الصفحة الرئيسية » مجلة الانتظار » العدد: ١٢/ محرم الحرام/ ١٤٢٩هـ » دراسات/ التوظيف السياسي لفكرة المهدي في العهود الاسلامية الاولى
 العدد: ١٢/ محرم الحرام/ ١٤٢٩ه

المقالات دراسات/ التوظيف السياسي لفكرة المهدي في العهود الاسلامية الاولى

القسم القسم: العدد: ١٢/ محرم الحرام/ ١٤٢٩هـ الشخص الكاتب: عمار عبودي نصار تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٩/٢٦ المشاهدات المشاهدات: ٣٨١٩٩ التعليقات التعليقات: ٠

 

التوظيف السياسي لفكرة المهدي في العهود الاسلامية الاولى

د.عمار عبودي نصار

كلية الآداب ـ جامعة الكوفة

نشأت فكرة المهدي المنتظر، وكذلك الدجال في أذهان الناس في العصور الإسلامية، لأنها لم تكن موجودة و معروفة قبل الإسلام، وهي أفكار تحدثت عنها الكتب و الأديان السماوية السابقة للإسلام، وحفلت المصادر الإسلامية بالعديد من الأحاديث التي تناقلها الرواة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمتضمنة البشارة بظهور رجل من أحفاده في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً، حتى قال أهل الحديث في أمر خروج المهدي والأحاديث التي بشرت به: <فقد بشرت بظهوره أحاديث جمة، دونها في كتبهم علماء هذه الأُمة، وإن الله يبعث من يمهد لولايته تمهيداً يتهدم له شوامخ الأطواد ويجمع على موالاته الحاضر والباد، فيملك الأرض حزناً وسهلاً، ويملؤها قسطاً وعدلاً>.(١)

كانت فكرة المهدي التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حاضرة في مجمل الأحداث التي رافقت المسلمين منذ عهودهم المبكرة الأُولى وإلى الوقت الحاضر، إذ شكل تأكيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على فكرة ظهور المهدي في العديد من المواضع والموارد ؛ نقطة تحول في أذهان المسلمين؛ في ترقب ظهوره والإيمان به حتى وصل الأمر بالقطع في أمر خروجه ولم يختلف عليه اثنان من المسلمين، إذ قال ابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ/١٤٠٥م) مبيناً هذا الأمر :" إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنّه لا بدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وإن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته".(٢)

شغلت هذه الفكرة بال المسلمين في عهد مبكر جداً في تاريخ الإسلام وكانت متداولة في أذهان الناس آنذاك إذ أن بشارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بظهور هذه الشخصية قد تلقاها الناس بالقبول والترقب، بعد أن يستشري الظلم والجور.

أما الأحاديث في الأخبار المتعلقة بالملاحم العظيمة والفتن النازلة بالعالم فهي ليست بثراء الأحاديث المتعلقة بظهور المهدي وفكرة الدجال،فقد تعلقت بخروج الدابة ويأجوج ومأجوج وخروج الشمس من مغربها،وهذه الأمور قد ضمنت في الآيات القرآنية.(٣)

أكمل الإمام علي عليه السلام ما عرضته الأحاديث النبوية من تصورات حول شخصية المهدي وصفاته ووقت خروجه إذ قال عليه السلام <أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة>.(٤)

تستمر أحاديث الإمام علي عليه السلام في تحديد وقت ظهور المهدي وخروجه، بما نقل عنه عليه السلام إذ قال لأصحابه:  "يخرجن رجل من ولدي عند اقتراب الساعة، حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان لما لحقها من الضرر والشدة في الجوع والقتل أثر الفتن والملاحم العظام وإماتة السنن وإحياء البدع وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجيء الله بالمهدي فيحيي به السنن التي قد أميتت ويسود بعدله وبركته قلوب المؤمنين".(٥)

ومن جانب آخر فان مصادر أخرى التقطت ما ذكره الإمام علي عليه السلام عن كيفية خروجه والممهدين لهذا الأمر والظروف والحوادث التي تزامنه، إذ عرض ابن حماد في الروايات التي جمعها عن الإمام علي عليه السلام في وصف المهدي وسريته وكيفية خروجه، إلى ما تلعبه شخصية السفياني من أثر في تعجيل خروج المهدي والمذابح التي يرتكبها جيشه في الحجاز حتى يتوارى المهدي عليه السلام قبل خروجه متخفياً إلى مكة وفيها يعلن ظهوره وخروجه طلباً لإصلاح ما فسد.(٦)

كانت الروايات التي رواها أمير المؤمنين علي عليه السلام من أخبار الملاحم حول ظهور المهدي المنتظر محل استقطاب كتب الصحاح والمساند من خلال التقاط كل ما نسب إليه وهذا مما يعطي صورة للأثر الذي تركته تلك الروايات فضلاً عن تعدد المصادر التي نقلتها.(٧)

نهج صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تبيان هذا الأمر وإيضاحه إلى الناس، إذ ألمح ابن مسعود أيضاً ـ في أحاديثه التي رواها ـ إلى ملحمة خروج المهدي وما يحل على الأرض من العدل والرخاء واعتبر هذا الأمر من الشروط الحتمية لقرب الساعة، إذ يصرح بالقول في ذكره لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  "لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من ولدي يوافق اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن تملأ ظلماً وجورا".(٨)

كانت فكرة المهدي هي الأخرى من الجوانب التي تحدث حذيفة عنها في أخباره المتنوعة عن الملاحم بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ نجد في ثنايا المصادر اهتماماً من قبل حذيفة بهذه الفكرة ومناقشتها مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، فضلا عن الحديث عن صفات المهدي والحروب التي يخوضها والمدن التي يفتحها.(٩) إذ أورد (ابن المنادي) روايتين في فتح مدينة بلنجر وما قاله حذيفة من أحاديث في فتح هذه المدينة وارتباطها بأخبار الملاحم إذ سأله أحد المشتركين في غزو هذه المدينة عن الصعوبة التي يلاقونها في فتحها. إذ قال لهم حذيفة بعد أن عين من قبل الخليفة عثمان قائداً لهذه الغزوة " لا تفتح بلنجر ولا جبل الديلم إلا على يد رجل من آل محمد"(١٠)،وفي الرواية الثانية قال " لن تفتح هي ولا جبل الديلم إلا على يد رجل من بني أمية".(١١)

