فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء - الجزء الأول
 كتب أخرى

الكتب المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء - الجزء الأول

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: السيد ضياء الخباز تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٨/١١ المشاهدات المشاهدات: ١٢١٩٢ التعليقات التعليقات: ٠

المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء - الجزء الأول

تقريراً لأبحاث سماحة السيد ضياء الخباز القطيفي (دام عزّه)

بقلم: عبد الله سعد معرفي

فهرس محتويات الكتاب

الإهداء
ضراعة وابتهال
كلمة المقرَّر له
كلمة المقرِّر
الفصل الأول: أبحاث تمهيدية هامة
تمهيد
البحث الأول: الوظيفة الشرعية في زمن الغيبة الكبرى
البحث الثاني: وجوب تحصيل العلم واليقين في أصول الدين
البحث الثالث: قاعدة أصالة حرمة العمل بالظنّ
البحث الرابع: وجه الحاجة إلى علم الرجال
الفصل الثاني: فقه علائم الظهور
أهمية فقه علامات الظهور
المبحث الأول: أقسام علامات الظهور
المبحث الثاني: العلامات المحتومة
المبحث الثالث: بيان خصوصيات هذه العلامات
المبحث الرابع: تحقيق في جريان البداء في العلامات المحتومة
الفصل الثالث: النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام)
المبحث الأول: معنى النيابة وأقسامها
المبحث الثاني: أدلة انقطاع النيابة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى
المبحث الثالث: ثبوت النيابة العامة لمراجع الدين في الغيبة الكبرى
الفصل الرابع: قانون معرفة الحجة
تمهيد
القانون الأول: النص
القانون الثاني: المعجزة
القانون الثالث: العلم
القانون الرابع: السلاح
القانون الخامس: الدعوى إلى حاكمية الله تعالى
الفصل الخامس: مناقشة دعاوى أدعياء المهدوية
الدعوى الأولى: وجوب التعرّف على أدلة الدعوة اليمانية
الدعوى الثانية: دعوى البنوّة
الدعوى الثالثة: اليمانية

الإهداء

أين حاصد فروع الغي والشقاق أين طامس آثار الزيغ والأهواء أين قاطع حبائل الكذب والافتراء أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد....
ليت شعري أين استقرت بك النوى، بل أي أرض تقلك أو ثرى أبرضوى أم غيرها أم ذي طوى...
عزيز علي أن أرى الخلق ولا ترى ولا أسمع لك حسيسا ولا نجوى عزيز علي أن تحيط بك دوني البلوى ولا ينالك مني ضجيج ولا شكوى....
هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى...؟
عبدُك، ولاثم نعلك..
أرجو رضاك، ولطفك، فما خاب من تمسك بك ولجأ إليك..

معرفي..

ضراعة وابتهال

اللهم هذا دينك أصبح باكياً لفقد وليِّك فصلِّ على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليك رحمةً لدينك
اللهم هذا كتابك أصبح باكياً لفقد وليك فصل على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليك رحمة لكتابك
اللهم وهذه أعين المؤمنين أصبحت باكيةً لفقد وليك فصل على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليك رحمةً للمؤمنين

كلمة المقرَّر له:
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف بريته وخير خلقه محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في العالمين، وخاتم الأئمة المنتجبين، ونور الله في السماوات والأرضين، مهديّ الأمم، وجامع الكلم، الحجة بن الحسن المهدي (روحي وأرواح الجميع لتراب مقدمه الفداء).
أما بعد:
(١)
فإنَّ مِن جملة ما مُنيَ به المجتمع الشيعي في الآونة الأخيرة: كثرة دعاوى وأدعياء المهدوية، بحيث لا تكاد تمرّ فترة من الفترات إلا وينتهي إلى مسامعنا نبأ واحدةٍ من تلكم الدعاوى المنحرفة، غير أنَّ جميع هذه الدعاوى في كفة والدعوى التي ادّعاها (أحمد بن إسماعيل البصري) في كفةٍ أخرى؛ إذ أنَّ أصحاب تلك الدعاوى لم يزيدوا شيئاً على ادّعاء السفارة أو المهدوية، بينما أحمد بن إسماعيل وأتباعه قد سعوا لاختراق المنظومة المذهبية اختراقاً كاملاً، ففي الوقت الذي يعتقد فيه الشيعة بانحصار الأئمة (عليهم السلام) في اثني عشر إماماً، فإنَّ أتباع أحمد بن إسماعيل يعتقدون بأنَّ الأئمة أربعة وعشرون إماماً.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه الشيعة بانحصار المعصومين (عليهم السلام) في أربعة عشر معصوماً؛ فإنَّ أولئك يعتقدون بزيادة عدد المعصومين على ذلك، لاعتقادهم بعصمة إمامهم أحمد.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه الشيعة أنَّ الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام) هو القائم المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً؛ فإنَّ أتباع أحمد بن إسماعيل يعتقدون أنَّ متبوعهم هو القائم المهدي الذي يقيم دولة العدل الإلهي، وبهذا يجردّون صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه) عن دوره الإصلاحي العالمي.
وما هذا إلا غيض من فيض، وإلا فإنَّ أضاليلهم - كما سيمرّ عليك في هذا الكتاب - كثيرة جداً.
(٢)
والجانب الخطير جداً لهذه الدعوة المنحرفة يتمثل في أمرين:
الأول: أنهم يعتقدون بأنَّ جميع الشيعة الذين بلغتهم دعوة إمامهم المزعوم، ولم يبايعوه، فإنّهم من أهل النار.
الثاني: أنهم يعتقدون بأنَّ إمامهم المزعوم هو القائم المهدي الذي سيحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ويريق من الدماء ما يثير تعجّب الناس، حتى أنهم سيقولون: لو كان من ذرية فاطمة (عليها السلام) لرحمنا!! وإنَّ مِن أوائل مَن سيطالهم سيفه فقهاء الشيعة الذين لم يبايعوه.
وبضمّ هذين الأمرين إلى بعضهما البعض ننتهي إلى نتيجة خطيرة جداً، وهي أنَّ مشروع هذه الدعوة في المستقبل مشروعٌ دموي، وعلى وفق المعطيات المذكورة فإنهم سيقومون بإراقة دماء الشيعة - الذين يرفضون دعوتهم المنحرفة - باسم الإمام المهدي (أرواحنا فداه).
(٣)
والشيءُ المقلق جداً في أمر هذه الدعوة أنها على الصعيد الميداني - في الخليج على نحو الخصوص وبعض المناطق الأخرى - تتخذ طابعاً سريّاً، حتى يتسنى لها الانتشار بين الأفراد بشكلٍ هادئ ومن غير مواجهة، وقد نجحت في ذلك فصار لها أتباع في القطيف والكويت وعمان والبحرين وغيرها.
وهذا ما يدعو لبذل المزيد من الجهود لصدّ هذه الدعوة الزائفة، والحدّ من انتشارها، وإلا فإنَّ العواقب ستكون وخيمة للغاية.
(٤)
ويشتبه جداً مَن يطبّق شعار (الباطل يموت بموت أهله) على هذه الدعوة الباطلة، فإنَّ هذا الشعار ناظر إلى دعوات الباطل التي ليس لها مَن يقوم بنشرها وترويجها، وليس ناظراً إلى مثل هذه الدعوة التي يعمل أتباعها جاهدين لإيصال ضلالاتها إلى جميع الناس، بما فيهم المسيحيون وغيرهم، وقد استنفدوا كلّ وسائل الإعلام المتاحة لهم، حتى انتهوا إلى افتتاح قناة فضائية يصلون من خلالها إلى كلّ بيت، في ظلّ سكوت مخجل إلا من أفراد قلائل لا توازي جهودهم ما يبذله هؤلاء الأدعياء من الجهود الكبيرة والواسعة.
(٥)
ومن هنا وجدت أنّ التصدي لدحض شبهات هؤلاء وظيفة لازمة لا سبيل لغضّ الطرف عنها، فعالجتُ عدة من شبهاتهم معالجة منبرية، وتناولتها من خلال بعض المحاضرات المهدوية، وقد تمَّ الاتفاق مع ذي الغيرة الدينية، والمتحلّي بالفضائل الأخلاقية، والوثّاب لتحصيل المعارف الدينية والحوزوية، الأخ العزيز عبد الله سعد معرفي (دام توفيقه) لتقريرها وتحريرها وتوثيقها، فبذل في ذلك من الجهد ما يستحق به الثناء والشكر، فللّه دره وعليه أجره.
ولما أتمّها وعرضها عليّ وجدتُ أنها لن تؤتي أُكلها حتى تستوفي علاج بقية شبهات القوم وأباطيلهم، فأخذت على نفسي إكمال المسيرة، وتتبعت العشرات من مكتوبات القوم، ورصدتُ شبهاتهم، ولم أدّخر وسعاً في الإجابة عنها واحدة واحدة، بحيث لا يبقى لأيٍّ منها جذر إلا وقد اقتلعته، وكل ما أرجوه من المولى الكريم أن أكون قد وُفّقتُ في ذلك، لعلّي أُكتب عنده ممن نصر أولياءه وحججه، وانتصر لدينه وشريعته.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أرفع كفّي الضراعة والابتهال قائلاً:
(اللهم صِّل بيننا وبين إمام زماننا وصلة تؤدي إلى مرافقة سلفه، واجعلنا ممن يأخذ بحجزتهم، ويمكث في ظلهم، وأعنا على تأدية حقوقه إليه، والاجتهاد في طاعته، والاجتناب عن معصيته، وامنن علينا برضاه، وهب لنا رأفته ورحمته، ودعاءه وخيره، ما ننال به سعة من رحمتك وفوزا عندك، واجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، ودعاءنا به مستجابا، واجعل أرزاقنا به مبسوطة وهمومنا به مكفية، وحوائجنا به مقضية، وأقبل إلينا بوجهك الكريم، واقبل تقربنا إليك، وانظر إلينا نظرة رحيمة، نستكمل بها الكرامة عندك، ثم لا تصرفها عنا بجودك، واسقنا من حوض جده (صلى الله عليه وآله) بكأسه وبيده ريا رويا هنيئا سائغا لا ظمأ بعده، يا أرحم الراحمين).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين أبد الآبدين.

ضياء السيد عدنان الخباز القطيفي
عشُّ آل محمد (عليهم السلام)
الخميس ٤ / ٥ / ١٤٣٥ هـ

كلمة المقرِّر:
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، اللّهم صلّ على من شرّفتَ الصلاةَ بالصلاةِ عليهم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم وظالميهم إلى قيام يوم الدّين
جاءت هذه الأبحاث لإلقاء الضوء على حركة أدعياء المهدوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة في البصرة وبدأت تشق طريقها في المجتمعات الشيعيّة مستغلةً فقر الناس المادّي والمعرفي، ناشرةً جملة من العقائد والمعارف المخالفة لما أجمعت عليه الفرقة المحقّة (أنار الله برهانها) من عقائد ومعارف أُخذت يداً بيد عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وبطبيعة الحال لابد من دراسة أسس هذه الحركة ودعاواها من خلال غربلة أدلتها وإخضاعها للقواعد العلميّة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حتى يتضح بطلان هذه الأسس وعدم استقامتها وانحرافها عن جادّة الحقّ والصّواب، وهذا ما سيقف عليه القارئ العزيز بوضوح في هذا الكتاب القيّم الذي أوضح - بما لا مزيد عليه - غياب الأساس العلمي لهذه الفرقة المبنية على قشور وجرف هار، وبطبيعة الحال من لم يكن متزوّداً بسلاح العلم والمعرفة فإن كثيراً من شبهاتهم وتلبيساتهم قد تنطلي عليه، وأما الخبير العارف بالبراهين الصناعية والأدلة القاطعة وكيفيّة صياغة الدّليل ومحاكمته سيُدرك حجم اعوجاج السليقة في فهم هؤلاء للأدلّة.
وقد كان من لطف الله وتوفيقه ورعايته أن وفقني لتقرير هذه البحوث القيّمة والدّقيقة للعلامة الفاضل المحقق سيدنا وسنادنا الضياء بن السيد عدنان الخباز القطيفي (دام عزّه وفضله) الذي بذل من وقته ما لا يعلمه إلا الله (عزَّ وجلَّ)، وألقى بكلّ ثقله على هذه الفرقة المأفونة ممحّصاً كتبها، مغربلاً أدلّتها، ناقداً لاستدلالاتها، من غير إيمان منه بقوّتها وإحكامها، بل هو مقرٌّ بضعفها ووهنها - كما سترى وتتعجّب وتضحك -، وإنّما كان ذلك منه نصرةً لمولانا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه) وإعلاءً لرايته، وحفاظاً على عقائد المؤمنين، وصيانةً للتراث المقدّس الكريم من تحريف المحرفين وتلاعب المفسدين العابثين، وإرشاداً لأذهان طلّاب العلم والمعرفة لكيفية تطبيق القواعد الصناعية في مثل هذه الأبحاث، مُظهِراً بذلك كلّه قوّة مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصّادق (عليه آلاف التحية والسلام) وعمق القواعد التي أسسها أئمتنا كما روى الثقة الفقيه الأجل أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (رضي الله عنه) عن إمام الإنس والجن علي بن موسى الرّضا (صلوات ربّي عليه): «علينا إلقاء الأصول، وعليكم التفريع».(١)
وقد رتبت هذه البحوث الشريفة على ستة فصول:
الأوّل: أبحاث تمهيدية هامة.
الثّاني: فقه علائم الظهور.
الثّالث: النيابة عن مولانا صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف).
الرّابع: قانون معرفة الحجة.
الخامس: مناقشة دعاوى أدعياء المهدوية.
السادس: المرجعية الدينية فوق الشبهات.
ويهمّني في هذه المقدّمة أن أشير إلى أمورٍ ثلاثة، تميّزت بها هذه البحوث:
الأمر الأوّل: تقرير مذهب هذه الفرقة بأسلوب علمي
حيث اعتمد سماحته (دام عزّه) في عرض أدلّة هذه الفرقة على تقرير المقدّمات والخلوص إلى النتائج بالأسلوب المعهود الذي سار عليه علماؤنا (أعلى الله مقامهم الشريف) في استعراض أدلّة الخصم في بحوثهم العلمية ومحاولة إعطاء الوجه العلمي لها، إنصافاً من أعلامنا (رضي الله عنهم) لهؤلاء تارةً، وإظهاراً لعزّة المذهب ومتانته تارةً أخرى.
وأوّد أن ألفت ذهن القارئ العزيز إلى أنّ التقرير المذكور في هذا الكتاب لأدلّة الخصم ليس مأخوذاً من كتبهم، فهم دون الفهم فضلاً عن صياغة الدّليل، بل هو تقرير مُتَعَمَّدٌ من الأستاذ (دام عطاؤه) حتى يعطي وجهاً علمياً لأدلّتهم يُمكن من خلاله المناقشة والنقض، وإلا فلو أبقينا ما كتبوه على ما هو عليه مادّةً وهيئةً، ونقلنا نصّ عبائرهم المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، وركاكة التعبير والصياغة، لاكتفينا بردّ لا يتجاوز السطر، ونقوضات لا تستهلك الحبر، ولكن شاء المولى (عجل الله فرجه الشريف) أن يسخّر لهذه الطّائفة جنوداً (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)(٢) وذلك (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).(٣)
الأمر الثاني: الرّد على الإشكالات بما تقتضيه الصناعة العلمية
وهذا أمرٌ غاية في الأهميّة، وهو مفقود في معظم الدّراسات مع شديد الأسف، ولعلّ هذا الفقدان هو العامل الرئيسي لجرأة المنحرفين - بل وحتى المتعلّمين - على موائد العلم ووضع الأمور في غير موضعها، وعلى أي حال، فهذه الأجوبة الصناعيّة تكشف عن دقّة التّطبيق لدى علماء الطّائفة من جهة، وتبيّن أهميّة الرجوع إلى أهل الاختصاص والعلم من جهة أخرى، وتساعد المؤمنين على الاستناد إلى القواعد العلمية في مقام ردّ الشبهات - بعد الرجوع لأهل الاختصاص والأخذ عنهم والتعلّم منهم - من جهة ثالثة، ومن هنا: تنوّعت المقدّمات العلمية في هذا الكتاب إلى أصولية وفقهية، وكلامية ورجالية، حتى تتبيّن الضوابط الكليّة التي يصح الإستناد إليها في مقام تنقيح هذه البحوث.
ومضافاً إلى تنوّع المدارك العلمية وإعمال الصناعة الفنيّة في الرد ومحاكمة الأدلّة، فإنّه (أدام الله عطاءه) لم يكتفِ بإعمالها بل أوضحها وبيّن مُستندها بما يتناسب مع المقام، ومن ذلك - مثلاً -: بحثُ المشتق الأصولي، التي وقع النزاع بين الأصوليين في بعض جهاتها، إلا أننا لم نتطرّق إلى ذلك في هذه البحوث لكونه مطلباً درسيّاً يُؤخذ فهماً وتنقيحاً من مدارس العلم والفقاهة (صانها الله من كل مكروه)، بل اكتفينا بالاستدلال بمورد الاتفاق بين الأعلام لا لأنّه متفقٌ عليه فقط، بل لأنّ المقام يقتضي الاستدلال به كما سترى وتفهم.
ومن ذلك بحثُ المشتق الأصولي الذي بينّاه في أواخر الكتاب، فمسألة المشتق كما لا يخفى على أهل الاختصاص مسألة علميّة دقيقة، وقع النزاع بين الأصوليين في بعض جهاتها، إلا أننا لم نتطرّق إلى ذلك في هذه البحوث لكون الكتاب خارجاً عن حريم الكتب الدّرسية، بل اكتفينا بالإستدلال بمورد الإتفاق بين الأعلام، لا لأنّه متفقٌ عليه فقط، بل لأنّ المقام يقتضي الاستدلال به كما سترى.
الأمر الثّالث: الجهد المبذول في تتبّع كتبهم
وأودّ في المقام أن أشير إلى ما شهدته وشاهدته بنفسي من جهد جبّار بذله سماحته (حفظه الله ورعاه) في قراءة كتب هذه الفرقة - كاملةً - وتتبعها واقتناص الشبهات منها رغم انشغالاته الكثيرة بالدّرس والتدريس، وكنتُ دائماً أقول: من هوان الدّنيا على الله (عزَّ وجلَّ) أن يكون الإنسان منكبّاً على التدقيق في كلمات أرباب الفقاهة والصناعة وتحليلها وبيانها ومناقشتها ثمّ بعد ذلك ينكبّ على مطالعة كتابات لا يدري المرؤ يضحك على أي شيء فيها!، ولكنّ ثمرة هذا التّتبع الشّامل لشبهاتهم ظهر جلياً في هذه البحوث، حيث استوفى سماحته كلّ شبهاتهم وأدلّتهم عرضاً ورداً، فلله درّه وعليه أجره.
وفي الختام أضع هذه البحوث بكل خجل وانكسار، وتواضع وافتقار، وتواضع وتذلل، مطأطئاً رأسي لأقدام المولى بقية الله الأعظم (روحي لتراب مقدمه الفداء)، راجياً منه أن يتلقّاها بالقبول، وأن يكتبني وسيدنا الأستاذ في سجل خدّامه والمدافعين عن ولايته ومقامه، إنّه لا يُخَيِّبُ سائلاً سأله، ولائذاً لاذ به.

والحمد لله على كمال الدّين وتمام النّعمة

فرغتُ من كتابة هذه البحوث الشريفة
في ليلة الجمعة المباركة، الموافق ١١ شعبان المكرّم ١٤٣٤ هـ.
عبد الله معرفي

