فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 كتب أخرى

الكتب معز الأولياء

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: مركز نون للتأليف والترجمة تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٨/٠٢ المشاهدات المشاهدات: ٢١٤١٩ التعليقات التعليقات: ٠

معز الأولياء

إعداد : مركز نون للتأليف والترجمة

نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
الطبعة: الأولى، آب، ٢٠٠٩م - ١٤٣٠هـ

الفهرس

المقدمة
الدرس الأول: معرفة الإمام
دور النبوة
الأول: تبليغ التشريع الإلهي
الثاني: قيادة المجتمع الإنساني
ضرورة الإمامة
معرفة الإمام
رؤية الإمام عجل الله فرجه بين الواقع والخيال
الدرس الثاني: المهدي في القرآن الكريم
بقية الله
وعد الله
طول الغيبة
حضور رغم الغيبة
يا لثارات الحسين
قصة ابن قولويه
الدرس الثالث: التمهيد للولادة المبكرة
المواجهة والجهاد
حفظ الطليعة المؤمنة
التمهيد للغيبة
برنامج التمهيد لغيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)
ظروف ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)
قصّة المرحوم محمد تقي المجلسي
الدرس الرابع: أسماء وألقاب الإمام الحجة
المنتظر
المؤمل
القائم
المهدي
المنصور
قصّة شفاء الحر العاملي من مرضه ببركة الإمام (عليه السلام)
الدرس الخامس: الغيبة الصغرى٢٦٠ - ٣٢٩
الإمامة والغيبة الصغرى
السفراء الأربعة
أسباب الغيبة الصغرى
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام (عليه السلام)
ثانياً: تهيئة الأمة للغيبة الكبرى
تشرّف السيد المرعشي بلقاء الإمام (عليه السلام)
الدرس السادس: الغيبة الكبرى
أسباب الغيبة
فشل كل الأطروحات الأخرى
تمحيص المؤمنين
التسليم المطلق بعد سنين الغيبة
متى تنتهي الغيبة؟
وجود الأنصار
عدم التوقيت
قصّة السيد محمد العاملي وتشرُّفه بلقاء الحجة عجل الله فرجه خارج النجف الأشرف
الدرس السابع: طول عمر الإمام
طول العمر أمر ممكن
نماذج من التاريخ
النتيجة
قصّة أخرى للسيد محمد العاملي وتشرّفه بلقاء الحجة عجل الله فرجه
الدرس الثامن: انتظار الفرج
معنى الانتظار
كيف يكون الانتظار
الانتظار السلبي والإيجابي
المنهج الصحيح في الانتظار
أولاً: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعية
ثانياً: توحيد الأمة وتنظيمها بالشكل المطلوب
ثالثاً: التمهيد للظهور
النيابة الحقيقية لصاحب الزمان (عليه السلام)
الدرس التاسع: الممهدون وأصحاب القائم
١ - الإيمان بالغيب
حزب الله
٢ - الصبر على الأذى
٣ - جهوزية اصحاب الحجة
٤ - الركن الشديد
٥ - تمني الشهادة
٦ - الارتباط بالله تعالى
٧ - الالتزام بالنظام
طمأنينة القادة
الدرس العاشر: علامات الظهور
لماذا علامات الظهور؟
الأجواء العامة قبل الظهور
وقائع قبيل الظهور
ألف – الحركات العسكرية
ب – أحداث محدّدة
ج – كوارث وأحداث طبيعية
إعلان الظهور
تشرّف علي بن مهزيار بلقاء الحجة (عليه السلام)
الدرس الحادي عشر: رايات قبل الظهور
ما المقصود من الرايات؟
هل ترتفع الرايات قبل ظهور الإمام؟
١ – الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم
٢ – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
٣ – تنفيذ الأحكام الإلهية
النتيجة
لا تلتحق بالرايات المشبوهة
رايات حق قبل الظهور
أفِد يا مفيد
الدرس الثاني عشر: شمس خلف السحاب
سبب اللطف والرحمة الإلهية
التدخل بشكل غير مباشر
تعيين القيادة الشرعية
رواة الحديث
وحدة القيادة
المعالم العامة لخط الإمام الخميني (قدّس سرّه)

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

كثيرة الكتبُ والمقالات التي نُشرت حول صاحب الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وما زالت تُنشر، وستظلّ حتى تسطع شمسه المغيّبة خلف السحاب، ولكلّ رونقه وجماله، ولعلّ أجمل ما في الكتابات الاسم الشريف، ما يجذب القرّاء والمفكّرين للتعرّف عليه، ومعرفة علامات ظهوره شوقاً إلى شخصه.
وكلّ هذه المقالات لا تروي عطش الوالهين إليه، ولا تسدّ رمق المتحيّرين به، كيف؟ وهو المنقذ والمخلّص والمهدي و... أسماء تشير إلى الشخص وهو أرقى وأرقى، وما عرفه حقّ معرفته إلا الله ورسوله.
لذلك كلّ ما يُكتب في حقّه جميل، وفي نفس الوقت هو غيض من فيض وجوده الشريف، وقد ارتأت جمعيّة المعارف الإسلامية الثقافية أن تنال شرف الكتابة عنه، لتقدّم لقرّائها الأعزّاء نبذة عن أهمّ محطّات الإمام المنتظر، من سيرة والده الإمام العسكريّ (عليه السلام) وأهمّ ما قام به تهيئة لولادته ولدوره المقدّس المنتظر، إلى البحث عن أسمائه وأسبابها، ثمّ البحث عن الغيبتين الصغرى والكبرى وما يحيط بهما من ملابسات.
ثم التعرّض لبحث علامات أصحابه وعلامات الظهور وأبحاث قيّمة أخرى يجدها القارئ في هذا الكتاب القيّم.
وقد وضعت جمعية المعارف الإسلاميّة في فقرة المطالعة أهمّ القصص الحاصلة مع علماءٍ ورجال موثوقين تشرّفوا بلقاء الإمام الحجّة، واكتحلت أعينهم بالنظر إلى نور وجهه المبارك، عسى أن تكون هذه القصص عبرة لنا، لنحذو حذوهم، ونخطو خطاهم ويكون لنا شرف اللقاء.
كما أدرجت الجمعيّة في فقرة (اقرأ) عدداً من الكتب التي تناولت الحديث عن الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، لتُعرّف قرّاءها الأعزاء بها، وترشدهم إلى الكتب التي يمكن الاستفادة والاستزادة منها.
سائلة المولى (عزَّ وجلَّ) أن يعجّل ظهوره ويجعلنا من أنصاره، والسائرين على نهجه وتحت رايته، إنّه نعم المولى ونعم المجيب.

جمعية المعارف الاسلامية الثقافية

الدرس الأول: معرفة الإمام

تمهيد
في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام): "اللهم عرِّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني نَفْسَكَ لَم أَعرِفْ نَبيَّك. اللهمَّ عَرِّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجَّتَك. اللهمَّ عَرِّفْني حجَّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَن دِيْني"(١).
إنَّ لمعرفة الإمام وتولِّيه والالتزام بأوامره ونواهيه والتعلّم عنه، كلّ ذلك يضمن للإنسان الدين الصحيح، والصراط المستقيم. وهذا ما أشارت إليه العديد من الروايات كما ورد في مضمون هذا الدعاء المرويِّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وليس بعيداً عن هذا المعنى قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)(٢)، هذه الآية الكريمة التي نزلت بعد مناسبة الغدير التي تمَّ فيها تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً على الناس، وتولِّيه بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومن خلال هذه ا لولاية تمَّت النعمة الإلهيَّة عليّنا.
وهذا ما سنشرع بتفصيله في هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
دور النبوّة
لقد استطاع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في فترة وجيزة إبلاغ الرسالة الإلهيّة، وقلب المجتمع من مجتمع جاهليٍّ يعيش على الغزوات، ويمارس وأدَ البنات، ويعبد العُزَّى والَّلات، وغيرها من الأوثان والأنصاب والأزلام، إلى حضارة الإسلام ومجتمع العدالة والاستقرار وعبادة الإله الواحد القهَّار... (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز الْحَمِيدِ)(٣).
وقد قام النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بهذا الإنجاز العظيم من خلال دورين أساسِيَّين، هما:
الأوّل: تبليغ التشريع الإلهيّ
وشرحه وبيان تفصيلاته، يقول تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون)(٤)، ذلك القانون العادل الذي يضمن من خلال الالتزام به خير الدُّنيا وبركاتها، وفوز الآخرة، يقول تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(٥)، ويقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عليهم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)(٦).
الثاني: قيادة المجتمع الإنسانيّ
وذلك لأجل تطبيق هذه الأحكام والقوانين، وتحقيق المصالح، للوصول إلى الأهداف الإلهيَّة التي تتمثَّل بالإنسان الكامل والمجتمع الصالح. هذه القيادة التي أوجب الله تعالى على المسلمين التمسّك بها والالتزام بمضمونها، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)(٧).
ضرورة الإمامة
يقول تعالى: (مَا كَانَ محمَّد أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليماً)(٨)، فالآية تصرِّح بختم النبوّة، فلا نبيَّ بعد نبيِّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولا رسالة بعد الإسلام، هذا الإسلام الذي يجب أن يبقى واضحاً في تشريعاته، مستمرّاً في مسيرته، فما الذي يضمن ذلك كلّه بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقد قال تعالى: (مَا محمَّد إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(٩).
والإمامة تمثّل الضمان الحقيقيّ لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة بالشكل الصحيح، وقد استفاد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) من كلّ فرصة مفصليّة ليرسِّخ الإمامة ويؤكّد على متابعة الإمام بعده، امتثالاً لأمر الله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(١٠).
فكان للإمام دور حفظ التشريع، ومنع أيِّ تحريفٍ في مفاهيم وقواعد الشريعة، وهذا ما أشارت إليه العديد من النصوص الشرعيّة؛ كالرواية عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"(١١).
وكان للإمام أيضاً دور قيادة الأمّة وتحقيق الأهداف الإلهيّة في المجتمع، يقول تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون)(١٢).
ومع ضمان الاستمرار من خلال الإمامة، تحقّق كمال الرسالة ونزلت الآية بعد التبليغ بالولاية، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)(١٣).
معرفة الإمام
إنّ الإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما ذكرنا سابقاً، والمسلمون مكلّفون بتولّيه، والسير على نهجه، والائتمار بأمره، كما ذكرت الآية الكريمة، والعديد من النصوص الأخرى كنصّ الغدير، حيث قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): "من كنتُ مولاه فعليّ مولاه..."(١٤).
ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت الرواية عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة"(١٥)، لأنّ الذي لم يعرف إمامه سيضيّع ميزان تمييز الحقائق، وبالتالي ستضيع عليه تلك الحقائق، وهذا ما تشير إليه الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): "أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"(١٦).
من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتَّى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف)، صاحب الزمان.
خلاصة الدرس
لقد استطاع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قلب المجتمع الجاهليّ إلى حضارة الإسلام من خلال دورين أساسيّين، هما:
١ - تبليغ التشريع الإلهيّ، وشرحه وبيان تفصيلاته.
٢ - قيادة المجتمع للوصول إلى الأهداف الإلهيّة.
وحيث لا نبيّ بعد نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإنَّ الإمامة تمثّل الضمان لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة.
فالإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون مكلّفون بتولّيه والائتمار بأمره.
ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف)، صاحب الزمان.
للحفظ
في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام): "اللهم عرّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إن لَم تُعرّفْني نَفْسَكَ لَم اَعرِفْ نَبِيَّك. اللهمَّ عَرّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ اَعرفْ حُجَّتك. اللهمَّ عَرِّفْني حُجّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني".
أسئلة حول الدرس
١ - ما هو الدور الأساس للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟
٢ - ما الدليل على ختم النبوّة؟
٣ - ما هي الحاجة لوجود إمام وما هو الدور الذي يقوم به؟
٤ - هل يشترط معرفة الإمام بشخصه؟ لماذا؟
٥ - لماذا مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية؟
للمطالعة
رؤية الإمام بين الواقع والخيال
إنّ حلّ الجدل القائم بين العلماء حول إمكانيّة رؤية الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) يبتني على التمييز بين نوعين من الرؤية:
١ - الرؤية بمعنى ادّعاء السفارة الخاصّة، التي كانت في زمن الغيبة الصغرى، بحيث يكون مدّعي الرؤية سفيراً وواسطة بين الناس وإمامهم. فهذه يحكم باستحالتها لما جاء في توقيع المولى (عجَّل الله فرجه الشريف) للسمريّ: "وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة, ألا من ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة, فهو كاذب مفترِ"(١٧).
٢ - الرؤية غير المقترنة بنيابة خاصّة، فهذه الرؤية ممكنة، ودلّ عليها الكثير المشاهدات التي حصلت لكبار علمائنا ولأناس عاديين معروفين بحسن السيرة، كانت لهم ظروف خاصّة منحتهم متعة النظر إلى نور الإمامة.
١ - يقول السيّد المرتضى (٣٥٥ - ٤٣٦هـ): "... إنّه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممّن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، وإن هذا لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه"(١٨).
٢ - يقول صاحب كنز الفوائد الشيخ الكراجكي (ت ٤٤٩هـ): في معرض بيان الفائدة من وجود الإمام رغم غيبته: "ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام لا يعرفه أحد ولا يصير (يصل) إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه"(١٩).
٣ - يقول الشيخ الطوسي (٣٥٨ - ٤٦٠هـ): في مقام الإجابة عن سؤال يتعلّق برؤيته (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف): "وما ينبغي أن يقال في الجواب هو أنّنا لا نقطع استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم"(٢٠).
كذلك تبنّى القول بإمكانية الرؤية ووقوعها السيّد بحر العلوم، والمحدّث النوري صاحب المستدرك، والسيّد محسن الأمين.
وما هذا إلاّ جانب ممّا يجده المتتبع في هذا المجال، لذا يمكن الجزم بالإجماع على إمكان الرؤية ووقوعها. ولم نجد أحداً من العلماء يتبنّى القول بعدم إمكان رؤيته.
أما المنفي فهو أمران:
الأول: أن يدّعي شخص النيابة الخاصّة، على غرار ما كان الأمر عليه في الغيبة الصغرى.
الثاني: أن يدّعي شخص ظهوره وانتهاء الغيبة الكبرى التي لا تنتهي إلا بالسفياني والصيحة.
فرؤية الإمام إذاً ممكنة ولكنّها بحاجة إلى عمل صالح وقلب نقيّ ونيّة صادقة وقابلية إيمانيّة وافرة. فإنّه يرانا ولكنّنا لا نراه للحجب والموانع التي اصطنعناها لأنفسنا باتباعنا خطوات المعاصي وانغماسنا في وحول الملذّات.
"وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذ غيّبتها عن الأبصار السحاب"(٢١)...
عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم (أي في الحج)، فيراهم ولا يرونه"(٢٢)، وقد أكّد ذلك أحد سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) محمَّد بن عثمان العمري رضوان ال بقوله: "والله، إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنّة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه"(٢٣).
اقرأ
كتاب: الأربعون حديثاً في المهديّ.
تأليف: الحافظ أبي نُعيم الأصبهاني المتوفّى سنة ٤٣٠ هـ.
تحقيق: عليّ جلال باقر.
المضمون: الكتاب يتعرَّض لأربعين حديثاً وردوا في الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، متنوّعة في مضمونها، تستوعب للكثير من قضايا الإمام الحجّة، لجهة البشارة به، ونسبه، وأنّه من عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، واسمه وكنيته وصفاته، وفي القرية التي يخرج منها، وراياته، وفي عدله، ومدّة ملكه، وتنعُّم الأُمّة في زمانه، وعود الإسلام به عزيزاً، وبه يؤلِّف الله بين قلوب العباد، وأنّه يعمل بسنَّة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه سيّد من سادات الجنّة، ولا خير في عيش بعده وغيرها من الأمور...

