الصفحة الرئيسية » التوقيعات المهدوية » دعاء المهدي عليه السلام لإبراهيم بن مهزيار ومدحه
 التوقيعات المهدوية

المقالات دعاء المهدي عليه السلام لإبراهيم بن مهزيار ومدحه

القسم القسم: التوقيعات المهدوية تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/١٠ المشاهدات المشاهدات: ٤٢٢٥ التعليقات التعليقات: ٠

دعاء المهدي عليه السلام لإبراهيم بن مهزيار ومدحه (*) (١)

ابْنُ الْمُتَوَكّل، عَن الْحِمْيَريَّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مَهْزيَارَ، قَالَ: قَدِمْتُ مَدِينَةَ الرَّسُول وَآلِهِ، فَبَحَثْتُ عَنْ أخْبَار آل أبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليًّ الأخِير عليه السلام فَلَمْ أقَعْ عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا فَرَحَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ مُسْتَبْحِثاً عَنْ ذَلِكَ، فَبَيْنَا أنَا فِي الطَّوَافِ إِذْ تَرَاءَى لِي فَتًى أسْمَرُ اللَّوْن، رَائِعُ الْحُسْن، جَمِيلُ الْمَخِيلَةِ، يُطِيلُ التَّوَسُّمَ فِيَّ، فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ مُؤَمَّلاً مِنْهُ عِرْفَانَ مَا قَصَدْتُ لَهُ.
فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ سَلَّمْتُ فَأحْسَنَ الإجَابَةَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ أيَّ الْبِلاَدِ أنْتَ؟
قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أهْل الْعِرَاقِ، قَالَ: مِنْ أيَّ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: مِنَ الأهْوَاز، قَالَ: مَرْحَباً بِلِقَائِكَ، هَلْ تَعْرفُ بِهَا جَعْفَرَ بْنَ حَمْدَانَ الْخَصِيبيَّ؟ قُلْتُ: دُعِيَ فَأجَابَ، قَالَ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، مَا كَانَ أطْوَلَ لَيْلِهِ وَأجْزَلَ نَيْلِهِ، فَهَلْ تَعْرفُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مَهْزيَارَ؟
قُلْتُ: أنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزيَارَ، فَعَانَقَنِي مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بِكَ يَا أبَا إِسْحَاقَ، مَا فَعَلْتَ الْعَلاَمَةَ الَّتِي وَشَجَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أبِي مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ؟ فَقُلْتُ: لَعَلَّكَ تُريدُ الْخَاتَمَ الَّذِي آثَرَنيَ اللهُ بِهِ مِنَ الطَّيَّبِ أبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليًّ عليهما السلام؟ قَالَ: مَا أرَدْتُ سِوَاهُ، فَأخْرَجْتُهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ اسْتَعْبَرَ وَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَرَأ كِتَابَتَهُ (وَكَانَتْ): يَا اللهُ، يَا مُحَمَّدُ، يَا عَلِيُّ، ثُمَّ قَالَ: بِأبِي يَداً طَالَ مَا جُلْتُ فِيهَا.
وَتَرَاخَى بِنَا فُنُونُ الأحَادِيثِ إِلَى أنْ قَالَ لِي: يَا أبَا إِسْحَاقَ أخْبِرْني عَنْ عَظِيم مَا تَوَخَّيْتَ بَعْدَ الْحَجَّ، قُلْتُ: وَأبِيكَ مَا تَوَخَّيْتُ إِلاَّ مَا سَأسْتَعْلِمُكَ مَكْنُونَهُ، قَالَ:‏ سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَإنّي شَارحٌ لَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ.
