الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٤٢) سفراء ونواب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٤٢) سفراء ونواب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الشيخ حميد البغدادي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٦/٠٢ المشاهدات المشاهدات: ٣٩٣٠ التعليقات التعليقات: ٠

سفراء ونواب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

الشيخ حميد البغدادي

المقصود بالسفير في هذه البحوث الشخص الذي أنيطت به الوساطة بين الشيعة وبين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لأجل إيصال الأسئلة والاستفسارات وما يحتاجه الناس من الإمام (عجّل الله فرجه) ومن الشيعة إلى الإمام (عجّل الله فرجه)، ومن ثم إيصال الإجابات والتوجيهات الصادرة من الإمام (عجّل الله فرجه) إلى الشيعة في خصوص زمن الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ويبدو من بعض النصوص التاريخية أن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) قد مارسا نظام السفارة من أجل إعداد الشيعة نفسياً لموضوع الغيبة، وربما لهذا السبب يلحظ أن الروايات الصادرة عن الإمامين العسكريين (عليهما السلام) قليلة جداً.
ونشير هنا إلى روايات توضح ذلك فقد روى الشيخ الطوسي: عن جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أبي علي محمد بن همام الاسكافي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (صلوات الله عليه) في يوم من الأيام، فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟
فقال لي (صلوات الله عليه): «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه». فلما مضى أبو الحسن وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه، فقال لي: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدى إليكم فعني يؤديه» (١)
وروى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بسند صحيح، عن أبي علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته، وقلت: من أعامل أو عمن آخذ؟ وقول من أقبل؟
فقال له: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون». وسأل أبو علي أبا محمد عن مثل ذلك، فقال له: «العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان» (٢) .
عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري وأبي محمد التلعكبري، كلهم عن محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن عبد الله، ومحمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وغلق باب التوبة، فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فأولئك أشرار من خلق الله (عزَّ وجلَّ)، وهم الذين تقوم عليهم القيامة. ولكن أحببت أن أزداد يقيناً فإن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فقال: ﴿أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق أبو علي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته فقلت له: من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال له: «العمري ثقتي فما أدى إليك فعني يؤدي وما قال لك فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون». قال: وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد الحسن بن علي عن مثل ذلك فقال له: «العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعنهما فإنهما الثقتان المأمونان». فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخر أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل. فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيديه، فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: فالاسم؟ قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ولا أقول هذا من عندي وليس لي أن أحلل وأحرم ولكن عنه (عليه السلام) فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولم يخلف ولداً وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له. وصبر على ذلك، وهو ذا عياله يجولون وليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك.
ومع بدء عصر الغيبة الصغرى في عام ٢٦٠هـ ابتدأ العمل بنظام السفارة وأصبحت رؤية الإمام (عجّل الله فرجه) غير ممكنة عملياً إلّا من قبل أشخاص معينين، هم سفراءه إلى شيعته في ذلك العصر وله أربعة سفراء في عصر الغيبة الصغرى، وهم: السفير والنائب الأول عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو أبو محمد عثمان بن سعيد العمري الأسدي، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل عمّار بن ياسر وكان عالماً فقيهاً جليلاً محترماً عند الفريقين، أميناً على أمور الدين والدنيا وكان (رحمه الله) ثقة الإمام محمد الجواد وابنه الإمام الهادي وهكذا الإمام العسكري والإمام المهدي (عليهم السلام)، قال العلامة في الخلاصة: عثمان بن سعيد بفتح السين، العمري بفتح العين، يكنى أبا عمرو السمان، يقال له الزيّات الأسدي، من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني، خدمه وله إحدى عشرة سنة، وله إليه عهد معروف، وهو ثقة، جليل القدر، وكيل أبي محمد. يعرف بالسمّان حيث كان يتجر ببيع السمن، وكانت الشيعة من جميع الأقطار النائية تحمل الحقوق الشرعية المتعلقة في أموالها - من ذهب وفضة - إلى الإمام أبي محمد الحسن العسكري في ظروف السمن وزقاقه وترسلها إليه بواسطة العمري بسبب ظروف التقية التي كان يعيشها الشيعة آنذاك خوفاً من السلطة العباسية الجائرة.
وقد ورد في أمانته ووثاقته ما يرتقي به إلى خواص أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) (فقد أورد الشيخ الطوسي، عن أحمد بن إسحاق بن سعد قال: (دخلت على أبي الحسن في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي أنا أغيب وأشهد..). الحديث المتقدم نيابته أو سفارته.
كانت نيابته أو سفارته بعد الغيبة مباشرة ومدة الغيبة (٦٩ سنة) من سنة (٢٦٠- ٣٢٩ هـ).
ابتدأت سفارته في اليوم الثامن من ربيع الأول عام ٢٦٠هـ إلى حين وفاته في حدود سنة ٢٦٥هـ، ودفن في داره.
روى الشيخ الطوسي بإسناده، عن عبد الله بن جعفر، قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري في التعزية بأبيه وفيه: «أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزيت ورزينا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه، وأقول الحمد الله فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله (عزَّ وجلَّ) فيك وعندك، وأعانك الله وقواك، وعضدك ووفقك، وكان لك ولياً وحافظاً، وراعياً، وكافياً» (٣) .
وعنه، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري قدس الله روحه وأرضاه عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي (عليه السلام) حضر غسله عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلّا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها. وكانت توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد (بالأمر والنهي والأجوبة عما تسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام)، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام)، وبعد موته في حياة أبيه عثمان). قال: وقال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال، وأحمد بن بلال، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعاً: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) نسأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه أربعون رجلاً فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني، فقال له: «اجلس يا عثمان» فقام مغضباً ليخرج، فقال: «لا يخرجن أحد»، فلم يخرج منا أحد إلى كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان فقام على قدميه فقال: «أخبركم بما جئتم»؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله قال: «جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي» قالوا: نعم، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) فقال: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه» (٤) .