الدرس الثاني: المهديُّ في القرآن الكريم

تمهيد
جاء في الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): "إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي"(٢٤)، فالقرآن يدلّ على أهل البيت (عليه السلام)، وأهل البيت أعرف الناس بمفاهيمه ومفرداته، يصدّق أحدهما الآخر، من هنا نجد العديد من الآيات القرآنيّة التي تشير إلى موضوع الإمام المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف)، وتشرح العديد من المفاهيم الأساسيَّة المتعلّقة به وبزمانه ومرحلته، وهذا ما سنتعرّض له في هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
بقيّة الله
إنَّ الإمام الحجّة المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف) لا يمثّل مجرّد شخصيّة تاريخيّة لها خصوصيّة من المفيد التعرّف إليها، وإنّما هو بقيّة الله في أرضه، بمعنى أنّه يمثّل الخطّ الإلهيّ على هذه البسيطة، وقد ورد في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) وهو يتحدّث عن الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) وعن ظهوره: "فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، فأوّل ما ينطق به هذه الآية (بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)(٢٥)، ثمّ يقول :"أنا بقيّة الله وخليفته وحجّته عليكم، فلا يسلّم عليه مسلمٌ إلا قال: السلام عليك يا بقيّة الله في أرضه"(٢٦).
وعد الله
إنّ ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) وقيامه بتلك الحركة العظيمة التي يدمّر من خلالها المتجبّرين والفاسدين، ويجعل الغلبة لدين الله تعالى، هذا كلّه وعد إلهيّ لابدّ من حصوله كما تؤكّد عليه الروايات، وكما تُفسّر بعض الآيات القرآنيّة، يقول تعالى (ولَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(٢٧)، وفي الرواية عن الإمام الباقر والإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (ولَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ), إنّه (عليه السلام) قال: "هم القائم وأصحابه"(٢٨).
وكذلك يقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيْبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اَللهِ قَلِيْلاً مَا تَذَكَّرُونَ)(٢٩)، حيث ورد في الرواية عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) قال: "إنّ القائم (عجَّل الله فرجه الشريف) إذا خرج دخل المسجد الحرام فيستقبل القبلة الكعبة ويجعل ظهره إلى المقام ثمّ يصلّي ركعتين ثمّ يقوم فيقول: يا أيّها الناس أنا أولى الناس بآدم (عليه السلام)، يا أيّها الناس أنا أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، يا أيّها الناس أنا أولى الناس بإسماعيل (عليه السلام)، يا أيّها الناس أنا أولى الناس بمحمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم). ثمّ يرفع يديه إلى السماء ويدعو ويتضرّع حتّى يقع على وجهه، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (أَمَّنْ يُجِيْبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ ويَكْشِفُ السُوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ اَلْأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اَللهِ قَلِيْلاً مَا تَذَكَّرُون)"(٣٠).
والدين الإسلاميّ لم ينزله الله تعالى كمرحلة مؤقَّتة في تاريخ البشريّة وإنّما هو الدين الذي سيتحقّق به الانتصار والبقاء، يقول تعالى: (هُو الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِاَلْهُدَى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدينِ كُلِّهِ وَلَوْكَرِهَ الْمُشْرِكُون)(٣١). ومن الواضح أنّ الإسلام في زمن النبيّ لم يتحقّق له هذا النصر الحاسم والنهائيّ، ولم يتحقّق هذا النصر حتّى الآن، فمتى يتحقّق هذا الهدف الإلهي(٣٢)؟
تشير الروايات إلى الزَّمن الذي سيتحقّق فيه ذلك، حيث ورد في الرواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (هُو الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِاَلْهُدَى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدينِ كُلِّهِ وَلَوْكَرِهَ الْمُشْرِكُون), قال (عليه السلام): "والله ما يجيء تأويلها حتَّى يخرج القائم المهديّ"(٣٣).
وأخيراً هناك آية تشير إلى الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) وما سيمُنُّ الله تعالى عليه من النصر، وهي قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(٣٤)، حيث ورد في الرواية عن الإمامين محمَّد الباقر وجعفر الصادق (عليهما السلام) أنّهما قالا: "إنّ هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان، ويبيد الجبابرة والفراعنة، ويملك الأرض شرقاً وغرباً، فيملأها عدلاً كما ملئت جورا"(٣٥).
طول الغيب
لا شكّ أنّ غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) طويلة، تخرج عن المألوف وترقى إلى مستوى الكرامات والمعجزات الخاصّة التي تحصل عادة بعناية إلهيّة خاصّة، ويؤمن بها من كان مؤمناً بالله تعالى وقدرته حقّاً ومؤمناً بالإمامة ودورها، وما يمكن أن يحصل من الإمام المعصوم أو على يديه، لذلك لا شكّ أن ضعاف النفوس وهزيلي الإيمان قد يصابون بداء التشكيك، ووسوسة استبعاد مثل هذا الأمر، من هنا كان التوجّه الخاصّ في النصوص الشرعيّة على طول الغيبة، وعلى التسليم بها أو انتظار يوم الفرج يوم الظهور، يقول تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُم)(٣٦)، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنّه قال: "ساعة قيام القائم"(٣٧).
حضور رغم الغيبة
غيبة الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) لا تعني غيبته عن عقول وقلوب ووجدان الناس، وورد في تفسير بعض الآيات الكريمة ضرورة ذكره والتذكير به على الدوام، كما في تفسير قوله تعالى: (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اَلله)(٣٨)، عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عن أبيه محمَّد الباقر (عليه السلام) قال: "أيّام الله (عزّ وجلّ) ثلاثة: يوم يقوم القائم ويوم الكرّة ويوم القيامة"(٣٩).
بل على الأُمّة أن تعيش مترقبة ليوم الظهور، هذا اليوم الذي قد يكون قريباً أكثر ممّا يتصوّر الكثيرون، وفي رواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ الْسَّاعَةَ قَرِيْبٌ)(٤٠)، قال: "السّاعة قيام القائم قريب"(٤١).
يا لثارات الحسين
هناك ارتباط وثيق بين عاشوراء الدم وكربلاء العطاء، بما تتضمَّن من مواقف واستشهاد، وبين حركة الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف). فهذا الدم الذي سال سنة ٦١ للهجرة على أرض الطفّ بقي الشعلة التي تلهب القلوب وتفجّر العزائم في قلوب المؤمنين، وهذه الشعلة المتوقّدة على مرّ السنين هي التي ستحقّق النصر الكبير والحاسم على يد الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف)، هذا الارتباط الوثيق الذي تؤكّد عليه الرواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطناً فَلا يُسْرِفْ فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورا)(٤٢)، حيث قال: "نزل في الحسين والمهديّ"(٤٣).
خلاصة الدرس
هناك العديد من الآيات القرآنيّة التي تشير إلى موضوع الإمام المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف) وتشرح العديد من المفاهيم الأساسيَّة المتعلّقة به وبزمانه ومرحلته، وممّا تشير إليه هذه الآيات:
بقيّة الله: إنّ الإمام الحجّة هو بقيّة الله في أرضه، بمعنى أنّه يمثّل الخطّ الإلهيّ على هذه البسيطة.
وعد الله: إن انتصار الحقّ على الباطل وقهر الظالمين والفاسدين، هو وعد إلهيّ سيتحقّق على يد صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه.
طول الغيبة: إنّ غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) طويلة، تخرج عن المألوف ومثل هذه الأمور تحصل عادة بعناية إلهيّة خاصّة، ويؤمن بها من كان مؤمناً بالله تعالى وقدرته حقّاً ومؤمناً بالإمامة ودورها.
حضور رغم الغيبة: غيبة الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) لا تعني غيبته عن عقول وقلوب
ووجدان الناس، بل على الأُمّة أن تعيش مترقبة ليوم الظهور، هذا اليوم الذي قد يكون قريباً أكثر ممّا يتصوّر الكثيرون.
دماء كربلاء: هناك ارتباط وثيق بين عاشوراء الدم وكربلاء العطاء، وبين حركة الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف). فالشعلة المتوقّدة على مرّ السنين هي التي ستحقّق النصر الكبير والحاسم على يد الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف).
للحفظ
(يَسْئَلُوْنَكَ عَنِ اَلْسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاها قُلْ إِنَّما عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلا هُو ثَقُلَتْ فِي اَلْسَّموَاتِ واَلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِّيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اَللهِ ولَكِنَّ اَكثَرَ اَلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)(٤٤).
أسئلة حول الدرس
١ - ما المقصود من أنّ الإمام هو بقيّة الله؟
٢ - ما الدليل على أنّ الوعد الإلهيّ سيتحقّق على يديّ صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
٣ - هل هناك إشارة في القرآن الكريم بحسب ما ورد في بعض التفاسير إلى طول غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟ في أيّ آية؟
٤ - هل غيبة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) تعني أن يبتعد الناس عنه بشكل كامل؟ لماذا؟
٥ - كيف تبيِّن الارتباط بين كربلاء وظهور القائم (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
للمطالعة
قصة ابن قولويه
ذكر الراوندي في الخرائج والجرائح أنّه روي عن أبي القاسم جعفر بن محمَّد بن قولويه قال: "لمّا وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة للحجّ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنّه يمضي في أثناء الكتب قصة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقرّ.
فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدة عمري وهل تكون المنيّة في هذه العلّة أم لا، وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه، وإنّما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكّة وعَزم على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام، كأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتى ظنّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرحون لي، وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه وهو يمشي على تؤدة ولا أدركه.
فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليّ فقال: هات ما معك، فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: قل له: لا خوف عليك في هذه العلّة، ويكون ما لابدّ منه بعد ثلاثين سنة.
قال: فوقع عليّ الزمع (الدهشة، الخوف) حتى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلما كان سنة تسع وستين، اعتلّ أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره وكتب وصيّته واستعمل الجدّ في ذلك، فقيل له: ما هذا الخوف ونرجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة، فقال: هذه السنة التي خوّفت فيها، فمات من علّته.
اقرأ
كتاب: المقنع في الغيبة.
تأليف: السيّد الشريف المرتضى.
المضمون: الغرض من الكتاب الاستدلال على غيبة الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف). يبدأ البحث في الأصول من وجوب الإمامة ثمَّ العصمة، ثُمَّ ينتقل إلى الغيبة وعلّتها، وأنّ الجهل بالحكمة لا ينافي الغيبة، ثمّ يقرّر مفصلاً حكمة الغيبة، ويشرح بتمييز الغيبة عن غيرها من المفردات الأخرى كعدم الوجود، ويبيِّن السبب في عدم استتار الأئمّة السابقين، ثمّ يشرع ببيان بعض الأمور المتعلّقة بزمن الغيبة كإقامة الحدود وغيرها من الأبحاث.

الدرس الثالث: التمهيد للولادة المباركة

تمهيد
عاش الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ (عليه السلام) في زمن ضعفت فيه السلطة العباسيّة إلى درجة سيطرة الموالي والأتراك على مقاليد الحكم.
ولكن رغم ضعف هذه السلطة لم يخفّ الضغط والظلم والتنكيل بالإمام (عليه السلام) وأصحابه، بل ازدادت وبلغت أوجها على يد الخليفة العباسيّ المعتمد، نتيجة الخوف والتوجُّس من نشاط الإمام وتحرُّكاته، هذا الخوف والتوجّس الذي أصبح عامَّاً يعبّر عنه خطّ اجتماعيّ كامل يناوئ خطّ الإمام (عليه السلام) وأصحابه.
ومن هنا كان الصراع الدائم بين هذين الخطّين، وممارسة الحاكم لكلّ ضغط ممكن ومحاسبته لكلّ بادرة أو تحرّك محتمل من قبل الإمام (عليه السلام)، وقبول وشاية الواشين في حقّه "وقد حبسه المتوكّل ولم يذكر سبب ذلك، ولا شكَّ أنّ سببه العداوة والحسد وقبول وشاية الواشين كما جرى لآبائه مع المتوكّل وآبائه من التشريد والحبس والقتل وأنواع الأذى، وروي أنّه (عليه السلام) قُتِلَ مسموماً على يد المعتمد"(٤٥).
ويلاحظ في هذا المجال أنّ هذه الضغوط لم تكن لتخفَّف بتغيُّر الظروف بل كانت تزداد شدّة ورسوخاً.
المواجهة والجهاد
في مقابل ذلك كان الإمام العسكريّ (عليه السلام) يقوم بقيادة الأمّة ضمن ما يتاح من فرص يمكن التقاطها ضمن الظروف الصعبة التي يعيشها تحت رقابة الحاكم العباسيّ، ولعلّ الدور الأكثر أهميّة للإمام (عليه السلام) كان: حفظ هذا الخطّ وأتباعه، وربط الناس بابنه الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) والتمهيد لغيبته.
حفظ الطليعة المؤمنة
لقد كان الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) يقوم برعاية الطليعة المؤمنة، وحماية وجودها ومدّها بكلّ أساليب الصمود. ويلاحظ في هذا الإطار أنّه (عليه السلام) كتب محذِّراً محمَّد بن عليّ السمريّ وهو من خاصّة أصحابه والذي سيكون رابع نوَّاب ولده الحجّة المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) في غيبته الصُّغرى قائلاً له: "فتنة تضلّكم فكونوا على أهبَّة"(٤٦).
التمهيد للغيبة
لقد كان الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) يواجه استحقاقاً جديداً، ليس كباقي الاستحقاقات، وإنّما هو استحقاق أساسيٌّ ومهمّ جدّاً وخطير جدّاً في نفس الوقت، وهو استحقاق الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وغيبته. فإنَّ غيبة الإمام من الأمور التي تحتاج للتمهيد والتذكير بالكثير من المفاهيم والقيم الإلهيّة، ليتسنَّى للمؤمن أن يمسك هذا الموضوع الأساسِيَّ بقوّة، والسبب في ذلك أنّ الإنسان في هذه الدُّنيا اعتاد وألِف الأمور الحسيَّة، وارتباطه بأمر غيبيّ غير حسيّ يحتاج لبعض العناية والتذكير والتمهيد، خصوصاً وأنَّ أمراً كهذا غيبة الإمام لم يحصل قبل ذلك في الإسلام، وهذا هو الدَّور الذي كان على الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) أن يقوم به.
فهو يريد تربية جيلٍ واعٍ يكون النُّواة الأساس لتربية الأجيال الآتية والتي ستبني بجهدها تاريخ الغيبتين الصُّغرى والكبرى.
وإذا عطفنا على ذلك تلك الظروف والمعاناة الصعبة التي عاشها الإمام وأصحابه من قبل الدولة، وضرورة العمل والتبشير بفكرة المهديّ الثوريّة، والتي كانت تعتبر في منطق الحكام أمراً مهدّداً لكيانهم وخروجاً على سلطانهم وتمرّداً على دولتهم.
ومن هنا نحسّ بكلّ وضوح دقّة التخطيط الملقاة على كاهل الإمام العسكريّ (عليه السلام) وحرج موقفه وهو يدعو لفكرة ولده المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).
برنامج التمهيد لغيبة الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
وقد اتَّجه نشاط الإمام العسكريّ (عليه السلام) وتخطيطه في تحقيق هذا الهدف، حيث قام بعدَّة خطوات في هذا الاتجاه:
أوّلاً، حجب ابنه الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) عن أعين الناس جزئيَّاً، وإظهاره لبعض خاصّته فقط.
ثانياً، شنّ حملة توعية لفكرة الغيبة: حيث هدف إلى إفهام الناس بضرورة تَحمُّلِهم لمسؤوليّاتهم الإسلاميّة تجاهها وتعويدهم على متطلباتها. وكمثال على ذلك نلاحظ ما كتبه الإمام لابن بابويه: "عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزنٍ حتّى يظهر ولدي الذي بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا شيخيّ يا أبا الحسن عليّ وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتَّقين"(٤٧).
ثالثاً، احتجاب الإمام العسكريّ (عليه السلام): لقد احتجب الإمام العسكريّ بنفسه عن الناس، إلا عن خاصّة أصحابه، وأوكل مهمّة تبليغ تعليماته وأحكامه بواسطة عدد من خاصّته وذلك بأسلوب المكاتبات والتوقيعات، ممهّداً بذلك إلى نفس الأسلوب الذي سوف يسير عليه ابنه المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) في غيبته الصغرى وهو في احتجابه وإيصاله للتعليمات.
وكان قد بُدأ التحضير والتخطيط لهذه الفكرة بشكل بسيط أيّام الإمام الهادي (عليه السلام) عندما احتجب عن كثير من مواليه وأخذ يراسلهم عن طريق الكتب والتوقيعات ليعوّد شيعته على هذا المسلك بشكل متدرِّج بطيء موافقاً بذلك الفهم العامَّ لدى الناس.
رابعاً، اعتماد نظام الوكلاء: وكذلك نظام الوكلاء الذي اتَّبعه الإمام العسكريّ مع قواعده الشعبيّة كان أسلوباً آخر من أساليب التمهيد لفكرة الغيبة.
وكان الشيعة إذا حملوا الأموال من الحقوق الواجبة عليهم إلى الإمام (عليه السلام) نفذوا إلى عثمان بن سعيد العمريّ السمَّان الذي كان يتَّجر بالسمن تغطية لنشاطه في مصلحة الإمام (عليه السلام) فكان يجعل الأموال التي يتسلَّمها في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى الإمام بعيداً عن أنظار الحكّام.
ظروف ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه
ولد الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) في العام ٢٥٥ من الهجرة في ظروف تشبه ولادة النبيّ موسى (عليه السلام)، حيث كان يسعى الحاكم العباسيُّ لاغتياله، وكما أُخفي أمر ولادة النبيّ موسى (عليه السلام) كذلك أُخفي أمر ولادة الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف). ولذلك نجد العديد من الروايات عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) تمنع حتّى ذكر اسمه أمام الناس، حتّى لا يتمكّن الأعداء من رصده.
فعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) حينما سُئِلَ مَنْ المهديّ، قال: "الخامس من وُلْدِ السابع(٤٨) يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميَته"(٤٩).
وقد وازن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) بين حفظ الإمام وإبعاده عن يد الحاكم لعباسيّ، وبين تعريف الشيعة والأتباع عليه. فلم يكن يُطْلع عليه إلا الخواصّ من الشيعة والموثوق بهم.
حيث قام الإمام العسكريّ (عليه السلام) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفويّاً بولادة الإمام المهديّ، كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهديّ على جماعة من أصحابه وهم أكثر من ٤٠ رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم: "هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان أي العمريّ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه"(٥٠).
وكذلك قام الإمام (عليه السلام) بإرسال بعض الرسائل للثُّقاة من أصحابه من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: "ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنّا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والوليّ لولايته، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به والسلام"(٥١). كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقه عن ابنه المهديّ، وقام بتوزيع كميّة كبيرة من الخبز واللحم على شخصيّات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنّه (عليه السلام) عقَّ عنه بثلاثمئة شاة.
خلاصة الدرس
في مقابل ظلم الحاكم العباسيّ كان الإمام العسكريّ (عليه السلام) يقوم بقيادة الأمّة، ولعلّ الدور الأكثر أهميّة للإمام (عليه السلام) كان: حفظ هذا الخطّ وأتباعه، وربط الناس بابنه الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) والتمهيد لغيبته.
وهناك عدّة خطوات قام بها الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) في إطار التمهيد للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) وغيبته:
١ - حجب الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) عن أعين الناس جزئيّاً.
٢ - شنّ حملة توعية لفكرة الغيبة.
٣ - احتجاب الإمام العسكريّ، بما يمهّد بعد ذلك لاحتجاب الإمام الحجّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).
٤ - اعتماد نظام الوكلاء الذي اتَّبعه الإمام العسكريّ.
وكان لولادة الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) ظروف تشبه ولادة النبيّ موسى (عليه السلام)، وقد أُخفي أمر ولادته لحفظه من خطر العباسيّين.
وقد وازن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) بين حفظ الإمام وإبعاده عن يد الحاكم العباسيّ، وبين تعريف الشيعة والأتباع عليه. فلم يكن يُطْلع عليه إلا الخواصَّ من الشيعة والموثوق بهم.
للحفظ
عن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) لابن بابويه: "عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشَّر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن عليّ وأمُرْ جميع شيعتي بالصبر، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتَّقين".
أسئلة حول الدرس
١.كيف كانت الظروف السياسيّة في زمن الإمام العسكريّ (عليه السلام)؟
٢.ما وجه التشابه بين ولادة الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وولادة نبيّ الله موسى (عليه السلام)؟
٣.ما هو الدور الأكثر أهميّة الذي كان يهتمّ به الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)؟
٤.ما هي الخطوات التي قام بها الإمام العسكريّ (عليه السلام) للتمهيد لغيبة الإمام الحجّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)؟
٥.كيف وازن الإمام العسكريّ (عليه السلام) بين حفظ الإمام الحجّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) من مخاطر العبّاسيين وبين تعريف الأتباع والمخلصين له؟
للمطالعة
قصّة المرحوم محمَّد تقيّ المجلسيّ
جاء في شرح من لا يحضره الفقيه ضمن ترجمة المتوكّل بن عمير راوي الصحيفة السجّاديّة الكاملة، قال (رحمه الله):
"كنت في أوائل البلوغ طالباً لمرضاة الله تعالى وساعياً في طلب رضاه (عزَّ وجلَّ)، ولم يكن لي قرار بذكره، إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أنّ صاحب الزمان صلوات الله عليه كان واقفاً في الجامع القديم بأصفهان قريباً من باب الطنابيّ الذي هو الآن مدرسة، فسلّمت عليه، وأردت أن أقبّل رجله، فلم يدعني، فقبّلت يده، وسألته مسائل قد أشكلت عليّ، منها أنّي كنت أوسوس في صلاتي، وكنت أقول: إنّها ليست كما طُلبت منّي، وأنا مشتغل بالقضاء ولا يمكنني إتيان صلاة الليل، وسألت عنه شيخنا البهائيّ (رحمه الله تعالى)، فقال: صلّ صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل، فسألت الحجّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف): أصلّي صلاة الليل؟ فقال: صلّها، ولا تفعل كالمصنوع الذي كنت تفعل، إلى غير ذلك من المسائل التي لم تبق في بالي.
ثمّ قلت: يا مولاي، لا يتيسّر لي أن أصل إلى خدمتك كّل وقت، فأعطني كتاباً أعمل عليه دائماً، فقال (عليه السلام): أعطيت لأجلك كتاباً إلى المولى محمَّد التاج، وكنت أعرفه في النوم(٥٢)، وقال (عليه السلام): إذهب وخذه منه، فخرجت من باب المسجد إلى ذلك الشخص، فلمّا رآني قال لي: بعثك الصاحب (عليه السلام) إليّ؟ قلت: نعم، فأخرج من جيبه كتاباً قديماً، فلمّا فتحته ظهر لي أنّه كتاب الدعاء، فقبّلته ووضعته على عيني، وانصرفت عنه متوجّهاً إلى الصاحب (عليه السلام)، وهنا انتبهت من النوم ولم يكن معي ذلك الكتاب.
فشرعت في التضرّع والبكاء لفوات ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر. فلمّا فرغت من الصلاة والتعقيب وقع في خاطري أنّ مولانا محمَّد التاج هو الشيخ البهائيّ نفسه، وأنّ تسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء، فجئت إلى مدرسته، وكان في جوار المسجد الجامع، فرأيته مشتغلاً بمقابلة الصحيفة(٥٣)، وكان معه القارئ السيّد صالح أمير ذو الفقار الكالبايكانيّ، فجلست ساعة حتّى فرغ من عمله، والظاهر أنّ كلامهما كان في سند الصحيفة، لكن للغمّ الذي كان عندي لم أفهم كلامهما، وكنت أبكي، فتوجّهت إلى الشيخ وقصصت عليه رؤياي وأنا أبكي لفوات الكتاب، فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الإلهيّة والمعارف اليقينيّة، وجميع ما كنت تطلب دائماً.
فلم يسكن قلبي وخرجت باكياً متفكّراً، فألقي في روعي أن أذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلمّا وصلت إلى دار البطّيخ، رأيت رجلاً صالحاً اسمه آغا حسن، فأتيته وسلّمت عليه، فقال: الكتب الوقفيّة عندي، وكلّ من يأخذ منها من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف، ولعلّك تعمل بها. انظر إلى هذه الكتب، فما احتجت إليه منها فخذه. فذهبت معه إلى بيت كتبه، فأعطاني أوّل ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم، فشرعت في البكاء وقلت: هذا يكفيني، وليس في بالي أنّي ذكرت له المنام أم لا. ثمّ أتيت إلى الشيخ، وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جدّ أبيه عن نسخة الشهيد. وكان الشهيد (رحمه الله) قد كتب نسخته عن نسخة عميد الرؤساء وابن السكون، وكان قابلها مع نسخة ابن إدريس دون واسطة، أو بواسطة واحدة.
وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب (عجَّل الله فرجه الشريف) مكتوبة بخطّ الشهيد، وكانت موافقة لها غاية الموافقة حتّى في النسخ التي كان مكتوباً على هامشها. وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة مع النسخة التي عندي. وببركة عطاء الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس الطالعة في كلّ بيت، لاسيّما في أصفهان، فإنّ لدى أكثر الناس صحائف متعدّدة، وأكثرهم صلحاء ومن أهل الدعاء، وكثير منهم مستجابو الدعوة. وهذه آثار إعجاز صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه الشريف). وما أعطانيه الله تعالى من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها"(٥٤).
اقرأ
كتاب: بحث حول المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف)
تأليف: الإمام الشهيد السيّد محمَّد باقر الصدر (قدّس سرّه)
المضمون: المبحث الأوّل: كيف تأتَّى للمهديِّ هذا العمر الطويل؟
المبحث الثاني: المعجزة والعمر الطويل
المبحث الثالث: لماذا كلّ هذا الحرص على إطالة عمره؟
المبحث الرابع: كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟
ثمّ تعرَّض لحقائق تاريخيّة حول إمامة أهل البيت (عليهم السلام) بأنّها قائمة على أساس التغلغل الروحيّ والإقناع الفكريّ، فمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تشكّل تيَّاراً فكريِّاً في العالم الإسلاميّ، وشروط الإمامة شروط شديدة، والاعتقاد بإمامة أهل البيت (عليهم السلام) كان يكلّف الأتباع غالياً، أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في تفاعل مستمرّ مع القواعد الشعبيّة، الخلافة المعاصرة بذلت جهوداً في تفتيت زعامة أهل البيت (عليهم السلام).