الفصل الأول: أبحاث تمهيدية هامة

تمهيد:
قبل الشروع في بيان أدلة أدعياء المهدوية والوقوف على كلمتهم، وجرياً على منهج أعلامنا العظام وطريقتهم في طرح الأبحاث، لابد من تقديم بعض المقدّمات التي هي بمثابة الأسس التي تبتني عليها الأبحاث القادمة، والتي حاولت هذه الفرقة المارقة أن تشكك فيها أو تلغيها بشكل أو بآخر، ثم نردفها بالرد على دعاوى هذه الفرقة من خلال مناقشة أدلتها الواحد تلو الآخر، متوكلين في ذلك كله على الله العلي العظيم؛ إنه نعم المولى ونعم الوكيل.
البحث الأول: الوظيفة الشرعية في زمن الغيبة الكبرى
ونتناوله من خلال أربع نقاط:
النقطة الأولى: علاقة عملية التمحيص بالغيبة الكبرى.
عند الرجوع إلى الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) نجد أنَّ الأئمة الأطهار قد حذّروا من مرحلةٍ حرجةٍ خطيرةٍ يمرُّ بها المجتمعُ الشيعيُ، وهي مرحلة التمحيص، فمن تلك الروايات:
(١) ما ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «مع القائم (عليه السلام) من العرب شيء يسير.، فقيل له: إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير!، قال: لا بد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير».(٤)
(٢) وورد عنه (عليه السلام): «كيف بكم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم، يتبرّأ بعضُكم من بعض؟! فعند ذلك تُمَيَّزُونَ وتُمَحَّصُونَ وتُغَرْبَلُونَ».(٥)
(٣) وعنه أيضًا: «هيهات! هيهات! لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينَكم - يعني ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) - حتى تُمَيَّزوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينَكم حتى تُمَحَّصُوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينَكم حتى تُغَرْبَلُوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينَكم إلا بعد إياسٍ، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينَكم حتى يشقى مَنْ يشقى ويسعدَ مَنْ يسعد»(٦).
(٤) وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «هيهات! هيهات! لا يكون فرجُنا حتى تُغَرْبَلُوا ثم تُغَرْبَلُوا ثم تُغَرْبَلُوا يقولها ثلاثا، حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو»(٧).
(٥) وورد في الرّواية عن الإمام الرّضا (عليه السلام) أنّه قال: «والله لا يخرج القائمُ حتى تُمَحَّصُوا وتُغَرْبَلُوا ولا يبقى منكم إلا الأندرُ فالأندر»(٨).
والحاصل: أن الروايات تتحدّث عن حقيقةٍ مخيفةٍ، وهي عملية التمحيص التي سيتعرض لها المجتمع الشّيعي، وسيخرج من هذه العملية خلقٌ كثيرٌ، وهذه العملية مرتبطةٌ بغيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، فقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «والله لأُقْتَلَنَّ أنا وابناي هذان - يعني: الحسن والحسين - وليبعثنَّ اللهُ رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالِب بدمائنا، وليغيبنَّ عنهم تمييزًا لأهل الضَّلالة حتى يقول الجاهلُ: ما لله في آل أحمدَ من حاجةٍ»(٩).
فقوله (عليه السلام): «وليغيبن عنهم تمييزاً» واضح الدلالة على ما قلناه من ارتباط عملية التمحيص بغيبة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ولكن الذي ينبغي أن يقع البحث حوله في هذه الرواية الشريفة هو بيان حقيقة هذه العلاقة بين الغيبة والتمحيص، فهل هي من قبيل علاقة العليّة أم علاقة الهدفية؟
تحقيق في حقيقة العلاقة بين الغيبة والتمحيص:
وقبل بيان الحقيقة لابد وأن نفرّق أولاً بين العلاقتين، وذلك متوقف على فهم الفرق بين العلية والهدفية، أو فقل: بين مصطلحي العلة والحكمة، وبيانه:
أنه قد قُرر في محله أن العلة هي التي يدور المعلولُ مدارَها وجودًا وعدمًا، فإذا وُجِدَت وجد وإذا انعدمت انعدم، بينما الحكمة هي المصلحة والثمرة المترتّبة على وجود الشيء، فقد يوجد الشيءُ ولا توجد، وقد يوجد وتوجد معه.
وبعبارة أخرى: أن علاقة العليّة هي علاقة تلازميّة لا تتخلف، فإذا وجدت العلة لابد وأن يوجد المعلول من غير تخلف، وهذا النحو من الملازمة غير موجود في الحكمة والهدفية، إذ يمكن تخلفه كما يمكن تحققه.
ويمكن تقريب ذلك بمثال: فمن الأحكام الشّرعيّة في الشّريعة المقدّسة استحباب الزواج، ففي النبوي: «تناكحوا، تناسلوا، فإنّي مباهٍ بكم الأممَ يوم القيامة»(١٠)، وقد ارتبطت فلسفته بالتناسل البشري، وتكثير الموحّدين، إلا أنَّ الكلام في أنَّ الإنجاب وتشكيل الأسرة لتكوين مجتمع متكامل، هل هو علة للحكم المذكور أم حكمة له؟
والصحيح: إن الإنجاب ليس علة للحكم، بل هو حكمة له، ببيان: أننا لو قلنا بالعليّة للزم منه عدم استحباب الزواج إذا لم يرد المتزوجان الإنجاب، لدوران الحكم مداره وجوداً وعدماً، وهذا باطل؛ لتنصيص الشارع على استحباب الزواج بصرف النظر عن قضية الإنجاب والتناسل.
وعليه فالإنجاب والتناسل ليس علة للحكم، وإنَّما هو مصلحةٌ مترتّبة عليه وثمرة من ثمراته وهدفٌ من أهدافه، وأما علة الاستحباب فلا يعلمها إلا أهلها صلوات الله وسلامه عليهم.
إذا اتضح ذلك نقول: هل أن العلاقة بين غيبة ولي الله الأعظم أرواحنا فداه، وبين التمحيص والغربلة والتمييز ونحوها من العناوين الواردة في الروايات الشريفة، هي علاقة العليّة، بحيث أن الله تبارك وتعالى إنما غيّب وليّه من أجل تمحيص الشيعة وغربلتهم، ولو أنه لم يرد تمحيصهم لما غيّبه.
أم أنّه غيّبه لعلة تخفى علينا، وأحد أهداف تغييبه هو التمحيص؟
الصحيح هو الثاني، لعدم معرفة أحد بعلة الغيبة، وهذا ما دلت بعض الروايات الشريفة، منها خبر عبد الله بن الفضل: «قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبةً لابدَّ منها، يرتاب فيها كلُّ مبطلٍ، فقلتُ: ولم جعلتُ فداك؟ قال: ذلك لأمرٍ لم يُؤْذَن لنا في كشفه لكم».(١١)
والحاصل: فإن علّة الغيبة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى وخزّان علمه، وبهذا تتبيّن الملاحظة على ما يذكره البعض من كون العلة من غيبته هي الخوف من القتل، أو اكتساب الخبرات القياديّة! أو غير ذلك من التعليلات التي لا مستند لها.
النقطة الثانية: بيان حقيقة التمحيص:
بعد أن اتضح لنا أن المجتمع الشيعي يتعرض إلى عملية تمحيص في زمن الغيبة، لابد من بيان حقيقة هذا التمحيص وماهيته ليكون المؤمن على أهبةٍ واستعدادٍ وحذرٍ.
فنقول: إنَّ هذا التمحيص في زمن الغيبة على مستويين:
المستوى الأول: التّمحيص السّلوكي، حيث يُمَحَّصُ النّاسُ من خلال غرائزهم وشهواتهم، ليُعْلَمَ من الذي ينقاد لشهواته وغرائزه ومن الذي يتجرَّد منها، فنحن نعيش في زمان ثورةٍ غرائزيّةٍ من خلال توفّر سبل الإثارة للغرائز والشّهوات، وزمان الثورة الغرائزيّة هو زمان عملية التّمحيص السلوكي للنّاس من خلال غرائزهم.
وقد وردت الروايات الشريفة التي تشير إلى هذا النوع من التمحيص، كما في الخبر الطويل الذي يرويه الشيخ الكليني في الكافي الشريف عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن انتظر أمرَنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف فهو غدًا في زمرتنا، إذا رأيتَ الحقَّ قد مات وذهب أهلُه، ورأيتَ القمارَ قد ظهر، ورأيتَ الشّرابَ يباع جهارًا وليس له مانعٌ، ورأيتَ النّساءَ يبذلن أنفسَهنَّ لأهل الكفر، ورأيتَ الملاهي قد ظهرت لا يجرؤ أحدٌ على منعها، ورأيتَ الدّماءَ قد اسْتُخِفَّ بها، ورأيتَ النّاسَ قد تساووا في ترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والتدين به، فكن على حذر واطلب إلى الله (عزَّ وجلَّ) النجاة وأعلم أن الناس في سخط الله (عزَّ وجلَّ) وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله (عزَّ وجلَّ) في خلاف ما هم عليه».(١٢)
فهذه الرّواية الشريفة - وأمثالها - تتحدّث عن عملية تمحيصٍ سلوكي، وتبيِّن أنَّ الناس سيتعرضون إلى موجبات الإثارة والمفاتن الدنيويّة على أشدّها، والذي يُشرَّفُ برؤية الإمام ونصرته هو مَنْ يتجاوز التّمحيص السّلوكي بنجاح.
المستوى الثاني: التّمحيص الفكري، وهو المستوى الأخطر والأشدّ؛ لأنَّ الناس لا يلتفتون إليه عادةً، فالمجتمع الشّيعي سيُمَحَّصُ في بصيرته وعقائده وأفكاره، وستنتشر الرّاياتُ الضّالة والأفكارُ المنحرفةُ والشّبهاتُ باسم الدين، ولا يخرج من هذه العملية إلا صاحبُ الوعي والبصيرة.
ويشهد لذلك ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون»(١٣)
فإنَّ التعبير فيها بالضلال والاهتداء واضح الدلالة على التمحيص في البصائر والدين.
ولعل الأوضح منها ما رواه الشيخ الصدوق عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «أما والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، وليمحّص حتّى يقال مات أو هلك، بأيّ واد سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أيّ من أيّ.
قال: فبكيت.
فقال لي: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟
فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ، فكيف نصنع؟
قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟
قلت: نعم.
قال: والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس»(١٤)
والمتحصل من هاتين الروايتين: أن التمحيص الذي يمر به العالمُ الشيعي على مستويين، سلوكي وفكري، والثاني يشكل امتحاناً أخطر من الأول إذ هو مرتبط بدين الناس وبصائرهم، وسيظهر من يرفع الرايات باسم الإمام المنتظر ويدّعي السفارة والنيابة والارتباط به (عجل الله فرجه الشريف)، ومن ينصاع لهؤلاء فقد وقع في هاوية الجحيم.
النقطة الثالثة: الهدف من عملية التمحيص
إن المراجع لآيات القرآن الكريم يقف على حقيقة غير قابلة للإنكار والتشكيك، بل هي سنة تكوينية لابد وأن تتحقق في كل مجتمع من المجتمعات، من المجتمع الآدمي الأوّل الذي شمل آدم وبنيه، إلى آخر يوم من أيام الدنيا، وهي عملية التمحيص التي لا تختلف ولا تتخلف، وهذا ما صدحت به آيات الذكر الحكيم، كما في قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).(١٥)
ولسنا بحاجة لإقامة الشواهد الكثيرة للتدليل على هذه الحقيقة، وإنما نحن بحاجة لمعرفة الهدف منها، فلماذا جعل الله تبارك وتعالى عملية التمحيص سنة تأريخية اجتماعية تكوينية لابد أن يمر بها كل مجتمع؟
والجواب عن ذلك أنَّ الهدف منها هو التأهيل لسمو الموقع، وهذا أمر نشاهده بالوجدان، وخير مثال عليه مرور الطالب في مراحل التحصيل الأكاديمي في الجامعات، فإنّه لابد وأن يجري بعض الامتحانات التي يعبّرون عنها في عرفهم بـ"اختبارات القدرات"، ليمحّص هذا الطالب ويُعلم مستواه الذي ينبغي أن يوضع فيه، وموقعه الأكاديمي الذي يناسب قدراته، بل تعرف أهليته لدخول الجامعة أصلاً فضلاً عن تحديد الموقع العلمي الأكاديمي الذي يناسبه فيها، وهكذا الحال في التوظيف وغير ذلك.
وهذه قضية عقلائية وجدانية، لا خلاف عليها.
وتطبيقها على ما نحن فيه بأن يُقال: إن الله تبارك وتعالى جعل للعباد مراتب ومواقع ومناصب ودرجات، لا ينالها أحدهم إلا بعد الارتقاء في سلم الكمال ودرجاته، وهذا الارتقاء لا يكون إلا بالتمحيص والابتلاء، وهنالك عدّة شواهد روائية، وقرآنية، على ذلك، فمنها:
(١) صحيحة فضيل بن عثمان عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبدٌ إلاّ بالابتلاء في جسده».(١٦)
(٢) وفي صحيح معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): قال الله (عزَّ وجلَّ): ما من عبد أريد أن أدخله الجنة إلاّ ابتليته في جسده، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ شددت عليه عند موته حتى يأتيني ولا ذنب له، ثمّ أدخله الجنة»(١٧).
مقام التشرف بصحبة الإمام المنتظر وخضوعه لقانون التمحيص:
إذا اتّضح أن التمحيص عموماً إنما هو من أجل التأهيل لسمو الموقع، يتضح الكلام فيما نحن فيه، فإنَّ صحبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ونصرته من المقامات الشامخة، وعليه فلابدَّ للارتقاء لها من المرور بعملية التمحيص.
وتفصيل ذلك: أنَّ موقعها ورتبتها عند الله (عزَّ وجلَّ) مما يحيّر العقول ويدهشها، وقد وردت روايات متعددة في فضل أصحاب الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ومقامهم العالي.
(١) منها: ما رواه شيخنا الصدوق (أعلى الله مقامه الشريف) في كمال الدين وتمام النعمة بسنده إلى إمامنا باقر العلوم (عليه السلام): «كأني بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام)»(١٨).
(٢) وروى الصفار في البصائر عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني، مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟، فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة»(١٩)
وبناءً على ما تقدّم، وبمقتضى قانون التجانس والتناسب العقلائي، فإن مقاماً كهذا المقام، ومنزلةً كهذه المنزلة، لابد وأن لا تُنال إلا بشق الأنفس، وبطي تلك الاختبارات والابتلاءات، وبالصبر أمام ذلك التمحيص بما يناسب عظمة المقام، ويشهد لذلك ما جاء عن إمامنا الصادق (عليه السلام): «من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة»(٢٠).
وهذا ما دلّت عليه رواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً، فإخوان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هم الذي يتجاوزون مرحلة التمحيص، ويثبتون على دينهم دون رجوع وخنوع وخضوع، وتأثر بالشهوات والغرائز، وتزلزل الأفكار بالضلال والشبهات، فمن تجاوز العمليّة بجدارة وامتياز، سمى إلى ذلك الموقع الرفيع، وكان من أصحاب القائم أرواحنا فداه.
النقطة الرابعة: وظيفة المؤمن في مرحلة التمحيص
تقدّم في المطالب السابقة، تقسيم التمحيص إلى فكري بصائري، وسلوكي عملي، وتقدّم هناك أيضاً أن الأوّل أخطرهما، وأما وجه أخطريّته، فيمكن تقريبه ببيان أمرين:
الأمر الأول: أن التمحيص السلوكي مما يمكن تمييزه بسهولة، فالذي يعرف المحرمات بمختلف أنواعها، يمكنه الاجتناب عنها بسهولة.
الأمر الثاني: أن التمحيص الفكري يكون باسم الدين والعلم، فيكون التمييز فيه صعباً حرجاً سيما للطبقة العامة.
وعلى ضوء ذلك نقول: إن الروايات الشريفة قد ركّزت على ثلاث وظائف مهمّة ينبغي للمؤمنين أن يقوموا بها في مرحلة التمحيص:
الوظيفة الأولى: الحذر من أئمة الضلال وأدعياء المهدوية
وقد ركّزت الرّوايات الشريفة على هذا الأمر كثيرًا، فمنها:
(١) ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «سمعت عليا (عليه السلام) يقول: كنا جلوسا عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو نائم ورأسه في حجري، فتذاكرنا الدجال فاستيقظ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) محمرا وجهه، فقال: لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال، الأئمة المضلون»(٢١).
(٢) صحيحة أبي خديجة عن إمامنا الصّادق (عليه السلام) أنّه قال: «لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه»(٢٢).
والحاصل: أن هنالك حالة من الضبابية تسود في مرحلة التّمحيص، وينبغي على الإنسان أن يكون حذرا يقظا ذا بصيرة في التّعامل مع الأحداث المرتبطة بظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف).
الوظيفة الثانية: التّمسك بالفقهاء والعلماء
والملاحظ عند التدقيق في سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم، وبالأخص ما جاء عن الأئمة المتأخرين (أرواحنا فداهم) ابتداءً بإمامنا الجواد وانتهاءً بإمامنا العسكري (صلوات ربي عليهم)، هو دورهم الواضح والكبير في التّمهيد لغيبة الإمام المهديِّ (عجل الله فرجه الشريف) باعتبار أنها ظاهرة جديدة غير مألوفةً للشّيعة الذين اعتادوا على أن يكون الإمامُ بين أيديهم.
ومِنْ جملة الإعدادات التي ركّز عليها الأئمة المتأخرون (عليهم السلام): تحديد المرجعيّة الدّينيّة التي يرجع إليها النّاس في أمور دينهم في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
والروايات في هذا الشأن - أعني تركيز الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم على الفقهاء ودورهم - كثيرة ومتعددة، ويمكن تصنيفها إلى طائفتين:
الطائفة الأولى: الروايات التي تتحدّث عن فضل العلم والعلماء على نحو العموم دون أن تتحدّث عن فترة زمنية خاصة يمر بها العلماء.
منها: صحيحة القدّاح عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «وإنّ العلماء ورثة الأنبياء»(٢٣).
وعنه (عليه السلام): «الراوية لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد»(٢٤).
وعنه (عليه السلام): «العلماء أُمناء، الأتقياء حصون والأوصياء سادة»(٢٥).
والروايات في هذا الشأن كثيرة جداً.
الطائفة الثانية: الروايات التي تتحدث عن فضل العلم والعلماء في فترة زمنية خاصة وهي التي عبّرنا عنها بمرحلة التمحيص.
فمنها: ما ورد عن إمامنا الجواد (عليه السلام) أنّه قال: «من تكفل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم، الأسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودليل أئمتهم ليفضلون عند الله تعالى على العباد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء»(٢٦).
ومنها: ما روي عن الإمام الهادي (عليه السلام): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ)»(٢٧).
ومنها: ما روي عن الإمام العسكري (عليه السلام): «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(٢٨).
ولما وصلت النوبة إلى إمامنا المنتظر (أرواحنا فداه) كتب في التوقيع الرفيع لسفيره المقدس الشيخ محمد بن عثمان العمري قدّس سره: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم»(٢٩)
والمتحصل من ذلك كله(٣٠): أن الأئمة (عليهم السلام) وخصوصاً المتأخرين أسسوا لمرجعية دينية للفقهاء من شيعتهم - في زمن الغيبة للإمام (عجل الله فرجه الشريف) - يرجع إليها النّاس، ومن هنا تعرف أن ما جرت عليه سيرة الشيعة الإمامية (أعلى الله كلمتهم) من الرجوع إلى الفقهاء والمراجع العظام إنَّما هو استجابةٌ لما أراده الأئمة (عليهم السلام).
وعليه: فلا يصغى لأي دعوى زائفة كالدّعاوى التي يردّدها بعض الضالين والمغرضين من التحذير من المراجع العظام واتهامهم بالضلال معاذ الله، فهذا خلاف المشروع الذي أسس له أئمة الحق صلوات الله وسلامه عليهم.
الوظيفة الثالثة: التّسلّح المعرفي
وقد ركزت الروايات الشريفة على هذه الوظيفة تركيزاً بالغاً يكشف عن أهمية هذه الوظيفة وحساسيتها، فمنها:
ما عن عمرو بن أبان قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر، إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم)، فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر (عليه السلام)»(٣١).
وعن زرارة بن أعين عن الإمام الصادق (عليه السلام) حين حديثه عن الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف): «وهو المنتظر غير أن الله (عزَّ وجلَّ) يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء اعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: (اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني)»(٣٢).
البحث الثاني: وجوب تحصيل العلم واليقين في أصول الدين
وحاصل الكلام حوله: أنه قد تقرر في علم الكلام، أن أصول الدين والمعارف يجب تحصيلها بالعلم واليقين، وهذا هو رأي مشهور علماء الطائفة المحقة، واستندوا في ذلك إلى دليل لزوم دفع الضرر المحتمل، وهذا الدليل يبتني على مقدمتين:
المقدمة الكبروية: وهي أن العقل حاكمٌ بلزوم دفع الضّرر المحتمل.
وهذه مقدّمة مسلّمة لا خلاف فيها، فإن الأعلام وإن اختلفوا في أن دفع الضرر المحتمل هل هو دليل عقلي أم فطري، ولكنهم جميعاً تسالموا على لزوم دفعه، فإذا احتمل الإنسان ضرراً كما لو ذهب إلى الطبيب وقال له: اجتنب هذا الأكل فإنه مضر ومهلك لك، فإن العقل يأمر الإنسان بلزوم الاجتناب عن هذا الأكل دفعاً للضرر المحتمل.
بل حتى الحيوانات تشترك في هذا الأمر، فالحيوان الأليف إذا رأى حيواناً مفترساً فإنه يحتمل الضرر فيفر منه، وهكذا المجنون الذي فقد عقله، فإنه إن احتمل الضرر اجتنبه حتماً، ومن هنا قال بعض الأعلام - كما أشرنا - إن دليل لزوم دفع الضرر المحتمل دليل فطري وليس دليلاً عقلياً، وتحقيقه موكول إلى محله.
المقدمة الصغروية: وهي أنَّ ترك تحصيل اليقين والعلم في أصول الدّين فيه مظنّة الضّرر الأخروي
واحتمال هذا الضرر الأخروي ناشئ عن وجود الكثير من البشر على مدى التاريخ الطويل الذين دعوا - تحت عنوان النبوة أو الإمامة - إلى اعتناق عقائد معينة، وحذروا من العقاب الشديد على إهمالها.
وبناءً على هاتين المقدمتين: فإنه يلزم تحصيل اليقين بأصول الدّين دفعا للضّرر المحتمل بحكم العقل أو الفطرة وإنْ لم يحكم الشّارع بذلك، وليس يصح التعويل على مثل الاستخارة والأحلام ونحوها من الطرق الظنية في أصول الدين.
ومن هنا نلفت ذهن القارئ الكريم إلى أن هذه القاعدة هي الحاكمة في بحوثنا في مناقشة الأدلة التي ذكرتها الفرقة الضالة التي تزعم الإمامة والعصمة لصاحبها المدعو أحمد بن إسماعيل، كما ستقف مفصلاً في البحوث القادمة.
البحث الثالث: قاعدة أصالة حرمة العمل بالظن (٣٣)
وهذه قاعدةٌ مهمّة، تترتب عليها نتائج وفوائد كثيرة، وهذا ما يدعونا أن نستوعب أهمّ الجوانب المرتبطة بهذه القاعدة - بما يناسب المقام - لما سنجنيه من الفوائد المهمّة كما سيتّضح لك.
ويُمكن بيان هذه القاعدة المهمّة ببيانين:
البيان الأوّل: البيان الإجمالي
وحاصله: أن الأصل الأولي في الظن - الذي أصّلته الأدلة الأربعة - هو حرمة العمل به، إلا ما خرج بالدليل المعتبر شرعاً، إذ أن الشارع قد حرّم العمل بالظن، ولكنه استثنى بعض الظنون وجعل لها الحجية، وتوضيح هذا مفصّلا مبحوث في علم الأصول.
البيان الثّاني: البيان التفصيلي
وحاصله: أنَّ أصل هذه القاعدة هو (العمل بالظن حرام) وبالتالي فهي تشتمل على موضوع ومحمول، أما موضوعها فهو العمل بالظن، وأما محمولها فهو الحرمة.
ومن هنا، فالكلام يقع في جهتين:
الجهة الأولى: موضوع القاعدة
والموضوع يتشكّل من مفردتين:
المفردة الأولى: الظّن
والظن له معنيان:
* المعنى الأول: المعنى اللغوي
وهو أعم من المعنى الاصطلاحي، لشموله الوهم والشك، بل ادّعي أن الظن يُطلق على العلم أيضاً في بعض الاستعمالات القرآنية.
فعنوان الظن - بحسب المعنى اللغوي والمتفاهم العرفي في زمن المشرع - يطلق على الأعم من الظن الاصطلاحي والشك والوهم، وكلمات اللغويين تُصرّح بذلك.
قال ابن منظور: «الظَّنُّ شك ويقين إلَّا أَنه ليس بيقينِ عِيانٍ، إنما هو يقينُ تَدَبُّرٍ، فأَما يقين العِيَانِ فلا يقال فيه إلَّا علم، وهو يكون اسماً ومصدراً، وجمعُ الظَّنِّ الذي هو الاسم ظُنُون»(٣٤).
وقد ذكر الزبيدي في تاج العروس أقوال بقية اللغويين في معنى الظن عندهم فقال: «الظَّنُّ: التَّرَدُّدُ الَّراجِحُ بين طَرَفَي الاعْتِقادِ الغيرِ الجازِمِ.
وفي المُحْكَم: هو شَكٌّ ويَقِينٌ إلاَّ أنه ليسَ بيَقِينِ عِيانٍ، إنَّما هو يَقِينُ تَدَبُّرٍ، فَأَمَّا يَقِينُ العِيانِ فلا يُقالُ فيه إلاَّ عَلَم.
وفي التَّهْذِيبِ؛ الظَّنُّ: يَقِينٌ وشَكٌّ؛ وأَنْشَدَ أَبو عُبَيْدَةَ:
وقالَ المَناوِيُّ: الظَّنُّ الاعْتِقادُ الراجِحُ احْتِمالِ النَّقِيضِ، ويُسْتَعْمل في اليَقِينِ والشَّكِّ.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: الظَّنُّ: مَعْروفٌ، وقد يُوضَعُ مَوْضِعَ العِلْم»(٣٥).
ويمكن تلخيص ما في كلماتهم في أمرين:
الأمر الأول: أن الظن هو كل ما سوى العلم.
الأمر الثاني: أن الظن قد يُطلق على العلم أيضاً.
ملاحظة وتأمل
ومما يجدر الالتفات إليه أن بعضهم قد ذهب إلى جواز إطلاق الظن على العلم، تخلّصاً من إشكال حاصله: أنه قد ورد في القرآن الكريم قد مدح الخاشعين بظنهم بالمعاد حين قال: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(٣٦)، مع خلاف الفرض من أن الاعتقاد بأصول الدين - والتي منها الاعتقاد بالمعاد والحساب - لابد وأن يكون ناشئاً عن القطع واليقين، ولا عبرة بالظن فيه.
فأجاب بعضهم: أن المقصود من الظن في الآية الكريمة هو العلم، إذ أن الظن قد يُطلق عليه.
الجواب عما أفادوه من جهتين:
الجهة الأولى: أن عندنا أصلاً قرآنياً لا يُنكره أحد من الأعلام، وهو أن القرآن منع من الظن في المعرفة الدينية وشجبه، والآيات على ذلك كثيرة جداً فمنها:
قوله سبحانه: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ).(٣٧)
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)(٣٨).
وقوله: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).(٣٩)
وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا)(٤٠).
أما وجه الاستدلال بالآيات الثلاث الأول فهو ظاهر، وأما الآية الشريفة الرابعة، فيمكن تقريب الاستدلال بها ببيان:
أن الآية قد اشتملت على أداة الحصر (إنما)، وقُرر في محله أن أداة الحصر (إنما) إذا استعملت في حصر الحكم في موضوعه دلت بالملازمة على انتفائه عن غيره.
وبما أن الآية قد حصرت الإيمان بعدم الارتياب، أي بعدم وجود شائبة وشك أو ظن في الإيمان، فهذا يعني أنه إذا تحقق الارتياب انتفى الإيمان فينتفي الثناء والمدح.
وهذه الآية الشريفة والآيات المتقدّمة تقرر هذا الأصل القرآني، وهو لزوم المعرفة اليقينية في مسائل الاعتقاد وأصول الدين.
الجهة الثانية: أنّ ما أفادوه تكلّف لا حاجة ولا مسوّغ له، فهؤلاء قد توهّموا أن الآية الشريفة كانت في صدد المدح والثناء للذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم، ففسروا الظن بالعلم تماشياً مع المدح واتقاءً من مخالفة أصل اشتراط اليقين في العقائد وأصول الدين. والحال أن السّياق يقتضي خلاف ذلك، حيث يقول تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(٤١) والنكتة التي تشير إليها الآية المباركة: أن حالة الخشوع بين يدي الله تعالى يكفي فيها مجرّد الظنّ بوجود الله تبارك وتعالى فكيف لو حصل اليقين بوجود الله وملاقاته.
والمتحصل من هاتين الجهتين:
أن هذه الآية الشريفة لا تنافي الأصل القرآني الذي قررناه، لأنّها لم تكن في صدد تقرير جواز الاكتفاء بالظن في المعارف الإلهية، بل كانت في صدد بيان أن مجرّد الظنّ بوجود الله وملاقاته يورث الخشوع والإقبال على الله تبارك وتعالى، وبه يتّضح وجه الخلل في كلمات اللغويين وغيرهم.
فالصحيح أن المراد من الظن هو مطلق ما سوى العلم.
* المعنى الثاني: المعنى الاصطلاحي
وبيانه: أن الصورة الإدراكية تتشكل عند المُدْرِك على نحوين:
النحو الأوّل: أن يكون الإدراك جزمياً مع عدم احتمال الخلاف، وهذا هو المعبّر عنه بالقطع.
النحو الثاني: أن يكون الإدراك غير جزمي، وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يكون الاحتمال المعاكس له أضعف منه، وهو المعبّر عنه بالظّن.
الصورة الثانية: أن يكون الاحتمال المعاكس له أقوى منه، وهو المعبّر عنه بالوهم.
الصورة الثالثة: أن يكون الاحتمال المعاكس مساوٍ له، وهذا هو المعبر عنه بالشك.
ويُطلب تفصيل ذلك في المطوّلات المنطقيّة.
فائدة وتنبيه
وقد اتضح مما عرضناه أنَّ التّفريق بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي للظن، مهم جداً في التعامل مع الروايات، فإن البعض قد تعامل مع الروايات الشريفة التي أخذت عنوان الشك أو اليقين معاملةَ المعنى الاصطلاحي، والحال أن هذه الروايات قد صدرت في زمن لم تكن هذه الاصطلاحات متعارفةً لدى العرف العام، وعليه فليس المُراد من الظن فيها إلا ما كان متعارفاً في ذلك الزمان - وهو المعني اللغوي والعرفي - لا ما عليه المصطلح المنطقي.
وإذا اتّضح ذلك فاعلم أن مراد أعلامنا من الظنّ الواقع موضوعاً للحرمة هو الظن بالمعنى اللغوي الذي يشمل الشك والوهم والظن الاصطلاحي.
المفردة الثانية: العمل:
ويظهر من كلمات الأصوليين كالشيخ الأعظم قدّس سره في الرسائل أن مفردة العمل تطلق على معنيين:
المعنى الأوّل: إسناد الحكم المظنون إلى الشارع المقدس والبناء على أنه هو حكم الله سبحانه وتعالى.
المعنى الثّاني: الاستناد إلى الحكم المظنون والعمل على طبقه وتطبيقه في الواقع، بغض النظر عن وجود إسناد وعدمه.
وبينهما نسبة العموم والخصوص من وجه.
ومقصود الأصوليين من حرمة العمل بالظن هو كلا المعنيين، أي أنهم يبحثون عن حرمة العمل بالظن بمعنى الإسناد والاستناد.
ولا يُقال: إن بعض الأدلة لا دلالة لها على حرمة العمل بالظّن، لأنّ المراد من العمل هو خصوص الاستناد، بينما لسان تلك الأدلة هو النهي عن العمل بالظن بمعنى الإسناد.
فإنُه يُقال دفعاً لهذا التوّهم: أن الأصوليين يعبّرون بـ(حرمة العمل بالظن) ويريدون الأعم من الإسناد والاستناد، فيأتون ببعض الأدلة الدّالة على حرمة العمل بمعنى الإستناد، ويأتون بأخرى للدلالة على حرمة العمل بمعنى الاستناد من غير التّفريق بين دلالة الدّليلين، نظراً لاستدلالهم بها على نحو الوحدة المجموعة التركيبية، لا الآحادية الفردية التي تعتني بالنظر إلى دليلٍ دليل.
وبعبارة أخرى: أنّهم (قدّس الله أرواحهم) يستدلون بمجموع هذه الأدلة لإثبات حرمة العمل بالظن بمعنييه، إذ يُستفاد من بعض الأدلة إثبات حرمة العمل بمعناه الأوّل، ويستفاد من الأخرى إثبات الحرمة بالمعنى الثاني.
هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.
الجهة الثانية: المحمول (الحرمة):
إن حرمة العمل بالظّن يمكن أن يُستدلّ عليها بالأدلّة الأربعة، وسوف نوضحها بما يناسب المقام:
الدّليل الأوّل: القرآن الكريم
والآيات في هذا الشأن كثيرةٌ، ففي بعض كلمات الشيخ الأعظم قدّس سره عن المحدّث المتتبع السيّد عبد الله شبّر قدّس سره أن الآيات التي تدل على حرمة العمل بالظن تقرب المائة آية(٤٢)، وهي تدلّ على ذلك إما بالمطابقة أو الإلتزام أو التّضمن، وكيفما كان فنحن نكتفي بعض بعض هذه الآيات مع بيان وجه دلالتها:
الآية الأولى: قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(٤٣).
ووجه دلالتها: أنّ الآية قرنت بين تحريم الفواحش وتحريم البغي والشرك وتحريم القول بغير علم، ومن الواضح أن القول بغير علم - أي الإخبار الظني - على الله سبحانه وتعالى هو المعنى الأول من معاني العمل بالظن، وهو الإسناد، والآية المباركة صريحة في تحريمه، بل هي نص فيه.
الآية الثانية: قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)(٤٤).
ووجه دلالتها: أنّ الآية المباركة مشتملةٌ على نهي، ومتعلق لهذا النهي، أما النهي فهو ظاهر في الحرمة - كما لا يخفى -، وأما متعلّقه فهو الاقتفاء ومعناه الاتّباع، فتفيد الآية حرمة اتّباع ما ليس للإنسان به علم، وبما أنَّ هذا يشمل الظن بمعنييه الاصطلاحي واللغوي، فتكون الآية ظاهرة في حرمة الجري على أيّ واحد من مصاديق الظن بمعناه العام.
كما أن مقتضى الإطلاق في الآية المباركة هو حرمة العمل بالظن بالمعنيين الإسنادي والاستنادي، إذ كما في الاستناد إلى الحكم المظنون يوجد اقتفاء لغير العلم، كذلك في إسناد الحكم المظنون لله يوجد إتباع لغير العلم.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).(٤٥)
وبيان الاستدلال: أن الآية المباركة صرحت أولاً بمذمومية ما عليه أكثر الناس من العمل بالظن، ثم نبّهت وأرشدت إلى حكم العقل، فإنه في موارد دوران الأمر بين طريقين أحدهما مطابق للواقع لا تيه فيه والآخر قد يصيب الوقع وقد يخطئه، لا ريب في حكمه بتعيّن الطريق الأول وعدم إغناء الثاني عنه، وعلى ذلك سيرة كافة العقلاء.
الدّليل الثّاني: الرّوايات الشريفة
وقد نقل الشيخ الأعظم قدّس سره في حاشية القوانين عن السيد عبد الله شبّر أعلى الله مقامه أن الرويات الشريفة التي دلّت على حرمة العمل بالظن بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام تقارب الخمس مائة رواية(٤٦)، وهذا يعني تواترها فيغنينا ذلك عن البحث في سندها.
ومن هذه الروايات: صحيحة أبي بصير قال: «ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله (عزَّ وجلَّ)».(٤٧)
وتقريب الاستدلال بها: أنَّ الإمام (عليه السلام) قد نهى عن العمل بما يؤدي إليه النظر مما لم يرد فيه كتاب وسنة، إذ أنه إن أصاب لم يكن مأجوراً، وإن أخطأ كذب على الله سبحانه وتعالى إما بإسناد شيء إليه لم يثبت استناده له، وإما بتطبيق شيء في الخارج بعنوان أنه من الشريعة المقدسة مع عدم ثبوت نسبته إليها.
ومنها معتبرة مسعدة بن صدقة - على مبنى المحقق الخوئي قدّس سره - قال: «وقال أبو جعفر (عليه السلام): من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم».(٤٨)
وفي بعض الروايات الشريفة قد عُبّر عن هذا بالمشرك، حيث أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي له حق التشريع بالذات، وبالتالي فمن يجعل نفسه مشرعاً في قبال الله تعالى - من خلال افتائه على طبق رأيه - يكون قد جعل من نفسه ندّاً له جلّ جلاله، ولا شك في عظيم حرمة هذا العمل.
ومنها: صحيحة هشام بن سالم قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): ما حق اللَّه على خلقه؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك أدوا إلى اللَّه حقه».(٤٩)
وفي وصية المفضل قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة».(٥٠)
ودلالة هذه الرواية على حرمة العمل بالظن - بمعنييه - واضحة، فإنّ قوله (عليه السلام): «فأقام على أحدهما» يدل على حرمة العمل بمعناه الأول بالمطابقة وبمعناه الثاني بالأولوية، ببيان: أن المراد من (أقام) أي بنى عليه، وعليه فإذا كان مجرد البناء على الحكم بأنه حكم الله (عزَّ وجلَّ) موجباً لإحباط العمل، فإن الاستناد إليه لتطبيقه في الخارج محبطٌ للعمل من باب أولى.
الدّليل الثّالث: الإجماع
وابتداءً ينبغي الالتفات إلى أمرين:
الأول: أن هنالك فرق بين الإجماع والإطباق، فعنوان الإجماع لا يكون بالضرورة كاشفاً عن رأي المعصوم، بخلاف الإطباق فإنه كاشف عن رأيه (عليه السلام)، ببيان أن الإطباق يعني عدم احتمال وجود المخالف بعكس الإجماع.
ومن هنا فإنَّ الإطباق يتولّد عنه عند الفقيه يقين بأن الحكم المطبق عليه هو حكم الله تبارك وتعالى الواقعي، وليس كذلك الأمر في الإجماع.
الثاني: أنّ الأصوليين كما يميزون في إطلاقاتهم بين عنوان الإطباق والإجماع، فإنهم بعض الأحيان يطلقون الإجماع ويريدون به الإطباق، ويُعلم التمييز من موارد الاستعمال والقرائن المحتفة بها.
وإذا اتّضح هذان الأمران قلنا: إن مُراد الأعلام - ومنهم المحقق الخوئي قدّس سره - من دليل الإجماع على حرمة العمل بالظن هو ما يساوق الإطباق.
ويشهد لكون هذا المورد من موارد الإطباق قول العلامة الوحيد البهبهاني قدّس سره في رسائله الأصولية: «مع أن الأصل عدم حجية الظن وهو محل اتفاق جميع أرباب المعقول والمنقول، إذ كل من قال بحجية ظن في موضع قال بدليل أُتي به له كما لا يخفى على المطلع».(٥١)
فإنَّ من الواضح أن مثل هذا التعبير لا يراد به مجرد الإجماع الاعتيادي، بل يراد به ما يساوق الإطباق، لكونه محل اتفاق جميع أرباب المعقول والمنقول، ومن هنا أفاد في ذيل كلامه: إنَّ من التزم بحجية الظن في بعض الموارد فإنما التزم بها نتيجة قيام دليل قطعي عنده على جواز الاستناد إلى الظن في هذا المورد إلا فالأصل عدم الحجية، وهذا الذي قررناه في البيان الإجمالي.
ومن هنا أفاد الشيخ الأعظم قدّس سره في الرسائل أن هذا الأصل متسالمٌ عليه حتى عند أبناء العامة، ولذا فإنهم لم يستندوا في حجية القياس والاستحسان إلى حجية الظن، وإنما استندوا إلى بعض الأدلة.
بل نُقل عن الوحيد البهبهاني أعلم الله مقامه - وإن كنا لم نعثر عليه في رسائله -: أن حرمة العمل بالظن إن لم تكن من البديهيات التي يتفق عليها جميع أرباب العقول فلا أقل من كونها من الضروريات الدينية، وهذا يعني أنَّ حرمة العمل بالظن من ضروريات الدين التي لا تحتاج أصلاً إلى النظر في أدلّتها، بل هي مما يستدل به لا عليه.
ولعلّه لأجل ذلك لم تبحث مسألة حرمة العمل بالظن بشكل موسع في كتب الأصول المتأخرة، بل نراهم أخذوها أخذ المسلمات.
ومع هذا الالتفاف كلّه فإنَّ المحقق القمي في القوانين قد خالف هذا الإجماع، وبنى على أن الأصل هو حجية الظن إلا ما قام الدليل على بطلانه من الظنون - كالقياس مثلاً - فقال: «فصار المحصل أن كل ظن لم يثبت بطلانه فهو حجة وبطل القول بأن الأصل حرمة كل ظن إلا ما ثبت حجيته».(٥٢)
ولكن لا يخفى أن مخالفة المحقق القمي - وأمثاله - لا تضر بدعوى الإجماع والإطباق، إذ الإجماع المعوّل عليه هو إجماع القدماء من الأصحاب، فلو حصل الخلاف من المتأخرين فضلاً عن متأخري المتأخرين - كصاحب القوانين - فإن هذا لا يخدش في اعتبار الإجماع أو الإطباق.
وبعبارة أخرى: أن اتفاق القدماء قاطبة هو الكاشف عن رأي المعصوم وحكم الشارع، ولا يضرّه خلاف من جاء بعدهم.
الدّليل الرّابع: العقل
وتقريب الإستدلال به يتضح بذكر مقدمات ثلاث:
المقدمة الأولى: إنه بعد أن أحرزنا وجود تكاليف شرعية موجّهة إلينا من قبل الشارع المقدّس، فللعقل - بالنسبة للعمل بالمظنون من هذه التكاليف - حالتان:
إذ أنه إما: يرى حرمة العمل بالمظنون، وإما: يرى وجوب العمل بالمظنون.
ولا يُقال: إن هذا الحصر غير تام، لوجود ثالث في البين وهو إباحة العمل بالظن.
لأنه يقال: لا معنى لذلك، لأنّنا ما دمنا قد علمنا بوجود تكاليف من قبل الشريعة المقدّسة، فلا معنى لإباحة العمل بالتكليف المظنون.
المقدمة الثانية: إنّ ما نريد الاستدلال على حرمته من العمل بالظن هو العمل إذا لم يكن له ما يطابقه ويوافقه من الأدلة أو الأصول العملية الذي قام الدليل على حجيّتها، فنحن ننظر إلى العمل بالظن مجرّداً عن مطابقته لدليل أو أصل عملي - كخبر الواحد أو البراء - مما قامت الأدلة على حجيته، ومن منطلق نظرنا للعمل في حد نفسه نرى ماذا يحكم العقل بالنسبة للعمل به، هل يستحسنه أم يقبّحه؟
المقدمة الثالثة: إنّ محل الكلام هو العمل بالظن ما لم يترتب محذور على تركه، فقد ذُكر في بحث الانسداد من علم الأصول أن القائلين بانسداد باب العلم والعلمي إنما يقولون بحجية الظن لأنهم يرون أنه ما لم نعمل بالظن فإما أن نترك التكاليف الشرعية كلها - لأنه لا سبيل إلى العلم بحسب الفرض - وإما أن نقصر العمل على المظنون مع مراعاة الاحتياط، ويلزم من الأوّل الخروج من الدين لِقَطْعِنا بأننا مكلفون، ويلزم من الثاني العسر والحرج.
وبعبارة أخرى: إذا قلنا بانسداد باب العلم والعلمي، وأنه لا طريق لنا إلى العلم بالحكم الشرعي، وليس بين أيدينا إلا الظن غير الحجة، فإما أن نترك العمل بالظن ويلزم من هذا الوقوع في محذور الخروج من الدين؛ لأننا نقطع بوجود تكاليف شرعية، وبما أنه لا سبيل إلى امتثال التكاليف إلا العمل بالظن بحسب الفرض فلو تركناه لحصل عندنا القطع بعدم امتثال التكاليف.
وإما أن نعمل على ضوء الاحتياط - ففي المورد الذي يُشك في أن صلاة الجمعة واجبة أم لا يُؤتى بها احتياطاً مع صلاة الظهر، حتى وإن كان الحكم المظنون هو عدم وجوبها - إلا أنه يلزم من هذا - بلا ريب - تعطيل النظام والحياة العامة والوقوع في العسر والحرج الشديدين.
وبناءً على ذلك يُعلم أنَّ مثل هذه الصورة - أي عند وجود محذور فاسد يترتب على ترك العمل بالظن - خارجة عن كلامنا، وكلامنا منصب على حكم العقل بالنسبة إلى العمل بالظن في حد ذاته مجرداً عن أي محذور يترتب على تركه.
وبعد تنقيح محلّ الكلام نقول: إنه بعد افتراض وجود حكم مظنون، فإن المكلف إن لم يكن قاطعا بترتب الضرر الأخروي على العمل بالظن فلا أقل من أنه يحتمل ذلك، بل لا انفكاكبين العمل بالظن وهذا الاحتمال، إذ مادام المكلف لا يقطع بأن الحكم هو حكم الله الواقعي بل يحتمل المخالفة وعدم رضا المولى، فقهراً يكون العمل بالظن مساوقاً لاحتمال ترتب الضرر الأخروي، وبما أن العقل حاكم بوجوب دفع الضرر المحتمل فإنه يحكم بوجوب اجتناب العمل بالظن.
والنتيجة: ما دام العمل بالظن يستلزم مظنة الضرر المحتمل - على الأقل - فإن العقل يُلْزِمُ المكلّف بوجوب الاجتناب للزوم دفع الضرر المحتمل.
ولو قيل: بأننا كما نحتمل الضرر في العمل بالظن، فكذلك نحتمل الضرر في عدم العمل بالظن، فما هو المرجّح لأحد الجانبين؟
قلنا: هذا خروج عن محل البحث، لأن محل البحث - بحسب ما نقّحناه - هو حكم العمل بالظن في حد نفسه، لا فيما لو احتملنا ترتب ضرر على تركه، ومن الواضح أنَّ النظر إلى العمل بالظن في حد نفسه يُخرج صورة ما لو ترتب ضرر على تركه.
وصفوة الكلام: أنه قد اتضح لنا من خلال الأدلة الأربعة أن العمل بالظن محرم في الشريعة المقدسة بلا ريب إلا أن يقوم دليل على جواز العمل بأحد الظنون الخاصة بعينه.
النتائج المترتّبة على تأصيل حرمة العمل بالظن
وبعد الفراغ من تأسيس أصالة حرمة العمل بالظن، نخلص إلى عدة نتائج مهمّة وضرورية، ولكننا نكتفي منها بنتيجتين لارتباطهما ببحثنا في هذا الكتاب:
النتيجة الأولى: حرمة التعويل على الرؤى والمنامات في الاعتقادات والأحكام.
والوجه في ذلك: أنها صغرى لكبرى حرمة العمل بالظن، فهذه الرؤى والمنامات يُمكن أن تطابق الواقع ويمكن أن لا تطابقه، مما يعني أنها لا تتجاوز دائرة الظن، فتكون مشمولة لعموم حرمة العمل بالظن، لأنها واحدة من مصاديقه.
النتيجة الثانية: حرمة التعويل على الاستخارة في الاعتقادات والأحكام.
والوجه في هذه النتيجة هو الوجه في سابقتها، وهي وإن كانت أمراً راجحاً في الجملة إلا أنَّ أدلّتها لا تشمل الأحكام والعقائد، على ما سيأتي بيانه مفصلاً عند مناقشة أدلة أدعياء المهدوية.
البحث الرّابع: وجه الحاجة إلى علم الرّجال (٥٣)
ويمكن إبراز وجه الحاجة إلى هذا العلم الشريف، من خلال مقدّمتيْن:
الأولى: أصالة حرمة العمل بالظّن، وقد تقدّم الكلام حولها بالتفصيل الذي يُناسب المقام.
الثّانية: عدم استيعاب الأدلة الثّلاثة للأحكام غير الضّرورية في الشريعة المقدّسة.
وقبل الشّروع في البرهنة على المقدّمة الثانية لابد من بيان المُراد من مفردتيْن فيها:
المفردة الأولى: الأدلة، ومُرادنا منها: القرآن والسنة والإجماع والعقل، وحديثنا منصب حول القرآن والإجماع والعقل وهي التي عبرنا عنها بالأدلة الثلاثة، وأما السنة فالكلام عنها مرتبط بالنتيجة.
المفردة الثانية: الأحكام غير الضرورية، ولا يخفى أن المعارف الشرعية عموماً منها ما هو ضروري معلوم بالبداهة، ومنها ما هو غير ضروري، أما الضروري فمراهم منه: كل اعتقاد أو حكم شرعي يعلمه بالضرورة كل من اعتنق الدين وانتمى إليه، كالاعتقاد بضرورة وجود الله ونبوة خاتم الأنبياء، ووجوب الصلاة والصيام، وكل ما لم يكن كذلك فهو من المعارف النظرية أو غير الضرورية.
ومما ذكرناه: أن مفاد المقدمة الثانية هو ادعّاء أن الأدلة الثلاثة - المتقدمة - ليست مستوعبةً لجميع الأحكام غير الضرورية، باعتبار أن الضروريات فوق الحاجة إلى الاستدلال عليها، بل هي مما يُستدل بها، فلسنا بصدد الحديث عنها أصلاً، ومن هنا فلدينا دعاوى ثلاث:
الدعوى الأولى: عدم استيعاب القرآن الكريم للأحكام النظرية وذلك لأمرين:
الأمر الأوّل: ما أفاده الأعلام الأعاظم من أن آيات الأحكام - بحسب تتبع الفقهاء - لا تتجاوز الخمس مائة آية من مجموع آيات القرآن الكريم.
الأمر الثّاني: أنّ آيات الأحكام هذه لا يمكن الاستفادة منها كثيراً لاستنباط الأحكام النظرية غير الضرورية، إذ أن معظم هذه الآيات الشريفة إنما هي بصدد بيان أصل التشريع دون النظر إلى تفاصيله وجزئياته.
ولذلك فإن ظاهر جماعة من الأعلام - ومنهم الشيخ الأعظم في كتاب الطهارة والمحقق الهمداني في مصباحه، والمحقق النائيني في مكاسبه - عدم تمامية الاستدلال بإطلاقات آيات الأحكام، لما تنقّح في علم الأصول من أن الاستدلال بالإطلاق فرعُ إحراز كون المتكلم في مقام البيان، ولمّا كانت آيات الأحكام ليست إلا بصدد بيان أصل التشريع ولا نظر لها إلى الجزئيات والتفاصيل، فلا يصح التمسك بإطلاقها.
فمثلاً قوله تعالى: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ)(٥٤)، إنما هو ناظر إلى بيان أصل تشريع الصلاة، ولا نظر له إلى كيفية وماهية الصلاة؛ ولذا لا يصح التمسك بإطلاقه لإثبات صحة الإتيان بالصلاة بأي كيفية كانت.
والحاصل: فإنه نتيجة محدودية آيات الأحكام في القرآن الكريم، وابتلاء معظمها بعدم الإطلاق، فلا يمكن الاستفادة منها كثيراً.
ولا يُقال: إنَّ هذه الدعوى تتنافى مع قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)(٥٥).
فإنه يقال: إنَّ كون القرآن كذلك مما لا شك فيه، غير أننا لا يمكننا تجاوز دائرة الظواهر القرآنية، والظواهر غير مشتملة على أكثر التفاصيل الشرعية، وإن كانت - بمقتضى الآية - مضمنة ضمن بطونه وإشاراته التي لا يدركها إلا أهله، ولعله لأجل هذه الجهة قالت الآية: (عليك).
الدعوى الثّانية: عدم استيعاب الإجماع للأحكام النظريّة
بما أنَّ الإجماع تارةً يكون إجماعاً قولياً وأخرى يكون إجماعاً فعلياً عملياً، لذا فإنَّ الكلام حوله يتوزع في مبحثين:
المبحث الأوّل: الإجماع القولي
أما الإجماع القولي فإنه لا يصلح أن يكون مدركاً لاستيعاب جميع الأحكام غير الضرورية، وذلك لما اشتهر على ألسنة الفقهاء من قولهم: الإجماع المحصل ليس بحاصل، والإجماع المنقول ليس بمقبول.
ومرادهم من هذه العبارة يتوقف على بيان الفرق بين الإجماع المحصّل والمنقول، ومحصّل الكلام في ذلك:
أنَّ الإجماع المنقول هو الإجماع الذي يتلقاه الفقيه ممن ينقله، كما لو وجد صاحب الجواهر قدّس سره أن الشيخ الطوسي قدّس سره قد ادّعى في أحد كتبه الإجماع على مسألة ما، فاستدل به صاحب الجواهر قدّس سره عليها، فإنَّ هذا الإجماع - الذي استند إليه صاحب الجواهر قدّس سره - إجماع منقول عن غيره.
