيل في كتابي (من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟)، وبعض الرواة الذين رووا هذا الحديث مشتملاً على هذه الزيادة، رووه أيضاً عن عاصم خالياً منها، كما أنَّ هذا الحديث روي بأسانيد غير مشتملة على عاصم بن أبي النجود خالياً من قوله: (واسم أبيه اسم أبي)(١٩٩).
٣ _ أنَّا لو سلَّمنا أنَّ هذا الحديث صحيح، وأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فعلاً قال ذلك، فإنَّه لا يدلُّ بالجزم واليقين على أنَّ المراد باسم أبيه هو (عبد الله) كما يقول أهل السُّنَّة، ولا (إسماعيل) كما يقول أحمد إسماعيل البصري؛ لأنَّه يمكن حمل هذه الرواية على أنَّ المراد بالاسم فيها هو الكنية، فربَّما أُطلق الاسم وأُريد به الكنية.
فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد، قال: ما كان لعلي اسم أحبُّ إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح به إذا دُعي بها(٢٠٠).
ومن الواضح أنَّ (أبا تراب) كنية وليست باسم؛ لأنَّ الكنية هي كلّ ما صُدِّر بأب أو أُمّ، ولهذا قال ابن حجر في فتح الباري: (قوله: (باب القائلة في المسجد) ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته أبا تراب)(٢٠١).
وراوي الحديث وهو سهل بن سعد قال عن الكنية: (إنَّها اسم).
وعليه فيكون المراد بالحديث هو أنَّ كنية والد المهدي ككنية والد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فكلاهما أبو محمّد.
ومن الواضح أنَّ غرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم _ على فرض صدور الحديث _ هو الإشارة إلى الإمام المهدي عليه السلام بما يحتمل أكثر من معنى؛ لتذهب العقول حيث شاءت؛ ولئلَّا تتيسر معرفته، فلا يتمكَّن الطالبون لقتله عليه السلام والساعون للإمساك به من تمييزه، ولهذا قال عبارة طويلة غير صريحة في بيان الاسم، وهي: (يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي)، وكان من السهل إيجازها بما هو أبلغ منها وأصْرَح، بذكر اسمه واسم أبيه الصريحين لو كان اسمه محمّد بن عبد الله، ولأجل ذلك احتملنا أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم من أجل الإيغال في الإبهام أطلق الاسم وأراد الكنية.
٤ _ لو سلَّمنا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد الاسم، ولم يرِد أن يكنّي عن الإمام المهدي عليه السلام، فلا دليل عندنا يرجِّح أنَّ اسمه أحمد بن إسماعيل، بل الراجح على هذا الفرض أن يكون اسمه (محمّد بن عبد الله) كما يقول أهل السُّنَّة؛ لأنَّه لا حاجة لانتساب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبٍ بعيد وهو إسماعيل؛ إذ لا خصوصية في المقام لإسماعيل عليه السلام، وإذا كان لا يريد _ لأيّ سبب _ أن ينتسب لأبيه القريب وهو عبد الله، فحينئذٍ تتعيَّن النسبة إلى أشهر آبائه السابقين، وهو إبراهيم الخليل عليه السلام.
والنتيجة أنَّ ما استدلَّ به أحمد إسماعيل البصري لا ينطبق عليه من قريب ولا بعيد، وأنَّ المراد بالمهدي في الحديث هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهو الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام.
أين النصّ التشخيصي؟
قال أحمد إسماعيل:
(وقد جئتكم بالنصّ التشخيصي الموصوف بأنَّه عاصم من الضلال لمن تمسَّك به).
والجواب:
أنَّ المراد بالنصّ التشخيصي هو النصّ على الإمام بما يعيِّنه ويميِّزه عن غيره، وأحمد إسماعيل لم يأتِ بنصّ تشخيصي على إمامته، والوصيّة التي يدندن بها ليست نصَّاً، لا تشخيصيّاً ولا غيره؛ لأنَّ هذه الوصيّة ضعيفة السند كما قلنا مكرَّراً، ومع التسليم بصحَّة سندها فإنَّا أوضحنا فيما تقدَّم أنَّها لا تدلُّ على أحمد إسماعيل البصري، لا من قريب ولا من بعيد.
والضمير في قوله: (له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي)، لا يعود على ابن الإمام المهدي عليه السلام، وإنَّما يعود على الإمام المهدي نفسه، بدليل ورود روايات أُخر فيها تصريح بأنَّ الإمام المهدي له هذه الأسماء.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر المهدي فقال: (إنَّه يُبايَع بين الركن والمقام، اسمه: أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها)(٢٠٢).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر: (يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، له اسمان: اسم يخفى واسم يُعلن، فأمَّا الذي يخفى فأحمد، وأمَّا الذي يُعلن فمحمّد، إذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوَّة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميّت إلَّا دخلت عليه تلك الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه)(٢٠٣).
ومع التسليم بأنَّ الضمير يعود على (ابنه)، فإنَّ أحمد إسماعيل البصري ليس ابناً مباشراً للإمام المهدي عليه السلام كما يعترف هو، ونحن لا نسلِّم له أنَّه ابن للإمام المهدي عليه السلام بالواسطة كما يدَّعي؛ لأنَّ أحمد إسماعيل من عشيرة البوسويلم في البصرة، وهؤلاء لا ينتسبون للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ولا لسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو معروف عنهم، وهم لا يدَّعون ذلك لأنفسهم، بل ينكرونه.
ولو سلَّمنا أنَّ أحمد إسماعيل البصري ابن غير مباشر للإمام المهدي عليه السلام، وأنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الجدّ الرابع لأحمد إسماعيل، فإنَّ ظاهر الرواية الذي يؤيِّده الإطلاق اللغوي هو أنَّ الابن يُراد به غالباً الابن المباشر، بقرينة أنَّ كلمة (الابن) استعملت في الرواية كما قلنا تسع مرَّات بمعنى الابن المباشر، ولو أُريد الابن بواسطة فلا بدَّ من نصب قرينة على ذلك، فكيف يصحُّ أن يُراد بالابن بعد الإمام المهدي الابن بوسائط متعدِّدة من دون أيّ قرينة على ذلك؟!
الدليل الثاني: الدعوة إلى حاكمية الله:
قال أحمد إسماعيل:
(وجئت بالعلم، والانفراد براية البيعة لله).
والجواب:
أمَّا العلم فقد بيَّنا جوانب مختلفة من جهل أحمد إسماعيل البصري وأخطائه الكثيرة، ولو أردنا أن نتتبَّع كتاباته لكتبنا كتباً في عدَّة مجلَّدات تبيِّن فضائحه العلمية، ولكن يكفي في الدلالة على عدم إمامته ذكر خطأ واحد له في قراءة القرآن أو في تفسيره، وقد بيَّنّا ذلك فيما سبق.
وأمَّا الانفراد براية البيعة لله، وهو ما أسماه في كثير من كلماته بالدعوة إلى حاكمية الله، فإنَّ مراده بها هو نفس مراد الخوارج الذين قالوا: (لا حُكْم إلَّا لله)، أي إنَّ الحكم لله، ولا حقَّ للناس فيه، وأحمد إسماعيل يدعو الناس إلى رفض الانتخابات وعدم المشاركة في ترشيح رئيس أو حاكم.
والسبب في ذلك أنَّ أحمد إسماعيل يرى في نفسه أنَّه هو الحاكم المطلق في هذا العصر؛ لأنَّه إمام معصوم مفترض الطاعة، لا يحلُّ لأحد أن يخالفه أو يكذِّبه.
قال في كتابه (حاكمية الله لا حاكمية الناس):
(جميع الأديان السماوية تقرُّ حاكمية الله سبحانه وتعالى، ولكن الناس عارضوا هذه الحاكمية ولم يقرّوها في الغالب إلَّا القليل مثل قوم موسى عليه السلام في عهد طالوت، أو المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنَّهم ما أن توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى عادوا إلى معارضة حاكمية الله سبحانه، وإقرار حاكمية الناس بالشورى والانتخابات وسقيفة بني ساعدة التي نحَّت الوصيّ علي بن أبي طالب عليه السلام...
ومع أنَّ الجميع اليوم ينادون بحاكمية الناس والانتخابات، سواء منهم العلماء أم عامّة الناس، إلَّا أنَّ الغالبية العظمى منهم يعترفون أنَّ خليفة الله في أرضه هو صاحب الحقّ، ولكن هذا الاعتراف يبقى كعقيدة ضعيفة مغلوبة على أمرها في صراع نفسي بين الظاهر والباطن، وهكذا يعيش الناس وبالخصوص العلماء غير العاملين حالة نفاق تقلق مضاجعهم، وتجعلهم يترنَّحون، ويتخبَّطون العشواء [كذا]، فهم يعلمون أنَّ الله هو الحقّ، وأنَّ حاكمية الله هي الحقّ، وأنَّ حاكمية الناس باطل ومعارضة لحاكمية الله في أرضه، ولكنَّهم لا يقفون مع الحقّ، ويؤيّدون الباطل)(٢٠٤).
ثمّ قال:
(والمهمّ أنَّ على عامّة الناس أن يجتنَّبوا اتّباع العلماء غير العاملين؛ لأنَّهم يقرّون حاكمية الناس والانتخابات والديمقراطية التي جاءت بها أمريكا (الدجّال الأكبر)، وعلى الناس إقرار حاكمية الله واتّباع الإمام المهدي عليه السلام، وإلَّا فماذا سيقول الناس لأنبيائهم وأئمّتهم؟ وهل يخفى على أحد أنَّ جميع الأديان الإلهية تقرُّ حاكمية الله، وترفض حاكمية الناس، فلا حجَّة لأحد في اتّباع هؤلاء العلماء بعد أن خالفوا القرآن والرسول وأهل البيت، وحرَّفوا شريعة الله سبحانه وتعالى)(٢٠٥).
وهذا الكلام مردود بعدَّة أُمور:
١ _ أنَّ الدعوة إلى حاكمية الله ليست دليلاً على الإمامة، ولم نجد في كتاب الله العزيز أو في روايات أهل البيت عليهم السلام ما يدلُّ على أنَّ مجرَّد الدعوة إلى حاكمية الله دليل على الإمامة، وأنَّ كلّ من دعا إلى ذلك فهو إمام تجب على الناس طاعته.
كما أنَّا لم نجد في كتاب أحمد إسماعيل (حاكمية الله لا حاكمية الناس) أيّ دليل على أنَّ الدعوة إلى هذه الحاكمية دليل على الإمامة.
٢ _ أنَّ كلّ المسلمين يَدْعون إلى حاكمية الله تعالى لا حاكمية الناس، عملاً بقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ) (الأنعام: ٥٧)، وقوله سبحانه: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: ٣٦)، والدعوة إلى حاكمية الله ليست مقتصرة على أحمد إسماعيل البصري.
وعليه، فإنَّ دليل الإمامة هذا الذي يتشدَّق به أحمد إسماعيل يشاركه فيه أكثر المسلمين، فإذا كان هذا دليلاً صحيحاً على الإمامة فإنَّ أكثر المسلمين أئمّة، وهذا لا يقوله أحد.
٣ _ أنَّا لا ندري أنَّ أحمد إسماعيل يدعو إلى حاكمية الله؛ لأنَّ ما هو موجود في موقع أنصاره لا نعلم بصحَّة نسبته إليه، فلعلَّه متقوَّل عليه، فكيف يكون مثل ذلك دليلاً على إمامته؟!
٤ _ سلَّمنا جدلاً أنَّ أحمد إسماعيل يدعو إلى حاكمية الله تعالى، لكن من الواضح أنَّ أحمد إسماعيل إنَّما يدعو الناس إلى ذلك لأنَّه يريد أن يسلِّموه الحكم، باعتباره سفير الإمام المهدي عليه السلام، مضافاً إلى كونه بزعمه إماماً معصوماً، وهذه ليست دعوة إلى حاكمية الله، وإنَّما هي دعوة إلى حاكمية أحمد إسماعيل، وبين الأمرين فرق كبير.
٥ _ سلَّمنا أنَّ أحمد إسماعيل يدعو إلى حاكمية الله حقيقة، إلَّا أنَّ هذه الدعوة لا تصلح دليلاً على الإمامة كما هو واضح لكلّ ذي عينين؛ لأنَّ الدعوة لحاكمية الله لو كانت دليلاً على الإمامة لنادى بها كلّ طامع في الإمامة والحكم، ولما استطعنا أن نميِّز بين المحقّ والمبطل، وإمام الحقّ يجب أن تكون فيه علامات لا تتوفَّر في غيره من أئمّة الجور والضلال كما دلَّت عليه الروايات الصحيحة.
٦ _ أنَّ المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لا تستلزم القول بحاكمية الناس؛ لأنَّ هؤلاء المشاركين في الانتخابات لا ينتخبون إماماً دينياً يجب الإيمان به والاعتقاد بإمامته، وإنَّما ينتخبون من يعمل على إصلاح شؤونهم المعيشية، ويُصلِح أوضاعهم الاقتصادية، من دون أن يعتقدوا أنَّ له ولاية دينية عليهم، أو أنَّ انتخابهم له يضفي عليه شرعية دينية، يترتَّب عليها أنَّه يجب عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وإلَّا فهم آثمون عاصون!
وحال هؤلاء المشاركين في الانتخابات حال جماعة يعملون في شركة، يقومون بانتخاب رئيس لهم يدير شؤون الشركة، ويعمل ما فيه مصلحتها ومصلحتهم.
وأنا أتعجَّب من عَدِّ أحمد إسماعيل الدعوة إلى حاكمية الله دليلاً على إمامته، فإنَّ ذلك _ كما قلنا _ لم يرد في روايات أهل البيت عليهم السلام، بل إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أنكر على الخوارج هذه الدعوة، وردَّ على قولهم: (لا حكم إلَّا لله)، بقوله: (كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ)(٢٠٦)، وهكذا الحال مع أحمد إسماعيل، فإنَّه يدعو لحاكمية الله من أجل الاستيلاء على الحكم لا أكثر.
الدليل الثالث: الرؤى والأحلام:
من أهمّ أدلَّة أحمد إسماعيل على صحَّة دعوته: الرؤى والأحلام.
قال أحمد إسماعيل في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقمّ المقدَّسة:
(تقولون: (نحن نقبل شهادة العدلين)، فها الله [كذا] يشهد لي، ومحمّد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن ومحمّد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون، أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟ ألم يخبروكم أنَّهم يجتمعون على صاحب الحقّ إذا جاء، وقالوا عليهم السلام: (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدّوا إلينا بالسلاح) [غيبة النعماني: ص ١٩٧]).
إلى أن قال:
(تستخفّون الناس، وتقولون لهم: وهل رأيتم رسول الله حتَّى تعرفونه بالرؤيا؟ سبحان الله، وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا)، والروايات كثيرة في هذا المعنى، فراجعوا (دار السلام) وغيره من كتب الحديث. تقولون: (الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، فتردّون شهادة المؤمن العادل، الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بالحقّ؟ فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟ (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضَيزَى)).
وقد كتب أنصار أحمد إسماعيل عدَّة كتب يؤكِّدون فيها على أنَّ الأحلام حجَّة في إثبات الإمامة وغيرها؛ لأنَّها وحي من الله تعالى.
من ضمن كتبهم: كتاب (الرؤيا في مفهوم أهل البيت) و(حجّية الرؤيا)، كلاهما لضياء الزيدي.
وبيان هذه المسألة يقتضي ذكر عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ الأحلام ربَّما تكون صادقة وربَّما تكون كاذبة، وهي ليست كلّها على نسق واحد.
وهذا ما يؤيِّده الواقع، ودلَّت عليه الروايات.
منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام)(٢٠٧).
وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟ قال: (صدقت، أمَّا الكاذبة مختلفة، فإنَّ الرجل يراها في أوّل ليلة في سلطان المردة الفسقة، وإنَّما هي شيء يُخيَّل إلى الرجل، وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها، وأمَّا الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السحر، فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله، إلَّا أن يكون جُنُباً، أو ينام على غير طهور ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره، فإنَّها تختلف، وتبطئ على صاحبها)(٢٠٨).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن محمّد بن القاسم النوفلي، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربَّما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً؟ فقال: (إنَّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلّ ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحقّ، وكلّ ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام...)(٢٠٩).
وفي توحيد المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: (فَكِّرْ يا مفضَّل في الأحلام كيف دبّر الأمر فيها، فمزج صادقها بكاذبها، فإنَّها لو كانت كلّها تصدق لكان الناس كلّهم أنبياء، ولو كانت كلّها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فَضْلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحياناً، فينتفع بها الناس في مصلحة يُهتدى لها، أو مضرة يُتحذَّر منها، وتَكْذِبُ كثيراً لئلَّا يُعتمَد عليها كلّ الاعتماد)(٢١٠).
ومن هذه الروايات وغيرها يتبيَّن أنَّ الرؤى منها ما هو صادق، ومنها ما هو كاذب، فهي ليست على شاكلة واحدة، فلا يصحُّ الاعتماد على كلّ رؤيا؛ لأنَّها ربَّما تكون كاذبة.
٢ _ أنَّ رؤى الأنبياء والأئمّة عليهم السلام حقّ؛ لأنَّ الشيطان لا يتلاعب بهم، ولا سبيل له عليهم، فلا تُقاس رؤى الناس برؤى الأنبياء عليهم السلام، وكثيراً ما يلبِّس أحمد إسماعيل وأنصاره على الناس، فيحتجّون عليهم برؤيا إبراهيم عليه السلام حين رأى في المنام أنَّه يذبح ابنه، ورؤيا يوسف عليه السلام حين رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدين له، ورؤيا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (الإسراء: ٦٠) وغيرها.
ورؤى الناس لا تُقاس برؤى الأنبياء عليهم السلام؛ لأنَّ رؤى الأنبياء وحي، وأمَّا رؤى الناس فمنها ما هو صادق، ومنها ما هو أضغاث أحلام.
قال الشيخ المفيد قدس سره:
(والذي نذهب إليه في الرؤيا أنَّها على أَضْرُب، فضرب منه يبشر الله به عباده ويحذِّرهم، وضرب تهويل من الشيطان وكذب يخطر ببال النائم، وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض، ولسنا نعتمد على المنامات كما حكاه، لكنَّنا نأنس بما نُبشر به، ونتخوَّف ممَّا نُحذَّر منها، ومن وصل إليه شيء من علمها عن ورثة الأنبياء عليهم السلام ميَّز بين حقّ تأويلها وباطله، ومتى لم يصل إليه شيء من ذلك كان على الرجاء والخوف. وهذا يُسقِط ما لعلَّه سيتعلَّق به في منامات الأنبياء عليهم السلام من أنَّها وحي؛ لأنَّ تلك مقطوع بصحَّتها، وهذه مشكوك فيها، مع أنَّ منها أشياء قد اتَّفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتَّى لم يختلفوا فيه، ووجدوه حسناً)(٢١١).
٣ _ أنَّ الرؤى لا تثبت بها الأحكام الشرعية، ولا العقائد الدينية؛ لأنَّ الأحكام والعقائد إنَّما تؤخذ من الكتاب العزيز، والسُّنَّة الصحيحة، والعقل، وأمَّا الأحلام والرؤى فليست أحد مصادر التشريع حتَّى لو كانت الرؤيا صادقة.
وعلى هذا أطبق علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً.
قال الشيخ المفيد قدس سره: (ومع ذلك فإنَّا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة المنامات)(٢١٢).
وقال الشيخ الحرّ العاملي قدس سره: (وتواترت الروايات بأنَّ بعض الرؤيا صادق، وبعضها كاذب، وتواترت أيضاً بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعية إلى أهل العصمة عليهما السلام)(٢١٣).
وقال الشيخ المجلسي قدس سره: (بقي الكلام في أنَّه هل يكون حجَّة في الأحكام الشرعية؟ فيه إشكال، فإنَّه قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق عليه السلام في حديث الأذان: (إنَّ دين الله تبارك وتعالى أعزّ من أن يُرى في النوم)، ويمكن أن يقال: المراد أنَّه لا يثبت أصل شرعية الأحكام بالنوم، بل إنَّما هي بالوحي الجلي، ومع ذلك ينبغي أن يُخصّ بنوم غير الأنبياء والأئمّة عليهم السلام؛ لما مرَّ أنَّ نومهم بمنزلة الوحي، لكن هذه الأخبار ليست بصريحة في وجوب العمل به، إذ لعلَّه مع العلم بكونه منهم عليهم السلام لم يجب العمل به، إذ مناط الأحكام الشرعية العلوم الظاهرة)(٢١٤).
وعليه، فإنَّ الرؤى والأحلام لا يثبت بها تكليف شرعي، لا وجوب ولا حرمة، ولا غيرهما، والأحكام الشرعية إنَّما تثبت بالكتاب والسُّنَّة دون غيرهما من الأحلام والاستخارات التي ثبت أنَّها ليست بحجَّة في معرفة شيء من الأحكام الشرعية.
وقد سأل السيّد مهنّا بن سنان العلَّامةَ الحلّي قدس سره، فقال:
(ما يقول سيّدنا في مَن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعض الأئمّة عليهم السلام وهو يأمره بشيء، أو ينهاه عن شيء، هل يجب عليه امتثال ما أمر به، أو اجتناب ما ينهاه عنه، أم لا يجب ذلك مع ما صحَّ عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (من رآني في منامه فقد رآني، فإنَّ الشيطان لم يتمثَّل بي)، وغير ذلك من الأحاديث المرويّة عنه صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة، هل بين الحالين فرق أم لا؟ أفتنا في ذلك مبيِّناً، جعل الله كلّ صعب عليك هيِّناً).
فأجاب نوَّر الله ضريحه بقوله:
(ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه، وأمَّا ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب، ورؤيته صلى الله عليه وآله وسلم لا يعطي وجوب اتّباع المنام)(٢١٥).
وقد استحسن المحقّق البحراني قدس سره هذا الجواب، وقال معقِّباً عليه:
(وهو جيّد، أمَّا أوّلاً: فلأنَّ الأدلَّة الدالّة على وجوب متابعتهم وأخذ الأحكام عنهم صلوات الله عليهم إنَّما تُحمل على ما هو المعروف المتكرِّر دائماً؛ لما حقَّقناه في غير موضع من زبرنا ومصنّفاتنا من أنَّ الأحكام المودعة في الأخبار إنَّما تُحمل على الأفراد المتكرِّرة الكثيرة الدوران، فإنَّها هي التي ينصرف إليها الإطلاق، دون الفروض النادرة الوقوع، ولا ريب أنَّ الشائع الذائع المتكرِّر إنَّما هو أخذ الأحكام منهم حال اليقظة.
وأمَّا ثانياً: فإنَّ الرؤيا وإن كانت صادقة فإنَّها قد تحتاج إلى تأويل وتعبير، وهو لا يعرفه، فالحكم بوجوب العمل بها والحال كذلك مشكل.
وأمَّا ثالثاً: فلأنَّ الأحكام الشرعية إنَّما بُنيت على العلوم الظاهرة، لا على العلم بأيّ وجه اتَّفق، ألَا ترى أنَّهم عليهم السلام إنَّما يحكمون في الدعاوى بالبيّنات والأيمان، وربَّما عرفوا المحقّ من المبطل واقعاً، وربَّما عرفوا كفر المنافقين، وفسق الفاسقين، ونجاسة بعض الأشياء بعلومهم المختصّة بهم؟ إلَّا أنَّ الظاهر أنَّهم ليسوا مأمورين بالعمل بتلك العلوم في أحكام الشريعة، بل إنَّما يعملون على ظاهر علوم الشريعة، وقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّا نحكم بالظاهر، والله المتولّي للسرائر).
وأمَّا رابعاً: فلما ورد بأسانيد متعدِّدة عن الصادق عليه السلام في أحاديث الأذان: (إنَّ دين الله تبارك وتعالى أعزّ من أن يُرى في النوم))(٢١٦).
٤ _ أنَّ دين الله تعالى أعظم عند الله من أن يثبت شيء منه بالرؤيا، سواء أكان في الأحكام الشرعية أم في العقائد المهمّة.
وهذا الذي قلناه جاءت به الرواية الصحيحة، فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم وركوعهم وسجودهم). فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم. فقال: (كذبوا، فإنَّ دين الله عز وجل أعزّ من أن يُرى في النوم)(٢١٧).
وفي هذه الرواية دلالة واضحة على أنَّ الله تعالى نزَّه أحكام دينه وعقائده عن أن يثبت شيء منها برؤيا، والأذان الذي لا يتعدَّى كونه واحداً من المستحبّات أعزّ عند الله من أن يُثبته برؤيا، فما بالك بالأحكام الإلزامية، أو العقائد المهمّة كالإمامة ونحوها؟
٥ _ أنَّ الرؤى تحتاج إلى تأويل وتفسير؛ لأنَّها في الغالب تكون رمزية غير واضحة، وأكثر الناس لا يعرفون تأويلها، ولعلَّها تُفسر على غير وجهها الصحيح، فكيف يمكن أن يُحتَجّ برؤيا رمزية غير واضحة الدلالة، أو تحتمل وجوهاً متعدِّدة؟
٦ _ أنَّ ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنَّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوَّة)(٢١٨).
معناه: أنَّ من رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد المعصومين عليهم السلام في المنام، وهو يعرف صُوَرهم الحقيقية، ورآهم في المنام على نفس تلك الصور التي يعرفها، فإنَّه قد رآهم؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل بصُوَرهم.
أمَّا من رأى رجلاً في منامه، ووقع في روعه أنَّ هذا الرجل هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أنَّه واحد من المعصومين عليهم السلام، والحال أنَّه لا يعرف صورة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا صورة ذلك المعصوم عليه السلام، فإنَّ من رآه في منامه ربَّما يكون شخصاً آخر غير الذي أُلقي في روعه، فإنَّ الشيطان قادر على أن يُلقي في روع النائم ما هو خلاف الحقيقة من أمثال هذه الأُمور.
قال الشيخ المفيد قدس سره:
(إذا جاز مِن بَشر أنَّ يدَّعي في اليقظة أنَّه إله كفرعون ومن جرى مجراه، مع قلَّة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع من أن يدَّعي إبليس عند النائم بوسوسته له أنَّه نبيّ، مع تمكّن إبليس بما لا يتمكَّن منه البشر، وكثرة اللبس المعترض في المنام؟ وممَّا يوضِّح لك أنَّ من المنامات التي يتخيَّل للإنسان أنَّه قد رأى فيها رسول الله والأئمّة صلوات الله عليهم، منها ما هو حقّ، ومنها ما هو باطل، أنَّك ترى الشيعي يقول: (رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، يأمرني بالاقتداء به دون غيره، ويعلمني أنَّه خليفته من بعده، وأنَّ أبا بكر وعمر وعثمان ظالموه وأعداؤه، وينهاني عن موالاتهم، ويأمرني بالبرائة منهم)، ونحو ذلك ممَّا يختصُّ بمذهب الشيعة، ثمّ ترى الناصبي يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهو يأمرني بمحبَّتهم، وينهاني عن بغضهم، ويعلمني أنَّهم أصحابه في الدنيا والآخرة، وأنَّهم معه في الجنَّة)، ونحو ذلك ممَّا يختصُّ بمذهب الناصبة، فتعلم لا محالة أنَّ أحد المنامين حقّ، والآخر باطل، فأولى الأشياء أن يكون الحقّ منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحَّة ما تضمَّنه، والباطل ما أوضحت الحجَّة عن فساده وبطلانه، وليس يمكن للشيعي أن يقول للناصبي: (إنَّك كذبتَ في قولك: إنَّك رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنَّه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه، وقد شاهدنا ناصبيّاً تشيَّع، وأخبرنا في حال تشيّعه بأنَّه يرى منامات بالضدّ ممَّا كان يراه في حال نصبه، فبان بذلك أنَّ أحد المنامين باطل، وأنَّه من نتيجة حديث النفس، أو من وسوسة إبليس ونحو ذلك)(٢١٩).
وللشيخ المفيد قدس سره تفصيل حسن في هذا المقام، حيث قال:
(وأمَّا رؤية الإنسان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو لأحد الأئمّة عليهم السلام في المنام فإنَّ ذلك عندي على ثلاثة أقسام: قسم أقطع على صحَّته، وقسم أقطع على بطلانه، وقسم أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان، فلا أقطع فيه على حال. فأمَّا الذي أقطع على صحَّته فهو كلّ منام رأى فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمّة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة، أو آمر بها، وناهٍ عن معصية، أو مبيِّن لقبحها، وقائل لحقٍّ، أو داعٍ إليه، أو زاجر عن باطل، أو ذامٍّ لما هو عليه. وأمَّا الذي أقطع على بطلانه فهو كلّ ما كان على ضدِّ ذلك؛ لعلمنا أنَّ النبيّ والإمام عليهما السلام صاحبا حقّ، وصاحب الحقّ بعيد عن الباطل. وأمَّا الذي أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان فهو المنام الذي يُرى فيه النبيّ أو الإمام عليهما السلام وليس هو آمراً، ولا ناهياً، ولا على حال يختصُّ بالديانات، مثل أن يراه راكباً، أو ماشياً، أو جالساً، ونحو ذلك)(٢٢٠).
وعليه، فليس كلّ من رأى رجلاً ظنَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد المعصومين عليهم السلام تكون رؤياه صادقة، ويرتَّب عليها الآثار خصوصاً إذا كانت مهمّة كالإمامة ونحوها.
ومن المعلوم أنَّ كثيراً من المخالفين رأوا في منامهم من ظنّوه أنَّه ربّهم، وهذا متواتر عنهم.
قال ابن تيمية:
(وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربَّهم في المنام، ويخاطبهم، وما أظنّ عاقلاً ينكر ذلك، فإنَّ وجود هذا ممَّا لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أُصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمَّن رأى ربَّه في المنام، ولكن لعلَّهم قالوا: (لا يجوز أن يعتقد أنَّه رأى ربَّه في المنام)، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يُرى في المنام، فهذا ممَّا يقوله المتجهّمة، وهو باطل مخالف لما اتَّفق عليه سلف الأُمَّة وأئمّتها، بل ولما اتَّفق عليه عامّة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلَّق به سبحانه وتعالى، وإنَّما ذلك بحسب حال الرائي، وصحَّة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه)(٢٢١).
وهذه الرؤى كلّها باطلة، وهي من أضغاث الأحلام وتلاعب الشيطان بهم، وتضليله لهم، وقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق عليه السلام: إنَّ رجلاً رأى ربَّه عز وجل في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال: (ذلك رجل لا دين له، إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة)(٢٢٢).
٧ _ أنَّ الأحلام يمكن اختراقها والتلاعب بها من قِبَل آخرين، وقد ذُكِرَ أنَّه يمكن ذلك بطريقة الخروج عن الجسد أو ما يُسمَّى بالإسقاط النجمي (Projection Astral)، وهي حالة يكون فيها الجسد فقط نائماً، بينما يكون العقل في حالة يقظة تامّة.
والذين يمارسون الإسقاط النجمي يمكنهم عندما يخرجون عن أجسادهم أن يذهبوا لأشخاص آخرين في حال نومهم، ويتكلَّموا معهم بما يريدونه، ويُوحوا إليهم بما يشاؤون.
ولهذا يلجأ الدجّالون والمشعوذون إلى هذه الطريقة لإيهام ضحاياهم بصحَّة طريقتهم، فيأتون إليهم في المنامات، ويوحون إليهم بأنَّ هذا الجالس هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ يُسمعونه يأمرهم باتّباع هذا الدجّال والتمسّك به، فيصدِّقهم أُولئك المستهدَفون، ويؤمنون بهم، فيتحوَّلون إلى أتباع لهم ومريدين.
هذا أهمّ ما أردت أن أُبيِّنه في دليل الرؤى الذي اعتمد عليه أحمد إسماعيل، بل جعله أهمّ أدلَّته، واعتبر هذه الرؤى الكاذبة التي رآها أتباعه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام على صحَّة دعوته.
حثّ أحمد إسماعيل الناس على الإيمان به ونصرته:
قال أحمد إسماعيل:
(فاتَّقوا الله يا أُمَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأذعنوا للحقّ، واتَّبعوا خليفة الله المهدي الذي دعاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنصرته ولو زحفاً على الثلج، وآمنوا بوصيّة نبيّكم الوحيدة لتنجوا في الدنيا والآخرة).
والجواب:
أنَّ الأدلَّة القطعية دلَّت على أنَّ أحمد إسماعيل البصري ليس خليفة لله، وليس بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وإنَّما هو مُدَّعٍ للإمامة بالباطل، وكلّ من يؤمن به فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً، والواجب هو الإيمان بأنَّ إمام العصر هو الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام الذي دلَّت الأدلَّة الكثيرة الصحيحة على إمامته، وعلى أنَّه هو المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وأنَّه هو الذي تجب نصرته ولو زحفاً على الثلج، وأمَّا أحمد إسماعيل فهو غير مؤهَّل للإمامة ولا يصلح لها، وقد أثبتنا فيما سبق أنَّه مُدَّعٍ كاذب، مضافاً إلى أنَّنا الآن لا نعلم بأنَّه حيٌّ يُرزق، ولعلَّ الله بتر عمره، إذ لا عين له ولا أثر، وقد حاول أحمد إسماعيل بكلّ طاقته أن يثبت إمامته، لكنَّه عجز عن ذلك، وفشل فشلاً ذريعاً، وكلّ من لم يستطع إثبات إمامته من مدَّعي الإمامة فهو من أئمّة الضلال الذين يدعون إلى النار.
وعليه، فإنَّ مقتضى التقوى والإذعان للحقّ هو تكذيب أحمد إسماعيل، والبراءة منه ومن دعوته التي ثبت بطلانها بالقطع واليقين.