وفي حديث آخر قالت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري: إنه حمل إلى أبيها من قم مال ينفذه إلى صاحب الأمر (عليه السلام) فأوصل الرسول ما دفع إليه وجاء لينصرف فقال له أبو جعفر: «قد بقي شيء وأين هو»؟ قال: لم يبق شيء إلّا وقد سلمته. قال أبو جعفر: «امض إلى فلان القطان الذي حملت إليه العدلين من القطن، فافتق أحدهما الذي عليه مكتوب (كذا وكذا) فإنه في جانبه». فتحير الرجل، فوجد كما قال (٥) .
مرقده:
مرقده في بغداد بجانب الرصافة قرب نهر دجلة في سوق الميدان قبلة المسجد المعروف قديماً بمسجد الدرب، ويظهر أن أول من جعل عليه صندوقاً الرئيس أبو منصور محمد بن المفرج ويظهر من كتاب الغيبة للشيخ الطوسي أن ذلك كان ما بين عامي (٤٠٨-٤٣٠هـ).
قال الشيخ الطوسي: (كنا ندخل إليه نزوره مشاهرة. من وقت دخولي إلى بغداد في سنة ٤٠٨ هـ إلى نيف وثلاثين وأربعمائة... وعمل الرئيس أبو منصور ابن محمد فرج عليه صندوقاً ويتبرك جيران المحلة بزيارته).
قال الشيخ الطوسي: (قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد في الجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب بدرب جبلة في مسجد الدرب، والقبر في نفس قبلة المسجد).
ومقصود الشيخ الطوسي هو الغرب في الجهة الشرقية، لأن الجانب الشرقي في بغداد أيضاً جانبين، الجانب الغربي منه وهو حوالي شارع الميدان، ويعبر عنه اليوم بـ (باب المعظم). ويعبر عن الجانب الآخر من جانبي شرقي بغداد بالجانب الشرقي ويعبر عنه اليوم بـ (باب الشيخ وبباب الشرجي)، نعم إذا قيل الجانب الغربي فالمراد عند الإطلاق جانب الكرخ، وأمّا إذا قيد كما في عبارة الشيخ الطوسي فالمراد به الجانب الشرقي المعروف بالرصافة.
جاء في المراقد: (مرقده في مدينة السَّلام بغداد بجانب الرصافة قرب نهر دجلة بالجانب الغربي من سوق الميدان قبلة المسجد المعروف قديماً بمسجد الدرب)(٦).
وفي (نزهة الحرمين) للصدر: (الشيخ عثمان بن سعيد العمري من أولاد عمار بن ياسر) ويقع في سوق الميدان.
وفي (المراقد): (وقفت على قبره سنة ١٣٨٧هـ قد كتب على بابه في سوق الميدان: هذا مسجد نائب الإمام عثمان بن سعيد العمري العسكري بتاريخ سنة ١٣٤٨ هـ وكان على قبره قبة صغيرة...) (٧) .
قال السيد الأصفهاني في أحسن الوديعة في مزارات بغداد: ((ومنها) قبر أبي عمرو عثمان بن سعيد العَمْرِي بفتح العين المهملة وسكون الميم وكسر الراء وبعدها ياء نسبة إلى جده عمرو، وهذا المولى الجليل قد نصبه أولاً مولانا علي النقي، ثم ابنه الحسن العسكري، فتولى القيام بأُمورهما حال حياتهما، ثم بعد ذلك قام بأمر مولانا الحجة (عليه السلام) وكانت توقيعاته وأجوبة المسائل وحل المشاكل تخرج على يديه، توفي في حدود سنة ٢٥٧هـ ودفن في داره الواقعة مما يلي سوق الميدان خلف دائرة البريد وقد جددت عمارته في هذه السنة شيعة بغداد، وقال شيخنا الطوسي المتوفى سنة ٤٦٠ هـ كما في (الخلاصة) (٨) من (كتاب الغيبة) (٩)، قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد في الجانب الغربي من مدينة السَّلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف في الدرب بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد، قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان قد بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة...) (١٠).
وتسمى المنطقة اليوم بسوق الهرج أو (سوق الساعچية) بالقرب من منطقة الميدان المعروفة إلى الآن في بغداد.
وقد شيدت على قبره قبة لم يتم بناؤها بعد، كما يحيط به مسجد متواضع في بنائه وأثاثه ومساحته، وهو الذي أشار إليه الشيخ الطوسي: (وقبره في قبلة المسجد).
وقد أهمل المرقد إهمالاً تاماً عن عمد وقصد من قبل وزارة الأوقاف العراقية في عهد النظام البائد، حيث أنك لا تجد لدلالة عليه سوى لوحة كتب عليها: (مرقد عثمان بن سعيد النائب الأول للإمام المهدي (عليه السلام)).
نعم في داخل المسجد هناك لوحة مكتوب عليها (زيارة عثمان بن سعيد العَمْري)، والزيارة قد ذكرها الشيخ الطوسي في (التهذيب) والسيد ابن طاووس ومصباح الزائر مسنداً إلى أبي القاسم الحسين بن روح.
وهي تشمل السفراء الأربعة ولا تختص بعثمان بن سعيد، وسنذكرها آخر البحث إن شاء الله تعالى.
السفير والنائب الثاني الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي المعروف بالخلاني: هو الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي المعروف بالشيخ الخلاني.