وأما الإجماع المحصّل فهو الإجماع الذي يحصله مدعيه بنفسه، بحيث يتتبع كلمات الأعلام - من الألف إلى الياء - ابتداء من الشيخ الصدوق قدّس سره فمن بعده من الفقهاء، فإذا وجد أنه قد اتفقت كلمتهم في مسألة واحدة على حكم معين، فحينئذ يستدل الفقيه على ذلك الحكم بالإجماع، ويكون هذا الإجماع إجماعاً محصلاً لديه.
وبعبارة أخرى: أن الفرق بينهما يكمن في التتبع، ففي الإجماع المحصّل يُجهد الفقيه نفسه بتتبع كلمات الأعلام فيصل إلى الإجماع، بينما في المنقول يستغني الفقيه عن القيام بهذا الجهد بنقل الإجماع عن غيره.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اشتهر على ألسنتهم أن الإجماع المحصل ليس بحاصل وأن الإجماع المنقول ليس بمقبول، ومرادهم من الفقرة الأولى:
أنَّ كثيراً من المسائل الفقهية لا يمكن الحصول فيها على جميع الآراء، وذلك لعدّة موانع أهمها:
المانع الأول: ضياع كتب كثير من أعلام الإمامية في الفروع الفقهية، وبناءً عليه فإنه لا يمكن إحراز اتفاقهم جميعاً على الحكم الشرعي.
المانع الثاني: عدم وقوع كثير من المسائل الفقهية محلاً للبحث الفقهي الاستدلالي، فبعض المسائل الفقهية قد بحثها الشيخ الطوسي ولكن لم يبحثها غيره من الأعلام المتقدّمين، وحينئذ فلا سبيل لتحصيل الإجماع عليها.
وبناءً على هذا المانع نرى كثيراً من الفقهاء يتنازلون عن دعوى الإجماع إلى دعوى نفي الخلاف، وفرق بين الإثنين، إذ دعوى الإجماع متوقفة على إحراز اتفاق الكل وعدم وجود المخالف، بينما دعوى وجود نفي الخلاف ليست متوقفة على إحراز الاتفاق، وإنما متوقفة على تتبع الكلمات الواصلة إلى ذلك الفقيه وعدم وجود مخالف لها، فيُنفي الخلاف فقط، لعدم تحقق الإجماع لديه المتقوم باتفاق الكل.
وإذا تبيّن أن الإجماع المحصل ليس بحاصل لم يمكن القول بحجيته؛ إذ ما لم يتحقق الموضوع - وهو الإجماع - لا يمكن حمل المحمول عليه، وهو الحجيّة.
وأما الفقرة الثانية وهي: أنَّ الإجماع المنقول ليس بمقبول، فأفادوا (أعلى الله كلمتهم) في وجهها: أن الإجماع إما تعبدي وإما مدركي وإما محتمل المدركية.
ويراد بالإجماع التعبدي: الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام)، أي ما يمكننا من خلاله استكشاف رأي المعصوم وموافقته للمجمعين، وهذا الإجماع لا مدرك له.
وأما الإجماع المدركي أو محتمل المدركية فيراد بهما: ما يُعلم أو يحتمل استناد المجمعين فيه إلى مدرك معين، فلا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم، وذلك للعلم بمدركه أو وجود ما يحتمل أنه مدرك له من آية أو رواية أو نحو ذلك.
وإذا اتضح ذلك نقول: إننا عند ملاحظة استدلالات الأعلام بالإجماع نجد أنهم:
إما: يستدلون على المسألة بالإجماع وحده، من غير أن نجد أحداً من أعلام الطائفة قد استدل على تلك المسألة بدليل آخر، أيَّ دليل كان.
وإما: يستدلون بالإجماع بضميمة آية أو رواية، وهنا لا يخلو الحال من أمرين: إما أن نعلم أن كل واحد ممن اتفقت كلمتهم على هذا الحكم قد استند إلى تلك الآية أو الرواية فأفتى بالمسألة فحينئذ يكون هذا الإجماع معلوم المدركية.
وإما أن نحتمل أن أحدهم استند إلى الحكم دون الآخر، كما لو رأينا مثلاً الشيخ الطوسي استدل على حكم بالإجماع دون الاستناد إلى آية أو رواية، ورأينا في كلام الشيخ ابن ادريس اتفاقاً مع الشيخ الطوسي (عليهما الرحمة) على نفس الحكم، إلا أن ابن إدريس قد استند إلى آية أو رواية، فنحتمل أن هذه الآية أو الرواية التي لم يذكرها الشيخ الطوسي في كلامه كانت مدركاً لمدعاه إلا أنه لم يظهرها، وعليه فيكون الإجماع محتمل المدركية.
والحاصل: أن الإجماع - بلحاظ المدرك - إما إجماع تعبدي لا مدرك له أصلاً، وإما هو إجماع مدركي أو محتمل المدركية، ومن الواضح - كما يقرره الأعلام - أن الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم كشفاً قطعياً هو الإجماع التعبدي، لعلمنا بعدم وجود مدرك له استند إليه المجمعون أو احتُمِل استنادهم إليه، فيتعين أن يكون قد وصلهم - بأحد أنحاء الوصول - عن المعصوم (عليه السلام)، للقطع بنزاهتهم عن ممارسة التشريع بغير علم.
ومن هنا يُعلم: أننا معاشر الإمامية لا نرى للإجماع حجيةً إلا أن يكون كاشفاً عن رأي المعصوم - بخلاف غيرنا - وكيف كان، فقد أفاد جماعة من الأعلام أن الإجماع التعبدي - من أول الفقه إلى آخره - لم يُحرز إلا في مورديْن:
المورد الأول: حرمان ابن الزنا من الإرث.
المورد الثاني: وجوب وضع الميت مستقبلاً في قبره.
وأما ما سوى ذلك من الموارد فالإجماعات المدعاة فيها كلها إما معلومة المدرك أو محتملة المدركية فلا حجية لها، بل أن أهل التتبع من بعض المعاصرين قد ادعى بأن هذين الموردين توجد فيهما رواية ضعيفة والأمر كما أفاد، مع إضافة أن الروايات في الموردين معتبرة دلالة وسنداً، وعلى هذا فلا يوجد إجماع تعبدي من أول لفقه إلى آخره، ومما تقدّم ينقدح أن الإجماع لا يكون صالحاً لكي يكون مدركاً لاستيعاب الأحكام النظرية التي لا حد لها.
وإن قيل: لماذا يتشبث الفقهاء بالإجماع ما دام هذا حاله؟
قلنا: إن هذا التشبث في كلماتهم الشريفة تشبث بالمؤيد وليس بالدليل، فلا يكون ذلك من العبث بمكان، بل الغرض منه تأييد ما يُستفاد من كلمات الأعلام مضافاً إلى ثمرات أخرى تذكر في محلها في علم الأصول.
المبحث الثاني: الإجماع الفعلي
وهو المعبّر عنه بالسيرة، وهذه السيرة - عقلائية كانت أم متشرعية(٥٦) - لا يمكن أن تكون مستوعبةً لجميع الأحكام الشرعية، لأمرين:
الأول: أننا لو عملنا مقايسة ومقارنة بين الموارد التي يُستند فيها إلى السيرة العقلائية وجميع الفروع الفقهية للاحظنا ندرتها وعدم تشكيلها نسبةً يعتد بها في مجموع الفقه.
الثاني: أن السيرة من الأدلة اللبية، وقد قرر في علم الأصول أن الأدلة اللبية لا لسان لها كي يُتمسّك بإطلاقها، بل يتمسك فيها دائماً بالقدر المتيقّن، فلا يستفاد منها في معظم الأحكام الجزئية التفصيلية.
فاتضح أن الإجماع بقسمين لا يمكن أن يستوعب جميع الأحكام الشرعية.
الدعوى الثّالثة: عدم استيعاب العقل لجميع الأحكام النظرية
قُسّمت الأحكام العقلية في علم الأصول إلى قسمين:
القسم الأول: المستقلات العقلية
القسم الثاني: غير المستقلات العقلية
والفرق بينهما: أن المستقلات العقلية هي التي يتألف قياسها وبرهانها من مقدمتين عقليتين محضتين بحيث لا دخل للشارع المقدس في تأليف قياسها، وأما غير المستقلات العقلية فهي التي يتألف قياسها من مقدمة عقلية وأخرى شرعية وهذه هي التي يتعرض لها الأصوليون كثيراً كما في بحث وجوب المقدمة وبحث الضد وما شاكل ذلك.
وعلى ضوء التقسيم نقول: إن هذين القسمين لا يمكن استيعابهما لجميع الأحكام غير الضرورية، وبيان ذلك في جهتين:
الجهة الأولى: المستقلات العقلية
وهذه إنما يتم الاستدلال بها في الفقه بضميمة قاعدة الملازمة، وهي أن (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع)، فبعد أن نثبت أن هذا المورد قد حكم به العقل استقلالاً حينئذ نقطع أن الشارع أيضاً قد حكم بذلك الحكم، لأنه سيد العقلاء، فلا يمكن أن يكون حكمه مخالفاً لحكم العقل.
إلا أن استناد العقل إلى مستقلاته العقلية واستكشاف حكم الشارع بضميمة دعوى الملازمة يتوقف على تمامية مقدمتين:
المقدمة الأولى: إدراك المصالح والمفاسد التي تقع في سلسلة علل الأحكام الشرعية، فإن المصالح والمفاسد تارة تقع في سلسة العلل وأخرى تقع في سلسلة المعلولات، ببيان: أن كل حكم شرعي كما يكون ناشئاً عن مصلحة أو مفسدة كذلك تترتب عليه مصلحة أو مفسدة، والمصالح والمفاسد الواقعة في سلسلة علل الأحكام تكون سابقة على الأحكام، وبينما المصالح والمفاسد التي تقع في سلسلة المعلولات هي الآثار التكوينية المترتبة عليها.
المقدمة الثانية: إدراكُ العقل عدمَ وجود المزاحم لتلك المصالح والمفاسد، وبيانه:
أن العقل قد يدرك في بعض الموارد المصلحة التي تقتضي الفعل إلا أنه لا يدرك وجود مفسدة مزاحمة لتلك المصلحة، إذ لعله هناك مفسدة أقوى وأهم من تلك المصلحة - وهي تقتضي عدم الفعل - إلا أنه لم يدركها، وكذلك لو أدرك مفسدة وتلك المفسدة تقتضي عدم الفعل إلا أنه يحتمل أن تكون هنالك مصلحة مزاحمة لتلك المفسدة - وهي أقوى منها تقتضي الفعل - إلا أن العقل لم يدركها.
لذلك فإن العقل يحتاج - كمقدمة ثانية - في مقام الوصول إلى مبتغاه والقطع بالحكم، أن يدرك عدم وجود المزاحم، أي: إدراك العدم لا عدم الإدراك، إذ لو كانت المسألة منوطة بعدم الإدراك فقط فإنه مجامع لاحتمال المفسدة، وإذا كان مجامعاً لاحتمالها لم يمكن للعقل أن يقطع بأن المصلحة التي أدركها تقتضي ثبوت حكم شرعي، ولأجل هذا احتاجوا إلى إدراك العدم لا إلى عدم الإدراك.
وإذا تحققت هاتان المقدمتان فحينئذ يحكم العقل قطعاً بأن الشارع حاكم على طبق تلك المصلحة، ولكن هذا إنما هو في موارد قليلة جداً، بل أفاد سيدنا الخوئي قدّس سره في أصوله(٥٧) أن هذا أشبه بالمعدوم بل غير متحقق؛ وذلك لأن العقل على فرض إحرازه للمقدمة الأولى فهو لا يحرز المقدمة الثانية.
وبعبارة أخرى: على فرض أن العقل أحاط بالمصالح والمفاسد التي تقع في سلسة الأحكام الشرعية فإنه ليس يحيط بالمزاحمات لها، وإذا كان لا يحيط بالمزاحمات لها فلا سبيل لقطعه، ومن هنا ورد عنهم (عليهم السلام): «إن دين الله (عزَّ وجلَّ) لا يصاب بالعقول الناقصة».(٥٨)
الجهة الثانية: غير المستقلات العقلية
وأما غير المستقلات العقلية فهي أيضاً لا يمكن أن تكون مدركاً يستوعب جميع الأحكام النظرية، وذلك لعدّة موانع أهمها:
المانع الأوّل: محدودية هذه الموارد في الفقه الشريف، وعدم اطّرادها في كل مسألة من مسائل الفقه.
المانع الثّاني: إنَّ نفس المقدمات العقلية التي تشكل منا الأدلة غير المستقلة ليس محل تسالم عند جميع الفقهاء والأصوليين، فرب فقيه يؤمن بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مثلاً، بينما الآخر لا يؤمن به.
فتحصّل أن الدليل العقلي بشقيه لا يمكنه استيعاب جميع الأحكام غير الضرورية.
وجه الحاجة إلى علم الرّجال
وبعد أن اتضح قصور الأدلة الثلاثة عن استيعاب الأحكام النظريّة، بقيت الروايات الشريفة، فهي مستوعبة فقط للأحكام الكثيرة ومن الواضح أن الاستناد إلى الروايات لأجل استنباط المعارف الدينية أو الأحكام الشرعية يتوقف على صحة إسنادها إلى الشارع المقدّس، وصحة الإسناد تتوقف على ثبوت صدورها.
وإثبات الصدور متوقف إجمالاً على معرفة رواتها، والعلم المتكفل ببيان أحوال الرواة الدخيلة في اعتبار رواياتهم هو علم الرّجال، فثبت أنَّ الحاجة إلى علم الرجال في غاية الأهمية.
دفع الشبهات المثارة حول قيمة علم الرجال:
من جملة ما يثار على الساحة الآن: أنَّ علماء الطائفة في زمن الغيبة قد ضيعوا جهود الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وتلامذتهم، بسبب العلوم التي أخذوها من علماء العامة، وطبقوها على أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وكان من أخطر هذه العلوم: العلم المعروف بعلم الرجال، ويكثر بعضهم من التعبير عن علم الرجال بأنه السيف الذي ذُبحت به أحاديث آل محمد (عليهم السلام).
وبما أنَّ هذا العلم يشكِّل عقبةً قويةً جداً في طريق أتباع (أحمد إسماعيل)؛ لأنَّ جُلَّ الروايات التي يتشبثون بها لنشر دعوتهم الضالة روايات ضعيفة الإسناد - كما سيتضح - ولا حلَّ لتجاوز هذه العقبة إلا بالطعن في علم الرجال وإلغاء قيمته العلمية.
وقبل أن نشرع في ردّ دعاوى وتشكيكات هؤلاء وأضرابهم نرى من اللازم أن نقدّم لذلك ببيان أمور:
الأمر الأول: تعريف علم الرجال.
عُرّف علم الرجال بتعريفات مختلفة، والذي نختاره في تعريفه أنه: (ما يُبحث فيه عن القواعد الكليّة أو أحوال الرواة الدخيلة في حجيّة روايتهم للحديث).
وإيضاحُ هذا التعريف إجمالاً: أنَّ مباحث علم الرجال على قسمين:
الأول: ما يتناول القواعد الكلية المرتبطة بوثاقة الرواة أو ضعفهم، من قبيل: أنَّ ترضي أحد الأعلام المتقدمين على شخصٍ مّا، هل يفيد توثيقه أم لا؟
الثاني: ما يتناول أحوال الرواة من حيث الوثاقة والضعف، كأن يبحث حول حال زرارة بن أعين، هل هو ثقة أم لا؟ وهذا بدوره يقتضي البحث عن أمور أخرى مرتبطة بالرواة، كطبقاتهم وأحوالهم الشخصية.
الأمر الثاني: أنَّ لدينا مسلكين مشهورين في قبول الحديث:
المسلك الأول: مسلك الوثاقة، وهو الذي لا يقبل الحديث إلا أن يصله عن طريق سلسلة من الرواة الثقاة؛ ولأنَّ المناط عند أصحاب هذا المسلك في قبول الحديث هو (وثاقة الرواة والناقلين له) لذا يُعبّر عنه بمسلك الوثاقة.
المسلك الثاني: مسلك الوثوق، وهو الذي لا يقبل الحديث إلا أن يحصل لدى أصحابه الوثوق بصدور الحديث عن المعصوم (عليه السلام)، ولحصول الوثوق هذا طرق مختلفة ومتعددة، أحدها مثلاً: إحراز استناد المشهور إليه في مقام العمل.
ومن الواضح أنَّ اختيار الفقيه لأحد المسلكين ليس أمراً اعتباطياً، بل هو نتيجة لبحوث مفصلّة ومعقدة تدور رحاها في المبحث المعروف بمبحث (حجيّة خبر الواحد)، ومن خلال ما يستعرضه الفقيه فيها من الأدلة القرآنية والحديثية ينتهي - بينه وبين ربه تعالى، وعلى طبق الحجّة التي تمّت لديه - إما إلى القبول بمسلك الوثاقة أو مسلك الوثوق.
والنقطة الجديرة بالذكر هي: أنَّ الفقيه سواء اختار المسلك الأول أم الثاني، فإنه يكون بحاجة إلى علم الرجال، أما على المسلك الأول فواضح جداً، وأما على المسلك الثاني فلأنَّ كون الرواة من الثقاة مما يوجب الوثوق بالخبر بلا ريب، كما أنَّ كونهم من الضعفاء مما يوجب ضمور نسبة الوثوق بالخبر.
وبهذا يظهر أنَّ علم الرجال غني بالفائدة للفقيه بشكلٍ مطلق، غاية الأمر أنَّ مستوى الفائدة يتفاوت - طبقاً للمسلكين المتقدمين - قلة وكثرة.
الأمر الثالث: إنَّ الاستفادة من علم الرجال لا تعني الجمود والتوقف عند توثيقات وتضعيفات علماء الرجال؛ إذ علم الرجال - كغيره من العلوم الدخيلة في الاستنباط - من جملة العلوم الاجتهادية، وهذا يعني أنَّ الفقيه لا يقف أمام أقوال الرجاليين مكتوف اليدين، وإنما يحاول أن يستفيد منها - كما يستفيد من غيرها - في سبيل تحصيل ضعف الراوي أو وثاقته ليبني في الأخير على صحة الرواية أو ضعفها.
الأمر الرابع: إنَّ تبني بعض الأعلام لمسلك الوثاقة لا يعني إلغاء حجيّة الرواية التي لم تصله عن طريق الرواة الثقاة بشكلٍ مطلق، بل هذا يعني أنَّ أدلة حجيّة الرواية لا تثبت أكثر من حجية خبر الثقة، ولكنه لو حصل له الاطمئنان بصدور الرواية من خلال بعض الطرق العقلائية فإنها ستكون حجةً لديه أيضاً، ولكن لا من باب أدلة حجيّة الخبر، وإنما من باب حجيّة الاطمئنان والوثوق الشخصي(٥٩).
وبهذا يظهر خطأ ما يردده بعض القاصرين: مِن أنَّ المنهج السندي - الذي يتبناه أصحاب مسلك الوثاقة، كالسيد قدّس سره - يوجب التقليل من قيمة الروايات الشريفة والاستفادة منها.
والأنكى من ذلك: أن يُلمز في مسلك الوثاقة بأنه قاصرٌ عن إثبات بعض العقائد الضرورية، كولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، بحجة أنه لم ترد به رواية معتبرة الأسناد، مع أنَّ أقلّ طلبة العلم يدرك أنَّ مثل القضية المذكورة - مضافاً إلى كونها من القضايا الضرورية التي يستدل بها لا عليها - من القضايا المتواترة، والتواتر حجة برأسه، ومعه لا يُنظر إلى أسانيد الروايات.
الأمر الخامس: إنَّ مَن يطعن في قيمة علم الرجال، ويدّعي أنه السيف الذي ذُبحت به أحاديث آل محمد (عليهم السلام) قد التفت إلى جهة، وغفل إن لم يكن أغفل جهة أخرى مهمة، وهي أنَّ من المسلمات في الشريعة المقدسة حرمة الإسناد والاستناد إليها من غير دليل معتبر، وتدل على ذلك أدلة عديدة، منها: قوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)، ومن الواضح أنَّ الأخذ برواية من غير التثبت من صدورها عن المعصوم (عليه السلام)، وترتيب الأثر عليها، يُعدّ من الإسناد والاستناد إلى الشريعة من غير علم، وهذا من المحرمات.
وحينئذ لابدّ من معرفة معيار حجيّة الخبر، ليصح الإسناد والاستناد إليه، وهنا يختلف العلماء - كما تقدّم - فبعضهم يرى أنَّ ورود الخبر عن الثقة هو المعيار في حجيته، وبعضهم يرى أن الشارع قد جعل الحجيّة لكل خبر يوثق بصدوره عن المعصوم (عليه السلام)، وعلى كلا المسلكين تظهر أهمية علم الرجال، كما اتضح.
شبهات وردود حول علم الرجال:
وبعد أن مررنا مروراً سريعاً بتعريف علم الرجال ودوره ومقدار الحاجة له، نرجع الآن إلى الشبهات المثارة حوله، بهدف تقييمها وبيان مواطن الخلل فيها.
١ - الشبهة الأولى: إنَّ علم الرجال من علوم العامة، وليس من العلوم الواردة عن طريق القرآن الكريم وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا ما يسلبه قيمته العلمية.
وقد تحدث عن ذلك أحدهم بقوله: (إن اتخاذ منهج معين لم يصدر عن أهل البيت " (عليهم السلام) " يعتبر جرأة ومخالفة شرعية لدين محمد وآل محمد " (عليهم السلام) "، فكيف إذا كان المنهج مخالفًا لما روي عن أهل البيت " (عليهم السلام) "؟!!!)(٦٠).
وقال آخر: (وقد استخدم هذا العلم لأغراض تخدم جهات سياسية معادية للنهج المحمدي الأصيل، وذلك من خلال تضعيف النصوص المنسوبة إلى المعصوم (عليه السلام)، والتي لا تتفق مع مصالح تلك الجهات بحيث تجعلها لا قيمة لها شرعا وعقلا، وأشاع هذا العلم علم الرجال الشكوك في توثيق النصوص المنسوبة إلى المعصوم (عليه السلام) من حيث التأكيد على الناقل وعدم النظر إلى القيمة العقائدية والفقهية لما ينقل، وقد فتح هذا العلم الباب لأهل الرآي والاجتهاد لانتقاء ما يتلائم مع منطلقاتهم الفكرية ولا يخدم مصالحهم الآنية أو المستقبلية، وبالتالي فإن علم الرجال مخالف لمنهج القرآن الذي هو منهج التبين)(٦١).
الجواب عن الشبهة الأولى:
والجواب عن هذه الشبهة إجمالاً: أنها تكشف عن جهلٍ فاضح بنشأة علم الرجال، بل بالقرآن الكريم والروايات الشريفة، وهذا ما يمكن استكشافه من خلال ثلاثة منبّهات:
أ / المنبّه الأول: القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم هو أول من ألفتَ إلى ضرورة معرفة حال الراوي - من حيث الوثاقة وعدمها - وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(٦٢) فأمر بالتبيّن حين مجيء الفاسق بالخبر، ومن الواضح أنَّ العلم الذي يُطلّ بنا على حال الراوي - ويعرّفنا بكونه فاسقاً أم لا - هو علم الرجال.
ولا يُقال - كما قال بعضهم - تعليقاً على الآية المباركة: إنَّ (القرآن يحكم بفسق الناقل للخبر والله يقول تبين من الخبر، إذن منهج القرآن هو التبين من المتن لا الرواي؛ لأن الراوي الثقة ممكن أن يشتبه ويخطأ أو يلتبس عليه الأمر، فهل نقبل الحديث أم أنه أيضا نتفحص في المتن؟ المفروض نبحث في المتن وإن كان الراوي ثقة أو فاسقا؛ لأن الحجة ليس الراوي وإنما الحجة الحديث ومتن الرواية)(٦٣).
فإنه يُقال: سواء منعنا من الأخذ بخبر الفاسق، أم بنينا على لزوم تبيّن خبره عند مجيئه به، ثمّ قبوله أو رفضه، فإنه على كلا التقديرين نبقى بحاجة إلى علم الرجال، أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فلأنَّ علم الرجال سيكون بمثابة المنبّه وناقوس الخطر الذي يدفع نحو تبيّن الخبر، من أجل قبوله أو رفضه في مرحلة لاحقة.
على أنَّ لازم المقايسة بين خبر الثقة وخبر الفاسق، ودعوى لزوم التبيّن لخبريهما معاً، هو لغوية الإتيان بلفظ (الفاسق) في الآية المباركة، وحاشا ساحة القرآن ذلك.
ومجرّد احتمال اشتباه الثقة وخطئه في إخباره لا يصحّح مقايسة خبره بخبر الفاسق؛ إذ أنَّ هذا الاحتمال في خبر الثقة منفيٌ بأصلٍ عقلائي يُعبّر عنه بأصالة عدم الغفلة والاشتباه، بينما هذا الأصل ليس جارياً في خبر غير الثقة، فلا يصح تشريكهما في الحكم.
ب / المنبّه الثاني: السنّة المطهرة.
وقد وردت في هذا الشأن روايات عديدة، منها:
• ما رُويَ عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف): «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا»(٦٤).
• وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيهما آخذ؟ فقال (عليه السلام): "يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر، فقلت: يا سيدي، إنهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال: خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك»(٦٥).
• وعن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته وقلت: من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال: "العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون "، قال: وسألت أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك فقال: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان»(٦٦).
• وعن العلاء بن رزين، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أنه ليس ألقاك كل ساعة.. إلى أن قال: فقال: "وما يمنعك من محمد بن مسلم الثقة؛ فإنه قد سمع من أبي، وكان عنده وجيهاً»(٦٧).
• وعن إسحاق بن يعقوب في حديث أنه ورد عليه بخط صاحب الزمان (عليه السلام): «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي، وكتابه كتابي»(٦٨).
وحصيلةُ جميع هذه الروايات وأمثالها: أنَّ الراوي إذا كان ثقةً فإنه يصح الاعتماد على رواياته، بل لا يجوز ردّها، كما أنَّه كلما كان أوثق فإنَّ رواياته ترجح على روايات غيره عند الاختلاف، وقد نتجَ عن هذا أن ارتكزَ في أذهان أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الاهتمام بوصف (الوثاقة) عند سؤالهم عن فقهاء الرواة، ويشهد لذلك: ما وردَ عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً، عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم»(٦٩).
وإذا كان الأمر هكذا كان منبّهاً هو الآخر على أهمية علم الرجال، بداهة أنَّ العلم الذي يُشرف بنا على وثاقة الأشخاص إنما هو علم الرجال.
وَهْمٌ ودَفعٌ:
وقد يتوهم بعضُ مَن لا حظّ له في العلم: أنَّ هنالك طائفة من الروايات تدلّ على عدم الاعتناء بحال الراوي، وضرورة قبول خبره وإن كان معروفاً بالكذب، وهي بهذا تسقط علم الرجال عن الاعتبار بشكلٍ مطلق.
وإليك بعضها:
• عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) أو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تكذبوا الحديث إذا أتاكم به مرجئ ولا قدري ولا حروري ينسبه إلينا، فإنكم لا تدرون لعله شيء من الحق، فيكذب الله فوق عرشه»(٧٠).
• وعن حسين بن أبي العلاء، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا تثق به؟ قال: "إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإلا فالذي جاء كم به أولى به»(٧١).
• وعن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وإن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفر من دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا»(٧٢).
• وعن سفيان بن السمط، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنستبشعه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يقول لك: انى قلت الليل انه نهار والنهار انه ليل؟ قلت: لا، قال: فان قال لك هذا اني قلته فلا نكذب به، فإنك إنما تكذبني»(٧٣).
• وعن علي بن سويد السائبي، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) انه كتب إليه في رسالته: «ولا تقل لما يبلغك عنا أو ينسب الينا هذا باطل، وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلناه وعلى اي وجه وضعناه»(٧٤).
ويعلّق بعض الأدعياء على بعض هذه الأحاديث بقوله: (فهؤلاء المتزمتون، ميزانهم الثقة وغير الثقة، وأهل البيت (عليهم السلام) يقولون لا تكذبوا ولا تردوا ما جاءكم به (مرجئي) ولا (قدري) ولا (حروري)، ولا يعتبرون الوثاقة وعدمها كأساس لقبول الروايات، وهذا رد على كبراهم - كما يعبر البعض - أي أن أصل الموضوع غير ثابت، وغير مؤّمن شرعًا فضلا عن النقاش في نفس التوثيقات والتضعيفات الرجالية)(٧٥).
ويمكن دفع هذا الوهم ببيان أمرين:
الأمر الأول: إنَّ من المعلومات الواضحة التي شيدها المحققون من علماء الرجال - كالمحقق الخوئي قدّس سره - عدم الملازمة بين فساد العقيدة وكذب اللسان؛ إذ ربَّ صحيح العقيدة كاذب اللسان، وربَّ فاسد العقيدة صادق اللسان، فالتشبث برواية القدري والمرجئي والحروري لا يفيد هذا المدّعي شيئاً؛ لعدم المحذور في الأخذ بروايتهم من ناحية فساد عقيدتهم.
الأمر الثاني: إنَّ المتتبع للروايات الشريفة يرى أن هنالك ثلاثة أنحاء للتعامل مع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، قد تعرضَ لها المعصومون (عليهم السلام) وأوضحوها لأصحابهم وشيعتهم، وهي:
الأول: قبول الأحاديث الشريفة والعمل على طبقها.
الثاني: إنكار الأحاديث الشريفة وتكذيب مضامينها.
الثالث: ردُّ علم الأحاديث الشريفة إلى أهلها العالمين بها.
ومن جملة الروايات الشريفة التي أشارت لهذه الأنحاء الثلاثة: معتبرة جابر بن يزيد، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان.
أ - فما ورد عليكم من حديث آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه.
ب - وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله، وإلى الرسول، وإلى العالم من آل محمد.
ج - وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشئ منه لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر»(٧٦).
والهدف من تركيز تعاليم المعصومين (عليهم السلام) على بيان هذه الأنحاء الثلاثة هو: التنبيه على أنَّ النهي عن تكذيب الأحاديث لا يعني قبولها بالضرورة، لوجود خيارٍ ثالث، وهو ردُّ علم الأحاديث إلى أهلها.
وبالالتفات لهذه الحقيقة يتضح أنَّ الروايات المتقدمة التي تشبث بها أدعياء المهدوية لا يستفاد منها أكثر من مرجوحية تكذيب الروايات وإنكارها، ولكنّ هذا - كما اتضح - لا يعني قبول كلّ رواية؛ إذ الأمر لا يدور بين التكذيب والقبول على نحو الانحصار ومنع الخلوّ؛ لوجود خيار ثالث، وهو ردُّ علم الروايات إلى أهلها.
وعليه، فلا منافاة بين اعتبار (الوثاقة) في قبول الرواية، والنهي عن تكذيبها، فحين لا يتوفر شرط الوثاقة في رواة الرواية - على مسلك القائلين باعتبارها في الراوي - لا تكون الرواية مشمولة لأدلة الحجيّة، ولكنّ هذا لا يعني إنكارها وتكذيبها، بل غايته ردُّ علمها إلى أهلها والعالمين بها.
وبعبارةٍ مختصرة: إنَّ الروايات المزبورة إنما تنهى عن نفي الصدور، ولا تنهى عن نفي الحجيّة.
وقبل الخروج عن دفع هذا التوهم يجدر بنا الوقوف عند معتبرة حسين بن أبي العلاء، حيث يقول فيها: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا تثق به؟ فقال: «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإلا فالذي جاء كم به أولى به»(٧٧)؛ إذ قد يُستظهر منها أنَّ المدار ليس على وثاقة الرواة، وإلا لقال الإمام (عليه السلام) في جوابه: (خذ بخبر مَن تثق بهما).
إلا أنَّ هذا لا يعدو كونه احتمالاً، وهو مبني على تفسير مفردة (الاختلاف) في الرواية بتنافي الحديثين، مع أنه يقابله احتمال آخر مبنيٌ على تفسير مفردة (الاختلاف) بتنوّع طرق الأحاديث؛ إذ أنَّ بعضها يصل عن طريق الثقة بينما بعضها الآخر يصل عن طريق غيره، وهو ما تؤيده تتمة السؤال.
وعليه، فبما أنَّ الطريق الأول لا يحتاج للسؤال فالظاهر أنَّ السؤال منصرف عنه للسؤال عن الطريق الثاني، ويكون المقصود منه: هل أنَّ ورود الحديث من هذا الطريق يسلبه القيمة مطلقاً، مع أنه منسوب للمعصوم (عليه السلام) ومحتمل الصدور عنه؟ وقد أجاب عنه الإمام (عليه السلام): برجحان التحرّي عن شواهد مِن الكتاب والسنة عند مجيئ هذا النحو من الأحاديث، فإن تمَّ العثور على شيء من ذلك فبها، وإلا فمَن رواه أولى به.
والحاصل: فإنَّ الرواية الشريفة أجنبية عن مدّعى هؤلاء الأدعياء.
ج / المنبّه الثالث: سيرة المتشرعة.
فإنَّ المتتبع لسيرة المتشرعة وتاريخ الرواة سيقع على غير واحدٍ من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) - وفي عصر الحضور - قد بادروا إلى التصنيف في علم الرجال.
ومنهم:
• عبد الله بن جَبّلة الكَنَاني، المتوفى سنة ٢١٩ هـ، فإنَّ له كتاباً اسمه (الرجال)(٧٨).
• الحسن بن محبوب السراد (١٤٩ - ٢٢٤ ه‍) - من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)، وروى عن ستين راوياً من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) - له كتاب (المشيخة) وكتاب (معرفة رواة الاخبار).
• الفضل بن شاذان النيسابوري، المتوفى سنة ٢٦٠ هـ، له كتاب في الرجال أيضاً، قد جمع فيه أسماء الكذابين، كما أنَّ له روايات كثيرة في نقد الرجال مبثوثة في رجال الكشي.
• محمد بن عيسى اليقطيني - المعاصر للفضل بن شاذان - له كتاب (الرجال) أيضاً.
• محمد بن خالد البرقي - من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) - له كتاب (الرجال).
• سعد بن عبد الله الأشعري، له كتابان في الرجال: أحدهما (مناقب رواة الحديث)، والآخر (مثالب رواة الحديث).
• أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المتوفى سنة ٢٨٠ ه‍، له كتابان (الرجال) و(طبقات الرجال)، وكتابه هذا هو الكتاب الوحيد الواصل إلينا من مصنفات هذه الحقبة.
• أحمد بن علي العلوي العقيقي (المتوفى ٢٨٠ ه‍)، له (تاريخ الرجال).
• الحسن بن علي بن فضال، (المتوفى ٢٢٤ ه‍) من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، وعنه قال الشيخ النجاشي قدّس سره: (وأخبرنا ابن شاذان، عن علي بن حاتم، عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عنه بكتابه المتعة وكتاب الرجال)(٧٩).
• علي بن الحسن بن علي بن فضال، (المولود ٢٠٦ ه‍)، وعنه قال الشيخ الوحيد البهبهاني قدّس سره في (التعليقة): (وكثيرا ما يعتمدون على قوله في الرجال، ويستندون إليه في معرفة حالهم من الجرح والتعديل، بل غير خفي أنه أعرف بهم من غيره بل من جميع علماء الرجال، فإنك إذا تتبعت وجدت المشايخ في الأكثر - بل كاد أن يكون الكل - يستندون إلى قوله ويسألونه ويعتمدون عليه)(٨٠).
• أحمد بن محمد بن الربيع الأقرع الكندي، وقد ورد في حقه عن عبد الله بن العلاء، قال: كان أحمد بن محمد بن الربيع عالما بالرجال.
• أحمد بن محمد بن نوح، ويكنى أبا العباس السيرافي، له تصانيف، منها: كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام).
• ابن عقدة (٢٤٩ - ٣٣٣ ه‍) له كتاب الرجال.
• أحمد بن محمد بن عمار أبو علي الكوفي (٣٤٦ ه‍) ثقة جليل من أصحابنا، له كتب، منها: كتاب الممدوحين والمذمومين، وعنه قال الشيخ النجاشي (عليه السلام): (وهو كتاب كبير، حكى لنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله أنه أكبر من كتاب أبي الحسن بن داود)(٨١).
• أحمد بن محمد القمي (٣٥٠ ه‍) له كتاب الطبقات.
• محمد بن أحمد بن داود بن علي أبو الحسن القمي (٣٦٨ ه‍) شيخ هذه الطائفة وعالمها، وشيخ القميين في وقته وفقيههم، صنّف كتباً منها: كتاب الممدوحين والمذمومين.
وغير هؤلاء كثير جداً.
وعن ذلك يتحدث شيخ الطائفة الطوسي قدّس سره فيقول: (أنّا وجدنا الطائفة ميزت الرّجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم، وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرّجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى إنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه برواته.
هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم)(٨٢).
ولو لم يكن علم الرجال علماً مشروعاً، لما اهتمّ به المتشرعة كلّ هذا الاهتمام الواضح.
المحصّلة الأخيرة:
فظهر من خلال المنبهات الثلاثة: أنَّ علم الرجال وليد القرآن الكريم والسنة المطهرة، وليس علماً مبتدعاً.
٢ - الشبهة الثانية: تصحيف الكتب والمصادر الرجالية، ويتحدث عن ذلك أحدهم فيقول: (من تأمل في كتب الرجال بل في أشهرها - وهي كتاب رجال الطوسي والنجاشي - يجد أنها تعرضت للتصحيف والتحريف)(٨٣).
الجواب عن الشبهة الثانية:
ولا يخفى وهن هذه الشبهة؛ إذ أننا لو سلمنا بوقوع التصحيف فيها، فإنَّ التصحيف على نحوين:
النحو الأول: ما يخلُّ - بسبب كثرته وغموضه - بظواهر نصوص الكتاب الواقع فيه.
النحو الثاني: ما لا يؤثر - بسبب قلته ووضوحه - بظواهر نصوص الكتاب الواقع فيه.
والذي يمنع من الاستفادة من أيِّ نصٍ من النصوص - سواء كان وصيةً أو رسالةً أو كتاباً أو مقالاً أو نحو ذلك - إنما هو النحو الأول من التصحيف، وأما النحو الثاني فلا يكاد يخلو منه كتاب، حتى الكتب والمصادر المعتمدة والمعروفة، ومع ذلك فإنَّ السيرة جارية على العمل بها جميعاً، مِن غير توقفٍ من أحد.
والسّرُ في ذلك: أنَّ النصوص غالباً ما تشتمل على قرائن متناثرة مؤثرة على ظواهرها، وبالتالي فحينَ يعتريها التصحيف الكثير والغموض الذي لا يمكن حلّه، يمتنع العقلاء من الأخذ بها، لاحتمال احتفافها بقرائن قد طواها التصحيف.
وليس الأمر كذلك فيما لو كان التصحيف معدوداً؛ فإنَّ ظواهر النصوص تبقى على ما هي عليه، ولا يمتنع العقلاء عن الأخذ بها.
إذا عرفتَ ذلك؛ فإنَّ التصحيف الواقع في رجالي الشيخين الطوسي والنجاشي (قدس سرهما) - لو سلمناه - ليس إلا من قبيل النحو الثاني، وهذا المقدار من التصحيف لا يسوّغ رفع اليد عن مطالب الكتابين والاستفادة منهما.
٣ - الشبهة الثالثة: مجانبة المصادر الرجالية للواقع، ويتحدث عن ذلك بعض أدعياء المهدوية فيقول: (وكذلك تجد كثيرًا منها مجانب(٨٤) للواقع، أي تجد مثلا النجاشي يضعف أفضل أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، كجابر بن يزيد ومفضل بن عمر وداود بن كثير الرقي ومعلى بن خنيس وغيرهم، مع تواتر وكثرة الروايات المادحة لهم مدحًا رفيعًا)(٨٥).
الجواب عن الشبهة الثالثة:
ولا تحتاج هذه الشبهة الواهنة إلى بسطٍ في الإجابة؛ إذ من الواضحات أنه ما من كتابٍ - سوى الكتب السماوية وما ينتهي إلى المعصوم (عليه السلام) - إلا وهو مشتمل على ما يجانب الواقع، إلا أنَّ هذا المقدار من المجانبة لا يصححّ رفع اليد عن الكتاب بشكلٍ مطلق، ولو صحَّ ذلك للزم رفع اليد عن جميع الكتب، وهذا مما لم يتفوّه به أحد.
ومن هنا فإنك ترى علمائنا (رضوان الله تعالى عليهم) في الوقت الذي يستفيدون فيه من الكتب الرجالية، لا تجد أحداً منهم قد أخذ بكلّ ما جاء به الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي (قدهما) أخذ المسلّمات، ومَن اطلّع على مؤلفاتهم وسبر مصنفاتهم وتشرف بالحضور في حوزاتهم علمَ حقيقة ذلك.
ولا يكاد ينقضي العجب من جرأة هذا المدّعي على الكذب الفاضح، حين وصف كتب الرجال بأنَّ الكثير منها مجانب للواقع، فإنه قد أطلقَ هذه الدعوى ومضى عنها، مِن غير أن يدلّل عليها، ولا نشك في كونها تخرصاً ورجماً بالغيب.
٤ - الشبهة الرابعة: تناقض التوثيقات والتضعيفات الرجالية، ويتحدث عن ذلك أحدهم فيقول: (أضف إلى ذلك تناقض علماء الرجال فيما بينهم، فتجد مثلا الشيخ الطوسي يوثق رجلاً والنجاشي يضعفه، وبالعكس أيضًا، بل تجد التناقض في أقوال العالم نفسه، كما وجد ذلك عند الشيخ الطوسي "رحمه الله" كما في سهل بن زياد الرازي، فتجد الشيخ الطوسي "رحمه الله" يوثقه في كتاب الرجال ص ٣٨١ رقم ٥٦٩٩، فيقول عنه: "سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد، ثقة، رازي "، ولكن عندما نأتي إلى كتاب الطوسي الثاني وهو الفهرست ص ١٤٠ رقم ٣٣٩، نجده يقول عن نفس الراوي: "سهل بن زياد الآدمي الرازي يكنى أبا سعيد ضعيف ")(٨٦).
الجواب عن الشبهة الرابعة:
ولا يخفى على كلّ باحث أنَّ هذه الشبهة ليست بالجديدة، وقد أجاب عنها علماء الرجال وناقشوها وأوضحوا زيفها.
وإجمال الجواب عنها: أنَّ غاية ما يوجبه التعارض في التوثيقات أو التضعيفات هو سقوط المتعارضين منها، إن لم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بأحد المرّجحات المعروفة عند علماء الرجال، ومن الواضح أنَّ هذا لا يستلزم سقوط بقية التوثيقات والتضعيفات - السالمة عن التعارض - عن القيمة والاعتبار.
والملاحظة الجديرة بالتسجيل على هذه الشبهة وسابقتيها هي: أنَّ هذه الشبهات الثلاث لا ترقى إلى مستوى الشبهة؛ لأنها لو تمّت - ولم تتم - فهي ملاحظات على أهمِّ الكتب الرجالية، وليست ملاحظات على نفس علم الرجال، والأولى بمَن يتصور أنَّ الكتب الرجالية هي نفسها علم الرجال - بحيث أنّ الخدشة فيها خدشة فيه - أن يبذل دقائق قليلة من عمره ليتعلم الفرق بين النسب الأربع.
٥ - الشبهة الخامسة: إرسال التوثيقات والتضعيفات الرجالية، ويتحدث عن ذلك أحدهم فيقول: (والعجيب أنهم يقبلون أقوال علماء الرجال من دون أن يعلموا سندها أصلاً، بل ويرجحونها أحيانًا على المسند الصحيح من روايات المعصومين في مدح أو ذم الرجال! فالتوثيقات والتضعيفات الرجالية لا تخلو إما أن تكون عن رأي واجتهاد وحدس علماء الرجال، وإما أن تكون منقولة لهم، والرأي والاجتهاد لا خلاف في عدم الاعتماد عليه وخصوصًا بعد الاطلاع على خطأهم الكثير في ذلك)(٨٧).
الجواب عن الشبهة الخامسة:
وهذه الشبهة أيضاً - كسابقتها - ليست بالجديدة، وقد أجاب عنها علماء الرجال بأجوبة مسهبة ومفصلة، وأتوا فيها بما لا مزيد عليه.
وبما أننا هنا لسنا بصدد التفصيل إن لم تلزمنا به الضرورة؛ لذا نكتفي بالإشارة إلى أوضح الأجوبة وأخصرها، ويتلخص في نقطتين:
النقطة الأولى: أنَّ هنالك كلاماً طويل الذيل في بيان وجه حجيّة قول الرجالي، فهل أنَّ حجيته من باب حجية الاطمئنان؟ أم أنَّ حجيته من باب الشهادة؟ أم أنَّ حجيته من باب حجيّة قول أهل الخبرة؟ أم أنَّ حجيته من باب حجيّة خبر الثقة؟
إذا عرفتَ ذلك، فإنَّ الإشكال الذي تطرحه هذه الشبهة التي نحن بصدد الإجابة عنها ليس مطرّداً على جميع تلك الوجوه، وإنما يختص بالوجه الأخير فقط، وبالتالي فحتى لو سلمنا باستحكام هذا الإشكال إلا أنه لا يلغي علم الرجال بالمطلق؛ إذ أنه على الوجوه الثلاثة المتقدمة يبقى علم الرجال قائماً من غير أن يمسّه سوء.
والتمسكُ بالإشكال المذكور لأجل إسقاط علم الرجال بالكليّة، وعلى جميع المباني، ينمُّ عن جهلٍ فاضح.
النقطة الثانية: أنَّ الإشكال المذكور مما يمكن دفعه بالالتفات إلى مقدمات ثلاث:
الأولى: أنَّ بعض القضايا الحسية - أو القريبة من الحسّ - لا يحتاج إدراكها كما هيَ عليه إلى معاصرة أطرافها، فنحن الآن بيننا وبين الشيخ الأنصاري قدّس سره ما ينيف على المائة والخمسين عاماً، وبيننا وبين العلامة المجلسي قدّس سره ما يزيد على الثلاثمائة والعشرين عاماً، ومع ذلك فإنَّ وثاقتهما عندنا أوضح من الشمس في رابعة النهار، مع وضوح أنّ وثاقتهما ليست من القضايا الحدسية، وإنما هي من الحسيّات أو ما قاربها.
ومن البيّن أنَّ مثل هذه القضايا ليست من المنقولات التي ينقلها ثقة عن آخر، حتى يضرّ بها الإرسال، وإنما هي من القضايا المستفيضة إن لم تكن من القضايا المتواترة، ومثلها مما يستفيض نقله لا يُنظر في أحوال ناقليه.
الثانية: إنَّ المصادر التي اعتنت بالتقييمات الرجالية تمتدُّ - كما اتضح - إلى زمن المعصومين (عليهم السلام)، وهي من الكثرة بمكان، فقد مرّت عليك قريباً كلمة شيخ الطائفة الطوسي قدّس سره الصريحة في أنَّ عمل الطائفة كان على ذلك منذ قديم الوقت، ومن الواضح أنَّ قديم الوقت بالنسبة للشيخ الطوسي قدّس سره لا يتطابق إلا مع أزمنة المعصومين (عليهم السلام)، كما مرّت عليك أسماء العديد من المصادر الرجالية وعناوينها.
الثالثة: إنَّ الكثير من هذه المصادر - مما لم يصلنا اليوم - قد وصل آنذاك للشيخين الجليلين الطوسي والنجاشي (طاب ثراهما)، بل وصل لمن بعدهما، كالعلامة وابن داود الحليين، والسيد ابن طاووس (قدس سرهم)، وقد أشرنا إلى بعضها في بعض الهوامش المتقدمة.
وعلى ضوء هذه المقدمات الثلاث يتضح: أنَّ وثاقة الرواة وضعفهم كانا - بسبب كثرة المصنفات الرجالية، واهتمام وجوه الطائفة بمسألة التوثيق والتضعيف - من الأمور المستفيضة النقل، ولم يكونا مما يتناقله الآحاد لاحقاً بعد سابق.
وتنبّهُ على ذلك وتشعر به نفسُ تعبيرات الرجاليين، فتقرأ مثلاً في كلمات الشيخ النجاشي (قده) التعبيرات التالية:
• إسماعيل بن سهل الدهقان: ضعفه أصحابنا(٨٨).
• إسماعيل بن يسار الهاشمي: ذكره أصحابنا بالضعف(٨٩).
• الحسن بن عطية الحناط: ما رأيت أحدا من أصحابنا ذكر له تصنيفا(٩٠).
• الحسين بن أحمد المنقري: وكان ضعيفا، ذكر ذلك أصحابنا رحمهم الله(٩١).
• الحسن بن أبي عثمان الملقب سجادة أبو محمد كوفي، ضعفه أصحابنا(٩٢).
• الحسن بن محمد بن جمهور: يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل. ذكره أصحابنا بذلك، وقالوا: كان أوثق من أبيه وأصلح(٩٣).
• محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول: ورأيت جُلَّ أصحابنا يغمزونه ويضعفونه(٩٤).
• عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري: وكان أصحابنا البغداديون يرمونه بالارتفاع(٩٥).
• أحمد بن الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران: أبو جعفر الأهوازي، الملقب دندان، روى عن جميع شيوخ أبيه إلا حماد بن عيسى فيما زعم أصحابنا القميون، وضعفوه وقالوا: هو غال وحديثه يعرف وينكر(٩٦).
وكما ترى، فإنَّ تعبيرات الشيخ النجاشي قدّس سره مشعرة بتلقيه التقييمات الرجالية بشكلٍ مستفيضٍ عن الأصحاب، وليس من طريق الآحاد، وهكذا هو الحال بالنسبة لشيخ الطائفة الطوسي (قده)، وتشهد لذلك شواهد، منها:
• قوله: (ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر - وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به - وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم)(٩٧).
• وقوله (قده): (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا (عليهم السلام)، فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه)(٩٨).
• وقوله (قده): (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال، وبنو سماعة، والطاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه)(٩٩).
وهذه الشواهد وأمثالها تفصح عن أنَّ التقييمات الرجالية قد تلقاها شيخ الطائفة الطوسي (قده) بنحوٍ مستفيض، وعلى هذا الأساس تلغو إشكالية إرسال التقييمات، ولا تبقى لها قيمة علمية.
٦ - الشبهة السادسة: عدم استيعاب كتب الرجال للمفردات الرجالية، ويتحدث عن ذلك أحدهم فيقول: (وحتى لو تترلنا عما تقدم - ولن نتترل - فلا يمكن حصر توثيق أو تضعيف الرجال فقط بكتب الرجال كرجال النجاشي ورجال الطوسي في رجاله وفهرسته؛ لأنهم لم يذكروا كل الرواة بل ربما لم يذكروا حتى عشر الرجال)(١٠٠).
الجواب عن الشبهة السادسة:
والجوابُ عن هذه الشبهة لا يحتاج إلى المزيد من الكلام؛ لأنَّ الرواة الذين لم تُضبط أسماؤهم في المصادر الرجالية على نحوين:
فإنَّ بعضهم ممّا لا سبيل إلى توثيقه بوجهٍ من الوجوه، بينما بعضهم ممّن يتسنى توثيقه من خلال جمع القرائن، والنحوُ الأول وإن كان وقوعه في سندِ روايةٍ معينة مضراً بحجيتها بناءً على مسلك الوثاقة، غير أنَّ النحو الثاني محقق لصغرى الحجيّة، مما يعني أنَّ باب التقييمات الرجالية - توثيقاً وتضعيفاً - بالنسبة للمجاهيل ليس موصداً.
ومن الظريف جداً أنَّ نفس صاحب هذه الشبهة قد اعترف بما ذكرناه، حيث ذكر أنَّ مجموع رواة رجال الشيخ الطوسي قدّس سره وإن كان لا يتجاوز عددهم (٦٤٢٩) رجلاً، إلا أنَّ مَن جمعهم المحقق الخوئي قدّس سره في معجم رجاله قد بلغ عددهم (١٥٧٠٦) رجلاً(١٠١)، وهذا تأكيد لما قلناه، وليس إشكالاً على علم الرجال، كما لا يخفى.
ومما ذكرناه تعرف ضحالة تهويل هذا المدّعي، حين قال: (فعلى أعلى التقادير نقول إن الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي ترجموا لثلث الرواة، فما ذنب الثلثين الباقين الذين لم يحيطا بهم أو نسوهم أو.. أو..؟!!
ولا يمكن لأحد يمتلك ذرة من الورع أن يحكم على آلاف الرواة بأنهم ضعفاء أو لا يعتمد على رواياتهم؛ لأن الشيخ الطوسي والنجاشي لم ينصا على وثاقتهم)(١٠٢).
ثمَّ لا يخفى أنَّ منتهى هذه الشبهة إنما هو محدودية الكتب الرجالية، لا إلغاء علم الرجال وإسقاطه عن الاعتبار، وبين الدعويين بُعد المشرقين.
٧ - الشبهة السابعة: تأثير الأهواء النفسانية والمسبقات الفكرية على دقة التقييمات الرجالية؛ فإنَّ حال علماء الرجال كحال سائر البشر، يتأثرون بعواطفهم وأفكارهم المسبقة في تقييم الأشخاص، وبالتالي فإنه لا يمكن الاعتماد على تقييماتهم الرجالية؛ لأنها عارية عن الموضوعية.
الجواب عن الشبهة السابعة:
ويلاحظ على ذلك:
أولاً: إنَّ التقييمات الرجالية إذا كان لا يمكن الأخذ بها؛ لكونها مشوبة بالأهواء والمسبقات الفكرية، فتقييم هذا المعاصر أيضاً للرجاليين لا يمكن الأخذ به؛ لأنه هو الآخر لا يمكن تجريده عن النزعة البشرية، وما يجيب به بالنسبة لنفسه هو جوابنا عن تقييمات علماء الرجال.
وثانياً: إنَّ الشارع المقدّس قد أمر في غير موضع بالأخذ بتقييمات الآخرين، سواء تقييماتهم للأشخاص - كما في قضية الزواج - أم للموضوعات - كما في قضية الهلال - مع أنَّ الإشكال سيال في هذه الموارد أيضاً.
وحلُّ الإشكالية: أنَّ هنالك أصولاً وضوابط تكفينا لدفع تلك الاحتمالات الموهومة، فبإحراز عدالة المقيّم وإيمانه يدفع احتمال متابعته لهواه، وبإحراز تثبته وضبطه يدفع احتمال غفلته، وهكذا.
وبما أنَّ علماء الرجال عندنا علماء معروفون بالورع والتقوى والضبط والتثبت، فإنَّ هذا يكفي لدفع احتمال متابعتهم لأهوائهم والعياذ بالله تعالى.