ولا يخفى أنَّ كلام أحمد إسماعيل فيه من التدليس القبيح ما لا يخفى، فإنَّ الذي ورد في الروايات الأمر بالالتحاق به ولو حبواً على الثلج هو الإمام المهدي عليه السلام، أو من يدعو له عليه السلام كالرايات السوداء المشرقية، وأمَّا اليماني الذي يزعم أحمد إسماعيل أنَّه هو ويلبِّس على الناس بذلك فلم يرد في الروايات الأمر بالسعي إليه ولو حبواً على الثلج.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام، قال: قال لي: (يا أبا الجارود إذا دارت الفلك، وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأيّ وادٍ سلك؟ وقال الطالب: أنّى يكون ذلك وقد بُليت عظامه، فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج)(٢٢٣).
وبإسناده، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتَّى يقوم قائم للحقّ منّا، وذلك حين يأذن الله عز وجل له، ومن تبعه نجا، ومن تخلَّف عنه هلك، الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج، فإنَّه خليفة الله عز وجل وخليفتي)(٢٢٤).
وروى محمّد بن جرير الطبري الشيعي بسنده عن عبد الله بن مسعود، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتطريداً وتشريداً، حتَّى يجيء قوم من هاهنا _ وأشار بيده إلى المشرق _ أصحاب رايات سود، يَسألون الحقّ فلا يُعطَونه _ حتَّى أعادها ثلاثاً _ فيقاتِلون فيُنصرون، ولا يزالون كذلك حتَّى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبواً على الثلج)(٢٢٥).
إلَّا أنَّ أحمد إسماعيل وأنصاره دأبوا دائماً على إسقاط الروايات المادحة للإمام المهدي عليه السلام عليهم وعلى صاحبهم من دون أن يأتوا على ذلك ببرهان.
وحيث وصلنا إلى هنا فقد انتهى ردّنا على جوابه على السؤال الأوّل، وقد اتَّضح جليَّاً أنَّ ما قاله في إثبات إمامته باطل جزماً، وأنَّه مملوء بالمغالطات المكشوفة، والأدلَّة الواهية الضعيفة التي لا تصدر من عالم فاضل، فضلاً عن إمام أنعم الله تعالى عليه بالعلم الواقعي والعصمة الكبرى.

* * *
الفصل الثاني: الردّ على الجواب الثاني

جواب أحمد إسماعيل البصري على السؤال الثاني
ورد إلى أحمد إسماعيل سؤال نصّه:
(عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام، في قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ). قال: (هي منسوخة، نسختها آية الفرائض التي هي المواريث: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) يعني بذلك الوصيّ)(٢٢٦).
هل الآية منسوخة؟ وما هي الوصيّة الواجبة على المكلَّف؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(الخير غير محصور بالأموال والممتلكات، فلو كانت الآية منسوخة لما تعدَّى النسخ حكمها فيما يخصُّ الأموال والأملاك التي هي موضوع القسمة بين الورثة، أي كون الوصيّة بالأموال والأملاك المادّية التي تُقسَّم بين الورثة غير واجبة بعد نزول آيات المواريث، أي غير واجبة بالثلثين، أمَّا حكم الآية فيما عدا هذا فهو سارٍ وجارٍ، ولا يمكن ادّعاء أنَّ آيات المواريث ناسخة له).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل البصري بما أنَّه لا يعتمد علم الرجال في تصحيح الأحاديث، وليس عنده منهج آخر يعتمده، فإنَّه يلزمه أن يعمل بهذا الحديث الذي رواه العيّاشي، وأن يسلِّم بأنَّ هذه الآية منسوخة كما ورد في الحديث، أو يبيِّن السبب الذي جعله يترك العمل بهذا الخبر، أمَّا أن يردّه هكذا من دون حجَّة ولا برهان فهذا مخالف لما يطنطنون به من أنَّ اللازم العمل بكلّ الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام من دون حاجة للنظر في أسانيدها.
وزعم أحمد إسماعيل أنَّ الخير في الآية غير محصور بالأموال والممتلكات، مردود بأنَّ ما قاله خلاف الأحاديث الدالَّة على أنَّ هذه الآية إنَّما وردت في الوصيّة بالأموال، ومن ضمنها الأحاديث التي سيحتجّ أحمد إسماعيل بها فيما سيأتي، والتي تدلُّ على أنَّ أدنى ما لصاحب هذا الأمر من الميراث هو: ثلث الثلث، أو السدس، أو الثلث، فإنَّها ظاهرة في أنَّه لا يراد بهذا الثلث أو السدس أو غيرهما شيء آخر غير الأموال والممتلكات.
وكذا الحديث الآخر المروي عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنَّه حضره رجل مُقِلّ، فقال: ألَا أُوصي يا أمير المؤمنين؟ فقال: (أُوصِ بتقوى الله، وأمَّا المال فدعه لورثتك، فإنَّه طفيف يسير، وإنَّما قال الله عز وجل: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)، وأنت لم تترك خيراً توصي فيه)(٢٢٧).
وهذه الأحاديث وغيرها كلّها تدلُّ على أنَّ المراد بالخير في الآية المباركة هو المال والممتلكات.
ثمّ إنَّ ظاهر الآية يدلُّ على ذلك أيضاً؛ لأنَّ الوصيّة للوالدين والأقربين في قوله سبحانه: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) معلَّقة على ترك الخير، والوصيّة غير المالية لا تتوقَّف على ترك الخير، فلو كان المراد بالخير ما هو أعمّ من المال والممتلكات لكان التقييد حينئذٍ لا معنى له.
وأمَّا كون هذه الآية منسوخة بآيات المواريث التي حدَّدت لكلّ وارث نصيبه من الميراث، فهذا فيه كلام طويل ذكره الفقهاء، وهذه المسألة محلّ خلاف بين الشيعة وغيرهم، والذي ذهب إليه الشيعة بلا خلاف بينهم أنَّه لا مانع من الوصيّة للوارث والأجنبي فيما لا يزيد على الثلث، وظاهر الآية يدلُّ على ذلك، فإنَّ الوالدين من ضمن الورثة، والوصيّة إليهما جائزة، وكذا الأقربون في بعض الأحيان ربَّما يكونون من الورثة أيضاً، ومع ذلك فإنَّ الوصيّة إليهم مأمور بها في الآية.
وعلى ذلك دلَّت روايات معتبرة.
منها: صحيحة أبي ولّاد الحنّاط، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الميّت يوصي للوارث بشيء؟ قال: (نعم _ أو قال: جائز له _)(٢٢٨).
ومنها: صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوصيّة للوارث، فقال: (تجوز)(٢٢٩).
ومنها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الوصيّة للوارث، فقال: (تجوز). قال: ثمّ تلا هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(٢٣٠).
وعليه، فلعلَّ المراد بكون الآية منسوخة هو أنَّه قد نُسِخَ منها ما دلَّ على الوجوب، وصارت الوصيّة للوارث جائزة بعد أن كانت واجبة.
وممَّا قلناه يتَّضح فساد قول أحمد إسماعيل: (فلو كانت الآية منسوخة لما تعدَّى النسخ حكمها فيما يخصُّ الأموال والأملاك التي هي موضوع القسمة بين الورثة)، فإنَّه يزعم أنَّ قوله تعالى: (خَيْراً) يشمل الأموال والممتلكات وغيرها، وأنَّ النسخ في الآية _ لو سُلِّمَ به _ فإنَّه مخصوص بالأموال فقط دون الأُمور الأُخرى، فإنَّها لا نسخ فيها.
وهذا كلام ضعيف جدَّاً؛ لأنَّ النسخ إنَّما هو نسخ وجوب الوصيّة للوالدين والأقربين فقط، المدلول عليه بقوله سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ)، لا أنَّه نسخ لقوله: (خَيْراً)، ولو سلَّمنا له بذلك فإنَّها لا بدَّ أن تكون ناسخة لمدلول هذه الكلمة في الآية بما لها من العموم الذي يزعمه أحمد إسماعيل، الذي يندرج تحته الأموال والممتلكات وغيرها، وزعمه أنَّ النسخ مخصوص بالأموال والممتلكات لا دليل عليه، لا من ظاهر الآية المباركة، ولا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام! وكان عليه أن يثبت زعمه بدليل صحيح، لا أن يرسل الكلام إرسالاً من غير دليل.
وقوله: (أمَّا حكم الآية فيما عدا هذا فهو سارٍ وجارٍ، ولا يمكن ادّعاء أنَّ آيات المواريث ناسخة له) مردود بما بيَّناه فيما تقدَّم من أنَّ كلمة: (خَيْراً) لا عموم فيها لتشمل غير الأموال والممتلكات ممَّا سيذكره قريباً.
قال أحمد إسماعيل:
(عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن الوصيّة للوارث، فقال: تجوز. قال: ثمّ تلا هذه الآية: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [الكافي: ج ٧/ ص ١٠].
والآية تبيِّن أيضاً للمؤمن حال الثلث الذي يحقُّ له أن يوصي به، وأنَّه يجب أن يوصي به أو ببعضه لخليفة الله في أرضه في زمانه كما ورد عنهم عليهم السلام. نعم، يحقُّ لخليفة الله أن يُسقِط هذا الفرض كما يحقُّ له إسقاط الخمس؛ لأنَّها أموال تخصّه فله إسقاطها متى شاء، فهي أموال يعيل بها الأُمَّة وفقراءها، ويتقوَّم بها حكم خليفة الله في أرضه).
والجواب:
أنَّ قوله: (والآية تبيِّن أيضاً للمؤمن حال الثلث الذي يحقُّ له أن يوصي به، وأنَّه يجب أن يوصي به أو ببعضه لخليفة الله في أرضه في زمانه كما ورد عنهم عليهم السلام) مردود بأنَّ الآية المباركة إنَّما ورد فيها الحثّ على الوصيّة للوالدين والأقربين، ولم تبيِّن أنَّه من الثلث أو من غيره، كما أنَّها لم تبيِّن مصرفاً آخر غير الوالدين والأقربين، فما زعمه من أنَّ الآية بيَّنت أنَّه يجب أن يوصي بالثلث أو ببعضه لخليفة الله في أرضه في زمانه، لا تدلُّ عليه الآية بأيّ دلالة.
وقول الفيض الكاشاني قدس سره:
(لعلَّ معناه أنَّ المراد بالوالدين النبيّ والوصيّ كما ورد: (أنا وأنت يا علي أَبَوا هذه الأُمَّة)، وبالأقربين سائر الأئمّة؛ لأنَّهم ذوو قرباه، وهم أقرب إليه من غيرهم، فيصير معنى الآية: أنَّ على تارك الخير أن يوصي لصاحب زمانه منهم كان من كان)(٢٣١).
غير صحيح؛ لأنَّه وإن صحَّ وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام بأنَّهما أَبَوا هذه الأُمَّة، إلَّا أنَّه لا يصحُّ وصفهما بوالدي هذه الأُمَّة؛ لأنَّ الأب هو المصلح والمربّي.
قال الراغب الأصفهاني:
(الأب: الوالد، ويُسمَّى كلّ من كان سبباً في إيجاد شيءٍ أو صلاحه أو ظهوره أباً، ولذلك يُسمَّى النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين، قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب: ٦]، وفي بعض القراءات: (وهو أبٌ لهم). وروي أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (أنا وأنت أبَوَا هذه الأُمَّة))(٢٣٢).
وأمَّا الوالد فهو من أولد دون غيره، كما قال سبحانه في حقّ الأُمّهات: (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ) (المجادلة: ٢).
والأئمّة الأطهار عليهم السلام هم قربى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا قربى جميع المسلمين، وظاهر الآية هو حثّ مَنْ قرب موته على الوصيّة لوالديه وأقربائه، لا إلى غيرهم.
وقوله: (يحقّ لخليفة الله أن يُسقِط هذا الفرض كما يحقّ له إسقاط الخمس؛ لأنَّها أموال تخصّه) يتنافى مع قوله: (فهي أموال... يتقوَّم بها حكم خليفة الله في أرضه)، ولا شكَّ أنَّ ما يتقوَّم به حكم خليفة الله يجب على الإمام عليه السلام ألَّا يهدره أو يفرِّط فيه، فكيف يجوز له إسقاطه إذا كان الأمر كذلك؟!
قال أحمد إسماعيل:
(عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، قال: هو شيء جعله الله عز وجل لصاحب هذا الأمر. قلت: فهل لذلك حدّ؟ قال: نعم. قال: قلت: وما هو؟ قال: أدنى ما يكون ثلث الثلث. [من لا يحضره الفقيه: ج ٤/ ص ٢٣٥]).
والجواب:
أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند، فإنَّ في سندها محمّد بن سنان، ومشهور العلماء ذهب إلى أنَّه ضعيف.
فقد ذكر المامقاني أنَّه اختُلف فيه على قولين: أحدهما: أنَّه ضعيف، وهو المشهور بين الفقهاء وعلماء الرجال.
ثمّ نقل تضعيفه عن الشيخ الطوسي في رجاله وفهرسته، والنجاشي، وابن عقدة أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد، وابن الغضائري، والشيخ المفيد الذي قال فيه: محمّد بن سنان وهو مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، ومن كان هذا سبيله لا يُعتمد عليه في الدين(٢٣٣).
ثمّ قال:
(وممَّن ضعَّفه المحقِّق رحمه الله في مواضع من المعتبر، والعلَّامة في موضع من المختلف، وكاشف الرموز، والشهيد الثاني في باب المهور من المسالك، وصاحب المدارك، والمحقِّق الأردبيلي في مجمع الفائدة، وصاحب الذخيرة، وهو المحكي عن المعتصم، والمنتقى، ومشرق الشمسين، والحبل المتين، وحاشية المولى صالح، والتنقيح، والفخري في مرتب مشيخة الصدوق، والذكرى، والروضة، وغيرها)(٢٣٤).
قال المحقِّق السيّد الخوئي قدس سره: (تضعيف هؤلاء الأعلام يصدّنا عن الاعتماد عليه والعمل برواياته)(٢٣٥).
ومع الإغماض عن سند الرواية فإنَّه يمكن حملها على أنَّ المراد بصاحب هذا الأمر هو من ورد الأمر بالوصيّة إليهم في الآية، وهم الوالدان والأقربون، لا أنَّ المراد به إمام العصر وإن كان هذا الإطلاق ينصرف عادةً إلى إمام الزمان؛ وذلك لأنَّ مساق الآية يأبى حملها على هذا المعنى؛ إذ لا يُطلَق على إمام العصر أنَّه والدان أو أقربون.
مضافاً إلى أنَّه لم يقل: (صاحب الأمر)، لكي ينصرف إلى الإمام عليه السلام، وإنَّما قال: (صاحب هذا الأمر)، فجاء باسم الإشارة، أي صاحب الأمر الذي نحن بصدد الحديث حوله، وهو الميراث.
وذُكر في حاشية طبعة (من لا يحضره الفقيه) عن (مراد) قوله: (لعلَّ المراد: (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) إذا كانوا أصحاب هذا الأمر، أي المعرفة)(٢٣٦).
أي إنَّه يريد بذلك أنَّ الوصيّة للوالدين والأقربين إنَّما يُندَب إليها إذا كانوا على هذا الأمر، أي كانوا موالين لأهل البيت عليهم السلام، دون ما إذا كانوا مخالفين لهم.
وإذا كان المراد هو إيجاب الوصيّة بالثلث أو نحوه لإمام العصر عليه السلام دون باقي أئمّة أهل البيت عليهم السلام فإنَّه لا يصحُّ إطلاق لفظ الجمع عليه، وهم الوالدان والأقربون.
قال أحمد إسماعيل:
(عن عمار بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الله: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ)، قال: حقٌّ جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر. قال: قلت: لذلك حدٌّ محدود؟ قال: نعم. قلت: كم؟ قال: أدناه السدس، وأكثره الثلث. [مستدرك الوسائل: ج ١٤/ ص ١٤٣]).
والجواب:
أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند، لأنَّها شديدة الإرسال، قد سقط منها أسماء خمسة رواة؛ فإنَّ العيّاشي رحمه الله لا يروي عن الإمام الصادق عليه السلام بواسطة واحدة، وإنَّما يروي عنه بستّ وسائط.
فإنَّ العيّاشي من طبقة الشيخ الكليني قدس سره المتوفّى سنة (٣٢٩هـ)، ولم أجد في كتب الرجال والتراجم من ذكر سنة ولادته أو وفاته، ولعلَّه وُلد في حوالي سنة (٢٤٠هـ)، ومن المحتمل قويَّاً أنَّه لم يلتق بالإمام العسكري عليه السلام، فضلاً عن الأئمّة السابقين له.
من مشايخه: علي بن الحسن بن فضّال الكوفي. عدَّه الشيخ الطوسي قدس سره من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام(٢٣٧)، إلَّا أنَّه كان فطحيَّاً، مع كونه ثقة كثير العلم واسع الأخبار، فقيهاً ذا تصانيف(٢٣٨).
وعليه، فمن كان في هذه الطبقة كيف يمكن أن يروي عن الإمام الصادق عليه السلام بواسطة واحدة.

ومن الأحاديث التي روى فيها العيّاشي عن الإمام الصادق عليه السلام بستّ وسائط ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في علل الشرائع، قال: حدَّثنا المظفَّر بن جعفر بن المظفَّر العلوي رضي الله عنه، قال: حدَّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه [وهو العيّاشي]، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي نصر، قال: حدَّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، قال أبو عبد الله عليه السلام: (التقيّة دين الله عز وجل). قلت: من دين الله؟ قال: (فقال: إي والله، من دين الله، لقد قال يوسف: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) [يوسف: ٧٠]، والله ما كانوا سرقوا شيئاً)(٢٣٩).
ومع الإغماض عن سند هذه الرواية فإنَّ ما قلناه في الرواية السابقة نقوله في هذه الرواية، من أنَّه يجوز الوصيّة للوارث والأقربين إذا كانوا على هذا الأمر، أي كانوا موالين لأهل البيت عليهم السلام؛ لعدم صحَّة إطلاق الوالدين والأقربين على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته كما أوضحنا ذلك فيما سبق.
ثمّ إنَّ هذا الحديث يتعارض مع الحديث السابق في تحديد الحدّ الأدنى للموصى به، فإنَّ الحديث الأوّل حدَّده بثلث الثلث، وهو التُّسْع، وأمَّا الثاني فحدَّده بالسُّدُس.
قال أحمد إسماعيل:
(أحمد بن محمّد السيّاري في كتاب التنزيل والتحريف، في قوله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ)، قال: قال الصادق عليه السلام: وهو حقّ فرضه الله عز وجل لصاحب هذا الأمر من الثلث. قيل له: كم هو؟ قال: أدناه ثلث المال، والباقي فيما أحبَّ الميّت. [مستدرك الوسائل: ج ١٤/ ص ١٤٣]).
والجواب:
أنَّ هذا حديث مرسل أيضاً، وأحمد بن محمّد السياري ضعيف جدَّاً، لا يؤخذ بروايته.
قال عنه النجاشي: (ضعيف الحديث، فاسد المذهب _ ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله _، مجفو الرواية، كثير المراسيل)(٢٤٠).
وكتاب التنزيل والتحريف بحسب الظاهر مفقود الآن، ويظهر أنَّ الميرزا النوري الطبرسي قدس سره كانت عنده نسخة منه ينقل منها في بعض كتبه، سمّاه النجاشي والشيخ في الفهرست بكتاب القراءات(٢٤١).
ومع الغضّ عن سند هذا الحديث فإنَّ ما قلناه في سابقيه نقوله فيه، مع أنَّه مخالف لما سبقه في تعيين الحدّ الأدنى الذي تجب الوصيّة به بالثلث.
مع أنَّ قوله: (أدناه ثلث المال، والباقي فيما أحبَّ الميّت) ظاهر في أنَّه يجوز للميّت أن يوصي بأكثر من الثلث إذا أحبّ، وهذا مخالف للروايات الصحيحة التي دلَّت على أنَّ الميّت ليس له أن يوصي فيما زاد على الثلث، ولو أوصى بما زاد على الثلث توقَّف ذلك على رضا الورثة، فإن أجازوا وصيَّته فيما زاد على الثلث صحَّت الوصيّة، وإلَّا فلا.
ومن تلك الروايات صحيحة شعيب بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت، ما له من ماله؟ فقال: (له ثلث ماله، وللمرأة أيضاً)(٢٤٢).
ومنها: صحيحة أحمد بن محمّد، قال: كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام: أنَّ درَّة بنت مقاتل توفّيتْ، وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع، وأوصت لسيّدنا من أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، ونحن أوصياؤها، وأحببنا أن ننهي إلى سيّدنا، فإن هو أمر بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها، وإن أمر بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله. قال: فكتب عليه السلام بخطّه: (ليس يجب لها من تركتها إلَّا الثلث، وإن تفضَّلتم وكنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء الله)(٢٤٣).
الوصيّة بتقوى الله ونصرة خليفة الله:
قال أحمد إسماعيل:
(أيضاً: الوصيّة بتقوى الله وحثّ الناس على نصرة خليفة الله في أرضه، خصوصاً لمن يظنّ أنَّ لكلامه أو وصيَّته أثراً على بعض من يقرأها بعد موته في معرفة الحقّ ونصرة خليفة الله، فأمير المؤمنين عليه السلام لم يأمر شخصاً مقلَّاً أن يترك الوصيّة، بل أمره أن لا يتركها ويوصي بتقوى الله.
عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنَّه حضره رجل مقلّ، فقال: ألَا أُوصي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أوص بتقوى الله، وأمَّا المال فدعه لورثتك، فإنَّه طفيف يسير، وإنَّما قال الله عز وجل: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)، وأنت لم تترك خيراً توصي فيه. [مستدرك الوسائل ج ١٤/ ص ١٤١]).
والجواب:
أنَّ احتجاج أحمد إسماعيل بهذا الحديث على وجوب الوصيّة بنصرة خليفة الله في أرضه، يبطله عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ هذا حديث مرسل، رواه القاضي أبو حنيفة النعمان المغربي في (دعائم الإسلام)، فلا يصلح للاحتجاج به في الواجبات الشرعية.
٢ _ أنَّ هذا الحديث يعارض ما زعمه أحمد إسماعيل سابقاً من أنَّ الخير يعمُّ المال وغيره، مع أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أوضح لذلك الرجل المقلّ أنَّه ترك شيئاً طفيفاً من المال، والأولى أن يتركه لورثته، وأن يوصيهم بتقوى الله سبحانه بنحو الندب لا بنحو الوجوب.
وكما هو ملاحظ فإنَّ أحمد إسماعيل يحتجّ بأحاديث لا يفهمها، وهي تدلُّ على خلاف مراده، ويزعم دلالتها على ما لا تدلُّ عليه.
٣ _ أنَّ الإمام عليه السلام لم يأمر الرجل المقلّ بأن يوصي أولاده بنصرة خليفة الله في أرضه، وإنَّما أمره بأن يوصيهم بتقوى الله لما بدا عليه أنَّه يشعر بالأسى على ترك الوصيّة، وتقوى الله هي العمل بطاعته سبحانه، وتجنّب معاصيه، والإمام عليه السلام لم يخصِّص شيئاً معيَّناً.
٤ _ أنَّ القاضي النعمان روى في كتابه (دعائم الإسلام) ما هو صريح في أنَّ المراد بالخير في الآية هو المال، قال: وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنَّهما قالا: (الخير هاهنا المال، قال الله عز وجل: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ)، يعني مالاً، فإذا كان ممَّن يستطيع الكسب والتصرّف فهو ممَّن فيه خير)(٢٤٤).
هل مات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوص؟
قال أحمد إسماعيل:
(أمَّا فيما يخصُّ خليفة الله في أرضه أو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخصوص فواضح أنَّه يترك خيراً كثيراً، وهو منصب خلافة الله في أرضه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وخليفة الله هو طريق إيصال التكليف للناس، فكيف يترك الوصيّة بمن يخلفه؟!).
والجواب:
أنَّ الخلافة الإلهية وإن كانت هي أكبر الخير، إلَّا أنَّا أوضحنا أنَّ الخير في الآية يُراد به المال فقط، كما دلَّت عليه الأحاديث، ومنها أحاديث احتجَّ بها أحمد إسماعيل.
قال الشيخ الطوسي قدس سره:
(فإنَّ اسم (الخير) يقع على المال، والعمل الصالح، والثواب. أمَّا المال فقوله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) يعني إن ترك مالاً، وقال: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) يعني المال. وأمَّا الثواب فقوله: (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) يعني ثواباً. وأمَّا العمل الصالح، فقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) يعني عملاً صالحاً)(٢٤٥).
قلت: الدليل الذي احتجَّ به أحمد إسماعيل قد دلَّ بوضوح على أنَّ المراد بالخير في الآية هو المال، فلا أدري لِمَ يصر أحمد إسماعيل على تجاهل دلالة هذه الأحاديث وتحميل الآية معنى من عنده لا تدلُّ عليه، مع أنَّه لم يأتِ بأحاديث صحيحة تدعم كلامه؟!
ولا يخفى أنَّ كلامنا إنَّما هو في دلالة قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، وأنَّها هل تدلُّ على الوصيّة بغير المال أم لا؟
أمَّا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى الأُمَّة بنصرة خليفة الله من بعده، والتمسّك به، فهذا لا نتنازع فيه؛ لأنَّه من مسلَّمات الشيعة الإمامية، والأدلَّة الدالّة على ذلك كثيرة جدَّاً تفوق حدّ الحصر، أمَّا أنَّ هذه الآية تدلُّ على ذلك فمن الواضح عدم دلالتها على هذا الأمر، إذ كيف يجب على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يوصي بالخلافة (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
قال أحمد إسماعيل:
(هذا، والآية فيها لفظان واضحان في أنَّ الوصيّة فرض واجب عند حضور الموت: (كَتَبَ) [كذا] و(حَقًّا عَلَى)، فلا يصحُّ أن يُعرض عنها صاحب الشريعة؛ لأنَّ الإعراض عنها أمر قبيح).
والجواب:
أنَّا نتكلَّم في جهتين:
الجهة الأُولى: أنَّ وجوب الوصيّة أو استحبابها لمن ترك خيراً هل هو شامل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أم أنَّه تكليف خاصّ بغيره، ولا يشمله هو؟
لا شكَّ في أنَّ التكليف في هذه الآية شامل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقاعدة الاشتراك في الأحكام الشرعية إلَّا ما خرج بالدليل من أنَّه من خصوصياته صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يدلّ دليل على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مستثنى من هذا الحكم.
الجهة الثانية: أنَّ قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) هل يستفاد منه أنَّه يجب على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بمقتضى هذه الآية أن يوصي بالخليفة الذي يقوم بالأمر من بعده؟
لقد أوضحنا فيما تقدَّم أنَّ الآية لا دلالة فيها على ذلك؛ لأنَّها ناظرة إلى الوصيّة بالأموال، وهي المعبَّر عنها في الآية بالخير، وأنَّ الحثَّ على الوصيّة في الآية ليس على إطلاقه، وإنَّما هو مشروط بما إذا ترك الموصي مالاً يوصي به، وأمَّا إذا لم يترك مالاً فإنَّ الوصيّة لا مورد لها.
مضافاً إلى أنَّ الآية صرَّحت بأنَّ الموصى إليهم هم الوالدان والأقربون، وأنَّ المخاطبين بهذا الأمر هم الذين آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن كلّ هذه القرائن بضميمة الروايات السابقة نعلم أنَّ المراد بالوصيّة في الآية هي الوصيّة بالأموال دون الخلافة وغيرها من المقامات الدينية.
ومن المعلوم أنَّ الوصيّة تنقسم إلى قسمين:
١ _ وصيّة تمليكيّة: وهي متعلِّقة بالأموال، والآية ناظرة إلى هذا القسم من الوصايا.
٢ _ الوصيّة العهديّة: وهي تكاليف يجعلها الموصي في عهدة الموصى إليه، لكي يقوم بتنفيذها بعد موته، وغالباً ما تكون خاصّة به، كقضاء ديونه، أو عباداته، أو فعل بعض العبادات المستحبّة التي يرغب الموصي في الإتيان بها بعد موته من ماله نيابة عنه.
وهذه الوصايا العهدية غالباً ما تكون خاصّة، لا يطَّلع عليها إلَّا ورثة المتوفّى وأقرباؤه دون غيرهم.
ولا شكَّ في أنَّ الأحاديث الكثيرة قد دلَّت على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جعل أمير المؤمنين عليه السلام وصيَّاً له لتنفيذ وصاياه، وهذا لا يختلف فيه الشيعة وإن أنكره غيرهم.
ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قُبِضَ فيه، فكان رأسه في حجري، والعبّاس يذبُّ عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأُغمي عليه إغماءة، ثمّ فتح عينيه، فقال: يا عبّاس، يا عمَّ رسول الله، اقبل وصيَّتي، واضمن ديني وعداتي. فقال: يا رسول الله، أنت أجود من الريح المرسلة، وليس في مالي وفاء لدينك وعداتك. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ثلاثاً، يعيده عليه، والعبّاس في كلّ ذلك يجيبه بما قال أوَّل مرَّة.
فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: لأقولنَّها لمن يقبلها، ولا يقول يا عبّاس مثل مقالتك). قال: (فقال: يا علي، اقبل وصيّتي، واضمن ديني وعداتي. قال: فخنقتني العبرة، وارتجَّ جسدي، ونظرت إلى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذهب ويجيء في حجري، فقطرت دموعي على وجهه، ولم أقدر أن أُجيبه، ثمّ ثنّى، فقال: يا علي، اقبل وصيّتي، واضمن ديني وعداتي. قال: قلت: نعم بأبي وأُمّي. قال: أجلسني. فأجلسته، فكان ظهره في صدري، فقال: يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، ووصيّي وخليفتي في أهلي. ثمّ قال: يا بلال، هلمَّ سيفي، ودرعي، وبغلتي، وسرجها، ولجامها، ومنطقتي التي أشدّها على درعي. فجاء بلال بهذه الأشياء، فوقف بالبغلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: قم يا علي فاقبض). قال: (فقمت وقام العبّاس فجلس مكاني، فقمت فقبضت ذلك، فقال: انطلق به إلى منزلك، فانطلقت، ثمّ جئت فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنظر إليَّ ثمّ عمد إلى خاتمه فنزعه ثمّ دفعه إليَّ، فقال: هاك يا علي هذا في الدنيا والآخرة. والبيت غاصٌّ من بني هاشم والمسلمين، فقال: يا بني هاشم، يا معشر المسلمين، لا تخالفوا عليَّاً فتضلّوا، ولا تحسدوه فتكفروا، يا عبّاس قم من مكان علي. فقال: تقيم الشيخ، وتجلس الغلام؟! فأعادها عليه ثلاث مرَّات، فقام العبّاس فنهض مغضباً، وجلست مكاني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عبّاس، يا عمَّ رسول الله، لا أخرج من الدنيا وأنا ساخط عليك، فيُدخلك سخطي عليك النار. فرجع فجلس)(٢٤٦).
ولم يدَّع أحد من الشيعة أو السُّنَّة أو غيرهم أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عرض على عمّه العبّاس أن يتولّى الخلافة من بعده، وإنَّما عرض عليه أن يقضي ديونه، وينجز عداته.
ولأنَّ هذه الحادثة بكاملها لا ترتبط بموضوع الخلافة لم يقع في ذلك المجلس الذي كان مكتظَّاً بالناس أي لغط أو صخب أو اعتراض على هذه الوصيّة، بخلاف ما حدث في يوم الخميس لمَّا أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب للأُمَّة كتاباً لا يضلّون بعده، فإنَّهم أكثروا اللغط والاعتراض؛ لأنَّهم كانوا يعلمون أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب في ذلك الكتاب أسماء الخلفاء الذين يتولّون الأمر من بعده.
قال أحمد إسماعيل:
(فكيف يُعرِض محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصيّة عند الموت مع أنَّه كان لديه الوقت الكافي لكتابتها حتَّى بعد أن مُنِعَ من كتابتها على رؤوس الأشهاد يوم الخميس، فهل أُعدم رسول الله شاهدين عدلين من الأصحاب مع وجود علي عليه السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار وغيرهم ممَّن كانوا يؤيِّدون كتابة الكتاب؟! أم هل أُعدم الوقت وكان عنده قرابة ثلاثة أيّام بلياليها؟!).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل خلط بين الوصيّة والكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة بعده، فتوهَّم أنَّهما كتاب واحد، والغاية منهما واحدة، مع أنَّهما كتابان مختلفان، لكلّ واحد منهما غرض غير مرتبط بالغرض من الآخر، فإنَّ الغرض من كتابة الوصيّة هو ذكر أُمور خاصّة يُراد من الوصيّ أن يقوم بتنفيذها، ولا يُطلع الناس عليها، وأمَّا الغرض من كتابة الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة بعده فهو أن يُكتَب هذا الكتاب لعامّة الناس من أجل هدايتهم، ومنعهم من الوقوع في الضلال.
مع أنَّا بيَّنّا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يُعرِض عن الوصيّة عند الموت كما دلَّت على ذلك أحاديث كثيرة، ومنها الحديث الذي نقلناه آنفاً عن أمالي الشيخ الطوسي قدس سره.
مضافاً إلى أنَّه يظهر من بعض الأخبار أنَّ وصايا المعصومين عليهم السلام نزلت مختومة من السماء، وأنَّها لم تُكتب كغيرها من الوصايا.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ الله عز وجل أنزل على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمّد، هذه وصيّتك إلى النجبة من أهلك، قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال: علي بن أبي طالب وولده عليهم السلام. وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكَّ أمير المؤمنين عليه السلام خاتماً، وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلام، ففكَّ خاتماً، وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسين عليهما السلام(٢٤٧)، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أن أُخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلَّا معك، واشْرِ نفسك لله عز وجل)، ففعل، ثمّ دفعه إلى علي بن الحسين عليهما السلام، ففكَّ خاتماً، فوجد فيه: أن أطرق، واصمت، والزم منزلك، واعبد ربّك حتَّى يأتيك اليقين، ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه محمّد بن علي عليهما السلام، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حَدِّث الناس وافتهم، ولا تخافنَّ إلَّا الله عز وجل، فإنَّه لا سبيل لأحد عليك، [ففعل]، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفر، ففكَّ خاتماً فوجد فيه: حَدِّث الناس، وافتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصِدْق آبائك الصالحين، ولا تخافنَّ إلَّا الله عز وجل، وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه موسى عليه السلام، وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده، ثمّ كذلك إلى قيام المهدي صلّى الله عليه)(٢٤٨).