دلت القرائن على أنّ الرواية الأولى كانت ضعيفة وربما منحولة، ولكن الثانية أكثر صحة ففتحت هذه المدينة سنة (١٠٤ هـ/٧٢٢م) أيام بني أمية(١٢)؛ وربما قال حذيفة هذا الحديث بعد أن لاقى المسلمون شدة وفشلا في فتحهم لهذه المدينة أيام الفتوحات الأولى، رغم تكرر الحملات عليها.(١٣)

كان أبو هريرة هو الآخر من الصحابة المهتمين بأخبار الملاحم ١٤، ومن الذين تحدثوا عن فكرة المهدي بإسهاب،إذ لم يكتفِ بالإخبار عن أحاديث وأخبار الملاحم المستقبلية المشتملة على ذكر فتنة الدجال وأخباره فقط،بل تناولت أحاديثه التي رواها فكرة المهدي ونزول عيسى بن مريم وخروج رجل من بني هاشم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً، إذ كانت لهذه الفكرة مساحة كبيرة في أحاديث أبي هريرة،حيث أسهم في الترويج لها وإشاعتها في أذهان المسلمين بما سمعه من تأكيدات حولها من فم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،إذ رصدت المصادر مجموعة من الأحاديث المتعلقة بالمهدي مسندة إلى أبي هريرة كان عددها تسعة أحاديث، إن هذه الأحاديث التي روتها تلك المصادر قد أردفتها أحاديث أُخر مسندة هي الأخرى إلى أبي هريرة ودارت حول خروج المهدي،والمدن التي سيفتحها،وحال الناس في أيامه،إذ جمع أحد المحدثين تلك الأحاديث وبوبها ومن مضانِّها.(١٤)

 اختلف المحدثون في درجة صحة هذه الأحاديث وضعفها، فقد رصد أحد الباحثين هذه الأحاديث فخرّج أربعة منها على إنها ذات درجة عالية من الصحة برأيه وخمسة كانت في عداد الضعاف والموضوعات التي لا يعتد بهن برأيه، وإن كانت تخريجاته تلك معتمدة على رؤية من جانب واحد وإسقاط باقي الأحاديث المروية في هذه الفكرة من باقي مصادر المسلمين الأخرى لأنها تخالف التوجه المذهبي الذي يعتنقه.(١٥)

كان سلمان الفارسي هو الآخر من الصحابة الرواة لأحاديث المهدي والمروجين لهذه الفكرة في أذهان المسلمين،لما أكد عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من معرفته للشخص الذي وصف بالمهدي والرجل الذي يظهر من صلبه إذ قال سلمان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعدما أنبأهم به من أي ولدك يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: " هو من ولدي هذا" وضرب بيده على الحسين عليه السلام.(١٦)

روى الشيخ الصدوق ( ت٢٨١ هـ) هذه الرواية من وجه آخر ولكن بالمضمون السابق نفسه(١٧)، وكان كعب الأحبار قد روى روايات متعددة بأخبار الملاحم المستقبلية،كان منها روايات كثيرة حول فكرة المهدي وظهوره في آخر الزمان.(١٨)

كانت هذه الروايات محل تناقل وتداول بين ألسنة الناس حتى ضمّن الشعراء هذه الفكرة في قصائدهم مسندة إلى كعب إذ قال كثير عزه الشاعر(١٩):

هو المهدي اخبّرناه كعب

 اخو الأحبار في الحقب الخوالي

تطرق كعب أيضاً إلى ذكر المسائل المتعلقة باشتراط الساعة من خروج الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى بن مريم عليه السلام"والملاحم النازلة على العالم"والنقطة التي تستحق التوقف هي الترويج لفكرة القحطاني من أهل اليمن الذي يسبق خروج المهدي والملاحم الحادثة في خروجه ودور أهل اليمن في أحداثها.(٢٠)

إذ بدأت هذه الفكرة بالرواج والتداول في بدايات العصر الأُموي، فنجد في موقف الإمام الحسن عليه السلام من تركه الخلافة وتنازله عنها لمعاوية ارتباطاً في ذلك الأمر، حتى أنّه قد برر موقفه هذا بقوله : " أن ليس لبني هاشم في هذا الأمر إلاّ في إمام حق يبعثه الله في آخر الزمان".(٢١)

ونجد أيضاً في محاورة عبد الله بن عباس لمعاوية بن أبي سفيان خير شاهد على ذلك وترديداً لهذه الفكرة، إذ سخر الأخير من الأحاديث والأخبار التي تناقلها الناس حول ملك هاشمي سيكون في آخر الزمان يسمى بالمهدي، إذ قال معاوية لعبد الله بن العباس:" وقد زعتمم أن لكم ملكاً هاشمياً ومهدياً قائماً، والمهدي عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه، ولعمري لئن ملكتم ما ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم"، فما كان من عبد الله بن عباس إلاّ أن رد عليه قائلاً : "وأمّا قولك إنا زعمنا أن لنا ملكاً مهدياً فالزعم في كتاب الله شك، والكل يشهد أن لنا ملكاً لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ملّكه الله فيه، وأن لنا مهدياً لو لم يبق إلاّ يوم واحد بعثه لأمره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً... وأمّا قولك أن المهدي عيسى بن مريم، فإنّما ينزل عيسى على الدجال، فإذا رآه ذاب كما تذوب الشحمة".(٢٢)

دلل هذان النصان على تداول حديث المهدي بين الناس ولاسيما عبارة ابن عباس (والكل يشهد) إذ بينت مساحة انتشار هذا الحديث والحتمية بحدوث الأمر الذي بشر به.