الفصل الثاني: فقه علامات الظهور

أهمية فقه علامات الظهور
لعلّ الأحداث التي يمرّ بها العالم خير باعث للوقوف على فقه علامات الظهور، حتّى يكون الباحث على معرفة وإلمام بهذا الفن، وهو بذلك من جهةٍ يقف على أجوبة شافية لأسئلة كثيرة تدور في خلده، ومن جهة أخرى يضع حداً لكثير من المبادرات الخاطئة التي نلاحظها عند كثير من إخواننا المؤمنين مع الأسف الشديد في تقييم الأحداث العالمية، والتي تعتمد على منهج إسقاط الروايات الشريفة على أشخاص معينين، وربط كل تلك التحليلات بالروايات الشريفة المتعلّقة بعلامات الظهور.
وهذا أمر خاطئ، وينبغي التوقف عنده، والنهي عنه، فإنَّ مثل هذه الدراسات تحتاج إلى متخصصين، ولابد فيها من الرجوع إلى أهل الاختصاص، شأنها شأن أي علم من العلوم، وفن من الفنون، وجانب من جوانب الحياة، التي جرت سيرة العقلاء فيه على الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص.
وكيفما كان، فإن الروايات الشريفة قد دلّت على أن الله تبارك وتعالى جعل علامات تكوينية لظهور مولانا الأعظم بقية الله أرواحنا فداه، فقد روى الشيخ الصدوق (قدس الله نفسه الزكية) بسنده عن محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قدام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين»(١٠٣).
ومضافاً إلى الوجدان ومجريات الأحداث - التي تدعونا جميعاً للوقوف على فقه علامات الظهور - فإن بعض الروايات الشريفة قد حثّت على ذلك، فمنها ما رواه الشيخ الكليني عليه الرحمة بسنده إلى مولانا وإمامنا الصادق (عليه السلام): «اعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرك، تقدم هذا الأمر أو تأخر»(١٠٤).
ولا ريب في دلالة الأمر (اعرف) هاهنا على الرجحان والاستحباب كما يساعد عليه الاعتبار، وبالتالي فهي ظاهرة في توجيه المؤمنين إلى محبوبية ورجحان التعرّف على علامات الظهور المبارك.
ملاكات أهمية ثقافة علامات الظهور:
ولا شك أن الأمر بمعرفة العلامة له ملاكات، وهذه الملاكات هي نافذة التعرف على أهمية هذه الثقافة، وسوف نستعرض في المقام ملاكات ثلاثة:
الملاك الأوّل: طريقية العلامة لمعرفة ذي العلامة
فإنَّ من الواضحات أن العلامة طريق إلى ذيها، والأمثلة الوجدانية على ذلك كثيرة، وحسبك منها العلامات الوضعية المنصوبة على الطرق للإرشاد إلى أماكن معيّنة أو تعليمات معيّنة، بها يتوصّل السالك في الطريق إلى المطلوب.
والكلام هو الكلام في المقام، فإنَّ العلامات التي جعلها الله تبارك وتعالى دالةً على الظهور المقدّس من شأنها أن توصل العارف بها إلى صاحبها (عجل الله فرجه الشريف)، وهذا أحد مكامن ضرورة التعرّف على فقه علامات الظهور، إذ أنَّ التعرف على ذي العلامة (عجل الله فرجه الشريف) أنبل الغايات ومنتهى الطموح.
الملاك الثاني: الدّقة في تطبيق العلامات على مصاديقها
والمنبّه على أهميّة هذا الملاك، صحيحة زرارة بن أعين، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي مناد من السماء: إن فلانا هو الأمير، وينادي مناد: إن عليا وشيعته هم الفائزون.
قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟
فقال: إن الشيطان ينادي: إن فلانا وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية -.
قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟
قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون»(١٠٥).
وهذا أمرٌ غاية في الخطورة والأهميّة، فإن بعض علامات الظهور قد يقع فيها التلبيس من قبل إبليس وجنوده (عليهم اللعنة)، فهي اختبار ومحك لابد للمؤمن أن ينجو منه، وطريق النجاة هو التعرّف على العلائم من خلال الروايات الشريف، كما نصّ على ذلك مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في جوابه لسؤال زرارة قدّس سره حين قال: «يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا ويقولون إنه يكون قبل أن يكون ويعلمون أنهم المحقون الصادقون».
وليس الأمرُ خاصاً بالصيْحة فقط، إذ المورد لا يخصص الوارد، وتنقيح المناط يستدعي القول بأن كل ما اشتمل على اللبس من علامات الظهور المبارك فإن الطريق لرفعه ليس هو إلا الوقوف على فقه العلامات.
الملاك الثالث: صيانة النفس من الوقوع في مزالق المدّعين
ولا نريد من عنوان (المدّعين) خصوص مدّعي المهدوية، بل هم أعم من ذلك، فهناك من يدّعي السفارة الخاصة، وهناك من يدّعي أنه وصي الإمام وابنه، وأنه اليماني وتجب مبايعته ومن لم يبايعه فهو في النار!، وآخر يدّعي أنه المهدي، وآخر يجمع بين جميع هذه العناوين!، فهؤلاء جميعاً يصدق عليهم عنوان الإدعاء الذي نصّت الروايات الشريفة على وجود أصحابه قبل خروج مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ومن تلك الروايات صحيحة أبي خديجة - المتقدّمة - عن إمامنا الصّادق (عليه السلام) أنّه قال: «لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه»(١٠٦).
ولأجل أهمية هذا الملاك وأقوائيّته وكونه يمثّل التكليف الحقيقي الذي كلّفنا به أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم في زمن الغيبة الكبرى، فقد اعتنت به الروايات كثيراً، وأولته عناية فائقة، وركزت على عدم الإستجابة لأيّ شخص يدّعي علاقة خاصة بالإمام المنتظر في عصر الغيبة الكبرى، كالسفارة، أو النيابة، أو البنوّة، أو الوصاية، أو اليمانية، وما شاكل ذلك، إلا أن تتحقق العلامات الحتمية.
ومن تلك الروايات الشريفة:
(١) معتبرة جابر بن يزيد الجعفي، قال: «قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): يا جابر، الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها»(١٠٧)
(٢) صحيحة عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني، فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا.»(١٠٨)
(٣) عن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا سدير، الزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك»(١٠٩)
والمستفاد من الرواية الأولى: أن التكليف مغيّى بغاية، وهي بروز علامات الظهور، فما لم تبرز وتتحقق، فالتكليف بعدم الاستجابة لأدعياء المهدوية بمعناها العام فعلي منجّزٌ، وأما ارتفاعه فلا يكون إلا بتحققها وبروزها، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بعد الإحاطة بعلامات الظهور والوقوف على فقهها.
وأما الرواية الثانية: فهي أظهر من أن تحتاج إلى بيان وتوضيح، والنهي فيها كاف صريح.
وأما الرواية الثالثة: فلسانها الشرطية، بمعنى أنها قد جعلت ارتفاع التكليف بعدم الخروج مشروطاً بتحقق علامة من أهم علامات الظهر - والتي تزامن معها عدة علامات في وقت واحد - وهي خروج السفياني.
وقد تحصّل من هذه الروايات: أننا مكلفون قبل تحقق العلامات بلزوم السكوت وعدم الاستجابة لأي أحد، وهذا يعني أنَّ معرفة وظيفتنا الشرعية في زمن الغيبة الكبرى منوط بالتفقه في علامات الظهور المقدس.
وهنا لابد من التنبيه، أن ذلك لا يعني الاستجابة لكل أحد إذا تحققت العلامات!، بل لكل شيء ضوابط وشروط أوضحها أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم، سيأتي بيان بعضها إن شاء الله تعالى.
زبدة الكلام:
وقد ظهر مما عرضناه: أن الملاكات الثلاثة كافية للتنبيه على أهمية فقه علامات الظهور، وحريٌ بالمؤمنين أن يرجعوا إلى أهل الاختصاص ليتعلّموا هذا الفقه العميق والدقيق في زمن كثر فيه الأدعياء والمضللون.
أضواء على علامات الظهور
وهنا مباحث متعدّدة:
المبحث الأوّل: أقسام علامات الظهور
يُمكن تقسيم علامات الظهور المبارك - كما هو المشهور - إلى قسمين:
القسم الأول: العلامات المحتومة.

القسم الثاني: العلامات غير المحتومة، أو الموقوفة كما في بعض الروايات.(١١٠)
والفرق بينهما:
أن العلامات المحتومة هي العلامات ضرورية الوقوع، ومن خلالها يمكن التمييز بأن يوم الظهور قد حان أو لا.
وأما العلامات غير المحتومة، فهي العلامات التي تتساوى فيها نسبة التحقق وعدمه، أي: قد تتحقق وقد لا تتحقق، لاحتمال جريان البداء فيها، كما سيتضح.
وبعبارة أخرى: إن الفرق بين هذين القسمين هو الفرق بين الوجوب والامكان، ففي القسم الأول يكون ثبوت المحمول لموضوعه ضرورياً لزومياً يمتنع سلبه عنه، وفي الثاني يجوز السلب والإيجاب من غير ضرورة لتحقق أحدهما فتبقى النسبة متساوية بينهما.
ولا يخفى أن مُستند التقسيم هو الروايات الكثيرة التي ذكرت هذين القسمين من العلامات، وأشارت إلى ما هو المحتوم منها - كما سيأتي - وإلى غير المحتوم، ولم تشر إلى قسم ثالث، وهو مقتضى الحصر العقلي أيضاً؛ إذ العلامات - بما هي علامات - إما ضرورية الوجود والتحقق، وإما ممكنة، ولا ثالث؛ إذ لا معنى لضرورية عدمها بعد افتراضها علامة، وإذا كان الأمر كذلك فما كانت ضرورية الوقوع من العلامات فهي الحتمية، وما كانت ممكنة الوقوع فهي غير الحتمية.
المبحث الثاني: العلامات المحتومة
وفيه مطلبان:
١ - المطلب الأول: نكتة منهجية مهمة في التحقيق
يلزم التنبيه على نكتة منهجية تأسيسية دقيقة، تنفع في مقام التحقيق والتنقيح المرتبط بفقه علامات الظهور.
وحاصلها: أنّنا أغفلنا دراسة العلامات الموقوفة، لأمور منهجيّة ينبغي الإشارة إليها وذكرها، لما لها من مدخليّة في تحقيق البحوث المرتبطة بعلامات الظهور وفقهها، ويمكن بيانها في نقطتين:
الأولى: إنه بناءً على ما تقدّم من الفرق بين القسمين من العلامات، فإنّه لا يصح للإنسان أن يركز معرفته على العلامات الموقوفة، لأنها ممكنة التحقق، وليس ينبغي أن يعلّق معرفته على أمر ممكن التحقق، ويحصرها فيه، وإن كان الإلمام به مطلوبا ومفيداً في حدّ ذاته، لأنه يوسف آفاق المعرفة ويعمّق ثقافة فقه الظهور.
الثانية: أن بحثنا بحثٌ معرفي تأسيسي، ويترتب عليه لزوم الاستدلال بما ثبت بالأدلة اليقينية أو المتاخمة لليقين والموجبة للاطمئنان في مقام التأسيس، وهذا الشرط - أعني يقينية الأدلة - ليس متوفّراً في جلّ العلامات الموقوفة، فكثير منها أخبار آحاد ومعظمها ضعيف السند، بعكس العلامات المحتومة التي ثبتت بالأدلة اليقينية والطرق المعتبرة كما سترى.
٢ - المطلب الثاني: العرض الإجمالي للعلامات الحتمية
المشهور أن العلامات المحتومة خمس، ولكنّ الصحيح أنها ست، وقد عرضت لها الروايات المعتبرة وبيّنتها، إلا أن خمساً منها مذكورٌ في سياق واحد، والسادسة منفصلةٌ عنهم.
ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: العلامات الأرضيّة.
القسم الثاني: العلامات السماويّة.
والأول أربعُ علامات: خروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء.
والثاني علامتان: الصيحة، وطلوع الشمس من المغرب.
وقد دلّت عليها روايات معتبرة، فمنها:
صحيحة عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء»(١١١)
ومعتبرة أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: «خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم»(١١٢)
وهاتان الروايتان - كما ترى - نصٌّ في المطلوب.
المبحث الثالث: بيان خصوصيّات هذه العلامات
- العلامةُ الأولى: السّفياني
وقد ركّزت الروايات الشريفة على شخصيّة السفياني وما يرتبط به، ونحن نشير إلى ذلك إجمالاً تبعاً للروايات:
الخصوصية الأولى: اسمه ونسبه وصفاته
وقد شخّصت الروايات الشريفة سمات السفياني تشخيصاً دقيقاً حتى لا يلتبس أمره على الناس، فبيّنت صفاته الجسمية وما يرتبط بمكانه واسمه وغير ذلك، فمنها:
الرواية الأولى: عن عمر بن أذينة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال: أبي (عليه السلام): قال: أمير المؤمنين (عليه السلام): يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وهو رجل ربعة، وحش الوجه، ضخم الهامة، بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان وأبوه عنبسة، وهو من ولد أبي سفيان حتى يأتي أرضا ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها»(١١٣)
الرواية الثانية: صحيحة عمر بن يزيد قال: «قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): إنك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق، يقول: يا رب ثاري ثاري ثم النار، وقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له وهي حية مخافة أن تدل عليه.»(١١٤)
فهذه الروايات حددت صفاته الجسمية وملامح وجهه الذي تنفر منه النفوس، كما حددت اسمه وأصله الأموي وموضع خروجه.
الخصوصية الثانية: وقت حركته ومدّتها
أشارت الروايات الشريفة إلى أن بداية حركة السفياني تكون في شهر رجب، وأنّه يملك الكور(١١٥) الخمس، وهي دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب.
وأما مدّة حركته عموماً، فالظاهر أنّها تزيد على السنة، فيقضي بعض الأشهر قتالاً وحروباً، ويملك مدة تسعة أشهر.
ففي معتبرة المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن أمر السفياني من المحتوم وخروجه في رجب»(١١٦).
وفي معتبرة عن عيسى بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «السفياني من المحتوم، وخروجه في رجب، ومن أول خروجه إلى آخره خمسة عشر شهرا، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوما»(١١٧).
الخصوصية الثالثة: موقف السفياني من الشيعة
والمستفاد من الروايات أن للسفياني موقفاً عدائياً من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كأني بالسفياني أو لصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه: من جاء برأس رجل من شيعة علي فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره يقول: هذا منهم، فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم».(١١٨)
فتُسفك دماء الشيعة وتراق على يد السفياني وجلاوزته، كما سفك أجدادهم دماء الأئمة الطاهرين وشيعتهم الأبرار.
- العلامة الثانية: الصيحة السماوية
وقد تحدّثت الرواية الشريفة عن خمس خصوصيات للصيحة، نشير إليها:
الخصوصية الأولى: حقيقة الصيحة
ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان، قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلا من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان متكئا فغضب وجلس، ثم قال: لا ترووه عني، وأرووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (عليه السلام) يقول: والله إن ذلك في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) لبين حيث يقول: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين)، فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إن الحق في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته»(١١٩).
وفي صحيح أبي حمزة الثمالي أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «فقلت له: كيف يكون ذلك النداء؟ قال: ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون»(١٢٠).
وفي الخبر عن الإمام الباقر (عليه السلام): «وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه (عليهما السلام) حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج»(١٢١).
وغير ذلك من الروايات، التي يُستفاد منها أن الصيحة تتم بذكر القائم (عجل الله فرجه الشريف) والتصريح بأن الحق مع علي وشيعته.
الخصوصية الثانية: شخص الصائح
المُستفاد من خبر أبي بصير قدّس سره أن المنادي السماوي هو جبرئيل (عليه السلام)، فقد روى عن الإمام الباقر (عليه السلام): «الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان، لأن شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم (عليه السلام) فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام)»(١٢٢).
الخصوصية الثالثة: وقت الصيحة
وُيستفاد من صحيحة الحارث بن المغيرة أنه في ليلة القدر المباركة في شهر رمضان المبارك، فعنه عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان»(١٢٣)
الخصوصية الرابعة: لسان الصيحة ولغتها
ففي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ينادي مناد باسم القائم (عليه السلام)، قلت: خاص أو عام؟ قال: عام يسمع كل قوم بلسانهم، قلت: فمن يخالف القائم (عليه السلام) وقد نودي باسمه؟ قال: لا يدعهم إبليس حتى ينادي في آخر الليل ويشكك الناس»(١٢٤).
وهذه الرواية نصٌ في أن الصيحة عامةٌ لكل ناس، فيسمعها كل قوم بلسانهم، ولكن جرت السنة الإلهية على تمحيص الخلق وغربلتهم حتى يصفو وينجو منهم الخلص، فيكون نداء آخر لإبليس ليلبّس به على الناس، ولكن المؤمنين على بصيرة من أمرهم، ويعلمون من أئمتهم أن الحق مع النداء الأوّل فيتّبعونه.
الخصوصية الخامسة: الاختبار بالصيحة
فقد تقدّم في الأخبار السابقة وجود نداءين، النداء الأول سماوي ينادى فيه باسم القائم وأن الحق مع علي وشيعته، والثاني أرضي إبليسي، وقد أمرنا باتّباع الأول للنجاة من هذه الفتنة، والظفر في هذا الاختبار.
ولا بأس بالتنبيه على أن ما ذُكر من فرق بين عنواني النداء والصيحة الواردين في الروايات الشريفة محلّ نظر؛ إذ الظّاهر من الروايات الشريفة أنهما علامة واحدة.
- العلامة الثالثة: خروج اليماني
وسوف نتحدث - في المقام - حول خصوصيات اليماني إجمالاً، ونرجئ البحث التفصيلي حوله إلى حين تناولنا لدعاوى أدعياء المهدوية؛ فإنَّ إحداها - كما سيظهر - دعوى اليمانية، وهذا ما سيتطلب منّا البحث حوله بتفصيل وإسهاب، ونكتفي هنا بعرض خصوصيات ثلاث:
الخصوصية الأولى: منطلق حركته من اليمن
وهذا ما بيّنته الروايات المتعددة، فعن محمد بن مسلم الثقفي (رضوان الله تعالى عليه) قال: «سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول: القائم منا منصور بالرعب» ثم سأله محمد بن مسلم: «يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟» فأجابه (عليه السلام) بإجابة طويلة، جاء فيها: «وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن»(١٢٥).
وفي خبر عبيد بن زرارة، قال: «ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) السفياني فقال: أنى يخرج ذلك؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء؟!»(١٢٦).
الخصوصية الثانية: اقتران حركته بحركة السفياني.
ففي صحيح الأزدي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق.»(١٢٧)
والمتحصّل من ذلك: أن اليماني يمكن تمييزه من خلال خصوصيتين:
الخصوصية الأولى: خروجه من صنعاء اليمن، وسيأتي مزيد بحث حول هذه الخصوصية في بحوث الكتاب القادمة.
الخصوصية الثانية: اقتران حركته وانطلاقته بحركة السفياني من الشام، والخراساني من خراسان أو المشرق.
ولا عبرة بمن تتوفر فيه خصوصية دون الأخرى، بل لابد من اجتماعهما معاً.
الخصوصية الثالثة: راية اليماني أهدى الرايات
وقد أشارت روايات متعددة إلى أن راية اليماني هي أهدى الرايات، كصحيحة الأزدي - المتقدمة - عن الصادق (عليه السلام): «وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق».(١٢٨)
- العلامة الرابعة: قتل النفس الزكية
المستفاد من الروايات الشريفة أن النفس الزكية علوي من سلالة النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، واسمه محمد بن الحسن كما في رواية محمد بن مسلم - المتقدمة - عن الإمام الباقر (عليه السلام): «وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية»(١٢٩).
والظاهر بحسب بعض الروايات الشريفة أن هذه العلامة هي آخر علامات الظهور المبارك، ففي رواية صالح مولى بني العذراء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلا خمسة عشر ليلة»(١٣٠).
- العلامتان الخامسة والسادسة: الخسف بالبيداء وطلوع الشمس من المغرب
وهاتان العلامتان تكوينيتان لا تقبلان التلبيس أبداً، ولا يجوز الإذعان لأحد ولا مبايعته قبل تحققهما، فقد جاء ففي معتبرة جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «فينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء: يا بيداء، بيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم»(١٣١)
وفي معتبرة أبي حمزة الثمالي - المتقدم ذكرها - قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: «خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم»(١٣٢)
وبهذا يتم الكلام حول ما يرتبط بالمبحث الثالث من مباحث علامات الظهور.
المبحث الرابع: تحقيق في جريان البداء في العلامات المحتومة
وهذا مبحث مهم، وأساسه رواية داوود بن القاسم الجعفي قال: «قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟
قال: نعم.
قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم.
فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد»(١٣٣)
والسؤال الذي يُطرح هو: كيف نجمع بين كون العلامات الست التي تقدّم ذكرها من المحتوم كما نصت الروايات الصحيحة المتقدّمة، وبين هذه الرواية التي تنص على وقوع البداء فيها، وهو خلف كونها من المحتوم.
وبعبارة أخرى: إن المحتوم - كما هو الظاهر من لفظة لغةً وعرفاً - ما لا يتغيّر ولا يتبدّل، ووقوعه ضروري لا محالة كما تقدّم، بينما حقيقة البداء هي التغيير والتبديل، فكيف الجمع بين المفادين؟
الجواب عن ذلك:
وتوجد عندنا ثلاث إجابات عن هذا السؤال:
الجواب الأول: إمكان وقوع البداء في العلامات المحتومة.
وهو الذي ذهب إليه المحدّث النوري (أعلى الله مقامه) في كتابه النجم الثاقب، ويمكن تقريب ما ذهب إليه بمقدمتين:
المقدمة الأولى: أنَّ المراد من المحتوم ليس هو الضروري الوقوع والذي لا يقبل التغيير والتبديل، بل المراد من المحتومية هو المؤكد على نحو المبالغة.
المقدمة الثانية: أن مقتضى المبالغة في التأكيد على هذه العلامات هو قلة احتمالية وقوع البداء فيها، بخلافه في العلامات الموقوفة، ومن الواضح أنَّ قلّة احتمال وقوع البداء لا تتنافى مع وقوعه.
والنتيجة: أن البداء يُمكن أن يجري في العلامات المحتومة، ولا يوجب ذلك تعارض ما تقدّم من الأخبار، إذ ليس المقصود من الحتمية هو ضرورة الوقوع، بل المقصود أنها المؤكدة الوقوع والتي يكون احتمال البداء فيها أقل من احتماله في الموقوفة.
وبعبارة أخرى: إنَّ ملخص رأي المحدث النوري: أن حلّ التعارض بين الروايتين إنما يكون بحمل المحتومة على المبالغة في التأكيد، ولا ينافي ذلك احتمالية وقوع البداء فيها - كما هو مقتضى خبر داوود بن القاسم - إلا أنه أقل من وقوعه في غير المحتومة.(١٣٤)
الجواب الثاني: إمكان وقوع البداء في خصوصيات العلامة
وهو الذي ذهب إليه العلامة المجلسي (اعلى الله مقامه الشريف) في البحار، ويمكن تقريبه بمقدمتين أيضاً:
المقدمة الأولى: عدم إمكان رفع اليد عما نصّت عليه الروايات من محتومية تلك العلامات، والحتمي نصٌ في ضرورة الوقوع.
المقدمة الثانية: إنه لابدَّ من التفريق بين أصل العلامة، وبين خصوصياتها، فيقال: إنَّ الذي نصّت الروايات على حتميّته هو أصل تحقق العلامة، وأما الخصوصيات فلا حتمية فيها، فمثلاً:
أن أصل خروج السفياني من المحتوم، ولكن كون خروجه في رجب ليس كذلك، فهذه خصوصية يمكن أن يجري البداء فيها.
والنتيجة: أن البداء لا يجري في أصل العلامة، ولكنه يجري في خصوصيتها.
وبعبارة أخرى: أن مقتضى الجمع بين الروايتين هو حمل إمكان وقوع البداء على الخصوصيات لا أصل العلامة، ويبقى أصل العلامة محتوماً لا يمكن تغييره.(١٣٥)
وهذا الجواب في نفسه لا بأس به، ولكنه حمل للنص على خلاف ظاهره، فلا يصار إليه إلا مع عدم تمامية الأجوبة الأخرى.
الجواب الثالث: امتناع تحقق البداء في العلامات المحتومة.
وهذا هو الأوفق بالتحقيق، إذ هو ما تقتضيه قواعد الصنعة، ويمكن تقريبه ببيان ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الرواية محل البحث - أعني رواية داوود بن القاسم الجعفي المتحدّثة عن البداء - ضعيفة السند، ولا يوجد ما يعضد مضمونها أبداً، بمعنى أنها لا نظير لها في الروايات الشريفة، ولا يمكن حينئذ تعويلاً على هذه الرواية اليتيمة الشاذة رفع اليد عن ظهور الروايات الأخرى في أن تلك العلامات من المحتوم الذي لا يقبل التغيير والتبديل.
الأمر الثاني: مخالفتها للروايات الكثيرة المعتبرة سنداً، والواضحة دلالة، في أن المحتوم لا يقبل التغيير والتبديل، فهي معارضة بصحيحة عبد الملك بن أعين، قال: «كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عليه السلام)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلا ولا يكون سفياني.
فقال: لا والله إنه لمن المحتوم الذي لا بد منه»(١٣٦).
وبصحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة.
ثم قال (عليه السلام): أستغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه.»(١٣٧)
وبغيرها من الروايات الشريفة.
وتطبيقاً لقواعد الصنعة نقول: أن شرط وقوع التعارض بين الروايتين حجية كليهما، فلا معارضة لفاقد الحجية، والمقام من هذا القبيل، فرواية داوود بن أبي القاسم فاقدة لشرائط الحجية، فلا تصلح للمعارضة مع الصحاح.
الأمر الثالث: لزوم نقض الغرض من جعل العلامات، وقد تقدّم الحديث حول الغرض من جعلها عند بيان الملاكات الثلاثة لأهمية فقه علامات الظهور، ولا شك أنَّ وقوع البداء فيها ينقض ذلك الغرض، ونقض الغرض قبيح، والله تعالى منزه عنه.
وببيان هذه الأمور يتّضح لك الخلل فيما أفاده المحدث النوري، والعلامة المجلسي، قدس الله روحهما الزكيتين.
كلمة الختام: امتناع وقوع اللبس في العلامات الحتمية
مما يجدر الالتفات إليه في نهاية هذا البحث هو أنَّ العلامات الحتمية غير قابلة للتلبيس، ووجه الامتناع يقوم على أربع ركائز:
الركيزة الأولى: أن بعض العلامات المحتومة تكوينيةٌ، كخروج الشمس من المغرب والتكويني لا يُلَبَّس به.
الركيزة الثانية: حصول العلامات مجتمعةً.
أي أن هذه العلامات لا تحصل متفرقة في فترات متباعدة بحيث يمكن طروُّ نوع من التلبيس عليها، بل إنها تتحقق متقاربة، بل قد تتحقق في يوم واحد، كما هو الحال في خروج السفياني واليماني في سنة واحدة وشهر واحد ويوم واحد كما تقدّم.
الركيزة الثالثة: عالمية العلامات.
فإنَّ الذي جرى عليه المخطط الإلهي لهذه العلامات أن تكون أحداثاً عالميةً لا أحداثاً جزئية، وهذا هو مقتضى كونها علامةً لجميع أهل العالم المكلفين بالإيمان بإمامة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، إذ أن خصوصية العلامة هو قابليتها لهداية جميع المعنيين بها، لا أنها تكون لقسم خاص منهم، وإلا فلا معنى لجعلها علامة.
ويترتب على هذه الركيزة المهمة، عدم الإصغاء للدعوات السرية الملتوية التي تروّج لفلان وفلان على أساس أنهم المقصودون من هذه الروايات، إذ أنَّ هذا خلاف العلامية التي حقيقتها العالمية والعمومية.
الركيزة الرابعة: بيان دقائق العلامات.
وقد تقدّم بيانها مفصلاً حين بيان الخصوصيات لهذه العلامات.
فالحاصل: أن العلامات المحتومة الست - والتي عليها المعول - لا تقبل تلبيساً ولا إيهاماً.
أولاً: لكون بعضها تكوينياً.
وثانياً: لاشتراط الجامعية فيها.
وثالثاً: لكونها أحداثاً عالمية.
ورابعاً: لذكر دقائقها المانعة من تطبيقها على كل أحد.