وبسنده عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنَّ الوصيّة نزلت من السماء على محمّد كتاباً، لم ينزل على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم كتاب مختوم إلَّا الوصيّة، فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد، هذه وصيَّتك في أُمَّتك عند أهل بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله منهم وذرّيته؛ ليرثك علم النبوَّة كما ورثه إبراهيم عليه السلام، وميراثه لعلي عليه السلام وذرِّيَّتك من صلبه)، قال: (وكان عليها خواتيم)، قال: (ففتح علي عليه السلام الخاتم الأوّل، ومضى لما فيها، ثمّ فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني، ومضى لما أُمر به فيها، فلمَّا توفّي الحسن ومضى فتح الحسين عليه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيها: أن قاتِلْ فاقتلْ وتُقتَل، واخرج بأقوام للشهادة، لا شهادة لهم إلَّا معك). قال: (ففعل عليه السلام، فلمَّا مضى دفعها إلى علي بن الحسين عليهما السلام قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها: أن اصمت وأطرق لما حجب العلم. فلمَّا توفّي ومضى دفعها إلى محمّد بن علي عليهما السلام، ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها: أن فَسر كتاب الله تعالى، وصدِّق أباك، وورِّث ابنك، واصطنع الأُمَّة، وقم بحقّ الله عز وجل، وقل الحقّ في الخوف والأمن، ولا تخشَ إلَّا الله. ففعل، ثمّ دفعها إلى الذي يليه)، قال: قلت له: جُعلت فداك، فأنت هو؟ قال: فقال: (ما بي إلَّا أن تذهب يا معاذ فتروي عليَّ). قال: فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات، قال: (قد فعل الله ذلك يا معاذ)، قال: فقلت: فمن هو جُعلت فداك؟ قال: (هذا الراقد _ وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد _)(٢٤٩).
وقد سبق أن ذكرنا وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي رواها الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدَّثني موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: (قلت لأبي عبد الله: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصيّة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقرَّبون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلاً، ثمّ قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر، نزلت الوصيّة من عند الله كتاباً مسجَّلاً، نزل به جبرئيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة...)(٢٥٠) إلى آخر الرواية، فراجعها(٢٥١).
والأحاديث في ذلك كثيرة، وهي تدلُّ على أنَّ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووصايا الأئمّة الأطهار عليهم السلام نزلت من السماء مختومة مسجَّلة، وأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بوصاياه الخاصّة والعامّة بمرأى ومسمع من المهاجرين والأنصار كما مرَّ.
وأمَّا الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للأُمَّة، حتَّى لا تضلّ بعده أبداً، فحالَ عمر بن الخطّاب بينه وبين كتابة هذا الكتاب، فهو كتاب آخر مغاير للوصيّة، والفئة التي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يستهدفها بهذا الكتاب هي عامّة الناس، ولذلك قال: (أكتب لكم)، ولم يقل: (أُوصيكم)، كما أنَّه لم يصف هذا الكتاب في شيء من الروايات بأنَّه وصيّة.
ولمَّا حيل بين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبين كتابة هذا الكتاب، هل كتبه بعد ذلك في وجود أفراد قلائل من الصحابة؟ أو أنَّه أعرض بالكلّية عن كتابته؟
المعروف أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كتابة هذا الكتاب، ولم يعاود كتابته بعد ذلك، إلَّا أنَّ بعض الأخبار تدلُّ على أنَّه عاود كتابته بعد انصراف الناس، وأشهد عليه نفراً قليلاً من الصحابة.
ولكن سواء كتب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكتاب بعد ذلك أم أعرض عن كتابته فإنَّ الغاية التي أرادها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب _ وهي ألَّا تضلّ الأُمَّة من بعده _ لم تتحقَّق، وهذا يرجِّح ما هو المشهور من أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كتابة الكتاب بعد ذلك.
أضف إلى ذلك أنَّا لم نجد رواية واحدة احتجَّ فيها أمير المؤمنين على من تولّوا الخلافة قبله بهذا الكتاب، ولو كان هذا الكتاب بحوزته وقد شهد عليه سلمان، وعمّار، وأبو ذر، والمقداد، لكانت حُجَّته عليهم قائمة.
هذا مع أنَّا لم نجد في روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام ما يدلُّ على أنَّ هذا الكتاب كان بحوزتهم، رغم وجود روايات كثيرة تبيِّن الكتب والصحف الموجودة عندهم، إلَّا أنَّهم لم يذكروا أنَّ هذا الكتاب من ضمن تلك الكتب، ولو كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد كتبه فعلاً لصار بعد ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وتوارثه أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وربَّما أطلعوا بعض شيعتهم عليه، ومن المستبعد جدَّاً أن يتجاهل أهل البيت عليهم السلام مثل هذا الكتاب البالغ الأهمّية فلا يذكروه في أحاديثهم.
وممَّا قلناه يتبيَّن فساد قول أحمد إسماعيل: (فهل أُعدم رسول الله شاهدين عدلين من الأصحاب مع وجود علي عليه السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار وغيرهم ممَّن كانوا يؤيِّدون كتابة الكتاب؟! أم هل أُعدم الوقت وكان عنده قرابة ثلاثة أيّام بلياليها؟!).
والظاهر أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يعاود كتابة هذا الكتاب لأنَّ الغرض من كتابته هو منع الأُمَّة من الوقوع في الضلال والاختلاف بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، وكتاب بهذه القيمة لا بدَّ أن يكتبه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على رؤوس الأشهاد؛ لئلَّا يطعن فيه طاعن، أو يشكِّك فيه مشكِّك بعد ذلك، ولو أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم معاودة كتابة الكتاب بمحضر أمير المؤمنين عليه السلام، وسلمان، والمقداد، وعمّار، وأبي ذر، لكتبه في نفس ذلك المجلس الذي اجتمع فيه رجال كثيرون يؤيِّدون كتابة هذا الكتاب، ولكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كتابته لأنَّه رأى أنَّ الإصرار على كتابته سيفضي إلى التشكيك في نبوَّته صلى الله عليه وآله وسلم أو الطعن فيها، ولاسيّما بعد أن قال قائلهم: (إنَّ النبيّ ليهجر)!
ثمّ إنَّ ما قاله أحمد إسماعيل حجَّة عليه؛ لأنَّه زعم أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب هذا الكتاب في ليلة وفاته، أي بعد رزية يوم الخميس بأكثر من ثلاثة أيّام بلياليها، مع أنَّ أهمّية هذا الكتاب تحتِّم سرعة المبادرة إلى كتابته، وهذا يؤكِّد ما قلناه من أنَّ الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه كيلا تضلّ الأُمَّة من بعده، مغاير للوصيّة التي كتبها في ليلة وفاته لو سلَّمنا بأنَّ هناك وصيّة كُتبت في ليلة الوفاة.
قال أحمد إسماعيل:
(لا أعتقد أنَّ شخصاً يحترم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيقول: إنَّه ترك كتابة كتاب (الوصيّة) [الذي] وصفه هو صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه عاصم للأُمَّة من الضلال إلى يوم القيامة).
والجواب:
أنَّا بيَّنّا فيما تقدَّم أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يمضِ بلا وصيّة، وذكرنا جملة من الروايات الدالّة على ذلك.
كما أنَّا بيَّنّا أنَّ الكتاب الذي أراد أن يكتبه للأُمَّة كيلا تضلّ بعده أبداً، فحال عمر بن الخطّاب بينه وبين كتابته هو كتاب آخر مغاير للوصيّة، وهذا الكتاب الآخر أكَّدت كلّ القرائن والشواهد التاريخية على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يعاود كتابته بعد ذلك.
هذا هو مقتضى التحقيق في هذه المسألة، ولا علاقة للمسألة باحترام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ هذا أمر لا يُزايد عليه.
قال أحمد إسماعيل:
(وغير صحيح قول بعض من يدَّعون العلم من الشيعة(٢٥٢): (إنَّ ترك كتابة الوصيّة مطلقاً راجح؛ لأنَّ من اعترضوا _ أي عمر وجماعته _ في رزية الخميس على كتابتها، وقالوا: (يهجر)، أو (غلبه الوجع)، لن يتورَّعوا بعد وفاة رسول الله عن الطعن بسلامة قواه العقلية عند كتابته للوصيّة كما فعلوا في رزية الخميس).
وقولهم هذا غير صحيح؛ لأنَّ هذا يمكن أن يحصل فيما لو كُتبت الوصيّة وأُبرزت وأُظهرت لهؤلاء المعترضين، أمَّا لو كُتبت لعلي، وأَشهد عليها مَنْ قَبِلها من الأصحاب دون أن تُبرز لهؤلاء المعترضين فلن يكون هناك طعن بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي نفس الوقت يحقِّق الغرض من كتابة الوصيّة وهو أن تصل إلى الخَلَف من هذه الأُمَّة، وتنفي الضلال عن هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة).
والجواب:
قال آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس سره:
(وعندها عَلِمَ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه لم يبقَ _ بعد كلمتهم هذه _ أثر لذلك الكتاب إلَّا الفتنة، فقال لهم: (قوموا عنّي). واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولّوا عليهم عليَّاً، وأن يُخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يُجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذٍ ما أباحتا للمحدِّثين أن يُحدِّثوا بوصيَّته الأُولى، فزعموا أنَّهم نسوها)(٢٥٣).
قلت: إنَّ القوم يعلمون ماذا كان يريد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب، ولذلك حاولوا بكلّ قوَّتهم وشغبهم أن يمنعوه من كتابته، ولو أصرَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مع ذلك على كتابته فإنَّ عمر بن الخطّاب ومن كان معه سيرفضون العمل بما فيه، متذرِّعين بأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بحسب زعمهم لم يكن في ذلك الوقت مؤهَّلاً لكتابة كتاب مهمّ يعصم الأُمَّة من الضلال؛ لأنَّه لم يكن في كامل قواه العقلية، فلا فائدة في كتابة هذا الكتاب إلَّا وقوع المسلمين في مزيد من الاختلاف والفتنة التي ستطال قداسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتماً.
وإذا كان هؤلاء القوم قد جابهوا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الجرأة الشديدة، وهو حيٌّ بين ظهرانيهم، وفي أواخر أيّام حياته، ومنعوه من كتابة الكتاب، وشكَّكوا الناس في سلامة عقله، فهل ترى أنَّه يصعب عليهم بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم أن يطعنوا في هذا الكتاب الذي سيأتي لهم به الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ويطالبهم بالتنحّي عن الخلافة مستنداً إلى ما كتبه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الكتاب؟
إنَّها السياسة التي لم تقم للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وزناً، فكيف تقيم وزناً لمن هو دونه في الفضل والمنزلة؟!
وقول أحمد إسماعيل: (أمَّا لو كُتبتْ لعلي، وأشهد عليها مَنْ قَبِلها من الأصحاب دون أن تُبرَز لهؤلاء المعترضين فلن يكون هناك طعن بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي نفس الوقت يحقِّق الغرض من كتابة الوصيّة، وهو أن تصل إلى الخَلَف من هذه الأُمَّة، وتنفي الضلال عن هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة).
واضح الفساد؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب كتاباً يطَّلع عليه عامّة الناس لكي يتحقَّق الغرض من كتابته، وهو ألَّا تضلّ الأُمَّة من بعده، وأمَّا إذا كتبه بالطريقة التي اقترحها أحمد إسماعيل، وصار في حوزة أمير المؤمنين عليه السلام، وتكتَّم عليه بصورة شديدة، بحيث لم يطلعه إلَّا لخاصّة الخاصّة، فإنَّ المعترضين وأتباعهم _ وهم كثيرون جدَّاً، بل هم أكثر الصحابة في ذلك الوقت _ لن يستفيدوا من هذا الكتاب أصلاً، وسيؤسِّس أُولئك المعترضون أُسساً من الضلال يتبعهم فيها غيرهم ممَّن يسير على منهاجهم، وبهذا فإنَّ الكتاب لو كُتِبَ بنحو سِرِّي فإنَّه لن يُحقِّق الغاية التي أرادها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كانت له فائدة فستكون قليلة جدَّاً، ولعلَّ مضارّه ستكون أكثر من فوائده؛ لأنَّه ربَّما يثير خلافاً وفتنةً لا يعلم مداها إلَّا الله سبحانه.
قياس أحمد إسماعيل كتابة الكتاب بمسائل فقهية:
قال أحمد إسماعيل:
(نعم، يجوز لمن يدَّعون الفقه أن يسوقوا الكلام السابق لتعليل عدم إصرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كتابة الوصيّة في نفس الموقف، أي في حادثة الخميس لا مطلقاً.
وهذا أمر بديهي، فهل من يشقّ عليه صيام يوم من شهر رمضان يُعرض عن صيام هذا اليوم مطلقاً، أم يصومه في يوم آخر يمكنه صيامه فيه؟ وهل من لا يتمكَّن من أداء الصلاة في مكان لوجود النجاسة فيه يمتنع عن الصلاة، أم يُصلّيها في مكان آخر؟).
والجواب:
أنَّ هذا قياس مع الفارق، فإنَّ من لم يتمكَّن من صيام يوم فأفطر، فإنَّه يجب عليه قضاؤه، وكذا من لم يتمكَّن من الصلاة في مكان لنجاسته، فإنَّه يجب عليه أن يُصلّي في مكان آخر، وهذه أحكام فقهية معروفة، وأمَّا كتابة الكتاب فإنَّه تكليف موجَّه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن إنَّما نعرف عدم وجوبه عليه بعد لغط القوم واعتراضهم من عدم إصراره على كتابة الكتاب، وهو صلى الله عليه وآله وسلم أعرف بما يجب عليه وما لا يجب.
وليس من حقِّ أيّ مسلم أن يقول: إنَّ كتابة الكتاب كانت واجبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى بعد أن اعترض عليه القوم وقالوا ما قالوا؛ لأنَّا إنَّما نعرف الحقّ من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واللازم هو أن نبحث في أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد اعتراض القوم عليه هل كتب الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس أم لا؟
وكان على أحمد إسماعيل أن يثبت بالأدلَّة الصحيحة أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب هذا الكتاب، فإنَّ هذا خير من أن يحاول إثبات حادثة تاريخية بقياسها على مسائل فقهية، فإنَّ هذا لا يصدر عن صغار طلبة العلم، فضلاً عن إمام معصوم.
هل كتب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً عاصماً من الضلال؟
قال أحمد إسماعيل:
(وكتاب رسول الله عند الاحتضار (الوصيّة) أمر عظيم أعظم من الصوم والصلاة، فرضه الله على الرسول بقوله تعالى: (كُتِبَ) و(حَقًّا عَلَى)، ووصفه رسول الله بأنَّه يعصم الأُمَّة من الضلال إلى يوم القيامة، فكيف يتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقاً بمجرَّد أن اعترض عليه جماعة في يوم الخميس؟!).
والجواب:
أنَّا أوضحنا فيما سبق بما لا يحتاج إلى مزيد بيان أنَّ الوصيّة في قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) إنَّما هي في الأموال والممتلكات، وبيَّنّا ذلك بإسهاب فلا حاجة لإعادته.
ثمّ إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يصف الكتاب الذي أراد أن يكتبه للأُمَّة بأنَّه كتاب عاصم للأُمَّة من الضلال كما زعم أحمد إسماعيل، وإنَّما وصفه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ الأُمَّة لا تضلُّ به بعده، وبين الوصفين فرق كبير.
وليس معنى وصف الكتاب بهذا الوصف أنَّ نفس وجوده مانع للأُمَّة من الوقوع في الضلال والاختلاف، إذ أنَّه لو فُرِضَ أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتبه فإنَّ وجوده لا يمنع من اختلاف الناس وتنازعهم، ولاسيّما إذا كان كثير من الناس لا يريدون أن يعملوا بما فيه.
ولا شكَّ في أنَّ القرآن الكريم أعظم شأناً من هذا الكتاب، والله وصفه بأنَّه يهدي للحقّ في بعض آيات الكتاب.
منها: قوله تعالى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشر الْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء: ٩)، وقوله سبحانه: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدى لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (البقرة: ١٨٥)، ومع ذلك فلم يرد في شيء من الروايات أنَّ القرآن عاصم للأُمَّة من الضلال، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين قال: (إنّي قد تركتُ فيكم أمرين، لن تضلّوا بعدي ما إن تمسَّكتم بهما: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإنَّ اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنَّهما لن يفترقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض)(٢٥٤).
فعلَّق صلى الله عليه وآله وسلم عدم الوقوع في الضلال على التمسّك بهما، ولم يصف الكتاب والعترة بأنَّ نفس وجودهما عاصم للأُمَّة من الوقوع في الضلال، خصوصاً مع إعراض الناس عنهما وعدم تمسّكهم بهما.
وممَّا قلناه يتَّضح أنَّ وصف أحمد إسماعيل هذا الكتاب بأنَّه عاصم للأُمَّة من الوقوع في الضلال غير صحيح.
وأمَّا قوله: (فكيف يتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقاً بمجرَّد أن اعترض عليه جماعة في يوم الخميس؟!).
فجوابه اتَّضح ممَّا قلناه فيما سبق، وهو أنَّ المعترضين على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا طعنوا في سلامة عقل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وزعموا أنَّه يهجر، فإنَّ الكتاب لن تكون له كثير فائدة بعد ذلك، ولن يستطيع أهل الحقّ أن يحتجّوا به؛ ووجود مثل هذا الكتاب ربَّما يسبب اختلافاً وفتنةً بين المسلمين لا يعلم مداها إلَّا الله سبحانه.
ويكفي في الدلالة على إعراض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن كتابة الكتاب أنَّ روايات الشيعة وأهل السُنَّة اتَّفقت على أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم طرد القوم من مجلسه، وأنَّه لم يكتب هذا الكتاب في ذلك الوقت.
هل ترك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتابة وصيَّته؟
قال أحمد إسماعيل:
(في الحقيقة أنَّه [كذا] أمر عظيم وخطير أن يُتَّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بترك كتابة الوصيّة عند الاحتضار، حيث إنَّه يُمثِّل اتّهاماً للرسول بأنَّه ترك ما أمره الله به مع تمكّنه من أدائه والقيام به، فالله يوجب كتابة الوصيّة على سيّد وإمام المتّقين محمّد مرَّتين بآية واحدة بقوله: (كُتِبَ) (حَقًّا عَلَى)، (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة: ١٨٠)، ويأتي فلان أو فلان اليوم ليقول: إنَّ محمّداً ترك الوصيّة التي تُشخِّص الثقلين!!).
والجواب:
أنَّه قد اتَّضح من كلامنا السابق عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ آية الوصيّة إنَّما هي في الأموال والممتلكات، وقد أوضحنا ذلك وأيَّدناه بدلالة الروايات على ذلك.
٢ _ أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يهمل الوصيّة، وإنَّما أوصى لأمير المؤمنين عليه السلام بوصايا كثيرة كما دلَّت على ذلك روايات متعدّدة ذكرنا بعضاً منها فيما سبق فراجعها.
٣ _ أنَّ الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه كي لا تضلّ الأُمَّة من بعده ليس بوصيّة، ولهذا فإنَّه لم يوصف بأنَّه وصيّة في شيء من الروايات، وإنَّما هو بيان للأُمَّة حاول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه، فحيل بينه وبين كتابته، فلم يعاود كتابته بعد ذلك؛ لما قلناه سابقاً من الأدلَّة.
٤ _ أنَّ عدم كتابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الكتاب بعد أن حيل بينه وبين كتابته لا يستلزم الطعن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء؛ لأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم رأى المصلحة في عدم كتابة مثل هذا الكتاب بعد أن قيل ما قيل، أو جاءه أمر من الله تعالى بترك كتابته بعد رزية يوم الخميس، وهذا لا يقتضي اتّهام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه ترك ما يجب عليه مع تمكّنه منه، وهو كتابة الوصيّة قبل الاحتضار؛ لأنَّا أوضحنا أنَّ هذا الكتاب لم يكن وصيّة، بل كان مغايراً لها، ولا علاقة له بالوصيّة.
٥ _ أنَّ بعض الروايات دلَّت على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب ذلك الكتاب الذي حال عمر بينه وبين كتابته، مثل رواية سليم بن قيس الهلالي، ورواية النعماني في كتاب الغيبة، فإن صحَّت هذه الرواية فعليها المعوَّل، وإلَّا فالظاهر أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم انصرف عن كتابة الوصيّة بعد ما حصل من اللغط والاختلاف.
من الذي اتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟
قال أحمد إسماعيل:
(وهكذا بكلّ بساطة يُتَّهم رسول الله بأنَّه يعصي الله؛ لأنَّ الوصيّة الوحيدة المرويّة لا توافق هواه، ولأنَّ فيها ذكر المهديّين واسم أوّلهم، هكذا فقط لأنَّها لا تعجبه يقول: (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يوصِ)، هل هناك اتّباع للهوى أبين من هذا؟!).
والجواب:
أنَّه لا يوجد شيعي يتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه عصى الله سبحانه، أو أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يوص، فإنَّ هذه الأُمور لا يختلف فيها الشيعة قديماً وحديثاً، بل إنَّهم تنازعوا مع مخالفيهم فذهبوا إلى أنَّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هو وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف يمكن أن يكون عليه السلام وصيَّاً له صلى الله عليه وآله وسلم من دون أن تكون عنده وصايا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلزمه العمل بها؟!
وأمَّا أنَّ الرواية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في الغيبة هي الوصيّة الوحيدة المرويّة فقد بيَّنّا بطلانه فيما سبق.
وفي الحقيقة إنَّ الذي يتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يزعم أنَّ هذه الرواية هي وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع أنَّها مرويّة بسند مظلم، وفيها ما هو مخالف للمتواتر من أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط.
أليس من اتّباع الهوى التمسّك بهذه الرواية، وطرح كلّ الروايات الأُخرى المتواترة المعارضة لها؟ وهل هناك اتّباع للهوى أبين من هذا؟!
ماذا أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب في ذلك الكتاب؟
قال أحمد إسماعيل:
(والمصيبة أنَّ بعضهم يدَّعون أنَّهم يعلمون ما في وصيّة رسول الله التي لم يكتبها حسب زعمهم، وبأنَّها مجرَّد تأكيد لبيعة الغدير ولحديث الثقلين المجمل، ولهذا فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يهتمّ لكتابتها، ولم يكتبها بعد حادثة الرزية بحسب زعمهم ولو للمساكين الذين يقبلونها كعمّار وأبي ذر والمقداد، ولم يكتبها حتَّى لعلي لتصل لمن يقبلونها بعده؛ لكي لا يضيع ويضلّ كلّ من أصلاب الرجال وتعصم الأُمَّة من الضلال).
والجواب:
أنَّ رواية سليم بن قيس الهلالي التي ذكرناها سابقاً وغيرها بيَّنت أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب في ذلك الكتاب أسماء الخلفاء من بعده واحداً بعد واحد، والقوم كانوا يعلمون بما أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب، ولولا ذلك لما كثر لغطهم، ولما حالوا بينه وبين كتابة الكتاب، ولاسيّما أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل كلاماً يجعل عمر بن الخطّاب ومن كان معه يتوهَّمون أنَّه كان يهجر، أو أنَّ الوجع قد غلبه بحيث صار لا يدرك ما يقول!
والفائدة في تدوين أسماء الخلفاء هي بيان أسماء خلفاء الهدى؛ ليكون معلوماً عند الناس أنَّ كلّ من يتولّى الأمر من غير هؤلاء الأئمّة فهو غاصب للخلافة، متسلِّق عليها، غير مستحقّ لها.
ونحن لا نشكُّ في أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن لصحابته أسماء الخلفاء إلى قيام الساعة، ونصَّ عليهم واحداً بعد واحد، إلَّا أنَّ كتابة ذلك وتدوينه على رؤوس الأشهاد يدفع كلّ تشكيك أو إنكار ممَّن يطمعون في الخلافة، ويسعون للوصول إليها بغير حقّ.
ونحن نستبعد أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يُدوِّن أُموراً أُخرى مهمّة لم يبيّنها للناس فيما سبق؛ لأنَّ الله تعالى قد أكمل هذا الدين بعد تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، ولم يبقَ شيء من مهمّات الشريعة إلَّا وبيَّنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك.
وأمَّا طعن أحمد إسماعيل في حديث الثقلين بأنَّه مجمل فهو ناشئ عن جهله بالكلام العربي، وقلَّة فهمه للكلام النبوي، ولو لم يكن هذا الحديث واضح الدلالة لطعن فيه أعداء الشيعة الذين رأوا أنَّه غصَّة في حلوقهم، وكلّ من حاول التشكيك فيه إنَّما شكَّك فيه من ناحية سنده لا دلالته.
ومع بيان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للمراد بعترته وأهل بيته لا يبقى أيّ مجال للقول بأنَّ الحديث فيه إجمال، فإنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن ذلك في أحاديث كثيرة رواها أهل السُّنَّة فضلاً عن الشيعة.
منها: ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقّاص، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟ فقال: أمَّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه؛ لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حمر النعم...
إلى أن قال: ولمَّا نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) [آل عمران: ٦١]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّاً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، فقال: (اللّهمّ هؤلاء أهلي)(٢٥٥).
وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً))(٢٥٦).
وأخرج الحاكم أيضاً عن أُمّ سَلَمة، قالت: في بيتي نزلت: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، فقال: (هؤلاء أهل بيتي)(٢٥٧).
وبسنده عن واثلة بن الأسقع، وفيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الحسن والحسين، فأقعد كلّ واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثمّ لفَّ عليهم ثوباً، وقال: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، ثمّ قال: (هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أهل بيتي أحقّ)(٢٥٨).
ومن هذا يتبيَّن أنَّ الصحابة كانوا يعلمون بالمراد بأهل البيت في حديث الثقلين، وأنَّه لا إجمال فيه ولا غموض.
وأمَّا السبب الذي دعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعدم كتابة الكتاب لمن يقبلونه كعمّار والمقداد وسلمان وأبي ذر، فلأنَّهم لا يحتاجونه؛ لأنَّهم كانوا متمسّكين بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبالحسن والحسين عليهما السلام، ومن عاصر أمير المؤمنين عليه السلام وتمسَّك به لا يحتاج معه إلى كتاب.
وقال أحمد إسماعيل: (ولم يكتبها حتَّى لعلي لتصل لمن يقبلونها بعده؛ لكي لا يضيع ويضلّ كلّ من أصلاب الرجال وتعصم الأُمَّة من الضلال).
والجواب: أنَّ هذا كلام واضح الضعف والركاكة؛ لأنَّ غرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب هو ألَّا يضلّ أكثر الأُمَّة من بعده، فإنَّ أكثر الناس الذي سيتبعون المتسلّطين على الخلافة سيقعون في الضلال، ومن المعلوم أنَّ فئات من هذه الأُمَّة ستتمسَّك بأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وسيكونون على هدى، وهؤلاء لا يستهدفهم الكتاب الذي نتحدَّث عنه، وإنَّما يستهدف الناس الآخرين الذين سينخدعون بخلافة غاصبي الخلافة من حيث لا يشعرون أنَّهم على ضلال مبين.
وكما لاحظ القارئ العزيز فإنَّه يظهر من أحمد إسماعيل أنَّه مُصر على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة بعده، ومن الواضح أنَّه لو كتبه لما ضلَّت الأُمَّة بعده، فلمَّا رأيناها قد ضلَّت ولم تتمسَّك بأهل بيت نبيّها صلى الله عليه وآله وسلم علمنا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتب ذلك الكتاب، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد إيضاح.
قال أحمد إسماعيل:
(ولا أدري من أين علموا أنَّ الوصيّة مجرَّد تكرار أو تأكيد لحادثة الغدير أو غيرها من الحوادث والأقوال السابقة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحديث الثقلين المجمل، مع أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم نبيّ ورسول من الله والوحي مستمرٌّ له، ورسالته لهداية الناس مستمرّة حتَّى آخر لحظة من حياته).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل حاول بهذا الكلام وما بعده أن يُشكِّك في أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب في هذا الكتاب ما سبق له أن بيَّنه للناس في يوم الغدير أو غيره؛ وحيث إنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر المهديّين الاثني عشر في تلك الحوادث المهمّة، فإنَّ ذلك يقتضي _ إن كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد عاود كتابة الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة بعده _ أنَّه لم يذكر المهديّين الاثني عشر في هذا الكتاب، وهذا ينقض دعوة أحمد إسماعيل من أساسها.
وكلّ من تأمَّل الحوادث التي حدثت في ذلك الوقت، واطَّلع على الروايات التي ذكرت هذه الحوادث يعلم أنَّ ما أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه في الكتاب الذي لا تضلُّ الأُمَّة من بعده إنَّما هو أُمور سبق أن بيَّنها للناس في حوادث متعدّدة وأوقات متفاوتة، وكرَّرها وأكَّد عليها، إلَّا أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم أراد في آخر أيّام حياته المقدَّسة أن يدوِّن هذه الأُمور التي أكَّد عليها وكرَّرها حتَّى تكون حجَّة على الناس إلى يوم القيامة، ولئلَّا يتأتّى إنكارها أو التشكيك فيها.
ومن يقول ذلك إنَّما يقوله لأنَّ الله تعالى أنزل قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأَسْلامَ دِيناً) (المائدة: ٣)، وهذه الآية واضحة الدلالة على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان قد بَيَّن كلّ مهمّات الشريعة قبل نزول هذه الآية المباركة، ولا شكَّ في أنَّ ما أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه قبيل وفاته في ذلك الكتاب كان من مهمّات الشريعة، وهي كلّها مبيَّنة فيما سبق.
وقد روى الشيخ الكليني قدس سره عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنّا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي عليه السلام، فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسَّم عليه السلام، ثمّ قال: (يا عبد العزيز جهل القوم، وخُدعوا عن آرائهم، إنَّ الله عز وجل لم يقبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء، بَيَّنَ فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عز وجل: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: ٣٨]، وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأَسْلامَ دِيناً)، وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى بيَّن لأُمَّته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحقّ، وأقام لهم عليَّاً عليه السلام عَلَماً وإماماً، وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الأُمَّة إلَّا بيَّنه، فمن زعم أنَّ الله عز وجل لم يُكمل دينه فقد ردَّ كتاب الله، ومن ردَّ كتاب الله فهو كافر به)(٢٥٩).
وفي صحيحة زرارة وغيره، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي، وأنزل عليه: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة: ٥٥]، وفرض ولاية أُولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم أن يُفسِّر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ، فلمَّا أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتخوَّف أن يرتدّوا عن دينهم، وأن يُكذِّبوه، فضاق صدره، وراجع ربَّه عز وجل، فأوحى الله عز وجل إليه: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: ٦٧]، فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خُمّ، فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلِّغ الشاهد الغائب).
قال عمر بن أذينة: قالوا جميعاً غير أبي الجارود _ وقال أبو جعفر عليه السلام _: (وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأُخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)). قال أبو جعفر عليه السلام: (يقول الله عز وجل: لا أُنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض)(٢٦٠).
إذا اتَّضح ذلك يتبيَّن أنَّ استبعادات أحمد إسماعيل أن يكون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب أُموراً سبق أن بيَّنها للناس وأكَّد عليها، كلّها استبعادات مخالفة للقرآن الكريم وللأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام.
ونحن في المقابل نعيد عليه السؤال إن كان عنده جواب، فنقول: ما هو دليلك على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب للناس في ذلك الكتاب أمراً جديداً لم يسبق له أن بيَّنه لهم؟
قال أحمد إسماعيل:
(فهل أنَّ الله أخبرهم مثلاً أنَّه لم يوحِ لمحمّد قبل احتضاره بيوم أو بشهر أو بشهرين شيئاً جديداً وتفاصيل جديدة تخصُّ أحد الثقلين وهو [كذا] الأوصياء من بعده وأسماء وصفات بعضهم بما يضمن عدم ضلال الأُمَّة إلى يوم القيامة، مع أنَّ هذا الأمر موافق للحكمة؟! وإذا لم يكن قد أوحى الله لهؤلاء المدَّعين شيئاً، فلماذا الجزم أنَّ الوصيّة كانت مجرَّد تكرار لما سبق، ولهذا كان الأفضل ترك كتابتها بعد رزية الخميس بحسب زعمهم؟!).
والجواب:
أنّا ذكرنا أنَّ الله تعالى أنزل آية إكمال الدين، وأنَّ الأحاديث دلَّت على أنَّ الله تعالى لم يُنزل بعد ذلك فريضة.
وأمَّا الأوصياء من بعده صلى الله عليه وآله وسلم وأسماؤهم وصفاتهم فهذا أمر قد بيَّنه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيما سبق، ولن ينتظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر يوم في حياته ليبيِّن أمراً بالغ الأهمّية كهذا الأمر؛ ولاسيّما أنَّ آية إكمال الدين تدلُّ بوضوح على أنَّ كلّ مهمّات الشريعة قد بُيِّنت، وأسماء الأوصياء من مهمّات الشريعة التي ينبغي أن تكون مبيَّنة لمَّا أُنزلت آية إكمال الدين.