كان من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عليهما السلام) ونائب الناحية المقدسة وسفير إمام العصر الحجة بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه) وكانت التواقيع تخرج على يده إلى الشيعة حدود (الخمسين سنة) وقد أخبر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بذلك في حياته لما حضر عنده جمع من شيعته قائلاً (اشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وإن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم) (١١).
استلم النيابة أو السفارة بعد وفاة أبيه، وتوفى ببغداد في آخر جمادي الأولى سنة ٣٠٥ هـ وقيل ٣٠٤ هـ. على الاختلاف المذكور في ص٢٣٨ من كتاب (الغيبة) لشيخنا الطوسي مدة سفارته أو نيابته سبعة أو ثمانية وأربعون عاماً.
قال حرز الدين: (إنه لقب بالخلاني نسبة لبيعه الخل حيث كان يكتسب به تستراً بالكسب عن ضغط بعض المبغضين من أهل الخلاف كما كان الشيخ والده عثمان بن سعيد يبيع السمن حتى عرف بالسمان) (١٢).
وقيل الخلاني بكسر الخاء فتكون مأخوذة من الخِلّة، أي: الصداقة والموادعة.
فقد عرف الخلاني بالسماحة والوداعة والخلق العالي ولم يكن يظهر حقداً على أحد.
وقيل إنه قال: لما حضرته الوفاة أرادوا نقله عند أبيه ودفنه هناك، فقال خلوني في هذا المكان، فاشتهر بالخلاني أو أن الحجّة (عجّل الله فرجه) خلاه بعد أبيه نائباً عنه، فقال لشيعته خلاني أي الحجة.
وبالإسناد عن عبد الله بن جعفر الحميري (قال): خرج التوقيع إلى أبي جعفر العمري في التعزية لأبيه: عاش أبوك سعيداً، ومات حميداً، أجزل الله لك الثواب، رزئت ورزئنا وأوحشك وأوحشنا، ومن كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك، يقوم مقامه. وأقول: إن الأنفس طيبة لمكانك. وكان عثمان بن سعيد وكيل العسكري (عليه السلام) ثم نائب القائم (عليه السلام) (١٣).
وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي قال: أخبرنا أبو نصر عبد الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب قال: حدثنا بعض الأشراف من الشيعة الإمامية أصحاب الحديث قال: حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ قال حدثني الحسين بن أحمد الخصيبي قال: حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسينان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته، حتى دخل عليه بدر خادمه، فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: «هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن» في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن (عليه السلام) لبدر: «فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري» فما لبثنا إلّا يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد (عليه السلام): «امض يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء اليمنيين ما حملوه من المال». ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنه وكيلك وثقتك على مال الله، قال: «نعم، واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم» (١٤).
عنه، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر العمري قدس الله روحه وأرضاه عن شيوخه أنه لما مات الحسن بن علي (عليه السلام) حضر غسله عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) وأرضاه وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره مأموراً بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلّا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها وعن ابن بابويه، عن (محمد بن) محمد بن عصام الكليني (عن محمد بن يعقوب الكليني) عن إسحاق بن يعقوب أنه قال: سألت الشيخ الكبير أبا جعفر محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): «أما ما سألت عنه - أرشدك الله وثبتك - من أمر المنكرين لي من أهل بيتي وبني عمنا، فإنه ليس بين الله وبين أحد قرابة، فمن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح. وأمّا سبيل عمي جعفر وولده، فسبيل إخوة يوسف.
وأمّا الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب. وأمّا أموالكم فما نقبلها إلّا لتطهروا، فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع، ما آتانا الله خير مما آتاكم. وأمّا ظهور الفرج فإنه إلى الله، (تعالى ذكره) وكذب الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسين بن علي (عليهما السلام) لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال. وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا (فيها) إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. وأمّا محمد بن عثمان العمري - (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي، وكتابه كتابي. وأمّا محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكه. وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلّا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام. [وكان لإسحاق جارية مغنية، فباعها، وبعث ثمنها إليه، فرده]. وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت. وأمّا أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم، فإني منهم بريء، وآبائي (عليهم السلام) منهم براء. وأمّا المتلبسون بأموالنا، فمن استحل منها شيئاً فأكله، فإنما يأكل النيران. وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا، لتطهر ولادتهم، ولا تخبث. وأمّا ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاكين. وأمّا علة وقوع الغيبة، فإن الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ إنه لم يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلّا (وقد) وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن (في) ذلك فرجكم. والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى» (١٥).
وكانت توقيعات صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد (عليه السلام) بالأمر والنهي والأجوبة عما تسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن (عليه السلام)، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد (رحمه الله) وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (عليه السلام)، وبعد موته في حياة أبيه عثمان (رحمه الله).
في حديث قال أبو نصر هبة الله بن محمد: وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف، في الدرب المعروف بدرب حبلة في مسجد الذرب يمنة الداخل إليه والقبر في نفس قبلة المسجد. ثم قال الشيخ (رحمه الله) رأيت قبره في الموضع الذي ذكره وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى بر أو عمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح وربما قالوا: هو ابن داية الحسين (عليه السلام) ولا يعرفون حقيقة الحال فيه وهو إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة على ما هو عليه.
قال الكليني: وحدثني شيخ من أصحابنا ذهب عني اسمه أن أبا عمرو سئل عند أحمد بن إسحاق، عن مثل هذا، فأجاب بمثل هذا. وأخبرنا جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن أحمد بن هارون الفامي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه عبد الله بن جعفر قال: خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (قدس الله روحه) في التعزية بأبيه (رضي الله عنه)، وفي فصل من الكتاب: «إنا لله وإنا إليه راجعون تسليماً لأمره ورضا بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقربه إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإليهم، نضر الله وجهه وأقاله عثرته»، وفي فصل آخر: «أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا وأوحشك فراقه وأوحشنا فسره الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه، وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله (عزَّ وجلَّ) فيك وعندك، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً.