وبالمقابل فإنّنا نجد المجتمع الإسلامي آنذاك قد بدأ ينظر إلى فكرة ظهور المهدي التي بشرت بها الأحاديث النبوية من وجهة مختلفة، وذلك بما يتوافق ورغباته السياسية والمذهبية، حيث أخذت كل طائفة تحاول توظيف هذه الفكرة والشخصية التي تجسدها لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية، حيث وظفها الكيسانيون (أتباع محمد بن الحنفية وابنه أبي هاشم) في نشاطهم السياسي، بعدِّهم محمد بن الحنفية هو المهدي الذي بشرت به الأحاديث(٢٣)، إذ أخذ المختار الثقفي بترويج هذه الدعاية بين الكوفيين بأن المهدي محمد بن الحنفية هو الذي أرسله وبعثه إليهم مع كتاب عليه اسمه(٢٤) حتى لاقت دعوته هذه من الرواج حداً أن أخذ الناس يلهجون به ليتطور الأمر إلى أن يغالي المختار في شخصية (المهدي) ابن الحنفية ويعطيه من الخصائص والصفات من حيث إن السلاح لا يؤثر فيه، فيقول لأهل الكوفة : <إن في المهدي علامة، يقدم بلدكم هذا فيضربه رجل في السوق بالسيف ضربة لا تضره ولا تحيك فيه>.(٢٥)

      وصل الأمر بالترويج لمهدوية محمد بن الحنفية أن تقّول المؤمنون بهذه الفكرة أرجوزة على لسان الجن، حينما ذهبت مجموعة من أنصار المختار لإنقاذ ابن الحنفية من سجن عبد الله بن الزبير ونصرته، حينما أراد التضييق على الهاشميين وإحراقهم، إذ إدعوا إنهم سمعوا وهم في طريقهم إلى مكة هاتفاً يهتف ويقول(٢٦):

يا أيها الركب إلى المهدي

 على عناجيج من المطي

أعناقها كخشب الخطي

 لتنصروا عاقبة النبي

محمدا رأس بني علي

  سمي كهل أيما سمي

دفعت هذه الأقاويل التي بدأت تتعاظم لتغالي في شخصية محمد بن الحنفية وسكوت الأخير عن تلك الأقاويل أن قام الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بمحاججته في دعواه بالإمامة والمهدية، وسكوته عما تلهج بذكره العوام من الناس إلى أن أقر بضعف دعواه.(٢٧)

ولكن هذا الاقتران بنعت محمد بن الحنفية بالمهدي قد استمر بعد وفاته ليروج الكيسانيون حقيقة بقاء ابن الحنفية على قيد الحياة وإنه متخفي في جبل رضوى بين المدينة ومكة إلى أن يأذن الله له بالظهور.(٢٨)

 بقيت هذه الفكرة مسيطرة على بعض أذهان الناس ولكن من خلال التعرف على طبيعة الشخصيات التي آمنت بهذه الآراء نجد هذه القرينة قد لاقت رواجاً منقطع النظير بين أوساط الناس، إذ أجمعت المصادر على أن السيد الحميري(٢٩) وكثير عزة(٣٠) كانا من المؤمنين بمذهب الكيسانية حتى إن أشعارهم كانت طافحة بذلك، فقد قال السيد الحميري(٣١):

أيا شِعبَ رضوى ما لمن بك لا يُرى؟

فحتى متى يخفى وأنتَ قريبُ؟

يا ابنَ الوصيِّ ويا سميَّ محمدٍ

وكنيَّهُ نفسي عليك تذوبُ

لو غاب عنا عمرَ نوحٍ لأيقنَتْ

مِنَّا النفوسُ بأنَّه سيؤوبُ

ويضيف في مكان آخر مبينا حقيقة دعواه(٣٢):

وقُل ياابن الوصيِّ فدتك نفسي

أطلتَ بذلك الجبلِ المقاما

فمرَّ بمعشرٍ والوك منَّا

وسمَّوك الخليفةَ والإماما

وعادوا فيك أهلَ الأرض طراً

مقامُك عنهمُ ستين عاما

وما ذاق ابنُ خولةَ طعمَ موتٍ

ولا وارت له أرضٌ عظاما

لقد أوفى بمورقِ شعبِ رضوى

تراجعُهُ الملائكةُ الكلاما

وإن له به لَمقيلَ صدقٍ

وأنديةً تحدِّثُه كراما

هدانا الله إذ جرتُم لأمرٍ

به ولديه نلتمس التماما

تمامَ مودة المهديِّ حتى

تَروا راياتِنا تَترَى نظاما

وكذلك الأمر أيضا بالشاعر كثير عزة الذي آمن بمهدوية محمد بن الحنفية ونظم أشعاراً في ذلك بينت حقيقة خلجاته تلك، إذ قال(٣٣):

ألا إنَّ الأئمةَ من قريشٍ

ولاةُ الحق أربعةٌ سواء

علي والثلاثة ُمن بنيه

هُمُ أسباطُهُ والأوصياء

فسبطٌ سبطُ إيمان وبر

وسبطٌ غيبته كربلاء

وسبطٌ لا يذوقُ الموت حتى

يقودَ الخيلَ يقدمُهُ اللواء

تَغَيَّبَ لا يُرى عنهم زمانا

برضوى عنده عسلٌ وماء ُ

ويضيف كثير في موضع أخر من شعره بعد أن جاءه نبأ موت محمد بن الحنفية(٣٤):

ما مت يا مهدي يا ابن المهتدي

أنت الذي نرضى به ونرتجي

أنت إمام الحق لسنا نمتري

أنت إبن خير الناس من بعد النبي

وصل الأمر من شدة تأثير هذه الفكرة على عقول الناس في السنوات اللاحقة أن أخذوا يطلقون اسم المهدي على بعض الشخصيات،لمجرد التأثر بشخصيته وتقواه، أو أن أنصار الزبيريين هم وراء هذا الشائعة لغرض سحب البساط من المختار بإيجاد جماعات معارضة له من الشخصيات البارزة، والتي لها من المقبولية لدى بسطاء الناس وعوامّهم، إذ أطلقوا لقب المهدي على موسى بن طلحة بن عبيد الله لما رأوه من سلوكه وتصرفاته، حتى نقل المؤرخون عن الشهود الذين وصفوا حال المجموعة التي هربت من المختار إلى البصرة قائلين : "فقدموا علينا هاهنا البصرة وفيهم موسى بن طلحة بن عبيد الله، قال: وكان الناس يرونه في زمانه هو المهدي، قال فغشيهم ناس من الناس وغشيته فيمن غشيه فإذا شيخ طويل السكوت قليل الكلام طويل الحزن والكآبة".(٣٥)

وظف الأُمويون فكرة المهدي أيضاً بتطبيقها على شخصية عمر بن عبد العزيز، حتى أن احد كبار التابعين (سعيد بن المسيب) قد كان يحلف بالله : "إن عمراً هو المهدي".(٣٦)

اهتم الخليفة عمر بن عبد العزيز بفكرة المهدي كثيراَ، فنراه يسأل أحد الرهبان عن حقيقة انطباق نعت المهدي عليه السلام عليه كما تناقلته الألسن والأفواه فقال الراهب "لا ولكنك رجل صالح فرد عليه عمر الحمد لله الذي جعلني رجلا صالحا"(٣٧)، وذلك لما وجده من ترديد الناس لهذه الفكرة في أيامه، واعتباره المقصود بهذا النعت.