الفصل الثالث: النيابة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

توطئة
من جملة البحوث الأساسية التي بحثها فقهاؤنا العظام في كتبهم الاستدلالية - وخصوصاً في المباحث المرتبطة بولاية الفقيه - بحث النيابة عن مولانا صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) في زمن الغيبة الكبرى.
ونحن في هذا الكتاب لن نتطرّق لما بحثه فقهاؤنا العظام هناك، بل سنكتفي بعرض ما يصلح أن يكون مقدمةً لمناقشة أدعياء المهدوية، ويتلخص ما نريد البحث حوله ضمن ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: معنى النيابة وأقسامها
النيابة لغةً تعني: قيام شخص مقام شخص آخر في أداء مهمة معينة أو مهام متعددة، ويشهد لذلك قول ابن منظور: «ونابَ عني فلانٌ يَنُوبُ نَوْباً ومَناباً أَي قام مقامي؛ ونابَ عَني في هذا الأَمْرِ نيابةً إِذا قام مقامَك»(١٣٨)
وليس مرادنا من النيابة غير ذلك، ولكننا نضيّق الدائرة في خصوص ما يرتبط بالقيام مقام إمام الزمان المهدي بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف)، فنقول هي: قيام شخص مقام الإمام صاحب العصر والزمان في حدود ما يسمح به الدليل.
ومن هنا، فإن النيابة عندنا معاشر الإمامية على قسمين:
القسم الأول: النيّابة الخاصّة.
القسم الثاني: النيّابة العامّة.
والفرق بينهما:
أن النيابة الخاصة: استنابة الإمام (عليه السلام) لشخص بخصوصه منصوص على اسمه وأوصافه ليقوم مقامه في شأن أو شؤون متعددة.
وأما النيابة العامة فهي: استنابة الإمام (عليه السلام) لشخص بوصفه ليقوم مقامه في شأن أو شؤون متعددة.
فجوهر الفرق بينهما هو: أن قوام النيابة الخاصة بالتنصيص العيني، بينما قوام النيابة العامة بانطباق الأوصاف على المعيّن ولا تنصيص فيها.(١٣٩)
إذا اتضح ذلك قلنا:
أجمع علماء الفرقة المحقة على أن النيابة الخاصة منحصرة في أربعة أشخاص، وهم المشائخ الأجلاء والأولياء الصلحاء المعروفون بالسفراء، وإليك أسماؤهم الشريفة:
الأول: الشيخ عثمان بن سعيد العمري (قده).
الثاني: ولده الشيخ محمد بن عثمان العمري (قده).
الثالث: الحسين بن روح النوبختي (قده).
الرابع: علي بن محمد السمري (قده).
وانقطعت بموت الأخير منهم قدس الله نفسه الزكية، في سنة ٣٢٩ هـ..
المبحث الثاني: أدلة انقطاع النيابة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى
ويمكن أن يستدل لانقطاع النيابة الخاصة بدليلين:
الدليل الأوّل: ضرورة المذهب
وهذا دليل واضح لا يحتاج إلى بيان، فإنك لو راجعت كلمات أعلام الطائفة (أعلى الله مقامهم) في جميع الأعصار، لوجدت هذه الحقيقة جلية واضحة كالشمس في كلماتهم الشريفة، ولكننا ابتلينا بزمان احتجنا فيه أن نوضح الواضحات، وندلل على المسائل وإن كانت من الضرورات، صيانةً لعقائد المؤمنين ودفعاً للشبهات.
وكيفما كان، فكلمات الأعلام في هذا الشأن كثيرة، إلا أننا نكتفي بنقل كلمة واحدة، تكشف عن كون مسألة انقطاع النيابة الخاصة من الضرورات في مذهبنا.
وهذه الكلمة المهمّة، نقلها شيخ الطائفة الطوسي، عن معلّم الشيعة الشيخ المفيد، عن الثقة الجليل علي بن بلال المهلبي، عن وجه الطائفة وشيخها بلا منازع في زمانه جعفر بن محمد بن قولويه (رضوان الله تعالى عليهم جميعاً) فيما قاله عن أبي دلف الكاتب: «فلعناه وبرئنا منه، لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل، وبالله التوفيق»(١٤٠)
ولم يعلّق الشيخ الطوسي والشيخ المفيد على قوله مما يعني إقرارهما له.
ووجه دلالة هذه الكلمة الشريفة على ما ذكرناه هو: حكم الشيعة بالكفر على مدعي السفارة، ولا وجه لهذا الحكم إلا كون المدعي قد أنكر ضرورياً من ضروريات المذهب، وقد قُرر أن المنكر للضروري إن كان ملتفتاً للملازمة بين إنكاره وتكذيب المعصوم فهو محكوم بالكفر، بل ظاهر كلمات الأعلام المتقدمين كفاية مطلق إنكار الضروري للحكم بكفر منكره.
والمهم عندنا هنا أننا قد أثبتنا من خلال هذا النص الخالد، الذي ينقله الأكابر عن الأكابر، أن ضرورة المذهب، وإجماع الفرقة المحقة قد قام على انقطاع النيابة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى.
الدليل الثاني: التوقيع الخارج لعلي بن محمد السمري (قدّس سره):
وهذا الدليل هو أهم الأدلة في المقام، ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ) وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»(١٤١).
وقد تلقّاه أعلام الطائفة بالقبول، ولم يغمز أحد منهم في سنده، بل عدّوا صدوره من المسلّمات.
ووجه دلالته على المطلوب يمكن استفادته من خلال فقرات ثلاث:
الفقرة الأولى: «فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية»
ودلالتها واضحة، إذ أن مقام علي بن محمد السمري هو مقام النيابة الخاصة عن مولانا الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، وقد أوصاه (عليه السلام) بجمع أمره، ونهاه عن الوصاية لأحد من بعده ليقوم هذا المقام، وعلّل ذلك بوقوع الغيبة الثانية وفي بعض النسخ (التامة)، وتعليل النهي بوقوع الغيبة كاشف عن عليّة الغيبة لامتناع هذا المقام على أحد فيها.
الفقرة الثانية: «فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)»
وهنا نكتة دقيقة، فدلالة هذه الفقرة على نفي السفارة والنيابة الخاصة يمكن تقريبه بتقديم مقدمتين:
المقدمة الأولى: أن الإمام صلوات الله وسلامه عليه له نحوان من الظهور:
النحو الأول: ظهور عام لجميع الناس.
النحو الثاني: ظهور خاص لنوابه فقط.
ولا يخفى أنَّ النحو الأول من الظهور فقد كان ثابتاً له (عليه السلام) منذ ولادته وحتى اختفائه عن أنظار الناس في الغيبة الصغرى، أي أنّه استمر لمدة خمس سنوات.
وأما النحو الثاني فهو الذي كان لخصوص سفرائه عند ابتداء الغيبة الصغرى حتى انتهائها.
المقدمة الثانية: أن الظهور المنفي في هذا التوقيع الشريف هو الظهور بالنحو الثاني لا الأوّل، إذ الأوّل منتفٍ بحسب الفرض، فنفيه يكون لغوا وتحصيلا للحاصل، وكلام المعصوم (عليه السلام) يجعل عنه.
وإذا كان الظهور الخاص المرتبط بالنّواب منفياً، فوجود النوّاب منفيٌ تبعاً له أيضاً، وبهذا يتمّ الاستدلال بهذه الفقرة على امتناع النيابة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى.
الفقرة الثالثة: «وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر»
وتقريب الاستدلال بها: أن المشاهدة إما يراد بها المشاهدة البصرية، وإما يراد بها النيابة الخاصة.
فإن أريد الثانية: ثبت المطلوب.
وإن أُريد الأولى، فالثانية منتفية بالأولوية، وثبت المطلوب أيضاً.
وعليه فالدلالة على المطلوب في كلتا الحالتين تامّة.
التوفيق بين مفاد التوقيع ورؤية بعض الأعلام للإمام (عجل الله فرجه الشريف)
ولكن بناءً على الأوّل تبرز عندنا إشكاليةٌ مفادها تكذيب الأعلام والثقات الذين نقلت لنا رؤيتهم لبقية الله الأعظم (عليه السلام) في زمن الغيبة الكبرى بالتواتر.
وهنا توجد عدّة أجوبة لدفع هذا الإشكال، ولكن قبل عرضها لابد أن يتّضح أنّ أعلامنا يقررون أن المراد من المشاهدة هاهنا هو إدعاء النيابة الخاصة لا المشاهدة البصرية.
ولكن عرضنا للأجوبة هو من باب دفع توهّم إرادة المعنى الأول ليس إلا.
الجواب الأوّل: أن المشاهدة بمعنى الرؤية القطعية اليقينية
وحاصله: أنَّ المراد من المشاهدة هاهنا ليس مطلق الرؤية، وإنما خصوص الرؤية القطعية اليقينية، وشاهد ذلك أنه لو أنّ شخصاً شك في رؤية الهلال فإنه لا يصح أن يُقال عنه أنه شاهده، وأما إذا قطع وتيقّن من مشاهدته له صحّ أن يُقال أنه شاهده.
وبناءً على ذلك: فسيرة علماء الطائفة لا تتنافى مع هذا التوقيع الشريف حتى يلزم تكذيبهم، إذ هم لا يقطعون ويجزمون بأن الذي رأوه هو الإمام المنتظر، وإنما يقولون من خلال القرائن والأمارات نحتمل أنه هو (بأبي هو وأمي)، فالتوقيع ينفي شيئاً، وما عليه علماء الطائفة شيء آخر، فينحل الإشكال.
ويرد عليه:
أن المشاهدة مأخوذةٌ من الفعل (شاهد) وليست مأخوذةً من الفعل (شهد)، ولذا تقول: شاهد مشاهدةً، وشهد شهادةً، وفرقٌ بين الإثنين.
فإن الذي أُخذ في دلالته القطع واليقين هو الفعل (شهد)، بينما دلالة (شاهد) أعم من ذلك، فتشمل اليقينية والظنية أيضاً.
الجواب الثاني: أن التكذيب لادعاء المشاهدة، لا للمشاهدة.
وحاصله: أن التكذيب في التوقيع الشريف متوجهٌ لمن يدّعي المشاهدة، لا لأصل المشاهدة، إذ أنه لم يقل: (وسيأتي شيعتي من يشاهد) وإنما قال: «وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة»، وهذا يستدعي الكلام في معنى الإدعاء.
فالإدّعاء: هو الإخبار الذي تتساوى فيه نسبة الصدق والكذب، كأن يكون فاقداً للبينة.
وبناءً على ذلك: فالتكذيب في التوقيع متوجه للمدعي الذي تتساوى نسبة الصدق والكذب في كلامه، وهذا لا ينطبق على علماء الطائفة العظام الذين نحرز ثقتهم وورعهم وتقواهم كأصحاب الكرامات مثل السيد بحر العلوم والمقدس الأردبيلي (رضوان الله تعالى عليهما)، فإنَّ نسبة الصدق هي الراجحة له ولأمثاله على أقل التقادير، إن لم نقل إنها فيهم يقينية.
وعليه: فالنص لا يشمل علماء الطائفة.
الجواب الثالث: المراد من المشاهدة هي النيابة الخاصة.
وأُشكل عليه بمخالفته للمتفاهم العرفي، إذ المتفاهم من المشاهدة هو الرؤية.
ويُجاب عنه أنَّ من المقرر في علم الأصول أن التمسّك بالمتفاهم العرفي لا يكون إلا عند انعدام القرينة، وأما عند وجودها فترفع اليد عن هذا الظهور البدوي، ويُمنع حمله عليه، بل يجب صرفه عن ظاهره.
وبما أن القرائن الصارفة موجودة في المقام - وتكفيك منها المذكورتان في الفقرتين الأوليين - فهذا يكفي لحمل اللفظ على النيابة الخاصة.
وما دام الكلام قد بلغ بنا إلى هذا المقام، فلا بأس أن نقف قليلاً عند مسألة إمكان رؤية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في زمن الغيبة الكبرى، ومعرفة الحق فيها.
رؤية الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) في زمن الغيبة الكبرى
والبحث حولها يقع في محورين:
المحور الأوّل: حقيقة الغيبة
لأجل الوقوف على حقيقة الغيبة لابدَّ من بيان أمرٍ مهمّ، وحاصله: أن الغيبة تُطلق ويُراد بها أحد أمرين:
الأمر الأوّل: الغيبة في قبال الحضور.
الأمر الثّاني: الغيبة في قبال الظهور.
ويُمكن بيان فرقين رئيسيين بينهما:
الفرق الأوّل: أن الغيبة في قبال الحضور تعني عدم التواجد، وبعبارة أخرى: أنه (عجل الله فرجه الشريف) ليس حاضراً ومتواجداً بين يدي شيعته، بل هو ناء عنهم، وأما الغيبة في قبال الظهور فهي تعني السرية والتكتم والاختفاء التام، أو قُل: هي حضوره صلوات الله وسلامه عليه بين شيعته مع اختفاء هويته وعنوانه، فهو تماماً كالشمس التي يغطيها السحاب، إذ هي حاضرة موجودة ولكنها محجوبة مستورة عن الأنظار.
الفرق الثّاني: إنه على التصوّر الأوّل يكون زمان انتهاء الغيبة بحضور الإمام بين يدي شيعته ومواليه، بينما على التصوّر الثّاني يكون زمان انتهائها ظهوره وكشفه عن هويّته صلوات الله وسلامه عليه.
تحديد المُراد من معنى الغيبة
والذي يظهر من الرّوايات الشريفة، أنّ المراد من الغيبة هو المعنى الثاني لا الأوّل، أي الغيبة في قبال الظّهور، وتدلّ على ذلك شواهد متعددة:
منها: ما جاء في كتابه للشيخ المفيد قدّس سره: «نحن وإن كنا نائين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء»(١٤٢).
ومنها: ما في دعاء الندبة: «بنفسي أنت من مغيب لم يخل منا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا»(١٤٣).
الثّمرة المعرفيّة المترتّبة على هذا الفرق
وما يهمّنا في هذا المستوى من البحث، أن نبيّن ثمرةً معرفيةً مهمّةً تترتّب على المُختار من معنى الغيبة - تاركين بقية الثمار إلى بحوث أخرى - وهي: امتناع وجود سفير أو نائب خاص لمولانا الأعظم (عجل الله فرجه الشريف)، أو وجود من يدّعي علاقة خاصّة به - كمن يدّعي أنه يتلقى أوامر أو نواهي خاصة منه صلوات الله وسلامه عليه ليوصلها للناس -، ووجه الامتناع: منافاة ذلك كلّه مع حقيقة الغيبة بمعناها المذكور، إذ أنَّ التكتم والتستر لا يتناسب مع بعث سفير ونائب وما شابه ذلك من أمور على خلاف التكتم والسريّة.
المحور الثاني: إمكان التشرف برؤية إمام العصر في عصر الغيبة الكبرى
قبل الشرّوع في البحث لابد من بيان تصوّرين لإمكان الرؤية واللقاء بولي الأمر (عجل الله فرجه الشريف):
التصوّر الأوّل: لقاؤه مع عدم معرفته صلوات الله وسلامه عليه، أي: بالنحو الذي لا يتنافى مع حقيقة الغيبة، والسريّة.
التصوّر الثاني: لقاؤه مع معرفته حال اللقاء، ولكنه أيضاً بالنحو الذي لا يتنافى مع سريّة الغيبة.
تحرير محلّ النزاع
ولا ينازع أحد في إمكان رؤية الإمام ولقائه بالنحو الأوّل، بل هو واقع بالاتفاق، فقد روى الشيخ الصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكّل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عثمان العمري (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) قال: «والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه»(١٤٤)، وهؤلاء كلهم من الأعلام الثقات والأجلاء العدول، بل هم أعيان الطائفة ووجهاؤها، وأما محمد بن عثمان العمري (رضوان الله تعالى عليهم) فهو نائب الإمام الخاص، فكل ما يُقال في حقه من الوثاقة والثناء فهو فوقه بلا ريب.
وإنما البعض قد ينازع - بل قد نازعوا فعلاً - في إمكان لقاء الإمام أرواحنا فداه بالنحو الثاني، فوُجد عندنا رأيان:
الرأي الأوّل: رأي مشهور علماء الطائفة، الذاهب إلى إمكان بل وقوع الرؤية واللقاء بالنحو المذكور.
الرّأي الثّاني: رأي شاذ يذهب إلى عدم إمكان رؤية الإمام مطلقاً في زمن الغيبة الكبرى.
ولذا فإن بحثنا حول هذا المحور يقع في جهات ثلاثة:
الجهة الأولى: أدلة المُثبتين
وجدير بالذكر أنَّ الذين أثبتوا إمكان الرؤية، بل وقوعها، هم أعاظم أعلام الطائفة، وإليك بعض كلماتهم:
قال السيّد المرتضى قدّس سره: «نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به، ومن لا يصل إليه منهم ولا يلقاه من شيعته ومعتقدي إمامته، فهم ينتفعون به في حال الغيبة»(١٤٥).
وقال شيخ الطائفة قدّس سره: «إنا أولاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم»(١٤٦).
وقال السيّد عبد الله شبّر قدّس سره: «فقد استفاضت الأخبار وتظافرت الآثار عن جمع كثير من الثقات الأبرار من المتقدمين والمتأخرين ممن رأوه وشاهدوه في الغيبة الكبرى وقد عقد لها المحدثون في كتبهم أبوابا على حدة وسيما العلامة المجلسي رضي الله عنه في البحار»(١٤٧).
وقد عقد العلامة المجلسي قدّس سره - كما ذكر السيد شبّر - باباً كاملاً في البحار سمّاه «باب نادر في ذكر من رآه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى قريبا من زماننا»(١٤٨).
وقد صنّف عدد من الأعلام مصنفات مستقلة في هذا الشأن، كالمحدّث السيد هاشم البحراني قدّس سره صاحب كتاب «تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي»، والمحدث الخبير الميرزا النوري قدّس سره صاحب كتاب «جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة (عليه السلام) أو معجزته في الغيبة الكبرى».
وأمّا الأدلّة على وقوع اللقاء المبارك، فيُمكن لنا أن نذكر دليلين:
الدليل الأوّل: تواتر الرّؤية.
وهذا الدّليل من الوضوح بمكان، بحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان، فحسبك الروايات المسندة المنقولة عن الأكابر والثقات، والتي بلغت من الكثرة حداً جاوز التواتر، ويكفيك أن تراجع كتاب (النجم الثاقب في أحوال الحجة الغائب) للمحدث النوري قدّس سره حيث نقل هناك مئة حكاية وقصة مُسندة لأشخاص تشرفوا بلقاء الإمام صلوات الله وسلامه عليه.
ولكنّ البعض قد أشكل على هذا التواتر بما خلاصته: أنّ مجرد تواتر قصص وحكايات لا مستند لها، فلا ينبغي التعويل عليها.
ولكن هذا الإشكال موهون بما أفاده المحدّث النوري قدّس سره حيث قال: «وأمّا أولئك الذين نقلنا عنهم مباشرة أو بواسطة فإنّ أغلبهم من العلماء والأبرار والصلحاء الأخيار، وأقل ما نلاحظه فيمن ننقل عنهم هنا الصدق والتديّن ; فلم ننقل هنا كل ما سمعناه عن أي كان، بل انهم جميعاً يشتركون - بعون الله تعالى - بالصدق، والوثاقة، وان كثيراً منهم أصحاب مقامات عالية، وكرامات باهرة.
وبما أنّ أولئك الأشخاص الذين حصلوا على تلك اللقاءات كانوا أحياءً فيستخبر ويستعلم عن حالهم; فإذا كان ريب وشك في سويداء قلب أحد - والعياذ بالله - فذلك يكون بمجالسة الأشقياء والمغفلين بالدين والمذهب فيلزم أولئك أن يفحصوا ويفتشوا، وسوف يظهر لهم ويتّضح - بعون الله تعالى - بأقل حركة وجهد; فانّ وجود تلك الذات المقدّسة مثل الشمس إذا ظللها السحاب ويعلم ويرى، فهو عالم وعارف بحاله وحال جميع رعاياه، ويغيث المضطرين عندما يرى المصلحة في ذلك، وينجي من المهالك والمزالق، وكلّما يريده فهو تحت يده المباركة، وقدرته الإلهية ومعدة في خزينة أمره».(١٤٩)
ومحصّل كلامه قدّس سره: أنه لم ينقل من الحكايات كل ما تناهى إلى سمعه الشريف، بل تعمد النقل عن الصلحاء والأبرار المعروفين بالصدق والتدين، وأن كثيراً منهم من أصحاب المقامات العالية، ولذا قال: إن من يشك فيما ينقلونه فهو ممن تربع الشك في سويداء قلبه، لمجالسته الأشقياء والمغفلين الذين لا يدركون شؤون الدين والمذهب الشريف.
الدليل الثّاني: النصوص الشريفة.
ومنها: صحيحة إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه»(١٥٠).
وإذا كانت هذه الرواية قد أتاحت رؤيته حتى في مكانه لخاصة مواليه - والمحتمل إرادة الشيعة بهم، لا خصوص من يتشرفون بخدمته - فهي تتيح رؤيته في غير مكانه بالأولوية.
وفي معتبرة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولابد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة»(١٥١).
وقد علّق عليها المحدّث النوري قدّس سره بقوله: «يعني يستأنس (عليه السلام) في غيبته بثلاثين نفر من أوليائه وشيعته، فلا يستوحش من الخلق في عزلته، كما فهمه شارحو الأحاديث من هذه العبارة»(١٥٢).
وعلّق عليها المولى المجلسي قدّس سره بقوله: «وظاهر الخبر كما صرح به شراح الأحاديث أنه (عليه السلام) يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته، وقيل: إن المراد أنه على هيئة من سنه ثلاثون أبدا وما في هذا السن وحشة وهذا المعنى بمكان من البعد والغرابة، وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام (عليه السلام) في غيبته لا بد أن يتبادلوا في كل قرن إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم (عليه السلام) ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه»(١٥٣)
الجهة الثانية: أدلّة المانعين
عُمدة ما استدلوا به هو ما ورد في التوقيع الشريف: «وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»(١٥٤).
وتقريب الاستدلال به: أن ظاهر الرواية هو امتناع المشاهدة وهي ظاهرة في الرؤية البصرية الحسية، وظهوره في الامتناع بقرينة تكذيبه مدعيها، إذ لو كانت الرؤية ممكنة الوقوع لما كان هنالك معنى لتكذيب المدّعي، فإنَّ معنى التكذيب لا يعني سوى عدم مطابقة ادعائه (وهو الرؤية) للواقع.
الجهة الثالثة: مناقشة أدلّة المانعين
وما أفادوه محل نظر واضح، إذ أنَّ التمسّك بالظاهر من التوقيع الشريف يمنع منه مانعان، عقلي وشرعي، فوجب رفع اليد عن هذا الظّهور وتأويله، وبيان ذلك:
أنَّ هنالك ثمة مانع شرعيّ يحول دون التمسّك بهذا الظّهور، وهو ما تقدّم من النصوص المعتبرة الدالّة على وقوع اللقاء والاجتماع بين بقية الله الأعظم (عجل الله فرجه الشريف) خواص مواليه، كما يوجد مانع عقليّ أيضاً وهو التواتر القطعي بوقوع الرؤية لبعض الأكابر من الأعلام والصالحين والمتقين.
وعليه فلابد - وفقاً لقواعد الصنعة - من رفع اليد عن هذا الظاهر، وتأويله تأويلاً يناسب المقام، وهو ما صنعه علماؤنا الأعلام، إلا أنهم اختلفوا في تأويله على وجوه ثلاثة قد تقدّم ذكرها قريباً فراجع.
عودة إلى توقيع السمري ودفع الاشكالات عنه
ذكرنا سابقاً: أن الدليل الثاني على انقطاع النيابة الخاصة هو توقيع السفير السمري، ونظراً لأهميته فقد أثار المدعو أحمد بن إسماعيل حوله عدّة إشكالات، وقد رأيتُ من النافع دحضها، وبيان اشتباهات صاحبها، وإليكها أربعة كاملة:
الإشكال الأول: أنَّ الأصحاب أعرضوا عنه وتركوه منذ زمن بعيد(١٥٥)
جواب الإشكال الأول:
وقبل التصدي للإجابة عن إشكاله يجدر عرض كلام سماحة الحجة المحقق السيد محمد تقي الأصفهاني (قده)، حيث يقول متحدثاً عن التوقيع المبارك: "أنَّ علماءنا من زمن الصدوق (رضي الله عنه) إلى زماننا هذا استندوا إليه، واعتمدوا عليه ولم يناقش ولم يتأمل أحد منهم في اعتباره، كما لا يخفى على من له أنس وتتبع في كلماتهم ومصنفاتهم"(١٥٦).
وعلى ضوء كلام هذا العَلَم الجليل أقول: لا أدري ما الذي قصده المدعو أحمد الحسن من إعراض الأصحاب عن التوقيع الشريف وتركهم له؟ هل قصد بذلك تركهم لنقله وروايته؟ أم قصد إعراضهم عن العمل به؟
إن كان قد قصد الأول، فهذا ينمُّ عن جهل كبير بمجاميع الحديث عند الإمامية؛ ولا بأس أن نسوق قائمة بأسماء بعض مَن رووا هذا التوقيع المبارك، من غير بناءٍ على الاستقراء التام والاستقصاء المستوفى، وإليكها:
قائمة بأسماء العلماء الذين رووا توقيع السمري:
• الشيخ الصدوق قدّس سره - المتوفى سنة ٣٨١ هـ - في كتابه: (كمال الدين وإتمام النعمة)(١٥٧).
• الشيخ الطوسي قدّس سره - المتوفى سنة ٤٦٠ هـ - في كتابه الشريف: (الغيبة)(١٥٨).
• الشيخ الطبرسي قدّس سره - المتوفى سنة ٥٤٨ هـ - في كتبهِ الجليلة: (الاحتجاج) و(إعلام الورى) و(تاج المواليد)(١٥٩).
• الشيخ ابن حمزة الطوسي قدّس سره - المتوفى سنة ٥٦٠ هـ - في كتابه الشريف: (الثاقب في المناقب)(١٦٠).
• الشيخ قطب الدين الراوندي قدّس سره - المتوفى سنة ٥٧٣ هـ - في كتابهِ: (الخرائج والجرائح)(١٦١).
• السيد ابن طاووس قدّس سره - المتوفى سنة ٦٦٤ هـ - في كتابه (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف)(١٦٢).
• الشيخ علي بن عيسى الأربلي قدّس سره - المتوفى سنة ٦٩٣ هـ - في كتابه الشريف: (كشف الغمة في معرفة الأئمة)(١٦٣).
• الشيخ عماد الدين الطبري قدّس سره - المتوفى بعد سنة ٦٨٩ هـ - في كتابه النفيس: (أسرار الإمامة)(١٦٤).
• السيد بهاء الدين النجفي قدّس سره - المتوفى سنة ٨٠٣ هـ - في كتابه القيّم: (منتخب الأنوار المضيئة)(١٦٥).
• الشيخ العاملي النباطي البياضي قدّس سره - المتوفى سنة ٨٧٧ هـ - في (الصراط المستقيم)(١٦٦).
• المقدس الأردبيلي قدّس سره - المتوفى سنة ٩٩٣ هـ - في (حديقة الشيعة)(١٦٧).
• الشهيد الثالث القاضي التستري قدّس سره - المتوفى سنة ١٠١٩ هـ - في (مجالس المؤمنين)(١٦٨).
• الشيخ الفيض الكاشاني قدّس سره - المتوفى سنة ١٠٩٠ هـ - في (نوادر الأخبار)(١٦٩).
• الشيخ الحرّ العاملي قدّس سره - المتوفى سنة ١١٠٤ هـ - في كتابيه (إثبات الهداة) و(هداية الأمة)(١٧٠).
• السيد هاشم البحراني قدّس سره - المتوفى سنة ١١٠٧ هـ - في كتابه (مدينةالمعاجز)(١٧١).
• العلامة المجلسي قدّس سره - المتوفى سنة ١١١١ هـ - في موسوعته الكبرى (بحار الأنوار)(١٧٢).
• السيد نعمة الله الجزائري قدّس سره - المتوفى سنة ١١١٧ هـ - في كتابه (رياض الأبرار)(١٧٣).
• الشيخ سليمان الماحوزي قدّس سره - المتوفى سنة ١١٢١ هـ - في (كتاب الأربعين)(١٧٤).
• الشيخ عناية الله القهبائي قدّس سره - المتوفى سنة ١١٢٦ هـ - في (مجمع الرجال)(١٧٥).
• الشيخ محمد إسماعيل الخاجوئي قدّس سره - المتوفى سنة ١١٧٣ هـ - في (الرسائل الفقهية)(١٧٦).
• السيد عبد الله آل شبر قدّس سره - المتوفى سنة ١٢٢٠ هـ - في (الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة)(١٧٧) و(حق اليقين)(١٧٨) و(جلاء العيون)(١٧٩).
• السيد محسن الأعرجي الكاظمي قدّس سره - المتوفى سنة ١٢٢٧ هـ - في (عدة الرجال)(١٨٠).
• المولى الشيخ أحمد النراقي قدّس سره - المتوفى سنة ١٢٤٥ هـ - في (رسائل ومسائل)(١٨١).
• الشيخ آغا محمود البهبهاني قدّس سره - المتوفى سنة ١٢٦٩ هـ - في كتابه (تحفة السلاطين)(١٨٢).
• الشيخ الميرزا حسين النوري قدّس سره - المتوفى سنة ١٣٢٠ - في كتابه (النجم الثاقب)(١٨٣).
• الشيخ علي العلياري التبريزي قدّس سره - المتوفى سنة ١٣٢٧ هـ - في (بهجة الآمال)(١٨٤).
• الميرزا محمد تقي الأصفهاني قدّس سره - المتوفى سنة ١٣٤٨ هـ - في كتابه (مكيال المكارم)(١٨٥).
• الشيخ عبد الله المامقاني قدّس سره - المتوفى سنة ١٣٥١ هـ - في (الفوائد الرجالية)(١٨٦).
• الشيخ عباس القمي قدّس سره - المتوفى سنة ١٣٥٩ هـ - في (منتهى الآمال)(١٨٧) و(الكنى والألقاب)(١٨٨).
• السيد محسن الأمين العاملي قدّس سره - المتوفى سنة ١٣٧١ ه - في موسوعته (أعيان الشيعة)(١٨٩) و(المجالس السنيّة)(١٩٠).
وإن كانَ قد قصد الثاني، فيوهنه أنَّ سيرة الطائفة كلها - مِن بداية الغيبة إلى الآن - مستمرة على العمل بمضمون التوقيع الشريف، والاعتقاد بانقطاع السفارة والنيابة الخاصة.
وإليك بعض كلماتهم الشريفة(١٩١):
كلمات أعلام القرنين الثالث والرابع
• قال الشيخ أبو زينب النعماني قدّس سره (ت ٣٦٠): (وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبد الله بن سنان - " كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علَمَاً يرى " دلالة على ما جرى، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السلام) وبين الشيعة، مِن ارتفاع أعيانهم، وانقطاع نظامهم، لأنَّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العَلَم، فلما تمت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام، ولا تُرى حتى يظهر صاحب الحق (عليه السلام)، ووقعت الحيرة التي ذكرت، وآذننا بها أولياء الله، وصح أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل، نسأل الله أن يزيدنا بصيرة وهدى، ويوفقنا لما يرضيه برحمته)(١٩٢).
• وقال في موضعٍ آخر: (فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين، موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم، والأجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرمت مدتها.
والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدعي هذا الأمر، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب)، وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحق، وممن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا: "له غيبتان "، ونحن في الأخيرة نسأل الله أن يقرب فرج أوليائه منها، ويجعلنا في حيز خيرته، وجملة التابعين لصفوته، ومن خيار من ارتضاه وانتجبه لنصرة وليه وخليفته، فإنه ولي الإحسان، جواد منان)(١٩٣).
• وقال الشيخ ابن بابويه القمي قدّس سره (ت ٣٦٨) - كما حكى عنه شيخ الطائفة الطوسي، نقلاً عن الشيخ المفيد، نقلاً عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي (قدهم) -: (أما أبو دلف الكاتب - لا حاطه الله - فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو، ثم جن وسلسل، ثم صار مفوضاً، وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به.
وقد كنا وجهنا إلى أبي بكر البغدادي لما ادعى له هذا ما ادعاه، فأنكر ذلك وحلف عليه، فقبلنا ذلك منه، فلما دخل بغداد مال إليه وعدل عن الطائفة وأوصى إليه، لم نشك أنه على مذهبه، فلعناه وبرئنا منه، لأنَّ عندنا أن كل من ادعى الامر بعد السمري رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل، وبالله التوفيق)(١٩٤).
كلمات أعلام القرنين الرابع والخامس
• قال الشيخ المفيد قدّس سره (ت ٤١٣): (وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة. وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف)(١٩٥).
• وقال الشيخ أبو الفتح الكراجكي قدّس سره (ت ٤٤٩): (قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه، فأما الذي يجب أن يفعله اليوم المسترشدون، ويعوّل عليه المستفيدون، فهو الرجوع إلى الفقهاء من شيعة الأئمة، وسؤالهم في الحادثات عن الأحكام، والأخذ بفتاويهم في الحلال والحرام، فهم الوسائط بين الرعية وصاحب الزمان (عليه السلام)، والمستودعون أحكام شريعة الإسلام، ولم يكن الله تعالى يبيح لحجته " صلى الله عليه " الاستتار إلا وقد أوجد للأمة من فقه آبائه (عليهم السلام) ما تنقطع به الأعذار)(١٩٦).
• وقال الشيخ الطوسي قدّس سره (ت ٤٦٠): (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري، بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب.
إلى أن قال: وأخبرنا جماعة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره، فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك... قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه(١٩٧)، وقضى. فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه)(١٩٨).
كلمات أعلام القرن الخامس
• وقال الشيخ عبيد الله الأسدآبادي قدّس سره - من أعلام القرن الخامس -: (عثمان بن سعيد العمريّ... وكانت الشيعة تقصده من كلّ بلد بقصص وحوائج، وكانت الأجوبة تخرج إليهم على يده. فلمّا دنت وفاته جمع من كان بقي من شيوخ الشيعة، وأخبرهم أنّه ميت، وأنّ صاحب الأمر (عليه السلام) قد أمره أن ينصّ على ولده أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمريّ، فمن كانت له حاجة قصده، وتوفّي رحمه اللّه، وهو أوّل أبواب صاحب الأمر (عليه السلام)، وكانت الشيعة يأتونه من كلّ بلد سحيق، وفجّ عميق، وكانت الأجوبة تخرج إليهم على يده.
فلمّا حضرته الوفاة خبّر الشيخ الشيعة أنّه مقبوض، وأنّه قد أمر بأن يقيم أبا القاسم الحسين بن روح النّوبختي مقامه، وكان النّوبختي كاتب عثمان ابن سعيد؛ وقال: فمن كانت له حاجة قصده، وتوفّي رحمه اللّه، وهو الباب الثاني من أبواب صاحب الأمر (عليه السلام).
فلمّا حضرته الوفاة، جمع شيوخ الشيعة وعرّفهم موته، وأنّه قد أمر أن يقيم أبا الحسن عليّ بن محمّد بن سهل السّمريّ مقامه، فمن كانت له حاجة قصده، وتوفّي النوبختي رحمه اللّه، وكان الباب الثالث من أبواب صاحب الأمر (عليه السلام)، وكانت الشيعة تختلف إليه وتقصده.
فلمّا حضرته الوفاة اجتمع إليه من كان بقي من شيوخ الشيعة، وقالوا له: عرّفنا من لنا بعدك؟ فلم يجبهم عن كلامهم، فلمّا طال خطابهم، وتكرّر مرّة بعد ثانية، قال لهم: ما أمرت بشي ء، وليس بعدي باب يقصد، وذكّرهم الخبر المأثور عن الأئمّة (عليهم السلام) " أنّ اللّه تعالى إذا أراد إظهار صاحب الأمر ستر أبوابه "، فاعترفوا بالخبر وصحّته، ثمّ قال: والأمر قريب.
ولو كان الأبواب المقصود باختيار الشيعة لم تنقطع إلى وقت ظهور صاحب الأمر (عليه السلام)، فعلم أنّ من تقدّم من الأبواب كان بنصّ من صاحب الأمر (عليه السلام) على واحد واحد)(١٩٩).
کلمات أعلام القرنين الخامس والسادس
• قال الشيخ الطبرسي قدّس سره (ت ٥٤٨): (وأما الأبواب المرضيون، والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة، فأولهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو (عثمان) بن سعيد العمري. نصبه أولاً أبو الحسن علي بن محمد العسكري، ثم ابنه أبو محمد الحسن، فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما (عليهما السلام)، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان (عليه السلام)، وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه. فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميع ذلك، فلما مضى هو، قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت، فلما مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري.
ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر (عليه السلام)، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السلام)، تدل على صدق مقالتهم، وصحة بابيتهم.
فلما حان سفر أبي الحسن السمري من الدنيا وقرب أجله قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري...)(٢٠٠).
• وقال قدّس سره في كتابٍ آخر: (وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت به الاخبار عن آبائه الصادقين (عليهم السلام)، فأما الغيبة الصغرى فمنذ ولد صلوات الله عليه إلى أن قطعت السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى، وفي آخرهما يقوم بالسيف صلوات الله عليه)(٢٠١).
• وقال قدّس سره في ثالث: (فانظر كيف قد حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده (عليهم السلام)، أما غيبته الصغرى منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه (عليه السلام) موجودين، وأبوابه معروفين، لا تختلف الامامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم، فمنهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمد بن علي ابن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمان، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد بن إبراهيم، في جماعة أخر ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم(٢٠٢).
وكانت مدة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه باباً لأبيه وجده (عليهما السلام) من قبل وثقة لهما، ثم تولى الباقية من قبله، وظهرت المعجزات على يده، ولما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد مقامه رحمهما الله بنصه عليه، ومضى على منهاج أبيه رضي الله عنه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة، وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص أبي جعفر محمد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه، ومات رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري بنص أبي القاسم عليه، وتوفي في النصف من شعبان سنه ثمان وعشرين وثلاثمائة.
فروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها علي بن محمد السمري، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك... ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها، والفرج يكون في آخرها بمشيئة الله تعالى)(٢٠٣).
كلمات أعلام القرن السادس
• قال الشيخ قطب الدين الراوندي قدّس سره (ت ٥٧٣): "وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى النواب المنصوبين بها، وتخرج من عندهم التوقيعات، وكانت توجد العلامات والدلالات على أيديهم.
أولهم: [وكيل أبي محمد (عليه السلام)] الشيخ عثمان بن سعيد العمري.
ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان.
ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري.
ثم كانت الغيبة الطولى، وكانوا - كل واحد منهم - يعرفون كمية المال جملة وتفصيلا، ويسمون أربابها باعلامهم ذلك من القائم (عليه السلام))(٢٠٤).
كلمات أعلام القرن السابع
• قال السيد ابن طاووس قدّس سره (ت ٦٦٤): (ولما بلغ الأمر إلى علي بن محمد السمري ذكر أن المهدي (ع) قد عرفه أن ينتقل إلى الله، وكشف له عن يوم وفاته، وأنه قد تقدم إليه أن لا يوكل أحداً غيره، وأن قد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن فيها المؤمنون)(٢٠٥).
• وقال الشيخ ابن أبي الفتح الأربلي قدّس سره (ت ٦٩٣): (وهو صاحب السيف من أئمة الهدى (عليهم السلام)، والقائم بالحق والمنتظر لدولة الإيمان، وله قبل غيبتان، أحدهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الاخبار، فاما القصرى فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى، وفى آخرها يقوم بالسيف)(٢٠٦).
• وقال الشيخ عماد الدين الطبري قدّس سره (بعد ٦٩٨): (وكانت له غيبتان، وكان أربعاً وسبعين سنة بينه وبين شيعته المراسلة والسفارة، ويراه الثقات بالسفارة، وكانت للسّفَرة معجزات دالة على صدقهم، والسفراء كانوا أربعة... وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري... ومات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ووقعت بعدها الغيبة الثانية، وهي أطولهما وأتمهما)(٢٠٧).
كلمات أعلام القرنين السابع والثامن
• قال العلامة الحلي قدّس سره (ت ٧٢٦): (محمد بن عثمان بن سعيد العمري - بفتح العين - الأسدي، يكنى أبا جعفر، وأبوه يكنى أبا عمرو، جميعا وكيلان في خدمة صاحب الزمان (عليه السلام)، ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة، وكان محمد قد حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج، فسئل عن ذلك فقال: للناس أسباب، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت ان أجمع أمري، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادي الأولى سنة خمس وثلاثمائة، وقيل: سنة أربع وثلاثمائة، وكان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة، وقال عند موته: أمرت ان أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى إليه، وأوصى أبو القاسم ابن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري، فلما حضرت السمري الوفاة سئل ان يوصي، فقال: لله امر هو بالغه، والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري)(٢٠٨).
وقال في كتابٍ آخر: (وهو صاحب السيف من أئمة الهدى (عليهم السلام)، والقائم بالحق المنتظر لدولة الايمان، وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، فاما القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، واما الطولى فهي بعد الأولى وفى اخرها يقوم بالسيف)(٢٠٩).
• وقال الشيخ تقي الدين بن داود الحلي قدّس سره (ت ٧٤٠): (محمد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنى أبا جعفر، وأبوه يكنى أبا عمرو، جميعا وكيلان من جهة صاحب الزمان (عليه السلام)، ولهما منزلة عظيمة جليلة عند الطائفة، كان محمد قد حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج، فسئل عن ذلك فقال: للناس أسباب، ثم سئل بعد ذلك فقال: قد أمرت أن أجمع أمري، فمات بعد ذلك بشهرين في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة، وقيل: سنة أربع وثلاثمائة، وقال عند موته! امرت أن أوصي إلى أبي القاسم بن روح، وأوصى إليه، وأوصى أبو القاسم ابن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه. والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد السمري)(٢١٠).
كلمات أعلام القرنين الثامن والتاسع
• قال الشيخ المقداد السيوري قدّس سره (ت ٨٢٦): (وكان له نوّاب يصدر الأمر منهم عنه (عليه السلام)، ثمّ إنّه بعد ذلك غاب واستتر وانقطعت تلك السفارة والمشاهدة له (عليه السلام))(٢١١).
• وقال ابن الصباغ المالكي المكي - من علماء المالكية - (ت ٨٥٥): (وله قبل قيامه غَيبتان: إحداهما أطول من الأُخرى، فأمّا الأُولى فهي القُصرى منهما، فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وأمّا الثانية فهي الّتي بعد الأُولى وفي آخرها يقوم بالسيف)(٢١٢).
كلمات أعلام القرن التاسع
• قال الشيخ العاملي النباطي البياضي قدّس سره (ت ٨٧٧): (وأخبر (عليه السلام) السمري بيوم موته، وأمره أن لا يوكّل أحداً من بعده، فقد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن الله فيها المؤمنين، والغيبة سنة الله في عباده، تشهد كتب التواريخ بها)(٢١٣).
كلمات أعلام القرن العاشر
• قال الشهيد الثاني قدّس سره (ت ٩٦٦): (إلى أنْ انتهى الأمر إلى صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه وعجّل الله فرجه، واقتضت المصلحةُ الإلهيّةُ والحِكمة الخَفِيّةُ اختفاءه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فنصب نائباً بعد نائب للتوسّط بينه وبين الرعايا في تبليغ الحكم، ثمّ انقرضوا بانقراض آخرهم، وهو عليّ بن محمد السمري، فانقطعت الواسطة، وتعذّر الوصول إليه (عليه السلام)).(٢١٤)
كلمات أعلام القرنين العاشر والحادي عشر
• قال القاضي التستري قدّس سره (ت ١٠١٩): (والفرق بين الغيبتين هو أنَّ في الصغرى يتم اتصال السفراء والوكلاء وصالحي الأمة لإيصال التوقيعات والأوامر التي تجب إطاعتها، وأما في الكبرى فإنَّ الاتصال قد انقطع به)(٢١٥).
كلمات أعلام القرن الحادي عشر
• قال الشيخ عبد الرزاق اللاهيجي قدّس سره (ت ١٠٥١ أو ١٠٧٢): (آن حضرت را در وقت غيبت صغرى؛ وكلاء جليل القدر بوده اند ظاهر ومعروف باسمائهم وأنسابهم وأوطانهم كه خبر مى دادند از آن حضرت به معجزات وكرامات وجواب مشكلات مانند: عثمان بن سعيد العمري، وأبي جعفر محمّد بن عثمان، وقاسم بن الحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمّد السّمري، وكان كلّما قربت وفاة أحد منهم عيّن (عليه السلام) من يقوم مقامه بآيات وكرامات شاهده بتصديق ذلك. وچون نوبت وكالت به على بن محمّد السمرى رسيده خبر داد كه حضرت صاحب وى را خبر داده به موت وى وتعيين روز وفات، وفرمود كه كسى را وكيل نكند كه وقت غيبت كبرى رسيده ودر اين غيبت امتحان خواهد كرد خداى تعالى مؤمنان را)(٢١٦).
• وقال الشيخ المجلسي الأول قدّس سره (ت ١٠٧٠): (نوابه الأربعة، وهم: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وهو أول من نصبه أبو محمد الحسن العسكري صلوات الله عليه، ثمَّ على - ابنه - محمد بن عثمان أبو جعفر مع نص أبيه عليه، فلما حضره الوفاة واشتد حاله حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة، منهم: أبو علي بن همام وأبو عبد الله بن محمد الكاتب وأبو عبد الله الباقطاني وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو عبد الله بن أبي خيار وغيرهم من وجوه الأكابر، فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم، الحسين بن روح النوبختي القائم مقامي والسفير بيني وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا في أموركم إليه وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت، ثمَّ أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري، فلما حضرته الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمر هو بالغه، وهو الغيبة الكبرى)(٢١٧).
• وقال الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي قدّس سره (ت ١٠٧٦): (ثم استتر الحجة (ع) لشدة الخوف، ووقعت الغيبة الكبرى التي أخبر بها جده (ص) وآباؤه (ع)، وانقطعت السفارة بينه وبين الشيعة بعد أن أخذوا عنه وعن آبائه (ع) ما يحتاجون إليه من أمور الدين، وألفوا فيها الكتب، وخرج الأمر إليهم منه (ع) بالرجوع إلى رواة أحاديثهم في زمن الغيبة، وكان من لطف اللّه سبحانه بعباده أنه كما لا تخلو الأرض من حجة؛ كذلك لا تخلو من عالم حافظ لحديث آل محمد (عليهم السلام) في حال الغيبة)(٢١٨).
• وقال الشيخ الفيض الكاشاني قدّس سره (ت ١٠٩١): (وأما الغيبة الأولى: فكان له (عليه السلام) فيها سفراء تخرج إلى شيعته بأيديهم توقيعات، وكان أولهم الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي اللَّه عنه، فلما مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي اللَّه عنهم، فلما حضرت السمري رضي اللَّه عنه الوفاة سئل أن يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، فالغيبة الكبرى هي التي وقعت بعد مضي السمري رضي اللَّه عنه)(٢١٩).
• وقال في كتابٍ آخر: (وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأخرى - كما جاءت بذلك الأخبار - فأمّا القصرى فمنذ وقت ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأمّا الطولى فهي بعد الاولى، وفي آخرها يقوم بالسيف)(٢٢٠).
• وقال في كتابٍ ثالث: (ثم لما انقضت مدة أئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم، وانقطعت السفراء ‌بينهم وبين شيعتهم، وطالت الغيبة...)(٢٢١).
• وقال في كتابٍ رابع: (ونصّ أبوه عليه (عليهما السلام) عند ثقاته وخاصّته وشيعته، وكان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده، وبدولته مستفيضا قبل غيبته، وإحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، فأمّا القصرى فمنذ وقت ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة، وأمّا الطولى فهي بعد الأولى في آخرها يقوم بالسيف)(٢٢٢).
کلمات أعلام القرنين الحادي والثاني عشر:
• قال الشيخ الحرّ العاملي قدّس سره (ت ١١٠٤): (أمّا سفراء المهديّ (عليه السلام)... فأوّلهم.. الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ... فلمّا مات أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ، فلمّا حضرت السمريّ رضي اللَّه عنه الوفاة سئل أن يوصي، فقال: للَّه أمر هو بالغه، فوقعت الغيبة التامّة.
ومضى أبو الحسن السمريّ سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وخرج إليه قبل موته توقيع فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمريّ، أعظم اللَّه أجر إخوانك فيك... فلمّا كان اليوم السادس توفّي رحمه اللَّه، فهؤلاء الأبواب الأربعة)(٢٢٣).
• وقال السيد هاشم البحراني (ت ١١٠٧) ناقلاً كلام الشيخ المفيد قُدّس سرهما: (وهو صاحب السيف من أئمة الهدى " (عليهم السلام) "، والقائم بالحق المنتظر لدولة الايمان، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الاخبار، فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده " (عليه السلام) " إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى، وفي آخرها يقوم بالسيف)(٢٢٤).
• وقال العلامة المجلسي قدّس سره (ت ١١١١): (وتناثر النجوم لكثرة فوت العلماء؛ ولذا سموا ابتداء الغيبة الكبرى سنة تناثر النجوم، لفوت كثير من أكابر العلماء فيها كالكليني وعلي بن بابويه والسمري آخر السفراء، وغيرهم رضي الله عنهم)(٢٢٥).
• وقال السيد نعمة الله الجزائري قدّس سره (ت ١١١٧): (ووكيله عثمان بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي اللّه عنهم.
فلمّا حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: للّه أمر هو بالغه.
فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد [مضي] السمري قدّس سرّه)(٢٢٦).
ثمَّ قال: (وفي كتاب المواعظ: أن أول السفراء المرضيين الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، نصّبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) ثم ابنه الحسن بن علي، فتولى القيام بأمرهما حال حياتهما، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان (عليه السلام)، فلمّا مضى لسبيله قام ابنه محمد بن عثمان مقامه، فلمّا مضى قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت مقامه، فلمّا مضى قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري، ولم يكن بعده أحد)(٢٢٧).
• وقال السيد علي خان المدني قدّس سره (ت ١١١٨): (وانقطعت السفارة بموت أبي الحسن عليّ بن محمّد السمّري، وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وقيل: في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة رحمه الله تعالى)(٢٢٨).
• وقال الشيخ سليمان الماحوزي قدّس سره (ت ١١٢١): (وكان له (عليه السلام) في الغيبة الصغرى أبواب مرضيون وسفراء ممدوحون.
ثم نقل كلام الشيخ الطبرسي في الاحتجاج: وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمن الغيبة: فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري.. فلما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه.. فلما مضى لسبيله قام بذلك أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت.. فلما مضى هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري، ولم يقم منهم أحد بذلك الا بنص عليه من قبل صاحب الزمان صلوات الله عليه، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم الا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر صلوات الله عليه تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم.
فلما حان رحيل أبي الحسن السمري عن الدنيا وقرب أجله، قيل له: إلى من توصي؟ فأخرج توقيعاً إليهم نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري..)(٢٢٩).
كلمات أعلام القرن الثاني عشر
• قال الشيخ عبد الله آل عمران القطيفي قدّس سره (ت بعد ١١٥٤): (وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، أما القصرى: فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وأما الطولى فهي بعد الأولى، وفي آخرها يقوم بالسيف، وانقطعت السفارة بموت أبي الحسن علي بن محمد السمري)(٢٣٠).
• قال المحقق الخواجوئي قدّس سره (ت ١١٧٣): (فعلى ما ورّخه الشيخ كانت سنة وفاته سنة حصلت فيها الغيبة الكبرى، لأنّ علي بن محمّد السمري - وهو آخر سفير من سفراء الصاحب (عليه السلام) - توفّى في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، فوقعت الغيبة الكبرى التي نحن في أزمانها، والفرج يكون في آخرها بمشيّة اللّه تعالى)(٢٣١).
• وقال المحقق البحراني قدّس سره (ت ١١٨٦): (وكان له غيبتان صغرى وهي التي فيها السفراء "رضي الله عنهم " ويقرب من خمس وسبعين سنة، وكان أولهم عثمان بن سعيد، أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رحمه الله، فلما حضرت السمري الوفاة اجتمعت عنده الشيعة، وسألوه أن يوصي إلى أحد، فقال: لله أمر هو بالغه، فوقعت الغيبة الكبرى).(٢٣٢)
 وقال في موضع آخر: (وأما ما استند إليه من أمر السفراء في زمن الغيبة الصغرى فهو قياس مع الفارق؛ فإن مراد أصحابنا بزمان الغيبة هو زمان الغيبة الكبرى التي لا يمكن الوصول إليه فيها بالكلية، لا ما توهمه من الغيبة الصغرى)(٢٣٣).
كلمات أعلام القرنين الثاني والثالث عشر
• قال السيد مهدي بحر العلوم (١٢١٢) متحدثاً عن الشيخ المفيد قُدّس سرهما: (ولم يدرك شيئا من الغيبة الصغرى؛ فإنها انقضت بوفاة أبي الحسن علي بن محمد السمري - آخر السفراء - سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وهي سنة تناثر النجوم)(٢٣٤).
• وقال الشيخ حسين العصفور قدّس سره (ت ١٢١٦): (إذا تقرر هذا كله ظهر لك أن هذا المنصب الجليل، والدخول في زمرة علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، قد سهل في هذه الأوقات والأحيان، حتى أنه صار أيسر مما تقدمه من الأزمان، كأوائل الغيبة الكبرى وزمان انقطاع السفراء)(٢٣٥).
• وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني قدّس سره (ت ١٢١٦): (في سنة وفاته طاب ثراه انقطعت السفارة بموت علي بن محمّد السمري (رضي الله عنه) ووقعت الغيبة الكبرى)(٢٣٦).
• وقال السيد عبد الله آل شبر قدّس سره (ت ١٢٢٠): (وقد ورد عنهم في التوقيع لعلي بن محمد السمري - على ما في الاحتجاج والاكمال - "وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر " لأنا نقول: إن ذلك محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة الأبرار على نحو السفراء والنواب، وإلا فقد استفاضت الأخبار وتظافرت الآثار عن جمع كثير من الثقات الأبرار من المتقدمين والمتأخرين ممن رأوه وشاهدوه في الغيبة الكبرى)(٢٣٧).
• وقال السيد محسن الأعرجي الكاظمي قدّس سره (ت ١٢٢٧): (لعلّ ما نفاه صلوات الله عليه إنما هو دعوى المشاهدة أو السفارة متى شاء على الاستمرار، كما كان للأبواب الأربعة - رضي الله عنهم - مخافة الانتحال لجمع الأموال)(٢٣٨).
• وقال الشيخ أسد الله الكاظمي التستري قدّس سره (ت ١٢٣٧): (وتوفي في اواخر الغيبة الصّغرى في سفارة آخر السفراء الشيخ المعظم ابى الحسن على بن محمّد السّمرى طاب ثراه)(٢٣٩).
وقال في كتابٍ آخر: (ولذلك لم يصنعه هو في غيبته الصغرى، حال وجود سفرائه... ولذلك انقطع أمر السفراء، ووقعت الغيبة الكبرى)(٢٤٠).
• وقال المولى الشيخ أحمد النراقي قدّس سره (ت ١٢٤٥): (يعنى مراد حضرت اين است كه بعد از من جمعى از شيعيان بيايند كه ادّعاى مشاهده ء مرا بكنند وادّعاى نيابت مرا بكنند، هر كه چنين ادّعايى بكند دروغ گو ومفترى است، ومفترى بودن هم اشاره به ادّعاى نيابت را دارد، پس مراد خبر دادن از كذب كسانى است كه بعد از وكلا وسفراى حضرت در زمان غيبت كبرى ادّعاى نيابت كردند مثل ابو محمّد شريعى. كه اوّل كسى بود كه بعد از وفات ابو الحسن السمري كه آخر سفراى حضرت بود ادّعاى وكالت كرد به دروغ، وحضرت او را لعن كرد)(٢٤١).
كلمات أعلام القرن الثالث عشر
• قال السيد الشفتي قدّس سره (ت ١٢٩٠): (ورابع السفراء هو: علي بن محمد السمري، قيل: هو من أولاد سمرة بن جندب.. قال الشيخ رحمه الله في كتاب الغيبة: ذكر [أمر] أبي الحسن علي بن [محمد] السمري بعد الشيخ أبي القاسم بن روح، وانقطاع الأعلام به، وهم الأبواب)(٢٤٢).
كلمات أعلام القرنين الثالث والرابع عشر
• قال السيد علي البروجردي قدّس سره (ت ١٣١٣): (إن في سنة وفاته انقطعت السفارة بموت آخر السفراء ووقعت الغيبة الكبرى)(٢٤٣).
• وقال الشيخ حبيب الله الخوئي قدّس سره (ت ١٣٢٤): (ومن الكذّابين الملعونين بلسان أهل البيت لادّعائهم الرّؤية والبابية بعد الغيبة الكبرى ووفاة خاتمة السفراء والمقرّبين، هو الحسين بن منصور الحلاج)(٢٤٤).
• وقال الملا علي العلياري التبريزي قدّس سره (ت ١٣٢٧): (وكان وكلاؤه (عليه السلام) على شيعته، وسفراؤه بينهم وبين الذين ترد عليهم التوقيعات من جانبه (عليه السلام) أربعة: عثمان بن سعيد السمّان، وابنه محمد بن عثمان، والحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، وأبو الحسن علي بن محمد السمري.. فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة وسألته عن الوكيل بعده ومن يقوم مقامه؟ فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن.. ويستفاد من كلام الشيخ رحمه الله أنَّ هؤلاء الأربعة هم السفراء والأبواب)(٢٤٥).
• وقال الشيخ علي الخاقاني قدّس سره (ت ١٣٣٤): (وفي سنة وفاته - سنة تناثر النجوم، سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وقيل ثمان وعشرين - انقطعت السفارة بموت علي بن محمد السمري، ووقعت الغيبة الكبرى)(٢٤٦).
• وقال الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء قدّس سره (ت ١٣٤٤): (وقعت الحيرة بسبب غيبته الكبرى، التي انقطعت فيها السفارة والنيابة الخاصة، ولم يبق طريق لمعرفة تلك الأحكام الا بالرجوع إلى كتاب الله المجيد والأحاديث الشريفة)(٢٤٧).
كلمات أعلام القرن الرابع عشر
 • قال الميرزا محمد تقي الأصفهاني قدّس سره (ت ١٣٤٨): (اعلم أنه اتفقت الإمامية على انقطاع الوكالة، واختتام النيابة الخاصة، بوفاة الشيخ الجليل علي بن محمد السمري (رضي الله عنه)، وهو الرابع من النواب الأربعة، الذين كانوا مرجعا للشيعة في زمان الغيبة الصغرى، وأنه ليس بعد وفاة السمري إلى زمان ظهور الحجة (عج) نائب مخصوص عنه في شيعته، وأن المرجع في زمان غيبته الكبرى هم العلماء العاملون، الحافظون لحدود الله، وأن من ادعى النيابة الخاصة فهو كاذب مردود، بل يعد ذلك من ضروريات مذهب الإمامية التي يعرفون بها، ولم يخالف في ذلك أحد من علمائنا، وكفى بهذا حجة وبرهانا)(٢٤٨).
 • وقال الشيخ مرتضى آل كاشف الغطاء قدّس سره (ت ١٣٤٩): (وأما الالطاف التشريعية فقد كانت في الغيبة الصغرى بواسطة سفرائه الذين هم حلقة الاتصال ما بين ناحيته المقدسة وبين المؤمنين في التوقيعات التي كانت تصدر منه لشيعته، واشهرهم عثمان بن سعيد السّمان، ومحمد بن عثمان، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري آخر نواب الغيبة الصغرى، وكلهم مقبورون ببغداد، نعم في الغيبة الكبرى صدر توقيعه الشريف بان من يزعم انه رآه فهو كاذب مفتري، ولعل المراد منها ادعاء الرؤية بنحو النيابة الخاصة، لا مطلق الرؤيا، كيف وقد رآه وعرفه الجم الغفير ممن لا يرتاب في صدقه، كالمنقول المتواتر نقله عن جملة من العلماء، منهم المولى ملا محمد الاردبيلي وسيد العلماء السيد الطباطبائي)(٢٤٩).
 • وقال الشيخ عبد الله المامقاني قدّس سره (ت ١٣٥١): (السفراء الأربعة، ويراد بهم - حيثما يطلق - السفراء المعروفون للحجة المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه، وجعلنا من أعوانه، ومن كل مكروه فداه - وهم: عثمان بن سعيد العمري، ثم ابنه محمد، ثم أبو القاسم الحسين بن روح، ثم أبو الحسن علي بن محمد [السمري] الذي وقعت البلية العظمى، والغيبة التامة الكبرى بمضيه)(٢٥٠).
 • وقال الشيخ عباس القمي قدّس سره (ت ١٣٥٩): (الرابع من الوكلاء والسفراء: الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمد السمريّ، فانّ الشيخ الحسين بن روح عليه الرحمة لما حضرته الوفاة جعله مقامه بأمر الحجة (عليه السلام)، فكان الامام (عليه السلام) يجري على يده الكرامات والمعاجز وأجوبة مسائل الشيعة، وكانوا يسلّمون الأموال والحقوق إليه بأمره (عليه السلام)، فلمّا حضرته الوفاة اجتمع الشيعة عنده وطلبوا منه أن يعيّن من يقوم مقامه في السفارة، فقال: للّه أمر هو بالغه، أي لا بد من وقوع الغيبة الكبرى)(٢٥١).
 وقال أيضاً: (فيكون على هذا مدّة الغيبة الصغرى التي كان الوكلاء والسفراء والنوّاب مأمورين بها من قبل الامام (عليه السلام) حوالي (٧٤) عام، مضت حوالي (٤٨) عام منها في سفارة عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان، ومضت حوالي (٢٦) عام منها في سفارة الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح والشيخ أبي الحسن عليّ بن محمد السمري، ثم انقطعت السفارة، ووقعت الغيبة الكبرى، فمن ادعى بعدها السفارة والنيابة الخاصة، أو ادعى المشاهدة مع هذه الدعوى، فهو كذّاب مفتر على الحجة (عليه السلام).
 فيكون المرجع في الدين والشرائع العلماء والفقهاء والمجتهدين بأمر الامام (عليه السلام)، فانّ النيابة ثابتة لهم على سبيل العموم، كما ورد في التوقيع الشريف لمسائل اسحاق بن يعقوب - من أجلة وأخيار الشيعة وحملة الأخبار - الذي أوصلها إلى الحجة (عليه السلام) بواسطة محمد بن عثمان بن سعيد العمري، فسأل مسائل، فأجاب (عليه السلام) عليها، فقال في جملتها: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجة اللّه عليهم»)(٢٥٢).
 • وقال السيد محسن الأمين العاملي قدّس سره (ت ١٣٧١): (أما الغيبة الصغرى: فمن مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء، وعدم نصب غيرهم، وهي أربعة وسبعون سنة)(٢٥٣).
 • وقال السيد صدر الدين الصدر قدّس سره (ت ١٣٧٣): (هلا دامت الحالة على ما كانت عليه زمن الغيبة الصغرى، مِن وصول نوابه بخدمته خاصةً دون غيرهم؟
الجواب: عدم إدامة الغيبة الصغرى يمكن أن يكون لوجهين:
الأول: أنَّ النيابة عن الإمام - سيما الخاصة منها - مقام رفيع، ربما ادعاها بعضهم كذباً من عشّاق الرئاسة، كما وقع ذلك في أواخرها، فانسدّ لذلك باب النيابة الخاصة.
الثاني: أنَّ النيابة الخاصة يومئذ أيضاً كانت مخفية مستورة لا يعرفها إلا الخواص، ولو دامت لعرفت، وصار النواب في معرض الخطر.
إلى أن قال: حتى إذا ألف الشيعة غيبة الإمام وعدم الوصول بخدمته وقعت الغيبة الكبرى، وانقطعت السفارة الخاصة، وعادت النيابة العامة، ولا سبيل لأحد إلى الوصول بخدمته رسماً على النحو الذي كانت الشيعة تصل بخدمة آبائه الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)(٢٥٤).
كلمات أعلام القرنين الرابع والخامس عشر
 • قال السيد محمد حسين الطباطبائي قدّس سره (ت ١٤٠٢): وفي أواخر حياة علي بن محمد السمري، إذ لم يبق من حياته سوى أيام قلائل (سنة ٣٢٩ ه) صدر توقيع من الناحية المقدسة فيه إبلاغ لعلي بن محمد السمري بأنه سيموت ويودّع هذه الحياة بعد ستة أيام، وبعدها تنتهي النيابة الخاصة، وتقع الغيبة الكبرى، وستستمر حتى يأذن الله تعالى بالظهور)(٢٥٥).
 وقال في كتابٍ آخر: (امتدت هذه الفترة التي اطلق عليها اسم الغيبة الصغرى مدة تصل الى السبعين عاما، اضطلع بدور السفارة فيها أربعة نواب خاصين للامام، مارسوا دورهم في الوصل بين الامام وقواعده واحدا بعد آخر، ثم أغلق بعد وفاة السفير الرابع باب النيابة الخاصة، ليبدأ عصر الغيبة الكبرى، لتتحوّل علاقة الناس بالامام الى الفقهاء والمحدّثين، وذلك بأمر الامام نفسه الذي أناط الدور بهم)(٢٥٦).
 • وقال الشيخ علي آل كاشف الغطاء قدّس سره (م ١٤١١): (وله عجل الله فرجه غيبتان: الأولى وتسمى بالغيبة الصغرى، وابتدازها من وقت مولده وانتهاؤها في سنة ثلثمائة وتسع وعشرين، فتكون مدتها أربع وسبعين سنة، وكان السفراء الذين يوصلون مطالب شيعته إليه ويرجعون جوابه عنها في هذه المدة أربعة: أولهم عثمان بن سعيد العمري، ثم بعده ابنه محمد بن عثمان، ثم بعده الحسين بن روح، ثم بعده علي بن محمد السمري.
 الثانية وتسمى بالغيبة الكبرى، وهي الغيبة التي كانت بعد وفاة علي بن محمد السمري، حيث انقطع فيها السفراء، ولم يكن بينه وبين شيعته شخص يوصل مطالبهم له ويأخذ جوابها منه، وابتداؤها من سنة ثلاث مائة وتسع وعشرين، أعني سنة وفاة علي بن محمد السمري، وفي آخرها يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعدما ملئت ظلماً وجوراً)(٢٥٧).
 وقال في كتابٍ آخر: (ثمّ بعده أبو الحسن علي بن محمد السمري المتوفى سنة ٣٢٩ ه، وكان هؤلاء هم الوسائط بينه وبين شيعته، ويصدر منه (عليه السلام) بواسطتهم التوقيعات وأجوبة المسائل وبيان الأحكام الشرعية وغيرها، ويعرفون خطه (عليه السلام)، وبوفاة السمري وقعت الغيبة الكبرى، وانسد باب السفارة والنيابة الخاصة، وفوض (عليه السلام) الأمر إلى الفقهاء العالمين بالأحكام الإلهية، المطلعين على الأخبار والأحاديث الشرعية، وجعلهم النواب عنه (عليه السلام))(٢٥٨).
 • وقال السيد أبو القاسم الخوئي قدّس سره (ت ١٤١٣): (وبعبارة أخرى: إنه ليس كل مسألة فرعية تقضي البداهة لزوم الرجوع فيها إلى الامام في زمانه وإلى الفقهاء في زمان الغيبة، بل منها الفروعات المستحدثة التي يشك في ان المرجع فيها من هو؟ فلذا يسأل الراوي عن حكم ذلك في زمان غيبة الكبرى، إذ في زمان غيبة الصغرى يسئل عن نفس الامام بواسطة السفراء، وأما في زمان غيبة الكبرى فلا، ولذا ارجع الإمام في ذلك الزمان الى الفقهاء بالنيابة العامة)(٢٥٩).
 • وقال السيد عبد الأعلى السبزواري قدّس سره (ت ١٤١٤): (باسمه تعالى، من اعتقد بهذه الدعوى(٢٦٠) يكون فاسقاً).
 • وقال الشيخ الميرزا علي الغروي قدّس سره (ت ١٤١٩): (لا إمكان لهذه الدعوى شرعاً، بعد انقطاع السفارة عن الناحية المقدسة برحلة رابع السفراء العظام إلى دار البقاء، ولا ريب في تكذيب مدَعي الرؤية في عصر الغيبة، لما روى في كتابي الغيبة وإكمال الدين، والطيفُ لا يترتب عليه أي اثر ولا تثبت به أية دعوى في الشريعة المقدسة، فضلاً عن السفارة والبابوية، والقطع بأمثال ذلك مما لا اعتبار به؛ لأنه من الجهل المركب الذي يعاقب فيه المكلف بالتقصير في المقدمات، والله العالم).
 • وقال السيد محمد الصدر قدّس سره (ت ١٤١٩): (في عصر الغيبة الكبرى لا توجد نيابة خاصة عن الإمام المنتظر " عجّل الله تعالى فرجه "؛ لأنها انقطعت بموت السفير الرابع محمد بن علي السمري (رضوان الله عليه).
 وقال متحدثاً عن وظيفة المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى: (وظيفتهم هي الرجوع في أخذ الأحكام الشرعية إلى مراجع التقليد الجامعين للشرائط، حسب ما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحجة أرواحنا فداه: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله "، ولا يجوز الرجوع إلى غيرهم)(٢٦١).
 • وقال الشيخ الميرزا جواد التبريزي قدّس سره (ت ١٤٢٧): (مدّعى السفارة في عصر الغيبة الكبرى كاذب وإنكار الضرورة الدينية كوجوب صلاة الصبح مثلًا إن كان مع إقراره بأنّ الله تعالى أمر بانكارها في القرآن الكريم أو النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهذا الإنكار يوجب الكفر والخروج عن الدين، والله العالم)(٢٦٢).
 وقال معلقاً على دعوى السفارة في زمن الغيبة الكبرى: (هذه الدعوى باطلة، ومدعيها ضال مضل فقد انقطع باب السفارة بعد السفراء الأربعة، والله الهادي)(٢٦٣).
• وقال السيد محمد صادق الروحاني (دام ظله): (قد دلّت الأخبار المعتبرة على أنّ كل مَن يدّعي رؤية الإمام المهدي " أرواح مَن سواه فداه " فكذبوه، والمتيقن من مورد هذه الروايات - على ما أفاده المحققون - هو مَن يدّعي السفارة عنه، أو يدعي لقاءه به " (عجل الله فرجه الشريف) " وتكليف الإمام له ببعض التكاليف، ومثل هؤلاء الأشخاص المدّعين بلية قد ابتليت بها الأمة الإسلامية منذ عشرة قرون وأكثر، ولا يزال الحبل ممدوداً إلى هذا اليوم، وقد صدر التوقيع من الإمام المهدي " (عليه السلام) " في ذمّ بعضهم ولعنه والبراءة منه بخصوصه)(٢٦٤).
* وقال السيد علي السيستاني (دام ظله): (بسمه تعالى، إن تلك الدعوى المشار إليها لا صلة لها بالدين، فهي لم تخرج عن حد البدع وإثارة الفتن المؤدية إلى الشغب والانشقاق (وقى الله المسلمين شرها)، فالمأمول منكم ومن كل من يهمه أمر الدين معالجتها وردع صاحبها عنها بالحكمة والموعظة الحسنة، والابتعاد عنه إن بقي مصراً عليها، وهي واضحة البطلان:
أولاً: إن الثابت بالضرورة والنصوص المعتبرة انقطاع النيابة الخاصة عن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) بعد انتهاء عصر الغيبة الصغرى، وأن كل من يدعيها كاذب، وإنما يكون الرجوع في أمر الدين إلى الفقهاء العدول.
وثانياً: إن نيابة الحسن بن روح قد انتهى أمدها بموته، وقد انتقلت إلى الشيخ السمري (رضوان الله عليهما)، ثم انتهى أمدها أيضاً بموته الذي بدأت من حينه الغيبة الكبرى.
وثالثاً: إن الرؤيا في المنام لا أثر [لها] في الشريعة لا نفياً ولا إثباتاً، وإنما يرجع فيها إلى الأدلة الشرعية المعروفة، وهذا أمر ثابت بالضرورة.
ورابعاً: إن إقرار ذلك الشخص على نفسه بالاشتباه، وتخليه عن دعواه حجة عليه بمقتضى حجة إقرار العقلاء على أنفسهم، كما هو حجة على أتباعه، ومن يروج لبدعته.
وخامساً: إن استعمال غريب اللغة الشاذة خارج عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) في تفهيم الأحكام للناس، كما أن اشتمال البيان المنسوب إلى الإمام (عليه السلام) على أخطاء نحوية دليل آخر على بطلان النسبة.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظين، وإنا لله وإنا إليه راجعون)(٢٦٥).
• وقال الشيخ لطف الله الصافي (دام ظله): (الرابع من الوكلاء في عصر الغيبة الصغرى: الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري.. وهو آخر الوكلاء، وبموته وقعت الغيبة التامة، وصار الأمر إلى الفقهاء وحملة الأحاديث وعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، فيجب على العوام الرجوع إليهم، ودّلت على ذلك روايات كثيرة)(٢٦٦).
 وكيف كان، فكلمات أعلام الطائفة (قدّس سرهم) - التي تدل على عملهم بمضمون التوقيع الشريف - فوق حدّ الإحصاء، ولكننا نكتفي بما عرضناه؛ فإنه كافٍ لدحض قول مَن زعم أن الأصحاب قد أعرضوا عن التوقيع الشريف وتركوه.
 الإشكال الثاني: أنَّ التوقيع مطعونٌ في سنده(٢٦٧).
 ولم يوضّح المدعو أحمد بن إسماعيل وجه الطعن في سند التوقيع الشريف، ولكن أحد أتباعه قد أشارَ إلى وجود جهتين للإشكال:
 الجهة الأولى: الإرسال.
 الجهة الثانية: ضعف السند بوقوع (أحمد بن الحسن المكتب) فيه، وهو من المجاهيل(٢٦٨).
 جواب الإشكال الثاني:
 ويُجاب عن جهة الإشكال الأولى: بأنَّ صاحبها قد قصر نظره على التوقيع الذي نقله الشيخ الطبرسي قدّس سره في كتاب (الاحتجاج)، ولعلّه لم يتتبع نسخ التوقيع، ولو تتبعها لعلم أنَّ الشيخ الصدوق قدّس سره قد نقله في كتاب (كمال الدين) مسنداً.
 على أنَّ إرسال الشيخ الطبرسي قدّس سره لا يعني عدم الإسناد، بل يعني أمراً آخر أشارَ إليه الشيخ الطبرسي قدّس سره في مقدمة كتابه المذكور، حيث قال: (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده، إما لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلت العقول إليه، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف)(٢٦٩)، ومن هنا فقد بنى غير واحد من أعلام الطائفة (قدهم) على اعتبار روايات الاحتجاج وإن كانت من المراسيل.
 ويُجاب عن جهة الإشكال الثانية: بأنَّ (أبا محمد، الحسن بن أحمد المكتّب) وإن لم يُنص على توثيقه في كتب الرجال، ولكنَّ توثيقه بمكانٍ من الإمكان، ويمكن تقريبه بمقدمتين:
 المقدمة الأولى: إنَّ (الحسن بن أحمد المكتب) ممن وردت إليهم التوقيعات من قبل السفراء الأربعة (رضوان الله عليهم)، كما نقل عنه ذلك كلٌ من الشيخين الصدوق والطوسي (قدهما) عند إيرادهما للتوقيع الذي نحن بصدد الحديث حوله(٢٧٠).
 المقدمة الثانية: إنَّ الشيخ الطوسي قدّس سره قد وثّق جميع مَن كانت ترد عليهم التوقيعات توثيقاً عاماً، حيث قال: (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل)(٢٧١).
 والنتيجة: أنَّ (الحسن بن أحمد المكتب) ثقة بمقتضى هذا التوثيق العام؛ إذ أنه أحد مَن وردت إليهم التوقيعات من قبل السفراء الأربعة (رضوان الله عليهم)، وقد نقّح الشيخ الطوسي قدّس سره - كما عرفتَ - كلاً من صغرى الدليل وكبراه.
 الإشكال الثالث: أنَّ متن التوقيع متشابه(٢٧٢).
 ولم يوضح المدعو أحمد بن إسماعيل مقصوده من هذا الإشكال أيضاً، ولكنَّ أحد أتباعه قد أوضح ذلك بقوله: (اعلم أخي القارئ إن الاختلاف حول هذا الحديث وقع بالتحديد في معنى (المشاهدة) في هذا التوقيع الشريف، أي من المشمول بوصف الإمام المهدي ر(عليه السلام) بأنه (كذاب مفتر).
 ونأخذ من استدل بهذا الحديث على تكذيب اللقاء بالإمام المهدي، وانقسم أتباع هذا التبني إلى ثلاثة أقسام:
 فقال قوم: إن كل من قال أنه رأى الإمام المهدي (عليه السلام) هو كذاب مفتر.
 وقال القسم الثاني: إن كل من نقل الأخبار عن الإمام المهدي (عليه السلام) هو المعني بهذا الحديث.
 وقال القسم الثالث: إن هذا التكذيب الموجود في التوقيع يشمل من يدعي النيابة عن الإمام المهدي (عليه السلام) فقط، على بيان سيأتي تفصيله في المبحث الثاني من هذا الكتيب)(٢٧٣).
 جواب الإشكال الثالث:
 ولسنا نريد أن نقف عند هذا الكلام طويلاً؛ لإيضاح أنَّ التوقيع الشريف - بمقتضى القرائن الداخلية ومناسبات الحكم والموضوع - لا يندرج ضمن المتشابه؛ إذ لا يصعب تحديد المراد الجدّي منه على مَن يمتلك أدوات الاستظهار من النصوص المباركة.
 ودعنا نسلّم جدلاً بأنَّ التوقيع الشريف من المتشابه، إلا أنَّ هذا لا يمنع من التمسك به لدحض مدعى أدعياء المهدوية؛ إذ القاعدة عند أهل المحاورة تقضي بالأخذ بالقدر المتيقن للنص عند دوران المقصود منه بين احتمالات عديدة، لا سبيل لترجيح أحدها.
 فمثلاً: عندما يقول رئيس الدولة لمواطنيه: (كذبوا كلَّ مَن يدعي مشاهدتي)، ويتردد الناس في أنَّ مراد الرئيس من المشاهد هو مطلق الرؤية؟ أم النقل عنه؟ أم النيابة عنه؟ فإنه لا شك في كون الاحتمال الأخير قدراً متيقناً من النص؛ إذ لو كان المقصود من النص - بحسب مقصود الرئيس - هو الاحتمال الأول أو الثاني، فلا شك في أنَّ أمره بتكذيب مطلق مَن يدعي الرؤية، أو مطلق من يدعي النقل عنه، مستلزم لتكذيب مدّعي النيابة عنه بالأولوية القطعية؛ إذ أنَّ النيابة متضمنة للرؤية والنقل وزيادة، وعليه فإذا كان الأقل منفياً كان الأكثر منفياً بالضرورة.
 وهكذا هو الكلام في المقام؛ فإننا حتى لو سلمنا بعدم إمكان تحديد المقصود من التوقيع - ولا نسلّم بذلك - لدورانه بين احتمالات لا مرّجح لأحدها على الآخر، إلا أنَّه يبقى له قدر متيقن نقطع بإرادة الإمام المهدي (عليه السلام) له على جميع التقادير، وهذا القدر المتيقن - وهو لزوم تكذيب مدّعي النيابة - يكفينا لدحض مزاعم أدعياء المهدوية.
 على أننا لا نسلم بكون التوقيع الشريف من النصوص المجملة؛ لإمكان إقامة العديد من القرائن على المراد الجدّي منه، كما تحدثنا عنه في مباحث سابقة.
 وبما ذكرناه ظهرَ زيف ما ذكره أحد أتباع المدعو أحمد الحسن بقوله: (ﻻ ﻭﺟﻮد ﻷﺛﺮ ﻋﻦ اﳌﻌﺼﻮﻣﲔ (عليهم السلام) ﻳﻨﺺعلى اﻧﻘﻄﺎع السفارة)(٢٧٤).
 الإشكال الرابع: أنَّ التوقيع غير مسوّر، وهذا يطعن في كليته(٢٧٥).
 وقد أوضح أحد أتباع أحمد الحسن هذا الإشكال، فقال: (ﻭإذا ﱂ ﺗﻜﺘﻒﹺبهذا أﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﺑﺎب أﻟﺰﻣﻮﻫﻢ بما أﻟﺰﻣﻮا ﺑﻪ أﻧﻔﺴﻬﻢ: إﻥ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺮﻫﺎ اﻟﻘﻮﻡ ﰲ اﳌﻨﻄﻖ ﻭاﻷﺻﻮﻝ ﻫﻲ: (إﻥ اﻟﻘﻀﻴﺔ اﳌﻬﻤﻠﺔ ﺑﻘﻮة اﳉﺰﺋﻴﺔ)، ﻭاﻟﻘﻀﻴﺔ اﳌﻮﺟﻮدة ﰲ رﻭاﻳﺔ اﻟﺴﻤﺮﻱ ﻭﻫﻲ: (ﻓﻤﻦ ادﻋﻰ اﳌﺸﺎﻫﺪة ﻗﺒﻞ ﺧﺮﻭج اﻟﺴﻔﻴﺎﲏ ﻭ اﻟﺼﻴﺤﺔﻓﻬﻮ ﻛﺬاب ﻣﻔﱰ) ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻓﻬﻲ ﺑﻘﻮة اﳉﺰﺋﻴﺔ، أﻱ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻜﺬا: (ﻓﺒﻌﺾ ﻣﻦ ادﻋﻰ اﳌﺸﺎﻫﺪة ﻗﺒﻞ ﺧﺮﻭج اﻟﺴﻔﻴﺎﲏ ﻭ اﻟﺼﻴﺤﺔ ﻓﻬﻮ ﻛﺬاب ﻣﻔﱰ)، ﻭﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﻔﻴﺪ ﻛﻠﻴﺘﻬﺎ ﺑﻞﺗﻮﺟﺪ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ داﻟﺔ على ﺟﺰﺋﻴﺘﻬﺎ، ﻭﻫﻲ اﻟﺮﻭاﻳﺎت اﻟﺪاﻟﺔ على إرﺳﺎﻝ اﻹﻣﺎﻡ اﳌﻬﺪﻱ (عليه السلام) ﻣﻦ ﻳﻤﺜﻠﻪ ﰲ ﻓﱰة ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻘﻴﺎﻡ، ﻭﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮﻭاﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻭرﻭاﻳﺔ اليماﲏﻭﻏﲑﻫﺎ ﻛﺜﲑ.
 ﻭﻟﻴﺘﻀﺢ اﻷﻣﺮ أﻛﺜﺮ ﻭﺧﺼﻮﺻﺎﹰ ﳌﻦ ﱂ ﻳﻄﻠﻊ على اﳌﻨﻄﻖﻭاﻷﺻﻮﻝ أﻗﻮﻝ: إﻥ اﻟﻘﻀﻴﺔ أﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺴﻮرة أﻭ ﻣﻬﻤﻠﺔ، ﻭاﳌﺴﻮرة أﻣﺎ ﻛﻠﻴﺔ أﻭ ﺟﺰﺋﻴﺔ، (ﻓﺈذا ﻗﻠﺖ: ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻲ المشاهدة... ﻓﻬﻮ ﻛﺎذب، ﻓﻬﺬﻩ ﻗﻀﻴﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻷﻧﻚ ﺑﺪأﲥﺎﺑﻜﻞ). (ﻭإذا ﻗﻠﺖ: ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻳﺪﻋﻲ اﳌﺸﺎﻫﺪة... ﻓﻬﻮ ﻛﺎذب، ﻓﻬﺬﻩ ﻗﻀﻴﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻷﻧﻚ ﺑﺪأتها ببعض)، أﻣﺎ إذا أﳘﻠﺖ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻭﱂ ﲡﻌﻞ ﳍﺎ ﺳﻮر ﻛﻞ أﻭ ﺑﻌﺾ ﻓﻬﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﻘﻮة اﳉﺰﺋﻴﺔ، ﻓﻼﺗﻔﻴﺪ اﻟﻜﻠﻴﺔ إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ داﻟﺔ على ﻛﻠﻴﺘﻬﺎ، ﻓﺈذا ﱂ ﺗﻮﺟﺪ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺮﻳﻨﺔ ﻭﻭﺟﺪت ﻗﺮﻳﻨﺔ على ﺟﺰﺋﻴﺘﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺟﺰﺋﻴﺔ، واﻟﻘﻀﻴﺔ أﻋﻼﻩ ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻭﻻﺗﻮﺟﺪ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﺗﺪﻝ علىﻛﻠﻴﺘﻬﺎ، ﺑﻞ ﺗﻮﺟﺪ ﻗﺮﻳﻨﺔ ﺗﺪﻝ على ﺟﺰﺋﻴﺘﻬﺎ، (ﻭﻫﻲ رﻭاﻳﺎت اﻷﺋﻤﺔ (عليهم السلام))، ﻓﻴﺘﺤﺼﻞ أنها ﺟﺰﺋﻴﺔ، وبهذا ﻻ ﺗﺪﻝ رﻭاﻳﺔ اﻟﺴﻤﺮﻱ على اﻧﻘﻄﺎع اﻟﺴﻔﺎرة ﻻﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻭﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ)(٢٧٦).
 جواب الإشكال الرابع:
 ولا يخفاك أنَّ هذا الإشكال يتكون من دعويين:
 الدعوى الأولى: أنَّ محل الشاهد من التوقيع الشريف قضية مهملة.
 والجواب عن هذه الدعوى يتحصّل من خلال أربع مقدمات:
 المقدمة الأولى: إنَّ القضية التي نحن بصدد الاستدلال بها - والتي ادعى أحمد الحسن إهمالها - هي قول الإمام (عليه السلام) في التوقيع المبارك: «ﻓﻤﻦ ادﻋﻰ اﳌﺸﺎﻫﺪة ﻗﺒﻞ ﺧﺮﻭج اﻟﺴﻔﻴﺎﲏ ﻭاﻟﺼﻴﺤﺔ ﻓﻬﻮ ﻛﺬاب ﻣﻔﱰ»، وهي من القضايا الشرطية كما لا يخفى.
 المقدمة الثانية: إنَّ تقسيم القضايا في علم المنطق إلى المسورة - أو المحصورة - والمهملة، كما هو تقسيم للقضايا الحملية، كذلك هو تقسيم للقضايا الشرطية أيضاً.
 المقدمة الثالثة: يشتهر التمثيل في الكتب المنطقية للقضايا الشرطية المسورة بألفاظ معينة معروفة، نحو: (كلما، مهما، متى) للموجبة الكلية، و(قد يكون) للموجبة الجزئية، و(ليس البتة) للسالبة الكليّة، و(ليس كلما) للسالبة الجزئية(٢٧٧).
 إلا أنَّ ما يجدر الالتفات إليه هو: أنَّ ألفاظ السور لا تنحصر فيما ذكر، بل تشمل كلَّ ما يؤدي مؤداها، ويشهد لذلك قول الفخر الرازي: (وإذا عرفت ذلك سهل عليك معرفة الإهمال والحصر في المتّصلة والمنفصلة، فإن كان هناك لفظ يدلّ على كلّيّة الحكم أو جزئيّته فالشّرطيّة محصورة، وإلّا فهي مهملة)(٢٧٨).
 المقدمة الرابعة: إنَّ (مَن) الشرطية - بحسب استعمالاتها، بل قيل بحسب وضعها - تُصنّف ضمن أدوات العموم، وقد صرّح بذلك غير واحدٍ من الأعلام، ومنهم: الشيخ الطوسي قدّس سره حيث قال: (فأمّا ألفاظ العموم فكثيرة، نحن نذكر منها طرفاً، فمنها: (مَن) في جميع العقلاء إذا كان نكرة في المجازاة والاستفهام)(٢٧٩).
 وقال المحقق الحلّي قدّس سره: (" مَن " و" ما " إذا كانتا معرفتين بمعنى " الذي "، لا تعمان، وإن وقعتا للمجازاة أو الاستفهام، عمتا، إذ لو كانتا مشتركتين، لوجب أن يتوقف سامع: "من دخل داري أكرمته " على استفهام مستحق الإكرام، وعدم التوقف دلالة على الاستغراق. وأيضاً: فإنه يجوز الاستثناء منهما، وجواز الاستثناء دلالة على التناول)(٢٨٠).
 وقال الشيخ البهائي قدّس سره: (صيغ العموم حقائق فيه لا في الخصوص، كاسم الشرط والاستفهام والموصول واسم الجنس معرفاً ب‍ " لامه " أو مضافاً، والجمع كذلك، والنكرة المنفية)(٢٨١).
 وما أفاده هؤلاء الأعلام (قدهم) لا يكاد يخفى على قارئٍ للقرآن الكريم ومتتبعٍ للسنة المطهرة، وإليك بعض الشواهد من كليهما:
 • (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢٨٢).
 • (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٢٨٣).
 • (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٢٨٤).
 • (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(٢٨٥)
 • (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(٢٨٦).
 • (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا)(٢٨٧).
 • (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)(٢٨٨).
 • (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)(٢٨٩).
 • (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٢٩٠).
 • قال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن دمعت عيناه فينا دمعة لدمٍ سفك لنا، أو حقٍ لنا نقصناه، أو عرض انتهك لنا، أو لأحدٍ من شيعتنا بوأه الله تعالى بها في الجنة حقباً»(٢٩١).
 • وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أنشد في الحسين بيتاً من الشعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة، فلم يزل حتى قال: من أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنه قال: أو تباكى - فله الجنة»(٢٩٢).
 • وعنه (عليه السلام) قال: «من زار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) عارفاً بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»(٢٩٣).
 • وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «من نظر إلى أبويه نظر ماقت لهما، وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة»(٢٩٤).
 وأمثال هذه الآيات والروايات كثير جداً، ولا يوجد أحدٌ يشك في عمومها، وكونها من الخطابات العامة، لا الخطابات المهملة.
 ونتيجة هذه المقدمات الأربع: أنَّ لفظ (مَن) مِن جملة الألفاظ التي تصلح أن تكون سوراً للموجبة الشرطية الكليّة، وبالتالي فمتى ما وقعت في كلامٍ كان الكلام مفيداً للعموم، كما اتضح من موارد استعمالاتها.
 وعلى ضوء ذلك يتضح: أنَّ محل الشاهد من التوقيع الشريف ليس قضية مهملة، لتكون بقوة الجزئية كما يزعم أدعياء المهدوية، بل هو قضية مسورة بلفظ (مَن) الشرطية، وهي من أدوات العموم، فيكون موجبة كلية.
 والذي يظهر أنَّ المستشكل لعدم خبرته بالاصطلاحات المنطقية قد خلط بين القضية الحملية والقضية الشرطية، فتوهم أن عبارة التوقيع الشريف غير مسورة؛ لعدم اشتمالها على لفظ (كل) أو (بعض)(٢٩٥)، والحال أنَّ هذه من ألفاظ المسورة الحملية، وما نحن بصدده قضية شرطية لا حملية، ولكن يبقى أنَّ الجاهل عذره جهله.
الدعوى الثانية: أنَّ هنالك من الروايات ما يدلُّ على أنَّ التوقيع الشريف قضية جزئية، لا كلية، وسوف نعرض ما تشبث به أدعياء المهدوية لإثبات ذلك، وإليك أهمها:
الرواية الأولى: عن إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) أنه قال: «يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب - وأومى بيده إلى ناحية ذي طوى - حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه، حتى يلقى بعض أصحابه، فيقول: كم أنتم هاهنا؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً. فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو ناوي بنا الجبال لناويناها معه، ثم يأتيهم من القابلة ويقول: "أشيروا إلى رؤسائكم أو خياركم عشرة، فيشيرون له إليهم، فينطلق بهم حتى يلقوا صاحبهم، ويعدهم الليلة التي تليها».
الرواية الثانية: قصة الجزيرة الخضراء، حيث جاء فيها: «قلت: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر (عليه السلام) أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من يراه؟ فقال: صدقت إنه (عليه السلام) إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغير هم من فراعنة بني العباس، حتى أنَّ الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم، وببركته (عليه السلام) لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا»(٢٩٦).
الرواية الثالثة: روايات اليماني، بتقريب: أنَّ اليماني يكون ﻗﺒﻞ اﻟﺼﻴﺤﺔ ﻭﻳﺮاﻓﻖ ﺧﺮﻭﺟﻪ ﺧﺮﻭج السفياني، ومن المعلوم أنّ خرﻭج اﻟﺴﻔياني يكون ﰲ رﺟﺐ بينما اﻟﺼﻴﺤﺔ ﰲ شهر رﻣﻀﺎﻥ، وبما أنَّ الروايات تدل على لزوم متابعة اليماني - رغم أنه يكون قبل الصيحة - فهذا منبّه على عدم صحة تكذيب جميع مَن يدّعي المشاهدة قبلها، وإلا للزم تكذيب اليماني، وهو كما ترى، فجمعاً بين أخبار اليماني والتوقيع الشريف ينبغي حمله على تكذيب البعض لا الكل(٢٩٧).
 والجواب الإجمالي عن هذه الروايات وأمثالها: أنها قاصرة عن نقض كليّة التوقيع، وإليك تفصيل الكلام حولها، ومنه يتضح الحال في غيرها.
 أما الرواية الأولى: فإنَّ غاية ما تدل عليه أنَّ للإمام (عليه السلام) في زمن غيبته مولى يختص به، وهذا لا ننازع فيه، إلا أنَّ هذا لا ينقض كليّة التوقيع؛ لوضوح أنَّ التوقيع بصدد الحديث عن الوظيفة العامة للشيعة في زمن الغيبة، وأنها تكذيب مدّعي المشاهدة، بينما تتحدث الرواية عمّا يدور بين مولى الإمام (عليه السلام) والخلّص من أصحابه - الذين لا يتجاوزون الأربعين رجلاً - وكيفية تهيئتهم للنهضة المشرفة، ولا يوجد في الرواية أدنى إشارة إلى أنَّ المولى يتحدث معهم بصفته مرسلاً من الإمام (عليه السلام)، فيبقى احتمال أن ذلك يكون بينه وبينهم من غير أن يعرفوا اتصاله بالإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف).
 نعم، في آخر الرواية أنهم يشرفون بلقاء الإمام (عليه السلام) بعد أن أعدوا أنفسهم وعشائرهم إعداداً روحياً لرؤية الإمام (عليه السلام) والتشرف بنصرته، وهذا لا نمانع منه؛ إذ أنه يكون على مستوى خاص جداً - وهو مستوى النخبة - على أنَّ قول الرواية " ويعدهم الليلة التي تليها " يحتمل أن يكون المقصود به أنّ ذلك اللقاء يكون قبل الخروج المقدّس بليلة، ولعلّه لأجل تثبيت قلوبهم والاتفاق معهم على خطة العمل.
 وبالجملة، فإنَّ الرواية ناظرة إلى مجموعة خاصة جداً، وهي الصفوة والنخبة، بينما التوقيع الشريف ناظر إلى عموم الشيعة، فلا يتنافيان، حتى تكون الرواية ناقضةً له.
 وأما الرواية الثانية: فغاية ما تثبته هو جواز التشرف برؤيته (عليه السلام)، ولا ملازمة بين جواز الرؤية وجواز النيابة الخاصة، فتبقى الرواية على دلالتها على جواز الرؤية، ويبقى التوقيع على دلالته على تكذيب مدّعي النيابة الخاصة.
ولا يُتوهم أنّ الرواية مفسرة للتوقيع الشريف؛ فإنه لا شاهد عليه، على أنَّ التعبير عن حكاية الجزيرة الخضراء بالرواية لا يخلو عن مسامحة ظاهرة.
وأما الرواية الثالثة فيُلاحظ عليها:
 أولاً: أنه لا دليل على كون اليماني الموعود يدّعي النيابة الخاصة عن الإمام (عليه السلام)، حتى يقال بلزوم تكذيبه إذا التزمنا بعموم التوقيع.
وثانياً: حتى لو سلمنا كونه نائباً خاصاً فهو غير مشمول لعموم التوقيع، بداهة أنَّ وظيفة الشيعة إنما هي لزوم التكذيب في مرحلة ما قبل تحقق العلامات المحتومات - والتي قد أشار لها التوقيع الشريف من خلال عنواني (السفياني والصيحة) - وبخروج اليماني تكون العلامات قد تحققت، وبتحققها تنتهي فعالية التوقيع الشريف، فلا يتنافى مع ما دلَّ على لزوم مبايعته.
وإنما قلنا: إنَّ (السفياني والصيحة) قد أُخذا على نحو العنوان المشير للعلامات الحتمية؛ لأنَّ خروج اليماني لا ينفك عن خروج السفياني، وبما أنَّ التوقيع قد ألزمَ بتكذيب مدّعي النيابة في مرحلة ما قبل السفياني فهذا يعني بالضرورة إلزام الشيعة بالتكذيب في مرحلة ما قبل اليماني، ولا يشمل مرحلة ما بعد خروجه، وهي المرحلة التي تلزم فيها مبايعته، ويحرم الالتواء عليه.
وإن أبيتَ عن ذلك، وقلتَ: (إن مقتضى أخذ عنوان الصيحة في التوقيع يعني لزوم تكذيب مَن يدعي النيابة قبل تحققها، فيشمل ذلك اليماني المتحقق قبلها؛ ولذا لا بدَّ من رفع اليد عن عموم التوقيع الشريف).
قلتُ: تنزلنا وسلمنا معك، ولكنَّ هذا لا يقتضي إلغاء عموم التوقيع بتكذيب مدّعي المشاهدة مطلقاً؛ إذ الأدلة العامة الظاهرة في العموم إنما تُرفع اليد عن عمومها بمقدار المخصص فقط، وبما أنَّ المخصص قد اقتضى رفع اليد عن العموم في الفترة الواقعة بين خروج السفياني والصيحة، حتى لا يلزم تكذيب اليماني، فإنَّ العام - بمقتضى القواعد - يبقى على عمومه في غير الفترة المذكورة، وعليه يلزم تكذيب كل من يدعي النيابة في غير تلك الفترة، ومنهم: أحمد الحسن، الذي ما برح يدّعي النيابة منذ سنوات مع أنَّ السفياني لم يخرج بعد.
 ومما ذكرناه يُعلم الحال في بقية النواقض التي ذكروها، كمراسلات الإمام (عليه السلام) مع الشيخ المفيد قدّس سره، أو منقولات السيد ابن طاووس قدّس سره؛ فإنَّ كلَّ ذلك على فرض صحته لا يتنافى مع مدلول التوقيع الشريف؛ إذ أنه يدل على تكذيب مدّعي النيابة، ومن المعلوم نزاهة الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس (قدهما) عن الادّعاء المذكور.
المبحث الثالث: ثبوت النيابة العامة لمراجع الدين العظام في زمن الغيبة الكبرى
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الأدلة على ثبوت النيابة للفقيه
بعد أن عرفت قسمي النيابة، واتضح لك انقطاع النيابة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى، يبقى الكلام في النيابة العامة، فهل هي ثابتة في زمن الغيبة الكبرى أم لا؟
والجواب: أن كلمة الأعلام قد اتفقت، على ثبوت هذا القسم من النيابة لعدول المجتهدين، بل هو من المسلّمات عند الإمامية.
ويشهد لذلك قول المحقق الكركي قدّس سره: «اتفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أن الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى - المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية - نائب من قبل أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة»(٢٩٨)
ويمكن الاستدلال على ثبوت هذا المقام للفقيه بدليلين:
الدليل الأول: الدليل العقلي
وهو المعبّر عنه بقاعدة اللطف.
وبيانه بمقدمتين:
المقدمة الكبروية: المراد من قاعدة اللطف.
ويمكن تلخيص المراد من قاعدة اللطف بأنها: الفعل الثاني الذي يحفظ الغرض من الفعل الأول.
وبيانه: أن أحدنا لو أراد أن يدعو مجموعة من أصحابه إلى مأدبة، فلابد وأن يكون له غرض من وراء فعله هذا - باعتباره عاقلاً لا يفعل إلا لغرض - وليكن إدخال السرور على قلوبهم أو نيل ثواب إطعام المؤمنين أو غير ذلك، وحتى يحقق هذا الغرض فإنه لا يكتفي بتهيئة المأدبة فقط، بل لابد وان يقوم بفعل ثان وهو المبادرة إلى الاتصال بأصدقائه ودعوته لهم.
فتلاحظ أن هذا الفعل الثاني قد حقق الغرض من الفعل الأوّل، ولولاه لانتقض الغرض.
ومن هنا قرر الأعلام: أن اللطف واجب على الحكيم بحكم العقل، إذ لو لم يتحقق اللطف للزم من ذلك نقض غرضه، ونقض الغرض قبيح من العاقل فضلاً عن الحكيم المطلق.
المقدمة الصغروية: بيان انطباق قاعدة اللطف على ثبوت النيابة العامة للمراجع والفقهاء.
ويمكن تقريبها بثلاث مقدمات:
الأولى: أن جعل الإمامة فعل من أفعال الله تبارك وتعالى، ويستحيل أن يخلو فعله من الغرض كما نعتقد معاشر الإمامية فإنَّ أفعاله معللة بالأغراض، وإن كانت راجعة لمخلوقاته وليست راجعة له، وبمقتضى ذلك فإنَّ واحداً من أهم الأغراض التي جعل الله تبارك وتعالى لأجلها إمامتهم هو هداية الناس حيث قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)(٢٩٩)
الثانية: أن المشيئة الإلهية قد تعلّقت بتغييب آخرهم - الإمام الثاني عشر (عليه السلام) - وهذا يوجب انتقاض الغرض المذكور.
الثالثة: إنَّ مقتضى قاعدة اللطف هو أن يفعل الحكيم المطلق فعلاً ثانياً ليحفظ الغرض من فعله الأول، وينتج عن ذلك: لابدّية جعل شخص في زمن غيبة الإمام (عجل الله فرجه الشريف) ليملأ الفراغ، ويكون وجوده حافظاً للغرض من فعله الأول الذي هو الهداية والحفاظ على الدين، وليس هو إلا الفقهاء العظام العارفون بما يوصل العباد إلى الله تبارك وتعالى من عقائد وأحكام.
فتمّ الدليل على المطلوب.
الدليل الثاني: الأدلة النقلية
وهي كثيرة جداً، وقد ذكرها الفقهاء في كتبهم الاستدلالية، وذكرها مع بيان سندها ودلالتها خارج عن القصد من هذا الكتاب، ولكننا نكتفي بدليلين:
الأول: ما في الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي»(٣٠٠).
الثانية: قول الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف): «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم»(٣٠١).
المطلب الثاني: مجالات النيابة
هنالك ثلاثة مجالات للنيابة، كلها ثابتة للفقهاء والمراجع العظام:
المجال الأول: الإفتاء.
فإنَّه لا يخفى أنَّ بيان الحلال والحرام يحتاج إلى إذن خاص من المشرّع، إذ التحليل والتحريم حقّ المشرّع فقط، قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ).(٣٠٢)
وقد فوّض الله أمر التشريع إلى رسوله كما في قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٣٠٣).
وإلى أئمة الحق (عليهم السلام) كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فما فوض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد فوضه إلينا»(٣٠٤).
ومن هنا: فإنَّ الإفتاء للفقيه يحتاج إلى إذن خاص من المشرّع، وقد ورد هذا الإذن في روايات متعددة منها ما ورد عن مولانا الإمام العسكري (عليه السلام): «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(٣٠٥).
المجال الثاني: القضاء.
وهو كالافتاء تماماً في اختصاصه بالمشرّع، وافتقاره إلى الإذن منه، لذا ورد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قال لشريح القاضي: «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي»(٣٠٦)، فمن تصدى للقضاء من غير الأنبياء أو الأوصياء أو من يُؤذن له منهم فهو شقي.
وقد أذن المشرع للفقهاء بالكون في هذا المنصب، فعن أبي خديجة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضائنا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(٣٠٧)
المجال الثالثة: الولاية.
ولم يقع النزاع بين الأعلام في أصل ثبوت الولاية للفقيه، بل هو محل اتفاق، وإنما النزاع في سعة الولاية وضيقها.
المطلب الثالث: ولاية الفقيه
وعلى ضوء ما ذكرناه أخيراً يتفرّع البحث المعروف ببحث ولاية الفقيه، وحاصل القول فيه: أنَّ الفقهاء يختلفون في سعة ولاية الفقيه على نظريات، أشهرها نظريتان:
النظرية الأولى: أن الولاية الثابتة للفقيه هي الولاية العامة، كما ذهب إليها جمع من الأعاظم كالمحقق النراقي، والمحقق الكركي، والسيد الخميني قدست أسرارهم جميعاً.
النظرية الثانية: أن الولاية الثابتة للفقيه هي الولاية الحسبية، كما ذهب إليه سيد الطائفة الخوئي ونسبه لمعظم فقهاء الشيعة (أعلى الله مقامهم).
والفرق بين النظريتين:
أن الولاية العامة هي الولاية على كل ما كانت للمعصومين (عليهم السلام) الولاية عليه، إلا ما استثناه الدليل.
وأما الولاية الحسبية فهي: الولاية على كل أمر لا ولاية لأحد عليه ونحرز أن الشارع لا يرضى بتركه، لتوقف النظام عليه، كالولاية على القصر من الصغار والمجانين والأيتام والأوقاف التي لا متولي لها وإقامة الحدود وغير ذلك من الأمور الواسعة جداً، بل كل ما له دخل في حفظ النظام فهو داخل في الأمور الحسبية وللفقيه الولاية عليه.
بل أوسع من ذلك، حيث يذهب السيد الخوئي إلى أن الفقيه لو رأى مصلحة الإسلام في الحكم بالجهاد الابتدائي كان له ذلك.
فاتّضح من ذلك: أنَّ الأمور الحسبية في حدّ ذاتها ليست ضيقة - كما يحاول البعض تصويرها - بل هي ذات حدود واسعة.