وكان أبو جعفر ثقة عادلاً أميناً بإجماع الشيعة الإمامية، وقيل إن من حلمه وورعه وعقليته الجبارة ووداعته وصفائه كان لا يحمل حقداً على أحد قط، فهو خل لكل إنسان وصاحب وصديق فاشتهر عند الناس بالخلاني.
مرقده: مرقده شاخص ببغداد بالرصافة، بالشارع المؤدي إلى باب الكوفة قديماً، والآن يقع في (محلة الخلاني) نسبة إليه وإلى مرقده الطاهر، وهو أحد المراكز الشيعية في بغداد، واليوم يطل مرقده على شارع الجمهورية العام، ويقع في منطقة تجارية مزدحمة، وله جمالية خاصة يلاحظها الرائي من بعيد.
وله حرم مجلل بجانبه جامع عامر بالمصلين، وفيه مكتبة عامرة ذات كتب قيمة تعرف بمكتبة الخلاني العامة تأسست سنة ١٣٦٤ هـ، تدار برعاية السيد محمد الحيدري، إمام الجامع ومتوليه وفي هذا الجامع ألقى الشيخ الوائلي الكثير من محاضراته القيمة.
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الثقة الجليل أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد، ولما مات أبوه عثمان المشار إليه قام ابنه أبو جعفر المنوه باسمه مقامه وناب في الأمور منابه) (١٦).
وفي مراقد المعارف: (مرقده ببغداد جانب الرصافة بالشارع المؤدي إلى باب الكوفة قديماً والآن يقع في محلة الخلاني نسبة إليه وإلى مرقده الطاهر وهو أحد المراكز الشيعية في بغداد) (١٧).
وفي الهامش: وقد جدد مرقده وجامعه سنة ١٣٤٩ هـ:

معبد شرفه الله بقبر * * * خد فيه نائب المهدي محمد
شاده زيدان في جد ومال * * * وأخوه القاسم الشهم الممجد
عمّراه عمّر الرحمن قصراً * * * لهما في جنة الخلد مخلد
مذ أتماه بناءً أرخاه * * * (معبد أُسس في ذكرى محمد)

تاريخ الإعمار الأخير للمرقد الشريف:
وعلى أعلى المرقد كتابة بالكاشي القاشاني: (جددت قبة وحرم الشيخ محمد بن سعيد بن عثمان العمري الخلاني... من قبل المتبرع الحاج إبراهيم بن حسن بن وهيب الحمامي عام ١٣٩١-١٩٧١).
السفير والنائب الثالث الحسين بن روح النوبختي:
الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، ثالث السفراء في الغيبة الصغرى للإمام الحجة بن الحسن صاحب العصر والزمان استلم النيابة والسفارة بعد وفاة الشيخ الخلاني سنة ٣٠٥ هـ إلى يوم وفاته في شعبان ٣٢٦ فكانت مدة سفارته ٢١ سنة.
فقد جاء في وصية الشيخ الخلاني لوجوه الشيعة قائلاً: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم فبذلك أُمرت وقد بلغت) (١٨).
كانت سفارته غير متوقعة إذ لم يعرفه الشيعة لقلة اتصاله بأبي جعفر محمد بن عثمان، فلم تتوقع أن يكون هو السفير أو النائب، بل كان المتوقع أن يكون السفير هو جعفر بن محمد بن متيل أو أباه، لأنهما كانا من المختصين به، حتى روي أنه كان لا يأكل - محمد بن عثمان الخلاني - طعاماً إلّا ما أُصلح في منزل جعفر بن محمد بن متيل أو أبيه.
بل ورد عن جعفر بن محمد أنه قال: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) الوفاة كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه، فالتفت إليَّ ثم قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح، قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت إلى عند رجليه).
كان الشيخ أبو القاسم النوبختي (عطر الله مثواه) من أوثق الناس وأعظمهم وأدهاهم وأعرفهم بالأمور، مبجلاً عند الخاصة والعامة، وكانت العامة تعظمه وترى فيه الصدق والمعروف ولين الجانب وعدم المعاندة.
وكان يحسن تشخيص مواطن التقية، حتى أُثر عن العامة في ضمن أحاديث لهم أنهم كانوا يحملون على من يرميه بالرفض والعناد، فقد روي أن بواباً كان له على الباب الأول - الخارجي - قد لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده عن وظيفته التي كان عليها، وبقى البواب مدة يسأل الناس في إرجاعه إلى وظيفته، فلم يرجعه إلى خدمته؛ كل ذلك بسبب التقية التي كان يعيشها (١٩).
عن أبي محمد هارون بن موسى قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام (رضي الله عنه وأرضاه) أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لنا: إن حدث علي حدث الموت، فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه (٢٠).
وأخبرني الحسين بن إبراهيم، عن ابن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي قال: قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا يعني بني نوبخت أن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة منهم أبو علي ابن همام وأبو عبد الله ابن محمد الكاتب وأبو عبد الله الباقطاني وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو عبد الله ابن الوجناء وغيرهم من الوجوه والأكابر فدخلوا على أبي جعفر (رضي الله عنه) فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر والوكيل له والثقة الأمين فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم فبذلك أمرت وقد بلغت.