الدرس الرابع: أسماء وألقاب الإمام الحجة (عجَّل الله فرجه الشريف)

تمهيد
إنّ للتسمية دلالاتها الخاصّة، وتأخذ بُعدها بحسب شخصيّة من أطلق هذا الاسم أو ذاك، وللإمام الحجّة العديد من التسميات التي أطلقت عليه في نصوص شرعيّة، سواء في القرآن الكريم أو في الروايات، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أو عن آبائه المعصومين (عليهم السلام)، ولا شكّ أنّ لهذه الأسماء دلالاتها الواقعيَّة والحقيقيَّة، وتحمل في طيّاتها رسائل ومفاهيم يجب أن تصل إلى عقل وقلب أتباعه وأنصاره ومحبّيه. فما هي هذه الأسماء، وما تحمله في طياتها من رسائل؟ هذا ما سنعرضه خلال هذا الدرس إن شاء الله تعالى.
المنتظر
من الأسماء المعروفة للإمام اسم المنتظر، وهذا الاسم بطبيعته يعبّر عن الفترات الطويلة التي ستمرّ على انتظار الناس له، فهو من جهة يعبّر عن طول غيبته (عجَّل الله فرجه الشريف) ومن جهة ثانية يعبّر عن ارتباط الناس لتحقيق وعد الله تعالى بالنصر النهائي والحاسم من خلاله، وهذا ما تشير إليه بعض الروايات، ففي الرواية عن الصقر ابن دلف، قال: "سمعت أبا جعفر محمَّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يقول: "إنّ الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى بكاءً شديداً ثمَّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر...، فقلت له: وَلِمَ سُمِّيَ المنتظر قال: لأنَّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكثر فيها الوقَّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلّمون"(٥٥).
المؤمّل
الاسم الآخر للإمام هو المؤمّل، وهذا يعطي معنى المنتظر ولكن بزيادة أنَّه يحقِّق الأمل الذي يرقبه الناس، فهو الذي يحقِّق أمل المخلصين عند ظهوره بعد انتظاره تلك الفترات كلّها، وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الإمام العسكريّ (عليه السلام) حين ولد الحجّة: "زعم الظلمة أنَّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل فكيف رأوا قدرة الله وسمَّاه المؤمَّل"(٥٦).
القائم
إن لإسم القائم وقعه الخاصَّ في قلوب المؤمنين، فهو تعبير عن لحظة القيام التي من خلالها سينقلب وضع الدُّنيا لتعلو كلمة الله ويرتفع دينه وينتصر حقُّه ويتحقّق عدله، إنَّها اللحظة التي تشتاقها قلوب الصادقين، والمجاهدين الذين أعدُّوا العدَّة ومهَّدُوا الطريق وساروا على نهجه، وفي رواية عن جابر قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر (الإمام محمَّد الباقر )عليه السلام وأنا حاضر فقال: "رحمك الله اقبض هذه الخمسمئة درهم، فضعها في مواضعها فإنَّها زكاة مالي، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنَّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنَّه يقسم بالسويّة، ويعدل في خلق الرحمان، البرُّ منهم والفاجر، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، فإنَّما سُمِّيَ المهديّ لأنَّه يهدي لأمرٍ خَفِيٍّ، يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان، وتجمع إليه أموال الدُّنيا كلّها ما في بطن الأرض وظهرها فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط أحد كان قبله. قال: وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو رجل منِّي اسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنَّتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً بعد ما تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً"(٥٧).
وفي رواية أخرى يذكر سبباً آخر لإسم القائم، وهي الرواية السابقة عن الصقر ابن دلف في سؤاله للإمام محمَّد الجواد (عليه السلام) عن الإمام وسبب تسميته بالقائم: "فقلت له: يا بن رسول الله ولم سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته"(٥٨). إنَّ طول الغيبة يضعف ذكره (عجَّل الله فرجه الشريف) بين الناس، حتَّى وكأنَّه قد مات ذكره، وشكَّك المشكِّكُون فيه... فعندما يحين وقت الظهور كأنَّه قام وأُحيي من جديد.
وهناك رواية تذكر سبباً ثالثاً لإسم القائم، وهي الرواية عن الثمالي، قال: "سألت الباقر صلوات الله عليه: يا بن رسول الله ألستم كلُّكم قائمين بالحقِّ قال: بلى، قلت: فَلِمَ سُمِّيَ القائم قائماً؟ قال: لمَّا قتل جدِّي الحسين (عليه السلام) ضجَّت الملائكة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيِّدنا أتغفل عمَّن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهم قرُّوا ملائكتي فوعزَّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ثمَّ كشف الله (عزَّ وجلَّ) إليهم قرُّوا ملائكتي فوعزَّتي وجلالي لأنتقمنَّ منهم ولو بعد حين ثمَّ كشف الله (عزَّ وجلَّ) عن الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) للملائكة فَسُرَّتِ الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلِّي فقال الله (عزَّ وجلَّ): بذلك القائم أنتقم منهم"(٥٩).
وعلى أيّ حال فلا تنافي بين هذه الأسباب.
المهديُّ
إنَّ اسم المهديّ أيضاً هو من الأسماء الأكثر شهرة له (عجَّل الله فرجه الشريف). وهناك روايات تشرح سبب هذه التسمية، كالرواية عن أبي سعيد الخراساني، قال: "قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المهديّ والقائم واحد؟ فقال: نعم، فقلت: لأيِّ شيءٍ سُمِّيَ المهديُّ، قال: أنَّه يهدي إلى كلِّ أمر خَفِيٍّ"(٦٠).
وفي رواية أخرى عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "إذا قام القائم (عجَّل الله فرجه الشريف) دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر وضلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمِّيَ القائم مهديَّاً لأنَّه يهدي إلى أمر مضلول عنه وسُمِّيَ القائم لقيامه بالحق"(٦١).
المنصور
والمنصور هو آخر الأسماء التي نستعرضها للإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)، وهذا الاسم يشير إلى أن ثورة الإمام هي ثورة انتصار وتحقيق للغلبة. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الاسم في قوله تعالى (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)(٦٢), وقد ورد في تفسير هذه الآية عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) قال: الحسين (فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) قال: "سمَّى الله المهديَّ المنصور كما سمَّى أحمد ومحمَّد ومحمود وكما سمَّى عيسى المسيح (عليه السلام)"(٦٣).
خلاصة الدرس
للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) العديد من التسميات التي أطلقت عليه في نصوص شرعيَّة، ولا شكَّ أنَّ لهذه الأسماء دلالاتها الواقعيَّة والحقيقيَّة، وتحمل في طيَّاتها رسائل ومفاهيم يجب أن تصل إلى عقل وقلب أتباعه وأنصاره ومحبيه. ومن هذه الأسماء:
المنتظر: وهذا الاسم بطبيعته يعبِّر عن الفترات الطويلة التي سيغيبها وستمرُّ على انتظار الناس له.
المؤمّل: وهو يعطي معنى المنتظر ولكن بزيادة أنَّه يحقِّق الأمل الذي يرقبه الناس.
القائم: لأنَّه سيقوم وينصر دين الله ويعليّ كلمته وينتصر على أعدائه، ولأنَّه أيضاً سيكون بعد غيبة تطول يموت فيها ذكره، فيكون ظهوره قيام جديد بعد موت ذكره.
المهديّ: لأنَّه يهدي إلى كلِّ أمر خَفِيٍّ.
المنصور: وهذا الاسم يشير إلى أنَّ ثورة الإمام هي ثورة انتصار وتحقيق للغلبة.
للحفظ
يقول الإمام محمَّد بن عليّ الرضا (عليه السلام): "إنَّ الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى (عجَّل الله فرجه الشريف) بكاءً شديداً ثُمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا بن رسول الله وَلِمَ سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: وَلَمَ سُمِّيَ المنتظر قال: لأنَّ له غيبة تكثر أيّامها ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ويكثر فيها الوقَّاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلّمون".
أسئلة حول الدرس
١ - ما فائدة الأسماء المتعدِّدة للإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
٢ - ما الفرق بين اسم المنتظر واسم المؤمّل؟
٣ - اذكر سببين لإطلاق اسم القائم على الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
٤ - لماذا سُمِّيَ الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) باسم "المهديّ"؟
٥ - ما الاستفادة التي نستفيدها من اسم المنصور؟
للمطالعة
قصة شفاء الحرّ العاملي من مرضه ببركة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف):
قال المحدّث الجليل الشيخ الحرّ العامليّ :"كنت في عصر الصبا وسنّي عشر سنين أو نحوها حين أصابني مرض شديد جداً حتّى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيّأوا للتعزية، وأيقنوا أنّي أموت تلك الليلة، فرأيت النبيّ والأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم وأنا فيما بين النائم واليقظان، فسلّمت عليهم وصافحتهم واحداً واحداً، وجرى بيني وبين الصادق (عجَّل الله فرجه الشريف) كلام، ولم يبق في خاطري إلاّ أنّه دعا لي.
فلمّا سلّمت على صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه الشريف) وصافحته بكيت وقلت: يا مولاي، أخاف أن أموت في هذا المرض، ولم أقض وطري من العلم والعمل، فقال (عجَّل الله فرجه الشريف): "لا تخف، فإنّك لا تموت في هذا المرض، بل يشفيك الله وتعمّر عمراً طويلاً. ثمّ ناولني قدحاً كان في يده، فشربت منه، وأفقت في الحال، وزال عنّي المرض بالكلّيّة، وجلست، وتعجب أهلي وأقاربي، ولم أحدّثهم بما رأيت إلاّ بعد أيّام"(٦٤).
اقرأ
الكتاب: من وحي كلمات الحجّة، ضمن سلسلة بين يديّ القائم (عجَّل الله فرجه الشريف).
إعداد ونشر: جمعيَّة المعارف الإسلاميَّة الثقافيَّة.
المضمون: يتعرَّض لكلمات الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) ويستوحي منها العديد من المفاهيم المفيدة والضروريَّة في حياة الإنسان المؤمن، ويتضمَّن عدَّة محاور: المحور الأوَّل: العلاقة بين الإمام والأُمَّة، المحور الثاني: أسس الطريق في الغيبة الكبرى، والمحور الثالث: التمهيد وعلامات الظهور، والمحور الرابع: معارف وإرشادات، وينهي الحديث بعنوان قبلة الأفئدة، ويتعرَّض فيه للكلمات حول محلِّ إقامته (عجَّل الله فرجه الشريف) وخزائن الحكم وإعلاء الدين ومعجزات له (عجَّل الله فرجه الشريف).

الدرس الخامس: الغيبة الصغرى ٢٦٠ - ٣٢٩ هـ

تمهيد
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر يقول: "لقائم آل محمَّد غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى"(٦٥).
تؤكِّد الروايات كما يخبرنا الواقع عن أنَّ للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وسنفصِّل في هذا الدرس الكلام عن الغيبة الصغرى، إن شاء الله تعالى.
الإمامة والغيبة الصغرى
بدأت فترة الغيبة الصغرى، بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السلام) عام ٢٦٠ هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) خمس سنين تقريباً واستمرَّت قرابة ٧٠ سنة حتى عام ٣٢٩ هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.
وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.
السفراء الأربعة
كان المؤمنون يتّصلون بالإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) خلال فترة الغيبة الصغرى عبر أشخاص مُحدَّدين كانوا يأخذون من الناس أسئلتهم مكتوبة ليوصلوها إلى الإمام فيجيب عنها بالكتابة أيضاً وتعاد لصاحبها.
هؤلاء الأشخاص الُمحدَّدين اصْطُلِحَ عليهم باسم السفراء وكانوا أربعة أشخاص تناوبوا على هذه المهامّ الخاصّة التي أوكلها لهم الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)، وهؤلاء السفراء هم على التوالي:
السفير الأوّل: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي(٦٦) ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكريّ من قبله حيث قال بشأنه: "هذا أبو عمرو الثِّقة الأمين، ثّقة الماضي وثِّقتي في المحيى والمَمَات فما قاله لكم فعنِّي يقوله وما أدَّى إليكم فعنِّي يُؤدِّيه"(٦٧).
السفير الثاني: أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمريّ(٦٨) وقد أخبر الإمام العسكريّ (عليه السلام) عن هذا الدور في إحدى الروايات: "اشهدوا أنَّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي وأنَّ ابنه محمَّداً وكيل ابني مهديّكم"(٦٩).
السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي(٧٠) حيث جاء عن محمَّد بن عثمان العمريّ بشأنه وذلك قبل موته بمدَّة "إنْ حَدَثَ عليّ حَدَثُ الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فأرجعوا إليه، وعَوِّلُوا في أموركم عليه"(٧١).
السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ(٧٢). وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، حيث كتب (عجَّل الله فرجه الشريف): "بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ بن محمَّد السمريّ: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعِي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم"(٧٣).
وفي اليوم السادس مرض السمريُّ رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلَّم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: "لله أمر هو بالغه".
أسباب الغيبة الصغرى
لماذا اتَّبع الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) هذا الطريق للاتصال بشيعته، حيث اقتصر باتِّصاله المباشر على أشخاص محدَّدين فيما اتَّصل بالباقين عبر هؤلاء وبشكل غير مباشر... إنَّ لهذه الطريقة التي اتَّبعها الإمام العديد من الأسباب، أهمُّها ما يلي:
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)
ذكرنا فيما سبق أنَّ الحكومة العباسيَّة كانت تترصَّد المولود الجديد لتقتله، ونتيجة تدبير الإمام العسكريّ لم يتم لهم معرفة ذلك، ولكن بعد ولادته (عجَّل الله فرجه الشريف) تناهى لمسامعهم بعض الأخبار عن ذلك فتمَّت مداهمة بيت الإمام العسكريِّ (عليه السلام) مرَّات عديدة للقبض على المولود الجديد وتصفيته، ولكن دون جدوى.
وفي هذه الظروف الصعبة والمطاردة العباسيَّة لم يكن للإمام أن يظهر أمام الناس جميعاً، فهو مكلَّف بالحفاظ على نفسه ليتمكَّن حين يحين الموعد من إقامة الدولة الإسلاميَّة العالميَّة، وهذا ما تشير إليه عدَّة روايات، كالرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: "لابدَّ للغلام من غيبة، فقيل له: وَلِمَ يا رسول الله، قال: يخاف القتل"(٧٤).
وخرج في التوقيع من الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) إلى محمَّد بن عثمان العمريِّ في علَّة عدم ذكره (عليه السلام) باسمه: "فإنَّهم إنْ وقفوا على الاسم أذاعوه، وإنْ وقفوا على المكان دلُّوا عليه"(٧٥). فالإمام لم يضمن عدم تسريب مكان تواجده إذا عرفه عامَّة الناس. بل من المتوقَّع أن يصل للعباسيِّين.
ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى
فقد كان المؤمنون قبل ذلك يرتبطون بالنبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبالأئمَّة (عليهم السلام) مباشرة، ويتلقّون منهم الأحكام الشرعيَّة، ويتعلَّمون منهم معالم الدين، ويلجؤون إليهم لحلِّ النزاعات بينهم... واستمرَّ هذا الأمر حتَّى عام ٢٦٠ هـ عند وفاة الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السلام)، وحتَّى لا تحصل المفاجأة بالانقطاع التامِّ والغيبة الكبرى، كان لابدّ من تهيئة الناس من خلال فترة برزخيَّة يكون فيها الإمام منقطعاً جزئيَّاً عن الناس، حتَّى إذا اعتاد الناس على هذه الصيغة صار من الممكن تطويرها لصيغة الغيبة الكبرى والانقطاع التامِّ.
كما كان (عليه السلام) متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث استطاع العديد من المؤمنين ملاقاته في الفترة الأولى، ثُمَّ صار يقلُّ العدد ويزداد احتجابه (عجَّل الله فرجه الشريف) حتَّى وصل إلى زمن السفير الرابع، الذي لا يكاد ينقل أحد مشاهدته غير السفير نفسه.
خلاصة الدرس
بدأت فترة الغيبة الصغرى، بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السلام) عام ٢٦٠ هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) خمس سنين تقريباً واستمرَّت قرابة ٧٠ سنة حتى عام ٣٢٩ هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع.
وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط. وكان له سفراء أربعة هم: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ الأسدي(٧٦)، ثُمَّ أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمري(٧٧)، ثُمَّ أبو القاسم حسين بن روح النوبختي(٧٨)، وأخيراً أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ(٧٩).
أسباب الغيبة الصغرى:
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)، بعد مطاردة العباسيِّين له ومحاولة تصفيَّته من قبلهم.
ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى، لكي يستعدّوا لها ويتلقّوها بشكل تدرِّيجيّ. كما كان (عليه السلام) متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة.
للحفظ
عن الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف):" بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ بن محمَّد السمريّ: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّابٌ مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم".
أسئلة حول الدرس
١ ما الفرق بين الغيبة الكبرى والغيبة الصغرى؟
٢ لماذا لم يُعلم الإمام عموم الناس بمكان تواجده، واعتمد على أشخاص محدَّدين؟
٣ عدِّد السفراء الأربعة بالترتيب.
٤ ما هو دور هؤلاء السفراء الأربعة وكيف تمَّ تعيينهم؟
٥ عدِّد أسباب الغيبة الصغرى؟
للمطالعة
تشرف السيّد المرعشيّ بلقاء الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) (٨٠)
ينقل السيّد عادل العلوي عن أستاذه آية الله السيّد المرعشي النجفي (قدّس سرّه) قوله:
اشتقت كثيراً إلى رؤية جمال مولانا بقيّة الله الأعظم (عجَّل الله فرجه الشريف)، وتعاهدت مع نفسي أن أذهب ماشياً كلّ ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة لمدّة أربعين ليلة، لأفوز بذلك الفوز العظيم.
وفي ليلة باردة وموحشة، ولعلّها الليلة الخامسة والثلاثين سمعت صوت قدمٍ خلفي، فنظرت وإذا بي أرى سيّداً عربيّاً بزيّ أهل البادية، اقترب منّي وقال بلسان فصيح: يا سيّد السلام عليكم. فشعرت بزوال الوحشة من نفسي، والعجيب كيف التفت إليّ أنّي سيّد في مثل هذه الليلة الموحشة؟
مشينا معاً، وبعد خطواتٍ وصلنا إلى مسجد زيد بن صوحان، وهو مسجد صغير بالقرب من مسجد السهلة، فقال السيّد العربيّ: حبّذا لو دخلنا هذا المسجد وصلينا وأدّينا تحيّة المسجد فيه.
فدخلنا وصلّى السيّد العربيّ وأخذ بالدعاء، وكأنّ جدران المسجد تبتهل معه! فأحسستُ بثورةٍ عجيبةٍ في نفسي أعجز عن وصفها!
ثمّ التفتَ إليّ وقال: قم لنذهب إلى مسجد السهلة، فدخلنا المسجد وكان السيّد العربيّ يأتي بالأعمال الواردة في المقامات وأنا أتابعه، وصلّى المغرب والعشاء واقتديت به من دون اختيار، ولم ألتفت بعدُ من هو هذا السيّد.
ولمّا أنهينا، قلت له: هل تشتهي الشاي أو القهوة أو السيجار حتى أعدّه لكم؟
فأجاب بكلمةٍ جامعةٍ وما زالت الرعشة تعتريني عندما أتذكرها: "هذه الأمور من فضول المعاش، ونحن نتجنّب فضول المعاش".
ثمّ تحدّثنا حول مطالب متعدّدة أذكر منها:
١ - الاستخارة حيث سألني السيّد العربيّ: يا سيّد كيف عملك للاستخارة بالسبحة، فقلت: ثلاث مرّات صلوات وثلاث مرّات (أستخير الله برحمته خيرةً في عافية) ثمّ آخذُ قبضةً من السبحة، وأعدّها، فإن بقي زوجٌ فليست جيّدة، وإن بقي فردٌ فجيّدة.
فقال السيّد: لهذه الاستخارة تتمّة لم تصل إليكم، وهي عندما يبقى فردٌ، يؤخذ من السبحة مرّةً أخرى على ترك العمل، فإن بقي زوجٌ، فالاستخارة جيّدة، وإن بقي فردٌ فهي وسط.
قلت في نفسي عليّ أن أطالبه بالدليل، فأجاب: "وصلنا من مكانٍ رفيع". فوجدت بمجرّد هذا القول الانقياد والتسليم، ومع هذا لم ألتفتُ من هو هذا السيّد؟
٢ - تأكيده على تلاوة سورة يس بعد صلاة الصبح، وسورة عمّ بعد الظهر، وسورة نوح بعد العصر، وسورة الواقعة بعد المغرب، وسورة الملك بعد العشاء.
٣ - تأكيده على قراءة دعاء "اللهمّ سرّحني من الهموم والغموم ووحشة الصدر ووسوسة الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين".
٤ - تأكيده على زيارة سيّد الشهداء (عليه السلام).
وبعد هذا أردتُ الخروج لحاجةٍ، وعندما وصلت إلى الحوض وهو في وسط المسجد تبادر لذهني: أيّ ليلة هي هذه؟ ومن هذا السيّد العربيّ صاحب الفضائل؟ ربما هو مقصودي، فرجعت مضطرباً، فلم أجد أثراً لذلك السيّد، فبكيتُ ناحباً كالمجنون، وكلّما ذكرتُ تلك الليلة ذُهلتُ عن نفسي.
اقرأ
كتاب: معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)
تأليف: الهيئة العلميَّة في مؤسسة المعارف الإسلاميَّة، تحت اشراف الشيخ عليّ الكورانيّ
المضمون: يتألَّف الكتاب من خمسة أجزاء، ويذكر في مقدمته "كانت الحاجة إلى عمل أساسيّ يُسهِّل على الباحث والقارئ أن يرجع إلى النصِّ في أيِّ موضوع شاء فيرى هويَّته الكاملة ويفهم منه أكثر ممَّا يقدِّمه له الكاتب. وذلك هو هدفنا من معجم أحاديث الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) وموضوعاتها". والمقصود خصوص النصوص المتعلِّقة بالإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف).