إن هذه النسبة (المهدي) إلى عمر وإطلاق هذا النعت عليه، له ما يبرره، إذ تركت سيرة عمر بن عبد العزيز العادلة،والشاذة عن المسار الذي اختطه أسلافه من الأمويين في التعامل مع الرعية، أن شاع بين الناس أن المهدي هو عمر بن عبد العزيز، حتى إن شخصيةً مرموقة في مجتمعها ولها ثقلها العلمي والفكري (سعيد بن المسيب) راحت تروج لهذه الفكرة بانطباق صفة المهدي على شخصية عمر بن عبد العزيز كما لاحظنا، ولكن هذه المغالاة في شخصية عمر قد حاول تخفيف حدتها أحد التابعين (طاووس اليماني) حينما سأله أحد المسلمين  عن ملازمة وانطباق صفة المهدي الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عمر بن عبد العزيز، فرد عليه طاووس بالنفي مدعيا إن عمر لم يستكمل العدل كله.(٣٨)

ويرد تابعي آخر على الإشاعات التي أثيرت حول شخصية عمر بن عبد العزيز بالقول "بلغنا من المهدي شيء لم يبلغه عمر " إذ يكثر المال في زمان المهدي فيسأله رجل فيقول له ادخل فخذ".(٣٩)

كذلك فقد أورد أبو نعيم الأصفهاني أيضا رواية مفادها أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وقف على راهب في صومعة له وقد أتى عليه فيها عمر طويل، وكان ينسب إليه علم من الكتاب فهبط إليه ولم يُرَ هابطاً إلى أحد قبله، فقال له: أتدري لم هبطت إليك ؟ قال: لا قال: بحق أبيك إنا نجده من أئمة العدل".(٤٠)

كذلك نجد إن وهب بن منبه قد روج لهذه الفكرة أيضا باعتبار عمر بن عبد العزيز هو المهدي إذ قال : "إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر بن عبد العزيز".(٤١)

من النصوص آنفة الذكر نلاحظ إن هذه الفكرة (المهدي) قد كانت تشغل بال عمر حتى نرى تصرفاته وانفعالاته موضحة ذلك في أي موقف له مساس بها، إذ ذكر اليعقوبي إن عمر بن عبد العزيز قد منع أبا الطفيل عامر بن واثلة عطاءه لأنه كان يؤمن بالمهدي ويستعد له حتى يجد جنده على أهبة الاستعداد للخروج على الظالمين من حيث صقله سيفه وشحذه سنانه ونصله سهمه فما كان من أبي الطفيل إلا أن رد عليه "إن الله سائلك عن هذا فاستحيا عمر عند ذلك وأمر له بعطائه".(٤٢)

كانت فكرة السفياني الذي يتزامن ظهوره قبيل ظهور المهدي إحدى الأفكار التي ادعى أحد المؤرخين أنها من إختلاقات خالد بن يزيد وانه قد هول من هذه الفكرة وروج لها حتى يكون للناس فيهم طمع حين غلبه مروان وبنوه على الملك.(٤٣)

علق أبو الفرج الأصفهاني (ت ٣٥٦ هـ) على هذه الدعوى من مصعب الزبيري أن قال: وهذا وهم من مصعب فان (حديث) السفياني قد رواه غير واحد وتتابعت فيه روايات الخاصة والعامة" وأخذ يسرد الروايات في تبيان حقيقة هذه الشخصية بذكره بعض الأحاديث مسندة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في أثناء عرضهم لتصوراتهم عن شخصية السفياني.(٤٤)

أكدت هذه الفكرة نصوص أخرى أوردتها المصادر في حقيقة السفياني ونسبته إلى خالد بن يزيد من حيث إن الشخص الملقب بالسفياني الذي سيظهر في لاحق الأيام هو من أحفاد خالد وليس من باقي أفراد البيت الأموي.(٤٥)

وقف أئمة أهل البيت المعاصرين لتك الحوادث موقفا صارما إزاءها، وذلك بتفهيم الناس حقيقة الشخص المنعوت بالمهدي وأوان خروجه وإسقاط الإدعات التي روجت للبعض من كونهم المهدي الذي بشرت به الروايات، إذ أعطى الإمام الباقر عليه السلام لعقيدة (المهدي ) والأخبار عنه اهتماماً ملحوظاً لما شكلته هذه العقيدة من خطورة بالغة على أذهان المسلمين فقد وظفت هذه الفكرة في عصره من قبل أصحاب المختار الثقفي وأتباعه (الكيسانية) في عدهم محمد بن الحنفية هو المهدي كما لاحظنا آنفاً. وكذلك اعتبر بعض الناس عمر بن عبد العزيز هو المهدي حتى وصل الأمر إلى أن يعدَّ الناس الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام هو المهدي نفسه، إذ قال عليه السلام: لأصحابه على جمع من الناس: "يزعمون أني المهدي وان أجلي أدنى إلى ما يدعون لو أن الناس اجتمعوا على أن يأتي العدل من باب لخالفهم حتى يأتي به من باب آخر" (٤٦)، ويضيف عليه السلام في مكان آخر إذ قال لبعض أصحابه الذين ينعتونه بالمهدي: " قد أمكنت الحشو من أُذنيك والله ما أنا بصاحبكم انتظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم".(٤٧)

 وكذلك الحال بالإمام الصادق عليه السلام الذي أعطى هو الآخر لهذه الفكرة جانبا من اهتماماته وتفكيره، إذ حاجج العديد من الذين آمنوا بمهدوية محمد بن الحنفية من الكيسانية محاولاً تبيان فساد الرأي الذي هم عليه، إذ أشارت النصوص إلى مناظرة مهمة جرت بين الإمام الصادق عليه السلام وبين السيد الحميري الشاعر الكيساني المشهور، فقد روى الشيخ الصدوق ( ت٣٨١هـ) نص هذه المناظرة والتي أظهر الصادق فيها هشاشة العقيدة التي آمن بها السيد الحميري وأقرانه من المومنين بمهدوية محمد بن الحنفية.(٤٨)