وبهذا الإسناد عن هبة الله بن محمد ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر (رضي الله عنها) قالت: كان أبو القاسم الحسين بن روح (قدس سره)، وكيلاً لأبي جعفر (رحمه الله) سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وآنسه. قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين ديناراً رزقاً له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة، مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم، فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم، ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر، فتمهدت له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد إلّا جاهل بأمر أبي أولاً مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه، وقد سمعت بهذا من غير واحد من بني نوبخت رحمهم الله مثل أبي الحسين ابن كبرياء وغيره (٢١).
وذكر الشيخ التوقيعات التي خرجت إلى الحميري على ما نقلناه في باب التوقيعات ثم قال: وكان أبو القاسم (رحمه الله) من أعقل الناس عند المخالف والموافق ويستعمل التقية، فروى أبو نصر هبة الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله بن غالب وأبو الحسن ابن أبي الطيب قالا: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار، وكان له محل عند السيد والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً، فعهدي به وقد تناظر اثنان فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم عمر ثم علي وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما فقال أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت عليه الصحابة هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث على ذلك، وهو الصحيح عندنا، فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول وكانت العامة الحضور يرفعونه على رؤوسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض. فوقع عليّ الضحك فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي وأدس كمي في فمي فخشيت أن أفتضح، فوثبت عن المجلس ونظر إليّ فتفطن لي فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم بن روح راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره فقال لي: يا عبد الله أيدك الله لم ضحكت وأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته عندك ليس بحق؟ فقلت له: كذاك هو عندي، فقال لي: اتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل تستعظم هذا القول مني، فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب منه؟ و(لا) يضحك من قوله هذا؟ فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنك وودعني وانصرف (٢٢).
وقد عرف عنه القدرة العالية على إدارة أمور الشيعة، ومما روي (من معرفته الحق وعلمه وولائه) إن أبا سهل النوبختي قال في حق الشيخ أبي القاسم: أنه لو كان الحجة (عليه السلام) تحت ثوبه وقرض بالمقاريض ما كشف الثوب عنه، كانت سفارته بعد وفاة الشيخ الخلاني ببغداد سنة ٣٠٥ هجري.
وعن محمد بن الحسن الصوفي، قال: أردت الخروج إلى الحج، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك، وما كان معي من الفضة نقراً. قال: قد دفع ذلك المال إليه ليسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه. قال: فلما نزلت بسرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر، فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني، وغاصت في الرمل، وأنا لا أعلم. قال: فلما دخلت همدان ميزت تلك السبائك والنقر مرة أخرى اهتماماً مني بحفظها، ففقدت منها سبيكة وزنها مئة مثقال وثلاثة مثاقيل، أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً. قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح فسلمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمد يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلاً مما ضاع مني، فرمى بها إلي وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا، وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت الخيمة في الرمل، فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل، فإنك ستجدها وستعود إليَّ هاهنا فلا تراني. قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، ووجدت السبيكة تحت الرمل، فنبت عليها الحشيش، وأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي، فلما كان من السنة القابلة توجهت إلى مدينة السلام ومعي السبيكة، فدخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) قد مضى، ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) فسلمت السبيكة إليه. وفي ذلك عدة آيات (٢٣).
وقد خرجت على يديه عدة تواقيع منها: ما كتب على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم يُسأل عنها، هل هي جوابات الفقيه أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني لأنه حكي أنه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فكتب إليهم على ظهر كتابهم: «بسم الله الرحمن الرحيم قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه» (٢٤).
مرقده:
مرقده ببغداد جانب الرصافة، مشهور ومعروف قديما بـ (النوبختية) في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل والدرب الآخر إلى (قنطرة الشوك)، يعد مرقده من المراكز الشيعية المهمة في بغداد، ويعرف موضع قبره الآن بمنطقة (سوق الشورجة) التجاري ببغداد في زقاق غير نافذ وهي محلة عامرة بالأسواق التجارية يقصدها الناس من جميع مدن العراق. ولم يحظ المرقد بعناية من قبل وزارة الأوقاف في النظام البعثي.
وفي كتاب (فلك النجاة): (والحسين بن روح في دار في سوق العطارين في الجانب الشرقي) والذي يظهر أن هذه الدار موجودة إلى الآن وهي واقعة في محل منخفض، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن هذه المحلة كانت سابقاً معروفة بمحلة (النوبختية) وكانت فيها دورهم، فبمرور الأيام والأزمنة خربت وصارت على هذه الحالة، ولم يبق سوى الدار المذكورة التي فيها الحسين بن روح.
ومن الجدير بالذكر أن بني نوبخت طائفة جليلة من الإمامية، وأغلبهم كانوا من متكلمي الشيعة وفضلائهم، وكانوا من كبار بيوتات العلم في بغداد.
ومرقده ببغداد جانب الرصافة، مشهور وبنائه عامر ومشيد عليه قبة صغيرة وإلى جانب قبره إلى الجنوب مسجد صغير تقام فيه صلاة الجماعة من بعض علماء الشيعة.
قال في مراقد المعارف: (مرقده: ببغداد جانب الرصافة مشهور معروف مشيد عامر عليه قبة صغيرة وفوق دكة قبره شباك مجلل يزدحم عليه الزائرون المتعبدون، إلى جنب قبره جنوباً مسجد صغير تقام فيه الصَّلاة جماعة من بعض أئمة علماء الشيعة الإمامية) (٢٥).