قال أحمد إسماعيل:
(هل هذا يعني أنَّ عمر يُقرِّر لرسول الله أنَّ الأفضل عدم كتابة الوصيّة في يوم خميس كما يزعم من اعتبروا أنَّ اعتراض عمر على كتابة الكتاب كان بتوفيق وتسديد، وأنتم تقرِّرون لرسول الله أنَّ الأفضل عدم كتابة الوصيّة بعد يوم الخميس ولا تعدمون القش لإيقاد ناركم، فمن الرسول بربّكم: محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، أم عمر وجماعته، أم أنتم يا من تسمَّيتم بالتشيّع؟).
والجواب:
أنّا لا نشكُّ في أنَّ كتابة الكتاب كانت فيه مصلحة عظيمة لهذه الأُمَّة، ويكفي أنَّ الأُمَّة لا تضلُّ بعده أبداً، وحسبك بها فائدة.
كما أنّا لا نشكُّ أيضاً في أنَّ عمر بن الخطّاب كان قد أخطأ خطأً ذريعاً باعتراضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبحيلولته دون كتابة الكتاب، وأنَّ كلّ من صوَّب فعل عمر فهو جاهل أو مكابر متعصِّب، ولاسيّما أنَّ كلّ ما اعتُذر به لعمر لا يصلح أن يكون عذراً لتصحيح هذه الرزيّة.
وأمَّا بعد اعتراض عمر وقوله مقالته المعروفة، فإنَّ الوارد في الروايات أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كتابة الكتاب لا أقلّ في ذلك المجلس، وأمر القوم بالخروج، ولم يصر على كتابته فيه، ولا أظنّ أنَّ أحمد إسماعيل ينكر ذلك، وهذا يدلُّ على أنَّ الكتاب لم تعدّ له تلك الفائدة المهمّة التي تستدعي الإصرار على كتابته، خصوصاً بالنسبة إلى هؤلاء المعترضين ومن يرى رأيهم.
أي إنَّنا علمنا بعدم فائدة الكتاب لهؤلاء بعد اعتراض عمر من عدم إصرار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على كتابته، ولولا ذلك لكتبه، ولما اعتنى باعتراض عمر وبلغط من كانوا معه.
نعم، ورد في رواية سليم بن قيس الهلالي أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب هذا الكتاب بعد انصراف القوم، وأشهد عليه بعض خيار الصحابة، وهذا لا ينافي انصراف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن كتابة الكتاب لعموم الأُمَّة؛ لما فيه من المفاسد التي لا يعلم مداها إلَّا الله سبحانه.
وكان اللازم على أحمد إسماعيل بدلاً من كلّ هذا اللغط والصياح أن يأتي بدليل واحد صحيح يدلُّ على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب ذلك الكتاب، فإنَّ هذا خير له من كثرة الكلام الذي لا طائل منه.
والغريب قول أحمد إسماعيل: (أنا أدعو من يقولون هذا القول إلى التوبة والاستغفار إن كانوا يخافون الله).
فإنَّ هذه المسألة مسألة تاريخية، والخطأ فيها _ لو عُلِمَ جزماً _ لا يستوجب التوبة والاستغفار، ولاسيّما بالنسبة لمن لم يرَ دليلاً واحداً صحيحاً يدلُّ على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عاود كتابة الكتاب، ورأى أنَّ كلّ الروايات قد أكَّدت على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم طرد القوم، ولم يكتب الكتاب في ذلك المجلس، مع قرائن أُخرى ذكرناها فيما سبق، والروايات الدالّة على أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم عاود كتابة الكتاب وأشهد عليه بعض الصحابة لا تنافي أنَّه لم يكتب هذا الكتاب لعموم الأُمَّة، وإنَّما كتبه للخاصّة فقط، والله أعلم.
قال أحمد إسماعيل:
(فعلَّة الوصيّة عند الاحتضار لخليفة الله والحكمة منها لأنَّ الوحي والتبليغ مستمرّ لخليفة الله في أرضه حتَّى آخر لحظة من حياته، فوصيَّته تكون بآخر ما يوحى له فيما يخصُّ أمر خليفة أو خلفاء الله من بعده أو أوصيائه).
والجواب:
أنَّ الله سبحانه وتعالى هو العالم المطلق الذي لا تخفى عليه الأُمور، ولا يحتاج للانتظار حتَّى تتَّضح له الأُمور، فيؤخِّر وصيّة نبيّه فيما يتعلَّق بالخلفاء حتَّى آخر ساعة من حياته، ليفاجئ الناس بخلفاء جدد لم يسبق له أن ذكرهم للناس.
إنَّ أمر الخلفاء محسوم سابقاً، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أكَّد في مناسبات متعدّدة على أنَّ الخلفاء من بعده اثنا عشر خليفة، لا يزيدون ولا ينقصون.
والتنصيص على خلفاء آخرين غير الاثني عشر يستلزم تكذيب كلامه السابق الذي حصر فيه الخلفاء في اثني عشر فقط.
وكما قلناه فيما سبق إنَّ أحمد إسماعيل أراد بكلامه هذا أن يُثبت المهديّين الاثني عشر برواية كتاب (الغيبة) التي جاء فيها أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أملاها في ليلة وفاته، رغم أنَّها كما قلنا: رويت بسند مظلم جدَّاً، ومضمونها معارَض بروايات كثيرة متواترة تحصر الأئمّة في اثني عشر فقط.
قال أحمد إسماعيل:
(ولهذا قال الحكيم المطلق سبحانه: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ...)، ولم يقل: (كتب عليكم الوصيّة) فحسب).
والجواب:
أنَّه يريد بذلك أنَّ الله إنَّما أوجب الوصيّة عند حضور علامات الموت، ولم يوجبها قبل ذلك؛ لأنَّ كلّ إنسان إذا رأى علامات قرب موته علم ما له وما عليه من حقوق لله أو للناس.
ولا يخفى أنَّه ليس المراد بوقت حضور الموت هو ما قبل الموت بليلة كما فهمه أحمد إسماعيل، فإنَّ هذا أمر لا يمكن معرفته.
قال الطبرسي قدس سره: ((إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي أسباب الموت من مرض ونحوه من الهرم، ولم يُرِد إذا عاين البأس ومَلَك الموت؛ لأنَّ تلك الحالة تشغله عن الوصيّة)(٢٦١).
مع أنَّ هذه الآية إنَّما وردت في الوصيّة بالأموال كما قلناه مكرَّراً، وأنَّها ليست ناظرة إلى الوصيّة بغير المال.
هل رواية كتاب (الغيبة) شخّصت الثقلين؟
قال أحمد إسماعيل:
(ولهذا بيَّن الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فيما سُمّي برزية الخميس بأنَّ وصيَّته عند الموت هي العاصم من الضلال لا غير؛ لأنَّها في تشخيص الثقلين (المخلف العاصم من الضلال) بالاسم والصفة الذي لا يمكن معه أن يحصل الضلال لمن التزم بهذه الوصيّة إلى يوم القيامة).
والجواب:
أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يبيِّن في يوم الخميس أنَّ وصيَّته عند الموت هي العاصم من الضلال لا غير، بل إنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتكلَّم في ذلك اليوم عن وصيَّته عند الموت، وإنَّما تكلَّم عن الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس حتَّى لا يضلّوا بعده.
وأمَّا زعم أحمد إسماعيل أنَّ هذه الوصيَة تُشخِّص الثقلين بالاسم والصفة بحيث لا يمكن مع هذا التشخيص أن يحصل الضلال لمن التزم بالوصيّة، فهو خلط بين الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للناس كيلا يضلّوا بعده، وبين الوصيّة التي أملاها وكتبها أمير المؤمنين عليه السلام.
وأمَّا الوصيّة التي يدندن بها أحمد إسماعيل فلم يثبت أنَّها وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ كيف تثبت أنَّها وصيّة رسول الله ولم تُروَ بسند صحيح، والحال أنَّها لو كانت صحيحة لرُويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتواتر، ورواها الشيعة خلفاً عن سلف، وطبقة عن طبقة، وعن إمام بعد إمام، إلَّا أنَّها لم تُروَ إلَّا في كتاب واحد، وبسند ضعيف بل مظلم كما قلنا، فكيف يصحُّ نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
وأمَّا زعم أحمد إسماعيل أنَّ الوصيّة تُشخِّص الثقلين فغير صحيح.
أمَّا الثقل الأكبر _ وهو القرآن الكريم _ فمضافاً إلى أنَّه لا يحتاج إلى تشخيص فإنَّ الرواية لم تُشخِّصه كما هو واضح لمن قرأها.
وأمَّا الثقل الأصغر فإن أراد بهم أئمّة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام فهو صحيح، إلَّا أنَّ هذا لا ينفع أحمد إسماعيل في شيء؛ لأنَّ روايات أُخر صحيحة بل متواترة شخَّصت هؤلاء الأئمّة الاثني عشر أيضاً، وقد ذكرنا طائفة منها فيما سبق.
ومن ضمنها ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسند صحيح عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: (سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي مخلِّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، مَن العترة؟ فقال: أنا، والحسن، والحسين، والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتَّى يَرِدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوضه)(٢٦٢).
وهذا الحديث واضح الدلالة على أنَّ العترة النبويّة التي يجب التمسّك بها هم الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام فقط دون غيرهم.
وأمَّا إن أراد أحمد إسماعيل أنَّ رواية كتاب (الغيبة) شخَّصت الأئمّة الاثني عشر والمهديّين الاثني عشر، وهذا ما يريده بالفعل، فهو غير صحيح؛ لأنَّها لم تبيِّن من أسماء أولئك المهديّين أحداً، فضلاً عن أن تبيِّن جميع أسمائهم وكامل صفاتهم.
وأحمد إسماعيل كثيراً ما يدَّعي أنَّ رواية كتاب (الغيبة) ذكرته باسمه وصفته، إلَّا أنَّ إثبات ذلك دونه خرط القتاد، فإنَّ تلك الرواية لم تبيِّن لأحمد إسماعيل لا اسماً ولا صفةً.
ونحن قد بيَّنّا فيما سبق أنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الذي له ثلاثة أسامي في قوله في الرواية: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين).
ويدلُّ على ذلك وجود روايات أُخر ورد فيها التصريح بأنَّ الإمام المهدي عليه السلام له هذه الأسماء الثلاثة كما ذكرنا ذلك فيما سبق.
ولو سلَّمنا أنَّ الضمير يعود إلى ابنه، وأنَّ ابنه له ثلاثة أسامي: أحمد، وعبد الله، والمهدي، فإنَّه لا يثبت بذلك أنَّه أحمد إسماعيل البصري؛ لأنَّه لم يثبت أنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام، بل الثابت أنَّه ليس ابناً له ولو بالوسائط المتعدّدة.
ولو سلَّمنا جدلاً أنَّ الإمام المهدي عليه السلام هو الجدّ الرابع لأحمد إسماعيل البصري كما يدَّعي زوراً وبهتاناً، فهذا لا يدلُّ على أنَّه هو المراد في الرواية لو سلَّمنا بصحَّتها، إذ لعلَّ المراد به الابن المباشر للإمام المهدي عليه السلام.
والنتيجة أنَّ رواية كتاب (الغيبة) لم تشخِّص أيّ من الثقلين، لا الأكبر ولا بعضاً من الأصغر وهم المهديّون، وإن زعم أحمد إسماعيل بلا حجَّة ولا برهان أنَّها شخَّصت أوّل المهديّين.
ما بلّغه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان كافياً لهداية الأمّة:
قال أحمد إسماعيل:
(وهنا أُعيد للتنبيه ولفت الانتباه أنَّ قول الرسول في يوم الرزيّة _ كما سمّاه ابن عبّاس _: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً) معناه: أنَّ ما سبق من التبليغ الذي جاء به الرسول بما فيه القرآن وعلي عليه السلام الذي بلَّغ بوصايته مرّات عديدة بل والحسن والحسين عليهما السلام اللذان شُخّصا بحديث الكساء وغيره، لا يعصم الأُمَّة من الضلال إلى يوم القيامة).
والجواب:
أنَّ أحمد إسماعيل في كلامه هذا بكلّ بساطة وبجرَّة قلم ألغى كلّ جهود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ القرآن وتبليغ الخلافة، وزعم أنَّ كلّ ذلك لا يعصم الناس من الوقوع في الضلال إلى يوم القيامة.
ولا شكَّ في أنَّ هذا الكلام مجازفة كبيرة وجرأة عظيمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتبديد لجهوده المباركة وجهاده العظيم طيلة ثلاث وعشرين سنة هي مدَّة الدعوة الإسلاميّة.
ولا يخفى على كلّ قارئ منصف أنَّ إرادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتابة كتاب للأُمَّة كيلا تضلّ بعده أبداً، لا يدلُّ على أنَّ كلّ ما بلَّغه قبل ذلك لم يكن كافياً في هداية الناس وفي منعهم من الوقوع في الضلال، ويكفي دلالته على أمير المؤمنين عليه السلام في مواقع كثيرة، وتنصيبه له في يوم غدير خُمّ، فإنَّ هذا وحده كافٍ في هداية الناس ومنعهم من الوقوع في الضلال.
والأحاديث الدالّة على كفاية ذلك كثيرة.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحبَّ أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويدخل الجنَّة التي وعدني ربّي، فليتولَّ عليَّاً بعدي، فإنَّه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ردى)(٢٦٣).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحبَّ أن يتمسَّك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، فليتمسَّك بولاية أخي ووصيّي علي بن أبي طالب، فإنَّه لا يهلك من أحبَّه وتولّاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه)(٢٦٤).
وبسنده عن مولانا الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: (سمعت أبي يُحدِّث عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا علي، والذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسَمة، إنَّك لأفضل الخليقة بعدي. يا علي، أنت وصيّي وإمام أُمَّتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني)(٢٦٥).
وبسنده عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحبَّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ عليَّاً بعدي، وليعادِ عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنَّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أُمَّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنَّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان)(٢٦٦).
وبسنده عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة. فقال: (يا ابن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، وتفرَّقت الآراء، فعليك بعلي بن أبي طالب، فإنَّه إمام أُمَّتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يُميِّز بين الحقّ والباطل، من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحقّ من عنده وجده، ومن التمس الهدى لديه صادفه، ومن لجأ إليه آمنه، ومن استمسك به نجّاه، ومن اقتدى به هداه. يا ابن سمرة، سَلِمَ من سَلَّمَ له ووالاه، وهلك من ردَّ عليه وعاداه. يا ابن سمرة، إنَّ عليَّاً منّي، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، إنَّ منه إمامَيْ أُمَّتي، وسيّدي شباب أهل الجنَّة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أُمَّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(٢٦٧).
والأحاديث في ذلك كثيرة جدَّاً لا حاجة لذكر المزيد منها لكثرتها واشتهارها عند الشيعة.
فهل يرى أحمد إسماعيل أنَّ جميع هذه الأحاديث وغيرها، وكذا المواقف الكثيرة التي بَيَّنَ فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الذي يجب على الناس أن يتمسَّكوا به من بعده، كلّها غير كافية في ألَّا يضلّ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّ ذلك متوقِّف فقط على كتابة ذلك الكتاب الذي حال عمر بن الخطّاب دون كتابته؟!
جواب هذا السؤال يعرفه كلّ قارئ منصف!
رواية كتاب (الغيبة) لا تشتمل على تشخيص دقيق للثقلين:
قال أحمد إسماعيل:
(بل الذي يعصم الأُمَّة من الضلال هو هذا التشخيص الدقيق للثقلين الذي أُوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره الله بتبليغه للناس بوصيَّته المباركة عند الاحتضار، وفي ختام حياته ورسالته المباركة).
والجواب:
أنّا أوضحنا فيما سبق أنَّ رواية كتاب (الغيبة) لم تُشخِّص الثقل الأكبر وهو القرآن الكريم، ولم تُشخِّص بعض من يعتبرهم أحمد إسماعيل من الثقل الأصغر؛ لأنَّه يرى أنَّ الثقل الأصغر هم الأئمّة الاثنا عشر والمهديّون الاثنا عشر، والرواية وإن عدَّدت الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، وبيَّنت أسماءهم، إلَّا أنَّها لم تذكر اسم واحد من المهديّين الاثني عشر، حتَّى المهدي الأوّل كما أوضحناه فيما سبق.
ولو تنزلنا وقلنا: إنَّ رواية الوصيّة بيَّنت اسم المهدي الأوّل، وأنَّ له ثلاثة أسامي: أحمد، وعبد الله، والمهدي، فإنَّ هذا ليس كافياً في تشخيصه، فلعلَّه الابن المباشر للإمام المهدي، لا كما يزعم أحمد إسماعيل أنَّه حفيد الحفيد!
مضافاً إلى أنَّ الرواية لم تذكر أسماء المهديّين الأحد عشر الباقين، فكيف يزعم أحمد إسماعيل أنَّ رواية كتاب (الغيبة) شخَّصت الثقلين تشخيصاً دقيقاً؟!
قال أحمد إسماعيل:
(في الختام: لدينا آية توجب كتابة الوصيّة عند الاحتضار وبكلمتين دالتين على الوجوب: (كُتِبَ) و(حَقًّا عَلَى)، قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة:١٨٠]، فمن ينكر كتابة الوصيّة يتَّهم الرسول بالمعصيّة).
والجواب:
أنَّ هذا كلام مكرَّر، وقد أجبنا عليه فيما سبق، وبيَّنا عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ هذه الآية إنَّما وردت في الأموال، ونحن لا نتكلَّم في الوصيّة بالأموال، إلَّا أنَّ أحمد إسماعيل خلط كثيراً بين الأمرين، وأصرَّ على هذا الخلط والخبط.
٢ _ أنّا بيَّنّا أنَّ الوصيّة إنَّما تجب إذا ظهرت أمارات الموت، لا عند الاحتضار كما يصر عليه أحمد إسماعيل، فإنَّ الرجل عند الاحتضار يكون مشغولاً بنفسه، فكيف يتيسَّر له أن يوصي بوصاياه.
٣ _ أنّا لا نتنازع في أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بكلّ وصاياه، فإنَّ الشيعة قد أطبقوا على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى أمير المؤمنين عليه السلام بجميع وصاياه في الأموال وغيرها.
٤ _ أنَّ إنكار رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) لا يستلزم القول بأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يوص؛ لأنَّ الروايات الكثيرة التي نقلنا بعضاً منها دلَّت على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بكلّ وصاياه، وأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له وصيّة أُخرى نزلت من السماء كتاباً مختوماً مسجَّلاً.
٥ _ أنَّ الكتاب الذي أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للأُمَّة كيلا تضلّ بعده مغاير للوصيّة، وأنَّ من قال: (إنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يعاود كتابة هذا الكتاب بعد لغط القوم واعتراضهم عليه)، فإنَّه لا ينكر أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى بجميع وصاياه.
٦ _ أنّا بيَّنّا أنَّ ما أراد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه للناس في الكتاب الذي لا تضلّ الأُمَّة بعده إنَّما هي أُمور سبق له أن ذكرها لهم، وأكَّد عليها في مواقف مختلفة وأوقات متعدّدة، ولكنَّه أراد أن يكتبها ويُشهد الناس عليها حتَّى لا يُشكِّك فيها مشكِّك، أو يُنكرها مُنكر.
أحمد إسماعيل يحتجّ بروايات تبطل معتقده:
قال أحمد إسماعيل:
(ولدينا روايات تدلُّ على كتابة الوصيّة أو همَّ الرسول بكتابة الوصيّة عند الاحتضار كرزيّة الخميس المروية في البخاري، وما رواه سليم بن قيس في كتابه).
والجواب:
أمَّا ما رواه البخاري فهي روايات عديدة:
منها: ما رواه عن ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: لمَّا حُضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده). فقال عمر: إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم النبيّ صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمَّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا). قال عبيد الله: وكان ابن عبّاس يقول: إنَّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم)(٢٦٨).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إنَّما أراد أن يكتب للأُمَّة كتاباً لا يضلّون بعده، ولم يصفه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه وصيّة، كما أنَّه لم يعاود كتابته بعد أن اعترض عليه عمر ومن كان معه.
وأمَّا رواية سليم بن قيس فقد جاء فيها أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لطلحة: (يا طلحة، ألستَ قد شهدتَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضلُّ الأُمَّة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إنَّ نبيّ الله يهجر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ تركها؟)، قال: بلى، قد شهدتُ ذاك. قال: (فإنَّكم لمَّا خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبالذي أراد أن يكتب فيها، وأن يُشهد عليها العامّة، فأخبره جبرائيل: أنَّ الله عز وجل قد علم من الأُمَّة الاختلاف والفرقة، ثمّ دعا بصحيفة، فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وسمَّى من يكون من أئمّة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسمّاني أوّلهم، ثمّ ابني هذا _ وأدنى بيده إلى الحسن _، ثمّ الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا _ يعني الحسين _، كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد؟)، فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي ذر: (ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ولا أبرّ عند الله)، وأنا أشهد أنَّهما لم يشهدا إلَّا على حقّ، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما...(٢٦٩).
وعن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت علياً عليه السلام _ بعد ما قال ذلك الرجل ما قال، وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودفع الكتف _: (ألَا نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف ممَّا لو كتبه لم يضلّ أحد ولم يختلف اثنان؟)، فسكتُّ حتَّى إذا قام من في البيت، وبقي علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، وذهبنا نقوم أنا وصاحبَيَّ أبو ذر والمقداد، قال لنا علي عليه السلام: (اجلسوا). فأراد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا أخي، أمَا سمعت ما قال عدوّ الله؟ أتاني جبرئيل قبلُ، فأخبرني أنَّه سامري هذه الأُمَّة، وأنَّ صاحبه عِجْلها، وأنَّ الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أُمَّتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك، وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادعُ لي بصحيفة). فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمّة الهداة من بعده رجلاً رجلاً، وعلي عليه السلام يخطّه بيده، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي أُشهدكم أنَّ أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أُمَّتي علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ من بعدهم تسعة من ولد الحسين). ثمّ لم أحفظ منهم غير رجلين: علي ومحمّد، ثمّ اشتبه الآخرون من أسماء الأئمّة عليهم السلام، غير أنّي سمعت صفة المهدي وعدله وعمله، وأنَّ الله يملأ به الأرض عدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً. ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي أردتُ أن أكتب هذا، ثمّ أخرج به إلى المسجد، ثمّ أدعو العامّة، فأقرأه عليهم، وأُشهدهم عليه، فأبى الله وقضى ما أراد). ثمّ قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدَّثاني، ثمّ لقيت علياً عليه السلام بالكوفة والحسن والحسين عليهما السلام، فحدَّثاني به سرَّاً، ما زادوا ولا نقصوا، كأنَّما ينطقون بلسان واحد(٢٧٠).
وهاتان الروايتان واضحتا الدلالة على أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كتب في ذلك الكتاب أسماء الأئمّة إلى يوم القيامة، وبيَّن أنَّهم اثنا عشر، وهم: علي، والحسن، والحسين، وتسعة من ولد الحسين عليهم السلام.
فأين هؤلاء المهديّون الذين يطنطن بهم أحمد إسماعيل؟
وأحمد إسماعيل أشار إشارة إلى رواية صحيح البخاري ورواية سليم، ولم يذكر هاتين الروايتين بنصّهما؛ لأنَّهما تدلّان على أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط، وهذا خلاف ما يحاول أحمد إسماعيل إثباته.
والمهديّون الاثنا عشر الذين هم من أبناء الإمام المهدي لم يرد لهم ذكر إلَّا في رواية واحدة سندها مظلم، أكثر رواتها مجاهيل، فكيف يمكن التعويل على هذه الرواية المخالفة للروايات المتواترة في أمر الإمامة التي لا بد أن تثبت بالقطع واليقين؟!
روايات المهديّين الاثني عشر:
قال أحمد إسماعيل:
(ولدينا روايات موافقة لمحتوى الوصيّة وهي روايات المهديّين الاثني عشر، وهي موجودة في كتب الأنصار، ويمكن الرجوع إلى مصادرها عند الشيعة والسُّنَّة، وأيضاً ما رواه الطوسي عنهم عليهم السلام في أنَّ اسم المهدي: (أحمد وعبد الله والمهدي)، وما رواه السُّنَّة من أنَّ اسم المهدي يواطئ اسم النبيّ أي أحمد كما ورد في الوصيّة).
والجواب:
أنَّ روايات المهديّين جمعها واحد من أتباع أحمد إسماعيل اسمه ناظم العقيلي، في كتاب أسماه: (الأربعون حديثاً في المهديّين وذرّية القائم عليه السلام).
ولا يخفى أنَّه ورد في كثير من الروايات والزيارات والأدعية وصف الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام بأنَّهم (مهديّون)؛ لأنَّهم أئمّة يهدون إلى الحقّ، ولا يكونون كذلك إلَّا إذا كانوا في أنفسهم مهديّين.
ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: (منّا اثنا عشر مهديّاً، مضى ستّة، وبقي ستّة، يصنع الله بالسادس ما أحبّ)(٢٧١).
وبسنده عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، قال: (منّا اثنا عشر مهديّاً، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحقّ، يُحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويُظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدُّ فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيُؤذَون، فيقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس: ٤٨]، أمَا إنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(٢٧٢).
ومن ذلك ما رواه الشيخ الكليني قدس سره في زيارة أئمّة البقيع، قال: (إذا أتيت القبر الذي بالبقيع فاجعله بين يديك، ثمّ تقول: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةَ الْهُدَى، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ التَّقْوَى، السَّلَامُ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، السَّلَامُ عَلَيْكُمُ الْقُوَّامَ فِي الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الصَّفْوَةِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ النَّجْوَى، أَشْهَدُ أَنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ فِي ذَاتِ اللهِ، وكُذِّبْتُمْ وَأُسيءَ إِلَيْكُمْ فَعَفَوْتُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّكُمُ الأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونَ، وَأَنَّ طَاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةٌ، وَأَنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ، وَأَنَّكُمْ دَعَوْتُمْ فَلَمْ تُجَابُوا، وَأَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطَاعُوا، وَأَنَّكُمْ دَعَائِمُ الدِّينِ، وَأَرْكَانُ الأَرْضِ...) إلى آخر الزيارة(٢٧٣).
وممَّا جاء في الزيارة الجامعة، قوله عليه السلام: (وأشهد أنَّكم الأئمّة الراشدون، المهديّون، المعصومون، المكرَّمون، المقرَّبون، المتَّقون، الصادقون، المصطفون، المطيعون لله، القوَّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته، وأعزَّكم بهداه، وخصَّكم ببرهانه، وانتجبكم بنوره، وأيَّدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه، وحُججاً على بريَّته، وأنصاراً لدينه...)(٢٧٤).
ونحن أوضحنا فيما سبق(٢٧٥) أنَّ روايات المهديّين على طوائف، وبيَّنّا المراد بكلّ طائفة، والمهمّ الذي ينبغي مناقشته هنا هو الروايات التي تدلُّ على أنَّ المهديّين الاثني عشر أئمّة معصومون من أبناء الإمام المهدي عليه السلام، أو أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يكون بعده أئمّة من ولده وإن لم يبيَّن عددهم، وهي خمس روايات فقط:
الرواية الأُولى: هي رواية كتاب (الغيبة) التي أسموها برواية الوصيّة، وقد ناقشناها فيما سبق سنداً ودلالةً بما لا مزيد عليه، فلا حاجة لإعادة ذلك.
الرواية الثانية: رواية القاضي النعماني المغربي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه ذكر المهدي عليه السلام وما يُجريه الله عز وجل من الخيرات والفتح على يديه، فقيل له: يا رسول الله، كلّ هذا يجمعه الله له؟ قال: (نعم، وما لم يكن منه في حياته وأيّامه هو كائن في أيّام الأئمّة من بعده من ذرّيَّته)(٢٧٦).
وروايته الأُخرى عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، قال: (يقوم القائم منّا _ يعني المهدي _ ثمّ يكون بعده اثنا عشر مهديّاً _ يعني من الأئمّة من ذرّيَّته _)(٢٧٧).
وهاتان الروايتان لا تصلحان دليلاً على المهديّين الاثني عشر لأُمور:
١ _ أنَّ هاتين الروايتين رواهما القاضي النعمان الذي كان يكتب ما يُمليه عليه حُكّام الدولة الفاطمية الذين كان يعتقد بإمامتهم وعصمتهم، ويشرح أخبار المعصومين بما يتلاءم مع أهوائهم، فالمهدي المقصود به عنده هو الخليفة الفاطمي، والمهديّون هم من يدَّعون الإمامة من ذرّيَّته.
وهذه العقيدة قد أفصح عنها القاضي النعمان في مقدّمة كتاب (شرح الأخبار)، وبَيَّنَ منهجه في اعتماد الروايات، فقال:
(آثرتُ من الأخبار، وجمعتُ من الآثار في فضل الأئمّة الأبرار حسب ما وجدته، وغاية ما أمكنني واستطعته، فصحَّحتُ من ذلك ما بسطته في كتابي هذا وألَّفته، بأن عرضتُه على وليّ الأمر وصاحب الزمان والعصر مولاي الإمام المعزّ لدين الله، أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى سلفه وخلفه، وأثبتُّ منه ما أثبتَه وصحَّ عنده وعرفه، وآثره من آبائه الطاهرين، وأجاز لي سماعه منه، وبأن أرويه _ لمن يأخذه عنّي _ عنه صلوات الله عليه، فبسطتُ في هذا الكتاب ما أثبتَه وأجازه وعرفه، وأسقطتُ ما دفعه من ذلك وأنكره ممَّا نسبه إلى أهل الحقّ المبطلون، وحرَّفه من قولهم المحرِّفون الضالّون؛ إذ هو صلوات الله عليه والأئمّة من آبائه الطاهرين وخلفه الأكرمين الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدول، ينفون عنه تحريف الجاهلين المحرِّفين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين). وأمدَّني صلوات الله عليه مع ذلك من نوره، وأفادني من علمه، من بيان ذلك ما أدخلتُه في تصانيف ما بسطته في هذا الكتاب، من البيان لما في الأخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يشكل شيء منها، أو يقصر فهمه عنها، وحذفتُ أسانيدها وتكرار أكثر الروايات فيها واختلاف الحكايات منها، إذ قد أثرتُها وصحَّحتها بإسنادها إلى إمام العصر عليه السلام)(٢٧٨).
وكلماته في بيان عقيدته في كتابه (شرح الأخبار) كثيرة، فإنَّه بعد أن روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (لا بدَّ من قائم من ولد فاطمة، يقوم من المغرب بين الخمسة إلى السبعة، يكسر شوكة المبتدعين، ويقتل الضالّين).
قال في شرحه:
(وكذلك قام المهدي عليه السلام من المغرب، وظهر فيه أمره بعد أن كان مستتراً بوصول صاحب دعوته المغرب بجموع عساكر أوليائه المستجيبين لدعوته إليه في سنة ستّ وتسعين ومائتين، وصار إلى دار مملكته بالمغرب بأفريقية في سنة سبع تسعين تتلوها)(٢٧٩).
وبعد أن روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (يخرج ناس من المشرق، فيعطون المهدي سلطانه يدعونه).
قال القاضي النعمان:
(ودعوة المهدي عليه السلام والأئمّة من ولده عليهم السلام قد انتشرت بحمد الله في جميع الأرض، وغرت [؟!] في غير موضع من أقطارها بالمشرق والمغرب، فيوشك أن يكون بعض أوليائهم يقومون من قبل المشرق يدعوهم في تمام أمرهم، فيقومون لوليّ الزمان هناك سلطانه، والله يقرِّب ذلك، وينجز وعده لأوليائه بفضله ورحمته لعباده وحوله وقوَّته)(٢٨٠).
وعليه، فإذا كانت هاتان الروايتان مأخوذتين من خلفاء الدولة الفاطمية الذين يعتقد القاضي النعمان المغربي بإمامتهم وعصمتهم، فكيف يمكن التعويل عليهما والاحتجاج بهما؟!
وأنا أتعجَّب ممَّن يستدلّ على إمامة اثني عشر مهديّاً بأمثال هذه الروايات المرسلة التي قد تبيَّن أنَّ مصدرها لا يمكن الأخذ منه ولا التعويل عليه!
٢ _ لو غضضنا الطرف عن حال القاضي النعمان وارتباطه بحُكّام الدولة الفاطمية، يبقى إشكال أنَّ رواياته روايات مرسلة، لا سند لها، ولا نعلم من أين أخذها القاضي النعمان، فكيف يعوَّل عليها في إثبات اثني عشر إماماً معصوماً؟!
٣ _ أنَّ قوله في الرواية الأُولى: (وما لم يكن منه في حياته وأيّامه هو كائن في أيّام الأئمّة من بعده من ذرّيَّته) دالٌّ على أنَّ أيّام الأئمّة من ذرّيَّته خير من أيّامه، وهذا مخالف لما أطبق عليه الشيعة وأهل السُّنَّة من أنَّ دولة الإمام المهدي عليه السلام هي خير الدول، وأنَّ أيّامه خير أيّام ينعمها الناس، وهذا يؤكِّد أنَّ هذه الروايات موضوعة لتلائم توجّهات حكّام الدولة الفاطمية.
وقوله في الرواية الثانية: (يعني من الأئمّة من ذرّيَّته) من كلام القاضي المغربي، وليس من كلام الإمام عليه السلام لو سلَّمنا بأنَّ هذه الرواية صدرت عن إمام معصوم، وما فهمه القاضي النعماني غير ملزم لغيره، ولاسيّما أنَّه ذكر في مقدّمة كتابه في ما نقلناه عنه آنفاً أنَّ شرحه لهذه الأخبار على طبق ما ذكره له الخليفة الفاطمي من معناها، فإنَّه قال: (وأفادني من علمه، من بيان ذلك ما أدخلتُه في تصانيف ما بسطته في هذا الكتاب، من البيان لما في الأخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يُشكِل شيء منها، أو يقصر فهمه عنها).