الدرس السادس: الغيبة الكبرى

تمهيد
في الرواية عن الإمام محمَّد التقيّ (عليه السلام) أنه قال: "إنَّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت، فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثُمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون(٨١).
لقد مهَّد أهل البيت (عليهم السلام) للدور الذي سيقوم به الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)، منذ ولادته حتَّى قيام دولته العادلة، وسلطته على الأرض كلِّها، والمراحل التي ستمرُّ بين ذلك، خصوصاً مرحلة الغيبة الكبرى لما تحتاج هذه المرحلة من تهيئة المؤمنين لهذا الموضوع، وتعايشهم مع غيبة إمامهم، واستعدادهم لمواجهة تحدِّيات مرحلة الغيبة. فكانت هذه الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيرها من الروايات التي تحمل في طيَّاتها رسائل واضحة للمؤمنين تثبِّتهم في غيبته وترشدهم إلى مثل هذه المرحلة التي ينبغي أن يكونوا جاهزين لها على المستوى العقائديّ والنفسيّ. وببركة هذه التوجيهات استطاع المؤمنون أن يتعايشوا مع هذه المرحلة ويوفِّروا متطلباتها، إلى أن يأذن الله تعالى لمولانا صاحب الزمان بالظهور. وهناك أمور لابدّ من الإجابة عنها في هذا الإطار نستعرضها خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.
أسباب الغيبة
لا شكَّ أنَّ غيبة الإمام ليست هي القاعدة بالنسبة للدور الذي ينبغي أن يقوم به، بل الأصل أن يكون حاضراً بين أنصاره وأعوانه، يدير وينظِّم ويدبِّر الشؤون ويحقِّق الأهداف، من خلال توجيهاته وقيادته ومواكبته للأمور وحضوره المستمر.
وما نعيشه نحن من غيبة الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف) في هذا الزمن دفعت إليه ظروف وأسباب خاصّة، يكفي أن تزول هذه الظروف وتنتهي تلك الأسباب حتَّى يعود الإمام للظهور والقيادة المباشرة وتحقيق الأهداف والوعد الإلهي.
ومن المهمِّ أن نتعرَّف على هذه الظروف والأسباب التي دعت وتدعو الإمام للغياب، حتَّى نسعى لرفعها وتجنُّبها ممَّا يُعجِل في ظهوره (عجَّل الله فرجه الشريف)، وهذا ما سنتعرَّض له فيما يلي:
فشل كلّ الأطروحات الأخرى
لقد خلق الله تعالى الإنسان في هذه الدُّنيا وجعله مخيَّراً بين الطرقات والسبل بعد أن أرشده إلى طريق الحقِّ وسبيل النجاة، لكنَّ هذا الإنسان لم يندفع باتِّجاه طريق الحقِّ وسبيل النجاة حصراً بل سلك الكثير من السُبُلِ الأخرى، وكأنَّه يستشعر منها فائدة له، وهذه التجارب للسُبُلِ الأخرى التي أخبر الله تعالى عنها مسبقاً أنَّها لن يكون منها سوى الخسران والضلال والظلم، ستستمرُّ حتَّى ظهور الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) ويتحقّق قول الله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(٨٢).
فدولة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) ستكون بعد أن يجرّب الناس جميع الدول والأنظمة الأخرى ويحصلون على فرصتهم الكافية في ذلك. وعندها لا يبقى أمام الناس سوى القبول بدولة الإمام وبالمشروع الإلهيّ بعد فشل جميع مشاريعهم الأخرى.
وقد ورد عن الإمام محمَّد الباقر (عجَّل الله فرجه الشريف) قال: "إنَّ دولتنا آخر الدول ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا لو ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٨٣)"(٨٤).
وعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) قال: "ما يكون هذا الأمر حتَّى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولُّوا على الناس، حتَّى لا يقول قائل: إنَّا لو وُلِّينا لعدلنا، ثُمَّ يقوم القائم بالحقّ والعدل"(٨٥).
وقد رأينا عبر التاريخ كما نرى الآن أيضاً كيف أنَّ جميع هذه الأطروحات تتهاوى وتسقط الواحدة تلو الأخرى، بعد أن تثبت ظلمها وفشلها.
تمحيص المؤمنين
إنَّ مشروعاً بحجم مشروع الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) الذي يراد له أن يكون مشروع المعمورة كلِّها، بعد أن يواجه جميع التحدّيات العسكريَّة والماديَّة والنفسيَّة والعقائديَّة...، لا يستطيع أن يقوم بحملها إلا المخلصون حقَّاً الذين واجهوا جميع أنواع التحدّيات والصعوبات وثبتوا... وحيث أنَّ مشروع الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) ومشروع انتصار وحسم نهائيّ، غير قابل للتراجع أو الانهزام، كان لابدّ من توفر أشخاص مضمونين وممتحنين للقيام بهذا المشروع، من هنا كان تمحيص المؤمنين واختبارهم في زمن الغيبة ليقوى عود المؤمنين والمخلصين حقَّاً، ويصبحوا جاهزين للقيام بهذه المسؤوليَّة، ولينكشف الانهزاميُّون وضعاف النفوس وينسحبوا قبل أن يشكِّلوا أيَّ ثغرة في جيش الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف) قال تعالى: (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عليه حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)(٨٦).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: "والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعناقكم حتَّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر، ثمَّ قرأ قوله تعالى: (ألم * أَحَسِبَ الناسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)(٨٧)"(٨٨).
التسليم المطلق بعد سنين الغيبة
إنِّ فقد الإمام وغيبته، تشعر أنصاره بأهميَّة نعمة حضوره، وبالأضرار الجسيمة التي تلحق غيبته، وبالتالي يرتبطون به ارتباطاً عقليَّاً وقلبيَّاً عالياً جدَّاً، بحيث أنَّه لو ظهر لانساقوا إليه ولبايعوه وتابعوه وأطاعوا أوامره بكلِّ قوَّة وتسليم ووضوح رؤية.
فمن المعروف أنَّ الإنسان لا يقدِّر قيمة الشيء إلا بعد فقده، وهذا ما حصل لبنيّ إسرائيل في صحراء سيناء حينما جاءهم الأمر من نبيِّ الله موسى (عليه السلام) بدخول فلسطين ومجاهدة الأعداء، فما كان جوابهم إلا أن (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(٨٩)، ولكن بعد وفاة النبيّ موسى (عليه السلام) ومكثهم ٤٠ سنة في التيه في صحراء سيناء وشعورهم بأهميَّة النبيّ بعد فقده، قاموا مع وصيِّ موسى يوشع بن نون بدخول فلسطين ومحاربة الأعداء.
متى تنتهي الغيبة؟
إنَّ ما سبق يشير إلى المصلحة في الغيبة نفسها وضرورتها لتتحقّق الأمور التي تحدَّثنا عنها، ولكنَّ تحقّق تلك الأمور لوحدها لا يكفي للظهور، بل هناك أسباب وشرائط أخرى لابدّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفَرَجُ، من هذه الأمور:
وجود الأنصار
لابدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)، وهناك العديد من الروايات التي تحدَّثت عن هؤلاء الأنصار، الذين يجتمعون حول الإمام عند بداية حركته وعددهم ٣١٣ بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.
هؤلاء الذين يكفون الإمام ما يريد كما ذُكِرَ في الرواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام): "يحفُّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد"(٩٠).
عدم التوقيت
هناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)، كما في الرواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: "لقد حدَّثني أبي عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريَّتِك؟ فقال (عليه السلام): مثله مثل الساعة لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، ثقُلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة"(٩١).
بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور كالرواية عن الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام): "كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون"(٩٢).
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "يا مهزم كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون"(٩٣).
فما هو السبب في إخفاء وقت الظهور؟ هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، نذكر منها:
١ - مادام للظهور ظروفه الموضوعية التي يتحقّق الكثير منها على يد المؤمنين، فمن المناسب أن يرتبط الظهور بعمل هؤلاء الناس، وبهمّتهم وحضورهم، ممَّا سيدفعهم للعمل ولتجهيز الأرضيَّة للظهور، وبالتالي للتعجيل بالظهور، وأمَّا ربط الظهور بزمن هو مجرَّد رقم وتاريخ، فهذا لن يكون ربطاً بالأسباب الحقيقيَّة، ولن يكون مساعداً على مستوى دفع الناس باتِّجاه تحقيق ظروف وشرائط الظهور.
٢ - إخفاء وقت الظهور سيبقى شعلة الأمل مشتعلة دائماً في قلوب المؤمنين، ففي الرواية عن محمَّد بن الفضيل عن الرضا (عليه السلام)، قال سألته عن شيء من الفَرَجِ، فقال: "أليس انتظار الفَرَجِ من الفَرَجِ، إِنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين)"(٩٤)، وهذا الأمل سيدفعهم لإصلاح أمورهم، والابتعاد عن المعاصي والتزام الطاعات، وتجهيز الأنفس لنصرة الإمام، ولذلك جاء في رسالة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) التي أرسلها للشيخ المفيد: "فليعمل كلُّ امرئ منكم بما يقرِّبه من محبَّتِنا ويتجنَّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة"(٩٥).
خلاصة الدرس
إنَّ غيبة الإمام ليست هي القاعدة بالنسبة للدور الذي ينبغي أن يقوم به، بل الأصل أنْ يكون حاضراً بين أنصاره وأعوانه، ويكفي أن تزول أسباب الغيبة ليتحقّق الظهور، ومن هذه الأسباب:
١ - فشل كلّ الأطروحات الأخرى حتى لا يظنَّ أحد بعد ذلك أنَّه يمكن تحقيق العدل من خلالها.
٢ - تمحيص المؤمنين واختبارهم ليقوى عود المخلصين منهم ويظهر أصحاب النفوس الضعيفة.
٣ - التسليم المطلق للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) بعد سنين الغيبة والشعور بأهميَّة ونعمة حضوره.
هذه العناصر تختصر المصلحة في الغيبة، وهناك شرائط أخرى لابدّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفرج، ومن أهمِّ هذه الشرائط وجود الأنصار، فلابدّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)، وعددهم ٣١٣ بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.
وهناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)، بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور.
للحفظ
عن الإمام محمَّد التَّقي (عليه السلام) أنه قال: "إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثم قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لم سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سُمِّيَ المنتظر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون".
أسئلة حول الدرس
١ - هل الأصل في الإمام أن يكون حاضراً أم غائباً؟
٢ - ما الفائدة من فشل كلّ الأطروحات الأخرى قبل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
٣ - لماذا لابدّ من تمحيص واختبار المؤمنين قبل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف).
٤ - اذكر شرطاً من شرائط ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
٥ - ما الفائدة من إخفاء توقيت ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
للمطالعة
قصّة السيّد محمَّد العاملي وتشرُّفه بلقاء الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) خارج النجف الأشرف
جاء في كتاب جنّة المأوى عن ذكر من فاز بلقاء الحجّة (للمحدّث الجليل ميرزا حسين النوري) قصّة العابد الصّالح التقيِّ السيّد محمَّد العامليِّ (رحمه الله)، وهو ابن السيّد عبّاس (آل العبّاس شرف الدين) الساكن في قرية جبشيت من قرى جبل عامل وكان من قصّته أنّه (رحمه الله) لكثرة تعدِّي الجور عليه خرج من وطنه خائفاً هارباً مع شدَّة فقره، وقلّة بضاعته، حتّى أنّه لم يكن عنده يوم خروجه إلاّ مقدار لا يسوى قوت يومه، وكان متعفّفاً لا يسأل أحداً.
وساح في الأرض برهة من دهره، ورأى في أيّام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة، إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة النجف الأشرف على مشرَّفها آلاف التحيّة والتّحف، وسكن في بعض الحجرات الفوقانيّة من الصحن المقدّس وكان في شدَّة الفقر، ولم يكن يعرفه بتلك الصّفة إلا قليل، وتوفّي (رحمه الله) في النّجف الأشرف، بعد مضيِّ خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.
وكان أحياناً يراودُني، وكان كثير العفّة والحياء يحضر عندي أيّام إقامة التعزية، وربّما استعار منّي بعض كتب الأدعية لشدَّة ضيق معاشه، حتّى أنَّ كثيراً ما لا يتمكّن لقوته إلاّ (على) تميرات، يواظب الأدعية المأثورة لسعة الرزق حتّى كأنه ما ترك شيئاً من الأذكار المرويّة والأدعية المأثورة.
واشتغل بعض أيّامه على عرض حاجته على صاحب الزَّمان (عجَّل الله فرجه الشريف) الملك المنّان أربعين يوماً، وكان يكتب حاجته، ويخرج كلَّ يوم قبل طلوع الشمس من البلد من الباب الصّغير الّذي يخرج منه إلى البحر، ويبعد عن طرف اليمين مقدار فرسخ أو أزيد، بحيث لا يراه أحد ثمَّ يضع عريضته في بندقة من الطّين ويودعها أحد نوّابه سلام الله عليه، ويرميها في الماء إلى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً.
فلمّا فعل ما يفعله كلَّ يوم ورجع، قال: كنت في غاية الملالة وضيق الخلق وأمشي مُطرقاً رأسي، فالتفتُّ فإذا أنا برجل كأنّه لحق بي من ورائي وكان في زيِّ العرب، فسلّم عليّ فرددت (عليه السلام) بأقل ما يردُّ، وما التفتُّ إليه لضيق خلقي، فسايرني مقداراً وأنا على حالي، فقال بلهجة أهل قريتي: سيّد محمَّد، ما حاجتك؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلانيِّ وترمي العريضة في الماء، تظنُّ أنّ إمامك ليس مطّلعاً على حاجتك؟
قال: فتعجّبت من ذلك، لأنّي لم أطلع أحداً على شغلي، ولا أحد رآني، ولا أحد من أهل جبل عامل في المشهد الشريف لم أعرفه، خصوصاً أنّه لابس الكفّية والعقال وليس مرسوماً في بلادنا، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى، وفوزي بالنعمة العظمى، وأنّه الحجّة على البرايا، إمام العصر (عجَّل الله فرجه الشريف).
وكنت سمعت قديماً أنَّ يده المباركة في النّعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: أُصافحه فإن كانت يده كما سمعت أصنع ما (يحقُّ) بحضرته، فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته، فمدَّ يده المباركة فصافحته، فإذا يده كما سمعت، فتيقّنت الفوز والفلاح، فرفعت رأسي، ووجّهت له وجهي، وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أر أحداً.
قلت: ووالده السيّد عبّاس حيٌّ إلى حال التأليف، وهو من بني أعمام العالم الحبر الجليل، والسيّد المؤيّد النبيل، وحيد عصره، وناموس دهره السيّد صدر الدين العاملي المتوطّن في أصبهان تلميذ العلاّمة الطباطبائيِّ بحر العلوم أعلى الله مقامهما.
اقرأ
كتاب: الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، ضمن سلسلة "في رحاب الوليِّ الخامنئي".
إعداد ونشر: مركز الإمام الخميني الثقافي.
المضمون: يتضمن أربعة محاور، المحور الأوّل حول قضيّة المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) وأنّها قضية عالميَّة، وفطريَّة...، والمحور الثاني حول قضيّة المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) بين العدوِّ والصديق، والمحور الثالث: حول أهميَّة الاعتقاد بالمهديِّ وضرورته، والمحور الرابع: حول خصائص حركة ودولة المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف).

الدرس السابع: طول عمر الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)