الفصل الرابع: قانون معرفة الحجة

تمهيدٌ:
لا تخفى أهميّة هذا البحث في مثل هذا الزّمن الذي كثر فيه المدّعون لمقام الحجيّة، إذ ليس يمكن ردّ تلك الشبهات المُثارة من قبلهم إلا من خلال القواعد والقوانين الكليّة التي يُمكن عن طريقها إثبات مقام الحجّية لشخص من الأشخاص أو نفيها عنه.
وسوف نتعرض - بحول الله تعالى - إلى خمسة طرقٍ منها:
القانون الأوّل: النص
 والكلام حول هذا القانون يقع في جهات متعددة:
الجهة الأولى: دليلُ طريقيّته.
 وقد كفتنا مؤونة ذلك مجموعةٌ من الروايات الشريفة، وإليك بعضها:
 الرّواية الأولى: عن أبي الجارود قال: «سألت أبا جعفر الباقر (عليه السلام): بم يعرف الإمام؟ قال: بخصال أولها: نص من الله تبارك وتعالى عليه، ونصبه علماً للناس حتى يكون عليهم حجة»(٣٠٨).
 الرّواية الثانية: موثّقة الحارث بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار، والعلم، والوصية»(٣٠٩)
الجهة الثانية: بيان المقصود من مفردة النص.
 التصوّر البدوي لمفردة النّص:
 ربّما يتصوّر البعض أنّ المراد من النّص هو: مجرد نصّ الإمام السّابق على اسم الإمام اللّاحق وكفى، كأن يأتي الإمام الباقر (عليه السلام) ويقول: «الإمام من بعدي هو جعفر».
 بيان التصوّر الصحيح لمفهوم النص:
 ولكنّ هذا التصوّر في واقعه ساذج من جهة، وكاشف عن عدم التحقيق في كلمات المعصومين (عليهم السلام)، ومتابعة تصريحات أعلام الطّائفة قدّس سره من جهةٍ أخرى.
 والتحقيق أن يُقال: إنّ المراد من كلمة النّص أمرٌ غير المدلول التصوّري لهذه الكلمة، فإنَّ المراد الجدّي - كما تقتضيه الأدلّة - من هذه الكلمة هو: تعيين الإمام السابق للإمام اللاحق بعينه وشخصه، أو قل: هو نصٌ عليه باسمه مع تطبيق ذلك عليه، بحيث لا يُتصوّر اللبس والوهم في المنصوص عليه، وهو ما عبرّت عنه الروايات الشريفة بالنص والنصب، كما في رواية أبي الجارود المتقدمة.
 وإن شئت وضع اليد على المُراد بدقّة فقل: إن طريقيّة «النص» على الحجّة تحمل بعدين:
 المدلول الأوّل: البعد التعييني التشريعي.
 المدلول الثّاني: البعد التطبيقي.
 والذي يدلُّ على إرادة ما ذكرناه من (النص) أحد المنبهات الثلاثة الآتية:
 المنبّه الأوّل: المنبّه العقلائي.
 وتقريبه في مقدّمتين: صغرى وكبرى.
 أما الكبرى: فإنَّ نقض الغرض قبيح بحكم العقل.
وأما الصغرى: فإن النصّ الذي يحمل البعدين التعييني التشريعي والتطبيقي، يُعد نصاً جلياً قطعياً لا يحتمل لبساً ولا وهماً ولا خطئاً، فيكون محققاً للغرض منه - وهو اهتداء الناس للحجة الواقعي - بينما النص الذي لا يتوفر على البعدين المذكورين معاً يكون ناقضاً للغرض المطلوب تحققه.
 والنتيجة: بما أنَّ نقض الغرض قبيح لا يمكن صدوره من المولى الحكيم، فإنّ هذا يكون منبّهاً على أنَّ الشارع لا يمكنه أن يكتفي بالنص العائم كطريقٍ لتعيين الحجة، بل لا بدَّ أن يعتمد النص الجلي
 المنبّه الثّاني: روايات الوصيّة الظاهرة.
 ففي صحيحة هشام بن سالم قال: «قيل له - أي للإمام الصادق (عليه السلام) -، بأي شيء يعرف الإمام؟ قال (عليه السلام): بالوصية الظاهرة»(٣١٠)
 وتقريب الاستدلال بها: أنّ معرفة الإمام والحجّة لا يكفي فيها الوصيّة التعيينية للاسم أو النص التعييني، بل لابد وأن تكون ظاهرة وواضحة وجلية، بحيث لا يُمكن حصول الاشتباه واللبس فيها، ولا يكون ذلك إلا بالقيود الشديدة والدقة في التطبيق، وإظهار الخليفة للإمام السابق صلوات الله عليهم.
 ويشهد على هذا الإيضاح سؤال عبد الأعلى بن أعين لأبي عبد الله (عليه السلام): «المتوثب على هذا الأمر، المدعي له، ما الحجة عليه؟
 قال: يُسئل عن الحلال والحرام، قال: ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر: أن يكون أولى الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان».(٣١١)
 المنبّه الثّالث: عدم الاكتفاء بعلامية العصمة.
 ويشهد له ما رواه الشيخ الصدوق (قده) في معاني الأخبار بسنده عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال: «الإمام منا لا يكون إِلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إِلا منصوصاً».(٣١٢)
 وهذا النص الشريف منبّه على أنَّ المطلوب من النص - كطريقٍ من طرق الحجة - أن يكون جليّاً وصريحاً في بعديه التعييني والتطبيقي؛ وليس كالعصمة التي - لعدم كونها في ظاهر الخلقة - قد لا توصل إلى معرفة الحجة بنحوٍ لا ضبابية فيه، رغمَ كونها ممّا لا ينفك وجوداً عن الحجّة.
 والنتيجة المتحصلّة من هذه المنبّهات: أن النصّ لابدّ وأن يحمل البعد التطبيقي - زيادة على التعييني التشريعي - لئلا يقع الناس في الوهم والاشتباه.
 تطبيقات طريقية النص في سيرة المعصومين (عليهم السلام):
 وهذا هو ما يلحظه المتتبع لسيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كيفية تعاملهم مع مسألة النص، وإليك مجموعة من الشواهد:
 الشّاهد الأوّل: حديث غدير خم.
 وهذا الحديث الشّريف قد نقله الثقات، وتواتر في جميع الطبقات، وصحّته بل القطع بصدوره كالشمس وضحاها والقمر إذا تلاها، ولم يقع الارتياب في صدوره من أحدٍ على اختلاف مشارب ومذاهب ومدارس ناقليه.
 ونحن يهمّنا في المقام نقل هذا الحديث - بالتفاصيل التي هي محل الاستدلال - من كتب أصحابنا، فقد روى الشيخ الصدوق في الخصال بسند صحيح، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: «لما رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ونحن معه، أقبل حتى انتهى إلى الجحفة، فأمر أصحابه بالنزول، فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أقبل بوجهه إليهم، فقال لهم: إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون، وكأني قد دعيت فأجبت، وأني مسؤول عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته وأنكم مسؤولون، فما أنتم قائلون لربكم؟.
 قالوا: نقول: قد بلغت ونصحت وجاهدت - فجزاك الله عنا أفضل الجزاء - ثم قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إليكم، وأن الجنة حق؟ وأن النار حق؟ وأن البعث بعد الموت حق؟.
 فقالوا: نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد على ما يقولون، ألا وإني أشهدكم أني أشهد أن الله مولاي، وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون لي بذلك، وتشهدون لي به؟ فقالوا: نعم نشهد لك بذلك.
 فقال: ألا من كنت مولاه فإنَّ علياً مولاه، وهو هذا، ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما، ثم: قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض، حوضي غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟.
 قال: أما الثقل الأكبر فكتاب الله (عزَّ وجلَّ)، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته (عليهم السلام)، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
 قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: صدق أبو الطفيل - رحمه الله - هذا الكلام وجدناه في كتاب علي (عليه السلام) وعرفناه.»(٣١٣)
 ووجه دلالة هذه الرواية الشريفة على المطلوب: أنّ النبيّ لم يكتف بالبعد الأوّل - وهو البُعد التعييني والتشريعي - حيث عيّن أمير المؤمنين باسمه، بل ضمّ إليه البُعد الثاني وهو البعد التطبيقي، فأوقفه أمام الناس، وأشار إليه بقوله: (وهو هذا)، ورفع يديه المباركتين حتى بيان بياض إبطيهما، وهذه كلّها شواهد تدلّ على ما تقدّم من معنى النّص.
 الشّاهد الثّاني: صحيحة صفوان الجمّال.
 ففي الصحيح عن صفوان الجمّال قال: «قال له - أي للصادق (عليه السلام) - منصور بن حازم: بأبي أنت وأمي، إن الأنفس يغدى عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان ذلك فهو صاحبكم؛ وضرب بيده على منكب أبي الحسن (عليه السلام) الأيمن - في ما أعلم - وهو يومئذ خماسي، وعبد الله بن جعفر جالس معنا».(٣١٤)
 ووجه دلالتها واضح على ما بيّناه، فإنّه (عليه السلام) لم يكتف بتعيين خليفته صلوات الله عليه، بل وضع يده الشريفة على منكبه الشّريف، ليُظهر الجانب التطبيقي لشيعته.
 الشّاهد الثّالث: خبر يحيى بن يسار.
 فعن يحيى بن يسار قال: «أوصى أبو الحسن (عليه السلام) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي».(٣١٥)
 كلمات أعلام الطائفة (قدهم) حول طريقية النص:
 وما ذكرناه هو ما أكّد عليه بطل الدفاع عن المذهب الحق، معتمد المعصومين (عليهم السلام) ومتكلمهم، هشام بن الحكم (رض الله عنهم) في حواره مع ضرار، حين سأله عن الدليل على الإمام بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال هشام: «الدلالة عليه ثمان دلالات، أربعة منها في نعت نسبه، وأربعة في نعت نفسه، أما الأربعة التي في نعت نسبه فأن يكون معروف القبيلة، معروف الجنس، معروف النسب، معروف البيت.
 وذلك أنه إذا لم يكن معروف القبيلة معروف الجنس معروف النسب معروف البيت جاز أن يكون في أطراف الأرض وفي كل جنس من الناس، فلما لم يجز أن يكون إلا هكذا، ولم نجد جنساً في العالم أشهر من جنس محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهو جنس العرب الذي منه صاحب الملة والدعوة الذي يُنادى باسمه في كل يوم وليلة خمس مرات على الصوامع في المساجد في جميع الأماكن " أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله "، ووصلت دعوته إلى كل بر وفاجر من عالم وجاهل، معروف غير منكر في كل يوم وليلة، فلم يجز أن يكون الدليل إلا في أشهر الأجناس.
 ولما لم يجز أن يكون إلا في هذا الجنس لشهرته لم يجز إلا أن يكون في هذه القبيلة التي منها صاحب الملة دون سائر القبائل من العرب، ولما لم يجز إلا أن يكون في هذه القبيلة التي منها صاحب الدعوة لاتصالها بالملة لم يجز إلا أن يكون في هذا البيت الذي هو بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لقرب نسبه من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إشارة إليه دون غيره من أهل بيته.
 ثم إن لم يكن إشارة إليه اشترك أهل هذا البيت وادعيت فيه، فإذا وقعت الدعوة فيه وقع الاختلاف والفساد بينهم، ولا يجوز إلا أن يكون من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إشارة إلى رجل من أهل بيته دون غيره لئلا يختلف فيه أهل هذا البيت أنه أفضلهم وأعلمهم وأصلحهم لذلك الأمر»(٣١٦).
 وقال معلّم الشّيعة، فقيه عصره وأوحد زمانه على الإطلاق، الشيخ المفيد قدّس سره: «واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه»(٣١٧)، وليس قوله على عينه إلا إشارة للبعد التطبيقي.
 وقال شيخ الطائفة على الإطلاق الشيخ الطوسي قدّس سره: «فلا بد مع صحة هذه الجملة من وجوب النص على الإمام بعينه، أو إظهار المعجز القائم مقام النص عليه»(٣١٨).
الجهة الثالثة: النتيجة المترتبة على تحديد معنى النص.
 وبعد أن اتّضح ما قدّمناه، نقول: إن النتيجة المترتبة على تحديدنا للمُراد من «النص» في كلمات العترة الطاهرة (صلوات الله عليها)، لهي كالسّيف القاطع على كل مدّع لمنصب الإمامة الإلهية، ومنها يُعلم بُطلان ما استدلّ به أدعياء المهدوية من وصيّة مزعومة على إمامهم، فقد زعموا أن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد نصّ على وصيٍ لصاحب العصر والزمان، أحد أسمائه أحمد، وما دام أن إمامهم اسمه أحمد، فهذا يكفي لانطباق الوصيّة عليه، وبها عُلِمَ كونه حجة الله في هذا العصر.
 وهذا هو أقوى أدلّتهم، وستأتيك مناقشته تفصيلاً سنداً ودلالةً، ولكن ما نودّ بيانه في المقام هو أنه على ضوء ما قدمناه من معنى «النص والوصيّة» يُعلم بطلان تمسك القوم برواية الوصيّة؛ إذ لا يوجد في هذه الرواية أكثر من ذكر الاسم، دون تطبيقه على مصداقه الخارجي، ولو اقتصر المعصوم (عليه السلام) عليه فقط لأوجب التلبيس، والمعصوم (عليه السلام) يجلّ عن ذلك، وهذا ما أرشدتنا إليه المنبهات المتقدمة، وجرت عليه سيرة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في التنصيص على بعضهم.
 محاولات تصحيح التمسك برواية الوصيّة:
 وقد حاول القوم جاهدين إثبات صحة التمسك برواية الوصية، محاولين سدّ الفراغ التطبيقي المرتبط بها، فطرحوا في ذلك شبهتين:
 الشبهة الأولى: أشكل القوم إشكالاً مفاده: أنَّ لازم قولنا بعدم صحة رواية الوصية، هو اتهام النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بترك واجب من الواجبات الشرعية، وهو الوصية؛ إذ الله تبارك وتعالى يقول: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)(٣١٩)، وهذا ما يؤكد علينا القول بصحة رواية الوصية.
 ولكنّه إشكال فاسد، لجهتين:
 الأولى: أنه لا ملازمة بين إنكار رواية الوصيّة هذه، وإنكار صدور وصايا من النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بل نحن ملتزمون بصدور وصايا متعددة من نبينا الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلم)(٣٢٠)، غاية ما هنالك أننا ننكر خصوص هذه الوصية.
 وبعبارة أخرى: أننا نثبت أصل صدور وصية من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وننكر خصوص هذه الوصية المزعومة، فانتبه.
 الثانية: إنَّ الآية الكريمة التي تشبثوا بها إنما هي ناظرة إلى مسألة الوصيّة بالحقوق، وليست ناظرة إلى الوصيّة بالإمامة والخلافة، فمن كانت عليه حقوق عالقة بذمته فإما أن يفرّغ ذمته بأدائها في حياته، وإما أن يوصي بأدائها بعد مماته عند عدم تيسر الأول، وفي الآية قرينتان دالتان على ذلك:
 القرينة الأولى: قوله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) فإنَّ هذا الشرط منبّه على عدم لزوم الوصية مطلقاً، وإنما على خصوص مَن يموت وقد ترك ثروة وخيراً وراءه(٣٢١)، وبها يخرج الفقير الذي لا يملك شيئاً يوصي به.
 القرينة الثانية: قوله تعالى: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) فإنه يُعلم بهذه الفقرة خروج الوصية بالإمامة والخلافة عن الآية الكريمة، إذ الوصية بالإمامة والخلافة للأمة كلها لا لخصوص الوالدين والأقربين.
 الشّبهة الثانية: وهذه الشبهة هي محلّ التلبيس الأكبر، وحاصل ما ذكروه: أن التنصيص على الاسم لوحده كاف في تعيين الحجّة، بحيث إذا ادعى شخصٌ أنه صاحب هذا النص والوصية كفى ذلك لتعيينه، والوجه في هذا قانون كلّي مفاده: (أنَّ الوصية لا يدّعيها إلا صاحبها)، فمتى ما ادعاها شخصٌ تعيّن كونه الحجة.
تحقيق الكلام حول شبهة: (أنّ الوصية لا يدّعيها إلا صاحبها):

 ويمكن إثبات هذا القانون الكلي من خلال منبهات:
 المنبّه الأول: أنَّ نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) قد قال: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)(٣٢٢). وتقريب الاستدلال بهذه الآية: أن النبي عيسى (عليه السلام) قد نص على اسم النبي الذي من بعده، وقد جاء النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وادّعى أن النبي عيسى (عليه السلام) قد نصّ عليه، والقرآن الكريم عبَّر عن هذا التنصيص بأنه بينة إلهية، وفي هذا دلالة على كفاية الاستدلال بالنص ولا حاجة للتطبيق.
مناقشة المنبّه الأول:
 ولكنّ هذا المنبّه لا يمكن الاعتماد عليه؛ لأنه مبني على مقدمتين فاسدتين:
 المقدمة الأولى: أن المراد من البينات في الآية هو التنصيص.
 ووجه فسادها: أن الصحيح هو أنَّ المراد من البينة هو المعجز والحجة القاطعة التي لا تقبل الإيهام والتلبيس، بقرينة وصف الكافرين إياها بالسحر، والمسوّغ لمثل هذا الوصف هو كون البيّنة أمراً خارقاً للعادة.
 المقدمة الثانية: أن كون الوصية بيّنة إلهية دليل على أنّه لا يدعيها إلا صاحبها.
 وهذه المقدمة باطلة أيضاً، بدليل أن المعجزة أيضاً بيّنة إلهيّة بدون أدنى شك، ولكن قد ادعاها غير واحد من مدعي النبوة والمناصب الإلهية، كمسيلمة الكذّاب لعنه الله ولعن من حذا حذوه.
 المنبّه الثاني: أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد وصف الوصية بأنها عاصمة من الضلال، حيث قال: «أتوني بدواة وكتف، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً»(٣٢٣)، فيلزم من هذا الوصفة أن تكون الوصيّة غير قابلة للتلبيس، ومن الواضح أنه لو أمكن أن يدعيها غير صاحبها للزم من ذلك التلبيس فيها، وهذا خلف كونها عاصمة من الضلال، فيثبت أنه لا يمكن أن يدعيها غير صاحبها.
مناقشة المنبّه الثاني:
ويردُ على هذا المنبّه نقضاً وحلاً.
أما النقض: فبجعفر الكذاب الذي ادّعى أنه صاحب الوصيّة، وأنه الإمام بعد أخيه الإمام العسكري (عليه السلام)، مما يعني أنَّ ادّعاء الوصية لغير صاحبها بمكانٍ من الإمكان.
 وأما الحل: فإنَّ اتصاف الوصية بالعصمة من الضلال وارتفاع التلبيس إنما يتحقق بوضوح الوصية وجلائها على مستوى التشريع والتطبيق - كما تقدّم ذلك مفصّلاً -، وهذا لا يمنع من وجود أدعياء كذابين للوصيّة، ولا يضر ادعاؤهم بعاصمية الوصية عن الضلال بعد وضوح عدم انطباقها عليهم، بسبب جلائها في بعديها التشريعي والتطبيقي.
 المنبّه الثالث: أن الروايات الشريفة قد أكدت اختصاص محمد وآله (عليهم السلام) بالوصية، ومن ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «لا يقاس بآل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين. إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة»(٣٢٤)، وقال الصادق (عليه السلام):«يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية»(٣٢٥).
 ووجه الاستناد إلى هذا المنبّه - وهو اختصاص الوصية بهم (عليهم السلام) - أنه لو ادعاها غير صاحبها لدلّ ذلك على عدم اختصاصها بهم، فوجب القول بأنه لا يدعيها إلا صاحبها، وما دام قد ادعاها أحمد الحسن، فهو صاحبها.
مناقشة المنبّه الثالث:
والجواب عن هذا الاستدلال نقضاً وحلاً.
أما النقض: فبالنبوة؛ إذ لا ينازع مسلم في اختصاصها بالأنبياء (عليهم السلام)، ومع ذلك فقد ادّعاها حفنة من الكذابين.
 وأما الحل: فلأنَّ غاية ما تدل عليه هذه الروايات الشريفة الصحيحة هو أن الوصية الإلهية الواقعية تنحصر بهم (صلوات الله وسلامه عليهم)، ولا تنطبق على سواهم، وهذا هو معنى الاختصاص، فإنه تعالى قد أوصى بالإمامة لهم ولم يوصها لغيرهم، إلا أنَّ هذا - كما لا يخفى - لا يمنع من وجود مدع كذاب لهذه الوصية.
 المنبّه الرابع: مناظرة الإمام الرضا (عليه السلام) مع الجاثليق، حيث أنَّ الإمام قد احتج بمواطن في التوراة والانجيل والزبور فيها ذكر للنبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقد أقرَّ بذلك الجاثليق، ولكنه قال: «والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود التوراة والإنجيل والزبور، ولقد بشّرَ به موسى وعيسى جميعاً، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا، فأما اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره.
 فقال الرضا (عليه السلام): احتججتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبياً اسمه محمد؟».(٣٢٦)
 والمستفاد من هذه الرواية أنَّ الإمام (عليه السلام) قد تمسك بالنص فقط لإثبات نبوة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وهو منبّه آخر على أنَّ النص لا يدعيه إلا صاحبه.
مناقشة المنبّه الرابع:
والجواب عن الاستناد لهذا المنبّه: أنه قياس مع الفارق، فإنَّ طرفي القياس بحسب زعمهم هما: ذكر النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الكتب السماوية، وذكر أحمد في وصية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).
 ووجه بطلان هذا القياس: أن الإمام الرّضا (عليه السلام) لم يتمسك بذكر اسم النبي (صلى الله عليه وآله) فقط، وإنما تمسك بذكر صفاته، ومقتضى القاعدة: أن تكثير الصفات موجب لتضييق دائرة المصاديق، ألا ترى أنك لو قلت: أكرم الفقير، فإن قولك هذا بدلالة العموم شامل لكل فقير - كافراً كان أو مسلماً، كبيراً أو صغيراً، قريباً أو بعيداً، مريضاً أو معافى، إلى آخر المحصّصات، بينما إذا قيّدت الفقير بعدة صفات وقيود، كالمسلم العادل الرجل الجار والرحم، فإنك بذلك تخرج الكافر والفاسق والمرأة ومن لا تربطك به علاقة الجوار ولا صلة الرحم، فتضيق دائرة المصاديق حينئذ بسبب تكثير هذه الصفات والقيود، حتى لعلك لا تجد إلا مصداقاً واحداً تنحصر به الدائرة.
 وتطبيق هذه القاعدة في مقامنا بأن يُقال: إن الإمام الرضا (عليه السلام) قد أكثر من ذكر الصفات الموجبة لانحصار الاسم المذكور في الكتب السماوية بالشخص المقدس لحضرة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال (عليه السلام): «لا أصفه إلا بما وصفه الله، هو صاحب الناقة والعصا والكساء، النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، يهدي إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم.
 وقال (عليه السلام) أيضاً: «أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل وأقررت بما فيه من صفة محمد، فخذ على السفر الثاني فإني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين».(٣٢٧)
 فاتضح أنَّ الإمام الرضا (عليه السلام) لم يستند في تطبيق النص المذكور في كتب الأنبياء السابقين (عليهم السلام) على مجرد التطابق في الإسم، كما هو مدّعى أدعياء المهدوية، وإنما استند إلى قاعدة تكثير الصفات الموجب لانحصار المصداق.
 المنبّه الخامس: أن مفاد بعض الروايات الشريفة - كخبر الوليد بن صبيح، عن الإمام الصادق (عليه السلام) - «أن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره»(٣٢٨)، وبما أن أحمد قد ادعى الأمر ولم يبتر الله عمره، فهو صاحب الوصية والأمر.
مناقشة المنبّه الخامس:
 والجواب من وجهين:
 الوجه الأوّل: أنَّ الصغرى غير محرزة العدم، فلعلّ الله تبارك وتعالى قد بتر عمر أحمد الحسن، وأنهى حياته، بسبب دعواه الإمامة، ولا سبيل لنفي ذلك؛ إذ الفرض أنه شخصية مجهولة لا يُعلم عنها شيء.
 الوجه الثاني: أن ظاهر هذه الرواية ينبغي أن يُرد علمه إلى أهله؛ إذ أنَّ هذا الأمر قد ادعاه كثيرون - كجعفر الكذاب - ومع ذلك لم يبتر الله تبارك وتعالى أعمارهم، فالتوقّف في هذه الرواية أولى، وهم (عليهم السلام) أعلم بما قالوا.
 اللهم إلا أن يكون المراد بالرواية هو الإنقاص من العمر، لا البتر الفوري؛ فإنه لا يتمانع مع بقاء بعض المدّعين بعد دعواهم الإمامة، كما لا يخفى.
القانون الثاني: المعجزة
 والكلام حول هذا الطريق يقع في جهات ثلاث:
 الجهة الأولى: حقيقة المعجزة.
 ويراد بها: الفعل الخارق للعادة الذي يصدر على يد صاحب المنصب الإلهي في وقت التحدّي، ولا يستطيع أحدٌ الإتيان بمثله.
 إيضاح قيود التّعريف:
 وقد اشتمل التعريف على عدة قيود تأخذ بأيدينا إلى حقيقة المعجزة:
 القيد الأول: أنها (فعل خارق للعادة)، وثمرة هذا القيد إخراج الأفعال العادية والطبيعية.
 القيد الثاني: (صدوره على يد صاحب المنصب الإلهي)، وثمرة هذا القيد إخراج أصحاب المناصب غير الإلهية، لعدم صدور المعجزة على أيديهم، والعنوان الجامع لأصحاب المناصب الإلهية - كمنصب النبوّة والرّسالة والإمامة - هو «الحجة».
 القيد الثالث: (في مقام التحدّي)، وثمرة هذا القيد إخراج الكرامة والإرهاص، فإنَّ هذه العناوين الثلاثة وإن كانت تشترك في كونها خارقة للعادة، إلا أنها تفترق في كون الإرهاص فعلاً خارقاً للعادة متقدماً على دعوى المنصب الإلهي، وكون الكرامة فعلاً خارقاً للعادة في غير وقت التحدّي، وأما المعجزة فهي الفعل الخارق للعادة لأجل إثبات المنصب الإلهي في وقت التحدي.
 القيد الرابع: (ولا يستطيع أحد الإتيان بمثله)، وثمرة هذا القيد إخراج السحر؛ إذ السحر أيضاً فعل خارق للعادة، ولكنّ الفرق بينه وبين المعجزة: أن السحر يُمكن الإتيان بمثله، بعكس المعجزة.
الجهة الثانية: أدلة طريقية المعجزة.
الدليل الأول: رواية سليمان بن مهران.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "عشر خصال من صفات الإمام: العصمة، والنصوص، وأن يكون أعلم الناس، وأتقاهم لله، وأعلمهم بكتاب الله، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له المعجز والدليل، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يكون له فيء، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه "(٣٢٩).
الدليل الثاني: رواية حبابة الوالبيّة عليها الرحمة.
حيث جاءت أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلة: «يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟ فقال: ائتيني بتلك الحصاة، وأشار بيده إلى حصاة، فأتيته بها، فطبع لي فيها بخاتمه، ثمّ قال لي: يا حبابة إذا ادعى مدع الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي انّه إمام مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شيء يريده»(٣٣٠).
 الدليل الثالث: رواية أبي بصير رحمه الله.
 قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لأي علة أعطى الله (عزَّ وجلَّ) أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال (عليه السلام): ليكون دليلاً على صدق من أتى به، والمعجزة علامة لله لا يعطيها إلا أنبياءه ورسله وحججه، ليعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب.»(٣٣١)
ولا يخفى أنَّ رواية أبي بصير بمكان من الأهميّة تجعلنا نقف عندها وقفة تأمل ودقّة، لأنه كان من العلماء الفقهاء من تلامذة الأئمة (عليهم السلام)، وقد أجابه الإمام (عليه السلام) إجابة كليّة أشار فيها إلى ضرورة المعجزة لكلّ مَن يدّعي أنه حجة من حجج الله تعالى؛ لأنها دليل الصدق الفاصل بين الصادق والكاذب.
الدليل الرابع: صحيحة عبد الله بن أبي يعفور.
وقد نقلها الميرزا النوري قدّس سره في (النجم الثاقب) عن كتاب الغيبة للفضل بن شاذان قائلاً: «روى الشيخ الجليل الفضل بن شاذان في غيبته، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء الّا يُظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء»(٣٣٢).
 ولا يخفى أنَّ هذه الرواية الشريفة مضافاً إلى دلالتها على أنَّ الإمام الحجة (أرواحنا فداه) - بما هو حجة من الحجج - لا يشذّ عن القاعدة الكلية، بل يأتي بالمعاجز كما جاء بها غيره من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، فإنها تدلّ أيضاً على كذب ما يزعمه أدعياء المهدوية مِن أنَّ الإمام الحجة (عليه السلام) لا يستعين بالمعجزة عند ظهوره في إثبات أنه الإمام المفترض الطاعة.
ارتكازيّة طريقية الإعجاز لدى المتشرّعة:
ونظراً لكثرة تأكيد الشارع الأقدس على طريقية الإعجاز لمعرفة الحجة، فلذا لم يقبل الشيعة دعوى السفارة من أحد السفراء الأربعة إلا بعد أن يثبت دعواه بالمعجزة، وإليك العديد من الشواهد على ذلك:
 الشاهد الأول: قال الشيخ الطوسي قدّس سره: (قد ذكرنا جملا من أخبار السفراء والأبواب في زمان الغيبة، لان صحة ذلك مبني على ثبوت إمامة صاحب الزمان (عليه السلام)، وفي ثبوت وكالتهم وظهور المعجزات على أيديهم دليل واضح على إمامة من انتموا إليه، فلذلك ذكرنا هذا، فليس لأحد أن يقول: ما الفائدة في ذكر أخبارهم فيما يتعلق بالكلام في الغيبة، لأنا قد بينا فائدة ذلك، فسقط هذا الاعتراض)(٣٣٣).
 الشاهد الثاني: تحدث الشيخ الطبرسي قدّس سره أحد أعلامنا المتقدّمين في كتابه (الاحتجاج) عن سيرة الشيعة مع السفراء الأربعة رضي الله عنهم فقال: «ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر (عليه السلام)، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر (عليه السلام)، تدل على صدق مقالتهم»(٣٣٤).
 الشاهد الثالث: قال الشيخ الطوسي قدّس سره: (أخبرنا الحسين بن إبراهيم، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري، قال: لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي (رض) ممن تجوز عليه مخرقته، وتتم عليه حيلته، فوجه إليه يستدعيه، وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الامر بفرط جهله، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به، ويتسوف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضا عندهم، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) - وبهذا أولا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك، ولا ترتاب بهذا الامر.
 فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له: إني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن، [ويبغضني إليهن] وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لاستر عنهن ذلك، وإلا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعدا والوصال هجرا، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنيطوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
 فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته، وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا، ولم يرسل إليه رسولا، وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سببا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه»(٣٣٥).
الجهة الثالثة: بيان كيفية طريقية المعجزة.
من الممكن بيان طريقية المعجزة - بنحو الإجمال -(٣٣٦) لإثبات مقام الحجية بالاستناد إلى قاعدتين عقليتين:
القاعدة الأولى: قبح نقض الغرض عند العقلاء، وسيأتي تفصيلها في الفصول القادمة.
القاعدة الثانية: قبح الإغراء بالجهل، وهو إظهار الواقع على خلاف ما هو عليه، ولا شك في قبحه أيضاً بحكم العقل والعقلاء، نظير إعطاء إحدى الجامعات شخصاً لا مؤهل له شهادة الدكتوراه في الطب، مما يستلزم خداع الناس والتمويه عليهم، فإنه مستقبح بحكم العقل.
وهاتان القاعدتان مسلمتا القبح بإدراك العقل والعقلاء.
وأما تطبيقهما في المقام فإجماله أن يُقال: إن المعجزة فعل خارق للعادة، والغرض منها إثبات المنصب الإلهي لصاحبه، وبذلك يميز الصادق من الكاذب، فلو أن الله تعالى أظهر المعجزة على يد الكاذب لنقضَ غرضه مِن ناحيةٍ وأغرى الناس بالجهل مِن ناحية أخرى، وهذا يقتضي استحالة ظهورها على يد الكاذب بحكم العقل والعقلاء.
ولك أن تقول بعبارةٍ أخرى: إنَّ إظهار المعجز على يد غير الصادق يترتب عليه كلا القبيحين المذكورين، فيكون محال الصدور عن الله تعالى، وبالتالي فمتى ما صدر الفعل الخارق - بالوصف المتقدم - مِن شخصٍ عًلِم أنَّه صادقٌ في دعواه.
الجهة الرابعة: رد الإشكالات المثارة حول طريقية المعجزة.
الإشكال الأول: عدم اطّراد المعجزات.
وحاصله: أنَّ خصوصية القانون هي الاطراد، بينما القرآن الكريم صريح في عدم اطراد المعجزات، وهذا دليلٌ على عدم كون المعجزة قانوناً من قوانين معرفة الحجة، والشاهد على عدم الاطراد آيتان:
 الآية الأولى: قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللهِ)(٣٣٧)، والمستفاد من هذه الآية - ومثلها - أنَّ الآيات والمعاجز لم تكن دائمة ومطردة، وإنما أمرها بيد الله تعالى.
 الآية الثانية: قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا)(٣٣٨)، وهذه الآية الكريمة تدل على أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يتكئ على المعجزة كقانون كلّي لإثبات حجيته، ولذا لم يكن يستجيب لمقترحات المشركين في إظهار الأفعال الخارقة للعادة.
الجواب عن الإشكال الأول:
والجواب عن هذا الإشكال: يتوقف على فهم أمور ثلاثة:
الأمر الأول: أن الآيات والمعاجز تنقسم - بلحاظ - إلى قسمين: المعاجز الابتدائية، والمعاجز المقترحة، والثانية عادةً ما تكون بعد رؤية الأولى، وغالباً ما تلازم العناد.
الأمر الثاني: أنَّ المعاجز المقترحة يلزم العذاب من عدم الإيمان بها، وتدلّ على ذلك روايات متعددة، منها:
رواية أبي الجارود على ما في البرهان عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أن محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلم) سأله قومه أن يأتيهم بآية، فنزل جبرئيل (عليه السلام)، فقال: إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: * (وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ) * إلى قومك * (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) * وكنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم، فلذلك أخرنا عن قومك الآيات».(٣٣٩)
 وهذا المعنى مما ورد أيضاً عن غير المعصومين (عليهم السلام)، كابن عباس، حيث وردَ عنه: «سأل أهل مكة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم لعلنا نجتبي، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم. قال: بل تستأني بهم فأنزل الله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات)»(٣٤٠).
الأمر الثالث: إنَّ من جملة الخصوصيات التي امتازت بها هذه الأمة هي رفعُ عذاب الاستئصال عنها كرامة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كما يشهد بذلك قوله تبارك وتعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).(٣٤١)
ومن هذه الأمور الثلاثة يُعلم: أن تلك الآيات القرآنية وما شاكلها ناظرة إلى الآيات المقترحة العنادية، ولا تعمّ الآيات الابتدائية أو الاقتراحية التي لا عناد معها.
الإشكال الثاني: إنَّ لازم طريقية المعجزة هو الإيمان المادي.
وحاصل الإشكال: أن المعجزة لو كانت طريقاً، للزم من ذلك الإلجاء والإيمان المادي، والحال أن المطلوب هو الإيمان الخالص بالغيب، وهذا ما يدلّ عليه منبهان:
المنبه الأول: عدم قبول إيمان الطاغية فرعون، كما هو صريح القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٣٤٢) فأتاه الجواب: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(٣٤٣)، ووجه الاستدلال بها: أن الله تبارك وتعالى لم يقبل إيمان فرعون، وما هذا إلا لكونه استسلاماً وإيماناً قهرياً، والله سبحانه وتعالى إنما يريد إيماناً خالصاً بالغيب.
 المنبه الثاني: أنَّ المعجزة لابدَّ وأن تقترن بشيء من اللبس لتُبقي مساحة للشك والارتياب والاختبار، ولا يجتاز ذلك كله إلا من يملك مقداراً من الإيمان بالغيب.
 وعن ذلك يقول المدعو أحمد إسماعيل: «الناس يعرفون أن من معجزات موسى(ع) العصا التي تحولت أفعى، وقد كانت في زمن انتشر فيه السحر، ومن معجزات عيسى(ع) شفاء المرضى في زمن انتشر فيه الطب، ومن معجزات محمد(ص) القرآن في زمن انتشرت فيه البلاغة، وهنا يعلل من يجهل الحقيقة سبب مشابهة المعجزة لما انتشر في ذلك الزمان أنه فقط لتتفوق على السحرة والأطباء والبلغاء ويثبت الإعجاز، ولكن الحقيقة الخافية على الناس مع أنها مذكورة في القرآن هي: أن المعجزة المادية جاءت كذلك للّبس على من لا يعرفون إلا المادة، فالله سبحانه لا يرضى أن يكون الإيمان مادياً، بل لابدَّ أن يكون إيماناً بالغيب».(٣٤٤)
الجواب عن الإشكال الثاني:
 والجواب عن ذلك ببيان أمورٍ ثلاثة:
 الأمر الأوّل: إنَّه لا منافاة بين المعجزة والإيمان الخالص بالغيب، بل هي نافذة من نوافذ الانفتاح عليه، لأنها تدل على أنَّ صاحبها مرتبط بالغيب، فيحصل من خلالها الإيمان به خالصاً وبمحض الاختيار، وحالها في ذلك حال نفس الرسول والإمام، فإنهما ماديان، ولكنَّ الإيمان بهما طريق للإيمان الخالص بالغيب، فهل يُصغى لمن يقول: إن الإيمان الحاصل من طريقهما بالغيب ليس خالصاً؟!.
 الأمر الثاني: أنَّ عدم قبول إيمان فرعون ليس من جهة كونه إيماناً استسلامياً وقهرياً، وإنما هو راجع إلى استكباره وعناده رغم إقامة الحجة عليه ومشاهدته للآيات، ومنها آية موسى (عليه السلام)، كما تحدث عن ذلك القرآن الكريم في أكثر من موضع، ومنها: قوله (تبارك وتعالى): (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)(٣٤٥).
 ومِن هذه الآيات وأمثالها يتضح أنَّ فرعون داخل في عموم قوله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)(٣٤٦)، ويشهد لذلك وصف القرآن الكريم له بعد أن رأى آية النبي موسى (عليه السلام) بقوله: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)(٣٤٧).
 الأمر الثالث: إنَّ ما ادّعاه أحمد إسماعيل من كون الغرض من المعاجز هو الإلباس يتنافى مع التالي:
أ - تعبير القرآن الكريم عن المعاجز بالآيات، كما في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(٣٤٨)، فإنَّ الآيات هي العلامات الواضحة، وهذا لا يجتمع مع كونها موجبة للتلبيس.
ب - تعبير القرآن الكريم عن المعاجز بالبينات، أي: الدلائل الواضحة، كما في قوله تبارك وتعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ)(٣٤٩)، ولا يقال: إنَّ المراد بـ (البينات) الكتب السماوية، فإنَّ تعقيب الآية على ذلك بقولها: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ) يمنع من هذا الاحتمال.
ج - الروايات الشريفة، ومنها: ما رواه الشيخ الكليني بسنده إلى أبي يعقوب البغدادي: «قال ابن السكيت لأبي الحسن (عليه السلام): لماذا بعث الله موسى بن عمران (عليه السلام) بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر، وبعث عيسى بآلة الطب، وبعث محمّداً (صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء) بالكلام والخطب؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إنّ الله لما بعث موسى (عليه السلام) كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم، وأنّ الله بعث عيسى (عليه السلام) في وقت ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم، وأنّ الله بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال الشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم».(٣٥٠)
 والعجيب من أحمد إسماعيل أنه نسب مضمون هذه الرواية الشريفة إلى الفهم السائد بين الناس، واستهزأ بذلك، والحال أنَّ هذا الفهم السائد هو ما نطق به الإمام الرضا (عليه السلام) في هذه الرواية الشريفة.
القانون الثالث: العلم
 والكلام حول هذا الطريق يقع في جهات ثلاث:
 الجهة الأولى: المراد من العلم.
 ومحصّل الكلام في هذه الجهة: أنّ العلم الحصولي - بلحاظ أسبابه - ينقسم إلى قسمين:
القسم الأوّل: العلم الاكتسابي، وهو العلم الذي تتحصّل عليه النفس عن طريق الإحساس، والتجربة، والبرهان.
القسم الثّاني: العلم الإفاضي أو الإشراقي أو اللدني(٣٥١)، وهو العلم الذي يفاض على صفحة النفس من قبل الله سبحانه وتعالى، أو من قبل جنوده (عليهم السلام).
ولا يخفى أن العلم اللدني الإفاضي أفضل وأجل وأنبل من العلم الاكتسابي، ولكنّه لا يتيسر إلا للنفوس الإلهية المهذّبة، التي لم تشبها رذيلة من رذائل الفكر، ولم تدنسها رذيلة من رذائل الأخلاق.(٣٥٢)
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الفرق بين العلم الاكتسابي، العلم الإفاضي اللدني، فرق شاسع جداً؛ إذ الأوّل قابل للخطأ والتشكيك بخلاف الثاني، ويمكن تقريب الفرق بين العلمين بسماع طرق على الباب، فإنه عن طريق البرهان - الذي هو عدم وجود المعلول من غير علّة - موجب للعلم بوجود طارق خلف الباب، ولكنّ هذا المقدار من العلم البرهاني الاكتسابي ليس كالعلم الذي يحصل من خلال رؤية نفس الطارق؛ إذ الأوّل قابل للتشكيك بخلاف الثاني، فإنه يتأبّى عن ذلك؛ لكونه عين اليقين(٣٥٣).
إذا اتّضح ذلك، قلنا: إنّ العلم المختزن عند أئمة الخلق والحق (عليهم آلاف التحيّة والسلام)، والذي اعتبرته الروايات الشريفة الآتية طريقاً من طرق ثبوت الإمامة، إنما هو خصوص العلم الإفاضي اللدني، وهذا ما سيتضح من خلال الجهات اللاحقة.
 الجهة الثانية: الدليل على طريقيّة العلم.
 وتدل على طريقيته روايات متعددة:
منها: موثّقة الحارث بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما يعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: بالسكينة والوقار والعلم والوصية»(٣٥٤).
ومنها: ما عن الحسن بن الجهم قال: «حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال: بالنص والدلائل.
قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: في العلم واستجابة الدعوة».(٣٥٥)
ومنها: ما عن سليمان بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «عشر خصال من صفات الامام: العصمة، والنصوص وأن يكون أعلم الناس، وأتقاهم لله، وأعلمهم بكتاب الله، وأن يكون صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له المعجز والدليل، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يكون له فيء، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه.».(٣٥٦)
ومنها: عن هشام بن الحكام عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل: «ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته».(٣٥٧)
الجهة الثالثة: الضّابط في تمييز العلم اللّدني عن غيره.
وهذه هي أهم جهات البحث حول هذا الطريق، ووجه أهميّتها هو التمكن من دحض دعاوى التّحدي بالعلم والنتاج الفكري التي يطلقها بعض أدعياء المهدوية، كالمدعو أحمد بن إسماعيل الذي كتب بعض الكتب الهزيلة علمياً، ثمّ خرج بها متحدياً مراجع الطّائفة أن يردّوا عليها، مدعياً أنّ العلم الذي اشتملت عليه هو المعجزة التي يقدّمها للعالم ليثبت إمامته.
لذا لزم بيان الضّابط الدّقيق الذي على أساسه يُميّز العلم اللدني - المجعول طريقاً لمعرفة الحجّة - عن غيره من العلوم التي يتسنى تحصيلها لغير الحجة، فنقول: إنّ الروايات الشّريفة قد ذكرت مجموعة من المظاهر التي يُمكن من خلالها تمييز العلم اللدني عن غيره.
المظهر الأوّل: العلم بالمغيبات.
 • ففي معتبرة أبي بصير: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ فقال: بخصال: أمّا أوّلها فإنّه بشيء قد تقدم من أبيه فيه باشره إليه لتكون عليهم حجة، ويُسئل فيجيب، وإن سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد».(٣٥٨)
 • وعن ميسر بياع الثياب الزطية قال: «قمت على باب أبي جعفر (عليه السلام) فطرقته، فخرجت إلي جارية خماسية، فوضعت يدي على رأسها وقلت لها: قولي لمولاك هذا ميسر بالباب. فناداني من أقصى الدار: ادخل لا أبا لك، ثم قال: أما والله يا ميسر لو كانت هذه الجدران تحجب أبصارنا عما تحجب عنه أبصاركم، لكنا نحن وأنتم سواء.
فقلت: والله ما أردت إلا لازداد بذلك إيمانا»(٣٥٩).
المظهر الثّاني: العلم باللغات.        
 وتدل على ذلك العديد من الروايات الشريفة:
 ومنها: معتبرة أبي بصير المتقدمة: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ فقال: بخصال: أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة، ويُسئل فيجيب، وإن سُكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان، ثم قال لي: يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم، فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية، فأجابه أبو الحسن (عليه السلام) بالفارسية، فقال له الخراساني: والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها، فقال: سبحان الله إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك، ثم قال لي: يا أبا محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام».(٣٦٠)
إشكالاتٌ حول مظهرية العلم باللغات:
وقد أشكل بعضهم على هذا المظهر بعدة إشكالات:
الإشكال الأول: استلزام نسبة صفات الله تعالى لمخلوقاته.
وقد تحدث عن ذلك أحد الأدعياء، فقال: (معرفة كل اللغات صفة من صفات الله تعالى، كما سيأتي ذكره في نصوص متعددة عن آل محمد (ع)، فلا يمكن أن يتصف بها مخلوق، لأن ذلك يعني أنه مساوٍ لله تعالى في ذلك، وهذا باطل بداهة، واكتساب معرفة كل اللغات أمر مستحيل وخارج عن استطاعة البشر مهما بلغ من الذكاء وسرعة الحفظ، فاللغات الحية الآن في العالم أكثر من ثلاثة آلاف لغة - كما قيل -، فضلاً عن اللغات المنقرضة الميتة، وحتى لو قلنا بأن اللغات هي ألف لغة فقط، وفرضنا أن شخصاً يتعلم كل لغة في شهرين فقط، فهذا يعني أنه سيتعلم الألف لغة في (١٦٦) سنة، وهذا مما لا يمكن حصوله لأحد من البشر عادة.
إذن فمعرفة كل اللغات خارجة عن قدرة أي فرد من أفراد البشر، بل خارج عن قدرة كل الخلق بما فيهم الملائكة، بعد أن عرفنا أنه من صفات الله تعالى، وبعد أن عرفنا استحالة اكتساب أي فرد من أفراد البشر لذلك)(٣٦١).
 دفع الإشكال الأول:
 ولا يخفى وهن هذا الإشكال جداً، ويرد عليه نقضاً وحلاً.
 أما نقضاً: فبالآيات الكثيرة التي نسبت بعض صفات الله تعالى لحججه (عليهم السلام)، نظير قوله تعالى: (أنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٣٦٢)، فإنَّ هذه الآية الكريمة قد نسبت عدة من صفات الله تعالى - وهي: الخلق، والإحياء، والعلم الغيبي - لنبي الله عيسى (عليه السلام)، فما يجيب به هؤلاء عن هذه الآية الكريمة هو جوابنا عمّا ذكروه.
 وإن أرادوا آية أقرب إلى ما نحن فيه فحسبهم قوله (تبارك وتعالى) على لسان نبي الله سليمان (عليه السلام): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)(٣٦٣)، فإنه قد نسب علم منطق الطير - والذي هو من صفات خالقها تعالى - لأحد حججه، وما يذكرونه جواباً عن هذه الآية فهو الجواب عن إشكالهم.
 وأما حلّاً: فإنَّ الصفات التي يُعتقد بوجودها لدى الحجة، والمشابهة لصفات الله تعالى شأنه - كالخلق، والإحياء، والإماتة، والعلم الغيبي - يمكن تصورها على نحوين:
 النحو الأول: أن يُعتقد باتصاف الحجة بها على نحو الذاتية والاستقلال.
 النحو الثاني: أن يُعتقد باتصاف الحجة بها بإفاضتها عليها مِن قبل الله تعالى.
 ومن الواضح أنَّ ما يمنعه الدليل ليس إلا النحو الأول، وأما النحو الثاني فلا ضير فيه، ويشهد لذلك أنَّ العديد من الصفات الإلهية قد نسبها الله تعالى لبعض عباده، نظير صفة الإحياء التي نسبها الله تعالى في الآية المتقدمة لنبيه عيسى (عليه السلام)، وصفة الإماتة التي نسبها الله تعالى لملائكته العظام.
 فظهرَ بما ذكرناه الوهنُ البالغ للإشكال بالمقدار الذي تقدم، والأوهن منه دعوى أنَّ ذلك يستحيل عادةً على البشر، لعدم استيعاب العمر الاعتيادي للإنسان لتعلم لغات العالم، وهذا من السخف بمكان؛ لوضوح أنَّ العلم باللغات عند الحجة ليس علماً اكتسابياً، وإنما هو علم يحصل بإفاضة الله تعالى، وهذا قد يتحقق في آنٍ واحد.
الإشكال الثاني: أنَّ الاعتقاد بعلم الحجة بجميع اللغات من المعارف العقائدية، وهذا النحو من المعارف لا يمكن ثبوته إلا بدليل قطعي الصدور والدلالة، ولا دليل على ذلك.
 وقد تحدث عن ذلك أحد الأدعياء، فقال: (إن هذا أمر عقائدي ولا يثبت إلا بدليل قطعي الدلالة والصدور، فهل اشتراط معرفة الإمام لكل اللغات ثابت بدليل قطعي الدلالة والثبوت حتى نعمل به في العقائد؟! الجواب: كلا.. كما سيأتي بيانه عند التطرق إلى الروايات التي يستدل بها على ذلك)(٣٦٤).
 دفع الإشكال الثاني:
 ويلاحظ على هذا الإشكال:
 أولاً: أنَّ صاحبه يعتقد بأنَّ كلَّ مَن بلغته دعوة اليماني - والذي يطبقونه بحسب زعمهم على إمامهم أحمد إسماعيل - ولم يبايعه فهو من أهل النار، والحال أنه لا توجد إلا رواية واحدة بهذا المضمون، وهي ضعيفة السند، فكيف صحّ له بناء عقيدة خطيرة عليها - وهي الاعتقاد بأنّ أكثر الشيعة من أهل النار - مع ما هي عليه من الضعف؟!
 وكم هي المفارقة عجيبة عند هؤلاء القوم، فتراهم يبنون عقيدة خطيرة جداً على روايةٍ ضعيفة؛ لمجرد موافقتها لأهوائهم، ويهدمون عقيدة علم المعصوم (عليه السلام) باللغات مع أنها مبنية على رواياتٍ صحيحة؛ لا لشيء إلا لأجل أنها تشكّل عقبة في طريق إثبات إمامة إمامهم المزعوم، لعدم قدرته على النطق بجميع اللغات(٣٦٥).
وثانياً: أنَّ صاحب الإشكال قد خلطَ بين أصول العقائد وفروعها؛ لوضوح أنَّ العقائد التي لا سبيل لإثباتها إلا بالدليل القطعي هي أصول العقائد، كالتوحيد والنبوة والإمامة، وأما فروع العقائد فيكفي ورود دليل معتبر لإثباتها.
وقد صرّح بذلك عدة من أعلامنا (أنار الله برهانهم)، ويكفيك ما أفاده سيد الطائفة الخوئي قدّس سره بقوله: (وأمّا الظن المتعلق بالأُصول الاعتقادية: فلا ينبغي الشك في عدم جواز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً، كمعرفة البارئ (جلّ شأنه)، أو شرعاً كمعرفة المعاد الجسماني، إذ لا يصدق عليه المعرفة، ولا يكون تحصيله خروجاً من ظلمة الجهل إلى نور العلم.
إلى أن قال: وأمّا إن كان الظن متعلقاً بما يجب التباني وعقد القلب عليه والتسليم والانقياد له، كتفاصيل البرزخ وتفاصيل المعاد ووقائع يوم القيامة وتفاصيل الصراط والميزان ونحو ذلك ممّا لا تجب معرفته، وإنّما الواجب عقد القلب عليه والانقياد له على تقدير إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) به، فإن كان الظن المتعلق بهذه الاُمور من الظنون الخاصّة الثابتة حجّيتها بغير دليل الانسداد فهو حجّة، بمعنى أنّه لا مانع من الالتزام بمتعلقه وعقد القلب عليه، لأنّه ثابت بالتعبد الشرعي)(٣٦٦).
وعلى ضوء ذلك يتضح أنَّ مسألة علم المعصوم (عليه السلام) باللغات، لعدم كونها من أصول العقائد، لا تحتاج لأكثر من دليل معتبر، وقد تقدم أنَّ رواية أبي بصير رواية معتبرة، فبها الكفاية لمن اكتفى، ما بالك وهي معتضدة بروايات عديدة؟!(٣٦٧).
الإشكال الثالث: أنّ الاعتقاد بعلم المعصوم بكلّ اللغات منقوض بخبر أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فلما انتهوا إلى الجبل انفرج وخرجت الألواح ملفوفة كما وضعها موسى (عليه السلام)، فأخذها القوم، فلما وقعت في أيديهم القي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها، وهابوها، حتى يأتوا بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنزل الله جبرئيل على نبيه فأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا.
فلما قدموا على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ابتدأهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فسألهم عما وجدوا فقالوا: وما علمك بما وجدنا؟ فقال: أخبرني به ربي، وهي الألواح، قالوا: نشهد أنك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فأخرجوها فدفعوها إليه. فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني، ثم دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: دونك هذه ففيها علم الأولين وعلم الآخرين، وهي ألواح موسى، وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك.
قال: يا رسول الله لست أحسن قراءتها، قال: إن جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قراءتها، قال: فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شيء فيها، فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وسلم أن ينسخها فنسخها في جلدة شاة وهو الجفر وفيه علم الأولين والآخرين، وهو عندنا والألواح وعصى موسى عندنا، ونحن ورثنا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).»(٣٦٨).
دفع الإشكال الثالث:
ويردُ على الاستشكال بهذا الخبر:
أوّلاً: إنّه ضعيف السند، فلا يصلح لمعارضة صحيح السند؛ إذ غير الحجة لا يعارض الحجة.
ثانياً: أنّه معارض بروايات متعدّدة تدل على علم أمير المؤمنين (عليه السلام) باللغة العبريّة، منها: خبر جويريّة في ردّ الشمس، قال: «فنزل ناحية فتوضأ، ثم قام فنطق بكلام لا أحسبه إلا بالعبرانية، ثم نادى بالصلاة، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلى العصر وصليت معه.
قال فلما فرغنا من صلاته عاد الليل كما كان، فالتفت إلي، فقال: يا جويرية بن مسهر، إن الله يقول فسبح باسم ربك العظيم، فإني سألت الله باسمه العظيم فرد علي الشمس».(٣٦٩)
وفي قضية نقصان الفرات المشهورة كذلك ما يدلّ على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عالماً بالعبرية(٣٧٠)، والشواهد كثيرة.
المظهر الثّالث: عدم محدودية العلم.
 فعن أبي الجارود، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إذا مضى الإمام القائم من أهل البيت فبأي شيء يعرف من يجيء بعده؟ قال: بالهدى والإطراق، وإقرار آل محمد له بالفضل، ولا يسأل عن شيء بين صدفيها إلا أجاب»(٣٧١)
ووجه دلالتها على عدم المحدودية: دلالة لفظة (شيء) على العموم، حيث قرّر علماء الأصول أن أقوى الألفاظ دلالة على العموم لفظة (شيء)؛ لكون الموجودات كلها داخلة في مفهوم الشيئية.
وبعبارة أخرى: كلمة (شيء) مستغرقة في العموم؛ لشمول مفهومها لكل الممكنات، بل حتى للواجب (سبحانه وتعالى)، فقد ورد أنه (شيء بحقيقة الشيئية).
ولا شك في كون هذا مظهراً للعلم اللدّني؛ إذ العلم الاكتسابي مهما اتسع فإنه يبقى محدوداً، ولكنَّ العلم المُفاض مِن قبل الله تعالى لا حدّ يحده.
القانون الرّابع: السلاح
والكلام حول هذا الطريق يقع في جهات ثلاث:
 الجهة الأولى: المراد من السلاح.
المستفاد من الأخبار الشريفة أن السّلاح عبارة عن درع يتوارثه الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم كابراً عن كابر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويستوي عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم دون غيرهم، وتشهد بذلك مجموعة من الأخبار:
منها: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «للإمام عشر علامات: يولد مطهرا، مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت عليه وفقا وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا، وهو محدث إلى أن تنقضي أيامه»(٣٧٢)
ومنها: معتبرة الحسن بن فضال: «عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: للإمام علامات يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختونا، ويكون مطهرا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادة، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)»(٣٧٣).
 ولا يُقال: إنّ علامية السلاح قابلة للتلبيس، بتقريب: أنّ المدّعي قد يأتي بدرع ويفصّله على مقاسه فلا ينطبق إلا عليه، ويكون ذلك مبررا للإدّعاء بأنّ هذا صاحب هذا الدّرع هو مصداق تلك الرّوايات الشريفة، حيث إنّه لا ينطبق إلا عليه.
 فإنه يُقال: إنَّ صريح خبر زرارة المتقدم هو أنَّ الدرع المذكور له مظهر إعجازي، بحيث أنَّ كلّ مَن لبسه، سواء كان طويلاً أم قصيراً، يزيد عليه شبراً، ومن الواضح أنَّ مثل هذا الدرع الذي يزيد شبراً عن كل أحد مهما كان حجمه، ولا يستوي إلا على الحجة فقط، لا يمكن التلبيس به.
فما هو الجواب؟
 الجهة الثانية: الدليل على طريقيّة السلاح.
وتدلّ على ذلك جملة من الأخبار:
منها: خبر الحارث بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بأي شيء يعرف الإمام؟ قال: بالسكينة والوقار.
قلت: وبأي شيء؟، قال: وتعرفه بالحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه، ولا يحتاج إلى أحد، ويكون عنده سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)»(٣٧٤)
ومنها: معتبرة الحسن بن فضال - المتقدّمة - عن الإمام الرضا (عليه السلام): «للإمام علامات...إلى أن يقول: ويكون دعاؤه مستجابا حتى لو أنه دعا على صخرة لانشقت نصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(٣٧٥)
ومنها: خبر سعيد السمان قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل أيّ أهل بيت وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منّا أوتي الإمامة»(٣٧٦)
ومنها: صحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار التابوت أوتوا النبوة، وحيثما دار السلاح فينا فثم الأمر».(٣٧٧)
ووجه الاستدلال بهذه الروايات الشريفة المعتبرة: أنّها بصدد بيان العلامات التي يميز بها الصادق من الكاذب في ادّعاء المنصب الإلهي، وقد جعلت - كما هو واضح - سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) علامةً فارقة للحق عن الباطل، فمن كان معه السّلاح بالوصف المتقدّم في الروايات الشريفة كان حجة الله تبارك وتعالى على خلقه.
 الجهة الثالثة: إشكال ورده
وحاصل الإشكال: أن ظاهر هذه الروايات من السّلاح ليس مقصوداً، بل إنّ القرائن موجبة لرفع اليد عنه وصرفه عن ظاهره إلى العلم، وهذه القرائن ثلاث:
القرينة الأولى: معتبرة الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لبس أبي درع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات الفضول فخطت ولبستها أنا ففضلت»(٣٧٨)
وتقريب قرينيتها: أنّ القول بعلامية الدرع للإمامة يترتب عليه تال فاسد ولازم خطير، وهو سلب مقام الحجيّة عن الإمامين الباقر والصادق ع، لعدم تناسب الدّرع مع جسديهما المطهرين، ودفعاً لهذا اللازم الخطير نصرف السلاح عن ظاهره ونؤوّله بالعلم.
مناقشة القرينة الأولى:
ويرد على التمسّك بهذه القرينة: أنّها مبنية على الاستقراء الناقص، وعدم استيفاء الفحص في الروايات الشريفة، وذلك أنّ مفهوم السلاح في روايات أهل البيت (عليه السلام) له مصداقان:
المصداق الأوّل: درع الجهاد.
المصداق الثّاني: درع الإمامة.
والمأخوذ في الروايات الشريفة طريقاً للإمامة، ومُعرِّفاً للحجّة، ومُميِّزاً لصاحب المنصب الإلهي، هو خصوص الثّاني، لا الأوّل.
والمُتمسَّك به في إشكال القوم، ونقضهم على علاميّة السلاح، هو خصوص الأوّل لا الثّاني.
وببيان آخر:
إنّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) درعين:
الأوّل: لا يستوي إلا على من كانت وظيفته الجهاد من الأئمة (عليهم السلام)، وهو درع الجهاد.
والثّاني: لا يستوي إلا على من كان إماماً وحجةً من قبل الله (عزَّ وجلَّ)، وهو درع الإمامة.
وممّن نصّ على ذلك من أعلامنا الأبرار، المجلسي الأوّل قدّس سره حيث قال: «الذي يظهر من الأخبار أنه كان لهم درعان، درع الإمامة، وبلبسه يعرف الإمام (عليه السلام)، ودرع الجهاد وبلبسه يعرف أنه هل أذن لهم فيه أم لا أو كان واحدا ويعرف به الأمر أن معجزة كما كان لاشمويل ولبسه أكابر بني إسرائيل فلم يستو إلا على قامة طالوت ولبسه الشجعان منهم فلم يستو إلا على قامة داود.»(٣٧٩)
القرينة الثانية: معتبرة عبد الله بن أبي يعفور قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، حيثما دار التابوت دار الملك، فأينما دار السلاح فينا دار العلم»(٣٨٠)
وقد قرب الاستدلال بها بعضهم فقال: «وهذا يذكرنا بقول رسول الله (ص) لعمار: إن الحق يدور مع علي حيثما دار، وهذا يعني أن الحق هو علي (ص) وعلي (ص) هو الحق، أي أن علي (ص) مصداق من مصاديق الحق ومصاديق الحق كما بينهم رسول الله(ص) في وصيته وهم اثنا عشر إماما واثنا عشر مهديا، كذلك فالعلم مصداق من مصاديق السلاح».
 ومقصود المدّعي من كلامه هذا: أنه كما أنَّ الحق الذي يدور مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس شيئاً سواه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ليس شيئاً سوى الحق، كذلك أنَّ العلم ليس شيئاً سوى السلاح، والسلاح ليس شيئاً سوى العلم.
مناقشة القرينة الثانية:
ويرد عليهم نقضاً وحلاً:
أمّا النقض: فإنّ الرواية قد قالت: «إنّما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، حيثما دار التابوت دار الملك»، وإذا قلنا إنَّ الدوران يعني الاتحاد، فلازم هذا أن يكون التابوت هو نفسه الملك (النبوّة)، والملك (النبوّة) هو نفسه التابوت، وهذا كما ترى؛ فإنَّ التابوت علامة الملك والنبوة، وليس نفس النبوة، ويشهد لهذا قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ)(٣٨١).
وأما الحل: فإن غاية ما تدل عليه الرواية هو وجود الملازمة بين السلاح والعلم، أو فقل: إن العلم والسلاح متلازمان لا ينفكّان وجوداً؛ إذ أنّ كلّ من عنده السّلاح فهو الحجّة، وبما أنَّ الحجّة لا بدَّ أن يكون عالماً بالعلم اللدني، فيكون العلم والسلاح متلازمين وجوداً بالضرورة، بحيث متى ما وُجِد أحدهما كان الآخر موجوداً معه.
القرينة الثالثة: مقتضى الجمع بين روايات الجفر، ففي رواية أبي القاسم الكوفي عن بعض أصحابه: «ذكر ولد الحسن الجفر فقالوا: ما هذا بشيء، فذكر بشر ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: نعم هما إهابان اهاب ماعز واهاب ضأن مملوان علما كتبا»(٣٨٢)، وفي رواية أخرى عن الصادق (عليه السلام): «ما هو والله كما يقولون، انهما جفران مكتوب فيهما، لا والله انهما لإهابان عليهما أصوافهما واشعارهما، مدحوسين كتبا في أحدهما وفى الاخر سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)».(٣٨٣)
وتقريب الاستدلال بهاتين الروايتين: أن مقتضى الجمع بين هذين الخبرين أن يُقال إنَّ العلم هو عينه السلاح، إذ أن الرواية الأولى قد صرّحت بأن الجفرين مملوءان علماً، بينما الرواية الثانية نصّت على أن الجفر الثاني فيه سلاح رسول الله، فلابد حينئذ من حمله على العلم حتى يصحّ أن يُقال بأنهما مملوءان علماً.
مناقشة القرينة الثالثة:
ويردُ على هذه القرينة نقضاً وحلاً أيضاً:
أما النّقض: فإنّ لازم هذا الفهم السقيم أن يكون السلاح أيضاً موجوداً في كلا الكيسين، بمقتضى ما التزموا به من أنَّ السلاح هو نفسه العلم، وضميمة الرواية المصرّحة بأنَّ الكيسين مملوءان علماً، وبعبارة أخرى: إذا كان سلاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو العلم، فهذا يقتضي أن يكون السلاح فيهما معاً، نظراً لتصريح الرواية بكونهما مملوئين علماً، ولكنّ هذا مناقض للرواية الثانية التي تقول: أن السلاح في أحدهما دون الآخر.
وأمّا الحل: فإن مقتضى قواعد المحاورة عند العقلاء وأهل اللّسان هو: عدم التنافي بين المثبتات، فمثلاً لو قال أحدهم: أعطيتك كيسين مملوئين كتباً، ثم قال: وفي أحدهما تربة الحسين (عليه السلام)، لم تجد تنافياً بين قوليه، بل تفهم منه أن كلا الكيسين مملوءان كتباً، ويزيد أحدهما على الآخر بوجود تربة سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) فيه، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنَّ الروايتين مثبتتان، ويكون حاصلهما أنَّ الجفرين مملوءان علماً، ويزيد أحدهما على الآخر بوجود سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه.
 على أنّ الروايات الشريفة بيّنت بوضوح ما يشتمل عليه الجفران، ففي صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ عندي الجفر الأبيض قال: قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم (عليه السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم انّ فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش وعندي الجفر الأحمر قال: قلت: وأيّ شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح وذلك إنّما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن فقال: إي والله كما يعرفون الليل انّه ليل والنهار انّه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم».(٣٨٤)
 الخاتمة: شواهد تفريق الروايات الشريفة بين السلاح والعلم.
 الشّاهد الأوّل: عطف السلاح على العلم.
والأصل في المتعاطفين هو التغاير، ومن هذه الروايات: معتبرة بريد العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، قال: إيانا عنى، أن يؤدي الأول إلى الامام الذي بعده الكتب والعلم السلاح»(٣٨٥).
 الشاهد الثاني: تطبيق السلاح على السيف.
وتشهد له صحيحة البزنطي: «وسمعت الرضا (عليه السلام): أتاني إسحاق فسألني عن السيف الذي أخذه الطوسي، هو سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقلت له: لا، إنما السلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، أينما دار السلاح كان الملك فيه».(٣٨٦)
الشاهد الثالث: استيداع الإمامين الحسنين (عليهما السلام) السلاح عند السيدة أم سلمة رضوان الله عليها خشية تفتيشهما.
ومن الواضح أن ما يمكن استيداعه خشية العثور عليه إنما هو سلاح الحرب لا العلم، ففي حسنة حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عما يتحدث الناس أنه دفعت إلى أم سلمة صحيفة مختومة، فقال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لما قبض ورث علي (عليه السلام) علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين (عليهما السلام) فلما خشينا أن نغشى استودعها أم سلمة ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: فقلت: نعم ثم صار إلى أبيك ثم انتهى إليك وصار بعد ذلك إليك، قال: نعم».(٣٨٧)
القانون الخامس: الدعوة إلى حاكمية الله تعالى
استدل (أحمد إسماعيل) لإثبات إمامته وكونه من أصحاب المناصب الإلهية بتبنيه دون سواه لمبدأ (حاكميّة الله تعالى) ورفعه لراية (البيعة لله).
وعن ذلك تحدث أحد أتباعه، فقال: (الحلقة الثالثة في قانون معرفة الحجة هي الدعوة إلى حاكمية الله)(٣٨٨)، وقال أيضاً: (وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد على حاكمية الله، وأن حجج الله لا يرضون بهذه الحاكمية بدلاً)(٣٨٩).
والمتحصّل من كلام هذا المدّعي: أنَّ الدعوة لحاكمية الله تعالى أمارة من أمارات صدق الدعوة، وارتباط صاحبها بالله تعالى.
وقد رتب (أحمد إسماعيل) على ذلك ما تحدث عنه بقوله: (والمهم أنَّ على عامة الناس أن يجتنبوا إتباع العلماء غير العاملين؛ لأنهم يقرون حاكمية الناس والانتخابات والديمقراطية التي جاءت بها أمريكا " الدجال الأكبر "، وعلى الناس إقرار حاكمية الله وإتباع الإمام المهدي (عليه السلام) وإلا فماذا سيقول الناس لأنبيائهم وأئمتهم؟ وهل يخفى على أحد أن جميع الأديان الإلهية تقر حاكمية الله وترفض حاكمية الناس، فلا حجة لأحد في إتباع هؤلاء العلماء بعد أن خالفوا القرآن والرسول وأهل البيت (عليهم السلام) وحرفوا شريعة الله سبحانه وتعالى.
 وهؤلاء هم فقهاء آخر الزمان الذين يحاربون الإمام المهدي (عليه السلام)، فهل بقي لأحد ممن يتبعهم حجة بعد أن اتبعوا إبليس (لعنه الله) وقالوا بحاكمية الناس؟!! مع أن جميع الأديان الإلهية تقر حاكمية الله سبحانه... هل سيقول المسلمون - وبالخصوص الشيعة - للإمام المهدي (عليه السلام): ارجع يا بن فاطمة فقد وجد فقهاؤنا الحل الأمثل وهو الديمقراطية والانتخابات؟! وهل سيقول مقلدة الفقهاء - فقهاء آخر الزمان - للإمام المهدي (عليه السلام): لقد تبين لفقهائنا أن الحق مع الشورى والسقيفة والانتخابات؟!
 وهل سيقولون أخيرًا: إن أهل السقيفة على حق، وإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) متشدد؟! أم ماذا سيقولون وكيف سيحلون هذا التناقض الذي أوقعوا أنفسهم فيه؟!
 ولا أقول لهؤلاء الفقهاء - بحسب الرأي السائد عنهم، وإلا فإني لا أعتبرهم فقهاء - إلا ما يقوله الإنسان العراقي البسيط: "هو لو دين لو طين "، وأنتم سويتوها طين بطين.
 فنحن الشيعة نعترض على عمر بن الخطاب أنه قال شورى وانتخابات، واليوم أنتم يا فقهاء آخر الزمان تقرون الشورى والانتخابات فما عدا مما بدا؟!)(٣٩٠).
 مناقشة الاستدلال بدليل الدعوة إلى حاكمية الله:
 وبعد أن تعرفنا على هذا الدليل من كلمات أصحابه، نشرع الآن في تسجيل ملاحظاتنا عليه:
 الملاحظة الأولى: أنَّ المدّعى للقوم هو أنَّ الدعوة إلى حاكمية الله تعالى من قوانين معرفة الحجة، وعلى ذلك فإنَّ كلَّ مَن يرفع شعار الدعوة إلى الله فهو حجة من حججه تعالى، ولكنهم لم يسوقوا دليلاً واحداً على صحة هذا الإدّعاء، بل كل ما ذكروه من النصوص القرآنية والحديثية لا يثبت أكثر من كون الحاكمية لله تعالى، وهذا مما لا ينازع فيه مسلم.
 والحاصل: فإنَّ ما ادعاه القوم لم يستدلوا عليه، وما استدلوا به لا ربط له بما ادعوه.
 الملاحظة الثانية: أنَّ القول " بأنَّ الدعوة إلى حاكمية الله دليلٌ على صدق مدعيها، وأنه من حجج الله تعالى " له تالٍ فاسد، والتالي الفاسد كاشفٌ عن فساد متلوه.
وبيان ذلك: أنَّ الخوارج من أبرز مصاديق الدعاة الذين حملوا راية الدعوة إلى حاكمية الله تعالى، حيث كان شعارهم (لا حكم إلا لله)(٣٩١)، فلو كان هذا دليلاً على صدق الدعوة لكان الخوارج من حجج الله تعالى، وبما أنَّ هذا التالي بيّن الفساد، فهو بالإّن يدل على فساد كون الدعوة إلى حاكمية الله قانوناً من قوانين معرفة الحجة.
الملاحظة الثالثة: نسب المدعو (أحمد إسماعيل) إلى مراجع الشيعة أنهم يتبنون حاكمية الناس لا حاكمية الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك عن طريق تجويزهم للمشاركة في عملية الانتخابات وكتابة الدستور، وبالتالي فهم بذلك يخالفون صريح الآيات والروايات التي تؤكد حاكمية الله (عزَّ وجلَّ).
وهذا ما جاء في كلامه المتقدم، ومِن كلامه أيضاً قوله: (فالله سبحانه في القرآن يقول (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة) وأنزل الدستور والقانون في القرآن، وهؤلاء يقولون إنّ الحاكم أو الخليفة يعيَّنه الناس بالانتخابات، والدستور يضعه الناس! وهكذا عارض هؤلاء العلماء غير العاملين دين الله سبحانه وتعالى بل عارضوا الله سبحانه ووقفوا إلى صف الشيطان الرجيم لعنه الله)(٣٩٢).
 ولا شك في كون هذه النسبة مجانبة للواقع تماماً؛ فإن علماء الإمامية قاطبة متفقون على أن الحاكمية ليست إلا حاكمية الله تبارك وتعالى، بملاك كونه خالقاً ومالكاً لكلّ شيء، حتى وإن لم تُثبت ذلك آية ولا رواية، إلا أنّه تبارك وتعالى قد فوّض الحاكمية لبعض عباده وهم الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وآخرهم هو الإمام المنتظر (أرواحنا فداه).
 وإنما الكلام في الحاكمية حال غيبته صلوات الله وسلامه عليه، ولأعلامنا (قدس الله أسرارهم) رأيان في هذه المسألة:
 الرأي الأول: أن الحاكمية قد انقطعت بعد الغيبة الكبرى، وقد تبنى أصحاب هذا الرأي حرمة تأسيس الحكومات في زمن الغيبة الكبرى، ومستندهم في ذلك روايات متعددة، منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كلُّ راية ترفع قبل قيام القائم (عليه السلام) فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله (عزَّ وجلَّ)»(٣٩٣).
 الرأي الثاني: وجوب تأسيس الحكومة الإسلامية لمبسوط اليد من الفقهاء، لا لمطلق الفقيه.
 ولسنا هنا بصدد التبني لهذا الرأي أو سابقه، وإنما بصدد إيضاح الصورة ليس إلا، والتفصيل موكول إلى محله.
 وكيف كان؛ فإنه بناءً على الرأي الأوّل، وكذا بناءً على عدم وجود فقيه مبسوط اليد، لا يعقل إبقاء الناس في هرج ومرج وفوضى نظامية؛ بل لا بدَّ من انتخاب حكومة وضعية تحفظ للمجتمع أمنه وأمانه.
 وبعبارة أخرى: إنَّ الأمر بناءً على الفرضين المذكورين يدور بين ترك النظام فوضى، أو تعيين شخص يحمل صلاحية حفظ النظام وأمر العباد في البلاد، ولا شك في أن العقل يقضي بضرورة اختيار الثاني وقبح الأوّل.
 وإذا كان الأمر كذلك، فهذا الشخص لا يخلو إما ان يكون منصوباً من قبل الله (عزَّ وجلَّ)، أو من قبل الناس، أو يستولي على الحكم بالقهر والغلبة، وبما أنَّ هذا الثالث معلوم البطلان، فينحصر الأمر في الفرضين الأولين، وبما أنَّ النصب من قبل الله منتف في عصر الغيبة بحسب الفرض، فيتعين أن يكون بانتخاب الأمة.
 وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سمع قول الخوارج: (لا حكم إلا لله) حيث قال: «كلمة حق يراد باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله. ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر»(٣٩٤).
 ومثله قوله (عليه السلام): «والواجب في حكم اللّه وحكم الاسلام على المسلمين بعدما يموت إِمامهم أو يقتل، ضالا كان أو مهتدياً مظلوماً كان أو ظالماً حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملا ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلا، ولا يبدؤوا بشئ قبل ان يختاروا لأنفسهم إِماماً»(٣٩٥).
 ولا يُقال: إنَّ هذا المقطع قد صدر من أمير المؤمنين (عليه السلام) من باب الإلزام لمعاوية، وإلا فإنه في ذيله قد أنكر أن تكون الخيرة للناس، حيث قال: «هذا أول ما ينبغي أن يفعلوه، أن يختاروا إماما يجمع أمرهم - إن كانت الخيرة لهم - ويتابعوه ويطيعوه، وإن كانت الخيرة إلى الله (عزَّ وجلَّ) وإلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في ذلك والاختيار».
 فإنه يُقال: إنَّ الأمير (عليه السلام) كان في مقام الاحتجاج بالقاعدة العقلائية التي أشرنا إليها، ثم قام بتطبيقها على نفسه الشريفة، وبما أنه كان منصباً من قبل الله تعالى فلا شك في رجحان تعينه للإمامة؛ إذ لا اختيار للناس مع اختيار الله تعالى، فالإمام (عليه السلام) لم يخطّئ القاعدة، بل طبقها.
 ومن الواضح أنَّ ما كان في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينطبق على زماننا؛ إذ أنَّ الحاكم المختار من قبل الله تعالى غائب عن الناس، وحينئذ يدور الأمر بين اللانظام أو النظام المنتخب، والثاني هو مقتضى العقل الراجح والفطرة السليمة.
 فظهر أنَّ ما يدعو له مراجع الطائفة لا يعدو كونه علاجاً عقلائياً في ظلّ غياب الحاكمية الإلهية المتمثلة في إمام العصر والزمان (أرواحنا فداه)، وهذا لا يعني رفع اليد عن حاكمية الله تعالى، فإنّها تبقى الأمل الذي ينشده كلّ شيعي بقوله: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ، تُعِزُّ بِهَا الإِسْلَامَ وأَهْلَه، وتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وأَهْلَه، وتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى طَاعَتِكَ والْقَادَةِ فِي سَبِيلِكَ، وتَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ»(٣٩٦).