أمام هذه الإرهاصات الفكرية التي حركتها فكرة ظهور المهدي وخروجه التي بشر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديثه وتوظيف المعارضة لهذه العقيدة لغرض تأجيج الرأي العام ضد الأمويين أو أن الأمويين أنفسهم قد أسهموا في الترويج لها لغرض إسكات الدهماء وذلك بالاتكاء على منقذ يظهر لتخليصهم من الظلم، كل ذلك دفع الإمام الباقر عليه السلام إلى أن يأخذ على عاتقه تفهيم هذه العقيدة لشيعته وأتباعه خاصة والمسلمين عامة، حتى لا يقعوا في مزالق الوهم والدعوات المضلة والتسرع في إطلاق هذا اللقب على كل من هب ودب، ولأجل ذلك نجد الروايات المنسوبة إليه في تفهيم عقيدة المهدي من الكثرة بمكان أن اعتمد عليها علماء المسلمين الدارسون لهذه الفكرة في مصنفاتهم، فقد جمع أبو الفضل السلمي (ت ٦٨٥ هـ) الروايات التي نسبت في المصادر الحديثية إلى الإمام أبي جعفر محمد بن علي في حق المهدي والتي بلغت أكثر من ثلاثين رواية بين طويلة مسهبة ومختصرة مقتضبة.(٤٩)

أصبح حديث المهدي من الأحاديث التي أخذ أهل العلم بطلبها والتفتيش عنها، فقد اتصل أبو قبيل بشعيب الحنائي وهذا الشخص هو الآخر من العارفين بأخبار الملاحم إذ قرأ الكتب القديمة وحدث عنها، فقد قال لأبي قبيل بعد أن طلب الأخير أخباره بالمهدي وصفته؟ ومن أين يخرج؟ فقال له:"والله لو شئت لحدثتكم باسم المهدي وصفته ومن أين يخرج ولكن أجد في الكتاب أن من اخبر به قبل أن يخرج لملعون".(٥٠)

ونتيجة لهذه المشاعر والأمنيات التي بدأت تأخذ مداها بين الناس تولدت في أذهانهم هواجس وأمنيات تمنيهم باقتراب الخلاص من بني أمية وأفول نجم دولتهم فكان  للثورة التي قام بها زيد بن علي عام ١٢١هـ أكبر الأثر في تحفيز مخيلة المسلمين إلى تدارس أخبار الملاحم والبحث عن كتبها والسماع لتلك الأخبار، إذ أورد اليعقوبي (ت٢٩٢ هـ/٩٠٤م) نصا يوضح تلك الهواجس والتوجهات التي كان عليها الناس بعد هذه الثورة إذ يقول :"ولما قتل زيد كان من أمره ما كان، تحركت الشيعة بخراسان وظهر أمرهم وكثر من يأتيهم ويميل إليهم، وجعلوا يذكرون للناس أفعال بني أمية وما نالوا من آل رسول الله، حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر، وظهر الدعاة ورؤيت المنامات وتدورست كتب الملاحم".(٥١)

وما كان في ثورة الحارث بن سريج في خراسان عام( ١٢٨ هـ/٧٤٥م) ونشاطه في أمره إلا نتيجة من نتائج هذه الهواجس التي تفشت في الناس عن المنقذ لهذه الأمة من نير الأمويين وظلمهم، إذ ادعى انه سيهدم سور دمشق على أهلها كما أخبرته بذلك كتب الملاحم ورواتها وهو صاحب الرايات السود التي بشرت بها الأحاديث، وهو منقذ الناس من جور بني أمية. وهذا ما استدعى والي خراسان نصر بن سيار أن يستخف برأيه هذا ويسخر منه قائلا:" إن كنت كما تزعم وأنكم تهدمون سور دمشق وتزيلون أمر بني أمية فخذ مني خمسمائة رأس ومائتي بعير واحمل من الأموال ما شئت وآلة الحرب وسر فلعمري لئن كنت صاحب ما ذكرت إني لفي يدك وإن كنت لست ذلك فقد أهلكت عشيرتك، فقال الحارث : قد علمت أن هذا حق ولكن لا يبايعني عليه من صحبني فقال نصر فقد استبان أنهم ليسوا على رأيك ولا لهم مثل بصيرتك وأنهم هم فساق ورعاع فأذكرك".(٥٢)

نحتمل إن الحارث بن سريج قد وصل إلى سمعة الحديث الذي نسبت روايته إلى الإمام علي عليه السلام حول خارج يخرج في بلاد ما وراء النهر والذي مفاده :" قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته".(٥٣)

لم يقف التوظيف لفكرة المهدي والتثقيف لها في العصر الأموي فحسب ؛ بل نجد العباسيين قد استغلوا هذه الفكرة لتمرير وإضفاء الشرعية عل دولتهم وسلطانهم، إذ حاول خلفاؤهم الأوائل توظيف الأحاديث الغيبية ؛ولاسيما الأحاديث حول المهدي التي هي محل الشاهد التي ادعوا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أنبأ بها والتي تضمنت إخباراً بدولتهم حتى رووا حديثاً منسوبا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مفاده:"منا السفاح ومنا المنصور ومنا المهدي".(٥٤)

 بدأت هنالك مجموعة من المحدثين تروي عن البشائر بملك بني العباس في الأحاديث النبوية، وما تناقله السلف حول هذا الأمر من الأخبار، ليصل إلى جعل هذه الدولة هي الدولة الخاتمة للتاريخ بمقاتلتها الدجال، وامتدادها إلى قيام الساعة ليسلموها إلى عيسى بن مريم(٥٥)، فقد ذكر المقدسي إن بني العباس قد أشاعوا الحديث المنسوبة روايته عن طريق عبد الله بن عباس، إذ قال : "إذا أقبلت الرايات السود من المشرق يوطئون للمهدي سلطانه " فقد حاول العباسيون تأويل هذه الأخبار بخروج أبي مسلم الخراساني وهو أول من عقد الرايات السود وسود ثيابه، وخرج من خراسان فوطأ لبني هاشم سلطانهم.(٥٦)

واجه المنصور مشكلة حقيقية في تمرير هذا الإدعاء بسبب توظيف محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) لهذا اللقب ونسبته إليه حتى استمال الناس به ليصل الأمر كما يقول أبو الفرج الأصفهاني (ت٣٥٦هـ) أن لهجت العوام بمحمد بن عبد الله تسميه المهدي(٥٧)، حتى وصل الأمر بأبيه أن قال لبني   هاشم في اجتماع سبق الثورة العباسية يعرف باجتماع ( الأبواء ) أن قال :" قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه"(٥٨)، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل كان من مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية قد وصلت إلى مسامعه هذه الأخبار فما كان منه إلا أن قال لأبيه عبد الله: "ما فعل مهديكم".(٥٩)