قُلْتُ: هَلْ تَعْرفُ مِنْ أخْبَار آل أبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَن بْن عليًّ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ شَيْئاً؟ قَالَ: وَايْمُ اللهُ وَإِنّي لأعْرفُ الضَّوْءَ فِي جَبِين مُحَمَّدٍ وَمُوسَى ابْنَيِ الْحَسَن بْن عليًّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا وَإِنّي لَرَسُولُهُمَا إِلَيْكَ قَاصِداً لإنْبَائِكَ أمْرَهُمَا فَإنْ أحْبَبْتَ لِقَاءَهُمَا وَالاكْتِحَالَ بِالتَّبَرُّكِ بِهِمَا فَارْحَلْ مَعِي إِلَى الطَّائِفِ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي خُفْيَةٍ مِنْ رجَالِكَ وَاكْتِتَام.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَشَخَصْتُ مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ أتَخَلَّلُ رَمْلَةً فَرَمْلَةً حَتَّى أخَذَ فِي بَعْض مَخَارج الْفَلاَةِ فَبَدَتْ لَنَا خَيْمَةُ شَعْرٍ قَدْ أشْرَفَتْ عَلَى أكَمَةِ رَمْلٍ يَتَلألأ تِلْكَ الْبِقَاعُ مِنْهَا تَلألُؤاً فَبَدَرَني إِلَى الإذْن وَدَخَلَ مُسَلّماً عَلَيْهِمَا وَأعْلَمَهُمَا بِمَكَانِي.
فَخَرَجَ عَلَيَّ أحَدُهُمَا وَهُوَ الأكْبَرُ سِنّاً (م ح م د) بْنُ الْحَسَن صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَهُوَ غُلاَمٌ أمْرَدُ، نَاصِعُ اللَّوْن، وَاضِحُ الْجَبِين، أبْلَجُ الْحَاجِبِ، مَسْنُونُ الْخَدَّ(يْن) ، أقْنَى الأنْفِ، أشَمُّ أرْوَعُ كَأنَّهُ غُصْنُ بَانٍ، وَكَأنَّ صَفْحَةَ غُرَّتِهِ كَوْكَبٌ دُرَّيٌّ، بِخَدَّهِ الأيْمَن خَالٌ كَأنَّهُ فُتَاتَةُ مِسْكٍ عَلَى بَيَاض الْفِضَّةِ، فَإِذَا بِرَأسِهِ وَفْرَةٌ سَحْمَاءُ سَبِطَةٌ تُطَالِعُ شَحْمَةَ اُذُنِهِ، لَهُ سَمْتٌ مَا رَأتِ الْعُيُونُ أقْصَدَ مِنْهُ، وَلاَ أعْرَفَ حُسْناً وَسَكِينَةً وَحَيَاءً.
فَلَمَّا مُثّلَ لِي أسْرَعْتُ إِلَى تَلَقّيهِ فَأكْبَبْتُ عَلَيْهِ ألْثِمُ كُلَّ جَارحَةٍ مِنْهُ، فَقَالَ لِي: «مَرْحَباً بِكَ يَا بَا إِسْحَاقَ لَقَدْ كَانَتِ الأيَّامُ تَعِدُنِي وُشْكَ لِقَائِكَ، وَالْمُعَاتِبُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَلَى تَشَاحُطِ الدَّار وَتَرَاخِي الْمَزَار، تَتَخَيَّلُ لِي صُورَتَكَ، حَتَّى كَأنْ لَمْ نَخْلُ طَرْفَةَ عَيْنٍ مِنْ طِيبِ الْمُحَادَثَةِ، وَخَيَال الْمُشَاهَدَةِ، وَأنَا أحْمَدُ اللهَ رَبَّي وَلِيَّ الْحَمْدِ عَلَى مَا قَيَّضَ مِنَ التَّلاَقِي وَرَفَّهَ مِنْ كُرْبَةِ التَّنَازُع وَالاسْتِشْرَافِ».