تمهيد
هناك العديد من الروايات التي ذكرناها سابقاً تحدَّثت عن طول غيبة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، حتى يصل إلى مستوى يُشكِّك الكثير من الناس في أصل وجوده أو في بقائه حيَّاً طوال هذه المدّة.
وبعمليّة حسابيّة بسيطة، إذا لاحظنا تاريخ ولادة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) في عام ٢٥٥ هجريّ، نجد أنَّه عاش حتَّى الآن أكثر من ألف ومائة وخمسين عاماً, فهل يمكن أن يطول عمر إنسان إلى هذا الحدّ؟
طول العمر أمر ممكن
يقول تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون)(٩٦), فما دمنا نتكلم عن أنَّ الله تعالى أراد للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) أن يغيب هذه الفترة الطويلة كلَّها فلا مجال للكلام عن عدم إمكانيَّة ذلك أو استحالته، بل الله قادر على ما يريد. وعنه (عجَّل الله فرجه الشريف): "وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله"(٩٧).
نماذج من التاريخ
إنَّ التساؤل عن إمكانيَّة أن يطول عمر الإنسان إلى هذا الحدِّ، والتشكيك بذلك، يمكن أنْ يشعر الإنسان أنَّ طول عمر الإمام هو نموذج أوحد لا مثيل له في التاريخ، وحيث أنَّه لا مثيل له يمكن أنْ يحدث نوعاً من الصدمة أو التشكيك عند ضعاف النفوس، ولكن من المستغرب أنَّ التشكيك يحصل رغم وجود الكثير من النماذج الأكيدة لأشخاص كانت أعمارهم طويلة جداً، وردت في نصوص قرآنية أو في روايات مسلّمة، وسنذكر فيما يلي نموذجين:
نوح (عليه السلام)
يقول تعالى في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُون)(٩٨)، فهذه السنين الطويلة من عمر نبيِّ الله نوح (عليه السلام) "ألف سنة إلا خمسين عاماً"، هي جزء من عمره قضاها بعد أن أرسله الله تعالى لقومه إلى أن حصل الطوفان، وليس تمام عمره.
فإذا كان نبيُّ الله نوح تستوجب ظروفه أن يحيا هذا العمر كلّه، أفلا يستحقُّ تحقيق الوعد الإلهيّ بالنصر النهائيِّ، وتحقيق العدالة على الأرض، وغلبة جند الله، ورفعة دينه... كل ذلك ألا يستوجب المدَّ في عمر صاحب الزمان ليحقِّق هذا المشروع العظيم على يديه؟!
الخضر (عليه السلام)
من المعروف أنَّ الخضر (عليه السلام) من المعمِّرين، وأنَّ عمره تطاول لآلاف السنين، وفي رواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: "إنَّ الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتَّى ينفخ في الصُّور، وإنَّه ليأتينا فَيُسَلِّمْ عليّنا، فَيُسْمَعُ صوته ولا يُرى شخصُه، وإنَّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليُسَلِّمْ عليه، وإنَّه ليحضر الموسم كل سنة، فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيُؤَمِّن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته"(٩٩).
فالخضر (عليه السلام) لا زال حيَّاً حتَّى الآن وبالتالي فعمره حتَّى الآن أضعاف عمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف). وسيبقى حيَّاً حتَّى ينفخ في الصُّور. وتنقل لنا النصوص الشرعيَّة أحداثاً حصلت مع الخضر (عليه السلام) خلال هذه السنين المتطاولة، كالقصّة التي ينقلها القرآن الكريم عند لقائه لنبيِّ الله موسى (عليه السلام)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)(١٠٠), وكذلك ورد في الرواية عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام): "لَمَّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) جاء الخضر (عليه السلام) فوقف على باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد سُجِيَّ بثوبه فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمَّد (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(١٠١)، إنَّ في الله خلفاً من كلِّ هالك، وعزاءً من كلِّ مصيبة، ودركاً من كلِّ فائت، فتوكَّلوا عليه، وثقوا به، وأستغفر الله لي ولكم. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا أخي الخضر (عليه السلام) جاء يعزِّيكم بنبيِّكم (صلّى الله عليه وآله وسلم)"(١٠٢).
وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر (عليه السلام) وعمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، فعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) أنه قال:
"وأمَّا العبد الصالح الخضر، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إنّ الله تبارك وتعالى لمَّا كان في سابق علمه أن يقدِّر من عمر القائم ما يقدِّر من عمر الخضر وما قدَّر في أيّام غيبته ما قدَّر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم (عجَّل الله فرجه الشريف)، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين لئلَّا يكون للناس على الله حجَّة"(١٠٣).
النتيجة
إنَّ الإيمان بمقام الإمامة وكون الإمام مسدَّداً من قبل الله تعالى يؤدِّي دوره الاستثنائيّ الذي أراده الله تعالى له، الإيمان بذلك لا يجتمع مع التشكيك به بسبب طول العمر أو غيرها من الأمور التي تعتبر عاديَّة بالنسبة للقدرة الإلهيَّة، والسنن التاريخيَّة. والتشكيك ينطلق من الاختلاف في موضوع الإمامة وعدم إيمان شريحة من الناس به. وأمَّا من يتَّبع منهج الإمامة فإنَّه سيجد نفسه في قضية الإمام المهديِّ وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنيّة التي ينتظر تحقّقها...
خلاصة الدرس
إذا لاحظنا تاريخ ولادة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) في عام ٢٥٥ هجري، نجد أنَّه عاش حتى الآن أكثر من ألف ومائة وخمسين عاماً, فهل يمكن أنْ يطول عمر إنسان إلى هذا الحدّ؟
يقول تعالى: (إنَّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)(١٠٤), فمع إرادة الله تعالى لا مجال للكلام عن عدم إمكانيَّة ذلك أو استحالته، بل الله قادر على ما يريد.
وهناك نماذج عديدة في التاريخ لأشخاص عَمَّروا عمراً طويلاً منهم نبيّ الله نوح (عليه السلام) الذي أخبر القرآن الكريم عن مكثه ?ألف سنة إلا خمسين عاماً?، وهذا جزء من عمره وليس تمام عمره.
ومن المُعَمِّرين الخضر (عليه السلام) فإنَّ عمره تطاول لآلاف السنين، وسيبقى حيّاً إلى أن يُنفخَ في الصُّور، وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر (عليه السلام) وعمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، وأنَّ طول عمر الخضر (عليه السلام) لم يكن لسبب يوجب ذلك إلا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم (عجَّل الله فرجه الشريف) ومن يتَّبع منهج الإمامة سيجد نفسه في قضيَّة الإمام المهديِّ وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنية التي ينتظر تحقّقها...
للحفظ
عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "وأمَّا العبد الصالح الخضر، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إنَّ الله تبارك وتعالى لمَّا كان في سابق علمه أنْ يقدِّر من عمر القائم ما يقدِّر من عمر الخضر وما قدَّر في أيّام غيبته ما قدَّر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم (عجَّل الله فرجه الشريف)، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجَّة".
أسئلة حول الدرس
١ - كم يبلغ عمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) حتَّى الآن تقريباً؟
٢ - ما الدليل على إمكانيَّة أن يطول عمر الإنسان بهذا المقدار؟
٣ - ما مقدار الوقت الذي مكثه نوح يدعو قومه، وهل يعبِّر هذا المقدار عن تمام عمره؟
٤ - لماذا كان طول عمر نوح (عليه السلام) يدُّل على إمكانيَّة طول عمر الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
٥ - اذكر حادثتين نقلتا عن الخضر في أزمنة متباعدة تدلاَّن على طول عمره.
للمطالعة
قصة أخرى للسيد محمَّد العاملي وتشرُّفه بلقاء الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) عندما أشرف على الهلاك
وحدَّث السيّد الصّالح المتقدِّم ذكره، قدَّس الله روحه: قال وردت المشهد المقدّس الرضويَّ عليه الصّلاة والسّلام للزيارة، وأقمت فيه مدَّة، وكنت في ضنك وضيق مع وفور النعمة، ورخص أسعارها، ولمّا أردت الرُّجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شيء من الزَّاد حتّى قرصة لقوت يومي، فتخلّفت عنهم، وبقيت يومي إلى زوال الشمس فزرت مولاي وأدَّيت فرض الصلاة، فرأيت أنّي لو لم ألحق بهم لا يتيسّر لي الرفقة عن قريب، وإن بقيت أدركني الشتاء ومتُّ من البرد.
فخرجت من الحرم المطهّر مع ملالة الخاطر، وقلت في نفسي:
أمشي على أثرهم، فإن متُّ جوعاً استرحت، وإلاّ لحقت بهم، فخرجت من البلد الشّريف وسألت عن الطريق، وصرت أمشي حتّى غربت الشمس وما صادفت أحداً، فعلمت أنّي أخطأت الطريق، وأنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى الحنظل، وقد أشرفت من الجوع والعطش على الهلاك، فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعليّ أظفر من بينها بحبحب (يشبه الحنظل من حيث الصورة) حتّى كسرت نحواً من خمسمائة، فلم أظفر بها، وطلبت الماء والكلاء حتّى جنّني اللّيل، ويئست منهما، فأيقنت الفناء واستسلمت للموت، وبكيت على حالي.
فتراءى لي مكان مرتفع، فصعدته فوجدت في أعلاها عيناً من الماء، فتعجّبت وشكرت الله (عزَّ وجلَّ) وشربت الماء وقلت في نفسي: أتوضّأ وضوء الصّلاة وأُصلّي لئلّا ينزل بي الموت وأنا مشغول الذمّة بها، فبادرت إليها.
فلمّا فرغت من العشاء الآخرة، أظلم اللّيل وامتلأت البيداء من أصوات السّباع وغيرها وكنت أعرف من بينها صوت الأسد والذئب وأرى أعين بعضها تتوقّد كأنّها السراج، فزادت وحشتي، إلاّ أنّي كنت مستسلماً للموت، فأدركني النوم لكثرة التعب، وما أفقت إلاّ والأصوات قد انخمدت، والدُّنيا بنور القمر قد أضاءت، وأنا في غاية الضعف، فرأيت فارساً مقبلاً عليّ، فقلت في نفسي إنّه يقتلني لأنّه يريد متاعي فلا يجد شيئاً عندي فيغضب لذلك فيقتلني، ولا أقلَّ من أن تصيبني منه جراحة.
فلما وصل إليَّ سلّم عليّ، فرددت "عليك السلام" وطابت منه نفسي، فقال: ما لك؟ فأومأت إليه بضعفي، فقال: عندك ثلاث بطّيخات، لم لا تأكل منها؟ فقلت: لا تستهزئني ودعني على حالي، فقال لي: انظر إلى ورائك، فنظرت فرأيت شجرة بطّيخ عليها ثلاث بطّيخات كبار، فقال: سدَّ جوعك بواحدة، وخذ معك اثنتين، وعليك بهذا الصراط المستقيم، فامش عليه، وكُلْ نصف بطّيخة أوَّل النهار، والنصف الآخر عند الزوال، واحفظ بطّيخة فإنّها تنفعك، فإذا غربت الشمس، تصل إلى خيمة سوداء، يوصلك أهلها إلى القافلة، وغاب عن بصري.
فقمت إلى تلك البطّيخات، فكسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة واللّطافة كأنّي ما أكلت مثلها فأكلتها، وأخذت معي الاثنتين، ولزمت الطريق، وجعلت أمشي حتّى طلعت الشمس، ومضى من طلوعها مقدار ساعة، فكسرت واحدة منهما وأكلت نصفها وسرت إلى زوال الشّمس، فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق.
فلمّا قرب الغروب بدت لي تلك الخيمة، ورآني أهلها فبادروا إليَّ وأخذوني بعنف وشدَّة، وذهبوا بي إلى الخيمة كأنّهم زعموني جاسوساً، وكنت لا أعرف التكلّم إلاّ بلسان العرب، ولا يعرفون لساني، فأتوا بي إلى كبيرهم، فقال لي بشدَّة وغضب: من أين جئت؟ تصدقني وإلا قتلتك فأفهمته بكلّ حيلة شرحاً من حالي.
فقال: أيّها السيّد الكذَّاب لا يعبر من الطريق الّذي تدَّعيه متنفّس إلاّ تلف أو أكلته السّباع، ثمَّ إنّك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في الزمان الذي تذكره، ومن هذا المكان إلى المشهد المقدّس مسيرة ثلاثة أيّام؟! أصدقني وإلا قتلتك، وشهر سيفه في وجهي.
فبدا له البطّيخ من تحت عبائي فقال: ما هذا؟ فقصصت عليه قصّته، فقال الحاضرون: ليس في هذا الصّحراء بطّيخ، خصوصاً هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبداً، فرجعوا إلى أنفسهم، وتكلّموا فيما بينهم، وكأنّهم علموا صدق مقالتي، وأنَّ هذه معجزة من الإمام عليه آلاف التحيّة والثناء والسّلام، فأقبلوا عليّ وقبّلوا يدي وصدَّروني في مجلسهم، وأكرموني غاية الإكرام، وأخذوا لباسي تبرُّكاً به وكسوني ألبسة جديدة فاخرة، وأضافوني يومين وليلتين.
فلمّا كان اليوم الثالث، أعطوني عشرة توامين، ووجّهوا معي ثلاثة منهم حتّى أدركت القافلة.
اقرأ
الكتاب: وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام
تأليف: الحاج ميرزا محمَّد تقي الموسوي الاصفهاني
المضمون: يتألف من جزأين، يتعرَّض الج الأوَّل لعدَّة فصول، الفصل الأوَّل: في الأدعية والزيارات المختصَّة به، والفصل الثاني: يذكر أربعة عشر فائدة من الفوائد الحاصلة عند الدعاء لحضرة بقيَّة الله (عجَّل الله فرجه الشريف) بتعجيل ظهوره من الله جلَّ شأنه والتي جمعها من الآيات والأخبار. والفصل الثالث في عدم توقيت الظهور، وأمَّا الجزء الثاني فيتابع ذكر الوظائف العمليَّة في غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف).

الدرس الثامن: انتظار الفرج

تمهيد
كثرت الروايات التي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج"(١٠٥).
وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله (عزَّ وجلَّ) انتظار الفرج.... والمنتظر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله(١٠٦).
فما هو هذا الانتظار الذي يعتبر من أحبِّ الأعمال وأفضل العبادات كما عبَّرت بعض الروايات وكيف يكون؟
معنى الانتظار
الانتظار في اللَّغة بمعنى الترقُّب(١٠٧)، والتربُّص(١٠٨)، وهو "حالة نفسانيَّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد..."(١٠٩).
كيف يكون الانتظار؟
إنَّ معرفة كيفية الانتظار أمر مهمّ جدَّاً لأنَّنا نتحدَّث عن فترة طويلة استمرّت قروناً حتَّى الآن ومرَّ فيها أجيال وأجيال، ضمن ظروف مختلفة وفرص متفاوتة، ولا يمكن ترك هذه الأجيال بلا تكليف واضح ومحدَّد، فما هو تكليف هذه الأجيال في هذه الفترة وكيف من المفترض أن يكون انتظارها لظهور الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) ولتحقّق الفرج على يديه؟
الانتظار السلبي والإيجابي
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان متصوّران لكيفية الانتظار، ولتكليف المؤمنين في زمان الغيبة الكبرى للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف):
الانتظار السلبي: والمقصود منه أن يبقى الإنسان جالساً دون أيِّ حراك أو فعاليَّة تذكر، ودون أن يقوم بأيِّ عمل تغييريّ، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور، وما تحقّق منها؛ ليزداد أمله بقرب الظهور، كما لو استشعر تحقّق شيء منها، وهذا يعني أنَّ الوظيفة الأساسية للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) دون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعيِّ والسياسيِّ.
الانتظار الإيجابي: والمقصود منه أن لا يقف الإنسان مكتوف اليدين ساكناً، حتَّى يتحقّق الفرج بظهور الإمام، وإنَّما يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه سواء كانت فرديّة أم اجتماعيَّة، أو لها علاقة بالنظام والحكم...
فأيُّهما هو الانتظار الصحيح والمطلوب شرعاً؟
المنهج الصحيح في الانتظار
عند مراجعة الروايات والنصوص الشرعية، لا شكَّ أنَّنا سنصل لنتيجة قطعيَّة تقول: إنَّ المطلوب من الأجيال في عصر الغيبة الكبرى لا يمكن أن يكون مجرَّد السكون والجلوس في البيت، والتخاذل عن الوظائف الشرعيَّة الممكنة، والتي فيها مصلحة الأمَّة، بل هناك العديد من الأدوار الأساسيَّة التي لابدّ من تنفيذها، يمكن أن نختصرها فيما يلي:
أولاً: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيّة
عن الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف): "... ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لَما تأخَّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا..."(١١٠).
فاتِّحاد المؤمنين حول قضية الإمام المهديِّ هي سبب مباشر لتعجيل الظهور، وليس المطلوب مجرَّد الاتِّحاد العقائديّ، لأنَّ ذلك حاصل منذ زمن بعيد، وإنَّما المطلوب الاتِّحاد على المستوى العمليِّ، وعندما نتحدَّث عن اتِّحاد، فهذا يعني أنَّهم كالجسد الواحد الذي له رأس واحد يديره ويقوده، هذا الرأس الذي عبَّرت عنه مكاتبته (عجَّل الله فرجه الشريف): "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"(١١١)، وهو الوليُّ الفقيه.
ويكون همُّ المؤمنين تطبيق أحكام الله تعالى والتمسّك بطاعته، كما طلب وأكَّد عليه الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) في ما ورد عنه: "فاتَّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم(١١٢) من فتنة قد أنافت(١١٣) عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف(١١٤) حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(١١٥)"(١١٦).
وكذلك عنه (عجَّل الله فرجه الشريف): "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلّم"(١١٧).
ثانياً: توحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب
فالإمام الصادق (عليه السلام) يتحدَّث بشكل واضح أنَّ حفيده المهديّ المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف) "ما يخرج إلا في أولي قوَّة"(١١٨).
والقوَّة لها جانبان، قوَّة ماديَّة تأتي من خلال التجهيز والاستعداد والتدرُّب... وهذا يفترض أنَّ هناك تحرُّكاً قويَّاً في هذا الاتجاه قبيل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)، وقوَّة في القلب والإرادة، وهذه تنتج عن الثبات أمام الابتلاءات، وهناك رواية تصفهم: "إنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَّدكت، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)"(١١٩).
ثالثاً: التمهيد للظهور
هناك العديد من الروايات التي تتحدَّث عن أشخاص ورايات تظهر قبيل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) وتقوم بتهيئة الأرض له والتمهيد لظهوره، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"(١٢٠).
خلاصة الدرس
الانتظار في اللغة بمعنى الترقُّب، والتربُّص، وهو "حالة نفسانيّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدَّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد...".
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان لكيفية الانتظار: الانتظار السلبيُّ بمعنى أنْ لا يقوم الإنسان بأيِّ عمل، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور. والانتظار الإيجابيّ بمعنى أنْ يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه. هو المستفاد من الروايات، وعلى الإنسان أن يؤدِّي دوره في: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيَّة، وتوحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب، والتمهيد للظهور.
للحفظ
عن الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف): "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخَّر عنهم اليُمْن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا ممَّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيِّدنا البشير النذير محمَّد وآله الطاهرين وسلَّم".
أسئلة حول الدرس
١ - ما معنى الانتظار في اللغة؟
٢ - ما هي أقسام الانتظار المتصوَّرة وما هو الفرق بينها؟
٣ - كيف يكون الانتظار الصحيح، وما هو الدليل على ذلك؟
٤ - من هو رأس المجتمع الإسلاميِّ في غيبة الإمام، وما الذي يدلُّ على ذلك؟
٥ - ما هي أهمُّ العناصر التي ينبغي تحقيقها في زمن الانتظار؟
للمطالعة
النيابة الحقيقية لصاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف)
قصة يرويها الشيخ الفرقاني (تلميذ الإمام الخميني (قدّس سرّه)):
كان الإمام الخميني قد اعتاد أن يذهب لإلقاء الدرس في الساعة العاشرة والربع من صباح كلّ يوم، وكنت أتبعه مسرعاً، لكي أكون بمعيتّه، وكنت أخرج - أحياناً - بعده، لأنّه كان يذهب بمفرده إلى حلقة الدرس، ولم يكن يخبرني أغلب الأحيان عندما كان يخرج.
وفي يوم من الأيّام، وبينما كنت مسرعاً للّحاق بالإمام وجدت شيخاً كهلاً، من أهالي مازندران، كان معروفاً بحقده وعدائه، وغالباً ما كان يحرّض الطلبة على عدم الحضور في درس الإمام، شاهدته يقبل باب منزل الإمام، وينحني فيقبل العتبة، فلم استسغ ذلك منه وأبديت استغرابي من فعله، فالتفت إليّ قائلاً: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله)(١٢١)، فقلت ما الذي حدث؟! فلم يجبني، ولكنّه سألني: هل تذهب إلى الدرس؟ وهل يأتي الإمام إلى المسجد؟ فأجبته: نعم، فقال لي: سأرافقك إلى المسجد.
عجبت من أمر الرجل، فإنّه لم يك يحضر الدرس مطلقاً، ولم يكن يدع ابنه يقترب إلى الإمام لتقبيل يده. خرج الإمام، فانسحب الرجل متوارياً عن نظرنا من زقاق جانبي، لشدّة خجله - وذهبت مع الإمام إلى المسجد. وكنت قد نسيت كتاب الدرس، فاضطررت إلى أن أجلس عند المنبر وعلى مقربة من باب المسجد.
وجاء الشيخ المازندراني، فجلس إلى جانبي، وقال لي: إنك تعلم بتأثير بطانة السوء عليّ، وقد سمعت الكثير من المغرضين يقولون: إنّ الإمام يقرأ الصحف والجرائد، وأضاف الشيخ قائلاً: في إحدى الليالي، رأيت في عالم الأحلام أنّي في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) ورأيت مجموعة من الأشخاص ذوي مهابة وجلال، وقد جلسوا مصطفّين متقاربين. كانوا اثني عشر، وقيل لي إنّ الثاني عشر المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) الذي كان يسطع منه النور وفي غاية الحسن والجمال، كان يجلس في آخر الصف. وبعد ذلك شاهدت العلماء من السلف الماضي بدأوا يخرجون من مقبرة المقدّس الأردبيلي واحداً إثر واحد، وحدّقت إليهم لعليّ أتعرف على أحد منهم، إلى أن جاء دور أحدهم فعرفته واسمه الشيخ شلال، وكان شيخاً عربياً، ولقد فرحت وأردت ملاقاته، ورمت أن أتحرّك فلم أستطع، وكأنّ رجليّ قد التصقتا بالأرض، وعندما كان العلماء يقدمون احتراماتهم لهؤلاء الجالسين يستقبلهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع واحد أو اثنين منهم من على جانبيه، ويكون الباقون منهم مشغولين في حديث دائر فيما بينهم. وفي بعض الأحيان يقوم سبعة أو ثمانية منهم لاستقبال الوافدين عليهم من أولئك العلماء.
وأضاف الشيخ: وفي هذه الأثناء، رأيت السيّد الخمينيّ يصل إلى الحرم، وكنت أنت خلفه، ويخلع حذاءه، ولما دخل رأيتُ أن هؤلاء الاثني عشر عندما رأوه قاموا إليه جميعاً، ثم عادوا إلى مجالسهم إلا الثاني عشر، فإنّه تقدّم نحوه وناداه: روح الله، فطوى السيّد الخمينيّ عباءته وأجابه: نعم سيدي، فقال له: تعال، فتوجّه إليه بسرعة وعندما وصل إلى محاذاته، رأيت الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) أطول من السيّد الخمينيّ، وقد كانت أذنه تقابل فم إمام الزمان وقال له: ربع ساعة، فأجابه: على عيني... الشيء الكذائي سأكلمه... سأكلمه إن شاء الله، واستمرّ حديث الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) في أذن روح الله وبسرعة فائقة ربع ساعة كاملة.
وبعد تمامها، ابتعد عنه بمسافة متر أو مترين، ورجع للجلوس في مكانه. ورفع السيّد الخمينيّ يده كمن يرفعها للتحيّة، فردّ الأحد عشر الجالسون على تحيّته وتراجع السيّد الخمينيّ خطوات إلى النجف دون أن يوليهم ظهره، ولم يذهب نحو الضريح.
ويضيف الشيخ: فقلت لِمَ لم يذهب السيّد الخمينيّ إلى الضريح للزيارة؟ فقيل لي إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) جالس هنا، فلم يذهب إلى هناك؟ وتوجه السيّد بعد ذلك نحو محلّ وضع الأحذية (الكيشوانية) وقدّمت له حذاءه، وخرج من باب الصحن مسرعاً. وانتبهت من النوم وبدأت أبكي، فنهضت زوجتي فرأت أنّني أبكي، ونظرت إلى الساعة فكانت تشير إلى بقاء ساعة واحدة إلى موعد أذان الفجر، فرجعتُ إلى نفسي أوبّخها وأتمتم معها: يا ربِّ تجاوز عن تقصيري وإسرافي، فأنا من الآن مؤمن بمنزلة هذا السيّد الجليل. ولكنّي لحدّ الآن لست مستريحاً. وأوّل عمل قمت به هو الذي شاهدته من تقبيلي باب دار الإمام وعتبتها، ولم يشاهد ذلك سواك، وقرّرت أن أنشر فضائل هذا الرجل العظيم. والخلاصة أن قصّتي هي كما رويتها لك، ولي رجاء منك أن تعرض قضيتي على الإمام حسب استطاعتك، ليسامحني ويعفو عني.
وعند خروجنا من المسجد أخبرتُ الإمام بما دار بيننا، فقال الإمام لقد عفوت عنه وسامحته عن كلّ بادرة منه. وجاءني الشيخ بعد ذلك يعدو وعيناه تذرفان الدموع يستجلي ما آلت إليه النتيجة، فأخبرته بأنّ الإمام سامحك عن أيّ عمل قمت به ضدّه، فوقع ساجداً لله شكراً، وأصبح بعد ذلك يحضر مجالس الإمام، وشمله الإمام بنظرة خاصّة(١٢٢).
اقرأ
كتاب: ١٨وظيفة في زمن الغيبة، ضمن سلسلة "بين يديّ القائم"
إعداد ونشر: جمعيَّة المعارف الإسلامية الثقافية
المضمون: أحصى الكتاب ١٨ وظيفة على المؤمنين الالتزام بها في زمن الغيبة، الوظائف الثمانية الأولى حول معرفة الإمام وأشكال الارتباط به، والتاسعة والعاشرة وظائف أخلاقيَّة، والباقي وظائف عمليَّة، لها علاقة بالانتظار وكيفيّته وتوصيات جهاديَّة وماليَّة وعلميَّة.