قال السيد الأصفهاني: (ومنها قبر الشيخ الجليل الثقة الأمين الحسين بن روح بن بحر بن النوبخت من بني نوبخت وهم طائفة جليلة من الإمامية وأغلبهم كانوا من متكلمي الشيعة وفضلائهم وكانوا من كبار بيوتات العلم في بغداد. وقال شيخنا الطوسي (من كتابه (الغيبة) (٢٦): وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى درب الآخر وإلى قنطرة الشوك، قال: وقال لي أبو نصر: مات أبو القاسم الحسين بن روح في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وقد رويت عنه أخبار كثيرة) (٢٧).
وجاء في (فلك النجاة): ودفن الحسين بن روح في داره في سوق العطارين في الجانب الشرقي أقول: وتلك الدار حتى اليوم موجودة وفيها قبر الحسين بن روح واقع في محل منخفض عن الدار مظلم والدار واقعة في الطريق المرفوعة الكائنة على يمين من يدخل في وسط سوق العطارين من الجانب الشرقي، وهذه الأطراف كانت سابقاً معروفة بمحلة (النوبختية) وكانت فيها دورهم فبمرور الأيام والأزمنة خربت وتغيرت حتى صارت على هذه الحالة، ولم يبقَ سوى الدار المذكورة التي فيها الحسين بن روح المشار إليه ولا يخفى على من قرأ سير التواريخ والتراجم أن بغداد الشرقية لما بنيت صارت بعد برهة قليلة من الزمان مقر الخلفاء والعلماء من الفريقين ولاسيما من كانت له صحبة مع الخلفاء أو منصب فإن بني نوبخت كانوا وجهاء بغداد ورؤساؤها، انتهى كلامه.
السفير والنائب الرابع والأخير أبو الحسن على بن محمد السمري:
هو أبو الحسن علي بن محمد السمري، النائب الرابع لإمام العصر الحجة بن الحسن هو الشيخ الأمين والثقة المبجل، موضع أسرار الشريعة، والقائم بأعمال النيابة والسفارة عند الشيعة فقد قام ممتثلاً بأعباء النيابة بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي.
تولى النيابة والسفارة بعد وفاة سلفه الحسين بن روح النوبختي في شعبان سنة ٣٢٦ هـ. ق، وانتهت نيابته بوفاته في النصف من شعبان سنة ٣٢٩ هـ. ق فكانت مدة سفارته ثلاث سنين كاملة، وبوفاته انقطعت سلسلة السفراء للإمام الحجة فكانت الغيبة الصغرى التي دامت ٦٩ سنة ابتداءً من سنة شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ٢٦٠ هـ إلى وفاة السمري سنة ٣٢٩ هـ.
بدأت الغيبة الكبرى ولا يعلم إلّا الله تعالى مداها ويسمح له بالفرج حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
قال السيد الأصفهاني: (قام بأمر الحجة بعد مضي حسين بن روح لسبيله ولم يقم أحد من هؤلاء النواب بالنيابة إلّا بنص عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلّا بعد ظهور آية معجزة تظهر على كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم، فلما حان رحيل أبي الحسن المشار إليه عن الدنيا وقرب أجله وانقطع عن الدنيا أمله قيل له: إلى من توصي فأخرج توقيعاً إليهم نسخته هكذا: «بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، اسمع عظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم» وهذه النسخة رواها الشيخ في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (٢٨) عن الحسن بن أحمد، وحدثني أبو المفضل قال: حدثني محمد بن يعقوب، قال: كتب علي بن محمد السمري  يسأل الصاحب (عليه السلام) كفناً يتبين ما يكون من عنده، فورد: «إنك تحتاج إليه سنة إحدى وثمانين» فمات في الوقت الذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل أن يموت بشهر.
المشاهدة في الغيبة الكبرى:
ولعل من المناسب التعرض لهذه المشكلة وهي مسألة الرؤية له في الغيبة الكبرى بشكل موجز: التوقيع الصادر عن الناحية المقدسة الذي يفهم منه أن منْ يدّعي المشاهدة في الغيبة الكبرى كاذب، فلابد من توضيح فقرة التوقيع لفهم مقدار دلالتها على ذلك، كما ينبغي مراجعة أقوال العلماء لفهم الاتجاه العام بخصوص هذه المسألة.
وبالنسبة إلى التوقيع - ولا نتعرض هنا لثبوته من الناحية السندية أو عدم ثبوته فله مجال آخر - فيمكن فهم فقرة النفي بشكل لا تعارض النقول الكثيرة في أشخاص التقوا به وذلك بالقول إن المفهوم من الحديث - بمعونة مناسبات الحكم والموضوع (٢٩) - هو نفي المشاهدة مع دعوى النيابة أو أن نقل أوامر الإمام أو ما شابه ذلك (٣٠) أو تصدق الرؤية لكنه لا يعلم في الحال أنه الإمام (٣١) أو غير ذلك من التقريبات، بل تعرض آخرون إلى فقه الرواية بشكل مفصل حل فيه إشكالية معرضة التوقيع لقصص اللقاء في الغيبة الكبرى (٣٢).
وعلى ما في البحار فيمن رآه بعد تلك الغيبة وأجاب عنه أصحابنا قدست أسرارهم بوجوه ذكرها النوري في ص٢٨٥ من (جنة المأوى)، ولكن بعضها مرضي عندنا وما ذكره شيخنا المجلسي أقرب، قال (في ج١٢ في ص١٤٢-٤ من (البحار) بعد نقل الخبر عن (الاحتجاج) و(الكافي) بيان لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه ويعلم) (٣٣).
ولا يوجد مانع عقلي يمنع لقاء الإمام بأحد، وذهب إلى ذلك الكثير من العلماء كعلم الهدى (٣٤)، والشيخ الطوسي (٣٥)، والسيد ابن طاووس (٣٦)، والآخوند الخراسانيّ (٣٧)، والميرزا النائيني (٣٨).