ثُمَّ سَألَنِي عَنْ إِخْوَانِي مُتَقَدَّمِهَا وَمُتَأخّرهَا، فَقُلْتُ: بِأبِي أنْتَ وَاُمَّي مَا زلْتُ اُفَحَّصُ عَنْ أمْركَ بَلَداً فَبَلَداً مُنْذُ اسْتَأثَرَ اللهُ بِسَيَّدِي أبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام فَاسْتَغْلَقَ عَلَيَّ ذَلِكَ حَتَّى مَنَّ اللهُ عَلَيَّ بِمَنْ أرْشَدَنِي إِلَيْكَ، وَدَلَّنِي عَلَيْكَ، وَالشُّكْرُ للهِ عَلَى مَا أوْزَعَنِي فِيكَ مِنْ كَريم الْيَدِ وَالطَّوْل، ثُمَّ نَسَبَ نَفْسَهُ وَأخَاهُ مُوسَى وَاعْتَزَلَ فِي نَاحِيَةٍ.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَهِدَ إِلَيَّ أنْ لاَ اُوَطّنَ مِنَ الأرْض إِلاَّ أخْفَاهَا وَأقْصَاهَا إِسْرَاراً لأمْري وَتَحْصِيناً لِمَحَلَّي مِنْ مَكَائِدِ أهْل الضَّلاَل، وَالْمَرَدَةِ مِنْ أحْدَاثِ الاُمَم الضَّوَالّ فَنَبَذَنِي إِلَى عَالِيَةِ الرَّمَال، وَجُبْتُ صَرَائِمَ الأرْض تُنْظِرُنِي الْغَايَةَ الَّتِي عِنْدَهَا يَحِلُّ الأمْرُ، وَيَنْجَلِي الْهَلَعُ، وَكَانَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ أنْبَطَ لِي مِنْ خَزَائِن الْحِكَم، وَكَوَامِن الْعُلُوم، مَا إِنْ أشَعْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ جُزْءاً أغْنَاكَ عَن الْجُمْلَةِ.
اعْلَمْ يَا بَا إِسْحَاقَ أنَّهُ قَالَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْلِيَ أطْبَاقَ أرْضِهِ، وَأهْلَ الْجِدَّ فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، بِلاَ حُجَّةٍ يُسْتَعْلى بِهَا وَإِمَام يُؤْتَمُّ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِسُبُل سُنَّتِهِ، وَمِنْهَاج قَصْدِهِ، وَأرْجُو يَا بُنَيَّ أنْ تَكُونَ أحَدَ مَنْ أعَدَّهُ اللهُ لِنَشْر الْحَقَّ، وَطَيَّ الْبَاطِل، وَإِعْلاَءِ الدَّين، وَإِطْفَاءِ الضَّلاَل، فَعَلَيْكَ يَا بُنَيَّ بِلُزُوم خَوَافِي الأرْض، وَتَتَبُّع أقَاصِيهَا فَإنَّ لِكُلّ وَلِيًّ مِنْ أوْلِيَاءِ اللهِ عز وجل عُدُّواً مُقَارعاً، وَضِدّاً مُنَازعاً، افْتِرَاضاً لِمُجَاهَدَةِ أهْل نِفَاقِهِ وَخِلاَفِهِ اُولِي الإلْحَادِ وَالْعِنَادِ، فَلاَ يُوحِشَنَّكَ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أنَّ قُلُوبَ أهْل الطَّاعَةِ وَالإخْلاَص نُزَّعٌ إِلَيْكَ مِثْلَ الطَّيْر إِذَا أمَّتْ أوْكَارَهَا، وَهُمْ مَعْشَرٌ يَطْلُعُونَ بِمَخَائِل الذَّلَّةِ وَالِاسْتِكَانَةِ، وَهُمْ عِنْدَ اللهِ بَرَرَةٌ أعِزَّاءُ يَبْرُزُونَ بِأنْفُسٍ مُخْتَلَّةٍ مُحْتَاجَةٍ، وَهُمْ أهْلُ الْقَنَاعَةِ وَالِاعْتِصَام. اسْتَنْبَطُوا الدَّينَ فَوَازَرُوهُ عَلَى مُجَاهَدَةِ الأضْدَادِ، خَصَّهُمُ اللهُ بِاحْتِمَال الضَّيْم، لِيَشْمُلَهُمْ بِاتّسَاع الْعِزّ فِي دَار الْقَرَار، وَجَبَلَهُمْ عَلَى خَلاَئِقِ الصَّبْر، لِتَكُونَ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ الْحُسْنَى، وَكَرَامَةُ حُسْن الْعُقْبَى.