وبعد الغضّ عن شرح القاضي المغربي فإنَّ معنى الرواية هو: ثمّ يكون بعد القائم اثنا عشر مهديّاً، والحديث بهذا المعنى لا دلالة فيه على أنَّ هؤلاء المهديّين سيكونون من أبناء الإمام المهدي المنتظر عليهم السلام؛ إذ يحتمل أنَّ هؤلاء المهديّين هم آباؤه الطاهرون الذين يتولّون الحكم بعده واحداً بعد واحد، وهم أحد عشر إماماً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا فإنَّ الحديث لا يدلُّ على وجود اثني عشر مهديّاً من أبناء الإمام المهدي عليه السلام يتولّون الأمر بعده.
الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن يعقوب بن يوسف الضراب الغسّاني في قصَّة طويلة، ذكر فيها أنَّ عجوزاً أعطته دفتراً من رجل يَظنّ هو أنَّه الإمام المهدي عليه السلام، وهذا الدفتر مكتوب فيه صلوات على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام، وممَّا جاء في هذه الصلوات قوله: (اللّهمّ صلِّ على وليِّك المحيي سُنَّتك، القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، وحجَّتك على خلقك، وخليفتك في أرضك، وشاهدك على عبادك. اللّهمّ أعزَّ نصره، ومُدَّ في عمره، وزيِّن الأرض بطول بقائه. اللّهمّ اكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شرّ الكائدين، وادحر عنه إرادة الظالمين، وتخلّصه من أيدي الجبّارين...).
إلى أن قال: (اللّهمّ أذلَّ كلّ من ناواه، وأهلك كلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقَّه، واستهان بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره. اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ المصطفى، وعليٍّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، (و)الحسن الرضا، والحسين المصطفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصلّ على وليّك وولاة عهده، والأئمّة من ولده، ومُدَّ في أعمارهم، وأزد في آجالهم، وبلّغهم أقصى آمالهم، دنيا وآخرة، إنَّك على كلّ شيء قدير)(٢٨١).
وراوي هذه الرواية هو يعقوب بن يوسف الضراب الغسّاني، وهو مهمل في كتب الرجال، لم يُذكر فيها بمدح ولا قدح، فلا يمكن التعويل على هذه الرواية في إثبات اثني عشر إماماً؛ لما قلناه فيما سبق مكرَّراً من أنَّ الإمامة لا تثبت إلَّا بالقطع واليقين، ولا تثبت بالروايات الضعيفة التي هي في أحسن أحوالها لا تفيد إلَّا الظنّ.
مضافاً إلى أنَّ راوي الحديث أخذ الدفتر الذي فيه نسخة الصلوات المذكورة عن امرأة عجوز لا تُعرَف من هي، وهي قد عرَّفت نفسها بأنَّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام أسكنها في هذه الدار، وهي من مواليهم.
وهذه العجوز تزعم أنَّها أخذت نسخة الصلوات عن رجل يظنّ يعقوب بن يوسف الضراب أنَّه صاحب الأمر عليه السلام، مع أنَّ كلّ القرائن تدلُّ على أنَّه ليس كذلك؛ لأنَّه كان يأتي إلى تلك الدار كلّ ليلة، ويصعد إلى غرفة كانت تسكن فيها العجوز وابنة لها، وكان يصنع ذلك بمرأى ومسمع من المخالفين الساكنين في تلك الدار، حتَّى إنَّهم شكّوا فيه أنَّه إنَّما يأتي للدار لأنَّه يتمتَّع بابنة المرأة العجوز.
أي إنَّ هذه الصلوات أخذها مجهول عن مجهول عن مجهول، فكيف يمكن الاستدلال بمثل هذه الصلوات في إثبات الإمامة؟!
وبعد الغضّ عن كلّ ذلك فإنَّ ظاهر الرواية أنَّه دعاء للإمام القائم بالحقّ في زمانه، وهو غير مختصّ بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وإنَّما يُدعى به لكلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام، ولا شكَّ في أنَّ كلّ إمام كان من ذرّيَّته أئمّة من ولده.
إذن فالرواية غير صريحة في أنَّ المراد بوليّ الله الذي له ولاة عهد وأئمّة من ذرّيَّته هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فلا يمكن أن نرفع اليد عن الروايات الواضحة الصريحة التي تحصر الأئمّة في اثني عشر لأجل رواية ضعيفة السند، غير واضحة المعنى من هذه الجهة.
مضافاً إلى أنَّ هذه الرواية لم تذكر عدد هؤلاء الأئمّة من ولد الإمام عليه السلام، وهذا لا يصحِّح الاستدلال بهذه الرواية على أنَّهم اثنا عشر مهديّاً.
الرواية الرابعة: رواية (جمال الأسبوع) عن يونس بن عبد الرحمن: أنَّ مولانا الإمام الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه السلام بهذا الدعاء: (اللّهمّ ادفع عن وليِّك وخليفتك، وحجَّتك على خلقك، ولسانك المعبِّر عنك بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة على بريَّتك، وشاهدك على خلقك، الجحجاح(٢٨٢) المجاهد، العائذ بك عندك...).
إلى أن قال: (اللّهمّ صَلِّ على ولاة عهده والأئمّة من ولده، وبلِّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعزَّ نصرهم، وتمِّم لهم ما أسندت لهم...)(٢٨٣).
وهذه الرواية لا دليل فيها على أنَّ الإمام المهدي المنتظر عليه السلام له أولاد أئمّة من بعده؛ وذلك لعدَّة أُمور:
١ _ أنَّ هذا دعاء لصاحب الأمر عليه السلام، ويُراد بصاحب الأمر كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام، ولا يُراد به خصوص الإمام المهدي المنتطر عليه السلام، وعليه فلا محذور في الدعاء لصاحب الأمر والأئمّة من ذرّيَّته؛ لأنَّ أكثر أئمّة أهل البيت عليهم السلام جاء بعدهم أئمّة من أولادهم، وكلّ ألفاظ الدعاء تنطبق على كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام، وليس في الحديث ما يختصُّ بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام دون باقي الأئمّة عليهم السلام، فلا إشكال حينئذٍ في هذا الدعاء.
قال الشيخ حسن بن سليمان الحلّي قدس سره:
(اعلم أنَّ هذا الدعاء يُدعى به لكلّ إمام في زمانه، ومولانا صاحب الأمر ابن الحسن عليه السلام أحدهم، فحينئذٍ يصدق عليه هذا الدعاء: اللّهمّ وَصَلِّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده...) إلى آخره(٢٨٤).
وقال الحرّ العاملي قدس سره:
(فلا يبعد أن يكون الرضا عليه السلام أمر بالدعاء لإمام العصر مطلقاً وللأئمّة من أولاده، وتلك الألقاب والأوصاف لا يمتنع إطلاقها على الرضا عليه السلام وكلّ واحد من أولاده عليهم السلام وإن كان فيه بُعْد فإنَّه لا يصل إلى حدِّ الامتناع، بل هو تأويل صالح للجمع بين الأخبار المختلفة)(٢٨٥).
٢ _ أنَّ هذا الدعاء رواه السيّد ابن طاووس قدس سره في نفس الكتاب برواية أُخرى ليس فيها قوله: (والأئمّة من ولده، أو من بعده)، فإنَّ السيّد ابن طاووس قدس سره ذكر تأويلاً لقوله في الرواية السابقة: (والأئمّة من ولده)، ثمّ قال:
(ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل، وأذكرها لأنَّها أتمّ في التفصيل، وهي ما حدَّث به الشريف الجليل أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمّدي...)، ثمّ ذكر نفس الرواية، وفيها: (اللّهمّ وَصَلِّ على ولاة عهوده، وبلِّغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وانصرهم، وتمِّم لهم ما أسندت إليهم أمر دينك، واجعلنا لهم أعواناً، وعلى دينك أنصاراً، وصلِّ على آبائه الطاهرين الأئمّة الراشدين...)) الخ(٢٨٦).
٣ _ أنّا لو سلَّمنا أنَّه دعاء للإمام المنتظر عليه السلام بخصوصه فإنَّ المذكور في الطبعة الحجرية من كتاب (جمال الأسبوع)، هو قوله: (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده)، وليس فيها قوله: (والأئمّة من ولده)، وما ذُكر في الطبعة الحجرية هو الصحيح؛ بدليل قول ابن طاووس بعد هذا الحديث: (قد تضمَّن هذا الدعاء قوله عليه السلام: (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده)...
مضافاً إلى أنَّ الشيخ المجلسي قدس سره نقل هذا الدعاء في (بحار الأنوار) عن كتاب (جمال الأسبوع)، وذكر قوله: (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده)(٢٨٧).
ورواه بلفظ (والأئمّة من بعده) الشيخ الطوسي قدس سره في (مصباح المتهجّد)(٢٨٨)، والكفعمي في كتابيه (المصباح)(٢٨٩) و(البلد الأمين)(٢٩٠).
وممَّا قلناه يتبيَّن أنَّ نسخة (جمال الأسبوع) التي وردت فيها عبارة: (والأئمّة من ولده) مغلوطة لا يمكن الاعتماد عليها.
والمراد بالأئمّة من بعده ما قلناه سابقاً من أنَّهم هم الأئمّة السابقون له عليهم السلام، يرجعون بعده، ويحكمون الدنيا واحداً بعد واحد.
أو ما احتمله السيّد ابن طاووس قدس سره، حيث قال:
(قد تضمَّن هذا الدعاء قوله عليه السلام: (اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده)، ولعلَّ المراد بذلك أنَّ الصلاة على الأئمّة الذين يرتّبهم في أيّامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمّة في الأحكام في تلك الأيّام، وأنَّ الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه صلوات الله عليه، بدليل قوله: (ولاة عهده)؛ لأنَّ ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأنَّ المراد: اللّهمّ صلِّ _ بعد الصلاة عليه _ على ولاة عهده والأئمّة من بعده)(٢٩١).
ويمكن أن يكون معنى قوله: (والأئمّة من بعده) ما ذكره الحرّ العاملي قدس سره، حيث قال:
(البعدية لا يتعيَّن كونها زمانية بل يمكن كونها بمعنى المغايرة بمنزلة البعدية في قوله تعالى: (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية: ٢٣]، وعلى هذا يجوز كونهم في زمانه، ويكونون نوّابه عليه السلام، وهذا لا ينافيه سوى قوله في الأوّل [يعني رواية كتاب (الغيبة)]: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه)، وقد عرفت أنَّه من طريق العامّة، فلا حجَّة فيه)(٢٩٢).
والنتيجة أنَّ هذه الرواية لا دلالة فيها على أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يكون بعده اثنا عشر إماماً مهديّاً من ولده.
الرواية الخامسة: رواها السيّد ابن طاووس في (إقبال الأعمال)، قال:
(وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال بإسناده إلى علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، بإسناده عن الصالحين عليهم السلام، قال: (وكرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كلّ حال، والشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام: اللّهمّ كن لوليِّك، القائم بأمرك، الحجَّة محمّد بن الحسن المهدي، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليَّاً وحافظاً وقاعداً [كذا]، وناصراً، ودليلاً، ومؤيِّداً، حتَّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتِّعه فيها طويلاً وعرضاً، وتجعله وذرّيَّته من الأئمّة الوارثين)(٢٩٣).
والجواب:
أنَّ هذا الدعاء لا يصلح أن يُحتجَّ به على وجود أئمّة معصومين من ذرّيَّة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام؛ وذلك لأنَّ هذا الحديث فيه إرسال، فإنَّه لم يُذكَر له سند تامّ، فلا يصلح دليلاً على مسألة عقدية مهمّة، وهي إثبات اثني عشر إماماً، وابن أبي قرة لم أجد له توثيقاً في كتب الرجال.
مضافاً إلى أنَّ هذا الحديث بعينه رواه الشيخ الكليني قدس سره في الكافي خالياً من هذه الزيادة، قال: عن محمّد بن عيسى بإسناده عن الصالحين عليهم السلام، قال: (تكرِّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً، وقائماً، وقاعداً، وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: اللّهمّ كن لوليّك فلان ابن فلان في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليَّاً، وحافظاً، وناصراً، ودليلاً، وقائداً، وعوناً (وعيناً)، حتَّى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيها طويلاً)(٢٩٤).
وكذلك رواه الشيخ الطوسي قدس سره في تهذيب الأحكام(٢٩٥)، ومصباح المتهجِّد(٢٩٦)، والكفعمي في المصباح(٢٩٧)، ومحمّد بن جعفر المشهدي في كتاب المزار الكبير(٢٩٨)، خالياً من هذه الفقرة التي يستدلّون بها، وهذا دليل على أنَّ هذه الفقرة ربَّما زيدت من بعض الرواة أو النُّسَّاخ.
ولو سلَّمنا بأنَّها ليست من زيادات الرواة والنُّسَّاخ فمن المجازفة ترجيح رواية ابن أبي قرة الذي لا نعرف من هو على رواية هؤلاء الأعاظم قدَّس الله أسرارهم!
هذه هي أهمّ الروايات التي يحتجّون بها على أنَّ بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام اثني عشر مهديّاً من ولده، يتولّون الإمامة بعده.
وأمَّا احتجاج أحمد إسماعيل بما رواه الشيخ الطوسي قدس سره من أنَّ اسم المهدي (أحمد وعبد الله والمهدي)، وما رواه أهل السُّنَّة من أنَّ اسم المهدي يواطئ اسم النبيّ وهو أحمد، فهو مردود؛ لأنَّ هذا لا يرتبط بأحمد إسماعيل البصري لا من قريب ولا من بعيد وإن كان اسمه أحمد، فليس كلّ من اسمه أحمد كان مقصوداً بروايات الإمام المهدي عليه السلام، ومن الواضح أنَّ هذه الروايات إنَّما تتحدَّث عن الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهو إمامنا الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، ولا تتحدَّث عن شخص آخر، لا أحمد إسماعيل البصري ولا غيره، فإنَّ لفظ (المهدي) في الروايات ينصرف إلى صاحب العصر والزمان عليه السلام، ولا يمكن أن يُراد به أحمد إسماعيل وغيره من أصحاب الادّعاءات الكاذبة الذين لا يستطيعون أن يقيموا على صحَّة ادّعاءاتهم دليلاً واحداً.
قال أحمد إسماعيل:
(ولدينا نصُّ الوصيّة المكتوبة عند الاحتضار، وهي مرويّة في غيبة الطوسي، ولا يوجد لدينا معارض لنصِّ الوصيّة، وكلّ إشكال أتوا به لردّ الوصيّة تم ردّه وبيان بطلانه).
والجواب:
لقد أوضحنا فيما سبق ما في هذه الرواية من الخلل في السند والمتن، ويكفي في ردّها أنَّها معارِضة للأحاديث المتواترة التي تدلُّ على أنَّ الأئمّة اثنا عشر فقط، لا يزيدون ولا ينقصون.
وما زعمه أحمد إسماعيل من أنَّه لا يوجد معارض لنصِّ الوصيّة فهو كذب فاضح، فإنَّ الروايات المتواترة التي تدلُّ على أنَّ الأئمّة اثنا عشر، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، معارضة لرواية كتاب (الغيبة) التي تثبت أئمّة اثني عشر بعد الاثني عشر عليهم السلام، وهو تعارض بيِّن لكلّ ذي عينين.
وزعمه أنَّ كلّ إشكال جيء به لردِّ الوصيّة تمَّ ردّه وبيان بطلانه فهو كذب صراح؛ لأنَّ الإشكالات الواردة على هذه الرواية عديدة لا يمكن ردّها إلَّا بتلفيق الأكاذيب والأباطيل لا أكثر.
ومن أهمّ الإشكالات الواردة على رواية كتاب (الغيبة):
١ _ أنَّها ضعيفة السند، بل سندها مظلم جدَّاً، وهذا لوحده كافٍ في إسقاطها.
ومحاولات ناظم العقيلي في كتابه: (دفاعاً عن الوصيّة) لإثبات صحَّة سند الوصيّة تُضحك الثكلى، ولا تمتُّ إلى كلام العلماء بصلة، بل هو تلبيس واضح ومكشوف على الجهّال والبسطاء، فإنَّه ذكر ثماني قرائن تدلُّ على صحَّة رواية الوصيّة، من أقواها وأشرفها الرؤى التي رآها أتباع أحمد إسماعيل التي تدلُّ على صحَّة رواية الوصيّة(٢٩٩).
وكلّ عاقل منصف يعلم أنَّ العلماء لا يصحِّحون بالأحلام والرؤى روايات المستحبّات فضلاً عن روايات العقائد والأحكام! ولكن ما عشت أراك الله عجباً.
ومن القرائن التي ذكرها العقيلي قرينته الأُولى وهي أنَّ رواية كتاب (الغيبة) موافقة للقرآن الكريم... وشاهد الوصيّة من القرآن الكريم هو قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضر أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).
وهذه مهزلة مفضوحة؛ لأنَّه ينبغي له أن يذكر موافقة القرآن للرواية في الدلالة على المهديّين الاثني عشر الذي هو محلّ النزاع، لا على الحثّ على عموم الوصيّة، فإنَّ هذا لا نختلف فيه.
مع أنّا أوضحنا فيما سبق أنَّ هذه الآية إنَّما هي في الوصيّة بالأموال، وأمَّا رواية كتاب (الغيبة) فهي مشتملة على وصايا عهدية، والآية لا تصلح قرينة على صحَّة أيّ رواية في الوصيّة، وإلَّا فإنَّ ذلك يستلزم القول بصحَّة كلّ روايات الوصيّة الواردة في كتب الشيعة وأهل السُّنَّة، وهذا لا يقوله إلَّا من ابتُلي بالغباء والبلادة!
والقرينة الرابعة: هي عدم وجود أيّ رواية معارضة لنصِّ الوصيّة، وهذه قرينة قطعية أيضاً بغضّ النظر عن أيّ شيء آخر(٣٠٠).
مع أنَّه من الواضح للعيان أنَّ رواية المهديّين الاثني عشر معارَضة بالروايات المتواترة الحاصرة للأئمّة في اثني عشر فقط التي ذكرنا بعضها فيما سبق، فأيّ معارضة أعظم من هذه؟!
وقرينته الخامسة: عدم احتمالها للتقيّة، فإنَّ الرواية إذا كانت مخالفة لأصل المذهب وموافقة لغيره من المذاهب يحتمل أنَّ الإمام قد قالها تقيّة من أعدائه(٣٠١).
ولا يخفى أنَّه يكفي في الحكم على رواية بأنَّها صدرت تقيّة إذا كانت مخالفة لأُصول المذهب، حتَّى لو لم توافق المذاهب الأُخرى، وهذه الرواية كذلك.
مع أنَّ الرواية إنَّما تُحمل على التقيّة إذا كانت صحيحة السند، وأمَّا إذا كانت ضعيفة السند فضعف سندها كافٍ في إسقاطها من دون حاجة لحملها على التقيّة، ورواية كتاب (الغيبة) من هذا القبيل.
مع أنَّ هناك روايات مدسوسة في كتب أصحاب الأئمّة عليهم السلام مخالفة لأُصول المذهب ومخالفة لمذاهب العامّة، فهل نصحِّح كلّ تلك الروايات التي حذَّر أئمّة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم منها بقاعدة ناظم العقيلي وهي عدم احتمال صدروها عن الأئمّة تقيّة؟!
وأمَّا القرينة السادسة: فهي مخالفة الوصيّة لعقائد العامّة، وقد أمر الأئمّة عليهم السلام شيعتهم بالأخذ بما خالف العامّة فإنَّ الرشد في خلافهم(٣٠٢).
وهذا كلام ساقط؛ لأنَّ مخالفة العامّة إنَّما يكون مرجِّحاً للرواية الصحيحة المعارضة لرواية صحيحة غيرها، وأمَّا إذا كانت الرواية ضعيفة السند، بل مخالفة للمتواتر عند الشيعة، فكيف يُعمل بها لمجرَّد أنَّها مخالفة للعامّة؟!
٢ _ ومن الإشكالات المهمّة على رواية كتاب (الغيبة) أنَّها معارضة للأحاديث المتواترة الحاصرة للأئمّة في اثني عشر إماماً فقط، وقد ذكرنا بعضاً من تلك الروايات، فراجعها(٣٠٣).
ومتى ما كانت الرواية الصحيحة معارضة لروايات متواترة فإنَّه يجب طرح تلك الرواية الصحيحة، والعمل بالمتواتر؛ لأنَّ المتواتر قطعي، وأمَّا المروي صحيحاً فأكثر ما يفيده الظنّ.
هذا إذا كانت الرواية صحيحة فما بالك إذا كانت ضعيفة السند كرواية كتاب (الغيبة)، فكيف يمكن طرح المتواتر اليقيني، والعمل بالضعيف الذي لا يفيد حتَّى الظنّ؟!
وممَّا ذكرناه من كلام ناظم العقيلي في كتابه (دفاعاً عن الوصيّة)، وكذا كتابه الآخر (انتصاراً للوصيّة) وغيرهما من الكتب الأُخرى التي كتبها أنصار أحمد إسماعيل يتبيَّن للقارئ العزيز كيف يتلاعب هؤلاء بالروايات، فيأخذون بما يوافقهم، ويطرحون ما يخالفهم، ويؤوّلون الروايات بتأويلات غريبة بعيدة عمَّا يُراد بها.
هذه هي نماذج من ردودهم على الإشكالات الموجَّهة لرواية كتاب (الغيبة) التي يتعكَّزون عليها، ويطبّقونها على صاحبهم بلا دليل ولا حجَّة.
قال أحمد إسماعيل:
(فكيف يمكن _ بعد كلّ هذا _ لعاقل أن يردَّ الوصيّة، وكيف لمن يخاف الآخرة أن يردَّ الوصيّة، وكيف لمن يتَّقي الله أن يردَّ الوصيّة؟!).
والجواب:
أنا نقول: كيف يمكن لعاقل أن يأخذ بهذه الرواية، والحال أنَّ سندها ضعيف مظلم كما قلناه، ورواتها مجاهيل، مع معارضتها للروايات المتواترة التي أشرنا إليها؟!
وكلّ من يخاف الآخرة لا يجوز له أن يأخذ بهذه الرواية وينسبها لأهل البيت عليهم السلام، أو ينسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويُثبت بها اثني عشر إماماً بعد الاثني عشر عليهم السلام، فيخالف بذلك جميع الشيعة منذ زمان أمير المؤمنين عليه السلام إلى يومنا هذا، ويعتقد بخلاف ما أطبقوا عليه!
هل مقتضى تقوى الله عند أحمد إسماعيل الأخذ بالروايات الضعيفة والإعراض عن الروايات المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام؟
ثمّ إنّا لو سلَّمنا بصحَّة رواية كتاب (الغيبة) فإنّا نلاحظ أمرين:
١ _ أنَّ العمل بها سابق لأوانه، فإنَّه لا يجب علينا الآن أن نعتقد باثني عشر مهديّاً من ولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وإنَّما يجب علينا الاعتقاد بإمام العصر عليه السلام دون غيره، وبعد ظهوره فإنَّ الشيعة يسألونه عن هؤلاء المهديّين، ويأخذون بما يقول، فلا حاجة تقتضي الآن الاعتقاد بمضمون هذه الرواية.
٢ _ أنَّنا لو سلَّمنا جدلاً أنَّ هناك اثني عشر مهديّاً بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فإنَّه لم يثبت لدينا أنَّ أحمد إسماعيل البصري أوّلهم، بل ثبت عندنا بالقطع والجزم واليقين أنَّه ليس بعالم فضلاً عن أن يكون إماماً معصوماً؛ لما بيَّناه من كثرة أخطائه التي ذكرنا شيئاً يسيراً منها.

* * *

أوجه التشابه بين أحمد القادياني.. وأحمد البصري
عندما تتأمَّل كلمات ومواقف أحمد إسماعيل البصري تجد أنَّها مشابهة إلى حدٍّ كبير لكلمات ومواقف مدَّعي المهدويّة والنبوَّة الذي سبقه بأكثر من مائة عام، وهو مرزا غلام أحمد القادياني الهندي (١٨٣٩_ ١٩٠٨م)، وترى أنَّ الطريقة في دعوة كلّ منهما لنفسه واحدة، وكأنَّ طريقة عمل أحمد البصري وأُسلوب دعوته مقتبَسان أو مسروقان من طريقة عمل القادياني وأُسلوب دعوته، والفروق الواضحة بينهما هي فروق اقتضاها الاختلاف في المذهب، فإنَّ البصري كان شيعي المذهب، والقادياني كان سُنّياً، مع اختلافهما في بعض خصوصيات الدعوتين، حيث إنَّ دعوة البصري في العراق ودعوة القادياني في الهند، ولكلّ من هذين البلدين خصوصياتهما.
ولكي تتَّضح وجوه التشابه سأذكر للقارئ العزيز بعض الأمثلة:
بدء دعوتهما بالأحلام:
الملاحظ أنَّ كلّ واحد من أحمد البصري والقادياني قد بدأ دعوته بالأحلام.
قال أحمد القادياني في كتابه (التبليغ):
(ولمَّا بلغت أشدّ عمري وبلغت أربعين سنة جاءتني [كذا] نسيم الوحي برَيَّا عنايات ربّي، ليزيد معرفتي ويقيني، ويرتفع حجبي، وأكون من المستيقنين، فأوّل ما فُتِحَ عليَّ بابه هو الرؤيا الصالحة، فكنت لا أرى رؤيا إلَّا جاءت مثل فلق الصبح، وإنّي رأيت في تلك الأيّام رؤيا [كذا] صالحة صادقة قريباً من ألفين أو أكثر من ذلك، منها محفوظ في حافظتي وكثير منها نسيتها، ولعلَّ الله يكرّرها في وقت آخر ونحن من الآملين)(٣٠٤).
ثمّ بعد أن زعم أنَّه رأى في إحدى رؤاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسر تلك الرؤيا بقوله:
(فألقى الله في قلبي أنَّ الميّت هو الإسلام، وسيحييه الله على يدي بفيوض روحانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريكم لعلَّ الوقت قريب، فكونوا من المنتظرين، وفي هذه الرؤيا ربَّاني رسول الله بيده وكلامه وأنواره وهديَّة أثماره، فأنا تلميذه بلا واسطة بيني وبينه، وكذلك شأن المحدَّثين)(٣٠٥).
إلى أن قال:
(ثمّ بعد تلك الأيّام، فُتحت عليَّ أبواب الإلهام، وخاطبني ربّي وقال: يا أحمد بارك الله فيك، الرحمن علَّم القرآن، لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين، قل: إنّي أُمرت وأنا أوّل المؤمنين، يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليَّ، ومطهّرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتَّبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، إنَّك اليوم لدينا مكين أمين، أنت منّي بمنزلة توحيدي وتفريدي، فحان أن تُعان، وتعرف بين الناس، ويعلِّمك الله من عنده، تقيم الشريعة وتحي الدين، إنّا جعلناك المسيح ابن مريم...، يا أحمدي أنت مرادي ومعي، أنت وجيه في حضرتي...).
وقال أيضاً:
(اصطفاني ربّي لتجديد دينه، وإظهار عظمة نبيّه، ونشر ريّا ياسمينه صلى الله عليه وسلم، وأمرني لدعوة الخلق إلى دين الإسلام، وملَّة خير الأنام، ورزقني من الإلهامات والمكالمات والمخاطبات والمكاشفات رزقاً حسناً، وجعلني من المحدَّثين)(٣٠٦).
وذكر في كتابه (التبليغ) كثيراً من الأحلام التي رآها، وزعم أنَّها تحقَّقت كفلق الصبح.
وهكذا حال أحمد إسماعيل البصري فإنَّه ادَّعى الإلهام عن طريق الأحلام.
قال في بيان لقائه المزعوم بالإمام المهدي عليه السلام:
(وأرى من المهمّ أن أعرض إلى هذا اللقاء ولو إجمالاً وباختصار، باعتباره يمثّل انعطافة تاريخية في حياتي؛ لأنَّها المرَّة الأُولى التي يوجّهني فيها الإمام المهدي للعمل وبشكل علني وصدامي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على مشرفه آلاف التحيّة والسلام. وقصَّة هذا اللقاء هي أنّي كنت في ليلة من الليالي نائماً، فرأيت رؤيا في المنام، كأنَّ الإمام المهدي واقف بالقرب من ضريح سيّد محمّد أخو [كذا] الإمام العسكري، وأمرني بالحضور للقائه، وبعد ذلك استيقظت، وكانت الساعة الثانية ليلاً، فصلَّيت أربع ركع من صلاة الليل، ثمّ عدت للنوم، فرأيت رؤيا ثانية قريبة من هذه الرؤيا، وأيضاً كان فيها الإمام المهدي يحدِّد لي لقاء معه...، مرَّت الأيّام والأشهر، وشاء لي الله أن ألتقي الإمام، وأرسلني هذه المرَّة إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ لأطرح ما أخبرني به على مجموعة من طلبة الحوزة العلمية...)(٣٠٧).
وفي موقع أنصاره تحت عنوان: (سيرة الإمام أحمد الحسن عليه السلام وتاريخ دعوته باختصار)، بعد عنوان فرعي هو: (متى بدأت الدعوة وأين؟)، ذُكِرَ ما يلي:
(قبل عام ١٩٩٩ بسنين كان السيّد أحمد عليه السلام يلتقي بوالده الإمام المهدي سلام الله عليه في عالم الشهادة [أي الأحلام]، وكان ينهل من علمه ويسير على خطواته، وفي نهاية عام ١٩٩٩ بدأ وبأمر الإمام المهدي بنقد الباطل في الحوزة بشدَّة، وطالبهم بالإصلاح العلمي والعملي والمالي، وبعد مسيرة نقد ومطالبة بالإصلاح استمرَّت حتَّى عام ٢٠٠٢ أمر الإمام المهدي السيّد أحمد الحسن بإبلاغ الناس بأنَّه رسول من الإمام المهدي، وبدأت دعوة الناس للإيمان بالسيّد أحمد الحسن في الشهر السابع عام ٢٠٠٢م والموافق شهر جمادي الأوّل عام ١٤٢٣هجري في النجف الأشرف، حيث أمره والده الإمام المهدي أن يدعو الناس كافّة على أنَّه المذكور في وصيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليلة وفاته، وبدأ السيّد أحمد الحسن يدعو الناس).
ادّعاءات بلا أدلّة:
السِّمة الواضحة في ادّعاءات أحمد القادياني وأحمد البصري أنَّهما يدَّعيان دعاوى عظيمة من دون أن يأتيا على هذه الادّعاءات بأيّ دليل، بل لا يكلِّفان نفسيهما تجشّم عناء ذكر دليل على ذلك، وكأنَّ دليل كلّ هذه الدعاوى هو نفس قولهما، ولذلك فهما يتوقَّعان من الناس أن يصدِّقوهما في كلّ ما يقولان بلا تردّد ولا مناقشة.
وكلّ دعاوى أحمد إسماعيل التي نقلناها لم يقم عليها أيّ دليل، وكذلك القادياني كما ستلاحظ في كلماته التي سننقلها عنه في هذا الفصل، وإذا حاولا أن يقيما دليلاً على بعض دعاويهما فتأمَّل فيه جيّداً؛ لترى أنَّ جميع مقدّماته أو بعضها هي الأُخرى دعاوى لا دليل عليها.
دعاوى كثيرة وعظيمة:
ذكرنا فيما تقدَّم بعضاً من ادّعاءات أحمد إسماعيل البصري، وما جمعناه على عجالة من تلك الادّعاءات ينيف على خمسين ادّعاءً، وكذلك الحال في القادياني، فإنَّه ادَّعى أنَّه المهدي المنتظر، وأنَّه السيّد المسيح الموعود في آخر الزمان، وأنَّه نبيّ ظلّي، وغير ذلك.
ومن ادّعاءات أحمد القادياني أنَّه يُصر على أنَّه أفضل من الإمام الحسين عليه السلام.
قال في كتابه (نزول المسيح):
(إنَّ بعض قليلي الفهم من أهل الشيعة [كذا] الذين اعتبروا عبادة الحسين مغزى الإسلام، قد نفثوا سُمَّاً كثيراً بعد قراءتهم كتابنا (دافع البلاء)، واعترضوا بعد كيل الشتائم، وقالوا: كيف يمكن أن يكون هذا الشخص [وهو القادياني] أفضل من الحسين؟)(٣٠٨).
إلى أن قال:
(صحيح تماماً أنَّه [يعني الإمام الحسين عليه السلام] كان من عباد الله الصادقين، ولكن قد خلا في الدنيا الملايين والملايين من الناس من هذا النوع(٣٠٩)، والله أعلم كم منهم سيأتون في المستقبل أيضاً... كذلك فقد سمّى الله تعالى ورسولُه الأكرم المسيحَ الموعود(٣١٠) أيضاً نبيَّاً ورسولاً، وقد مدحه أنبياء الله جميعاً، وعدُّوه مظهر صفات جميع الأنبياء الكاملة، فالجدير بالتأمّل الآن أين الإمام الحسين منه؟...
أليس صحيحاً أنَّ المسيح الموعود أفضل من الحسين بحسب شهادة القرآن والأحاديث وشهادة جميع الأنبياء، بما هو جامع للكمالات المتفرِّقة، إذا كنتُ ذلك المسيح الموعود في الحقيقة ففكِّروا في أنفسكم أيَّة منزلة يجب أن تنزلوني إزاء الحسين، وإن لم أكن كذلك فلماذا أرى اللهُ تعالى مئات الآيات؟ ولماذا يؤيّدني في كلّ حين؟)(٣١١).