هذا وقد توفي أبو الحسن السمري، المذكور في النصف من شعبان سنة ٣٢٩ هـ كما في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (٣٩) وأيضاً في كتاب (الغيبة) المذكورة ما نصه (٤٠):
(وأخبرني الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس ابن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب، أن قبر أبي الحسن السمري من الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريب من شاطئ نهر أبي عتاب وذكر أنه مات في سنة تسع وعشرين وثلاث مئة).
ولقد قام بأعباء السفارة أحسن قيام وقد ظهرت منه بعض الكرامات من قبيل إخباره بوفاة الشيخ الصدوق الأول حيث خاطب الشيعة بقوله: (آجركم الله فيه فقد قبض في هذه الساعة، قالوا: فأثبتنا الساعة واليوم والشهر من سنة ٣٢٩هـ فما مضى سبعة عشر يوماً حتى ورد الخبر من مدينة قم المقدسة في إيران بوفاة الشيخ القمي - الصدوق الأول - وأنه قبض في ذلك التاريخ الذي ذكره الشيخ أبو الحسن السمري في بغداد).
وبعد أن خرج إليه التوقيع الشريف من صاحب الأمر في بيان ابتداء الغيبة الكبرى المتقدم ذكره، قال من حضر ساعة قراءة هذا التوقيع: حضرنا عنده في اليوم السادس وهو يجود بنفسه فقيل له: من وصيك بعدك؟ فقال: (لله أمر هو بالغه).
وتوفي في اليوم الذي عيّنه صاحب الأمر وهو اليوم السادس من صدور بيان ابتداء الغيبة الكبرى.
وبهذا تكون مدة الغيبة الصغرى التي بدأت في الثامن من شهر ربيع الأول سنة ٢٦٠هـ وانتهت في النصف من شهر شعبان سنة ٣٢٩هـ تسعاً وستين سنة وخمسة أشهر وسبعة أيام.
مرقده:
ومرقده الآن جنب جامع كبير معروف باسم (مسجد القبلانية) واقع في سوق السراري (وكان معروفاً بسوق الهرج) ببغداد قرب نهر دجلة، قرب (المستنصرية) في الضفة اليسرى من نهر دجلة.
ويقع قبره في حجرة بين السوق وبين المسجد المعروف بـ (مسجد القبلانية) وهو عامر مشيد عليه قبة زينت بالكاشي الأزرق تزوره وفود المسلمين خصوصاً الشيعة، فهو يعتبر من المراكز الشيعية المهمة في بغداد.
وفي (مراقد المعارف): (مرقده ببغداد جانب الرصافة في سوق الهرج القديم قرب المستنصرية في الضفة اليسرى من نهر دجلة، يقع قبره في حجرة بين السوق وبين المسجد المعروف بمسجد القبلانية وهو اليوم عامر عليه قبة يزوره المسلمون خصوصاً وفود الشيعة الإمامية، فهو يعتبر من المراكز الشيعية في بغداد).
وقبره صغير، ولم يفتح للزائرين منذ مدة طويلة، وعلى جدرانه آثار التبرك من الزائرين، ولا يوجد ما يشير إلى تاريخ العمارة الأولى على قبره.
وقال في وسائل الشيعة: أبو الحسن علي بن محمد السمري آخر السفراء المحمودين للناحية المقدسة وصلى عليه أبو قيراط محمد بن جعفر الحسيني ودفن بباب الكوفة في مقبرتها، قال ابن عبدون: رأيت قبره في مقبرة الطائي وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه، وقبره الآن في الجانب الكبير عند سوق الخفافين والسراجين بباب الجسر العتيق من الجانب الشرقي إلى يسار العابر من الجسر، يزوره الناس ويتبركون به، وقد كشف عن قبره بعض السلاطين العثمانية وظهر جسده الشريف صحيحاً سالماً طرياً طيباً بعد مضى قرون متكاثرة وسنين متمادية من حين ارتحاله إلى جوار ربه رفع الله درجته. وكلين - كحسين - أو كلين بالفتح - كشريف - قرية من قرى الري في طريق قم في شرق الطريق على رأس فرسخ، وبها قبر أبيه يعقوب مزار يتبرك به، وبيته من أعظم بيوتات الشيعة في الري وفيهم رجال ثقات.
في زيارة السفراء والنواب الأربعة:
اعلم أنّ من وظائف الوافدين لزيارة الأعتاب المقدسة في العراق أثناء إقامتهم في مدينة الكاظمين الطيبة هو التوجه إلى بغداد لزيارة هؤُلاءِ النواب الأربعة الذين نابوا عن الحجّة المنتظر إمام العصر (صلوات الله عليه) وزيارة قبورهم لا يتطلب من الزائر بذل كثير من الجهد فهي مجتمعة في بغداد غير بعيدة عن الوافدين من الزوّار، وهي لو كانت منتشرة في أقاصي البلاد لكان يحقّ أن تشدّ إليها الرحال ويطوى في سبيلها المسافات الشاسعة ويتحمّل متاعب السفر وشدائده لنيل ما في زيارة كل منها من الأجر العظيم والثواب الجزيل وهم قد فاقوا جميع أصحاب الأئمة وخواصهم مرتبة وفضلاً وفازوا بالنيابة عن الإمام وسفارته والوساطة بينه وبين الرعيّة خلال سبعين سنة وقد جرى على أيديهم كرامات كثيرة وخوارق لا تحصى ويعزى إلى بعض العلماء القول بعصمتهم.