أمام هذا الإصرار من قبل عبد الله بن الحسن في عد ولده محمد هو المهدي الذي بشرت به الرواية، كان من الإمام الصادق عليه السلام أن انبرى ليوضح حقيقة الوهم والحلم الذي كان يمني بها عبد الله نفسه وولده بهذا الأمر، إذ قال له :"والله ما هو بمهدي هذه الأمة ! ولئن شهر سيفه ليقتلن".(٦٠)

لأجل ذلك كان شغل المنصور الشاغل هو أن يعلن محمد وأخوه إبراهيم البيعة له حين وصلت له الخلافة.(٦١) حيث حققت دعوة محمد إقبالا منقطع النظير ليس من العوام فحسب ؛ بل ومن أهل العلم أيضا، إذ أورد أبو الفرج الأصفهاني بعضاً من الروايات حول طبيعة الشخصيات التي بايعت محمد النفس الزكية ومدى الأثر الذي تركه تلقيب نفسه بالمهدي بجمع الناس حوله ومبايعتهم إياه حتى كان من الدفوع التي برر بها أحد المبايعين لمحمد والخارجين معه من الفقهاء أنه ظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية.(٦٢)

إن المنصور كان يريد البيعة لابنه محمد وأطلق عليه لقب المهدي وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك فأمر بإحضار الناس فحضروا وقامت الخطباء فتكلموا وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله ومحاولة إسقاط الصفات والبشائر التي تحدثت بها الأحاديث عن المهدي على شخصية محمد بن المنصور (المهدي العباسي)، إذ ذكرت المصادر جانبا من هذه المجالس التي حضر فيها الشعراء وأهل الحديث والخطباء، حيث كان من بينهم مطيع بن إياس فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا يملؤها عدلا كما ملئت جورا وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك ثم أقبل على العباس فقال له أنشدك الله هل سمعت هذا فقال نعم مخافة من المنصور فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي، قال ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به قال أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أشهدني على كذبه فشهدت له خوفا وشهد كل من حضر علي بأني كاذب وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر وكان مطيع منقطعا إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته قال وكان جعفر ماجنا فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأغلظ له في القول بفحش الكلام لكذبه على الله ورسوله بتوصيف أخاه محمد بالمهدي.(٦٣)

صرح المنصور لأحد خاصته بحقيقة القرار الذي إتخذه في أمر إطلاق نعت (المهدي) على ولده محمد ومبتغاه في ذلك، إذ قال بعد أن خرج محمد بن عبد الله النفس الزكية بالحجاز وتسمى بالمهدي وذاع أمره:" والله ما هو به، وأخرى أقولها لك لم أقلها لأحد قبلك، ولا أقولها لأحد بعدك وابني والله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية،ولكنني تيمنت به وتفاءلت به "(٦٤)، ولكنه في مجلس عام لم يصرح بهذا الشيء، إذ بقي على موقفه المعلن في عد ولده هو المهدي الذي بشرت به الأحاديث، حيث وبخ أحد مواليه لأنه نقل مقالة محمد النفس الزكية حينما جمع أصحابه قائلا : " إنكم لا تشكون أني أنا المهدي، وأنا هو "، فما كن من المنصور إلا أن قال :" كذب عدو الله ؛ بل هو ابني".(٦٥)

فضلا عن ذلك فإن المنصور قد أرسل في الآفاق من يروج لهذه الفكرة، فقد أرسل إلى الحجاز أحد حجابه ( الأعلم الهمذاني ) رسولا منه إلى أهل الحجاز فقام فيهم خطيباً بمكة قائلا : " وقد بايع أمير المؤمنين لمحمد ابن أمير المؤمنين وهو عباسي النسبة يثربي التربة... يملك فلا يأشر ويقدر فلا يبطر... جاءت به الروايات وظهرت فيه العلامات".(٦٦)

لم يكن تلقيب المنصور ابنه بالمهدي موفقا، فقد رماه المحدثون والمؤرخون بعبارات التوهين بسبب أن الشخصية التي تتصف بهذا اللقب يجب أن تكون على قدر عال من الأخلاق والورع والمقبولية لدى الناس، إذ توضح كلمة عمرو بن عبيد للمنصور هذا المعنى، إذ سأل المنصور عن الفتى الواقف بقربه،فرد عليه المنصور :هذا محمد ابني، وهو المهدي، وهو ولي عهدي، قال أما والله لقد ألبسته لباسا ما هو من لباس الأبرار، ولقد سميته بإسم ما استحقه عملا ".(٦٧)

ونجد هذا الأمر في كلمة ابن تيمية ( ت ٧٢٨هـ) جانبا من رأي المحدثين في موقف المنصور في تسمية ولده بالمهدي، إذ قال : "لما كان الحديث المعروف عند السلف والخلف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في المهدي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي صار يطمع كثير من الناس في أن يكون هو المهدي حتى سمى المنصور ابنه محمدا ولقبه بالمهدي مواطأة لاسمه بإسمه واسم أبيه باسم أبيه ولكن لم يكن هو الموعود به"(٦٨)، وكذلك في موقف المؤرخ ابن كثير الدمشقي ( ٧٧٤هـ) من حقيقة هذه الخلجات التي انتابت الناس حول شخصية المهدي العباسي، إذ قال: "وإنما لقب بالمهدي رجاء أن يكون الموعود به في الأحاديث فلم يكن به وان اشتركا في الاسم فقد افترقا في الفعل ذاك يأتي آخر الزمان عند فساد الدنيا فيملأ الأرض عدلا كما ملئت فجورا وظلما،... وقد جاء في حديث من طريق عثمان بن عفان أن المهدي من بني العباس وجاء موقوفا على ابن عباس وكعب الأحبار ولا يصح، وبتقدير صحة ذلك لا يلزم أن يكون على التعيين وقد ورد في حديث أخر أن المهدي من ولد فاطمة فهو يعارض هذا والله أعلم".(٦٩)

أمام هذه النصوص التي أظهرت مدى التأثير الذي مارسته فكرة المهدي من أثر بارز من قبل التيارات المتصارعة والشخصيات السياسية والدينية التي أرادت وضع هالة من القداسة عليها وعلى تصرفاتها من خلال توظيف هذا اللقب لما يحمله من معاني ودلالات حول شخصية بشر بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكي تملأ الأرض عدلا بعد أن تملأ بالجور، وقد قام أئمة أهل البيتK بدور بارز وفاعل في تنبيه الناس من الانجرار وراء الذين أرادوا توظيف هذه الفكرة لمآربهم السياسية.