ادّعاء النبوَّة:
ادّعى القادياني النبوَّة الظِّلِّية أو البُرُوزيّة صراحة، وصرَّح بذلك في كثير من كتبه، وقال:
(أنا أحمد الذي أُريد من الآية الكريمة: (وَمُبَشراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصفّ: ٦])(٣١٢).
وقال في كتاب (إزالة الخطأ):
(أُنظروا الصفحة ٤٩٨ من (البراهين الأحمدية)؛ ففيه خوطب هذا العاجز بوضوح بـ (رسول)، ثمّ بعد ذلك في هذا الكتاب (البراهين) وصفت في وحي الله بـ (جري الله في حلل الأنبياء): أي رسول الله في حلل الأنبياء؛ أُنظروا الصفحة ٥٠٤ من (البراهين الأحمدية). ثمّ ورد في هذا الكتاب قُرْبَ ذلك الوحيِ الوحيُ التالي: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)؛ ففي هذا الوحي سُمِّيت محمّداً ورسولاً أيضاً. ثمّ في الصفحة ٥٥٧ من (البراهين) هذا الوحي الإلهي: (جاء نذيرٌ في الدنيا)، وقراءته الثانية: (جاء نبيٌّ في الدنيا)، كما ُذكِرَ هذا العاجز بلفظ رسول في (البراهين الأحمدية) وفي أماكن أُخرى عديدة)(٣١٣).
وبيَّن أنَّه يعتقد بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيّين، وأنَّه لا نبيّ بعده، ثمّ قال:
(لقد أُغلقت أبواب النبوَّة الكاملة، لكن باباً واحداً مفتوح، وهو باب سيرة الصدّيقيّة: أي الفناء في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لذا لا غيرة على نبوَّة الشخص الذي يأتي اللهَ عن طريق هذا الباب وهو يلبس رداء النبوَّة التي هي رداء النبوَّة المحمّديّة بالطريق الظّلّي؛ لأنَّه لا ينالها بجهوده الذاتية، بل إنَّه يستقي من نبع نبيّه صلى الله عليه وسلم، وليس هذا له، بل لجلال النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه؛ لهذا اسمه في السماء محمّد وأحمد، وهذا يعني أنَّ نبوَّة محمّد صلى الله عليه وسلم عادت أخيراً إليه صلى الله عليه وسلم لا إلى غيره، وإنْ كانت بروزية، لذا فإنَّ معنى آية (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) هو: ليس محمّد أبا أحد من رجال الدنيا، ولكن هو أب لرجال الآخرة؛ لأنَّه خاتم النبيّين ولا سبيل إلى فيوض الله من غير توسّطه. فنبوَّتي ورسالتي هي بكوني محمّداً وأحمد، وليست من نفسي، كما أنَّني نلت هذا الاسم بفنائي في الرسول صلى الله عليه وسلم، لهذا فإنَّ مفهوم خاتم النبيّين لم يتغيَّر)(٣١٤).
إلى أن قال:
(إنَّما الفرق بينهما أنَّه لن يكون بعد سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم حتَّى يوم القيامة مثل هذا النبيّ الذي تنزل عليه شريعة جديدة، أو يُعطى لقب النبيّ دونما وساطة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن دون كونه متفانياً في الرسول صلى الله عليه وسلم حتَّى يُعطى في السماء اسم محمّد وأحمد. ومن ادَّعى فقد كَفَرَ)(٣١٥).
ولا يخفى أنَّ هذا احتيال مكشوف لادّعاء النبوَّة بطريقة هو يظنّ أنَّها لا تتنافى مع قوله تعالى: (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ)، ولا تتعارض مع قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نبيّ بعدي).
وأمَّا أحمد إسماعيل البصري فإنَّه يطبِّق جملة من الآيات التي ورد فيها إرسال رسول على نفسه، منها قوله تعالى: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: ١٥)، (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) (الدخان:١٣)، وغيرهما، وقد نقلنا كلامه فيما تقدَّم.
وكلامه كما لا يخفى فيه تلميح واضح إن لم يكن تصريحاً بأنَّه يدَّعي أنَّه رسول مرسل من قِبَل الله تعالى، إلَّا أنَّه لحدِّ الآن لم يجرؤ على التصريح بأنَّه نبيّ، مع أنَّ ادّعاء الرسالة مستلزم لادّعاء النبوَّة.
ادّعاء المهدوية:
كلّ من أحمد القادياني وأحمد البصري ادَّعى صراحة أنَّه الإمام المهدي عليه السلام، إلَّا أنَّ البصري وإن ادَّعى أنَّه المهدي الأوّل لا المهدي المنتظر، إلَّا أنَّ كلّ صفات المهدي المنتظر عليه السلام وأسمائه وألقابه وفضائله نسبها إلى نفسه، فزعم أنَّه هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولأنَّه لا يدَّعي أنَّه مجرَّد سفير للإمام عليه السلام، وإنَّما يدَّعي مقام الإمام المهدي عليه السلام، صار يُصدِّر الكتب والفتاوى والتعليمات باسمه، ويدعو الناس إلى نفسه، ويجمع الأتباع والأنصار حوله، ويأمرهم بتقليده، ونصرته والإيمان به.
والقادياني ادَّعى أيضاً أنَّه هو الإمام المهدي المنتظر الذي سيقوم بهذا الدور، فلا فرق بين البصري والقادياني من هذه الناحية إلَّا أنَّ ذاك هندي وهذا بصري؛ ويبقى الهدف الحقيقي لكلّ منهما هو جمع الأموال والأتباع والأنصار وتولّي زعامة المسلمين!
ادّعاءات متشابهة حول السيّد المسيح عليه السلام:
أصرَّ القادياني على أنَّ السيّد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قد توفّاه الله تعالى، وأنَّه لن يرجع إلى الدنيا بعد موته، وأمَّا المسيح الموعود المذكور في الأحاديث، الذي يظهر في آخر الزمان فهو شخص آخر، وهو أحمد القادياني نفسه، وكلماته في كتبه في ادّعاء ذلك كثيرة.
قال في كتابه (إعجاز أحمدي):
(فممَّا يدلُّ على بساطتي المتناهية وذهولي البالغ أنَّ الوحي الإلهي كان يَعُدُّني مسيحاً موعوداً، ولكنَّني مع ذلك سجَّلت في (البراهين الأحمدية) تلك العقيدة التقليدية نفسها. إنَّني لأستغرب بنفسي كيف كتبت هذه العقيدة التقليدية في (البراهين الأحمدية) مع أنَّ الوحي الإلهي البيِّن المذكور في الكتاب نفسه كان يعتبرني مسيحاً موعوداً!
ثمّ ظللتُ غافلاً وذاهلاً تماماً إلى اثني عشر عاماً _ وهي مدَّة طويلة _ عن حقيقة أنَّ الله تعالى كان قد عدَّني بوضوح تامّ وفي راحة متناهية مسيحاً موعوداً في (البراهين الأحمدية)(٣١٦)، وظللتُ متمسِّكاً بالاعتقاد التقليدي عن المجيء الثاني لعيسى عليه السلام، وبعد مرور اثني عشر عاماً حان الأوان لتُكشف الحقيقة عليَّ، فبدأت الإلهامات تنزل عليَّ بالتواتر قائلة بأنَّك أنت المسيح الموعود، فحين بلغ الوحي الإلهي بهذا الشأن منتهاه، وأُمرت: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)، وأُعطيتُ آيات كثيرة، وأُلقي في روعي يقين قوي وبوضوح تامّ كوضح النهار، بلَّغتُ هذه الرسالة للناس)(٣١٧).
وقال أيضاً:
(كذلك قد سمّى الله تعالى ورسولُه الأكرم صلى الله عليه وسلم المسيح الموعود أيضاً نبيّاً ورسولاً، وقد مدحه أنبياء الله جميعاً، وعدّوه مظهر جميع أنبياء الله الكاملة...، أمَّا إذا كان أهل السُّنَّة والشيعة يسبّونني أو يسمّوني كذّاباً ودجّالاً فهذا شأنهم، ولكن الذي رزقه الله البصيرة سيعرفني أنّي أنا المسيح الموعود الذي سمّاه سيّد الأنبياء: (نبي الله)، وبلَّغه سلامه، واعتبره بمنزلة ساعده الثاني، وعده خاتم الخلفاء، وسيفضّلني بما فضَّلني الله والرسول)(٣١٨).
وكلماته في ذلك كثيرة مبثوثة في كثير من كتبه.
وأمَّا أحمد إسماعيل البصري فإنَّه ادَّعى أنَّه رسول السيّد المسيح إلى النصارى، مع أنَّه يصرح كما نقلنا عنه فيما سبق أنَّه أفضل من السيّد المسيح، فكيف يكون رسولاً لمن هو دونه في الفضل؟!
ادّعاء المجيء بالمعجزات والإخبارات الغيبية:
ادَّعى كلّ من أحمد القادياني وأحمد البصري أنَّهما جاءا بالمعجزات، وأخبرا بالغيبيات التي تحقَّقت.
أمَّا القادياني فكلامه في ادّعاء المعجزات والإخبار بالمغيّبات كثير جدَّاً.
قال في كتابه (إعجاز المسيح) الذي هو تفسير لسورة الفاتحة:
(وانظروا إلى فضل الله ورحمته، فقد اشتُرط على كلا الفريقين أن يؤلِّف هذا التفسير في أربعة أجزاء في سبعين يوماً، ولكن هؤلاء الأُلوف لم يستطيعوا تأليف جزء واحد، أمَّا أنا فلم يوفّقني الله لتأليف التفسير في أربعة أجزاء فحسب، بل ألَّفت اثني عشر جزءاً منه.
هنا أسأل المشايخ المعارضين: أليست هذه معجزة؟ وما مبرِّر عدم اعتبارها معجزة؟ لا أحد في الدنيا يرضى بالذلَّة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإذا كانت كتابة التفسير بمقدورهم فلماذا لم يقدروا على ذلك؟)(٣١٩).
وممَّا ذكره القادياني من آياته ومعجزاته ما ذكره في كتاب (مواهب الرحمن) حيث قال:
(ومن آياتي التي ظهرت في هذه السنوات هو أنّي أشعتُ قبل الوقت أنَّ الطاعون ينتشر في جميع الجهات، ولا يبقى خطّة من هذه الخطط المبتلاة بالآفات، إلَّا ويدخلها كالغضبان، ويعيث فيها كالسرحان، وقلت: قد كُشِفَ عليَّ من ربّي سرّ مكنون، وهو أنَّ أرضاً من الأرضين لا تخلو من شجرة الطاعون، وثمرة المنون...، فانتشر الطاعون بعد ذلك في البلاد، وجعل ذوي الأرواح كالجماد...، فإن شئت فاقرأ ما أشعت في جميع هذه البلاد، ثمّ استحيِ واتَّق الله ربّ العباد(٣٢٠).
ومن آياتي التي ظهرت في هذه المدَّة، موت رجال عادوني وآذوني وعزوني إلى الكفَرَة، وسبّوني على المنابر، وجرّوني إلى الحكومة، فاعلم أنَّ الله كان خاطبني، وقال: يا أحمدي أنت مرادي ومعي، اخترتك لنفسي، وسرّك سرّي، وأنت معي وأنا معك، وأنت منّي بمنزلة لا يعلمها الخلق، إذا غضبتَ غضبتُ، وكلّ ما أحببتَ أحببتُ، إنّي مهينٌ من أراد إهانتك، وإنّي معين من أراد إعانتك، إنّي أنا الصاعقة تخرج الصدور إلى القبور، إنّا تجالدْنا فانقطع العدوّ وأسبابه)(٣٢١).
ثمّ ذكر قصصاً عن جماعة عادوه فماتوا بالطاعون أو غيره(٣٢٢)، ثمّ ذكر من آياته شهرة اسمه بالإكرام والتكرمة في هذه السنوات، وقال أيضاً:
(ومن آياتي كتب ألَّفتها في العربية [كذا]، في تلك المدَّة المشتهرة، وجعلها الله إعجازاً لي إتماماً للحجَّة، وأوّلها: (إعجاز المسيح)، ثمّ بعد ذلك (الهدى)، ثمّ (الإعجاز الأحمدي)، وهو معجزة عظمى، وكنت فرضت للمخالفين صلة عشرة آلاف، إن يأتوا كمثل الإعجاز الأحمدي في عشرين يوماً من غير إخلاف، فما بارز أحد للجواب، كأنَّهم بكم أو من الدواب، ومع تلك الصلة لعنتُ الصامتين الساكتين المتوارين في الحجاب، وأحفظتُهم به لكي يتحرَّكوا لجواب الكتاب، فتواروا في حجراتهم، وما نعلم ما صنع الله بقلوبهم، مع إطماع منّي وإعناتهم)(٣٢٣).
قلت: هذه هي عين لغة أحمد إسماعيل البصري الذي ما فتئ يتحدَّى العلماء بالردّ على كتبه الركيكة المملوءة بالجهل والأباطيل الواضحة الفساد، ويعتبر تجاهلهم له هزيمة لهم، ودليلاً على عجزهم عن الردّ عليه!
وأمَّا أحمد إسماعيل البصري فإنَّه ادَّعى أنَّه جاء بالمعجزات والإخبارات الغيبة حاله حال القادياني.
قال في مقدّمته لكتاب (الإفحام لمكذِّب رسول الإمام) لناظم العقيلي:
(ومصيبتنا عادت اليوم مع من يدَّعون اتّباع أهل البيت عليهم السلام كمصيبتنا بالأمس مع الناس، فالقرآن ومعرفة محكمه و متشابهه وناسخه ومنسوخه ليس حجَّة عند هؤلاء! ووصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست حجَّة! والنصوص الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام ليست حجَّة! ومئات بل آلاف الرؤيات بالمعصومين عليهم السلام عند أُناس متفرّقين تنصُّ على أنَّ الحقّ هاهنا ليست حجَّة! والكشف والشهود عند أولياء الله ليس حجَّة! والإخبارات الغيبية ليست حجَّة! والمعجزة ليست حجَّة بل سحر! والمباهلة ليست حجَّة! و... و... جئت بكلّ ما جاء به الأنبياء والمرسلين [كذا] عليهم السلام، ولم يبقَ إلَّا العذاب، وللآن يقولون: لم يأتِ بدليل ولم يأتِ بحجَّة).
فمع هؤلاء لا يبقى إلَّا العذاب حجَّة، ولا تبقى إلَّا نار جهنَّم التي سيصلونها حجَّة، وعندها سيخاطبهم سبحانه وتعالى: (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصرونَ) [الطور: ١٥])(٣٢٤).
ولا شكَّ أنَّ أحمد إسماعيل لم يأتِ بأيّ معجزة كما يزعم كذباً وزوراً، ولكنَّه اختلق لنفسه أُموراً اعتبرها معجزات، وهي ليست كذلك، ومن مهازل معجزاته ما ذكره في أحد بياناته المسمّى بإظهار قبر الزهراء عليها السلام، حيث قال:
(وأوّل معجزة أُظهِرُها للمسلمين وللناس أجمعين هو أنّي أعرف موضع قبر فاطمة عليها السلام بضعة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وجميع المسلمين مجمعين على أنَّ قبر فاطمة عليها السلام مغيَّب لا يعلم موضعه إلَّا الإمام المهدي عليه السلام، وهو أخبرني بموضع قبر أُمّي فاطمة عليها السلام، وموضع قبر فاطمة عليها السلام بجانب قبر الإمام الحسن عليه السلام وملاصق له، وكأنَّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مدفون في حضن فاطمة عليها السلام، ومستعدّ أن أقسم على ما أقول، والله على ما أقول شهيد، ورسوله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي عليه السلام الذي دفن فاطمة عليها السلام).
ولو صحَّ زعم أحمد إسماعيل بأنَّ السيّدة فاطمة عليها السلام دُفنت في البقيع، فإنَّ ذلك لا يسمّى معجزة؛ لأنَّ المعجزة هي الأمر الخارق للعادة، وما قاله ليس كذلك، وما ذكره أحمد إسماعيل هو أحد الأقوال في موضع قبر السيّدة فاطمة عليها السلام، وقد سبقه إلى هذا القول أهل السُّنَّة وغيرهم، مع أنَّ أحمد إسماعيل لم يأتِ بما يثبت صحَّة كلامه إلَّا أنَّه قال: إنَّه مستعدّ لأن يُقسم على ذلك! فأيّ معجزة هذه التي يريد أن يثبتها بالقسم؟!
ومن معجزاته التي ذكرها في بعض كتبه أنَّ اسمه _ وهو أحمد الحسن _ مكتوب على غلاف كتاب لواحد من أعدائه، وهو السيّد محمّد علي الحلو بعنوان: (المهدي راية هدى)، وهو يشير إلى ما كُتِبَ في جانب ظهر الكتاب المذكور، حيث كُتب: (أحمد الحسن)، ويظهر أنَّه اسم مصمِّم الغلاف، لكن أحمد إسماعيل وأتباعه عدّوا هذا الأمر معجزة من معجزاته، وشرُّ البلية ما يُضحك!
قال أحمد إسماعيل:
(وأنا وأعوذ بالله من الأنا أنصح السيّد السيستاني وهؤلاء الكُتّاب أن ينظروا بعين الإنصاف إلى هذه الدعوة اليمانية المباركة، وأن ينصفوا أنفسهم بالبحث عن الحقّ وأهله، وإلَّا فليعلم الجميع أنَّ من يقف اليوم بالضدّ من هذه الحركة اليمانية المباركة سيلعنه التالون كما يُلعن اليوم من وقف ضدّ رسول الله محمّد بن عبد الله. وفي نهاية كتب هذا المركز الذي هو برعاية السيّد السيستاني، كُتب (أحمد الحسن) على الغلاف الخارجي دون التفات منهم لذلك، فليراجعوا ما كتب على غلاف الكتب، وهذه آية أُخرى لصاحب الحقّ ظهرت رغماً عنهم، فما رأيت شيئاً إلَّا رأيت الله قبله ومعه وبعده كما قال عليه السلام، والعاقبة للمتَّقين)(٣٢٥).
تأويلات باطلة للنصوص المخالفة للدعوة:
من الطبيعي أن تصطدم كلّ الدعوات الباطلة بآيات من القرآن الكريم، أو بأحاديث صحيحة أو متواترة، وعندما يحتجّ العلماء على أصحاب هذه الدعوات بتلك الآيات والأحاديث فإنَّهم يقومون بليّ عنق تلك الآيات والروايات، ويأتون لها بمعاني بعيدة غير مرادة، تنسجم مع دعواتهم الباطلة.
وحيث إنَّ مرزا غلام أحمد القادياني زعم أنَّه هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فإنَّ هذا الزعم يتعارض مع الأحاديث المتواترة التي دلَّت على أنَّ الإمام المهدي من ولد سيّدة نساء العالمين السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومن المعلوم أنَّ القادياني رجل هندي لا يمتُّ إلى السيّدة فاطمة عليها السلام بأيّ نسب، وهذا كافٍ في إبطال دعواه ودعوته.
ولكن أُنظر إلى جوابه على هذا الأمر المتواتر، فإنَّه قال:
(إنَّ أصحاب الفكر المادّي نسبوا الموعود إلى ذرّية الحسن أحياناً، وإلى ذرّية الحسين أحياناً، وإلى العبّاس أحياناً، إنَّما كان قصد الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ المبعوث سيكون وارثه مثل أبنائه، يرث اسمه وخُلُقه وعلمه وروحانيته، ويعكس صورته فيه من كلّ الجوانب، ولن يكتسب شيئاً من نفسه، بل كلّ ما اكتسبه فهو من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسيعكس وجهه متفانياً فيه)(٣٢٦).
ولا يخفى أنَّ ما قاله القادياني مع أنَّه خلاف ظاهر الحديث فإنَّه لا دليل عليه، ولو أردنا أن نشرح الأحاديث النبوية بهذا النحو لما بقي حديث واحد سالماً، ولضاعت أكثر السُّنَّة النبوية، مع أنَّ معنى الحديث لو كان كما زعمه القادياني لحقَّ لكلّ حاقد على الإسلام أن يتَّهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه عاجز عن بيان مراداته؛ لأنَّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ المهدي من ولد فاطمة عليها السلام) فيه ما لا يخفى من القصور في الدلالة على المعنى المراد.
ومن الأحاديث التي اصطدمت بها دعوة أحمد إسماعيل البصري توقيع آخر سفراء الإمام المهدي عليه السلام، وهو علي بن محمّد السمري رضوان الله عليه، الذي يدلُّ بوضوح على أنَّ كلّ من ادَّعى السفارة قبل الصيحة والسفياني فهو كذّاب مفترٍ، ولكن أحمد إسماعيل حاول ردّ هذه الدلالة الواضحة بأن زعم أنَّ الحديث مطعون في سنده، ولا يفيد الجزم، ومتنه متشابه، والحديث غير مسوَّر فلا يفيد الكلّية، وإنَّما يدلُّ على الجزئية، أي إنَّ بعض مَنْ يدَّعي السفارة كاذب(٣٢٧).
وكلّ هذه النقوض واضحة البطلان، فإنَّ سنده صحيح، مع أنَّه لا يحقّ لأحمد إسماعيل أن يتكلَّم في أسانيد الروايات، وخصوصاً في سند هذا التوقيع الذي اتَّفق الشيعة على العمل بمضمونه قديماً وحديثاً، وإذا كان الحديث الذي اتَّفق عليه الشيعة لا يفيد القطع بالصدور، فما هو هذا الحديث الذي يحقُّ لنا أن نقطع بصدوره أو نجزم بصحَّته بنظر أحمد إسماعيل؟
وأمَّا متن التوقيع فهو واضح الدلالة على أنَّ كلّ من يدَّعي المشاهدة(٣٢٨) أي السفارة قبل الصيحة والسفياني فهو كاذب مفترٍ، ولا أظنّ أحداً من أهل اللسان العربي يشكُّ في أنَّ هذا هو معنى التوقيع، ومن المضحكات زعم أحمد إسماعيل _ الذي لم يدرس علم المنطق _ أنَّ التوقيع لا يدلُّ على الكلّية، وأنَّ معناه هو أنَّ بعض من يدَّعي المشاهدة كاذب وبعضهم صادق، وهذا الكلام لا يقوله إلَّا جاهل أو مكابر، وكلّ من درس مقدّمات الحوزة العلمية يعلم أنَّ الجملة الشرطية تدلُّ على تحقّق الجواب عند تحقّق الشرط، فيتحقَّق الكذب والافتراء عند تحقّق ادّعاء المشاهدة، بلا تخلّف في ذلك، وإلَّا لما كانت الجملة شرطية، وهذا واضح جدَّاً، ولاسيّما أنَّ الغرض من خروج التوقيع هو بيان انقطاع السفارة والإيذان ببدء فترة الغيبة الكبرى، وهذا يدلُّ على أنَّ كلّ من يدَّعي السفارة في فترة انقطاع السفارة فهو كاذب مفترٍ.
ولو أردنا أن نذكر نماذج أُخرى من تأويلات القادياني والبصري لطال في ذلك الكلام، ولكن من هذين الأنموذجين يتبيَّن كيف يؤوِّل القادياني والبصري الأحاديث التي تبطل دعوتهما، والذي يتتبَّع كلماتهما يجد فيها الغرائب والعجائب المدهشة، ونحن ذكرنا نماذج أُخرى من كلام أحمد إسماعيل البصري فيما تقدَّم، فراجعها.
الطعن في العلماء بطعون شديدة وقبيحة:
كلمات مرزا غلام أحمد القادياني في الطعن في علماء عصره كثيرة وقبيحة، ومن كلامه فيهم قوله:
(فاعلم أنّي طالما حضرت مجالس هذه العلماء، وخلوت بهم كالأحبّاء، وربَّما جئت بعضهم بزيٍّ نكَّرتُه كالغرباء أو الجهلاء، وجرَّبتُهم عند محبّتهم والشحناء، والبؤس والرخاء، وعلمتُ دخلة أمرهم ومبلغ هممهم وما عندهم من الإتّقاء، فظهر لي أنَّ أكثرهم للإسلام كالداء لا كالدواء، وللدين كالهجوم المطلم والهوجاء، لا كالسراج المنير والضياء، جمعوا كلّ عيب في السيرة والمريرة، ولطَّخوا في أنفسهم بالمعايب الكثيرة، يجلبون أموال الناس إلى أنفسهم من كلّ مكيدة، بأيّ طريق اتَّفق وبأيّ حيلة، يقولون ولا يفعلون، ويعظون ولا يتَّعظون، ويتمنّون أن يحصدوا ولا يزرعون، قلوبهم قاسية، وألسنتهم مفحشة، وصدورهم مظلمة، وآراؤهم ضعيفة، وقرائحهم جامدة، وقلوبهم ناقصة، وهممهم سافلة، وأعمالهم فاسدة... يتكبَّرون بعلم قليل يسير، وليسوا إلَّا كحمير، يأمرون الناس بترك الدنيا وزخرفها، ثمّ يطلبونها أزيد من العوامّ، ويسعون أن يتعاطوها ولو بطريق الحرام...)(٣٢٩)، إلى آخر كلامه، فإنَّه ما ترك صفة قبيحة إلَّا ألصقها بهم، ولا منقصة عظيمة إلَّا وصفهم بها.
وقال في مورد آخر:
(ولا تنظر إلى وجوه مشايخ الإسلام وكبراء الزمان، فإنَّهم وجوه خالية من نور الرحمن ومن زيّ العاشقين)(٣٣٠).
وشبيه بذلك موقف أحمد إسماعيل البصري من مراجع التقليد وعلماء الشيعة الذين يصفهم في كتبه وكلماته بأنَّهم علماء آخر الزمان، وكلماته في الطعن فيهم كثيرة.
منها: قوله:
(ولكن هؤلاء الفقهاء الذين خانوا أمانة الأنبياء والأوصياء، وحليت لهم السلطة العريضة والأموال الطائلة التي جمعوها باسم الإمام المهدي عليه السلام، لم يعجبهم أن يقع الاختيار الإلهي على أحد غيرهم، فكان أن وقفوا موقف الرفض والعناد، وصمّوا آذانهم عن الاستماع لأدلَّة الإخوة الأنصار، بل وأكثر من ذلك فقد شرعت ماكنتهم الإعلامية وجهاز الوكلاء المنتفعين المرتبط بهم بترويج الأكاذيب والإشاعات المغرضة بقصد صدِّ الناس عن الدعوة المباركة وتشويه أهدافها الإلهية السامية، ولم تقف المعركة مع فقهاء السوء عند هذا الحدّ، فهؤلاء الذين يخشون كثيراً على عروشهم المزيَّفة كانوا لا يستسلمون أبداً للهزائم الفكرية التي ألحقتْها بهم الدعوة المباركة)(٣٣١).
وقال في جواب سؤال حول تفسير آية قرآنية:
(الذي جادل إبراهيم عليه السلام هو نمرود لعنه الله، والذي بُهت هو كلّ كافر برسالات السماء: نمرود وغير نمرود، كبعض الشيعة أو من يدَّعون أنَّهم شيعة ويحاربون وصيّ الإمام المهدي عليه السلام، ويكفرون برسالات السماء وحجج الأنبياء والأوصياء، وقد وصفهم الباقر عليه السلام بأنَّهم ثمود، لعنهم الله وأخزاهم، وأسكنهم في قعر الجحيم مع أصحاب السقيفة الأُولى؛ لأنَّهم أصحاب السقيفة الثانية، علماء آخر الزمان غير العاملين الذين خدعوا الناس، وحرَّفوا الدين الإلهي، وشرَّعوا وأحلّوا وحرَّموا بأهوائهم)(٣٣٢).
وهذه المواقف الشديدة من العلماء غير مستغربة من كلّ صاحب دعوة منحرفة عن خطّ الإسلام؛ لأنَّ العلماء يقفون في وجه هذه الدعوات الباطلة، ويواجهونها بكلّ ما أُوتوا من جهد وطاقة، ويكشفون زيفها، ويبيّنون للناس باطلها وانحرافها وضلالها، ومن الطبيعي أن يقابلهم أصحاب تلك الدعوات بمثل هذه المواقف.
إثبات الدعوة بالأحلام والاستخارة:
أشار القادياني على من يريد أن يعرف أنَّ دعوته حقّ أن يستخير الله تعالى، أو يدعو الله لكي يلهمه في عالم الأحلام بالإلهامات التي تكشف له أنَّ دعوته حقّ، فقال:
(إنّي دعوتُ قومي ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلَّا فراراً، ثمّ إنّي دعوتهم جهاراً، ثمّ إنّي أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً، فقلت: استغفروا ربّكم واستخيروا واستخبروا، وادعوا الله في أمري يمددكم بإلهامات، ويُظهر عليكم أخباراً، فما سمعوا كلمتي، وأعرضوا عتوَّاً واستكباراً، ورضوا بأن يكونوا لإخوانهم مكفِّرين، وما كان حجَّتهم إلَّا أن قالوا: ائتوا بأحاديث شاهدة على ذلك إن كنتم صادقين)(٣٣٣).
وكذلك الحال في أحمد إسماعيل البصري، فإنَّه اعتمد في إثبات دعوته على الأحلام والاستخارات، وقد جعل في موقع أنصاره دعاء لمن يريد أن يرى حلماً يدلُّ على صدق دعوته، وحكم أحمد إسماعيل على جميع الأحلام التي تؤيِّد دعوته بأنَّها كلّها صادقة، باعتبار أنَّها من عالم الملكوت.
قال في أحد بياناته:
(لا تركنوا إلى الجهّال الذين يسمّون أنفسهم علماء، فيملؤوا آذانكم وأعينكم بالطين، ويشدّوكم إلى هذا العالم المادّي الزائل وما فيه من زخرف. لا تسمعوا كلامهم، فهم لا يرون أيديهم… وهذا العالم الزائل مبلغهم من العلم. لا تركنوا إليهم وهم يكفرون بالرؤيا، وهي الطريق إلى ملكوت السماوات. أُنظروا في ملكوت السماوات، واسمعوا من ملكوت السماوات، وآمنوا بملكوت السماوات، فهو الحقّ الذي آمن به الأنبياء والأوصياء، وكفر به العلماء غير العاملين الذين حاربوا الأنبياء والأوصياء في كلّ زمان)(٣٣٤).
كما أنَّه ذكر أنَّ من رأى أمثال هذه الأحلام فإنَّه رأى وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام، وأنَّ هذه الأحلام كلّها شهادات منهم عليهم السلام بصدقه.
قال في أحد بياناته:
(تقولون: نحن نقبل شهادة العدلين. فها الله [كذا] يشهد لي، ومحمّد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين، ومحمّد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمّد، وعلي، والحسن، ومحمّد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون. أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟...
(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون:٨٨]، من بيده ملكوت السماوات والأرض، ما أنصفتم الله إذ جعلتم الملكوت بيد الشيطان، وانتهكتم حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم...
تقولون: (الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، فتردّون شهادة المؤمن العادل، الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بالحقّ، فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟ (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضَيزَى) [النجم:٢٢])(٣٣٥).
وأمَّا الاستخارات فإنَّ من يتتبَّع كتب أحمد إسماعيل يجد أنَّ بعض أتباعه ذكروا له في أسألتهم أنَّهم آمنوا به بسب الاستخارة، ومن ذلك ما ذكره بعضهم في سؤال رقم (٣٢٥) في كتاب (الجواب المنير) حيث قال: (وبدأت بالاطّلاع على بعض كتبكم، وكان أوّلها الشرائع والمتشابهات، إلَّا إنَّني لم أنتهِ بعد من قراءة كلّ الكتب، وقمت بالاستخارة بالقرآن الكريم وخرجت لي الآية (٩٠) من سورة المؤمنون: (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)، فتوكَّلت على الله، وآمنت بالدعوة، والحمد لله ربّ العالمين، وبدأت العمل بكتاب الشرائع، ولكنّي لم أعرف كيف أُبايعك يا سيّدي).
فأجابه أحمد إسماعيل بقوله:
(وفَّقك الله لكلّ خير، وجنَّبك كلّ شرّ، والإيمانُ بيعةٌ، فيكفي إيمانك واستعدادك للعمل في سبيل الله وقيامك بالعمل الممكن، حفظك الله وجميع المؤمنين والمؤمنات)(٣٣٦).
وإذا شئت راجع كتاب (الجواب المنير عبر الأثير)، السؤال رقم (٩٣)، (١٠٩)، (٢٢٣)، (٢٣٦) س (٢٣)، (٦١٣).
وأحمد إسماعيل يُلزمك بالعمل بالاستخارة إذا فُهِمَ منها الحثّ على الإيمان به، وأمَّا إذا دلَّت على تركه وتكذيبه فإنَّه يشكِّك في صدقك في استخارتك، ففي سؤال رقم (٢٣) جاء ما يلي: (سيّدي، لقد خرجتْ بعض الاستخارات بآيات تبدو سيّئة وحاشاك، فما معناها؟ وهل هناك مانع في كثرة الاستخارة في أمرك، أم لا بأس بذلك؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بأنَّه يشترط في الاستخارة عقد العزم على ثلاثة أُمور...، وبعد أن ذكر تلك الأُمور الثلاثة قال:
(هذه الأُمور الثلاثة كحدّ أدنى ضرورية لتكون أنت فعلاً قد استخرت الله، أمَّا أن يأتي شخص وهو متردِّد في قبول جواب الله له، ثمّ يستخير ويعتبر أنَّ ما فعله استخارة، فالحقّ إنَّ [كذا] مثل هذا الشخص ربَّما ينعم عليه الله الكريم ويجيبه، ولكن يا له من خزي لهذا وأمثاله وهو لا يرضى أن يستشيره أحد، ثمّ يذهب لخلاف مشورته، وكأنَّه استشاره ليخالف قوله، فكيف يرضى أن يفعل هذا مع الله سبحانه، والله إنَّ هذا لأمر عظيم وتجرّأ [كذا] كبير على الله سبحانه وتعالى، ومع هذا الخبث الصادر من الناس فأنَّ [كذا] الله يعاملهم برأفة ورحمة)(٣٣٧).