فَاقْتَبِسْ يَا بُنَيَّ نُورَ الصَّبْر عَلَى مَوَاردِ اُمُوركَ، تَفُزْ بِدَرْكِ الصُّنْع فِي مَصَادِرهَا وَاسْتَشْعِر الْعِزَّ فِيمَا يَنُوبُكَ تُحْظَ بِمَا تُحْمَدُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
فَكَأنَّكَ يَا بُنَيَّ بِتَأيِيدِ نَصْر اللهِ قَدْ آنَ وَتَيْسِير الْفَلَح وَعُلُوَّ الْكَعْبِ قَدْ حَانَ وَكَأنَّكَ بِالرَّايَاتِ الصُّفْر، وَالأعْلاَم الْبِيض، تَخْفِقُ عَلَى أثْنَاءِ أعْطَافِكَ، مَا بَيْنَ الْحَطِيم وَزَمْزَمَ. وَكَأنَّكَ بِتَرَادُفِ الْبَيْعَةِ وَتَصَافِي الْوَلاَءِ يَتَنَاظَمُ عَلَيْكَ تَنَاظُمَ الدُّرَّ فِي مَثَانِي الْعُقُودِ، وَتَصَافُقِ الأكُفَّ عَلَى جَنَبَاتِ الْحَجَر الأسْوَدِ.
تَلُوذُ بِفِنَائِكَ مِنْ مَلإ بَرَأهُمُ اللهُ مِنْ طَهَارَةِ الْوَلاَءِ، وَنَفَاسَةِ التُّرْبَةِ، مُقَدَّسَةٌ قُلُوبُهُمْ مِنْ دَنَس النّفَاقِ، مُهَذَّبَةٌ أفْئِدَتُهُمْ مِنْ رجْس الشّقَاقِ، لَيَّنَةٌ عَرَائِكُهُمْ لِلدَّين، خَشِنَةٌ ضَرَائِبُهُمْ عَن الْعُدْوَان، وَاضِحَةٌ بِالْقَبُول أوْجُهُهُمْ، نَضْرَةٌ بِالْفَضْل عِيدَانُهُمْ، يَدِينُونَ بِدِين الْحَقَّ وَأهْلِهِ.
فَإذَا اشْتَدَّتْ أرْكَانُهُمْ، وَتَقَوَّمَتْ أعْمَادُهُمْ، قُدَّتْ بِمُكَاثَفَتِهِمْ طَبَقَاتُ الاُمَم إِذْ تَبِعَتْكَ فِي ظِلاَل شَجَرَةٍ دَوْحَةٍ بَسَقَتْ أفْنَانُ غُصُونهَا عَلَى حَافَاتِ بُحَيْرَةِ الطَّبَريَّةِ، فَعِنْدَهَا يَتَلألاَ صُبْحُ الْحَقَّ، وَيَنْجَلِي ظَلاَمُ الْبَاطِل، وَيَقْصِمُ اللهُ بِكَ الطُّغْيَانَ، وَيُعِيدُ مَعَالِمَ الإيمَان، وَيُظْهِرُ بِكَ أسْقَامَ الآفَاقِ، وَسَلاَمَ الرَّفَاقِ، يَوَدُّ الطّفْلُ فِي الْمَهْدِ لَو اسْتَطَاعَ إِلَيْكَ نُهُوضاً، وَنواسط الْوَحْش لَوْ تَجِدُ نَحْوَكَ مَجَازاً.