 

 


 

الهوامش:


(١) السلمي، عقد الدرر، ص ٥.

(٢) ابن خلدون، المقدمة، ص٥٥٥.

(٣) ابن المنادي، الملاحم، ص١٩.

(٤) النعماني، الغيبة، ص١٤٣.

(٥) ابن المنادي، الملاحم، ص ٢١٠، المتقي الهندي،كنز العمال،ج١٤،ص٥٩١.

(٦) أُنظر، الفتن،ص١٩٩ ـ ٢١٤.

(٧) أُنظر، المبارفوكي، المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث، الصحيحة،ج١،ص٢٢.

(٨) الطبراني، المعجم الصغير،ج٢، ص٨٠،  أبو نعيم، حلية الأولياء، ج٥، ص٧٥.

(٩) ابن طاووس، الملاحم والفتن، ص  ٢٦٤، السلمي، عقد الدرر، ص٣٤-٣٥.

(١٠) ابن المنادي، الملاحم،ص٣١٢.

(١١) ابن المنادي، الملاحم،ص٣١٢.

(١٢) الطبري، تاريخ الرسل، ج٧،ص١٤ـ ١٥.

(١٣) أنظر، البلاذري، فتوح البلدان، ص٢٤١، ص٣١٨، الطبري، تاريخ الرسل، ج٤، ص٤٠٣-٤٠٧.

(١٤) ابن المنادي، الملاحم، ص١٩.

(١٥) أُنظر، السلمي،عقد الدرر،ص١٨ـ٢٠،٢٨،٥٦،٥٩،٦٤،٧٣،٨٤،١٥٦،٦٣، ١٧٧،٢٠٣،٢١٦.

(١٦) أنظر، المبارفوكي، المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، ج١.،ص١٠١ـ١٢٢.

(١٧) السلمي، عقد الدرر، ص٢٤، ص٣٢.

(١٨) أُنظر، الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج١، ص٤٧ ـ ٤٨.

(١٩) أنظر السلمي، عقد الدرر، ٣٨،ص٤٠،ص٤١،ص٥١،ص٥٢،ص٥٤،ص٥٨،ص٦٦،ص٧٩.

(٢٠) ابن عساكر،تاريخ دمشق،ج٥٤،ص٣٢١ – ٣٢٢.

(٢١) أُنظر، ابن حماد، الفتن، ص٢٥٤ ـ ٢٥٦. <ولم يصب الكاتب في تبرير فلسفة الصلح التي قام بها الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية تعاطياً لظروف سياسية متشنجة وما صاحبها من انهزامية جيش الإمام الحسن عليه السلام وتخاذله عند المواجهة، فضلاً عن إدراك الإمام الحسن عليه السلام من استنقاذ البقية الصالحة من شيعته، وهذا خلاف ما حاول الأستاذ الباحث إثباته بأن تنازل الإمام لمعاوية هو بسبب ما ينتظره أهل البيتK من دولة الإمام المهدي عليه السلام وكأن فكرة الإنتظار حالة إنخذال للمواقف التي يجب اتخاذها من قبل أهل البيتK حينما تسنح الظروف للتعاطي معها.

(٢٢) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة،ج١٦، ص٤٤-٤٥.

(٢٣) مؤلف مجهول، أخبار الدولة العباسية، ص٥١-٥٢، ابن طاووس، الملاحم والفتن، ص٢٣٨-٢٤٠.

(٢٤) البلاذري، أنساب الأشراف،ج٣،ص٤٧٥.

(٢٥) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج٥،ص١٠١.

(٢٦) ابن عساكر : تاريخ دمشق، ج٩، ص١٦ـ ١٧.

(٢٧) أنظر، الصدوق،كمال الدين وإتمام النعمة، ج١، ص٦٦، الطوسي، الغيبة، ص١٨ـ١٩. <إلا أن الحقيقة غيرما توصل إليها الاستاذ الباحث، وذلك لسببين:

الأول: تأكيد الكاتب على أن الكيسانية هم اتباع محمد بن الحنفية هو غير واقع وخلاف ما يعتقده محمد بن الحنفية بامام زمانه الإمام علي بن الحسين عليه السلام، وما ادعاه بعض الكتاب من إعتقاد محمد بن الحنفية بمهدويته مخالف لموقف محمد بن الحنفية من الكيسانية المدعاة، إذ حاول محمد أن يثبت إمامة الإمام السجاد عليه السلام بدعواه أنه هو الإمام وطلب زين العابدين عليه السلام المحاججة أمام الحجر الأسود وإقراره بالإمام الحق حالة اتفق عليها الطرفان لاثبات أحقية إمامة زين العابدين عليه السلام ودفع دعوى من يقول بإمامة محمد بن الحنفية.

الثاني: دعوى أن المختار كان يدعو لمهدوية محمد بن الحنفية هي دعوى أموية صرفة. إذ حاول الأمويون واتباعهم من المؤرخين أن يلصقوا هذه التهمة بالمختار الثقفي تكذيباً لمصداقية ثورته الحقة.

(٢٨) أنظر، مقالات الإسلاميين:ج١،ص٩٢, البغدادي، الفرق بين الفرق:٣٦،الشهرستاني، الملل والنحل :ج١، ص١٥٠.

(٢٩) هو إسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، أبو هاشم، شاعر متقدم، أكثر شعره في مدح آل البيت (عليهم السلام) كان ثقة جليل القدر، عظيم المنزلة، لقي الإمام الصادق عليه السلام، وعدّه أبو عبيدة من أشعر المحدثين، وجعله أبو الفرج ثالث ثلاثة هم أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام. ولد في نعمان سنة ١٠٥ هـ ومات ببغداد سنة ١٧٣ هـ. أنظر، الأغاني : ج٧، ٢٤٨ ,الذهبي،  سير أعلام النبلاء ج٨، ص٤٤.

(٣٠) هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، أبو صخر، شاعر متيم مشهور من أهل المدينة أكثر إقامته في مصر ولم تحدد المصادر تاريخ ولادته إلى أنها ذكرت إنه توفي في آخر خلافة يزيد بن عبد الملك عام ١٠٥هـ في الحجاز، اشتهر بحبه لعزة فعرف بها وعرفت به وهي : عزة بنت جميل بن حفص من بني حاجب بن غفار كنانية النسب، أنظر أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني ج ٩، ص٢٠،ابن خلكان، وفيات الأعيان،ج٤، ص١٠٦.