وسألتْه امرأة، فقالت في سؤالها: (ولكن لِمَ حينما أستخيره في جنابكم تطلع مخيَّرة؟! وسبق واستخرته قديمًا على السيّد الخامنئي فكانت: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً)؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بجواب طويل ممل، قال فيه:
(الخراف تعرف راعيها الصالح من صوته، الذين مِن الله يسمعون صوت الله، ويعرفون صوت الله، وكلمات الله، وحكمة الله، ويميّزونها جيّداً عن سفه الشيطان...
الذين مِن الله يسمعون كلمات الله، وشيعة محمّد وآل محمّد الحقيقيون يعرفون صوت الراعي الصالح جيداً، وهل يضيع الإنسان صوت إمامه؟ أيمكن أن لا يعرف الابن صوت أبيه الذي ربّاه؛ لأنَّه سمع في زحام الدنيا أصوات كثيرة، أيمكن هذا؟!)(٣٣٨).
أي إنَّه يقول لتلك السائلة: أنتِ لستِ من شيعة محمّد وآله الحقيقيّين، فلهذا لا تميّزين بين الإمام الحقيقي وهو أحمد إسماعيل وغيره من المبطلين بنظره، أي إنَّ استخارتها لا قيمة لها، ولا تدلُّ على أنَّه إمام ضلال!
أُنظر قارئي العزيز إلى كلامه، فإنَّ الاستخارة إذا دلَّت عليه فهي حقّ عنده، وإلَّا طعن في صاحب الاستخارة، وحكم على استخارته بأنَّها باطلة.
ومن الطرائف أنَّ امرأة كتبت إلى أحمد إسماعيل ما يلي: (نحن مجموعة من النساء المؤمنات بالسيّد أحمد عليه السلام، ولم يؤمن أزواجنا بعد، ويشقُّ علينا الذهاب للتأكّد من الذبح، فصرنا نستخير على اللحم والدجاج لأكله، فهل يجوز لنا ذلك؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(وفَّقكم الله، بالنسبة للدجاج لا بدَّ من الاطمئنان إلى أنَّه ذُبِحَ بيد المسلم؛ لأنَّهم أجازوا الذبح بالماكنة، وهو غير شرعي، أمَّا اللحوم الحمراء فيمكن أكل المذبوح في البلاد الإسلاميّة ولا إشكال فيه)(٣٣٩).
فهو يجيز الاستخارة على دعوته والإيمان به وبإمامته بالاستخارة، ولا يجيز الاستخارة على أكل قطعة من اللحم، فالعجب ممَّن يؤمن بهذا الرجل، ويصدّق بدعوته!
المبالغة في تحدّي الخصوم:
تحدّى القادياني علماء عصره، وتحدّياته كثيرة جدَّاً، وكتبه مملوءة بتلك التحدّيات.
قال أبو الحسن الندوي في كلامه حول كتاب (البراهين الأحمدية):
(ويدهش القارئ ويتخم بالإلهامات والمنامات والخوارق والكشوف والتكليمات الإلهية والنبوءات التي طفحت بها أجزاء هذا الكتاب، والادّعاءات والتحدّيات الطويلة العريضة التي تخرجه من كتب البحث العلمي النزيه، والنقاش الديني الهادئ، إلى كتب التحدّي والادّعاء السافر التي تطغى عليها الأنانية، وتمنع من الاستفادة منها والإقبال عليها)(٣٤٠).
وقد ألَّف القادياني كتاباً أسماه: (كرامات الصادقين)، كُتِبَ في الصفحة الأُولى منه: (هذه رسالة مباركة المسماة كرامات الصادقين، ولمن يأتِ برسالة مثلها فله إنعام ألف من الورق، غير مقلِّد أو كان من المقلِّدين).
ومن تحدّياته ما ذكره في كتاب (باقة من بستان المهدي) في وريقة بعنوان: (حجَّة الله)، حيث عَنْوَنَ تلك الوريقة بقوله: (الإعلانَ فاسمعوا يا أهل العدوان)، قال فيها:
(أيّها الناظرون، اعلموا رحمكم الله ورزقكم رزقاً حسناً من التفضّلات الجليّة والألطاف الخفيّة، أنَّ هذه رسالتي قد تمَّت بالعناية الإلهية، محفوفة بالأسرار الأنيقة الربّانيّة، ومشتملة على محاسن الأدب، والمُلَح البيانية، فكأنَّها حديقة مخضرة، تغرّد فيها بلابل على دوحة الصفاء، وتصبي ثمراتها قلوب الأدباء، ومن أمعن فيها بإخلاص النيّة، وصدق الطويّة، فلا شكَّ أنَّه يقرّ بفصاحة كلماتها، وبراعة عباراتها، ويقرّ بأنَّها أعلى وأملح من التدوينات الرسمية، وعليها طلاوة أكثر من المقالات الإنسانية، وأمَّا الذي جُبِلَ على سيرة النقمة والعناد، فيجحد بفضلها [كذا]، ويترك متعمّداً طريق القسط والسداد، ولو كانت نفسه من المستيقنين، فنحن نُقبل الآن على زُمر تلك [كذا] المنكرين، ولقد وعيتَ أسماءهم فيما سبق من ذكر المكفِّرين والمكذِّبين، فليناظلوني في هذا ولو متظاهرين بأمثالهم، وليبرهنوا على كمالهم، وإلَّا كشفتُ عن سبِّهم وأخزيتهم في أعين جهّالهم، ومن يكتب منهم كتاباً كمثل هذه الرسالة، إلى ثلاثة أشهر أو إلى الأربعة، فقد كذَّبني صدقاً وعدلاً، وأثبت أنّي لست من الحضرة الأحدية، فهل في الحيّ حيٌّ يقضي هذه الخطّة، وينجّي من التفرقة الأُمَّةَ، وليستظهر بالأدباء إن كان جاهلاً لا يعرف طرق الإنشاء، وليعلم أنَّه من المغلوبين، وسيُذهب الله ببصره ببرق من السماء، فيعشيه كما يعشي الهجير عين الحرباء، ويُطفئ وطيس المفترين. أيّها المكذِّبون الكذّابون! ما لكم لا تجيئون ولا تناظلون، وتدعون ثمّ لا تبارزون، ويل لكم ولما تفعلون يا معشر الجاهلين)(٣٤١).
وأكثر تحدّيات أحمد القادياني حول معرفته باللغة العربية وإتقانه لها، والتباهي بأنَّه يتقنها أكثر من باقي علماء الهند، مع أنَّ كتبه مملوءة بالأخطاء اللغوية والنحوية.
أمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه تحدّى مراجع النجف وهو مختفٍ لا يُعلَم أين هو، والعجب أنَّه يدعوهم للمناظرة العلنية، وبياناته في الإعلان عن تحدّيه موجودة في موقع أنصاره في الإنترنت.
قال في بيان مؤرَّخ في (١٧) شوّال سنة (١٤٢٤هـ):
(لقد دعوتُ جمع [كذا] من العلماء في الصحف السابقة الصادرة من أنصار الإمام المهدي عليه السلام للمناظرة في القرآن الكريم، أو سماع ما جئت به من تفسير للقرآن الكريم، حتَّى يتبيَّنوا هل هو من ممكن التحصيل، أم أنَّه علم خاصّ بأهل بيت العصمة أو من اتَّصل بهم عليهم السلام، فلم يستجب لتلك الدعوة أحد منهم، بل أصدر بعض العلماء فتوى بتكذيبي من دون أن يسمعوا شيئاً منّي...).
إلى أن قال:
(أمَّا الآن فإنّي أُكرِّر الدعوة إلى بعض مراجع التقليد للمناظرة في القرآن الكريم؛ لإثبات أنَّ ما عندي من علم في القرآن هو من الإمام المهدي عليه السلام، وأنّي مرسل من الإمام عليه السلام، حتَّى لا تبقى حجَّة لمحتجّ ولا عذر لمعتذر، ومن أجل الحرص على هداية هذه الأُمَّة التي ظُلمت واستُضعفت على مرِّ العصور، أُناشد العلماء ورجال الدين والمؤمنين والناس كافّة، بأن يساعدوا على الاستجابة لدعوة المناظرة).
بل إنَّه تحدّى جميع علماء المسلمين والنصارى واليهود، ودعاهم للمباهلة في أحد بياناته، فقال:
(وأنا العبد المسكين المستكين بين يدي ربّه، أدعو كبار علماء الطوائف والديانات الإلهية الثلاث وفي كلّ الأرض للمباهلة لمعرفة صاحب الحقّ، وهي أن نبتهل إلى الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) [آل عمران:٦١]، فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنَّهم ومن يتَّبعهم في ضلال مبين، وسيبيدهم الله بالعذاب والمثلات التي بدأ ملائكة الله يصبّونها على أهل الأرض، فقد نزل العذاب على مواضع في هذه الأرض، والله لا ينزل العذاب إلَّا بعد وجود رسالة إلهية على الأرض، (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: ١٥])(٣٤٢).
ادّعاء وضوح الدعوة:
ادَّعى كلّ من مرزا غلام أحمد القادياني وأحمد إسماعيل البصري أنَّ دعوة كلّ منهما دعوة حقّ، وأنَّها واضحة كوضوح الشمس، وأنَّه لا عذر لأحد في عدم الإيمان بها.
قال القادياني مؤكِّداً أنَّ حجَّته واضحة كالشمس:
(فأيّدني ربّي بآيات، وأنار أمري ببركات، وأتمَّ حجَّتي على الطالبين، ولكنَّهم ما خلّوا سبيلي وما كانوا منتهين، وجحدوا وقد تبيَّن الرشد من الغيّ وحصحص الحقّ، فأعجبني(٣٤٣) [كذا] إنكارهم وقساوة قلوبهم، إنَّهم رأوا علامات صدقي وآيات قبوليّتي، وما رجعوا إلى الحقّ وما كانوا راجعين.
يا حسرة عليهم! إنَّهم لا يفهمون حقيقة الواقعات، ولا يقبلون الآيات، بل يحتالون عند رؤيتها، ويتعامون مع وجود الأبصار، ويفترون عليَّ أشياء، ويريدون أن يطفئوا نور الإسلام، وصاروا ظهيراً للكافرين، وكان الحقّ واضحاً صريحاً مشرقاً كالشمس، فطبع الله على قلوبهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فما استطاعوا أن يروا الحقيقة كالمبصرين)(٣٤٤).
وكذلك الحال مع أحمد إسماعيل البصري، فإنَّه يؤكِّد دائماً على وضوح حقّيّة دعوته.
قال في أحد بياناته:
(لقد أسفر الصبح لذي عينين، وظهر أمر قائم آل محمّد عليهم السلام كالشمس في رائعة النهار، لا لبس فيه لكلّ طالب حقّ، وجاءكم يا علماء الشيعة من تعرفونه كما تعرفون أبناءكم، ولا يخفى عليكم أمره، بالروايات الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، فهل تنكرون على علماء اليهود والنصارى (لعنهم الله) أنَّهم لم يتَّبعوا محمّد [كذا] صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنَّه ذُكِرَ في كتبهم باسمه وصفته، وأنَّه يخرج من فاران، وتحتجّون عليهم بذلك، إذن فارجعوا إلى كتبكم وحاسبوا أنفسكم...).
إلى أن قال:
(أخبروكم أهل البيت عليهم السلام باسمي ومسكني وصفتي، فهل خفيتُ عليكم؟ ولكن (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) [هود: ٢٨]).
ثمّ قال:
أمَّا بعد فيا شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بحسب ما تدَّعون، لقد قامت عليكم الحجَّة البالغة التامّة من الله سبحانه وتعالى بي، وبأنّي الصراط المستقيم إلى جنّات النعيم، فمن سار معي نجا، ومن تخلَّف عني هلك وهوى، وهذا هو الإنذار الأخير لكم من الله ومن الإمام المهدي عليه السلام، وما بعده إلَّا آية العذاب والخزي في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة جهنَّم يصلونها وبئس المهاد لمن لم يلتحق بهذه الدعوة)(٣٤٥).
وقال في بيان آخر:
(والله ما أبقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآبائي الأئمّة عليهم السلام شيء [كذا] من أمري إلَّا بيَّنوه، فوصفوني بدقَّة، وسمّوني، وبيَّنوا مسكني، فلم يبقى لبس في أمري ولا شبهة في حالي بعد هذا البيان، وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأنّي أوّل المهديّين واليماني الموعود)(٣٤٦).
هذه بعض أوجه التشابه بين مرزا غلام أحمد القادياني وأحمد إسماعيل البصري، ولو أردنا أن نتتبَّع كلّ وجوه التشابه بينهما لطال بنا المقام؛ لأنَّها كثيرة، ولكن الذي يثير التساؤل والاستغراب هو أنَّ هذه التشابهات هل جاءت هكذا بمحض الصدفة؟ أو أنَّ أحمد إسماعيل اقتفى أثر القادياني وسار على طريقته في ادّعائه السفارة والمهدوية؛ لأنَّ القادياني قد اكتسب بعض الشهرة حتَّى أُلِّفت فيه وفي دعوته كتب كثيرة، واستطاع أن يجمع له أموالاً طائلة، ويستقطب أتباعاً ومريدين في مناطق مختلفة من العالم، ولا شكَّ أنَّ البصري يسعى للحصول على أمثال هذه الأُمور التي يتصوَّرها مكاسب.
وربَّما يكون سبب التشابه أنَّ هذه الدعوات صنيعة جهات عالمية متنفّذة، تخطِّط لأمثال هؤلاء المدَّعين، وتلقِّنهم ما يقولون، وتهيّئ لهم ما يكتبون، وما يدَّعون، وتطبع الكتب بأسمائهم، وتمدّهم بالأموال الطائلة التي تمكّنهم من شراء الأنصار والأتباع، وتهيّئ لهم وسائل الإعلام التي تمكِّن دعواتهم من التوسّع والانتشار.

* * *
خاتمة

إلى هنا تمَّ ما أردت كتابته في الردّ على دعوة أحمد إسماعيل البصري والردّ على كتابه المسمّى: (الوصيّة المقدَّسة: الكتاب العاصم من الضلال) الذي يزعم أنصاره أنَّه تحدَّى به مراجع التقليد في النجف الأشرف وقم المقدَّسة.
وكما لاحظ القارئ العزيز فإنَّ هذه الدعوة قائمة على دعاوى مجرَّدة وانتقاء لبعض الأحاديث دون بعض، وتفسيرها بغير ما يُراد بها، وأنَّ هؤلاء القوم الذين آمنوا بهذه الدعوة ويدْعون لها كلّهم جهّال مغفَّلون أو كذّابون نفعيّون مغرضون.
وهذا الكتاب الذي تحدّى به أحمد إسماعيل مراجع النجف وقم كتاب ركيك جدَّاً، ينمُّ عن جهل فاضح، وكان عليه أن يخجل من أن ينسب لنفسه مثل هذا الجهل المكشوف، فإنَّه خير له من أن يتحدّى به صغار طلبة العلم، فضلاً عن مراجع النجف وقم.
ومن كلّ ما تقدَّم يتَّضح لكلّ من كان عنده شيء يسير من الثقافة والاطّلاع أنَّ هذا الكتاب الركيك لا يحتاج من مرجع تقليد أن يضيِّع وقته الشريف في الردّ على ما فيه من جهل وغباء.
وهنا أودُّ أن أُنبّه القارئ العزيز إلى أنَّ أحمد إسماعيل البصري عندما يتظاهر بأنَّه يتحدّى مراجع النجف وقم إنَّما يريد أن يخدع الجهّال والمغفَّلين البسطاء، ويوهمهم بأنَّ إصراره على تحدّيه لمراجع التقليد وعدم موافقتهم على مناظرته، مضافاً إلى عجزهم عن الردّ على كتبه، دليل واضح بزعمه على أنَّه أعلم منهم، وأنَّه بالفعل إمام مرسل من قِبَل الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
إلَّا أنَّ هذه حيلة مكشوفة لا تنطلي إلَّا على البسطاء والمغفَّلين؛ لأنّا لو فرضنا أنَّ أحمد إسماعيل حيٌّ لحدِّ الآن وأنَّه بالفعل قد تحدّى مراجع النجف وقم، وإنَّ هذه التحدّيات الجوفاء غير مكذوبة عليه من قِبَل بعض أنصاره الذين صاروا الآن يتاجرون باسمه، فإنَّ تجاهل مراجع التقليد لأمثال هذه التحدّيات وإن فسره هؤلاء الجهّال بأنَّه ضعف من مراجع التقليد وعجز منهم عن الردّ، لكنَّه يبيِّن أنَّ مراجع التقليد لا يُعطون أمثال هذه التحدّيات أكثر من حجمها الحقيقي، ولا يُعطون هؤلاء الدجّالين أيّ قيمة؛ لأنَّهم يعلمون أنَّهم جهّال سفهاء، وقد ورد في الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنَّه قال: (من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوَّأ مقعده من النار)(٣٤٧).
كما أنَّ مرجع التقليد لو ردَّ على هؤلاء فإنَّهم سيُغْرون بعض سفهائهم السبَّابين على ذلك المرجع، وسيحاولون النيل منه والوقيعة فيه بما يمليه عليهم حقدهم عليه.
وكيف كان فإنَّ أحمد إسماعيل قد تحدّى مخالفيه، وهذا هو جوابه، ولا يهمُّ إذا الردّ لم يكتبه مرجع تقليد ما دام الردّ وافياً وكافياً لكلّ باحث منصف، وآمل من أحمد إسماعيل _ إن كان حيَّاً _ أن يدافع عن كتابه الذي تحدّى به العلماء، وأن يكتب ردَّاً علميّاً بعيداً عن لغة الشوارع ما دام أنَّه يرى في نفسه أنَّه أعلم هذه الأُمَّة وأنَّه إمام معصوم، وسأعذره إذا اعترف بأنَّه عاجز عن الردّ، خصوصاً أنَّه يزعم أنَّه لا يرى في نفسه أنَّه خير من كلب أجرب، وهذا يقتضي منه إن كان صادقاً في زعمه ألَّا يستحقر هذا العبد الضعيف، وألَّا يرى لنفسه مقاماً يجعله يستنكف عن مخاطبة شخصاً مثلي أو الردّ على كتابي، فيُغري بعض أنصاره بالردّ، مع أنّي لا أخشى ردودهم؛ لأنّي رأيت بعض كتبهم في ردّهم على من خالفهم، فوجدتها مملوءة بالسباب والتجريح وسوء الأدب وغير ذلك ممَّا لا يصدر عادةً إلَّا عن الضعفاء المبطلين.
ولا يفوتني هنا أن أعتذر للقارئ العزيز عن التكرار الذي اضطرّني إليه أحمد إسماعيل في بعض المباحث؛ لأنَّ كلامه فيه تكرار كثير ممل، وطرح للفكرة بصيغ مختلفة، فكان لا بدَّ من تتبّع كلماته والردّ عليها وإن اضطررت إلى التكرار أيضاً حتَّى لا يزعم زاعم أنّي لم أردّ على بعض كلامه، وليترسَّخ الردّ في ذهن القارئ أكثر.
وأودُّ أن أُنبّه إخواني الشيعة إلى أنَّ كتب أحمد إسماعيل وأنصاره كلّها مملوءة بالأباطيل والمغالطات والأكاذيب، وهي من أوضح مصاديق كتب الضلال التي أفتى فيها مراجع التقليد دام ظلّهم الشريف بعدم جواز اقتنائها وشرائها وقراءتها، إلَّا إذا كان المطَّلع عليها متمكِّناً من معرفة ما فيها من كذب وضلال، وكان غرضه الردّ عليها فإنَّه يجوز له ذلك.
كما أُشير إلى أنّي لم أعتن بالجواب على التعليقات التي أدرجها من علَّق على كتاب أحمد إسماعيل، وهو علاء السالم، ولا بالملاحق التي ألحقها بالكتاب، واقتصرت على ردّ كلام أحمد إسماعيل نفسه؛ لأنَّه إنَّما تحدّى مراجع التقليد بما كتبه هو، لا بمجموع ما كتبه هو وما علَّقه علاء السالم على كلامه.
وفي الختام أسأل الله أن يتقبَّل منّي هذا القليل، وأن يجعله مرضيّاً عند إمام العصر عليه السلام، إنَّه سميع مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

* * *
مصادر الكتاب

القرآن الكريم.
إثبات الهداة: الحرّ العاملي/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت/ ١٤٢٥هـ.
أجوبة المسائل المهنائية: العلَّامة الحلّي/ مطبعة الخيام/ قم المقدَّسة/ ١٤٠١هـ.
الأربعون حديثاً في المهديّين وذرّية القائم: ناظم العقيلي/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري في الانترنت).
إزالة خطأ: مرزا غلام أحمد القادياني/ ترجمة هاني طاهر/ الشركة الإسلاميّة المحدودة.
إضاءات من دعوات المرسلين: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري).
إعجاز أحمدي: مرزا غلام أحمد القادياني/ ترجمة عبد المجيد عامر/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٣٢هـ.
إعجاز المسيح: مرزا غلام أحمد القادياني/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٣٢هـ.
الإفحام لمكذِّب رسول الإمام: ناظم العقيلي/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري).
إقبال الأعمال: ابن طاووس/ ط ١/ ١٤١٤هـ/ مكتب الإعلام الإسلامي.
الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ مؤسّسة البعثة.
الأمالي: الشيخ الطوسي/ ط ١/ ١٤١٤هـ/ دار الثقافة/ قم.
انتصاراً للوصيّة: الشيخ ناظم العقيلي/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل).
الإيقاظ من الهجعة: الحرّ العاملي/ ط ١/ ١٤٢٢هـ/ دليل ما/ قم.
باقة من بستان العارفين: مرزا غلام أحمد القادياني/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٢٨هـ.
باقة من بستان المهدي: مرزا غلام أحمد القادياني/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٢٨هـ.
بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت.
بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفّار/ ت كوجه باغي/ ١٤٠٤هـ/ مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي/ طهران.
البلد الأمين: الكفعمي/ مكتبة الصدوق/ طهران/ ١٣٨٣هـ.
بيان الحقّ والسداد من الأعداد: أحمد إسماعيل البصري/ (عن موقع أنصاره في الانترنت).
بيان تلبيس الجهمية: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني/ تصحيح: محمّد بن عبد ا لرحمن بن قاسم/ دار القاسم/ الرياض/ ١٤٢١هـ.
تأويل الآيات: شرف الدين الحسيني/ ط ١/ ١٤٠٧هـ/ مط أمير/ مدرسة الإمام المهدي/ قم.
تفسير العيّاشي: العيّاشي/ ت هاشم الرسولي المحلاتي/ المكتبة العلمية الإسلاميّة/ طهران.
تفسير القمّي: علي بن إبراهيم القمّي/ ت طيّب الجزائري/ ط ٣/ ١٤٠٤هـ/ مؤسّسة دار الكتاب/ قم.
تفسير الميزان: الطباطبائي/ منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية/ قم.
تفسير مجمع البيان: الطبرسي/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
تنقيح المقال: المامقاني/ طبعة حجرية/ المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ ت حسن الخرسان/ ط ٣/ ١٣٦٤ش/ مط خورشيد/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ دار الفكر/ ط ١/ بيروت/ ١٤٠٤هـ.
توحيد المفضَّل بن عمر: المفضَّل بن عمر الجعفي/ ط٢/ مؤسّسة الوفاء/ بيروت/ ١٤٠٤هـ.
الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ط ٢/١٤١٢هـ/ مؤسّسة أنصاريان/ قم.
جمال الأسبوع: ابن طاووس/ ط ١/ ١٣٧١ش/ مؤسّسة الآفاق.
الجواب المنير عبر الأثير: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصار البصري).
حاكمية الله لا حاكمية الناس: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصاره).
حمامة البشرى إلى أهل مكّة وصلحاء أُمّ القرى: مرزا غلام أحمد القادياني/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٢٨هـ.
الخصال: الشيخ الصدوق/ ١٤٠٣هـ/ جماعة المدرسين/ قم.
الدرر النجفية: الشيخ يوسف البحراني/ شركة دار المصطفى لإحياء التراث/ بيروت/ ١٤٢٣هـ.
دعائم الإسلام: القاضي النعمان المغربي/ ١٣٨٣هـ/ دار المعارف/ القاهرة.
دفاعاً عن الوصيّة: الشيخ ناظم العقيلي/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل).
دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط ١/ ١٤١٣هـ/ مؤسّسة البعثة/ قم.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقا بزرك الطهراني/ ط٣/ ١٤٠٣هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
رجال الطوسي: الشيخ الطوسي/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي.
رجال النجاشي: النجاشي/ ط ٥/ ١٤١٦هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
رحلة موسى إلى مجمع البحرين: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصاره).
الردّ الأحسن في الدفاع عن أحمد الحسن: ناظم العقيلي/ (من موقع أنصاره).
رسالة الهداية: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصاره في الانترنت)/ الطبعة الثانية/ ١٤٣١هـ.
سنن الترمذي: الترمذي/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ/ دار الفكر/ بيروت.
شرائع الإسلام: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصار البصري المذكور).
شرح أصول الكافي: المازندراني/ ت الشعراني/ ط١/ ١٤٢١هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
شرح الأخبار: القاضي النعمان المغربي/ ت محمّد الجلالي/ ط٢/ ١٤١٤هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
شرح السُّنَّة: الحسين بن مسعود البغوي/ تحقيق الشاويش والأرنؤوط/ المكتب الإسلامي/ بيروت/ ١٤٠٣هـ.
شرح علل الترمذي: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي/ تحقيق: نور الدين عتر/ دار الملاح للطباعة والنشر/ ١٣٩٨هـ.
الصحاح : الجوهري/ ط ٤/ ١٤٠٧هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.
صحيح البخاري: البخاري/ ١٤٠١هـ/ دار الفكر/ بيروت.
صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
الصراط المستقيم: علي بن يونس العاملي/ ت محمّد باقر البهبودي/ ط١/ ١٣٨٤هـ/ مط الحيدري/ المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
العدَّة في أُصول الفقه: الشيخ الطوسي/ تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمّي/ قم المقدَّسة/ ١٤١٧هـ.
علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ ت محمّد صادق بحر العلوم/ ١٣٨٥هـ/ منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها/ النجف الأشرف.
عوالي اللئالي: ابن أبي جمهور الأحسائي/ ت مجتبى العراقي/ ط١/ ١٤٠٣هـ/ مط سيّد الشهداء/ قم.
العين: الخليل الفراهيدي/ ط٢/ ١٤٠٩هـ/ مؤسّسة دار الهجرة.
عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق/ ١٤٠٤هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ ت عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح/ ط١/ ١٤١١هـ/ مط بهمن/ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة/ قم.
الغيبة: النعماني/ ط ١/ ١٤٢٢هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى.
فتح الباري: ابن حجر/ ط ٢/ دار المعرفة/ بيروت.
الفصول المختارة: الشيخ المفيد/ ط٢/ ١٤١٤هـ/ دار المفيد/ بيروت.
الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة: الحرّ العاملي/ تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني/ مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضا عليه السلام/ قم المقدَّسة/ ١٤١٨هـ.
الفهرست: الشيخ الطوسي/ ت جواد القيومي/ ط١/ ١٤١٧هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي.
الفوائد الطوسية: الحرّ العاملي/ تحقيق: السيّد مهدي اللازوردي والشيخ محمّد درودي/ المطبعة العلمية/ قم المقدَّسة/ ١٤٠٣هـ.
القادياني والقاديانية دراسة وتحليل: أبو الحسن علي الحسني الندوي/ الدار السعودية للنشر/ جدّة/ ١٣٩١هـ.
القاديانية: أحمد رضا خان الحنفي/ تعريب: محمّد جلال رضا/ الدار الثقافية للنشر/ القاهرة/ ١٤٢١هـ.
قراءة جديدة في رواية السمري: ضياء الزيدي/ منشورات أنصار الإمام المهدي عليه السلام/ ١٤٢٦هـ.
الكافي: الشيخ الكليني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط ٥/ ١٣٦٣ش/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميّة/ طهران.
كتاب الخلاف: الشيخ الطوسي/ مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين/ قم المقدَّسة/ ١٤٠٧هـ.
كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي/ ت محمّد باقر الأنصاري.
كتاب قانون معرفة الحجَّة: أبو محمد الأنصاري/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري).
كفاية الأثر: الخزّاز القمّي/ ت عبد اللطيف الكوه كمري الخوئي/ ١٤٠١هـ/ مط الخيام/ انتشارات بيدار.
كمال الدين: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ ١٤٠٥هـ/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
كنز الفوائد:أبو الفتح الكراجكي/ ط٢/ ١٣٦٩ش/ مط غدير/ مكتبة المصطفوي/ قم.
لسان العرب: ابن منظور/ ١٤٠٥هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
لسان الميزان: ابن حجر/ ط٢/ ١٣٩٠هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
المتشابهات: أحمد إسماعيل البصري/ (من موقع أنصار البصري المذكور).
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط١/ ١٣٧٠هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
المراجعات: السيّد شرف الدين/ ت حسين الراضي/ ط٢/ ١٤٠٢هـ.
المزار: ابن المشهدي/ ت جواد القيّومي/ ط١/ ١٤١٩هـ/ مط مؤسّسة النشر الإسلامي/ نشر القيّوم/ قم.
مستدرك الوسائل:الميرزا النوري/ ط١ المحقَّقة/ ١٤٠٨هـ/ مؤسّسة آل البيت/بيروت.
المستدرك: الحاكم النيسابوري/ إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
مصباح المتهجّد: الشيخ الطوسي/ ط١/ ١٤١١هـ/ مؤسسة فقه الشيعة/ بيروت.
المصباح: الكفعمي/ ط٣/ ١٤٠٣هـ/ مؤسّسة الأعلمي/ بيروت.
مع العبد الصالح عليه السلام: إعداد وقلم: أبو حسن/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري).
معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ ١٣٧٩هـ/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
معجم رجال الحديث: السيّد الخوئي/ ط٥/ ١٤١٣هـ.
مغني اللبيب: ابن هشام الأنصاري/ ت محمّد محي الدين عبد الحميد/ ١٤٠٤هـ.
مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني/ ط ٢/ طليعة النور/ ١٤٢٧هـ.
من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ ط ٢/ مؤسّسة النشر الإسلامي/ قم.
من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟: علي آل محسن/ دار الهادي/ بيروت/ ١٤٢٧هـ.
منهاج الصالحين: آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني/ نشر: مدرسة الإمام باقر العلوم عليه السلام/ قم المقدَّسة.
ميزان الاعتدال: الذهبي/ ت علي محمّد البجاوي/ ط ١/ ١٣٨٢هـ/ دار المعرفة/ بيروت.
النجم الثاقب: النوري/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ أنوار الهدى/ مط مهر/ قم.
نزول المسيح: مرزا غلام أحمد القادياني/ ترجمة: عبد المجيد عامر/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٣٢هـ.
نصيحة إلى طلبة الحوزة العلمية وإلى كلّ من يطلب الحقّ: أحمد إسماعيل البصري/ من موقع أنصاره/ الطبعة الثانية/ ١٤٣١هـ.
نهج البلاغة: الشريف الرضي/ ط ١/ ١٣٨٧هـ/ بيروت.
الهدى والتبصرة لمن يرى: مرزا غلام أحمد القادياني/ الشركة الإسلاميّة المحدودة/ المملكة المتَّحدة/ ١٤٣٢هـ.
الوافي: الفيض الكاشاني/ ط ١/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين/ ١٤٠٦هـ/ أصفهان.

* * *



 

 

 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) بيان الحقّ والسداد: من الأعداد ١ و٢: ٤٠.
(٢) الجواب المنير ١: ١٦.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق.
(٦) المصدر السابق.
(٧) المصدر السابق.
(٨) المصدر السابق.
(٩) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٣٠.
(١٠) خطاب صوتي له في (٨/٤/١٤٢٤هـ).
(١١) ذكر ذلك في بيان له بعنوان: (السيّد أحمد الحسن اليماني الموعود).
(١٢) مقدّمة علاء السالم لكتاب (الوصيّة المقدَّسة: الكتاب العاصم من الضلال).
(١٣) البابية: تُنسب إلى علي محمّد الشيرازي الذي لقَّب نفسه بالباب، وُلِدَ في سنة (١٢٣٥ه‍) في شيراز بإيران، أعلن دعوته وله من العمر خمس وعشرون سنة في (١٢٦٠هـ)، وتبعه جمع كبير، ثمّ ادَّعى أنَّه المهدي المنتظر، وحاربه علماء إيران وفنَّدوا أقواله، ثمّ اعتُقِلَ وسُجِنَ في قلعة (ماكو) بأذربيجان، ثمّ سُجِنَ في تبريز، وحُكِمَ عليه فيها بالقتل، فأُعدم رمياً بالرصاص في سنة (١٢٦٦هـ)، وله من العمر (٣١) سنة.
(١٤) البهائية: تُنسب إلى ميرزا حسين علي الملقَّب ببهاء الله، وهو من أتباع علي محمّد الشيرازي (الباب)، تولّى زعامة البابية بعد إعدام (الباب)، فسُمِّي أتباعه بالبهائية، ادَّعى أوّل الأمر أنَّ الباب بشَّر به، ثمّ ادَّعى أنَّه المهدي المنتظر، ثمّ ادَّعى النبوَّة الخاصّة، ثمّ تدرَّج منها فادَّعى النبوَّة العامّة، والبهائيون يلقّبونه بألقاب منها: النبأ العظيم، ثمّ ادَّعى أنَّ الله حلَّ فيه. نُفِيَ إلى عكا ومعه بعض أتباعه، وفي عكا بدأ بتدوين تعاليم مذهبه، فعارض القرآن، وعارض كتاب (البيان) للباب، توفّي في عكا سنة (١٣٠٩هـ)، ودُفِنَ فيها، وأصبح مدفنه مزاراً لأتباعه.