تَهْتَزُّ بِكَ أطْرَافُ الدُّنْيَا بَهْجَةً، وَتُهَزُّ بِكَ أغْصَانُ الْعِزّ، نَضْرَةً وَتَسْتَقِرُّ بَوَانِي الْعِزّ فِي قَرَارهَا، وَتَئُوبُ شَوَاردُ الدَّين إِلَى أوْكَارهَا، يَتَهَاطَلُ عَلَيْكَ سَحَائِبُ الظَّفَر فَتَخْنُقُ كُلَّ عَدُوًّ، وَتَنْصُرُ كُلَّ وَلِيًّ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأرْض جَبَّارٌ قَاسِطٌ، وَلاَ جَاحِدٌ غَامِطٌ، وَلاَ شَانِئٌ مُبْغِضٌ، وَلاَ مُعَانِدٌ كَاشِحٌ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أمْرهِ، (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْر) ».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أبَا إِسْحَاقَ لِيَكُنْ مَجْلِسِي هَذَا عِنْدَكَ مَكْتُوماً إِلاَّ عَنْ أهْل الصّدْقِ وَالاُخُوَّةِ الصَّادِقَةِ فِي الدَّين، إِذَا بَدَتْ لَكَ أمَارَاتُ الظُّهُور وَالتَّمْكِين، فَلاَ تُبْطِئُ بِإخْوَانِكَ عَنَّا، وَبأهْل الْمُسَارَعَةِ إِلَى مَنَار الْيَقِين، وَضِيَاءِ مَصَابِيح الدَّين، تَلْقَ رُشْداً إِنْ شَاءَ اللهُ».
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْزيَارَ: فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ حِيناً أقْتَبِسُ مَا أوْرى مِنْ مُوضِحَاتِ الأعْلاَم وَنَيَّرَاتِ الأحْكَام، وَاُرْوي بَنَاتِ (نَبَاتَ‏) الصُّدُور مِنْ نَضَارَةِ مَا ذَخَرَهُ اللهُ فِي طَبَائِعِهِ مِنْ لَطَائِفِ الْحِكْمَةِ، وَطَرَائِفِ فَوَاضِل الْقِسَم حَتَّى خِفْتُ إِضَاعَةَ مُخَلَّفِي بِالأهْوَاز لِتَرَاخِي اللّقَاءِ عَنْهُمْ، فَاسْتَأذَنْتُهُ فِي الْقُفُول، وَأعْلَمْتُهُ عَظِيمَ مَا أصْدُرُ بِهِ عَنْهُ، مِنَ التَّوَحُّش لِفُرْقَتِهِ وَالتَّجَزُّع لِلظَّعْن عَنْ مَحَالّهِ، فَأذِنَ وَأرْدَفَنِي مِنْ صَالِح دُعَائِهِ مَا يَكُونُ ذُخْراً عِنْدَ اللهِ لِي وَلِعَقِبي وَقَرَابَتِي إِنْ شَاءَ اللهُ.
فَلَمَّا أزفَ ارْتِحَالِي وَتَهَيَّأ اعْتِزَامُ نَفْسِي، غَدَوْتُ عَلَيْهِ مُوَدَّعاً وَمُجَدَّداً لِلْعَهْدِ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ مَالاً كَانَ مَعِي يَزيدُ عَلَى خَمْسِينَ ألْفَ دِرْهَم، وَسَألْتُهُ أنْ يَتَفَضَّلَ بِالأمْر بِقَبُولِهِ مِنّي فَابْتَسَمَ وَقَالَ: «يَا أبَا إِسْحَاقَ اسْتَعِنْ بِهِ عَلَى مُنْصَرَفِكَ، فَإنَّ الشُّقَّةَ قُذْفَةٌ وَفَلَوَاتِ الأرْض أمَامَكَ جُمَّةٌ، وَلاَ تَحْزَنْ لإعْرَاضِنَا عَنْهُ، فَإنَّا قَدْ أحْدَثْنَا لَكَ شُكْرَهُ وَنَشْرَهُ، وَأرْبَضْنَاهُ عِنْدَنَا بِالتَّذْكِرَةِ وَقَبُول الْمِنَّةِ، فَتَبَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا خَوَّلَكَ، وَأدَامَ لَكَ مَا نَوَّلَكَ، وَكَتَبَ لَكَ أحْسَنَ ثَوَابِ الْمُحْسِنِينَ، وَأكْرَمَ آثَار الطَّائِعِينَ، فَإنَّ الْفَضْلَ لَهُ وَمِنْهُ.