الدرس التاسع: الممهدون وأصحاب القائم

تمهيد
إنَّ أمنية كلِّ مؤمن أن يكون في ركب جنود القائم (عجَّل الله فرجه الشريف) عند ظهوره وفي الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): "فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره"(١٢٣)، والمخلصون يعملون على التمهيد لظهوره، وتهيئة الأرض ومواءمة الظروف لتحقيق شرائط الظهور، وتحقيق اليوم الموعود، وفي رواية أنَّه سئل الإمام محمَّد التقيَّ (عليه السلام): "لِمَ سُمِّيَ القائم؟ فقال: "لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقيل له: وَلِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ فقال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون"(١٢٤).
فما هي صفات المخلصين للحجَّة في غيبته الممهِّدون له، وما هي صفات أصحابه (عجَّل الله فرجه الشريف)، هذا ما سنلقي الضوء عليه خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.
١ - الإيمان بالغيب
في الرواية سئل الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (ألم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بالغَيْبِ)(١٢٥) فقال: "المتّقون شيعة عليّ (عليه السلام) والغيب فهو الحجّة (الغائب) وشاهد ذلك قوله تعالى: (ويَقُولُونَ لَولا اُنزِلَ عليه آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ اِنَّما اَلْغَيْبُ لله فَانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المُنْتَظِرِين)(١٢٦)"(١٢٧).
إنَّ وجود الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) أصبح من الغيب نتيجة غيبته، والإيمان به إيمان بالغيب، والإيمان بالغيب هو من صفات المتَّقين، لذلك كان الإيمان بالإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) متيسّر على المتَّقين.
حزب الله
عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: في حديث طويل عندما يسئل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن أوصيائه، فعدَّهم النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى أن قال: "ومن بعده (اي بعد الحسن العسكريّ) ابنه محمَّد، يدعى بالمهديّ والقائم والحجّة، فيغيب ثمَّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبَّته أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الذين يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلاة)(١٢٨)، وقال تعالى: (... أُولَئكَ حِزبُ اَللهِ ألا اِنَّ حِزْبَ اَللهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُون)(١٢٩)"(١٣٠).
٢ - الصبر على الأذى
لا شكَّ أنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات وامتحانات صعبة تحتاج للكثير من الثبات والصبر، وهذا ما أكَّدت عليه الروايات أيضاً، ففي الرواية عن الإمام الحسين (عليه السلام): "أما أنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يديّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)"(١٣١).
٣ - جهوزِّية أصحاب الحجّة
وأمَّا بعد ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)، فسيكون ظهوره بين أصحاب لهم صفاتهم الخاصّة أيضاً، ومن هذه الصفات الاستعداد والجهوزِّية، ففي الرواية عن الإمام محمَّد الباقر (عليه السلام) والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (ولَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وحَاقَ بِهِم ما كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ)(١٣٢), أنّهما قالا: "الأمّة المعدودة هم أصحاب المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) في آخر الزمان ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً كعدَّة أهل بدر، يجتمعون في ساعةٍ واحدةٍ كما يجتمع قزع الخريف"(١٣٣).
فمن الملاحظ في هذه الرواية كيف يجتمع أصحاب الإمام في ساعةٍ واحدةٍ، ممَّا يشير إلى الجهوزيَّة التامَّة التي يتمتَّع بها هؤلاء الأشخاص بحيث لم ينشغلوا بتجهيز المقدِّمات وتهيئة الأمور لتلبية النداء، بل كانوا جاهزين وحاضرين تماماً.
٤ - الركن الشديد
عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "ما كان قول لوط (عليه السلام) لقومه (قَالَ لَو أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَو ءَاوِي إِلَى رُكْنٍ شَديدٍ)(١٣٤)، إلا تمنِّياً لقوَّة (القائم المهديِّ) وشدَّة أصحابه، وهم الركن الشديد، فإنَّ الرجل منهم يُعطى قوَّة أربعين رجلاً، وأنَّ قلب رجل أشدّ من زبر الحديد، لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَدكَت، لا يكفُّون سيوفهم حتَّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)"(١٣٥).
فمن الملاحظ في هذه الرواية أنَّ أصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) يتمتَّعون بقوَّة جسديَّة "يُعطى قوَّة أربعين رجلاً"، إرادة صلبة لا تلين "وأنَّ قلب رجل أشدّ من زبر الحديد"، وبمجموع الإرادة مع القوَّة والجهوزِّية صاروا "لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكَدكَت"، وأهدافهم تتلخَّص برضا الله سبحانه وتعالى، فهم يسعون وراء أداء تكليفهم وتحقيق الأهداف الإلهية "لا يكفُّون سيوفهم حتّى يرضى الله (عزَّ وجلَّ)".
هذه المواصفات الممتازة التي تلحظ الأهداف والإرادة التي لا تلين مع قوَّة وجهوزيَّة بدنيَّة، هي التي يرتجى بها النصر على الأعداء، وقد تمنَّى لوط (عليه السلام) مثل هؤلاء الأنصار، كيف لا، وقد ورد في الرواية عن الصادق (عليه السلام) في وصف أنصاره (عجَّل الله فرجه الشريف) قال: "يَقُوْنَه بأنفسهم في الحروب، ويَكْفُوْنَه ما يريد فيهم.. ينصر الله بهم إمام الحقِّ"(١٣٦).
٥ - تمنّي الشهادة
عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) قال: "يَدْعُوْنَ بالشهادة ويتمنُّون أنْ يقتلوا في سبيل الله"(١٣٧).
٦ - الارتباط بالله تعالى
يتميَّز أصحاب الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) بارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وعبادتهم له وتهجُّدهم في اللَّيل، وقد ورد في الحديث: "رجال لا ينامون اللَّيل لهم دويٌّ كدوِيِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنَّهار، وهم من خشية الله مشفقون"(١٣٨).
٧ - الالتزام بالنِّظام
ويشير الى ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنَّه قال فيهم: "الزّيُ واحد، واللباس واحد، كأنَّما آباؤهم أبٌ واحدٌ"(١٣٩).
خلاصة الدرس
تتلخّص صفات الممهِّدين للحجَّة، وصفات أصحابه (عجَّل الله فرجه الشريف) بما يلي:
الإيمان بالغيب: فوجود الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) أصبح من الغيب نتيجة غيبته، والإيمان بالغيب هو من صفات المتَّقين.
الصبر على الأذى: إنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات تحتاج للكثير من الثبات والصبر.
جهوزّية أصحاب الحجّة: فمن الملاحظ اجتماع أصحاب الإمام حوله في ساعةٍ واحدةٍ، مما يشير إلى الجهوزِّية التامَّة التي يتمتَّع بها هؤلاء.
الركن الشديد: فمن الملاحظ أن أصحاب الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) كما في الروايات يتمتَّعون بقوَّة جسدية وإرادة صلبة، وأهدافهم تتلخَّص برضا الله سبحانه وتعالى.
الارتباط بالله تعالى: يتميَّز أصحابه (عجَّل الله فرجه الشريف) بارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وعبادتهم له وتهجُّدهم في اللَّيل.
بالإضافة إلى الالتزام بالنِّظام.
للحفظ
ورد في الحديث: "رجال لا ينامون اللَّيل لهم دويٌّ كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان باللَّيل ليوث بالنهار، وهم من خشية الله مشفقون".
أسئلة حول الدرس
١ - ما معنى الإيمان بالغيب ولماذا الإيمان بالحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) من الغيب؟
٢ - ما هي أهمُّ الصفات التي يتَّصف بها المؤمن في زمن الغيبة؟
٣ - أذكر نموذجاً من الروايات يدل على ارتباط أصحاب الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) بالله تعالى.
٤ - ماذا كانت أُمنية لوط عندما تعرَّض له قومه بحسب بعض الروايات؟ ولماذا؟
٥ - هل لأصحاب الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) نظام خاصّ؟ اذكر نموذجاً على ذلك.
للمطالعة
طمأنينة القادة (١٤٠)
ذكر سماحة الشيخ قراءتي القصة التالية، وأنا أتذكرها جيداً، وقد كنت وقتها في طهران، شاهدتها على شاشة تلفزيون الجمهورية الإسلامية، وأنا أنقلها كما شاهدتها بمشاعري: لما كان سماحة آية الله المجاهد السيد علي الخامنئي قائد الجمهورية الإسلامية في إيران دام ظله العالي، يؤمّ المصلين في صلاة الجمعة بجامعة طهران، انفجرت (أثناء خطبة الصلاة) قنبلة موقوتة وسط المصلّين، كان قد زرعها أعوان صدام المتسلّلون من العراق داخل سجّاد موضوع على مسافة غير بعيدة عن إمام الجمعة سماحة السيد الخامنئي، وكان بعض الأبرياء من المصلين جالسين عليه من دون علم.
وفجأة ارتفعت أشلاؤهم وتناثرت أبدانهم وعرجت أرواحهم إلى بارئها، وكأنّهم كانوا وهم في حين الطمأنينة مخاطبين بقوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)(١٤١).
والغريب جداً، أن صوت الانفجار الهائل كان في أثناء خطبة سماحة السيد الخامنئي فلم يتحرك من موضعه شبراً أو فتراً، بل واصل الخطبة بثبات الإيمان وطمأنينة القلب.
والأروع في هذا الموقف المذهل هو اختيار السيد الخامنئي آية قرآنية في خطبته بعد الانفجار مباشرة تناسب الموقف وهيك (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(١٤٢).
اقرأ
كتاب: كمال الدين وتمام النعمة
تأليف: الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ المتوفَّى سنة ٣٨١هـ.
المضمون: يتحدَّث الكتاب في البداية عن ضرورة وجود خليفة وإمام لكلِّ عصر، وينتقل إلى ضرورة معرفة الإمام المهديِّ، ثمَّ يتحدَّث عن الغيبة ويذكر عدَّة أبواب تتضمَّن نماذج من غيبةٍ لأنبياءَ وأوصياء سابقين، ثمَّ ينتقل إلى بشارة عيسى بن مريم بالنبيِّ محمَّد المصطفى، وبعض الأخبار في ذلك، ثمَّ علَّة الحاجة للإمام واتصال الوصيَّة من آدم إلى قيام القائم، ثمَّ يتعرَّض لأبواب حول الغيبة والقائم (عجَّل الله فرجه الشريف).

الدرس العاشر: علامات الظهور

تمهيد
ذكرنا سابقاً أنَّه ليس هناك توقيت لظهور الإمام الحجّة عجل الله فجه الشريف، ولكن رغم ذلك لم يترك أمر الظهور بدون أيِّ إشارة إليه، فقد ذكرت العديد من الروايات أموراً وحوادث عديدة اعتبرَتها مؤشِّراً على قرب زمن الظهور، وهو ما اصطُّلح عليه بعلامات الظهور، وهذه العلامات متعدِّدة ولها أقسامها المتفاوتة.
فبعض العلامات واضحة في معناها والمقصود منها، وبعضها الآخر أشبه بالرمز الذي لا يتضِّح معناه بشكل واضح ودقيق، ولعلَّ سبب الإبهام والترميز هو اختلاف الأزمنة وصعوبة التعبير عن أمور غير موجودة في ذلك الزمن، فيستعاض عنها بالتشبيه والترميز.
وبعض علامات الظهور، تتحدَّث عن الأجواء العامَّة للزمن الذي يحصل فيه الظهور، ومن الطبيعي أنَّ الأجواء العامَّة لا تحدث بلحظة واحدة عادة وإنَّما تكون على نحو التراكمات الاجتماعية، وبالتالي فإنَّ مثل هذه العلامات لا تكون ملاصقة لزمن الظهور تماماً ويحتمل أنْ يتراخى الزمن حتّى يحصل الظهور بعدها. فيما هناك علامات أخرى أشبه بالأحداث والوقائع التي تكون قبيل الظهور بفترات قليلة يعقبها الظهور مباشرة، وبالتالي فهي علامات قريبة جداً من زمن الظهور.
وقد قسَّموا العلامات أيضاً إلى علامات حتميَّة الوقوع، وأخرى غير حتميَّة، ويمكن أنْ لا تتحقّق، ولا يتوقف عليها الظهور بشكل أكيد.
وقبل أن نفصِّل ذلك كلَّه هناك سؤال لابدّ من طرحه، وهو: ما الفائدة من الإخبار عن علامات الظهور؟
لماذا علامات الظهور؟
علامات الظهور لها فوائد متعدِّدة وكبيرة على مستوى حفظ المؤمنين في زمن الغيبة ومواجهة تحديات ذلك الزمان، وعلى مستوى جهوزيَّتهم واستعدادهم عند الظهور، وعدم تراخي الهمم وضعف العزيمة مع تطاول الزمن.
أمَّا حفظ المؤمنين في مواجهة التحدّيات، فمن جهتين:
الجهة الأولى: بعث نور الأمل مع تراكم التحدّيات والصعوبات، فعندما يكثر الفساد في المجتمع وتضيع الحقوق، ويبدأ الإنسان بالإحساس بالإحباط في مواجهة تلك التحدّيات يلاحظ علامة أو عدَّة من علامات الظهور، فتعود شعلة الأمل لتضيء روحه وقلبه من جديد، ويتذكَّر أنَّ الفساد والظلم ليس له إلا جولة، وستنتهي هذه الجولة في يوم ما، وقد بدأت علائم أزوف جولته تظهر من خلال علامات الظهور.
الجهة الثانية: أنَّه مع قراءة علامات الظهور، وكيف أنَّ زمن الظهور سيكون بعد وصول الظلم والفساد إلى القمَّة، فإنَّه بعد ذلك مهما رأى من ظلم وفساد لن يصاب بالمفاجأة والصدَّمة والإحباط، فهو يتوقَّع ذلك من خلال ما يذكر في وصف زمن الظهور وعلاماته العامَّة، وسينقلب الإحباط من وجود الظلم إلى التفاؤل بقرب الظهور.
وأمَّا تأثير العلامات على الجهوزيَّة، فلأنَّ المؤمن عندما يرى علامة تشبه علامات الظهور سيستبشر بقرب الظهور، وبالتالي سيكون أكثر حيويَّة وجهوزيَّة وفعاليَّة في مواجهة الفساد، ليحصل على لياقة أن يكون جنديَّاً من جنود الإمام.
الأجواء العامة قبيل الظهور
وهناك رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) تختصر الدرجة التي وصل إليها الانحطاط في المجتمعات الفاسدة، حيث يقول : "احفظ... فإنَّ علامات ذلك: إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلُّوا الكذب وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا... وباعوا الدين بالدُّنيا واستعملوا السفهاء، وقطعوا الأرحام واتَّبعوا الأهواء واستخَفُّوا بالدماء، وكان الحِلْمُ ضعفاً والظلم فخراً، وكان الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقُرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزُّور واستُعلِن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان.
"... وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقِيَ الفاجر مخافة شرِّه وصُدِّق الكاذب واؤتُمِنَ الخائن واتُّخِذَت القِيَان والمعازف، ولعن آخر هذه الأُمَّة أوَّلها، وركبت ذوات الفروج السروج وتشبَّه النساء بالرجال والرجال بالنساء..."(١٤٣).
وقائع قبيل الظهور
هناك العديد من العلامات والأحداث التي ستحصل قبيل الظهور مذكورة في الروايات، نذكر بعضها مع تصنيفها إلى أقسام:
ألف - الحركات العسكرية
١ - خروج السفيانيّ: وفي حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): "فبينما هم كذلك أي أثناء الفتنة بين أهل المشرق والمغرب، يخرج عليهم السفيانيّ من الوادي اليابس في فور ذلك حتَّى ينزل دمشق، فيبعث جيشين: جيشاً إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتَّى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة (يعني بغداد) فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمئة كبش من بني العبَّاس ثمَّ ينحدرون إلى الكوفة"(١٤٤).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لو رأيت السفيانيّ رأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق"(١٤٥).
٢ - خروج اليمانيّ: قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): "خروج الثلاثة: السفيانيّ والخراسانيّ واليمانيّ في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها من راية أهدى من رايةٍ اليمانيّ لأنَّه يدعو إلى الحقِّ"(١٤٦). وفي حديث عنه :"خروج السفيانيّ واليمانيّ والخراسانيّ في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد، ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس في كل وجه ويل لمن ناواهم، ليس في الرايات أهدى من راية اليمانيّ هي راية هدى لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليمانيّ حرَّم بيع السلاح على كلِّ الناس"(١٤٧).
٣ - إقبال الرايات السود من خراسان: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): "تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهديُّ بعثت إليه بالبيعة"(١٤٨)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتَّى تقتل تحتها"(١٤٩).
ب - أحداث محدَّدة
قتل النفس الزكيَّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين: ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "وليس بين قيام قائم آل محمَّد وبين قتل النفس الزكيَّة إلا خمس عشرة ليلة"(١٥٠).
ج - كوارث وأحداث طبيعيَّة
١ - خسف بالبيداء: ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):" قبل قيام القائم (عجَّل الله فرجه الشريف) اليمانيّ والسفيانيّ والمنادي ينادي من السماء، وخسف البيداء وقتل النفس الزكيَّة"(١٥١).
٢ - خسف بالمشرق وخسف بالمغرب: في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):"... يكون عند ذلك ثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب"(١٥٢).
٣ - طلوع الشّمس من المغرب: عن الإمام الباقر (عليه السلام): "... وطلوع الشّمس من المغرب من المحتوم"(١٥٣).
إعلان الظهور
الصيحة في السماء: وعن الباقر (عليه السلام): "ينادي منادٍ من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب لا يبقى راقد إلا استيقظ ولا قائم إلا قعد ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب"(١٥٤).
خلاصة الدرس
علامات الظهور متعدِّدة ولها أقسامها المتفاوتة، فبعضها واضحة وبعضها أشبه بالرمز. وبعض علامات الظهور، تتحدَّث عن الأجواء العامَّة وبعضها الآخر أشبه بالأحداث والوقائع التي تكون قبيل الظهور.
ولعلامات الظهور فوائد متعدِّدة وكبيرة على مستوى حفظ المؤمنين في زمن الغيبة ومواجهة تحديات ذلك الزمان، وعلى مستوى جهوزيَّتهم واستعدادهم عند الظهور، وعدم تراخي الهمم وضعف العزيمة مع تطاول الزمن.
وقبيل الظهور تكون الأجواء العامَّة للمجتمعات فاسدة وظالمة، من جهات عدَّة.
وهناك العديد من العلامات والأحداث التي ستحصل قبيل الظهور، منها:
أ - حركات عسكريَّة: كخروج السفيانيّ، وخروج اليمانيّ، وإقبال الرايات السود من خراسان.
ب - أحداث محدَّدة: كقتل النفس الزكيَّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين.
ج - كوارث وأحداث طبيعيَّة: كخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وطلوع الشمس من المغرب.
- ويتمّ إعلان الظهور من خلال الصيحة في السماء.
للحفظ
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها".
أسئلة حول الدرس
١ - ما هي أقسام علامات الظهور؟
٢ - ما هي فوائد علامات الظهور؟
٣ - إلى أيِّ درجة يكون قد وصل الفساد والظلم قبيل الظهور؟
٤ - أذكر حركتين عسكريِّتين صالحتين تظهران قبيل الظهور.
٥ - أذكر حادثين طبيعيين يحصلان قبيل الظهور.
للمطالعة
تشرف عليّ بن مهزيار بلقاء الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)
هذه القصّة ذكرها أغلب المؤلّفين وهي معروفة لدى القاصي والداني(١٥٥).
كتب عليّ بن مهزيار حكايته مع الحجّة بن الحسن فقال: تشرّفت بحجّ بيت الله الحرام تسع عشرة مرّة. وفي كلّ مرة، آمل أن ألاقي الحجّة وأتشرّف بمحضره الشريف، لكنّني مع الأسف لم أوفق إلى ذلك. ودبّ اليأس في قلبي من لقائه، ولهذا صممت أخيراً على عدم الذهاب إلى مكّة المكرّمة بعد الآن. وعندما حان موسم الحجّ وسألني رفاقي هل أتوجه معهم إلى الديار المقدّسة، أجبتهم بأنّ لديّ مشاكل هذا العام وليس في نيّتي الحجّ.
وفي تلك الليلة رأيت في المنام أحد الأشخاص وهو يقول لي، لا تقطع حجّك هذه السنة وتعال إلى مكّة، وإن شاء الله تصل إلى قصدك.
وعلى أمل هذا اللقاء، هيّأت نفسي للحجّ، وعندما شاهدني أصحابي تعجّبوا من أمري، ولكنّني لم أخبرهم بسبب تغيير رأيي والتصميم على السفر إلى الديار المقدّسة.
حتّى وصلنا مكّة المكرّمة وأدّينا فرائض الحجّ، وكنت دائماً أجلس في زاوية منعزلة وأسرح بأفكاري في عالم الأحلام، لعلّي أُلاقي حبيبي وإمامي الحجّة عجل الله تعالى فرجه وفي أحد الأيّام - وحينما كنت منزوياً في ركن منعزل في المسجد، وقد وضعت رأسي بين ركبتيّ - وإذا برجل يربِّتُ على متني ويسلم ويقول:
من أي بلد أنت؟ فقلت: من الأهواز.
ثم سألني: وهل تعرف ابن الخصيب؟
فقلت: (رحمه الله)، فقد انتقل إلى الدار الآخرة.
فقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، كان رجلاً طيّباً محبّاً للإحسان للناس.
ثم سألني: وهل تعرف عليّ بن مهزيار؟
فقلت: أجل، أنا هو.
فقال: أهلاً وسهلاً ومرحباً بك يا بن مهزيار، لقد عانيت الكثير من المشاق كي تصل إلى زيارة صاحب الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف). وأنا أبشرك بأنّك ستوفق هذه المرّة لزيارته ولقائه، اذهب إلى أصحابك وودعهم ثمّ تعال مساء الغد عند شعب أبي طالب، حيث آخذك لخدمة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف). فذهبت فرحاً مسروراً وحزمت أمتعتي وودعت رفاقي، ثمّ توجهت في تلك الليلة إلى شعب أبي طالب، فوجدت ذلك الشخص في انتظاري.
ثمّ ركبنا سوية جملاً من مكّة ومررنا بجبال عرفات ومنى، حتى وصلنا إلى جبال الطائف، فقال: ترجّل حتّى نصلّي صلاة الليل. فترجّلت وصلّينا سويّة، ثمّ ركبنا البعير وواصلنا سيرنا حتى مطلع الفجر، حيث ترجّلنا ثانية وتوضّأنا وصلينا صلاة الصبح.
ثمّ أخذ بيدي مسافة قصيرة وقال: انظر هناك، ماذا ترى؟ وكان الوقت قد اقترب من الصباح وبانت تباشير الشمس، فقلت له: أرى خيمة وقد أنارت الصحراء. فقال: أجل إنّه نور وجوده المقدّس. دعنا نذهب لخدمته. فقلت له: وماذا عن البعير؟ فقال: نتركه هنا. ثم واصلنا السير حتى وصلنا إلى الخيمة، فقال لي: انتظر هنا حتى أستأذن لك بالدخول.
ثمّ دخل الخيمة منفرداً. وبعد لحظات، خرج وقال: أبشرك، فقد سمح لك صاحب الزمان بالمثول بين يديه والتشرّف بلقائه المقدّس.
ولما دخلت الخيمة، شاهدت شاباً وسيماً، رائع الجمال، دقيق الأنف، معقود الحاجبين، وعلى خدّه الأيمن خال يأسر الألباب! وبكلّ لطف ومحبّة سأل عن أحوالي ثمّ قال: لقد عاهدت والدي أن لا أسكن المدن والأمصار حتى يأذن لي الله (تعالى) بالخروج فأترك هذه الجبال والفيافي التي أعيش فيها خشية من الطغاة والجبارين.
ثم بقيت عدّة أيّام ضيفاً على صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف) وتشبعت بوجوده المقدّس واستفاض قلبي من وجوده علماً وأدباً وخلقاً، حتى آن ذهابي فقدمت خمسين ألف درهم التي معي باعتبارها سهم الإمام إلى وجوده المقدّس، لكنه رفض قبول المبلغ وقال: أنت أحوج بها وخاصّة أمامك طريق طويل للوصول إلى وطنك وأهلك.
ثمّ ودّعته وتوجّهت إلى الأهواز. وما زلت أتذكر تلك الأيّام العظيمة التي قضيتها في خدمة إمام العصر والزمان وكلّي أمل أن ألقاه ثانية بإذن الله.
اقرأ
كتاب: انتظار المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، ضمن سلسلة "إحياء فكر الشهيد مطهَّريّ".
إعداد ونشر: مركز الإمام الخميني الثقافي
المضمون: يطرح في بداية أسئلة يحاول الإجابة عنها ضمن هذا الكُتيّب، وهذه التساؤلات هي التالية:
كيف ينظر الإسلام إلى مستقبل البشريّة؟
هل انتظار الفرج من مختصَّات المذهب الشيعيّ؟
ما هي أهمُّ خصائص نهضة المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
كيف ننتظر الفرج؟
هل نشر الفساد من العوامل المساهِمة في تعجيل الفرج؟
كيف يمكن لانتظار الفرج أن يكون من أفضل العبادات؟