(٣١) ديوان السيد الحميري :ص ٦٨ـ٦٩.

(٣٢) ديوان السيد الحميري :ص٣٧٩ـ٣٨٠.

(٣٣) أبو الفرج الأصفهاني،الأغاني : ج٩،ص٢٠، ديوان كثير عزة،ص٥٢١ وفيه (لا تراه العين ).

(٣٤) ديوان كثير عزة،ص٤٩٦.

(٣٥) أنظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج٥، ص١٦٢.

(٣٦) ينظر،ابن سعد، الطبقات الكبرى،ج ٥ ص ٢٤٥.

(٣٧) ابن عساكر : تاريخ دمشق، ج٦٨،ص ٦، الملاحم والفتن، ابن طاووس،ص٢٤٤.

(٣٨) ابن حماد، الفتن،ص٢٢٢.

(٣٩) السلمي،عقد الدرر،،ص١٦٨.

(٤٠) حلية الأولياء ج٥،ص ٢٥٥.

(٤١) ابن عساكر، تاريخ دمشق،ج٤٥،ص١٨٧.

(٤٢) اليعقوبي ،التاريخ، ج٢،ص٢١٥.

(٤٣) المصعب الزبيري، نسب قريش، ص١٢٩.

(٤٤) أنظر، الأغاني، ج ٧، ص٣٤٢.

(٤٥) أُنظر،الفتن، ابن حماد، ص١٦٦، ص١٦٩.

(٤٦) ابن عساكر : تاريخ دمشق، ج٥٤، ص٢٩١.

(٤٧) الصدوق، كمال الدين وإتمام النعمة، ج١،ص٣٢٥.

(٤٨) أنظر، كمال الدين وإتمام النعمة، ج١،ص٦٣ ـ ٦٥.

(٤٩) أنظر، عقد الدرر في أخبار المنتظر، ص٢٦-٣٩-٤٣-٤٩-٥١-٦٢-٦٤-٦٦.

(٥٠) ابن طاووس، الملاحم والفتن،ص ٢٢٧.

(٥١) تاريخ اليعقوبي،ج٢،ص ٢٢٨.

(٥٢) الطبري، تاريخ الرسل، ج٧،ص٣٣١.

(٥٣) ابن المنادي، الملاحم، ص١٨٥،  المتقي الهندي،كنز العمال،ج١١،ص١٦٧.

(٥٤) ابن عساكر، تاريخ دمشق،ج٣٢، ص٢٨٠.

(٥٥) ينظر ابن حماد، الفتن،ص ٥٢،  البلاذري، أنساب الأشراف، ج٤،ص٢٦٢، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج١، ص٦٤، ابن عساكر، تاريخ دمشق،ج٣٢، ص٣٠٥ ـ٣٠٦.

(٥٦) البدء والتاريخ، ج٢، ص١٧٤ـ١٧٥.

(٥٧) مقاتل الطالبين ،ص١٨٤.

(٥٨) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبين، ص١٨٥.

(٥٩) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبين ، ص٢٢٩.

(٦٠) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبين ، ص١٨٧.

(٦١) الطبري، تاريخ الرسل، ج٧،ص٥١٨.

(٦٢) مقاتل الطالبين، ص٢٥٤.

(٦٣) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، ج ١٣، ص٣١٣.

(٦٤) مقاتل الطالبين، ص٢١٨.

(٦٥) مقاتل الطالبين، ص١٨٤.

(٦٦) أنظر، البلاذري،أنساب الأشراف ج٤، ص٣٤٦.

(٦٧) المسعودي، مروج الذهب ،ج ٣، ص٣١٣.

(٦٨) منهاج السنة النبوية ، ج ٤، ص٩٨.

(٦٩) البداية والنهاية، ج ١٠، ص١٥١.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *
 مقال مختار:
 أكثر المقالات زيارةً:
المقالات دراسات/ حقيقة الإمام المهدي عليه السلام في روايات ومصادر العامة من وسائل التقريب ونبذ الطائفية (المشاهدات: ٩٠٣,٣١٠) المقالات دراسات/ دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر (المشاهدات: ٦٠,٨٩٦) المقالات دراسات/ منزلة الإمام المهدي عليه السلام عند آبائه المعصومين عليهم السلام (المشاهدات: ٤١,٩٥٣) المقالات دراسات/ الإمام المهدي في الشعر العربي (المشاهدات: ٤٠,٣٥٥) المقالات دراسات/ البصرة في ظهور الامام عليه السلام (المشاهدات: ٣٩,٧١٧) المقالات دراسات/ التوظيف السياسي لفكرة المهدي في العهود الاسلامية الاولى (المشاهدات: ٣٨,٢٠٠) المقالات دراسات/ أبعاد من الحكمة الإلهية لغيبة الإمام المهدي عليه السلام (المشاهدات: ٣٦,٠٤٤) المقالات دراسات/ الصيحة والنداء السماوي (المشاهدات: ٣٤,١٩٣) المقالات دراسات/ أفكار في سلاح الإمام المهدي عليه السلام عند الظهور (المشاهدات: ٣٢,٣٤٠) المقالات دراسات/ الرايات الصفر في الميزان (المشاهدات: ٣٠,٢٤١)
 أكثر المقالات تقييماً:
المقالات دراسات/ دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر (التقييمات: ٥.٠ / ٦) المقالات دراسات/ دراسة القضايا المهدوية (١) (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ الرايات الصفر في الميزان (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ كارثة المسيح الدجال صحابي مسلم مجاهد (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ دراسة حول رؤية الامام المهدي عليه السلام (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات الأدب المهدوي/ أناشيد للصغار هذا هو اليومُ الأغَر (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات دراسات/ مدّعو المهدوية مهدي السلفية التكفيرية وحركة جهيمان العتيبي (التقييمات: ٥.٠ / ٢) المقالات شبهات/ في معرفة الإمام ذاتاً (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات دراسات/ الطابع السلمي لحركة الإمام المهدي عليه السلام (التقييمات: ٥.٠ / ١) المقالات دراسات/ إمكان رؤية الإمام المهدي عليه السلام في الغيبة الكبرى (التقييمات: ٥.٠ / ١)
 لتحميل أعداد المجلة (pdf):

 البحث:

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016