(١٥) القاديانية: أو الأحمدية، تُنسب إلى المرزا غلام أحمد القادياني، وُلِدَ في عام (١٨٣٩م) في قاديان إحدى قرى بنجاب بالهند، كان يُنظر إليه أنَّه داعية إسلامي، ثمّ ادَّعى أنَّه مُلهَم من قِبَل الله تعالى، ثمّ ادَّعى أنَّه مثيل السيّد المسيح عليه السلام، ثمّ ادَّعى أنَّه السيّد المسيح الموعود، وفي عام (١٩٠٠م) ادَّعى النبوَّة، وله الآن أتباع كثيرون متفرّقون في البلدان، توفّي في لاهور سنة (١٩٠٧م)، ودُفِنَ في قاديان في مقبرة سمّاها بمقبرة الجنَّة.
(١٦) انتصاراً للوصيّة: ١٥.
(١٧) كمال الدين: ٥١٦/ باب ٤٥/ ح ٤٤.
(١٨) مع العبد الصالح: ٢٨.
(١٩) قراءة جديدة في رواية السمري: ١٤.
(٢٠) الإفحام لمكذِّب رسول الإمام: ١٧.
(٢١) بصائر الدرجات: ١٤٣/ باب نادر من باب ٤/ ح ٣.
(٢٢) الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ٥٢٧.
(٢٣) الجواب المنبر عبر الأثير ٤ - ٦: ٥٨٣.
(٢٤) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ١٤.
(٢٥) الجواب المنبر عبر الأثير ٤ - ٦: ٥٠١.
(٢٦) إنَّما أسموها برواية الوصيّة ليلبّسوا على الناس، ويوهموهم بأنَّها وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة وفاته، وأنا لن أُجاريهم في ذلك، بل سأطلق عليها رواية كتاب (الغيبة)، أو رواية الوصيّة التي رواها الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة).
(٢٧) الغيبة: ١٥٠ و١٥١/ ح ١١١.
(٢٨) معجم رجال الحديث ٦: ٢١٠/ الرقم ٣٣٠٢.
(٢٩) معجم رجال الحديث ١٣: ٥٠/ الرقم ٨١٩٤.
(٣٠) الفهرست: ١٥٧/ الرقم (٣٩٢/١٩).
(٣١) كمال الدين: ٤٧٦/ باب ٤٣/ ح ٢٦.
(٣٢) انتصاراً للوصيّة: ٤٥.
(٣٣) المصدر السابق.
(٣٤) العدَّة في أصول الفقه ١: ١٤٩ و١٥٠.
(٣٥) لسان الميزان ٢: ١٠٨/ الرقم ٤٤٢.
(٣٦) بحار الأنوار ٥٣: ١٤٨ و١٤٩.
(٣٧) الفوائد الطوسية: ١١٥.
(٣٨) الصراط المستقيم ٢: ١٥٢ و١٥٣.
(٣٩) الكافي ١: ٦٧ و٦٨/ باب اختلاف الحديث/ ح ١٠.
(٤٠) عوالي اللئالي ٤: ١٣٣/ ح ٢٢٩.
(٤١) الكافي ١: ٥٣٢/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح ١٦؛ الخصال: ٤٧٨/ ح ٤٤.
(٤٢) الكافي ١: ٥٣٣/ باب فيما جاء في الاثني عشر.../ ح ١١؛ كمال الدين: ٣٠٥/ باب ٢٧/ ح ١٩؛ الغيبة للنعماني ٦٨/ باب ٤/ ح ٣.
(٤٣) عن إثبات الهداة ٢: ٢٣٣.
(٤٤) صحيح البخاري ٨: ١٢٧.
(٤٥) شرح السُنَّة ١٥: ٣١.
(٤٦) صحيح مسلم ٦: ٣.
(٤٧) المصدر السابق.
(٤٨) المصدر السابق.
(٤٩) أمالي الصدوق: ١٧٣/ ح (١٧٥/١١)؛ كمال الدين: ٢٨٢/ باب ٢٤/ ح ٣٥.
(٥٠) أمالي الصدوق: ٧٢٨/ ح (٩٩٨/١٠).
(٥١) كمال الدين: ٣٣٨/ باب ٣٣/ ح ١٣.
(٥٢) كمال الدين: ٣١٧/ باب ٣١/ ح ٣.
(٥٣) علل الشرائع ١: ٦/ باب ٧/ ح ١.
(٥٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٦١ و٦٢/ ح ٢٨.
(٥٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٦٦/ ح ٣١.
(٥٦) هذه الإضافة مذكورة في نفس الرواية في كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٢٠٠.
(٥٧) كمال الدين: ٢٧٨ و٢٧٩/ باب ٢٤/ ح ٢٥.
(٥٨) كفاية الأثر: ٢٤٦ و٢٤٧.
(٥٩) كمال الدين: ٣٣٩/ باب ٣٣/ ح ١٤.
(٦٠) كمال الدين: ٣٣٥/ باب ٣٣/ ح ٦.
(٦١) كمال الدين: ٣٥٨/ باب ٣٣/ ح ٥٦.
(٦٢) الأربعون حديثاً في المهديّين وذرّية القائم عليه السلام: ٢٢.
(٦٣) الغيبة: ٤٧٨/ ح ٥٠٤.
(٦٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٣٨/ ح ٢٢.
(٦٥) مختصر بصائر الدرجات: ٢٩.
(٦٦) مختصر بصائر الدرجات: ٢٨.
(٦٧) مختصر بصائر الدرجات: ٢٧.
(٦٨) الغيبة للطوسي: ٤٥٤/ ح ٤٦٣.
(٦٩) كمال الدين: ٦٥٣/ باب ٥٧/ ح ١٧.
(٧٠) في موقع أنصاره أنَّ نسبه هو: (أحمد بن إسماعيل بن صالح بن حسين بن سلمان ابن الإمام محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام).
(٧١) الإيقاظ من الهجعة: ٢٤١ و٢٤٢.
(٧٢) مختصر بصائر الدرجات: ٤٨.
(٧٣) المصدر السابق.
(٧٤) مختصر بصائر الدرجات: ٤٩.
(٧٥) النجم الثاقب ١: ٥١١ و٥١٢/ باب ٥/ ح ٢٠.
(٧٦) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٢٠.
(٧٧) بيان الحقّ والسداد من الأعداد ١ - ٢: ٤٦.
(٧٨) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٣٦.
(٧٩) الغريب أنَّه لا يعترف بأخطاء أحمد إسماعيل اللغوية، ويتنزَّل جدلاً بأنَّه أخطأ في العربية، مع أنَّ أخطاءه لاينكرها إلَّا متعصِّب مكابر.
(٨٠) الردّ الأحسن في الدفاع عن أحمد الحسن: ١١، وهذه الكلمة منقولة في كتاب الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ١٤٠.
(٨١) بيان الحقّ والسداد من الأعداد ١ - ٢: ٤٠.
(٨٢) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٣٦.
(٨٣) الأربعون حديثاً في المهديّين وذرّية القائم عليه السلام: ٨٩.
(٨٤) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٩.
(٨٥) بيان الحق والسداد من الأعداد ١ - ٢: ٣٨.
(٨٦) هذا من دَجَله وكذبه؛ فإنَّ السين = (٦) بحساب الجمل الصغير، ولا تساوي (٩)، فإنَّ حساب الجمل الصغير كالتالي:
الحرف              أ      ب   ج    د     هـ و      ز     ح     ط    ي
حساب الجمل    ١    ٢    ٣    ٤    ٥    ٦     ٧    ٨     ٩    ١
الحرف              ك   ل    م     ن    س   ع     ف   ص ق
حساب الجمل    ٢    ٣    ٤    ٥    ٦    ٧    ٨    ٩     ١
الحرف              ر    ش   ت   ث   خ    ذ      ض  ظ    غ
حساب الجمل    ٢    ٣    ٤    ٥    ٦    ٧     ٨    ٩     ١
وعليه، فلا ينخدع القارئ بحساباته إذا قرأ كتابه (بيان الحقّ والسداد من الأعداد)، فإنَّه يكذب فيها كذباً معمّداً.
(٨٧) بيان الحقّ والسداد من الأعداد ١ - ٢: ٤٤.
(٨٨) بيان الحقّ والسداد من الأعداد ١ - ٢: ١٤.
(٨٩) الكافي ١: ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة/ ح ١.
(٩٠) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٢٠.
(٩١) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٢١.
(٩٢) المصدر السابق.
(٩٣) المصدر السابق.
(٩٤) من موقع أنصار أحمد إسماعيل في الانترنت.
(٩٥) المتشابهات ٢: ١٩.
(٩٦) الجواب المنير عبر الأثير ١: ٢٣ و٢٤.
(٩٧) بيان الحقّ والسداد من الأعداد ١ - ٢: ٤٣.
(٩٨) المتشابهات ٤: ٤٤/ سؤال ١٤٤.
(٩٩) بيان باسم (السيّد أحمد الحسن اليماني الموعود) بتاريخ (٢١/٤/١٤٢٦هـ).
(١٠٠) هذا مذكور في موقع أنصاره في الانترنت.
(١٠١) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٤١.
(١٠٢) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٢٥.
(١٠٣) منهاج الصالحين ١: ١٢٢ و١٢٣.
(١٠٤) في موقع أنصاره في الانترنت، قسم اليهود والمسيحيين.
(١٠٥) الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ٤٦.
(١٠٦) المتشابهات ٤: ٤٦.
(١٠٧) بيان الحقّ والسداد من الأعداد ١ - ٢: ٤٥.
(١٠٨) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ١٨.
(١٠٩) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٣٠.
(١١٠) ذكر ذلك في كلمة مسجَّلة لأحمد إسماعيل البصري في (٨/٤/١٤٢٦هـ).
(١١١) أخطأ أحمد إسماعيل في هذه الآية، فقرأها بحذف الواو من (وَإِذا)، لكنَّا أثبتناها صحيحة بالواو.
(١١٢) الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ٥٩.
(١١٣) الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ٧٦.
(١١٤) المتشابهات ١ - ٤: ٢٦٠.
(١١٥) هذه صلاة مبتدعة؛ فإنَّها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أئمّة العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام، ولو كانت هذه الصلاة صحيحة لحثَّ أهل البيت عليهم السلام شيعتهم عليها، ولما تطابقوا على إغفالها. مع أنَّ هذه الصلاة لا تشمل سيّدة نساء العالمين عليها السلام؛ لأنَّها خصَّت الأئمّة والمهديّين بالصلاة، دون غيرهم من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
(١١٦) الكافي ٨: ٥٧/ ح ١٨.
(١١٧) الخصال ٢: ٥٥٧/ ح ٣١.
(١١٨) تأويل الآيات الظاهرة: ٥٦٧/ ح ٣٩.
(١١٩) تفسير الميزان ١٨: ١١٦.
(١٢٠) مغني اللبيب ١: ٣٢٠/ الرقم ٥٣٠.
(١٢١) الكافي ٨: ٥٧/ ح ١٨.
(١٢٢) بحار الأنوار ١٤: ٣٤٥.
(١٢٣) إثبات الهداة ٢: ٢٣٤.
(١٢٤) الكافي ١: ٥٢٩/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام/ ح ٤.
(١٢٥) أمالي الصدوق: ١٧٢ و١٧٣/ ح (١٧٥/١١)؛ عيون أخبار الرضا ١: ٦٦/ ح ٣٤؛ كمال الدين: ٢٨٢/ باب ٢٤/ ح ٣٥.
(١٢٦) أمالي الصدوق: ٧٢٨/ ح (٩٩٨/١٠).
(١٢٧) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٦١ و٦٢/ ح ٢٨.
(١٢٨) علل الشرائع ١: ٦ و٧/ باب ٧/ ح ١؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٣٨/ ح ٢٢؛ كمال الدين: ٢٥٦/ باب ٢٣/ ح ٤.
(١٢٩) أمالي الصدوق: ١٧٢ و١٧٣/ ح (١٧٥/١١)؛ عيون أخبار الرضا ١: ٦١ و٦٢/ ح ٢٨.
(١٣٠) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٦٩/ ح ٣٦؛ كمال الدين: ٣١٧/ باب ٣١/ ح ٣.
(١٣١) كمال الدين: ٢٨٠/ باب ٢٤/ ح ٢٧.
(١٣٢) كمال الدين: ٣٤٢/ باب ٣٣/ ح ٢٣.
(١٣٣) الكافي ١: ٢٨١ - ٢٨٣/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله عز وجل.../ ح ٤.
(١٣٤) أمالي الطوسي: ٦٠٠ - ٦٠٢/ ح (١٢٤٤/١).
(١٣٥) تفسير العيّاشي ١: ٦٤ - ٦٦/ ح ١١٧.
(١٣٦) الكافي ٧: ١٠/ باب ما للإنسان أن يوصي بعد موته.../ ح ٥.
(١٣٧) كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٣٩٨ و٣٩٩/ ح ٤٩.
(١٣٨) كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٢١١ و٢١٢/ ح ٤.
(١٣٩) الغيبة للنعماني: ٨٤ و٨٥/ باب ٤/ ح ١١.
(١٤٠) راجع (ص ٩٩).
(١٤١) راجع (ص ٩٩).
(١٤٢) بحار الأنوار ٢٢: ٤٥٥ - ٥٠٣.
(١٤٣) إزالة خطأ: ٦٧٣ (عن كتاب القاديانية لأحمد رضا خان الحنفي: ٢٢).
(١٤٤) كتاب العِجْل لأحمد إسماعيل كاطع: ١٠٣ - ١٠٦.
(١٤٥) أمالي الصدوق: ٦١٦/ ح (٨٤٣/١)؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٠٨/ ح ١.
(١٤٦) الكافي ١: ٤٣٢ و٤٣٣/ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية/ ح ٩١.
(١٤٧) تَبَر وتَبَّر: أهلك. (أُنظر: الصحاح للجوهري ٢: ٦٠٠؛ لسان العرب ٤: ٨٨).
(١٤٨) الكافي ١: ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٥.
(١٤٩) كمال الدين: ١٤٧/ باب ٦/ ح ١٣.
(١٥٠) معاني الأخبار: ٢٧١/ باب معنى تفسير الذنوب/ ح ٢.
(١٥١) الكافي ٨: ٢٩٧/ ح ٤٥٦.
(١٥٢) الثاقب في المناقب: ١٩١ و١٩٢/ ح (١٧١/١).
(١٥٣) بيانه في موقع أنصاره بتاريخ (١٧/ شوّال/ سنة ١٤٢٤هـ).
(١٥٤) المتشابهات ٤: ٤٦.
(١٥٥) الردّ الأحسن في الدفاع عن أحمد الحسن: ٩؛ الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ١٣٨.
(١٥٦) المتشابهات ٤: ٧٢.
(١٥٧) المتشابهات ٤: ٧٣.
(١٥٨) تهذيب الأحكام ٢: ٢٤١/ ح (٩٥٤/٢٣).
(١٥٩) معاني الأخبار: ٣٣١/ باب معنى الصلاة الوسطى/ ح ١.
(١٦٠) المتشابهات ٤: ٣٦.
(١٦١) المتشابهات ٤: ٦٨.
(١٦٢) أي مع الدهن، فثمرها فيه دهن.
(١٦٣) تفسير مجمع البيان ٧: ١٨٤.
(١٦٤) المتشابهات ٢: ٤٩.
(١٦٥) المتشابهات ٤: ١٢٦.
(١٦٦) المتشابهات ٢: ٦٥.
(١٦٧) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ١٠.
(١٦٨) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ٣٣.
(١٦٩) المصدر السابق.
(١٧٠) كتاب الخلاف ١: ١٨٨.
(١٧١) شرائع الإسلام لأحمد إسماعيل كاطع ١ - ٣: ٢٠٠.
(١٧٢) جواهر الكلام ٣٠: ١٧٥.
(١٧٣) المتشابهات ١: ٢٧.
(١٧٤) السَّرَب: الحفير تحت الأرض.
(١٧٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٧٥/ ح ١.
(١٧٦) إضاءات من دعوات المرسلين ٣: ٣٣.
(١٧٧) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: ٤٨.
(١٧٨) رحلة موسى إلى مجمع البحرين: ٥١.
(١٧٩) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ١٦.
(١٨٠) المتشابهات ٤: ٢١٨.
(١٨١) المتشابهات ٣: ٧٣.
(١٨٢) المتشابهات ٢: ١٩.
(١٨٣) عن موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري.
(١٨٤) الكافي ١: ٣٩٨/ باب في الأئمّة عليهم السلام وأنَّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود.../ ح ٣.
(١٨٥) بصائر الدرجات: ٤٧٢ و٤٧٣/ باب ١٥/ ح ٨.
(١٨٦) إضاءات من دعوات المرسلين ١ - ٣: ٥٤.
(١٨٧) المتشابهات ١- ٤: ٢٦٠.
(١٨٨) كمال الدين: ٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦.
(١٨٩) الغيبة للنعماني: ٢٨٦/ باب ١٤/ ح ٦٠.
(١٩٠) الجواب المنير عبر الأثير ١: ١٦.
(١٩١) الكافي ١: ٢٣٢/ باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء عليهم السلام/ ح ٥.
(١٩٢) المتشابهات ٤: ١١٦ - ١٢٠.
(١٩٣) تفسير القمّي ١: ١٠٣.
(١٩٤) راجع هذه الأقوال في: ميزان الاعتدال ٢: ٣٥٧ و٣٥٨/ الرقم ٤٠٦٨.
(١٩٥) راجع: تهذيب التهذيب ٥: ٣٥ و٣٦/ الرقم ٦٧.
(١٩٦) شرح علل الترمذي ٢: ٦٣٠.
(١٩٧) سنن الترمذي ٣: ٣٤٣/ ح ٢٣٣٢، قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح).
(١٩٨) سنن الترمذي ٣: ٣٤٣/ ح ٢٣٣١، قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). وقال: (وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأُمّ سَلَمة وأبي هريرة).
(١٩٩) راجع: من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟: ٨٩ - ٩١.
(٢٠٠) صحيح البخاري ٧: ١٤٠.
(٢٠١) فتح الباري ١١: ٥٨.
(٢٠٢) الغيبة للطوسي: ٤٥٤/ ح ٤٦٣.
(٢٠٣) كمال الدين: ٦٥٣/ باب ٥٧/ ح ١٧.
(٢٠٤) حاكمية الله لا حاكمية الناس: ١٦.
(٢٠٥) حاكمية الله لا حاكمية الناس: ١٩.
(٢٠٦) نهج البلاغة: ٨٢/ ح ٤٠.
(٢٠٧) الكافي ٨: ٩٠/ ح ٦١.
(٢٠٨) الكافي ٨: ٩١/ ح ٦٢.
(٢٠٩) أمالي الصدوق: ٢٠٨ و٢٠٩/ ح (٢٣١/١٥).
(٢١٠) توحيد المفضَّل بن عمر: ٤٢ و٤٣؛ ونقلها الحرّ العاملي في الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ١: ٦٩٠/ ح (١٠٩٤/٤).
(٢١١) الفصول المختارة: ١٣١ و١٣٢.
(٢١٢) الفصول المختارة: ١٣٠.
(٢١٣) الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ١: ٦٩٠/ ذيل الحديث (١٠٩٤/٤).
(٢١٤) بحار الأنوار ٥٨: ٢٣٧.
(٢١٥) أجوبة المسائل المهنّائية: ٩٧ و٩٨/ المسألة ١٥٩؛ بحار الأنوار ٥٨: ٢٣٨.
(٢١٦) الدرر النجفية ٢: ٢٨٣ و٢٨٤.
(٢١٧) الكافي ٣: ٤٨٢/ باب النوادر/ ح ١.
(٢١٨) أمالي الصدوق: ١٢١/ ح (١١١/١٠)؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٢٨٧ و٢٨٨/ ح ١١.
(٢١٩) كنز الفوائد للكراجكي ٢: ٢١٣.
(٢٢٠) كنز الفوائد للكراجكي ٢: ٢١٢.
(٢٢١) بيان تلبيس الجهمية ١: ٧٣.
(٢٢٢) أمالي الصدوق: ٧٠٨/ ح (٩٧٤/٦).
(٢٢٣) كمال الدين: ٣٢٦/ باب ٣٢/ ح ٥.
(٢٢٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٦٥/ ح ٢٣٠.
(٢٢٥) دلائل الإمامة: ٤٤٢/ ح (٤١٤/١٨).
(٢٢٦) تفسير العيّاشي ١: ٧٧/ ح ١٦٧.
(٢٢٧) مستدرك الوسائل ١٤: ١٤١/ ح (١٦٣٢٠/١)، عن دعائم الإسلام ٢: ٣٥٦/ ح ١٢٩٨.
(٢٢٨) الكافي ٧: ٩/ باب الوصيّة للوارث/ ح ٢.
(٢٢٩) الكافي ٧: ٩/ باب الوصيّة للوارث/ ح ١.
(٢٣٠) الكافي ٧: ١٠/ باب الوصيّة للوارث/ ح ٥.
(٢٣١) الوافي ١٠: ٣٦٣/ ذيل الحديث (٩٧٠٤/٧).
(٢٣٢) مفردات ألفاظ القرآن: ٥٧.
(٢٣٣) تنقيح المقال ٣/١٢٤.
(٢٣٤) تنقيح المقال ٣: ١٢٤ و١٢٥.
(٢٣٥) معجم رجال الحديث ١٧: ١٦٩/ الرقم ١٠٩٣٨.
(٢٣٦) من لا يحضره الفقيه ٤: هامش صفحة ٢٣٥.
(٢٣٧) رجال الطوسي: ٣٨٩ و٤٠٠/ الرقم (٥٧٣٠/٢٥) و(٥٨٦٧/١٢).
(٢٣٨) راجع: الفهرست: ١٥٦/ الرقم (٣٩١/١٨).
(٢٣٩) علل الشرائع ١: ٥١ و٥٢/ باب ٤٣/ ح ٢.
(٢٤٠) رجال النجاشي: ٨٠/ الرقم ١٩٢.
(٢٤١) أُنظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٧: ٥٢/ الرقم ٢٨٤.
(٢٤٢) الكافي ٧: ١١/ باب ما للإنسان أن يوصي بعد موته.../ ح ٣.
(٢٤٣) الكافي ٧: ١٠ و١١/ باب ما للإنسان أن يوصي بعد موته.../ ح ٢.
(٢٤٤) دعائم الإسلام ٢: ٣١٠/ ح ١١٦٩.
(٢٤٥) الخلاف ٦: ٣٨٢.
(٢٤٦) أمالي الطوسي: ٥٧٢ و٥٧٣/ ح (١١٨٦/١٢).
(٢٤٧) كذا في المصدر.
(٢٤٨) الكافي ١: ٢٨٠ و٢٨١/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله عز وجل/ ح ٢.
(٢٤٩) الكافي ١: ٢٧٩ و٢٨٠/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله عز وجل/ ح ١.
(٢٥٠) الكافي ١: ٢٨١ - ٢٨٣/ باب أنَّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله عز وجل.../ ح ٤.
(٢٥١) راجع (ص ٩٩).
(٢٥٢) يشير بذلك إلى آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس سره، كما ذكر ذلك المعلِّق على الكتاب: (علاء السالم)، فإنَّ السيّد قدس سره ذكر ذلك في آواخر المراجعة رقم (٧٤). راجع: المراجعات: ٣٢٢.
قلت: إذا كان السيّد شرف الدين قدس سره مدَّعياً للعلم عند أحمد إسماعيل، فلا ندري من هو العالم الحقيقي بنظره؟!
(٢٥٣) المراجعات: ٣٢٢ و٣٢٣/ المراجعة ٧٤.
(٢٥٤) الكافي ٢: ٤١٥/ باب أدنى ما يكون به العبد مؤمناً.../ ح ١.
(٢٥٥) صحيح مسلم ٧: ١٢١.
(٢٥٦) سنن الترمذي ٥: ٣١/ ح ٣٢٥٩، قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه)؛ مستدرك الحاكم ٣: ١٥٨، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرّجاه).
(٢٥٧) مستدرك الحاكم ٣: ١٤٦، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرّجاه)، ووافقه الذهبي.
(٢٥٨) مستدرك الحاكم ٣: ١٤٧، قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرّجاه)، وقال الذهبي: (على شرط مسلم).
(٢٥٩) الكافي ١: ١٩٨ و١٩٩/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح ١.
(٢٦٠) الكافي ١: ٢٨٩/ باب ما نصَّ الله عز وجل ورسوله على الأئمّة واحداً فواحداً/ ح ٤.
(٢٦١) تفسير مجمع البيان ١: ٤٩٣.
(٢٦٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٦٠/ ح ٢٥؛ كمال الدين: ٢٤٠ و٢٤١/ باب ٢٢/ ح ٦٤.
(٢٦٣) أمالي الطوسي: ٤٩٣/ ح (١٠٧٩/٤٨).
(٢٦٤) معاني الأخبار: ٣٦٨ و٣٦٩/ باب معنى العروة الوثقى.../ ح ١.
(٢٦٥) أمالي الصدوق: ٦٢/ ح (٢٤/١٠).
(٢٦٦) أمالي الصدوق: ٧٠/ ح (٣٧/٥)؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٦٢/ ح ٤٣.
(٢٦٧) أمالي الصدوق: ٧٨/ ح (٤٥/٣)؛ كمال الدين: ٢٥٧/ باب ٢٤/ ح ١.
(٢٦٨) صحيح البخاري ٧: ٩.
(٢٦٩) كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٢١١ و٢١٢/ ح ٤.
(٢٧٠) كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٣٩٨ و٣٩٩/ ح ٤٩.
(٢٧١) كمال الدين: ٣٣٨/ باب ٣٣/ ح ١٣.
(٢٧٢) كمال الدين: ٣١٧/ باب ٣١/ ح ٣.
(٢٧٣) الكافي ٤: ٥٥٩/ باب زيارة من بالبقيع/ ح ١.
(٢٧٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٣٠٦/ ح ١.
(٢٧٥) راجع (ص ٤٤).
(٢٧٦) شرح الأخبار ٢: ٤٢.
(٢٧٧) شرح الأخبار ٣: ٤٠٠/ ح ١٢٨١.
(٢٧٨) شرح الأخبار ١: ٨٧ و٨٨.
(٢٧٩) شرح الأخبار ٣: ٣٦٤/ ذيل الحديث ١٢٣٣.
(٢٨٠) شرح الأخبار ٣: ٣٦٥ و٣٦٦/ ذيل الحديث ١٢٣٦.
(٢٨١) الغيبة للطوسي: ٢٧٣ - ٢٨٠/ ح ٢٣٨.
(٢٨٢) الجحجاح: السيّد السمح الكريم. (كتاب العين للفراهيدي ٣: ١٠).
(٢٨٣) جمال الأسبوع: ٣٠٧ - ٣١٠.
(٢٨٤) مختصر بصائر الدرجات: ١٩٣.
(٢٨٥) الفوائد الطوسية: ١١٨.
(٢٨٦) جمال الأسبوع: ٣١٠ - ٣١٣.
(٢٨٧) بحار الأنوار ٩٢: ٣٣٢/ ح ٤.
(٢٨٨) مصباح المتهجّد: ٤١١/ ح (٥٣٥/١٤٥).
(٢٨٩) المصباح: ٥٥٠.
(٢٩٠) البلد الأمين: ٨٢.
(٢٩١) جمال الأسبوع: ٣١٠.
(٢٩٢) الفوائد الطوسية: ١١٨.
(٢٩٣) إقبال الأعمال ١: ١٩١.
(٢٩٤) الكافي ٤: ١٦٢/ باب الدعاء في العشر الأواخر من شهر رمضان/ ح ٤.
(٢٩٥) تهذيب الأحكام ٣: ١٠٢ و١٠٣/ ح (٢٦٥/٣٧).
(٢٩٦) مصباح المتهجّد: ٦٣٠ و٦٣١/ ح (٧٠٩/٨٥).
(٢٩٧) المصباح: ١٤٦.
(٢٩٨) المزار الكبير: ٦١١ و٦١٢.
(٢٩٩) دفاعاً عن الوصيّة: ٢٥.
(٣٠٠) دفاعاً عن الوصيّة: ٢١.
(٣٠١) المصدر السابق.
(٣٠٢) دفاعاً عن الوصيّة: ٢٢.
(٣٠٣) في (ص ٩٦).
(٣٠٤) التبليغ: ١٠٥.
(٣٠٥) التبليغ: ١٠٧.
(٣٠٦) التبليغ: ١٢٨.
(٣٠٧) من خطاب صوتي مسجَّل له في موقع أنصاره باسم: (قصَّة اللقاء).
(٣٠٨) نزول المسيح: ٤٠.
(٣٠٩) يظهر أنَّ القادياني يرى أنَّ الإمام الحسين عليه السلام مجرَّد رجل صالح، ليس أكثر من ذلك، ويظهر أنَّه غير مطَّلع على أنَّه هو مع أخيه الإمام الحسن عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنَّة! فكيف يكون قد خلا في الدنيا من نوعه عليه السلام ملايين وملايين؟!).
(٣١٠) يعني نفسه، فهو قد سمّاه الله بزعمه نبيّاً ورسولاً!
(٣١١) نزول المسيح: ٤٦.
(٣١٢) إزالة خطأ: ٦٧٣، عن كتاب القاديانية لأحمد رضا خان الحنفي: ٢٢.
(٣١٣) إزالة خطأ: ٢.
(٣١٤) نفس المصدر: ٣.
(٣١٥) نفس المصدر: ٥.
(٣١٦) هذه ليست بساطة، وإنَّما هي غباء فاضح؛ لأنَّه كيف يكون نبيّاً قد جاءه الوحي بأنَّه المسيح الموعود، ويبقي بعد ذلك عشر سنين وهو لا يعلم بذلك؟ لا يمكن لنا أن نفسِّر ذلك إلَّا بأنَّه غبي شديد الغباء.
(٣١٧) إعجاز أحمدي (ضمن كتاب نزول المسيح): ٢٣٧.
(٣١٨) نزول المسيح: ٤٦.
(٣١٩) إعجاز المسيح: ١٠٦.
(٣٢٠) كان القادياني وثيق الصلة بالحكومة البريطانية في الهند، بل كان من الموالين لها والداعمين لها، ومن غير المستبعد أنَّ الحكومة البريطانية آنذاك قامت بنشر الطاعون في مناطق كثيرة من الهند، وأخبرته بذلك قبل أن تقوم بهذه المهمّة؛ ليجعلها معجزة له، وبالفعل أخبر الناس بذلك زاعماً أنَّه ممَّا أُوحي إليه به، فأيّ إعجاز في إخبار كهذا؟!
(٣٢١) مواهب الرحمن: ٩٩.
(٣٢٢) لا نستبعد أنَّ الحكومة البريطانية قامت بتصفية خصومه، وكانت تخبره بذلك قبل اغتيالهم بالطاعون أو بغيره من الأساليب التي برعت فيها المخابرات البريطانية في ذلك الوقت.
(٣٢٣) مواهب الرحمن: ١٠٢.
(٣٢٤) مقدّمة أحمد إسماعيل لكتاب الإفحام لمكذِّب رسول الإمام: ١٣.
(٣٢٥) نصيحة إلى طلبة الحوزة العلمية وإلى كلّ من يطلب الحقّ: ٣٠.
(٣٢٦) إزالة خطأ: ١٣.
(٣٢٧) التبليغ: ١٠٤.
(٣٢٨) المشاهدة: إمَّا أن يُراد بها معناها اللغوي وهو مجرَّد رؤية الإمام المهدي عليه السلام، أو يُراد بها ادّعاء السفارة، وهذا هو المراد بالتوقيع المبارك؛ لأنَّه صدر قبل ستّة أيّام من وفاة آخر السفراء الأربعة، وهو الشيخ علي بن محمّد السمري قدس سره، لإخبار الشيعة بقرب وفاته، وإعلامهم بانقطاع السفارة، وبداية الغيبة الكبرى، فيكون المراد بادّعاء المشاهدة هو ادّعاء السفارة؛ لإطباق الشيعة على أنَّ كثيراً من المؤمنين رأوا الإمام المهدي عليه السلام، وهذا متواتر، ولا يمكن ردّه، ومن رأى الإمام المهدي عليه السلام حقيقة، وأخبر بذلك صادقاً لا يجوز تكذيبه.
(٣٢٩) الهدى والتبصرة لمن يرى: ٤٣.
(٣٣٠) إتمام الحجَّة (ضمن باقة من بستان العاشقين: ٧٦).
(٣٣١) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٤٢٣.
(٣٣٢) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٢٤٦.
(٣٣٣) التبليغ: ١١٩.
(٣٣٤) رسالة الهداية: ٩.
(٣٣٥) من بيان لأحمد إسماعيل إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف في (٨/٤/١٤٢٦هـ).
(٣٣٦) الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ٦٠ و٦١.
(٣٣٧) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٣٢٢.
(٣٣٨) الجواب المنير عبر الأثير ١ - ٣: ٣٢٨ و٣٢٩.
(٣٣٩) الجواب المنير عبر الأثير ٤ - ٦: ٤٨٧.
(٣٤٠) القادياني والقاديانية: ٤٣.
(٣٤١) باقة من بستان المهدي: ٨٣.
(٣٤٢) بيان المباهلة، وهو منشور في موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري.
(٣٤٣) يريد: (فعجبتُ من إنكارهم).
(٣٤٤) حمامة البشرى: ١٨.
(٣٤٥) بيان البراءة (١٣/ رجب) في (١٣/٦/١٤٢٥هـ).
(٣٤٦) بيان بعنوان: (السيّد أحمد الحسن اليماني الموعود) في (٢١/٤/١٤٢٦هـ).
(٣٤٧) الكافي ١: ٤٧/ باب المستأكل بعلمه والمباهي به/ ح ٦.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٢ / ٥.٠
 التعليقات