الدرس الحادي عشر: رايات قبل الظهور

تمهيد
إنَّ النصر النهائيَّ والكامل سيتحقّق عند ظهور الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، ولن يتحقّق قبيل ذلك، وهذا ما تؤكِّده الروايات بشكل واضح لا لُبس فيه، وما دمنا نعلم أنْ لا نصر نهائيَّ وكامل قبل الظهور، فهل يمكن أن يكون هناك رايات قبل الظهور؟
السبب في هذا السؤال بالإضافة لما ذكرناه بعض الروايات التي استفاد البعض منها، عدم إمكانيّة رفع أيّ راية قبل ظهور الإمام، وهذا ما سنتحدَّث عنه بالتفصيل ونعالجه خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.
ما المقصود من الرايات؟
إنَّ الراية في هذا الزمن لها رمزها وحضورها المعنويّ، فهي تُعبِّر عن حضور وقوَّة أصحاب هذه الراية حيثما رفعت، وإسقاطها يعني سقوطهم وضعفهم هناك.
أمَّا في الأزمنة السابقة فبالإضافة إلى بُعْدِها المعنويِّ كان لها بُعْداً آخر، حيث كانت الراية تجمع الناس حولها ليتكتَّلوا ويقوموا قيام رجلٍ واحدٍ في مواجهة الأعداء، وسقوط الراية يعني ضياع الجيش وتشتُّته وزعزعة صفوفه، وبالتالي الهزيمة.
العمليَّة، لذلك كان يُنتخب لحمل الراية أقوى وأشجع وأمضى الناس، والقادر على قيادتهم لتحقيق النصر. من هنا نفهم كلمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في خيبر: "لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله كرَّاراً غير فرَّارٍ"(١٥٦).
فمجرَّد رفع الراية يعني تجميع الناس ودعوتهم للالتحاق بها، وتكتُّلهم تحت عنوانها للقيام بعمل كبير قد يستوجب بذل الدماء.
هل ترتفع الرايات قبل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
هذا السؤال يطرح نفسه باعتبار أنَّنا ذكرنا سابقاً أنَّ النصر النهائيَّ لن يكون إلا بظهور الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)، فهل يجب انتظار ظهوره لترتفع الرايات، أم يمكن ذلك في زمان غيبته؟
قلنا: إنَّ رفع الرايات يعني القيام بعمل جماعيّ كبير وبشكل منظَّم قد يستوجب بذل الدماء، وبالتالي فرفع الرايات هو وسيلة لتحقيق أهداف معيَّنة، وفي زمن الغيبة هناك الكثير من الأهداف الضروريَّة التي يجب تحقيقها، والكثير من التكاليف الواجبة التي يجب التزامها، وكلّها تحتاج لعمل جماعيٍّ وتكتُّلٍ وتنظيمٍ وبذلٍ للدماء والمهج في سبيل ذلك. ومن تلك الأمور:
١ - الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم
فإنَّ الجهاد والدفاع عن بلاد المسلمين ودمائهم وأعراضهم واجب باتَّفاق كافَّة الفقهاء، والدفاع لن يحصل بالتشتُّت والجلوس في البيت وترك الأعداء يفعلون ما يحلو لهم من نهب وظلم واضطِهاد، بل نحن نحتاج في الدفاع إلى مواجهةٍ قويَّةٍ ومنظَّمةٍ، وتجميع طاقات الأُمَّة وقدراتها على جميع المستويات، يقول تعالى: (أُذِن لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(١٥٧).
٢ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهذه وظيفة إلهيَّة عظيمة لا يمكن تركها أو التخلِّي عنها، يقول تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(١٥٨)، ولا تكفي المبادرات الفرديَّة للنهي عن المنكر في هذا الزمن، بل لا يتحقّق النهيُّ عنه وإصلاح المجتمع إلا من خلال عملٍ جماعيٍّ يواجه كلَّ تحديّات أهل المنكر، على جميع المستويات الثقافيَّة والإعلاميَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة وغيرها... يقول تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١٥٩).
٣ - تنفيذ الأحكام الإلهية
إنّ الإسلام يتضمَّن أحكاماً تفصيليَّة على جميع المستويات، حتَّى في القضاء وإقامة الحدود والعقوبات، وكذلك في الاقتصاد والبنوك والأموال، بالإضافة إلى قوانين الأحوال الشخصيَّة، فهل يمكن لأحد أن يدَّعي جواز ترك الإسلام وأحكامه كلّها في زمن الغيبة؟! لا شكَّ أنَّنا مكلَّفين شرعاً بالالتزام بهذه الأحكام، يقول تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(١٦٠).
النتيجة
ما دمنا مكلَّفين بالدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وامتثال الأحكام الإلهيَّة على تنوُّعها وسعتها، فهذا كلّه لا يمكن أن يحصل إلا من خلال جمع طاقات الناس وتنظيمها وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبذل ما ينبغي بذله في سبيل تحقيقها.
لا تلتحق بالرايات المشبوهة
هناك روايات وردت عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تنبِّه المؤمنين وتحذِّرهم وتمنعهم من الالتحاق برايات كانت ترتَفع ليتجمَّع الناس حولها. كالرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): "فالخارج منّا اليوم إلى أيِّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمَّد (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ فنحن نشهدكم أنَّنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم.."(١٦١)، وهناك روايات أخرى أيضاً بهذا المعنى.
والسبب في هذه الروايات هو حركة العباسيِّين الذين رفعوا شعار الثأر لأهل البيت من الأمويِّين، بشكل غرَّر ببعض المؤمنين، فأراد الإمام أن ينبِّههم إلى أن العباسيِّين غير صادقين في ادِّعاءاتهم وأنَّهم يطلبون الملك والدُّنيا، وأنَّهم إن وصلوا إلى الحكم فلن يكونوا أفضل من الأمويِّين " فنحن نشهدكم أنَّنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم"، وأمَّا إذا كانت الراية صحيحة وتعبِّر عن شخص يرضاه الإمام فالموضوع مختلف، كما في الوليِّ الفقيه الذي عبَّر الإمام الحجّة عن رضاه عن عمله وألزم المؤمنين بطاعته "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا"، فراية الوليّ الفقيه ليست إلا راية رفعها الإمام الحجّة بنفسه بمقتضى هذه الرواية، والوليُّ الفقيه لا يدعو لنفسه وإنَّما يدعو للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) ويمهِّد لظهوره.
رايات حق قبل الظهور
هناك الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن رايات حقّ وهدى ترفع قبل ظهور الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، وأنَّها تمهِّد لظهوره. كالرواية عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): "كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يعطونه، ثُمَّ يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتَّى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء"(١٦٢).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"(١٦٣) أي يمهِّدون لظهوره. وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قال: "رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحقِّ، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلُّهم الرِّياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكَّلون، والعاقبة للمتَّقين"(١٦٤).
خلاصة الدرس
كانت الراية في السابق تجمع الناس حولها ليتكتَّلوا ويقوموا قيام رجلٍ واحدٍ في مواجهة الأعداء، وسقوط الراية يعني ضياع الجيش وتشتُّته وزعزعة صفوفه.
وفي زمن الغيبة يمكن رفع الرايات أيضاً لتحقيق أمور منها: الدفاع عن بلاد المسلمين ومصالحهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الأحكام الإلهيَّة. فهذا كلُّه لا يمكن أن يحصل إلا من خلال جمع طاقات الناس وتنظيمها وتفعيلها بالشكل الصحيح، وبذل ما ينبغي بذله في سبيل تحقيقها.
هناك روايات وردت عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) تنبِّه المؤمنين وتحذِّرهم وتمنعهم من الالتحاق برايات كانت ترتفع ليتجمَّع الناس حولها. والسبب في هذه الروايات هو حركة العباسيِّين الذين رفعوا شعار الثأر لأهل البيت (عليهم السلام) من الأمويِّين، بشكل غرَّر ببعض المؤمنين، فأراد الإمام أن ينبِّههم إلى أنَّ العباسيِّين غير صادقين في ادِّعاءاتهم، وأمَّا إذا كانت الراية صحيحة كما في الوليِّ الفقيه فيجب اتِّباعها، والوليُّ الفقيه لا يدعو لنفسه وإنَّما يدعو للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) ويمهِّد لظهوره.
هناك الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن رايات حقّ وهدى ترفع قبل ظهور الإمام المهديِّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) وأنَّها تمهِّد لظهوره.
للحفظ
عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): "كأنِّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقَّ فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه. فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتَّى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء".
أسئلة حول الدرس
١ - إلى ماذا ترمز كلمة "الراية" في الروايات؟
٢ - هل يمكن أن ترفع الراية في زمن الغيبة؟ لماذا؟
٣ - كيف تفسِّر الروايات التي منعت الالتحاق ببعض الرايات؟
٤ - لماذا يجب الالتحاق براية الوليِّ الفقيه؟
٥ - أعطي نموذجين عن رايات حق ترفع قبل ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف)؟
للمطالعة
أفِد يا مفيد
يذكر صاحب "روضات الجنات"(١٦٥) (رحمه الله) أن للشيخ المفيد رضوان الله عليه مع صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف) مقابلات ومكاشفات، منها ما نقله عن ابن شهر آشوب فقال:
سُئل الشيخ المفيد يوماً عن امرأة حُبلى ماتت، فهل تدفن مع ولدها أم يجب إخراجه منها؟ فظنّ أنّ الولَد ميّت في بطنها فقال: لا حاجة لفصله عن أمّه. بل يجوز أن يدفن معها، وهو في بطنها. فلما حُملت إلى قبرها، أتى النِسوة رجلٌ وقال: إنّ الشيخ المفيد يأمر بشقِّ بطنِ الحُبلى وأنْ يُخرج الجنين إذا كان حيّاً منها، ثم يخاط الشقّ، ولا يحلّ أن يدفن معها، فعملت النِسوة بما قيل لهنّ.
ثمّ أخبر الشيخ بما وقع، فسقط في يده بأنّه أخطأ في الفتوى، وأخذ يفكّر في من انتبه لهذا الخطأ فتداركه.
فسمع هاتفاً من خلفه يقول: أفد يا مفيد، فإن أخطأت فعليّنا التسديد.
فالتفت فلم يبصر أحداً، فتيقن أن الهاتف والذي أرشد النسوة هو الإمام الغائب (عجَّل الله فرجه الشريف).
ومن كراماته رضوان الله عليه أن صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه الشريف) رثاه بهذه الأبيات، وكتبها على قبره بخط يده الشريفة:
لا صوّت الناعي بفقدك إنه يوم على آل الرسول عظيمُ
إن كنت قد غيبت في جدث الثرى فالعدل والتوحيد فيك مقيمُ
والقائم المهديّ يفرح كلما تُليت عليك من الدروس علوم
اقرأ
كتاب: الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) بين التواتر وحساب الاحتمال.
تأليف: الشيخ محمَّد باقر الايرواني
المضمون: يتعرَّض لعدَّة محاور، منها: التشكيك في فكرة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف)، والاستدلال بالآيات والروايات على بطلان التشكيك. ثُمَّ التشكيك في الولادة، ويثير أربع قضايا مهمَّة: القضية الأُولى طرق إثبات المسائل التاريخيّة القضيَّة الثانيَّة في الخبر المتواتر، القضيَّة الثالثة في اختلاف الاخبار في الخصوصِّيات واشتراكها في مدلول واحد.
القضيَّة الرابعة الاجتهاد في مقابل النَّص. ثُمَّ يبحث عوامل نشوء اليقين بولادة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) وهي: الأحاديث المتَّفق عليها بين الفريقين، إخبار النبيّ والأئمة بولادة الإمام المهديّ، رؤية بعض الشيعة للإمام المهديِّ، وضوح فكرة ولادة الإمام المهديّ بين الشيعة، السفراء الاربعة والتوقيعات، تصرَّف السلطة، كلمات المؤرِّخين، تباني الشيعة واتّفاقهم على ولادة الإمام المهديِّ. ثُمَّ ينهي بحساب الاحتمال.