وَأسْألُ اللهَ أنْ يَرُدَّكَ إِلَى أصْحَابِكَ بِأوْفَر الْحَظّ مِنْ سَلاَمَةِ الأوْبَةِ، وَأكْنَافِ الْغِبْطَةِ، بِلِين الْمُنْصَرَفِ، وَلاَ أوْعَثَ اللهُ لَكَ سَبِيلاً وَلاَ حَيَّرَ لَكَ دَلِيلاً، وَاسْتَوْدِعْهُ نَفْسَكَ وَدِيعَةً لاَ تَضِيعُ وَلاَ تَزُولُ بِمَنّهِ وَلُطْفِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
يَا أبَا إِسْحَاقَ إِنَّ اللهَ قَنَّعَنَا بِعَوَائِدِ إِحْسَانِهِ، وَفَوَائِدِ امْتِنَانِهِ، وَصَانَ أنْفُسَنَا عَنْ مُعَاوَنَةِ الأوْلِيَاءِ، إِلاَّ عَن الإخْلاَص فِي النّيَّةِ، وَإِمْحَاض النَّصِيحَةِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا هُوَ أتْقَى وَأبْقَى وَأرْفَعُ ذِكْراً».
قَالَ: فَأقْفَلْتُ عَنْهُ، حَامِداً للهِ عز وجل عَلَى مَا هَدَانِي وَأرْشَدَنِي، عَالِماً بِأنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُعَطّلَ أرْضَهُ، وَلاَ يُخَلّيَهَا مِنْ حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ وَإِمَام قَائِم، وَألْقَيْتُ هَذَا الْخَبَرَ الْمَأثُورَ، وَالنَّسَبَ الْمَشْهُورَ، تَوَخّياً لِلزّيَادَةِ فِي بَصَائِر أهْل الْيَقِين، وَتَعْريفاً لَهُمْ مَا مَنَّ اللهُ عز وجل بِهِ مِنْ إِنْشَاءِ الذُّرَّيَّةِ الطَّيَّبَةِ، وَالتُّرْبَةِ الزَّكِيَّةِ، وَقَصَدْتُ أدَاءَ الأمَانَةِ وَالتَّسْلِيمَ لِمَا اسْتَبَانَ، لِيُضَاعِفَ اللهُ عز وجل الْمِلَّةَ الْهَادِيَةَ، وَالطَّريقَةَ الْمَرْضِيَّةَ قُوَّةَ عَزْم، وَتَأيِيدَ نِيَّةٍ، وَشَدَّ اُزُرٍ، وَاعْتِقَادَ عِصْمَةٍ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيم.


 


الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) الخرائج والجرائح ص ١١١٢ ج ٣ فصل... ص: ١١٠٩.
الغيبة للطوسي ص ٣٦١ ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد.
بحار الأنوار ص ٣٤٨ ج ٥١ باب ١٦_ أحوال السفراء.
الاحتجاج ص ٤٨١ ج ٢ ذكر طرف مما خرج أيضاً عن صاحب الزمان.
كمال الدين ج ٤٥ ص ٥١٠ ٢_ باب ذكر التوقيعات الواردة.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016