والخلاصة: أن عظيم فضلهم ومنزلتهم مما لا يحدّه البيان، وحسبنا ما ذكرناه ترغيباً إلى زيارتهم، وأمّا صفة زيارتهم فهي كما ذكرها الطوسي في التهذيب والسيّد ابن طاووس في (مصباح الزائر) مسنداً إلى أبي القاسم حسين بن روح حَيث قال في صفة زيارتهم يسلّم على رسول الله وعلى أمير المؤمنين بعده وعلى خديجة الكبرى وعلى فاطمة الزهراء وعلى الحسن والحسين وعلى الأئمة إلى صاحب الزمان (صلوات الله عليه) ثم تقول: «السَّلامُ عَلَيكَ يا فُلانَ بْنَ فُلانٍ - وتذكر اسم صاحب القبر واسم أبيه - أَشْهَدُ أَنَّكَ بابُ المَوْلى أَدَّيْتَ عَنْهُ وَأَدَّيْتَ إِلَيْهِ ما خالَفْتَهُ وَلا خالَفْتَ عَلَيْهِ قُمْتَ خاصاً وَانْصَرَفْتَ سابِقاً جِئْتُكَ عارِفاً بِالحَقِّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ وَأَنَّكَ ما خِنْتَ فِي التَأْدِيَةِ وَالسَّفارَةِ. السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ بابٍ ما أَوْسَعَهُ وَمِنْ سَفِيرٍ ما آمَنَكَ وَمِنْ ثِقَةٍ ما امْكَنَكَ! أَشْهَدُ أَنَّ الله اخْتَصَّكَ بِنُورِهِ حَتّى عايَنْتَ الشَخْصَ فَأَدَّيْتَ عَنْهُ وَأَدَّيْتَ إِلَيْهِ». ثم ترجع فتبتدي بالسلام على رسول الله إلى صاحب الزمان ثم تقول: «جِئْتُكَ مُخْلصاً بِتَوْحِيدِ الله وَمُوالاةِ أَوْلِيائِهِ وَالبَراءةِ مِنْ أَعدائِهِمُ وَمِنَ الَّذِينَ خالَفُوكَ يا حُجَّةَ المَوْلى وَبِكَ إِلَيْهِمْ تَوَجُّهِي وَبِهِمْ إِلى الله تَوَسُّلِي». ثم تدعو وتسأل الله ما تحب تُجَبْ إن شاء الله (٤٠).

الهوامش:

(١) الغيبة: فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء، فأما السفراء الممدوحون.
(٢) الكافي: الجزء ١، باب في تسمية من رآه (عجّل الله فرجه) ٧٧، الحديث ١. ورواها الشيخ بسنده، عن محمد بن يعقوب نحوه. الغيبة: فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء، فأمّا السفراء الممدوحون.
(٣) الغيبة: في ذكر السفراء الممدوحين في زمان الغيبة، الحديث ٩.
(٤) الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج١ ص٣٨٩.
(٥) الخرائج والجرائح قطب الدين الراوندي ج٣ ص١١١٣.
(٦) المراقد ٢/٦١.
(٧) المراقد ٢/٦٢.
(٨) في ص٢٣٢.
(٩) المطبوع في تبريز على الحجر سنة ١٣٢٣ هـ ص٨.
(١٠) أحسن الوديعة في مزارات بغداد، السيد الأصفهاني.
(١١) بحار الأنوار، المجلسي ج٥١ ص٣٤٥.
(١٢) مراقد المعارف، حرز الدين، ج١.
(١٣) الخرائج والجرائح ج٣ ص١١١٢.
(١٤) بحار الأنوار للمجلسي ج٥١ ص٣٥٤.
(١٥) الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي ج٣ ص١١١٤.
(١٦) أحسن الوديعة في مزارات بغداد، السيد الأصفهاني.
(١٧) مراقد المعارف، حرز الدين، ج١ص ٢٧٨.
(١٨) الغيبة للشيخ الطوسي ص٣٧١.
(١٩) الغيبة للشيخ الطوسي ص٣٨٦.
(٢٠) الغيبة للشيخ الطوسي ص٣٧١.
(٢١) الغيبة للشيخ الطوسي ص٣٧٢.
(٢٢) الغيبة للشيخ الطوسي ص٣٨٥.
(٢٣) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ص٥١٧.
(٢٤) الغيبة للشيخ الطوسي ص٣٧٣.
(٢٥) مراقد المعارف، حرز الدين، ج١ص ٢٤٩.
(٢٦) في ص٢٥٢.
(٢٧) أحسن الوديعة في مزارات بغداد، السيد الأصفهاني.
(٢٨) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص٣٩٥.
(٢٩) لأن الإمام كان بصدد إخبار السمري بانتهاء فترة السفارة ولا يوجد بعد ذلك واسطة بين الإمام وشيعته إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى بالخروج، ثم يذكر مسألة ادعاء المشاهدة فيفهم من الكلام أن المقصود مشاهدة النيابة.
(٣٠) بحار الأنوار: ج٥٢ ص١٥١.
(٣١) الفوائد الرجالية، السيد بحر العلوم: ج٣ ص٣٢٠.
(٣٢) الغيبة الصغرى، السيد محمّد صادق الصدر: ٦٤٦.
(٣٣) أحسن الوديعة في مزارات بغداد، السيد الأصفهاني.
(٣٤) تنزيه الأنبياء الشريف المرتضى ١٨٢.
(٣٥) تلخيص الشافي، الطوسي،٤/٢٢٢١-٢٢٢٢.
(٣٦) الطرائف، ابن طاووس:١/٢.
(٣٧) كفاية الأصول:٢/٢٣٩١.
(٣٨) فوائد الأصول:٢/١٥٠.
(٣٩) ص٢٥٧.
(٤٠) الصفحة ٢٥٨.
(٤١) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، المطلب الثالث: في زيارة النواب الأربعة.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016