الدرس الثاني عشر: شمس خلف السحاب

تمهيد
عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) قال: "لم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجَّة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشِّمس إذا سترها السحاب"(١٦٦).
صحيح أنَّنا نعيش في زمن غيبة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه الشريف) وأنَّنا ننتظر اليوم الذي يظهر فيه هذا الإمام المسدَّد ليقيم العدل على المعمورة كلِّها، وليتحقّق وعد الله تعالى به. ولكن هذا لا يعني أنَّ الانتفاع منه (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) لا يحصل إلا يوم الظهور، بل هو حاضر لازالت بركاته ونوره وهداه يفيض على هذه الدُّنيا، كما عبَّرت هذه الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فالناس تنتفع به رغم كونه غائباً مستوراً. والتشبيه بالشمس التي سترها السحاب، يقرِّب الفكرة، فالشمس التي سترها السحاب لا نستطيع أن نراها، ولكنَّنا رغم ذلك لا نحرم من نورها، فنبقى تحت شعاعها نعيش نهارها رغم عدم رؤيتنا لها. هذا في التشبيه، لتقريب الفكرة وسنذكر فيما يلي بعض المفردات المتعلِّقة بكيفيِّة حصول الاستفادة في هذا الزمن.
سبب اللُّطف والرحمة الإلهيَّة
إنَّ نفس وجود الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) في هذه الدُّنيا له بركات غيبيَّة كبيرة، يكفي أن الله سبحانه وتعالى عندما ينظر إلى هذه الدنيا ليتعامل مع أهلها بما يستحقُّون سيكون بين أفرادها هذا الإمام المعصوم الذي بسبب وجوده يدفع النقمة والعذاب، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِم)(١٦٧).
التدخُّل بشكل غير مباشر
لعلَّ للإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) تدخُّلاته التي من خلالها يسدِّد المؤمنين ويوفِّقهم، ويصلح الأمور بما قدَّر الله تعالى له بما يتناسب مع الغيبة، تماماً كما حصل في قصَّة موسى مع العبد الصالح الذي اخبرت عنه الآيات القرآنية (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن ربِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عليه صَبْرًا)(١٦٨). فهناك من يقوم بأعمال قد لا يلاحظها الناس، ولكنَّهم يعيشون آثارها الطيبِّة، ومثال ذلك القصّة المتقدّمة(١٦٩) التي تُروَى عن الشيخ المفيد (قدّس سرّه) والتي فيها أنَّ الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) قال له: "أفد يا مفيد، فإنْ أخطأت فعليّنا التسديد".
تعيين القيادة الشرعيَّة
ما كان الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) ليترك أتباعه وشيعته دون راعٍ أو قائدٍ يرجعون إليه لأخذ تكليفهم منه، لذلك ورد في الرواية عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمَّد بن عثمان العمريّ أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف): "أمَّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبَّتك... (إلى أن قال) وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"(١٧٠).
في هذه الرواية وعلى أبواب الغيبة الكبرى يسأل اسحق بن يعقوب الإمام الحجّة عن موضوع مهِّم جدَّاً وأساسيّ سيبتلى به المؤمنون في زمن الغيبة، وهذا الموضوع هو القيادة، لمواجهة كلِّ حادثةٍ وكلِّ تحدٍّ وكلِّ مستجِدٍّ قد يطرأ على الساحة، فالناس تحتاج لقيادة واضحة يرجعون إليها، وفي هذه الرواية حدَّد الإمام القيادة التي يجب على الناس الرجوع إليها.
رواة الحديث
إنَّ كلمة "رواة حديثنا" التي يوجِّه الإمام باتِّجاههم في موضوع القيادة، يفيد أنَّ من يتولَّى قيادة الأُمَّة يجب أن يكون منطلقاً في قيادته من فهمه العميق للإسلام الأصيل، المستند للأدلَّة الشرعيَّة الصحيحة المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام).
وعندما يكون المستند هو الدليل الشرعيّ والروايات فهذا يعني أنَّ الذي يتصدَّى لهذا الأمر يجب أن يكون قادراً على معرفة الأحكام الشرعيَّة من خلال الدليل الشرعيِّ، وهذا ما يُصطَّلح عليه بكلمة "المجتهد" أو كلمة "الفقيه" فالمجتهد والفقيه هو الإنسان القادر على استنباط الحكم الشرعيِّ من مصادره المقرَّرة. ولذلك كلمة "رواة حديثنا" كان يشار بها إلى العلماء والفقهاء.
وبالنتيجة فالإمام غائب لا يمكن أن يرجع إليه الناس مباشرة في موضوع القيادة، ولكنَّه قبيل غيبته أقرَّ أسلوباً شرعيّاً للقيادة في غيبته وهو أسلوب "ولاية الفقيه".
إنَّ عبارة "فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"، تفيد أنَّ المؤمن غير مخيَّر في موضوع القيادة بل الحجّة قائمة عليه بوجود هذا الفقيه، وليس هناك أيُّ شرعيَّة لأيِّ قيادة سوى قيادة الفقيه.
وحدة القيادة
إنَّ عبارة "رواة الحديث" جاءت بصيغة الجمع. فهل هذا يعني تعدُّد القيادة وإمكانيَّة أن يكون هناك أكثر من قائد في نفس الوقت؟
من الواضح في جميع الأنظمة وعند جميع العقلاء أنَّه لابدّ من قائد واحد يقود الناس، وأنَّ تعدُّد القيادة يعني ضياع الناس وتشتُّتهم وضعفهم. وبالإضافة إلى وضوح الموضوع عند جميع المجتمعات، هناك روايات أيضاً تؤكِّد وحدة القيادة كالرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنَّما للمسلمين رأس واحد"(١٧١)، وغيرها من الروايات العديدة.
وأمَّا هذه الرواية "رواة حديثنا" فإن كانت بصيغة الجمع فهي لا تتحدَّث عن زمن واحد، وإنَّما تتحدَّث عن أزمنة متطاولة لا يعلم نهايتها إلا الله تعالى، وبالتالي فهناك العديد من القادة ولكن قائدٌ بعد آخر...
خلاصة الدرس
يحصل الانتفاع بالإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف) حتَّى في زمن الغيبة، من جهات عديدة:
- فهو (عجَّل الله فرجه الشريف) بوجوده سبب اللطف والرحمة الإلهيَّة.
- ولعلَّه يتدخَّل لتسديد المؤمنين وتوفيقهم، ويصلح الأمور بما قدَّر الله تعالى له بما يتناسب مع الغيبة كما حصل في قصَّة موسى مع العبد الصالح.
- وقبيل غيبته أقرَّ أسلوباً شرعيَّاً للقيادة في غيبته وهو أسلوب "ولاية الفقيه".
من الواضح في جميع الأنظمة وعند جميع العقلاء أنَّه لابدّ من قائد واحد يقود الناس، وأنَّ تعدَّد القيادة يعني ضياع الناس وتشتُّتهم وضعفهم، وهذا ما تؤكِّده العديد من الروايات أيضاً.
للحفظ
عن إسحاق بن يعقوب قال: "سألت محمَّد بن عثمان العمريّ أن يوصل لي كتابًا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف): "أمَّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبَّتك...(إلى أن قال): وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله".
أسئلة حول الدرس
١ - بماذا شبَّهت الرواية انتفاع الناس بالإمام في غيبته؟
٢ - لماذا كان نفس وجود الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) – رغم غيبته - لطفاً ورحمة؟
٣ هل يمكن أن يتدخَّل الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) لمصلحة المؤمنين رغم غيبته؟ أعطِ مثالاً قرآنياً على ذلك.
٤ – ما هو الأسلوب الشرعيّ الذي أقرَّه الإمام (عجَّل الله فرجه الشريف) للقيادة في غيبته؟
٥ - ما الدليل على وحدة القيادة؟ وكيف تفسِّر صيغة الجمع في الرواية "رواة حديثنا"؟
للمطالعة
المعالم العامة لخط الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه)
سنتحدّث في عن خمسة أمورٍ هامّة يتميز بها الخط المبارك لإمامنا الخميني، وهي في الحقيقة أعمدة راسخة ثابتة في وجدان أتباع هذا الخطّ المبارك:
١ - الارتباط بالله تعالى
من أركان هذا الخطّ وميّزاته وخصائصه "الربّانية" هو الارتباط بالله سبحانه وتعالى، ارتباطاً وثيقاً قائماً على أساس العبوديّة الحقيقية لله تعالى، والإخلاص له، والاتكال عليه تعالى، في كلّ الحالات، وهذا هو قوام الخط وأساسه الأوّل، ومن دونه لا يبقى لهذا الخطّ شكلٌ ولا محتوى.
يقول الإمام الخميني (قدّس سرّه):
"وإن الذي نهضتم أنتم أيّها الشعب النبيل المجاهد من أجله، هو أعلى وأسمى وأثمن هدفٍ ومقصدٍ طرح ويطرح منذ بدء العالم في الأزل وحتى نهاية العالم إلى الأبد. إنّه المدرسة الإلهيّة بمعناها الواسع، وعقيدة التوحيد بأبعادها السامية. إنّه أساس الخلق وغايته في كلّ آفاق الوجود"(١٧٢).
٢ - الامتداد لنهج الأنبياء (عليهم السلام)
إنّ الجذور الأولى لهذا الخطّ تمتدّ إلى رسالة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)، فليس هذا الخطّ خطّاً مبتوراً، وإنّما هو في أبعاده التاريخيّة خطّ الأنبياء والمجاهدين والدعاة إلى الله تعالى والأئمّة (عليهم السلام) وهو بذلك خطّ عريق، أصيل، ذو أصول ثابتة، والإحساس بهذه الحقيقة، يعمّق صلة الناس العاطفية والعقلية بهذا الخطّ.
يقول الإمام الخميني (قدّس سرّه):
"وهذا الهدف متجلّ في المدرسة المحمديّة على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام بكلّ المعاني والدرجات والأبعاد. وإنّ كلّ مساعي الأنبياء العظام والأولياء الكرام - سلام الله عليهم انصبّت على تحقيق هذا الهدف، وبدونه لا يتيسّر السبيل إلى الكمال المطلق ولا إلى الجلال والجمال اللامتناهيين.
إنّه هو الذي يجعل "الأرضيّين" أشرف من "الملكوتيّين"، وما يناله الأرضيّون من الاتجاه نحوه، لا تناله الموجودات الأخرى في كلّ أرجاء الخليقة ما خفي منها وما ظهر"(١٧٣).
٣ - خط الجهاد العمليّ
إنّ هذا الخطّ ليس خطّاً سياسيّاً، وجهاديّاً نظريّاً، تبلور من خلال تنظيرات علميّة ودراسات سياسيّة أكاديميّة فقط، وإنّما تبلورت أبعاد هذا الخطّ السياسيّة والجهاديّة من خلال ركام من جهاد وجهود العاملين وأتباعهم، وتحرّكهم، وسهرهم، ودمائهم ودموعهم، ومتاعبهم خلال طريق ذات الشوكة ومن خلال عذابهم، وسجونهم، وهجرتهم، وفرارهم، وقرارهم، خلال هذه الفترة المباركة من عمر المسلمين.
وهذه الجهود والمجاهدات هي غطاء لخطّ الإمام، وليس مجرّد مجموعة نظريّات ودراسات أكاديميّة، وهو غطاء مبارك يبعث على الاطمئنان والأمن.
فإن الإنسان العامل، عندما يضع خطاه على هذا الخطّ المبارك يعلم أنّه يضع خطاه على طريق شقّته أمّة كبيرة من المجاهدين والعاملين في سبيل الله من خلال تجاربهم وآلامهم وعذابهم، وعملهم، وتحرّكهم، وجهادهم، وما رزقهم الله من نور وبصيرة خلال هذه الحركة المباركة.
٤ - خط ولاية الفقيه
ومن ميّزات وخصائص هذا الخط "ولاية الفقيه"، والتأكيد على ارتباط الحاكميّة بالفقيه، في عصر غيبة الإمام المهديّ (عجَّل الله فرجه الشريف) وبذلك تتكامل حلقات سلسلة الحاكميّة والولاية في حياة الإنسان، فإنّ الله تعالى هو مصدر الحاكميّة والولاية وقد أولى الله تعالى نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) هذا الحقّ في حياة الناس: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(١٧٤). ويتسلسل الحكم والولاية من أئمّة المسلمين (عليهم السلام) وفي عصر الغيبة تستقرّ هذه الولاية بصورة شرعيّة في الفقيه الجامع للشرائط، الذي يلي أمور المسلمين ويتصدّى لشؤونهم.
٥ - الثبات على المبادئ
من المعالم المتميّزة في خطّ الإمام الثبات السياسي، الصامد على مواقفه المبدئيّة، تجاه كلّ القضايا السياسيّة، فلم يحدث مثلاً تغيير في موقف الثورة بعد الحكم تجاه القضيّة الفلسطينيّة، أو تجاه رفض الانتماء إلى الشرق أو الغرب. وهذه من خصائص خطّ الإمام البارزة، وإذا وضعنا هذه الخصيصة السياسيّة، بإزاء المواقف الانتهازيّة لكثير من الأحزاب والفئات والدول، نعرف عمق مبدئيّة خطّ الإمام، والسائرين على هديه.
اقرأ
كتاب: عصر الظهور
تأليف: الشيخ عليّ الكوراني العاملي
المضمون: يتعرَّض للعديد من التفاصيل لها علاقة بعصر ظهور الإمام الحجّة (عجَّل الله فرجه الشريف)، ويتضمَّن عدَّة فقرات، منها: صورة عامَّة لعصر الظهور، الفتنة الشرقيَّة والغربيَّة على المسلمين، الروم ودورهم في عصر الظهور، الترك ودورهم في عصر الظهور، اليهود ودورهم في عصر الظهور، الوعد الإلهيُّ بتدمير اليهود، الوعد الإلهيُّ بالتسليط الدائم عليهم، الوعد الإلهيُّ بإطفاء نار اليهود، ثُمَّ يتعرَّض لخلاصة تاريخ اليهود، ثُمَّ العرب ودورهم في عصر الظهور، وبلاد الشام وحركة السفيانيّ وصفاته ومراحل حركته، ثُمَّ اليمن ودورها في عصر الظهور، ثُمَّ مصر وأحداثها في عصر الظهور، ثُمَّ العراق ودوره في عصر الظهور، ثُمَّ ينهي الكلام عن الإيرانيِّين ودورهم في عصر الظهور.


 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) الشيخ الكليني، الكافي، ج ١، ص ٣٤٢.
(٢) المائدة: ٣.
(٣) إبراهيم: ١.
(٤) النحل: ٤٤.
(٥) الأنعام: ١٥٥.
(٦) الأعراف: ٩٦.
(٧) محمد: ٣٣.
(٨) الأحزاب: ٤٠.
(٩) آل عمران: ١٤٤.
(١٠) المائدة: ٦٧.
(١١) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ٢٧، ص ٣٤.
(١٢) المائدة: ٥٥.
(١٣) المائدة: ٣.
(١٤) الكافي، ج ١، ص ٢٩٥.
(١٥) المازندراني، شرح أصول الكافي، ج ٥، ص ١٩٩.
(١٦) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ٢٧، ص ٣٤.
(١٧) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص ٥١٦.
(١٨) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٣، ص ٣٢٣.
(١٩) أبو الفتح الكراكجي، كنز الفوائد، ص ٣٠٢.
(٢٠) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٣، ص ٣٢٣.
(٢١) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص ٤٨٥.
(٢٢) الشيخ الكليني، الكافي، ج ١، ص ٣٢٧.
(٢٣) الشيخ الصدوق، من لا يحضره، ج ٢، ص٥٢٠.
(٢٤) المازندراني، شرح أصول الكافي، ج ٥، ص١٦٦.
(٢٥) هود: ٨٦.
(٢٦) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص ٣٣١.
(٢٧) الأنبياء: ١٠٥.
(٢٨) القندوريّ، ينابيع المودة لذوي القربى، ج ٣ ص ٢٤٣.
(٢٩) النمل: ٦٢.
(٣٠) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٥٩.
(٣١) الصفّ: ٩.
(٣٢) لِيُظّهِرَهُ عَلَى الدينِ كُلِّهِ.
(٣٣) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٣٢٤.
(٣٤) القصص: ٥.
(٣٥) الشيخ علي كوراني العامليّ، معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)، ج٥، ص ٣٢٤.
(٣٦) محمَّد: ١٨.
(٣٧) ينابيع المودَّة لذوي القربى، القندوريّ، ج ٤، ص ٢٥٠.
(٣٨) إبراهيم: ٥.
(٣٩) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٧، ص ٦١.
(٤٠) الشورى: ١٧.
(٤١) السيّد المرعشي، شرح إحقاق الحقّ، ج ١٣، ص ٣٥٦.
(٤٢) الإسراء: ٣٣.
(٤٣) السيّد المرعشي، شرح إحقاق الحقّ، ج ١٣، ص ٣٥٨.
(٤٤) الأعراف: ١٨٧.
(٤٥) راجع بحار الأنوار، ج ٥٠، ص ٢٣٦.
(٤٦) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٠، ص ٢٩٨.
(٤٧) ابن شهر آشوب، المناقب، ج ٣، ص ٥٢٧.
(٤٨) الإمام السابع هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، فيكون الخامس من ولده هو الإمام المهدي ابن الإمام العسكري ابن الإمام الهادي ابن الإمام الجواد ابن الإمام الرضا ابن الإمام الكاظم (عليه السلام).
(٤٩) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص ٣٣٣.
(٥٠) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص ٣٥٧.
(٥١) الشيخ علي كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهديّ، ج ٤، ص ٢٢٦.
(٥٢) يريد أنّ معرفته بمحمَّد التاج مقتصرة على المنام، بينما هو لا يعرفه فعلاً.
(٥٣) السجادية.
(٥٤) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٣، ص ٢٧٦.
(٥٥) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٠.
(٥٦) المصدر نفسه.
(٥٧) م.ن.، ج ٥١، ص ٢٩.
(٥٨) م.ن. ج ٥١، ص ٣٠.
(٥٩) م.ن. ج ٥١، ص ٢٩.
(٦٠) م.ن. ج ٥١، ص ٣٠.
(٦١) م.ن.
(٦٢) الإسراء: ٣٣.
(٦٣) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٠.
(٦٤) الشيخ عباس القمي، منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، ج ٢، ص ٦٢٥.
(٦٥) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٦٥.
(٦٦) لمدة ٥ سنوات.
(٦٧) العلامة المجلسي, بحار الانوار,ج٥١, ص٣٤٤.
(٦٨) لمدة ٤٠ سنة.
(٦٩) العلامة المجلسي, بحار الانوار ج٥١,ص٣٤٦.
(٧٠) لمدة ٢١ سنة.
(٧١) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٥٥.
(٧٢) لمدة ٣ سنين.
(٧٣) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٦١.
(٧٤) الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج ١، ص ٢٤٣.
(٧٥) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص ٣٦٤.
(٧٦) لمدة ٥ سنوات.
(٧٧) لمدة ٤٠ سنة.
(٧٨) لمدة ٢١ سنة.
(٧٩) لمدة ٣ سنين.
(٨٠) عبد العظيم المهتدي البحراني, قصص وخواطر, قصة١٦٩ ص٢٢١ بتصرف.
(٨١) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٠.
(٨٢) آل عمران: ٨٣.
(٨٣) الأعراف: ١٢٨.
(٨٤) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٣، ص ٢٣٩.
(٨٥) م.ن. ج٥٢، ص ٢٤٤.
(٨٦) آل عمران: ١٧٩.
(٨٧) العنكبوت: ٢.
(٨٨) الشيخ عزيز الله عطاردي، مسند الإمام الرضا (عليه السلام)، ج ١، ص ٢٦٤.
(٨٩) المائدة: ٢٤.
(٩٠) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٢٠٨.
(٩١) م.ن. ج ٥١، ص ١٥٤.
(٩٢) الشيخ الكليني، الكافي، ج ١، ص ٣٦٨.
(٩٣) م.ن. ج١، ص٣٦٨.
(٩٤) العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج ٥٢ ص ١٢٨.
(٩٥) م.ن. ج ٥٣، ص ١٧٦.
(٩٦) يس: ٨٢.
(٩٧) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص ٢٩١.
(٩٨) العنكبوت: ١٤.
(٩٩) الميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج ١، ص ١٧١.
(١٠٠) الكهف: ٦٥ - ٦٦.
(١٠١) آل عمران: ١٨٥.
(١٠٢) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص ٣٩١.
(١٠٣) الميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج ١، ص ١٧١.
(١٠٤) يس: ٨٢.
(١٠٥) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٧٧، ص ١٤٣، رواية ١، باب ٧.
(١٠٦) م.ن. ج٦٥، ص ٦١.
(١٠٧) ابن منظور، لسان العرب، ج١، ص ٤٢٤.
(١٠٨) م.ن. ج٧، ص ٣٩.
(١٠٩) ميرزا محمَّد تقي الأصفهاني، مكيال المكارم، ج٢، ص ١٣٦.
(١١٠) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٣، ص ١٧٧.
(١١١) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ٢٧، ص ١٤٠.
(١١٢) انتياشكم: انتشالكم.
(١١٣) أناف على الشيء: طال وارتفع عليه.
(١١٤) الأزوف: الاقتراب.
(١١٥) سورة الصف: ٨.
(١١٦) خاتمة المستدرك، ج ٣، ص ٢٢٥، من رسالة للشيخ المفيد.
(١١٧) خاتمة المستدرك، ج ٣، ص ٢٢٥، من رسالة للشيخ المفيد.
(١١٨) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٣٢٣.
(١١٩) القندوزي، ينابيع المودَّة لذوي القربى، ج ٣، ص ٨٧.
(١٢٠) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٨٧.
(١٢١) الأعراف: ٤٣.
(١٢٢) عن مجلّة النصر، العدد ٢٧، ص٤٨.
(١٢٣) النعماني، الغيبة، ص ٢٤٠.
(١٢٤) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٣٠.
(١٢٥) البقرة: ١ - ٣.
(١٢٦) يونس: ٢٠.
(١٢٧) العلاّمة المجلسي: بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ١٢٤.
(١٢٨) البقرة: ٢ - ٣.
(١٢٩) المجادلة: ٢٢.
(١٣٠) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ١٤٣.
(١٣١) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص ٣١٨.
(١٣٢) هود: ٨.
(١٣٣) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٩، ص ١٠٣.
(١٣٤) هود: ٨٠.
(١٣٥) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٣٢٧.
(١٣٦) م.ن. ص ٣٠٨.
(١٣٧) الشيخ عليّ النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج ٦، ص ١٩٠.
(١٣٨) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٣٠٨.
(١٣٩) الشيخ عليّ كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهديّ (عليه السلام)، ج٣، ص ٩٤.
(١٤٠) عبد العظيم المهتدي البحراني، قصص وخواطر، قصة ٢٧٨ ص ٣١٢.
(١٤١) الفجر: ٢٧ - ٣٠.
(١٤٢) البقرة: ٢٥٠.
(١٤٣) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ١٩٣.
(١٤٤) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ١٨٦.
(١٤٥) م.ن. ص ٢٠٦.
(١٤٦) م.ن. ص ٢١٠.
(١٤٧) م.ن. ص ٢٣٢.
(١٤٨) م.ن. ص ٢١٧.
(١٤٩) المتَّقي الهندي، كنز العمال، ج ١١، ص ٢٧٨.
(١٥٠) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص ٤٤٥.
(١٥١) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٢٠٣.
(١٥٢) الشيخ علي كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه الشريف)، ج ١، ص ٣٦١.
(١٥٣) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٢٨٩.
(١٥٤) م.ن. ص ٢٣٠.
(١٥٥) راجع كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق.
(١٥٦) الشيخ الكليني، الكافي، ج ٨، ص ٢٥١.
(١٥٧) الحج: ٢٩.
(١٥٨) آل عمران: ١١٠.
(١٥٩) آل عمران: ١٠٤.
(١٦٠) المائدة: ٤٥.
(١٦١) الشيخ الكليني، الكافي، ج ٨، ص ٢٦٤.
(١٦٢) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٢٤٣.
(١٦٣) م.ن. ج ٥١، ص ٨٧.
(١٦٤) م.ن. ج ٥٧، ص ٢١٦.
(١٦٥) السيّد محمَّد باقر الموسوي الخوانساري، روضات الجنات، ج ٦، ص ١٥٦.
(١٦٦) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج ٥٢، ص ٩٣ – ٩٤.
(١٦٧) الأنفال: ٣٢.
(١٦٨) الكهف: ٧٩ - ٨٢.
(١٦٩) تقدمت في مطالعة الدرس الدرس الحادي عشر.
(١٧٠) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ٥٣، ص ١٨١.
(١٧١) م.ن. ج ٦٩، ص ٢١٥.
(١٧٢) الإمام الخميني (قدّس سرّه)، الجهاد الأكبر، المقدّمة.
(١٧٣) م.ن.
(١٧٤) الأحزاب: ٦.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016