الفصل الخامس: مناقشة دعاوى أدعياء المهدوية

ملاحظة مهمّة قبل الشروع في بيان أدلتهم ومناقشتها
وهنا أمران لابد من التنبيه عليها:
الأمر الأول: أننا أخذنا على أنفسنا أن نقوم بتقرير أدلّة أدعياء المهدوية تقريراً علمياً، ببيان المقدّمات والخلوص إلى النتائج بتسلسل منطقي محكم، فلا يُتوهم أن ترتيب المقدّمات وتحليل الدليل بالشكل الذي سنذكره مستفاد من كلماتهم، وإن كان أصل الدليل مذكوراً فيها، كما سيتضح.
الأمر الثاني: أنّ سيرة أعلامنا العظام قد جرت على تقرير أدلّة الخصم بأمتن الوجوه والطرق وليس ذاك إلا لأمانتهم وقوّة مذهب الحق الذي لا يخشى مواجهة الخصم كائناً من كان، وقد انتهجنا منهجهم في مناقشتنا لأدلة القوم، فحاولنا أن نعطي وجها علميا لكلماتهم وأدلتهم حتى نثري البحث في مقام الجواب والرّد فلا تُفَوَّت الفوائد على طالبيها.
فإذا اتّضح ذلك قلنا: إن لهؤلاء مجموعة دعاوى، نشرع - بحول الله ومدده - بالرد عليها بعد بيانها واحدة بعد أخرى إن شاء الله تعالى.
الدعوى الأولى: وجوب التعرّف على أدلة الدعوة اليمانية
تقدّم في الأبحاث السابقة أن الموقف الصحيح من دعاوى المهدوية في زمن الغيبة الكبرى هو تكذيبها وعدم الإصغاء والاستجابة لها من الأساس.
إلا أن بعض المغرضين حاولوا أن يلبّسوا على الناس، مستدلّين بدليل ذكرها علماؤنا (قدست أسرارهم الزكية) في كتبهم الكلامية، وهو المعروف بدليل دفع الضرر المحتمل، في محاولة سقيمة لتضليل الناس وإرغامهم على التعرف على أدلّة هذه الدعوة الضالة.
ويمكن تقريب ما استندوا إليه ببيان مقدمتين:
المقدمة الأولى: لزوم دفع الضرر المحتمل.
وقد تقدّم الكلام عن هذا القانون - المسلّم بين الجميع - وأن مدركه هل هو العقل أو الفطرة، وهو خلاف مشهور بين الأعلام والمحققين، ولا يعنينا تحقيقه هنا، بل الذي نريده أن نبيّنه هو أن هذا القانون محل تسليم ولا خلاف عليه، وقد تقدّم بيانه.
المقدمة الثانية: إن ترك الإصغاء لدعاوى المهدوية مظنة الضرر الأخروي، وهو أشد من الضرر الدنيوي، إذ الثاني محدود، والأول لا حد له.
وتتضح هذه المقدّمة بالالتفات إلى النقاط التالية:
الأولى: إنَّ بعض الروايات - كما سيأتي - تنص على أن التخلف عن بيعة اليماني - لمن بلغته الدعوة والبيعة - يلزم منه صيرورة المتخلف من أهل النار.
الثانية: لقد جاءنا شخص يدّعي أنه اليماني، ويعرض أدلة يزعم أنّها تثبت صحة دعواه، ولا أقل من احتمال صدقه ولو بنسبة واحد بالمئة.
الثالثة: إنَّ عدم الإصغاء إلى أدلته مظنة الضرر الأخروي، نظراً لاحتمال صدقه.
فالنتيجة: يجب بحكم العقل الإطلاع على دعوته والإصغاء لأدلته دفعاً للضرر المحتمل.(٣٩٧)
والجواب:
أننا نسلّم معهم الكبرى، ولكن الكلام فعلاً في الصغرى، إذ أننا نجزم ونقطع بأن عدم الإصغاء لهذه الدعوة الضالة ليس فيه مظنة الضرر الأخروي، بل لا نحتمل الضرر ولو بمقدار ذرة، وبيان ذلك بمقدمتين:
المقدمة الأولى:
أن جريان قاعدة (لزوم دفع الضرر المحتمل) إنما هو في حال عدم وجود المؤمّن الشرعي من الضرر، وأما في صورة وجود المؤمّن فإنّه يمُنع جريانها.
ومثاله: أن المقرر في الفقه الشريف أن أحد شرائط صحة الصلاة هو طهارة اللباس، ولكن لو شك المصلي في طهارة ثوبه فإنّه لا يقال له: إنك غير مأمون من الضرر الأخروي لاحتمالية نجاسة ثوبك وبالتالي بطلان صلاتك فتستحق الضرر الأخروي، واللازم عليك دفع الضرر بالتيقن من طهارة ثوبك.
إذ يُجاب عنه: بأن الشارع المقدّس قد أعطانا مؤمّناً شرعياً، وهو قاعدة الطهارة التي تنص على طهارة كل شيء حتى نعلم بنجاسته، وهذه القاعدة مانعةٌ من جريان قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل.
المقدمة الثانية:
أن قاعدة (لزوم دفع الضرر المحتمل) لا تجري في موردنا لوجود المؤمّن الشرعي، والمانع من جريانها، وهو عبارة عن خمسة مؤمّنات:
المؤمّن الأول: وجوب تكذيب مدّعي المشاهدة.
كما ورد في التوقيع الشريف للسمري قدّس سره، حيث أمرنا فيه بتكذيب من يدّعي المشاهدة، وقد تقدّم في الفصل السابق تفصيله وبيان أن المراد منه هو إدعاء السفارة والنيابة الخاصة عن مولانا الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، فراجع.
المؤّمن الثاني: حرمة الإستجابة لأي دعوة في زمن الغيبة الكبرى.
وقد تقدّمت الإشارة إليها في الفصول السابقة، وهي مستفادة من العديد من النصوص الشريفة، كمعتبرة جابر بن يزيد الجعفي، قال: «قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): يا جابر، الزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها»(٣٩٨)
 وصحيحة عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني، فقلت: جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا.»(٣٩٩)
وخبر سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا سدير، الزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك»(٤٠٠)
المؤمّن الثالث: وجوب التمسك بثوابت المنظومة العقدية الشيعية.
وبيانه: أنَّ هذه المنظومة المقدّسة تتكون من جزئين:
الجزء الأول: الثوابت، والضرورات.
الجزء الثاني: المتغيرات.
فالثاني من قبيل الفتاوى الفقهية، إذ ربما يفتي الفقيه بمسألة، ثم يتبدّل رأيه - تبعاً للدليل - بعد سنوات، أو أنّه يفتي بشيء ولكن غيره من الفقهاء يفتي بخلافه.
والأول: على قسمين أيضاً، فإنّه تارةً تكون الضرورة فقهية كوجوب الصلاة والصوم والخمس وبعض تفاصيلها الضرورية، وتارة أخرى تكون عقديةً كحصر العصمة الواجبة في الأنبياء والمعصومين الأربعة عشر، وحصر الإمامة في إثني عشر إماماً صلوات الله وسلامه عليهم، ومن جاءنا بغير ذلك فهو خارج عن مذهبنا لإنكاره ضروريا من ضرورياته، ومن جملة هذه الثوابت، ما تقدّم برهانه وبيانه من ضرورة انقطاع السفارة والنيابة الخاصة بعد النائب الرابع قدس سره الشريف، وقد مرّ كلام ابن قولويه قدّس سره وإقرار الأساطين به.
والحاصل: فإنّ أمر الشارع بالتمسّك بالثوابت يكفي للتأمين عن الضرر المزعوم وقوعه لمن لم يصغ لأدعياء المهدوية في دعواهم النيابة الخاصة والإمامة والعصمة، وهذا المؤمّن مستفادة من عدّة نصوص.
منها: صحيحة الحارث بن المغيرة النصري أنه سأل إمامنا الصادق (عليه السلام): «إنا نروي بأن صاحب هذا الأمر يفقد زمانا فكيف نصنع عند ذلك؟ قال: تمسكوا بالأمر الأول الذي أنتم عليه حتى يبين لكم»(٤٠١)
وفي صحيح عبد الله بن سنان، قال: «دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولا علما يرى، فلا ينجو من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق.
فقال أبي: هذا والله البلاء، فكيف نصنع - جعلت فداك - حينئذ؟
قال: إذا كان ذلك - ولن تدركه - فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر»(٤٠٢).
 ولو أردنا أن نتعرف على الدين الذي يريد منا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن نتمسك به، فيكفينا ما رواه الشيخ الصدوق (قده) بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم، أنت ولينا حقا. قال: فقلت له: يا بن رسول الله، إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا ثبت عليه حتى ألقى الله (عزَّ وجلَّ). فقال: هات يا أبا القاسم. فقلت: إني أقول أن الله تعالى واحد ليس كمثله شئ، خارج من الحدين: حد الابطال، وحد التشبيه، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام، ومصور الصور، وخالق الاعراض والجواهر، ورب كل شيء ومالكه وخالقه، وجاعله ومحدثه، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، وأن شريعته خاتمة الشرائع، فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة، وأقول إن الامام والخليفة وولي الامر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي.
فقال علي (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت: وكيف ذاك، يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قال: فقلت: أقررت. وأقول إن وليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول إن المعراج حق، والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، وأقول إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال علي بن محمد (عليهما السلام)، يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فأثبت عليه، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة(٤٠٣).
المؤمّن الرابع: إناطة الأمر بالعلامات الحتمية التكوينية.
وقد تقدّم ذكر العلامات وبيان خصوصياتها، وبيّنا هناك أن هنالك علامات لا تقبل التمويه واللبس، وذكرنا تنبيهات مهمّة حولها، وبيّنا: أن وظيفتنا وتكليفنا الشرعي مرهون بالعلامات، فإذا تحققت - بالشروط التي تقدّم ذكرها - فعندها يجب الحراك، وإذا لم تتحقق فالوظيفة هي السكوت وحرمة الاستجابة لأي دعوة ترتبط بالإمام المهدي أرواحنا فداه.
ففي صحيحة ابن حنظلة، عن الصّادق (عليه السلام): «إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات»(٤٠٤)
المؤمّن الخامس: وجوب إحراج المدّعين وإسقاط موقعيّتهم.
وقد وردت الأوامر عن أئمة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم) بإحراج المدّعين لإسقاط موقعيّتهم وبيان زيفهم ودجلهم، والروايات في ذلك متعدّدة، فمنها ما عن المفضل بن عمر، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: يرجع في أحدهما إلى أهله، والأخرى يقال: هلك في أي واد سلك، قلت: كيف نصنع إذا كان ذلك؟
قال: إن ادعى مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله»(٤٠٥)
بل جرت سيرة الشيعة الإمامية في قبول الإمامة على ذلك، ومن أمثلة ذلك ما حدثنا به أبو الأديان - وكان مراسلاً للإمام العسكري (عليه السلام) - من اختبار شيعة قم المقدسة لجعفر بن الإمام الهادي الذي زعم أنه صاحب هذا الأمر بعد إمامنا الهادي (عليه السلام)، قال أبو الأديان: «كنت أخدم الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) واحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت: زدني، فقال: من يصلي عليَّ فهو القائم بعدي.
فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنؤنه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفّن أخوك فقم وصل عليه فدخل جعفر ابن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما همّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفرّ. فتقدم الصبي وصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام).
ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها اليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان، بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجّة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته.
فقالوا: فمن نعزي؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه وقالوا: إن معنا كتباً ومالا، فنقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب.
قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا اليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام»(٤٠٦).
وفي رواية أن المفضل بن عمر قد بكى عندما سمع الإمام الصادق (عليه السلام) يبيّن حجم الغربلة والتمحيص الذي سيمر به الناس، قال المفضل: «فبكيت ثم قلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال (عليه السلام): يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس قلت نعم، فقال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس»(٤٠٧)
فالمتحصل من ذلك كله: أن أهل البيت (عليهم السلام) قد أمنوا لنا الطريق، فما ذكره بعضهم من جريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل باطل لما عرفت.
الدعوى الثانية: دعوى البنوّة
يدّعي المدعو أحمد الحسن أنّه ابن الإمام المهدي (عليه السلام)، والكلام حول هذه الدعوى يقع في ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: أدلّة الإثبات
ويستدلّ أصحاب هذه الدعوى على وجود ذريّة لإمامنا المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) بعدة أدلة(٤٠٨)، وسوف نعرض لها بتمامها، مع بيان ما يرد عليها:
- الدليل الأول: روايات استحباب النكاح.
وتقريبه: بثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: أن الروايات في استحباب النكاح كثيرة جداً، وهي واضحة الدلالة على محبوبية النكاح ومطلوبيته، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): تزوجوا فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج».(٤٠٩)
المقدمة الثانية: أن الإمام المعصوم لا يترك مستحباً كما لا يترك واجباً قطعاً.
المقدمة الثالثة: أن مقتضى الوضع الطبيعي للزواج هو وجود الذرية.
فالنتيجة: أن الإمام حيث أنه لا يترك مستحباً فهو متزوج، ومقتضى كونه متزوجاً هو وجود ذرية له.(٤١٠)
مناقشة الدليل الأول:
والجواب عنه ببيان أمرين:
الأمر الأول: عدم إطلاق استحباب الزواج
وفيه مطالب:
المطلب الأول: بيان الفرق بين الحكم الأولي والثانوي.
وحاصله: أنه قد تقرر في علم الأصول أن الأحكام الواقعية تنقسم إلى قسمين:
الأول: الأحكام الأولية.
الثاني: الأحكام الثانوية.
والفرق بينهما:
أن الأحكام الأولية هي الأحكام الثابتة لموضوعاتها أولاً وبالذات، مع صرف النظر عن العناوين الطارئة على الموضوع، كحرمة أكل الميتة، الثابت للميتة بعنوانها هذا.
وأما الأحكام الثانوية فهي الأحكام الثابتة لموضوعاتها نتيجة طرو العناوين الثانوية عليها، كحلية أكل الميتة عند طرو عنوان الإضطرار، فإنَّ هذا الحكم ثابت للميتة بما هي مضطر إليها.
والمقام من هذا القبيل، فإن استحباب الزواج حكم أولي، إلا أنه قد تطرأ عليه عناوين إضافية تبدّل حكمه، وقد ذكر الفقهاء تطبيقات متعددة لذلك، كما سيتضح من خلال المطلب اللاحق.
المطلب الثاني: تطبيقات الحكم الثانوي للزواج في كتب الفقهاء.
التطبيق الأول: حرمة الزواج
وقد طبقه صاحب العروة قدّس سره على ما لو كان طلب العلم الديني متعيّناً على شخص، وكان الزواج يفسد عليه طلبه للعلم.(٤١١)
كما طبقه صاحب الجواهر قدّس سره على ما لو كان يؤدي إلى ترك الحج الواجب.(٤١٢)
التطبيق الثاني: وجوب الزواج
ومن تطبيقاته: ما لو خاف الإنسان على نفسه من الوقوع في المعصية إن لم يتزوج، فإنَّ الزواج في حقه يكون واجباً بالاتفاق.
التطبيق الثالث: كراهة الزواج
وقد طبقه المحقق الكبير سيد الطائفة الخوئي قدّس سره على الزواج بالفاطمية لمن كانت تحته فاطمية، وهو المعبّر عنه في كلماتهم بالجمع بين الفاطميتين.(٤١٣)
فالحاصل: أن استحباب الزواج حكم أولي، ولكنه بحسب العناوين الإضافية والطارئة قد ينقلب إلى غيره.
المطلب الثالث: حكم زواج الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)
إذا اتضحت المقدّمات السابقة قلنا: إن ظروف الإمام المنتظر غير معلومة ولا مكشوفة لنا، فلا يمكن القول بأن حكم استحباب الزواج ثابت بالنسبة له أرواحنا فداه، إذ قد يكون حكم الزواج حراماً بالنسبة له، لاحتمال أنَّ الله تبارك وتعالى قد كلفه بعدم الزواج حتى يبقي على نفسه الشريفة المقدسة في إطار السريّة والتستر.
وبعبارة أخرى: إنَّ إثبات هذا الحكم الأولي للزواج بالنسبة لمولانا الأعظم أرواحنا فداه يتوقف على معرفة ظروفه، وهذا مما لا يمكن لأحد أن يصل إليه، فيبطل الاستدلال به.
الأمر الثاني: لو سلّمنا لهم أن حكم الزواج الأولي ثابت بالنسبة لمولانا الأعظم (عجل الله فرجه الشريف)، فلا ملازمة بين الزواج وبين وجود الذريّة، لاحتمال التدخّل الغيبي للحيلولة دون وجود الذرية، للحفاظ على غيبته التامة وشخصيته المباركة أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ومثل هذا الاحتمال المتين كاف لإبطال هذا الدليل.
- الدليل الثاني: رواية المفضّل بن عمر
عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحد من وِلْدِه ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره»(٤١٤)
وذيل الرواية صريح جداً في وجود ذريّة للإمام المنتظر.
 مناقشة الدليل الثاني:
ويُجاب عنه: بأنه مما لا يصح الاستناد والتعويل عليه، لأنّ الرواية مصحّفة، ويوجد على التصحيف منبهان:
المنبه الأول: رواية النعماني في كتاب الغيبة.
فالرواية بالنحو المتقدم رواها الشيخ الطوسي عن المفضل في كتاب الغيبة.
إلا أن الشيخ النعماني - وهو متقدّم على الشيخ الطوسي - لم يروها بالنحو المذكور، بل بنحو آخر وهو: «إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره»(٤١٥)
فالمصدر الأسبق - وهو كتاب الغيبة للنعماني - لم ترد فيه كلمة (وِلْد) بل وردت كلمة (ولي).
المنبه الثاني: الضمير
ففي رواية الطوسي: «لا يطلع على موضعه أحد من وِلْدِه ولا غيره» قد جاء الضمير مفرداً، وهو لا يناسب السياق، إذ أن كلمة (وِلْد) جمعٌ، فيلزم أن يكون الضمير جمعاً حتى يتناسب مع عودته للوِلد فيقال: (ولا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيرهم).
بينما رواية الشيخ النعماني جاء فيها الضمير مفرداً وهو يتناسب مع عوده على الولي، وهذا يُوجِبُ ترجيحَ نسخة النعماني على نسخة الطوسي، وعلى هذا فلا تصلحّ رواية الغيبة للطوسي دليلاً لإثبات وجود ذرّيةٍ للإمام (عليه السلام).
- الدليل الثالث: رواية أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله»(٤١٦)، وهي صريحة أيضاً في أن للإمام أهلاً وذريةً وأنه ينزل بهم في مسجد السهلة.
 مناقشة الدليل الثالث:
والجواب عنه: أن القرائن الواردة في هذه الرواية تدلّ على أن المرحلة الزمنية المقصودة فيها هي ما بعد الظهور المقدّس لا ما قبله.
وبعبارة أخرى: إنَّ الرواية الشريفة ناظرة إلى ما بعد الظهور وليست ناظرة إلى ما قبله، وذلك لقرينتين:
القرينة الأولى: نزوله في مسجد السهلة
ففي الرواية: «كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة»
ومن الواضح أن نزوله (عليه السلام) بعد استلامه زمام الأمور، أي بعد ظهوره المبارك، حين يختار الكوفة عاصمة لدولته الإلهية.
القرينة الثانية: سؤال أبي بصير
حيث قال: «قلت: فما يكون من أهل الذمة عنده.
قال: يسالمهم كما سالمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويؤدون الجزية عن يد وهو صاغرون»(٤١٧)
وهذه واضحة أيضاً في أن المرحلة التي تتحدث عنها الرواية هي مرحلة ما بعد الظهور، حيث تصبح الحكومة بيده ويتقلّد الأمور، بقرينة سؤال أبي بصير عن كيفية معاملته لأهل الذمة، وهذا غير مرتبط بزمن غيبته، بل هو مرتبط بزمن ظهوره وحكومته قطعاً.
والحاصل: فإنه لا يصح الاستناد إلى هذه الرواية لإثبات وجود ذرية له (عليه السلام) في مرحلة ما قبل الظهور.
- الدليل الرابع: ما نقله العلامة الجلسي قدّس سره في البحار عن الكتاب الغروي العتيق: «السلام على ولاة عهده، وعلى الأئمة من ولده»(٤١٨)
 مناقشة الدليل الرابع:
 ويُجاب عنه: بأنَّ العلامة المجلسي قدّس سره لم يسنده للمعصوم (عليه السلام)، فلا يصلح للحجية، على أنَّ الكتاب الغروي العتيق مجهول الهوية حتى عند العلامة المجلسي نفسه.
- الدليل الخامس: ما نقله الشيخ الطوسي في الغيبة: «وصل على وليك وولاة عهده، والأئمة من ولده»(٤١٩)
مناقشة الدليل الخامس:
ويجاب عنه: بأنه مروي عن يعقوب بن يوسف الضرّاب، وقد نقله عن امرأة زعمت أنها خادمة في بيت الإمام العسكري (عليه السلام)، والراوي والمروي عنها مجهولا الحال، وليس لهما ذكر في كتب الرجال، فالتعويل على نقلهما غاية في الإشكال.
أضف إلى ذلك أنَّ هذا الدليل - كما هو سابقه - قاصران عن إثبات المدّعى، إذ المدّعى أن له (عليه السلام) ذرية في زماننا هذا، وهذان الدليلان - رغم عدم تماميتهما - إنما يثبتان أصل وجود الذرية، وأما كونها موجودة قبل الظهور فهما قاصران عن إثباته.
ولا يُقال: إنَّ الصلاة على المعدوم لا تصح، فهذا منبه على وجود الذرية في زمن الغيبة.
لأنّه يقال: إن هذه الصلاة من قبيل طلب النبي عيسى (عليه السلام) لسلام الله عليه يوم يموت ويوم يبعث حياً، فهو وإن لم يمت حين طلب السلام ولم يبعث، إلا أنه صحَّ منه طلب ذلك معلقاً على تحقق الأمرين.
وكذا يصح طلب الصلاة من الله تعالى على الذرية معلقاً على وجودهم، وهذا نظير دعائك لمن لا ذرية له فعلاً، بقولك: (جعل الله ذريتك من الصالحين) قاصداً طلب تحقيق ذلك من الله تعالى حال وجودهم، ومن هذا الباب وردت أدعية كثيرة عن الأئمة (عليه السلام) للإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) رغم عدم ولادته في زمانهم.
- الدليل السادس: ما نقله السيد ابن طاووس قدّس سره في الإقبال: «وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين»(٤٢٠)
مناقشة الدليل السادس:
ويُجاب عنه: بأنه دعاء رواه محمد بن عيسى بن عبيد، ولكنه يشكل الاستناد إليه، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن هذه الفقرة قد رواها السيد ابن طاووس في ضمن الدعاء المعروف (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن..إلخ)، إلا أنّها مروية في الكافي الشريف عن نفس هذا الراوي (محمد بن عيسى بن عبيد) من غير هذه الزيادة.(٤٢١)
الأمر الثاني: أن القاعدة المعروفة لدى الأكابر - كالسيد الخوئي عليه الرحمة -: أن التعارض بين روايتين إذا كان على نحو الزيادة والنقيصة، وكانت إحداهما في كتاب الكافي الشريف فإنه يقدم، وذلك لما عُرف به الشيخ الكليني قدّس سره من التمحض في الحديث بالضبط ورعاية النقل والدقة فيه والاهتمام بتهذيب الروايات الشريفة ويكفيك أنه قد أنفق من عمره الشريف مدّة عشرين سنة لتأليف الكافي الشريف.
 ولا يُتوهم: أنَّ هذه القاعدة مقصورة على موارد التعارض بين نقل الشيخ الكليني ونقل الشيخ الطوسي قدّس سره بسبب كثرة اشتغالات الشيخ (طاب ثراه) وعدم تفرغه لمراجعة كتبه.
 فإنَّ هذا وإن كان مذكوراً في بعض كلمات الأعلام (قدهم)، إلا أنَّ ذكرهم له إنما هو لأجل تأكيد ترجيح نقل ثقة الإسلام الكليني على نقل الشيخ (طاب مثواهما) عند تعارضهما، وإلا فإنَّ الملاك التام للترجيح هو تمحض الشيخ الكليني قدّس سره في الحديث أكثر من غيره، كما لا يخفى على المتتبع؛ ولذا قد التزم بعضهم بترجيح نقله حتى على نقل الشيخ الصدوق (قده) في الفقيه، بل ذكر بعض الأعلام (طاب ثراه) أنَّ الأصحاب كانوا يعرضون سائر الكتب على كتابه(٤٢٢).
والنتيجة من هذين الأمرين: أن ما نقله السيد ابن طاووس مشتملاً على هذه الزيادة لا عبرة به، والمعوَّل على ما نقله الشيخ الكليني قدّس سره.
- الدليل السابع: ما نقله العلامة المجلسي قدّس سره ضمن دعاء للإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) يُدعى به بعد زيارة خاصة له (عليه السلام) وصلاة الزيارة: «اللهم اعطه في نفسه وذريته، وشيعته ورعيته، وخاصته وعامته وعدوه وجميع أهل الدنيا، ما تقر به عينه»(٤٢٣)
مناقشة الدليل السابع:
ويُجاب عنه: بأنه مما لم يُسند إلى أحد المعصومين (عليهم آلاف التحية والسلام)، فيكون ساقطاً عن الحجيّة، كما لا يخفى.
- الدليل الثامن: ما ذكره السيد ابن طاووس قدّس سره في زيارة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يوم الجمعة: «السلام عليك يا عين الحياة، السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين».
مناقشة الدليل الثامن:
ويُجاب عنه: بأنَّ السيد ابن طاووس قدّس سره لم يسنده للمعصوم (عليه السلام)، فهو ساقط عن الحجية، على أنَّ لفظ (الآل) - في مثل المورد - ليس صريحاً في الاختصاص بالأولاد؛ لاستعماله لغةً في مطلق قربى الرحم(٤٢٤)، ومجرد إضافة الآل للبيت، وإضافة البيت إلى الإمام (عليه السلام) المعني بكاف الخطاب، لا تعني شيئاً؛ لاحتمال أن يُراد ببيته البيت العلوي الطاهر الذي ينتمي إليه، فيكون معنى الزيارة هو الصلاة عليه وعلى جميع أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام).
- الدليل التاسع: قصة الجزيرة الخضراء.
مناقشة الدليل التاسع:
 ويُجاب عنه: بأنها مجرد قصة وحكاية، ومثلها لا حجيّة له.
 والعجب من أدعياء المهدوية محاولتهم لتصحيح القصة تعويلاً على نقل بعض الأعلام لها(٤٢٥)، مع أنَّ النقل أعمّ من الاعتقاد بالمعلوم، ويشهد لذلك مثلاً: أنَّ واحداً ممن نقلوا نقله للقصة هو السيد بحر العلوم قدّس سره، مع أنَّه حين ذكرها علّق عليها بقوله: (لو صحَّ النقل)(٤٢٦)، ومثله الشيخ الوحيد البهبهاني قدّس سره فإنه قد ذكرها بعنوان المؤيد(٤٢٧)، ومن المعلوم أنَّ الذي يُذكر بعنوان المؤيّد هو ما لا حجية له في نفسه.
- الدليل العاشر: ما نقله الشيخ الكفعمي قدّس سره في مصباحه: من أنَّ زوجة الإمام (عليه السلام) من بنات أبي لهب.
مناقشة الدليل العاشر:
ويُسجّل على هذا الاستدلال:
أولاً: أنَّ ثبوت الزوجية لا يلازم ثبوت الذرية.
ولا يُتوهم: أنَّ الشيخ النوري قدّس سره قد استدل بهذا الدليل على ثبوت الذرية، كما توهم ذلك المدعو ناظم العقيلي، حين قال: (ذكر الميرزا النوري في النجم الثاقب إثنى عشر دليلاً على وجود الذرية للإمام المهدي (عليه السلام)، وسوف نذكرها جميعاً)(٤٢٨)، ثم نقل عنه الدليل المذكور(٤٢٩).
فإنَّ المحدث النوري قدّس سره أجلُّ من هذا التوهم الفاتر، بل الحق أنه قد ذكر الدليل المذكور للاستدلال به على وجود زوجة للإمام (عليه السلام)، ويشهد لذلك تحريره لمحل الاستدلال، حيث قال: (الشبهة الأولى: انه لم يعهد للحجة (عليه السلام) الأولاد والعيال والزوجات.. ثم قال: ولم يعدّ لحد الآن احدٌ ترك ذلك من خصائصه، ونحن نقتنع بذكر اثني عشر خبراً)(٤٣٠)، وكلامه قدّس سره صريح في أنَّ الأخبار التي ذكرها لم يرد بها إثبات الذرية فحسب، بل أراد إثبات الزوجية أيضاً، وهذا الدليل مما يثبت الثاني لا الأول، كما لا يخفى على أقل الناظرين.
وثانياً: إنَّ النقل المذكور لا أثر له في مصباح الشيخ الكفعمي قدّس سره، فلعل المحدث النوري قدّس سره قد اشتبه عليه النقل، أو سقط ذلك من النسخ المتداولة للمصباح، وبالجملة: فلا يُعلم مصدر النقل المذكور ليُعلم مقداره من الحجيّة.
- الدليل الحادي عشر: قول الإمام الباقر (عليه السلام): «والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيها الناس، إنا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأسألكم بحق الله وبحق رسوله وبحقي، فإنَّ لي عليكم حق القربى من رسول الله، إلا أعنتمونا ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا، وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى».
مناقشة الدليل الحادي عشر:
 ويُجاب عنه: بأنَّ الإمام (روحي فداه) لو قال بلسان المفرد: (وطردت من دياري أنا وأبنائي) لكان لاستظهار دلالة النص على وجود الذرية مجال، ولكنّه تكلم بلسان الجمع، ومثله - بما هو إمام وقائد وسيد بني هاشم - يصح منه استخدام اللفظ المذكور بما له من الصيغة للتعبير عن الهاشميين، أو غيرهم ممن يدين بإمامته من شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فلا يبقى للفظ المذكور ظهور في وجود ذرية للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
 ويؤيد ما استظهرناه - بل يشهد له - ما رواه الشيخ الكليني قدّس سره عن يعقوب السراج، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر، فيبايعه الناس ويتبعونه، ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى المدينة، فيهلكهم اللَّه تعالى دونها، فيهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي (عليه السلام) إلى مكة، فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشا إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها»(٤٣١).
 وكما ترى فإنَّ هذه الرواية صريحة جداً في أنَّ المتواجدين في المدينة المنورة من ذرية أمير المؤمنين (عليه السلام) يهربون منها خوفاً من فتك السفياني وجيشه، وبما أنَّ خطاب الإمام المهدي (عليه السلام) المذكور يكون في مكة بعد هذه الحادثة، فالظاهر أنه يشير إليها بكلامه المتقدم.
- الدليل الثاني عشر: ما نقله المحدّث النوري قدّس سره عن آخر كتاب (مزار) بحار الأنوار عن كتاب (مجموع الدعوات) لهارون بن موسى التلعكبري؛ فإنه بعد أن ذكر سلاماً وصلاة على الحجة (عليه السلام) ذكر سلاماً وصلاةً على ولاة عهد الحجة (عليه السلام) وعلى الأئمة من ولده ودعا لهم بقول: (السلام على ولاة عهده، والأئمة من ولده)(٤٣٢).
مناقشة الدليل الثاني عشر:
ويُجاب عنه: بأنَّ السلام المذكور لا أثر له في مزار بحار العلامة المجلسي (طاب ثراه)، كما أنه غير مسند للمعصوم (عليه السلام)، فلا حجيّة له.
- الدليل الثالث عشر: قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): «ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين»(٤٣٣).
مناقشة الدليل الثالث عشر:
ويُجاب عنه: بأنَّ مدعى القوم هو إثبات الذرية للإمام (أرواحنا فداه) في زمن الغيبة، ليترتب على ذلك إمكان إثبات أنَّ أحمد الحسن من ذريته المباركة(٤٣٤)، والحال أنَّ أقصى ما يثبته هذا الدليل هو وجود ولد له بعد ظهوره وقبيل وفاته، فلا يتم مدّعاهم.
ولا يُقال: إنَّ توصيف الرواية لولد الإمام (عليه السلام) بأنه (أول المؤمنين) يقتضي أن يكون موجوداً قبل ظهور والده (أرواحنا فداه) ليصدق عليه أنه أولُّ المؤمنين بدعوته المباركة(٤٣٥).
فإنه يُقال: إنَّ وصف (الإيمان) من الأوصاف التعلقية التي لا يمكن أن تتحقق إلا مع متعلقٍ مذكور في الكلام أو مقدّر، وبما أنَّ المتعلق - كما هو ظاهر - غير مذكور في الرواية؛ إذ لم تذكر أنه أول المؤمنين بماذا؟ فهذا يعني أنَّ ما زعمه أدعياء المهدوية من أنَّ متعلق الإيمان هو الدعوة لا يعدو كونه احتمالاً بلا قرينة ولا شاهد؛ إذ من المحتمل جداً - وهو ما تؤيده مناسبات الحكم والموضوع - أن يكون المتعلق هو الوصية والقيام بعده، فيكون أول المهديين هو أول من يؤمن بكونه بوصية أبيه، وبالتالي فإنَّ الرواية بمنأى عمّا يدعيه القوم.
- الدليل الرابع عشر: ما عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام الرضا (عليه السلام) في الدعاء لصاحب الأمر (عليه السلام): «اللهم صلِّ على ولاة عهده، والأئمة من بعده».
 مناقشة الدليل الرابع عشر:
ويُجاب عنه: بأنه لا يفيد أكثر من وجود ولاة عهد للإمام المهدي (عج)، ووجود أئمة بعده، وأما كونهم من ذريته، فالدعاء قاصر عن إثباته، ويبقى محتملاً للحمل على عقيدة الرجعة.
- الدليل الخامس عشر: ما نقله العلامة المجلسي (قده) عن أصل قديم من مؤلفات قدمائنا، ضمن أدعية تعقيبات صلاة الفجر، أن يُقال: «اللهم كن لوليك في خلقك وليا وحافظا وقائدا وناصرا، حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه منها طولا، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين»(٤٣٦).
مناقشة الدليل الخامس عشر:
ويُجاب عنه: بعدم ثبوت نسبته لأحد المعصومين (عليهم السلام)، فلا يكون مشمولاً لأدلة الحجية، ولا يصح التمسك به في مقام الإسناد والاستناد، على أنَّ الكتاب المنقول عنه لم يُعلم عنه سوى كونه من كتب قدماء الأصحاب.
- الدليل السادس عشر: الدعاء الذي نقله المحدّث الشيخ القمي قدّس سره في (مفاتيح الجنان)، حيث جاء فيه: «اللّهُمَّ أعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَذرِّيَّتِهِ وَاُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ ماتُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ».
مناقشة الدليل السادس عشر:
ويُجاب عنه: بما تقدم مِن أنَّ مدعى القوم هو إثبات الذرية للإمام (أرواحنا فداه) في زمن الغيبة، ليترتب على ذلك إمكان إثبات أنَّ أحمد الحسن من ذريته المباركة، والحال أنَّ أقصى ما يثبته هذا الدليل هو وجود وُلد وذرية له في الجملة، ولا دلالة له على وجودهم في زمن الغيبة، فلا يتم مدّعاهم، على أنَّ الدعاء معلول بالإرسال.
- الدليل السابع عشر: ما نقله صاحب (بشارة الإسلام) عن بحار الأنوار عن سطيح الكاهن في خبر طويل جاء في أحد فقراته بعدما يذكر بعض الوقائع التي تسبق قيام الإمام المهدي (عليه السلام): (فعندها يظهر ابن المهدي) وهذا يدل صراحة على أن قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) يظهر ابن الإمام المهدي (عليه السلام)(٤٣٧).
مناقشة الدليل السابع عشر:
ويُجاب عنه: بأنه لا يكاد ينقضي العجب ممن يبني عقيدته على حديث لم يكلّف نفسه عناء التأكد من صحة ألفاظه عن طريق الرجوع إلى مصدره الأم، وإلا فبالرجوع إلى المصدر الأم نجد خبر سطيح قد روي بالنحو التالي: (فعندها يظهر ابن النبي المهدي)(٤٣٨)، على أنَّ الخبر إنما هو مروي عن أحد الكهنة، فكيف صحّ لهؤلاء أن يثبتوا عقيدتهم به؟!
 ومما يجدر ذكره: أنَّ كتاب (بشارة الإسلام) في بعض طبعاته قد تعرض لتحريف شديد جداً بالزيادة والنقيصة، ولعلّ هذا هو سر اعتماد القوم عليه وعدم رجوعهم إلى أمهات المصادر.
- الدليل الثامن عشر: ما عن داود بن كثير الرقي، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن صاحب هذا الأمر؟ قال: «هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه (عليه السلام)»(٤٣٩).
مناقشة الدليل الثامن عشر:
ويُسجّل عليه:
أولاً: إنَّ الرواية لا ظهور لها في الحديث عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)؛ لإمكان تطبيقها على الإمام الرضا (عليه السلام) من غير تكلف.
وثانياً: على فرض أنَّ المقصود بها هو الإمام المهدي (عليه السلام) فإنَّ أقصى ما تثبته هو وجود الأهل له، ومن الواضح أنَّ عنوان الأهل لا يساوق عنوان الأولاد، لانطباقه لغةً وعرفاً على عشيرة الإنسان وأقاربه وأرحامه.
- الدليل التاسع عشر: ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأما قوله (تنزل الملائكة) فإنه لما بعث الله محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلم) ومعه تابوت من در أبيض له اثنا عشر باباً، فيه رق أبيض، فيه أسامي الاثني عشر، فعرضه على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأمره عن ربه أن الحق لهم، وهم أنوار. قال: ومن هم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنا وأولادي الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن صاحب الزمان (صلوات الله عليهم أجمعين)، وبعدهم أتباعنا وشيعتنا المقرون بولايتنا المنكرون لولاية أعدائنا»(٤٤٠).
وقد علّق على الرواية بعض أدعياء المهدوية، فقال: (وهذه الرواية تشير على استمرار التنزيل في ليلة القدر على أتباع وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) المقرون بولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وهؤلاء الشيعة هم الأولياء المهديين(٤٤١) من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام) الذين يتولون قيادة الأمة بعد أبيهم)(٤٤٢).
 مناقشة الدليل التاسع عشر:
ويُجاب عنه: بأنَّ عنوان (الأتباع والشيعة) غير ظاهر في الأهل، فضلاً عن الذرية، ولو كان يُراد بهم الأهل لكان الأولى بالإمام (عليه السلام) أن يقول: (وبعدهم أولادنا وذريتنا)، ولنا تتمة كلام حول هذه الرواية قد تعرضنا له عند نقدنا لدعوى تواتر روايات المهديين، فليُلاحظ.
- الدليل العشرون: ما عن عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «كأني برايات من مصر مقبلات، خضر مصبغات، حتى تأتي الشامات، فتهدى إلى ابن صاحب الوصيات».
وقد علّق عليها بعض أدعياء المهدوية بقوله: (فدلالة هذه الرواية واضحة على إن قبل قيام القائم تهدى الرايات)أي تبايع(إلى ابن صاحب الوصيات، وصاحب الوصيات هو وارث الأئمة المعصومين وخاتمهم ومن انتهت إليه الوصية، وهو الإمام محمد ابن الحسن العسكري صاحب الزمان (عليه السلام)، وهو المستحفظ من آل محمد (عليهم السلام).
والرواية تنص على أن الرايات تهدى إلى ابن صاحب الوصيات أي ابن الإمام المهدي (عليه السلام)، فيتحصل لدينا إن هناك ابن للإمام المهدي (عليه السلام) موجود قبل قيامه (عليه السلام)، ويقوم بدور التمهيد لوالده الإمام المهدي (عليه السلام))(٤٤٣).
مناقشة الدليل العشرين:
ويُجاب عنه: بأنَّ عنوان (صاحب الوصيّات) لا سبيل للجزم بالمقصود منه؛ إذ يحتمل أن يكون هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)؛ ويطلق عليه (ابن صاحب الوصيات) أي: ابن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويُحتمل أن يكون المقصود به شخصاً آخر يكون له دور في عصر الظهور، ويعبر عنه بالعنوان المذكور لاعتبارٍ من الاعتبارات.
- الدليل الواحد والعشرون: التوقيع الوارد في يوم ولادة سيد الشهداء الحسين (عليه السلام): «المعوَّض مِن قتله أن الأئمَّة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته، بعد قائمهم وغيبته».
مناقشة الدليل الواحد والعشرين:
ويُجاب عنه: بأنَّه قاصر عن إثبات الذرية للإمام المهدي (عليه السلام)؛ إذ أنه لا يثبت أكثر من وجود أوصياء من عترة الحسين (عليه السلام) يؤوبون مع الحسين (عليه السلام) في الرجعة، وهذا يجامع مع ما نعتقده من رجوع أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) بعد القائم (عليه السلام) مع الحسين (عليه السلام) أو بعده.
- الدليل الثاني والعشرون: ما روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا سبع طبقات أعلام الفتوى بالهداية، فنحن ليوث الوغى، وغيوث الندى، وطعان العدى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والحوض في الآجل، وأسباطنا حلفاء الدين، وخلفاء النبيين، ومصابيح الأمم، ومفاتيح الكرم».
وقد علّق العقيلي على هذه الرواية بقوله: (وهنا أشار الإمام الحسن العسكري إلى أسباطه) أسباطنا خلفاء الدين القويم(، والسبط ابن الابن، ولا يوجد ابن للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) غير الإمام المهدي (عليه السلام)، فتعين أن يكون هؤلاء الأسباط من ذرية الإمام المهدي (عليه السلام) وخلفاءه في الأمة)(٤٤٤).
مناقشة الدليل الثاني والعشرين:
 ويُجاب عنه: بأنَّ العارف بكلمات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) يدرك أنّ الإمام العسكري (عليهم السلام) إنما يتحدث في هذه الرواية الشريفة بلسان الأئمة جميعاً - لأنه كان بصدد بيان مقاماتهم الشامخة التي وهبهم الله إياها - لا بلسانه المختص به، ولا أقلّ من احتمال ذلك، وبالتالي فلا تدل الرواية على أكثر من وجود أولاد وأولاد أولاد للأئمة الطاهرين (عليهم السلام) يتصفون بالصفات المذكورة في الرواية، وهذا يصدق بثبوته لمجموعهم - أو فقل: لبعضهم - وإن لم يثبت لجميعهم.
 المحصلّة الأخيرة:
 فتحصّل: أن ما ذُكر من أدلة على وجود ذرية للقائم (عليه السلام) ساقط عن الاعتبار، فإنَّ عشرة منها غير مسندة إلى المعصوم (عليه السلام)، والبقية بتمامها معلولة الأسانيد، على أنَّ أكثرها قاصر الدلالة، كما اتضح.
 وبما ذكرناه يتضح وجه الزيف في كلام العقيلي، حيث قال: (أني قد أثبت في هذا البحث إن روايات الذرية متعددة وصحيحة السند، وتفيد الاعتقاد بحكمهم بعد الإمام المهدي (عليه السلام))(٤٤٥).
المبحث الثاني: أدلة نفي الذرية
وزيادةً على النتيجة المتقدّمة، وهي عدم وجود دليل ناهض - على وجود الذرية - يُمكن الركون إليه من الناحية العلمية، فإننا نرتقي بهذه النتيجة في هذا المبحث فنقول: إنَّ الأدلة قائمة على عدم وجود الذريّة له (عجل الله فرجه الشريف)، ويُمكن بيان ذلك من خلال إحدى ثلاث روايات:
الرّواية الأولى:
عن الحسن بن علي الخزاز قال: «دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: لا يكون الامام إلا وله عقب.
فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر (عليه السلام)، إنما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الامام إلا وله عقب، إلا الامام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول»(٤٤٦)
والرواية تثبت بدلالة واضحة أن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) - الذي يخرج عليه الحسين كما سيأتي في روايات الرجعة - ليس له عقب.
إشكال ودفعه:
قد يُقال: ليس المقصود من الإمام الذي ليس له عقب في الرواية هو إمامنا المنتظر أرواحنا فداه، وإنما المقصود به هو آخر المهديين(٤٤٧).
ويمكن دفعه ببيان ثلاثة أمور:
الأول: أنّ عمدة دليل أدعياء المهدوية على وجود المهديين وحكمهم بعد الإمام المنتظر هو رواية الوصيّة، وقد تقدّم الكلام حولها، وبيان وصف الاعتماد عليها.
الثاني: أنّ الرواية قد نفت العقب عن (الإمام) وليس عن (المهدي) الذي يكون آخر المهديين، ومن الواضح أن الإمامةَ منفيةٌ عن المهديين كما في الروايات الشريفة، ومنها رواية أبي بصير قال: «قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك (عليه السلام) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهديا.
فقال: إنما قال: اثنا عشر مهديا، ولم يقل: إثنا عشر إماما، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا»(٤٤٨)، فيستفاد من هذه الرواية - على القول بوجود المهديين - أنهم ليسوا أئمة، فلا يمكن على هذه حمل عبارة «الإمام الذي يخرج عليه الحسين» على آخرهم.
 الثالث: إنَّ هذا القيل الباطل فيه مخالفة صريحة للروايات الصحيحة عن المعصومين (عليهم السلام)، ومنها معتبرة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) لأصحابه قبل أن يُقتل بليلة واحدة: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لي: يا بني انك ستُساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها (عموراء) و(كربلاء) وانك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة.
وقد قرب ما عهد اليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وانّي راحل إليه غداً، فمن احبّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فانّي قد أذنت له، وهو منّي في حل. وأكّد فيما قاله تأكيداً بليغاً، وقالوا: والله ما نفارقك أبداً حتى نرد موردك.
 فلمّا رأى ذلك، قال: فأبشروا بالجنة، فو الله انّما نمكث ما شاء الله تعالى بعد ما يجري علينا، ثم يخرجنا الله وايّاكم حين يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين، وأنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال، وأنواع العذاب والنكال.
فقيل له: مَنْ قائمكم يا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر، وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدّة طويلة، ثم يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً»(٤٤٩).
وكما ترى فإنَّ هذه الرواية المعتبرة في غاية الصراحة في أنَّ رجعة سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) إنما تكون في عهد الحجة ابن الحسن المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وبهذا ينسدّ باب التلاعب والتدليس في وجه أدعياء المهدوية.
الرواية الثانية:
أن رؤساء الواقفة وأقطابها دخلوا على الإمام الرضا لزعزعة إمامته والتشكيك بها، فقال له البطائني: «فإنا روينا: أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه؟
فقال له الرضا: أما رويتم في هذا الحديث بعينه: إلا القائم.
قالوا: لا.
قال الرضا: بلى قد رويتموه. وأنتم لا تدرون لم قيل، ولا ما معناه»(٤٥٠)
الرواية الثالثة:
ما ورد عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «وليقال المهدي في غيبته مات ويقولون بالولد منه وأكثرهم يجحد ولادته وكونه وظهوره أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين»(٤٥١). والمثير في الرواية أنَّ الإمام (عليه السلام) ليس ينفي الولد فحسب، بل يلعن القائلين بالولد للمهدي (عجل الله فرجه الشريف) في زمن غيبته.
المبحث الثالث: امتناع إثبات الذرية في زمن الغيبة.
ومحصل الكلام في هذا المبحث: أننا حتى لو سلمنا جدلا بوجود الذرية للإمام (عليه السلام)، إلا أنه يمتنع إثبات ذلك لأحد الأشخاص في زمن الغيبة، ويمكن فهم ذلك من خلال مقدمتين:
المقدمة الأولى: المقدمة الكبروية
من المقرّر في فقه أهل البيت (عليهم السلام) أن إثبات انتساب شخص لشخص يتوقّف على ضوابط مسلّمة بين الفقهاء العظام، وهي:
الضابط الأول: الإقرار.
والمراد منه: إقرار الأب أو الأخ أن فلاناً ولده أو أخوه، فتترتب على ذلك سائر الأحكام الشرعية المختصّة بالبنوّة كالوراثة وحرمة الزواج من المحارم وغير ذلك.
ولهذه الضابطة تفصيل يُطلب في محله من كتاب الإقرار.
الضابط الثاني: الاستفاضة المفيدة للعلم.
والمراد منه: وجود شهرة بين الناس بأن فلاناً ابنُ فلان، أو بأنّه ينتسب إلى العشيرة الكذائية، ويكفي في ذلك تحقق الاستفاضة في بلد المنتسب ولا يشترط تحققها عند كافة الناس.
الضابط الثالث: شهادة العدليْن الذكريْن
وهو واضح، إلا أن الفقهاء قد اشترطوا شروطا في شهادة العدلية - بل في الإقرار والاستفاضة أيضاً - والذي يهمنا في المقام شرطان:
الشرط الأول: أن يكون الانتساب ممكناً، أي: لا يوجد مانع شرعي أو عقلي يمنع منه، كأن يكون عندنا شخصان والفارق العمري بينهما خمس سنوات فقط، ويأتي عدلان ويقولان: هذا ابنٌ لذاك، فهذا غير ممكن عادة، إذ ابن الخمس سنوات لا يُمكن أن يُنجب.
الشرط الثاني: أن يكون المنتسبُ مجهولَ النسب، أي: لا يُعلم هل هو من أولاد فلان أو غيره، فإذا جاء العدلان وشهدا للولد بأنه ابنٌ لفلان - في حال كونه مجهول النسب - فتكون شهادتهما مقبولة وتترتب عليها الآثار الشرعية للإنتساب، وأما إذا شهدا لمعلوم النسب فلا تُقبل.
المقدمة الثانية: المقدمة الصغروية.
ويدور الكلام في هذه المقدمة حول إمكان تطبيق الضوابط المذكورة على المدعو احمد الحسن، وإثبات انتسابه لبقية الله الأعظم أرواحنا فداه، أم لا؟
والجواب بالنفي، وبيانه: أنَّ الإقرار لا يمكن الاستفادة منه في المقام، إذ ليس هناك أبٌ يشهد له، باعتبار أن الإمام المنتظر أرواحنا فداه غائب عن الأنظار فلا يمكن أن يشهد، كما أنّه ليس له أخٌ يقرّ له، فانسد هذا الباب.
وأما الاستفاضة المفيدة للعلم:
فإنها تُثْبِتُ خلافَ مدّعاه؛ لأنَّه معروفٌ في البصرة ومعلومٌ انتماؤه إلى أيّ عشيرةٍ وأسرةٍ، وجميع أهل البصرة بحسب الاستفاضة عندهم يعلمون أنّه ليس مِنْ ذرّية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولتعذرنا عشيرة (آل بو سويلم) من الصيامرة - القاطنين في قرية الهمبوش من قضاء البصرة - إن صرحنا بانتماء هذا الرجل إليهم، فهو أحمد بن إسماعيل بن صالح من العشيرة المذكورة، ولا نظننا قد أذعنا سراً، فالرجل معروف بذلك، وهذا ما جعله يسمي نفسه (أحمد الحسن) تعتيماً على نسبه.
والعجيب ادعاء الرجل انتماءه للعترة الطاهرة، رغم أنَّ عشيرته لم يُعرفوا بذلك، ولم يدّعِ أحد منهم السيادة.
وأما شهادة العدليْن:
فبناءً على الشرطين المذكورين، فإن هذا الضابط لا يخدمه أيضاً، إذ بناءً على وجود العدليْن - ولسنا نعرف من يوصف بالعدالة ممن سانده في دعواه الانتساب - فالشرطان المذكوران غير محققين، أما الأول فلوجود المانع الشرعي من الانتساب - كما تقدم -، وأما الثاني فلمعلومية نسبه لدى أهل البصرة.
وعلى ذلك فالحاصل من الناحية الفقهية: أنه لا يمكن ثبوت انتساب المدعو أحمد الحسن إلى إمامنا المنتظر أرواحنا فداه، لعدم انطباق شيء من الضوابط عليه.
ومن المناسب أن نختم بحثنا هذا بكلام مهم لشيخ الطائفة الطوسي قدّس سره، يقول فيه: «فأما من قال: إن للخلف ولدا وأن الأئمة ثلاثة عشر.
فقولهم يفسد بما دللنا عليه من أن الأئمة (عليهم السلام) اثنا عشر، فهذا القول يجب إطراحه، على أن هذه الفرق كلها قد انقرضت بحمد الله ولم يبق قائل يقول بقولها، وذلك دليل على بطلان هذه الأقاويل»(٤٥٢).
الدعوى الثالثة: اليمانية
مضافاً إلى دعوى البنوّة للإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، ودعوى الإمامة، فإنّ أحمد الحسن قد ادعى أنه هو اليماني الذي نصّت عليه الروايات الشريفة، وأنه من المعصومين (عليهم السلام)، وقبل الشروع في عرض أدلّته نؤكّد على أمر مهم، وهو:
أن شخصية اليماني من الشخصيات التي سيكون لها دور بارز وظاهر في زمن ظهور الإمام (عليه السلام)، إلا أن هذه الشخصية مع هذا الدّور الجليل المنوط بها فإن الروايات الشريفة لم تُكثر الحديث عنها، في الوقت الذي أشبعت فيه الحديث عن السّفياني كعدوٍّ لدود لأهل البيت وشيعتهم، بل تقدّم أن الروايات الشريفة قد وصفته بأدق الأوصاف المرتبطة بجسده وهيئته وسماته الخاصّة، بينما لم نجد عُشر ذلك في اليماني.
ولعلّ السرّ في ذلك هو محاولة التكتّم على شخصيته المباركة، بحيث يسهل له الأمر وتنتظم أموره إلى أن يظهر ويقوم بدوره المبارك في التمهيد لظهور الإمام المنتظر أرواحنا فداه(٤٥٣).
إلا أن هذه الروايات مع ندرتها وقلّتها، قد حدّدت المعالم الأساسية لشخصيته، وركزت على أربع خصوصيات تقدّم بيانها ولا بأس بتلخيصها هنا:
الخصوصية الأولى: أنّه من العلامات المحتومة.
وهذا ما دلت عليه صحيحة عن عمر بن حنظلة، حيث قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قبل قيام القائم خمس علامات محتومات اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء»(٤٥٤)
الخصوصية الثانية: اقتران حركته المباركة بحركة السفياني.
ففي صحيح الأزدي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق»(٤٥٥).
الخصوصية الثالثة: أنّه من اليمن.
وهذا ما يستفاد من توصيفه بـ (اليماني)، ولا يبعد استفادته من بعض الأخبار الشريفة، وإليك ما عثرتُ عليه مما ورد من طرقنا:
 • خبر محمد بن مسلم الثقفي (رضوان الله تعالى عليه) قال: «سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول: القائم منا منصور بالرعب» ثم سأله محمد بن مسلم: «يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟» فأجابه (عليه السلام) بإجابة طويلة، الشاهد منها: «وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن»(٤٥٦).
 • عن محمد بن مسلم في رواية أخرى عن الإمام الباقر (عليه السلام): «وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني من اليمن، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه»(٤٥٧).
 • صحيحة الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن حمران، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل: «قال ابن حمران: قيل له يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادة الزور، وردت شهادة العدل، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا والرشا، واستيلاء الأشرار على الأبرار، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن ولقبه النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق مع علي وشيعته، فعند ذلك خروج قائمنا (عليه السلام)»(٤٥٨).
 • وروى الشيخ الواسطي - وهو من أعلام الإمامية في القرن السادس - في كتابه (عيون الحكم والمواعظ) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «خمس من علامات القائم (عليه السلام): اليماني من اليمن، والسفياني، والمنادي ينادي بالسماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية.»(٤٥٩)
 • وعن عبيد بن زرارة، قال: «ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) السفياني فقال: أنى يخرج ذلك؟ ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء؟»(٤٦٠).
 ونظراً لوضوح هذه القضية عند الأصحاب، وهي كون اليماني من اليمن، فإنه لما خرج (طالب الحق الكندي) - وهو أحد أئمة الخوارج - في اليمن، احتمل بعض الشيعة أن يكون هو اليماني الموعود، ويشهد بذلك ما يرويه الشيخ الطوسي (قده) في أماليه، بسنده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): نرجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: لا، اليماني يوالي عليا (عليه السلام)، وهذا يبرأ»(٤٦١)، ولو لم يكن هذا الارتكاز الموجود عند الأصحاب صحيحاً لخطأّهم الإمام (عليه السلام)، وأخبرهم أنَّ اليماني ليس من اليمن أساساً.
الخصوصية الرابعة: أنَّ رايته أهدى الرايات.
وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك، وهذا هو صريح صحيحة الأزدي المتقدمة عن الصادق (عليه السلام):«وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق».(٤٦٢)
نقد ادعائات أدعياء المهدوية حول شخصية اليماني:
وقد حاول أدعياء المهدوية - بعجز علمي تام - أن يتصرّفوا بالروايات الشريفة لصالح دعوتهم الضالة، وسوف نقوم بعرض ادّعائاتهم وإظهار زيفها بحول الله تعالى وتوفيقه.
الادّعاء الأول: عدم التعارض بين اليمانية والبصرية.
وحاصله: أنّهم بما أنهم قد التزموا بكون أحمد الحسن من أهل البصرة، لذا حاولوا أن يثبتوا أنَّ هذا لا ينافي كونه اليماني، ببيان: أنه من ذرية النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأصله من مكة، ومكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فهو من اليمن بلحاظ أنَّ له أصلاً في اليمن؛ إذ كما أنَّ النبي يماني لأن أصله من اليمن، وكذا أمير المؤمنين وجميع الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) يمانيون - وإن كانوا من مكّة والمدينة - لذا صحّ التعبير عن أحمد بن الحسن أنه يماني حتى مع كونه من البصرة(٤٦٣).
 وقد أيدوا هذا الادّعاء بالمؤيدات التالية(٤٦٤):
 ١ - عن كعب، قال: (ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسبًا في اليمن).
 ٢ - وعن أرطأة: (فيجتمعون وينظرون لمن يبايعون، فبينا هم كذلك إذ سمعوا صوتًا ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلانًا، باسمه، وليس من ذي ولا ذو، ولكنه خليفة يماني).
وقوله: (ليس من ذي ولا ذو) أي إنه ليس من أهل اليمن؛ لأن هذه لغة أهل اليمن. أو إنه ليس من نسب أذواء اليمن وهم ملوك حمير، منهم ذو يزن وذو رعين، كما ذكر ذلك العلامة المجلسي في البحار ج ٢١ ص ٣٧٤.
 ٣ - وصف مكة بأنها من اليمن، فقد جاء في وصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في مناجاة الله لعيسى (عليه السلام): (يا عيسى دينه الحنيفية، وقبلته يمانية)، وفي دعاء أبي طالب (عليه السلام): (اللهم رب هذه الكعبة اليمانية، والأرض المدحية).
 ٤ - روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن خير الرجال أهل اليمن، والإيمان يمان، وأنا يماني).
مناقشة الإدّعاء الأول:
والجواب عن هذا الادّعاء ببيان أمور خمسة:
 الأمر الأول: أنَّ كون مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، ليس أمراً مسلماً، ويشهد لذلك قول أبي الفداء: (والتهامي منسوب إِلى تهامة، وهي تطلق على مكة، ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه [وآله]: تهامي؛ لأنه منها، وتطلق على البلاد التي بين الحجاز وأطراف اليمن)(٤٦٥)، وكلامه صريح في كون تهامة منطقة تتوسط الحجاز واليمن، وليست من اليمن.
 الأمر الثاني: أنَّ من المتسالم عليه في اللغة العربية أنَّ وصف (اليماني) نسبة إلى اليمن، وإليك بعض كلماتهم في هذا الشأن:
 • قال الجوهري: (اليَمنُ: بلاد للعرب، والنسبة إليها يَمَنِىٌّ ويَمَانٍ مخفّفةً، والألف عِوَضٌ من ياء النسب فلا يجتمعان. قال سيبويه: وبعضُهم يقول يَمَانِىٌّ بالتشديد.
قال أميَّةُ بن خَلَف:

يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيراً * * * وينفُخ دائماً لَهَبَ الشُوَاظِ

وقومٌ يَمَانِيَةٌ ويَمَانُونَ، مثل ثَمَانِيَة وثَمَانُون. وامرأةٌ يَمَانِيَةٌ أيضاً)(٤٦٦).
• وقال ابن منظور: (وقولهم: رجلٌ يمانٍ منسوب إلى اليمن، كان في الأَصل يَمَنِيّ، فزادوا أَلفاً وحذفوا ياء النسبة، وكذلك قالوا رجل شَآمٍ، كان في الأَصل شأْمِيّ، فزادوا أَلفاً وحذفوا ياء النسبة، وتِهامَةُ كان في الأَصل تَهَمَةَ فزادوا أَلفاً وقالوا تَهامٍ)(٤٦٧).
• وقال ابن فارس: (وكذلك اليمن، وهو بلد. يقال رجل يمان، وسيف يمان)(٤٦٨).
وقد جاءت الاستعمالات في لسان الشارع المقدّس على طبق ما نصَّ عليه اللغويون، وإليك بعض الشواهد على ذلك:
• عن أبان بن تغلب، قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) حيث دخل عليه رجل من علماء أهل اليمن، فقال أبو عبد الله: «يا يماني، أفيكم علماء؟ قال: نعم»(٤٦٩).
• وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنه دخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال له: «يا يماني، أتعرف شعب كذا وكذا؟ قال: نعم. قال له: تعرف شجرة في الشعب من صفتها كذا وكذا؟ قال له: نعم. قال له: تعرف صخرة تحت الشجرة؟ قال له: نعم. قال: فتلك الصخرة التي حفظت ألواح موسى على محمد (صلى الله عليه وآله)»(٤٧٠).
 ومن هذا المنطلق أيضاً صحَّ وصف السيوف المصنوعة في اليمن بـ (اليمانية)، والعقيق المأخوذ منها بـ (اليماني)، والحبرة والبردة المصنوعتان فيها بـ (اليمانية)، وهكذا.
 فتحصّل: أنَّ لفظ (اليماني) له صلة وثيقة ببلاد اليمن.
 الأمر الثالث: أنَّ الظاهر من مثل عنوان (اليماني) و(الخراساني) و(الشامي) أنها أوصاف، فاليماني يعني أنه من أهل اليمن، والشامي يعني أنه من أهل الشام، والخراساني يعني أنه من أهل خراسان، وهكذا.
 هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الوصف ظاهر في الفعلية، وعلى ضوء ذلك فإنَّ مقتضى وصف اليماني بـ (اليماني) أنّه كذلك بالفعل.
 وإيضاح هذا الأمر ببيان كبرى وصغرى:
أما الكبرى: فهي مرتبطة بمبحث المشتق في علم الأصول(٤٧١)، ولا بأس أن نشير إلى جهات ثلاث ترتبط بهذا المبحث، ليتضح ما نريد بيانه:
الجهة الأولى: معنى المشتق.
وحاصلها: أن المشتق تارةً يكون نحوياً، وأخرى أصولياً.
ولا يعنينا في المقام الأوّل، بل يعنينا الثاني وهو الأصولي، ومُرادهم منه: كل ما يُحمل على الذات باعتبار صفة قائمة بها خارجة عنها وتزول عنها.
وكونها قابلة للزوال، وخارجةً عنها، يعني أنّها ليست من ذاتياتها.
الجهة الثانية: عناصر المشتق.
إنَّ المشتقّ الأصولي - كما قرر أعلامنا الأصوليون رضي الله عنهم - يرتكز على عنصرين:
الأول: قابليّته للحمل على الذّات حمل الهوهوية.
كما في قولنا: زيد قائم، حين يكون القائم - وهو المحمول على الذات - هو نفسه زيد، وزيد هو نفسه القائم.
الثاني: بقاء الذات بعد زوال المبدأ عنها.
وبيانه: أننا في قولنا: (زيد قائم)، عندنا ذات وهي زيد، ومشتق وهو قائم، ومبدأ للمشتق وهو القيام، ومن الواضح أن حمل القيام على زيد إنما هو بلحاظ هذا ولو زال هذا المبدأ عن الذات فإنها تكون باقيةً لا تزول.
الجهة الثالثة: المشتق حقيقة في المتلبِّس.
عندنا ثلاث حالات للمشتق:
الحالة الأولى: إطلاق المشتق على الذات بلحاظ حال التلبّس.
الحالة الثانية: إطلاق المشتق على الذات بلحاظ التلبس مستقبلاً.
الحالة الثالثة: إطلاق المشتق على الذات التي انقضى عنها التلبس.
إذا عرفت ذلك: فإن المشتق إذا أطلق على الذات بلحاظ حال التلبّس، فهو إطلاق حقيقي بلا ريب.
وبعبارة أخرى: أن المشتق حقيقةٌ في المتلبِّس، ومجاز في مَن لم يتلبس بعد، وكذا على الأقوى في مَن انقضى عنه التلبس.
وبعبارة ثالثة واضحة: أن المشتق - أو الوصف - ظاهرٌ في الفعليّة؛ إذ أنه حقيقة في المتلبس، دون المنقضي عنه التلبّس أو غير المتلبّس فعلاً.
وأمثلة ذلك:
لو قيل عن إنسان أنه شاعر أو طبيب، فهذا يعني أنه حالاً وفعلاً شاعر وطبيب، لا أنه كان يوماً من الأيام شاعراً أو طبيباً، وزالت عنه الملكة، أو سيكون شاعراً أو طبيباً مستقبلاً؛ ولذا يصح سلب الوصف عمن زالت عنه الملكة أو مَن لم تتحقق له بعد، فيُقال: إنه ليس شاعراً أو طبيباً، وإنما كان أو سيكون كذلك، وعلى ذلك فقس.
وفي المقابل: لو قيل عن شجرة أنها منبر مثلاً، بلحاظ أنها ستقطع ويصنع منبر منها، لم يصح ذلك إلا على نحو المجاز، وكذا لو قيل عن المنبر إنه شجرة، بلحاظ أنه مصنوع منها، لم يصح إلا مجازاً.
وهذه القضية يُدركها جميعُ الناس من خلال المحاورات العرفيّة.
أما الصغرى، فتطبيقيّة، ومفادها:
أن الروايات الشريفة قد وصفت شخصاً بأنه: (يماني)، وبما أنَّ الوصف حقيقةٌ في المتلبِّس، فهذا يعني أنّه من أهل اليمن فعلاً، لا أنّه ينتمي لمنطقة أخرى خارج اليمن ولكن أصله من اليمن، فإنَّ هذا على خلاف ظهور وصف اليماني في الفعلية، وعليه فلو حمل وصف اليماني على كون أصله من اليمن كان ذلك خلاف المتفاهم العرفي، ولستُ أدري أي عربي يستسيغ ذلك؟ ويحمل كلام أئمة الكلام عليه؟!.
ولو صحّ ذلك لصحَّ أن يقول كل شخص عن نفسه: إنه (هندي) - بناءً على الرواية القائلة إن هبوط آدم (عليه السلام) كان في سرنديب من الهند(٤٧٢)، فيرجع أصل كلُّ آدمي إليها - ولا شك في كون ذلك من المستنكرات لدى العرف.
 وإلى جانب ذلك، فإنَّ بعض الروايات الشريفة قد صرحّت بخروجه من اليمن، كما هو مفاد الروايات: الأولى، والثانية، والثالثة، والخامسة، من الروايات المتقدمة، وهذا يعني أنه في زمن الظهور سيكون في اليمن، وسيخرج منها.
 وبهذا يتضح زيف دعوى أحد أدعياء المهدوية، حيث قال: (ومع ذلك فإن من تأمل في روايات الطاهرين، واستقرأ أكثرها، يتضح له بوضوح جهة ومكان خروج أو ظهور اليماني الموعود، وهو جهة المشرق - العراق -)(٤٧٣).
 والأشنع من ذلك قوله: (حتى لو قلنا بأن كلمة (من اليمن) موجودة وثابتة في الرواية فهي لا تعني بالضرورة أن يخرج اليماني من بلد اليمن عند ظهوره أو قيامه المسلح، فقد يكون أصله يماني ولكنه يظهر أو يقوم من بلد آخر.
 فيمكن أن يكون اليماني قد وصف بأنه (من اليمن) أي إن له أصلاً في اليمن، وليس معناه أنه يخرج من بلاد اليمن تحديدًا)(٤٧٤).
 وسرُّ هذه الشناعة أنَّ الروايات صريحة في الحديث عن مسألة الخروج، حيث تقول إحدى الروايتين - اللتين يناقشهما هذا المدّعي - (وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن) وتقول الأخرى: (وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني من اليمن) ومع هذه الصراحة في الحديث عن مسألة الخروج كيف صحَّ لهذا المدعّي أن يحملهما على الحديث عن أصل اليماني؟!.
 الأمر الرابع: أنَّ الروايات الشريفة التي تحدثت عن (اليماني) إنما تحدثت عنه كعلامة من علامات الظهور، ومن الواضح أنّ العلامة لا يصح فيها التلبيس، وإلا كان ذلك على خلاف الهدف من جعل علاميتها.
 وبما أنَّ وصف (اليماني) ظاهر - كما اتضح - في كون الشخص من أهل اليمن، فلو استخدمه المعصوم (عليه السلام) وأراد به شخصاً من أهل العراق، غير أنَّ جذوره قبل مئات السنوات ترجع إلى اليمن - كما يزعمه أدعياء المهدوية لإمامهم أحمد الحسن - لكان ذلك تلبيساً على المخاطبين، ونقضاً للغرض من جعل علامية العلامة، وحاشا المعصوم ذلك.
الأمر الخامس: مناقشة المؤيدات الأربعة.
 ١ - أما المؤيد الأول: فيكفيك كونه من كلام (كعب الأحبار) اليهودي، المنتج الأول للروايات الإسرائيلية، مضافاً إلى أنَّ أحد الراويين لكلامه هو (بقية) المعروف بكثرة تدليسه، كما أنَّ الراوي المباشر عنه هو شريح، وهو لم يلقَ كعباً، فالإسناد ضعيفٌ منقطع متهالك.
 ٢ - وأما المؤيّد الثاني: فيكفيك أيضاً أنَّ الأصل له كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو من المشهورين بالوضع والكذب، وقد أشبعنا الحديث عنه سالفاً، كما أنَّ صاحب الكلام هو أرطأة بن المنذر، وهو ممن لا شأن لهم عندنا.
والظاهر أنَّ المتشبث بهذا المؤيّد قد أصابه شيء من عدوى صفات المروزي، فنقل كلاماً عن كتاب (بحار الأنوار) موهماً القارئ أنه للعلامة المجلسي قدّس سره، والحال أنَّ العلامة المجلسي قدّس سره قد نقله عن ابن الأثير في جملة كلام له، ولم يكن هو المقصود له بالذات، حتى يتوهم تبنيه له، فليلاحظ.
 ٣ - وأما المؤيد الثالث: فيُلاحظ على الشاهد الأول أنَّ النسخ فيه مختلفة، كما أشار إلى ذلك الشيخ الحرُّ العاملي والعلامة المجلسي الأول (قدهما)، حيث أفادا أنَّ بعض النسخ قدجاء فيها (وقبلته مكية)(٤٧٥)، وهما بذلك يشيران إلى نسخة الشيخ الصدوق قدّس سره(٤٧٦)، بل إنّ العلامة المجلسي قدّس سره قد نقل الرواية عن الكافي الشريف بنسخة (وقبلته مكية)(٤٧٧)، مما يعني أنَّ نفس نسخ الكافي مختلفة.
 والجدير بالذكر أنَّ المدعو (ناظم العقيلي) الذي تشبث بهذا المؤيد، قد التزم في نفس الكتاب الذي ذكر فيه هذا المؤيّد بأنه عند اختلاف النسخ يكون اللفظ مشكوكاً فيه، فلا يصلح للاستدلال(٤٧٨)، وهذا مما ينطبق على محلّ الكلام، فما لبائهِ تارةً تجر، وعشراً لا تجر؟!
 ويُلاحظ على الشاهد الثاني: أنه لم يرد من طرقنا، وإنما ورد شاذّاً من طريق غيرنا، وقد نقله العلامة المجلسي قدّس سره في أنوار بحاره عن أبي الحسن البكري، وما اشتهر في كتبهم إنما هو التعبير بـ (الكعبة اليمانية) عن الكعبة التي بناها إبرهة في اليمن، فلاحظ(٤٧٩).
 على أنه إذا صحّ القول بأنَّ توصيف اليماني بهذا الوصف مأخوذ من اليُمن والبركة - كما يزعم أدعياء المهدوية - وليس نسبة لليمن، فإنَّ توصيف الكعبة به بالمعنى المذكور أجدر وأولى؛ لأنها البيت الذي وُضِعَ ببكة مباركاً وهدى للعالمين.
 ٤ - وأما المؤيّد الرابع: فيُلاحظ عليه أنه مروي بكيفيتين:
 الكيفية الأولى: التي يرويها ثقة الإسلام الكليني قدّس سره بسنده عن جابر، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وقد جاء فيها: «ثم وقف (صلّى الله عليه وآله وسلم) فعُرضت عليه الخيل، فمرَّ به فرس، فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى ظهر الدم في وجهه، فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد، يضعون سيوفهم على عواتقهم، ورماحهم على كواثب خيلهم، ثم يضربون بها قدما قدما. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): كذبت، بل رجال أهل اليمن أفضل، الايمان يماني، والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت امرءا من أهل اليمن»(٤٨٠).
الكيفية الثانية: التي يرويها جعفر بن محمد الحضرمي، بسنده عن أبي عيينة بن حُصن، قال: «عرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوما خيلا، وعنده أبو عيينة بن حُصن بن حذيفة بن بدر، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنا أبصرُ بالخيل منك، وقال عيينة: وأنا أبصر بالرجال منك يا رسول الله! فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): كيف؟ قال: فقال: إنّ خير الرجال الذين يضعون أسيافهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناكب خيولهم من أهل نجد، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): كَذَبْتَ؛ إنّ خير الرجال أهل اليمن، والإيمان يمان، وأنا يماني»(٤٨١).
 وقد ظهرَ كفرقٍ بين الكيفيتين: أنَّ عبارة (وأنا يماني) قد وردت في الكيفية الثانية، دون الكيفية الأولى، بل الذي يظهر من الكيفية الأولى نقيضها، حيث قالت: (ولولا الهجرة لكنتُ امرءاً من اليمن)، وبما أنَّ (لولا) حرف امتناع لوجود، وهو يدخل على جملتين اسميةٍ ففعلية، ويفيد امتناع الثانية منهما بسبب وجود الأولى، فيكون معنى الرواية: (يمتنع كوني من اليمن؛ لوجود هجرتي إلى المدينة)، وكأنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لو لم يكن مأموراً بالهجرة إلى المدينة لهاجر إلى اليمن.
 ولا شك في رجحان الكيفية الأولى - الخالية عن عبارة (وأنا يماني) - على الكيفية الثانية، وذلك لوجود مرجّحين:
 المرجّح الأول: أنَّ الكيفية الأولى مروية في الكافي الشريف، وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، بخلاف الكيفية الثانية؛ فإنها مروية عن أصل جعفر بن محمد الحضرمي، وهو مما لم يثبت انتسابه فضلاً عن اعتباره، كما أنَّ الرواي لها هو نفس عيينة.
 المرجّح الثاني: أنَّ الكيفية الأولى لم تُذكر في شيء من كتب العامة، بخلاف الكيفية الثانية، فلاحظ(٤٨٢).
 وبذلك يظهر وهن المؤيد الرابع.
الادّعاء الثاني: عدم وجود كلمة (من اليمن) في بعض النسخ.
ومفاده: أن بعض النسخ لا توجد فيها عبارة (من اليمن)، فلا يصح التعويل عليها(٤٨٣).
مناقشة الإدّعاء الثاني:
والجواب عنه ببيان أمور:
١ / الأمر الأول: أنَّ عبارة (من اليمن) لم ترد في رواية واحدة فقط، بل وردت في روايات عديدة، كما تقدم، فهب أنها كانت زائدة في إحداها إلا أنَّ هذا لا يستلزم زيادتها في بقية الروايات، وهذا من الواضحات.
٢ / الأمر الثاني: أنَّ هنالك روايتين لمحمد بن مسلم، وبين الروايتين اختلاف ظاهر في المضامين، فإنَّ إحداهما قد فصلّت الحديث حول وجوه الشبه بين الأنبياء (عليهم السلام) والإمام المهدي (أرواحنا فداه)، ثمَّ تعرضت لعلامات خروجه بنحوٍ مقتضب جداً، بينما الأخرى لم تتعرض لمسألة وجوه الشبه إطلاقاً، وفصلّت الحديث حول علامات ظهوره المبارك، وهذا الاختلاف يمنع من احتمال اتحاد الروايتين، وإن اتحد سندهما(٤٨٤).
 إذا عرفت ذلك، فإنَّ إحدى الروايتين وإن جاءت فيها فقرة (من اليمن) على نحو النسخة، غير أنَّ الرواية الأخرى قد جاءت فيها الفقرة المذكورة باتفاق النسخ، فلاحظ المصدر والكتب الناقلة عنه(٤٨٥).
 ثمَّ لو احتملنا أنَّ الروايتين واحدة، وإحداهما لم تكن مشتملة على الفقرة المذكورة، بينما الأخرى مشتملة عليها، مع نقل جميع المصادر عنها، فلماذا يكون عدم الفقرة في إحداهما قرينة على عدمها في الرواية الأخرى، ولا يكون وجودها في الثانية قرينة على وجودها في الرواية الأولى؟ ما لكم كيف تحكمون!!
٣ / الأمر الثالث: حتى لو سلمنا بأنَّ الفقرة المذكورة موجودة في بعض النسخ دون النسخ الأخرى؛ فإنَّ أصالة عدم الزيادة ترجّح جانب الوجود.
وبيان هذا المجمل يتوقف على بيان قاعدة أصالة عدم الزيادة، وبيانها يتطلب الحديث عنها في مقامين:
المقام الأول: معنى قاعدة أصالة عدم الزيادة.
ومفادها: إذا وردت روايتان تشتركان في الإمام المروية عنه والألفاظ المروية - بحيث يبعد تعدد صدورها مرتين - ولكنَّ إحداهما تحتوي على زيادة دون الأخرى، فالأصل هو عدم الزيادة، بمعنى أننا لا نعتبر هذا المقدار غير الموجود في الرواية الأخرى زيادةً، بل نلتزم بوقوعه في موقعه المناسب، وأنَّ الخلل في جانب النقيصة.
المقام الثاني: مُستند القاعدة.
ومُستند هذه القاعدة يتضح ببيان أمرين:
الأمر الأول: أن الراوي بحسب الفرض ثقة، والرواية بحسب الفرض مشتملة على زيادة، فلا تخلو هذه الزيادة:
إما أن يكون الراوي متعمّداً لزيادتها.
وإما أن يكون غافلاً فزادها.
وكلاهما مدفوعان.
أما الأول، فهو خُلْفُ كونه ثقةً، وأما الثاني فلأنَّ الأصل فيه عدم الغفلة، إذ متى ما صدر الكلام منه فالأصل أنه ملتفت لما يقول غير غافل، فلا زيادة.
الأمر الثاني: أن النقيصة هي ما تحصل عادةً - من الراوي الثقة - بسبب الغفلة، فترى الإنسان عندما يقصّ خبراً قد تصيبه الغفلة ويُنقص شيئاً؛ ولذا عند دوران الأمر بين زيادة أحد الراويين أو النسّاخ - في صورة وحدة الراوي - أو النقيصة من أحدهما، فإنَّ السيرة العقلائية قائمة على ترجيح كون الخلل في جانب النقيصة دون الزيادة، لكون احتمال وقوع الغفلة فيه أقوى.
وإن أبيت عن ذلك وقلت: إنَّ أصالة عدم الغفلة كما تجري في جانب الزيادة تجري في جانب النقيصة، فما هو المرجح لجريانها في ذاك دون هذا؟
قلنا: إنّ الزيادة لا منشأ لها إلا الكذب أو الغفلة، وكلاهما منفيان بالأصل، كما اتضح، بينما النقيصة لها مناشئ أكثر، كطلب الاختصار، أو تقدير الراوي عدم أهمية اللفظ الذي قام بحذفه، وبالتالي حتى لو نفينا الغفلة بأصالة عدمها، إلا أن احتمال النقيصة يبقى قائماً، لعدم وجود أصول عقلائية نافية للاحتمالات الأخرى.
وتفصيل الكلام حول ذلك موكول إلى محله.
وإذا اتّضحت هذه القاعدة الجليلة إجمالاً، نقول:
إنَّ الرواية التي جاء فيها «اليماني من اليمن» هي التي عليها المعوَّل والعمَل، استناداً إلى أصالة عدم الزيادة، بالنحو الذي أوضحناه.
الادّعاء الثالث: وجوب متابعة اليماني.
وحاصل هذا الادعاء: لزوم متابعة اليماني عند ظهوره، وحرمة التخلف عنه، وهذا حكم نافذ في حق الجميع، بما فيهم المراجع العظام.
وقد يُستدل لذلك بالرواية القائلة: «وإذا خرج اليماني فانهض إليه»(٤٨٦)، بتقريب أن (انهض) فعل أمر، وهو ظاهر في الوجوب، فيستفاد منها وجوب نصرة اليماني والدعوة والانضمام إليه، كما يستفاد من نفس الرواية أيضاً حرمة منهاضته ومواجهته، حيث جاء فيها: «ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار»(٤٨٧)، والظاهر عموم هذا التكليف للمراجع وغيرهم.
مناقشة الادّعاء الثالث:
ولكنَّ الصحيح أنَّ هذه الرواية لا يمكن الاستناد إليها لإثبات مدّعى القوم، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أنَّ سند الرواية معلول بالحسن بن علي بن أبي حمزة، فإنه كذاب ملعون، وإليك بعض ما قيل فيه:
 • قال الشيخ الكشي رحمه الله: «محمد بن مسعود، قال سألت علي بن الحسن بن فضال، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة البطائني؟ فقال: كذاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، الا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا.
 وحكى لي أبو الحسن حمدويه بن نصير، عن بعض أشياخه أنه قال: الحسن ابن علي بن أبي حمزة رجل سوء»(٤٨٨).
 • وقال الشيخ النجاشي رحمه الله: «قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فطعن عليه... ورأيتُ شيوخنا رحمهم الله يذكرون انه كان من وجوه الواقفة»(٤٨٩).
 • وقال ابن الغضائري: «الحَسَنُ بنُ عليّ بن أبي حَمْزة، مَوْلى الأنْصار، أبُو مُحَمَّد. واقِفُ ابنُ واقِف، ضَعِيْفٌ في نفسِهِ، وأبُوهُ أوْثَقُ منْهُ. وقال الحَسَنُ بنُ عليّ بن فَضّال: إنّي لأسْتَحيي من اللهِ أنْ أرْوِيَ عن الحَسَن بن عليّ»(٤٩٠).
 ولا يكاد ينقضي العجب من أدعياء المهدوية، كيف ساغ لهم أن يتمسكوا بهذه الرواية اليتيمة الضعيفة، التي يرويها مثل هذا الرجل الكذاب، ليبنوا عليها اعتقاداً خطيراً جداً، وهو الحكم على جميع شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين لم يبايعوا يمانيهم بأنهم من أهل النار والضلال؟!
الأمر الثاني: أنَّ الرواية معارضة بروايات كثيرة غيرها، دالة على عدم وجوب النهضة، وإليك بعضها:
 • معتبرة عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله (عزَّ وجلَّ)، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة»(٤٩١).
 فرغم أن قيام (اليماني) يكون في شهر رجب - إلى جانب قيام السفياني - إلا أن الرواية صريحة في عدم لزوم النهوض الفوري.
 • وعن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(٤٩٢).
وهذه الرواية أصرح من سابقتها في عدوم لزوم الاستجابة لأيّ نهضة غير النهضة المهدوية المباركة، بما في ذلك نهضة اليماني، بل أنَّ الراجح هو ادّخار النفس وإبقاؤها لنصرة الحجة بن الحسن المهدي (أرواحنا فداه).
وبعيداً عمّا ذكرناه، فإنَّ هذه الرواية أتمُّ في الحجيّة على أدعياء المهدوية؛ لأنها ترجّح ادخار النفس واستبقاءها لصاحب الأمر والزمان (أرواحنا فداه)، وأنه خير من الاستجابة للرايات المشرقية؛ إذ أنَّ حركة أهل المشرق - بحسب تفسير أدعياء المهدوية - هي نفسها حركة اليماني، ويشهد لذلك تعليق أحدهم على قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وتقبل رايات من شرقي الأرض» بقوله: (نعرف منه أن هذه الرايات مشرقية ولا علاقة لها باليمن أو غيره، وجهة المشرق هنا هي العراق وإيران، إذن فحركة اليماني مشرقية مرددة بين العراق وإيران أو إن عصبة أنصارها منهما)(٤٩٣).
وعلى هذا فالرواية صريحة جداً في عدم لزوم متابعة اليماني في حركته، بل إنَّ ادخار النفس لنصرة صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) هو الراجح.
• وعن جابر الجعفي، قال: «قال لي محمّد بن عليّ (عليه السلام): يا جابر! إنّ لبني العبّاس رايةً ولغيرهم رايات، فإيّاك ثمّ إيّاك ثمّ إيّاك - ثلاثاً - حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين يبايَع له بين الركن والمقام، معه سلاح رسول الله، ومغفر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ودرع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وسيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)»(٤٩٤).
 ومن الظاهر أنَّ هذه الرواية أشدُّ من سابقتيها فيما يرتبط بما نحن فيه؛ إذ أنها صريحة في النهي المغلّظ عن متابعة أي حركة ما لم يبايع صاحب العصر والزمان (أرواحنا فداه) بين الركن والمقام.
 • وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام): «وإياك وشذاذ من آل محمد، فان لآل محمد وعلى راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم رجلا أبدا حتى ترى رجلا من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه»(٤٩٥).
 ودلالة هذه الرواية كسابقتها في الوضوح.
 ومن الواضح - بعد ذلك - أنه لا يصح الأخذ بتلك الرواية اليتيمة الضعيفة، والإعراض عن هذه الروايات الشريفة وأمثالها، مع ما هي عليه من الكثرة والصحة.
الادّعاء الرابع: تلوّث سائر الرايات بالضلال.
وحاصل ما قالوه: أن الحق محصور براية اليماني، وأما غيرها من الرايات فهي رايات مشوبة بالضلال، وهذا معلوم من كلمة (أهدى) في الرواية الشريفة، وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمة في قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٤٩٦) وأراد منها الهدى(٤٩٧)، وليس كما يُتوهّم من أنها صيغة أفعل تفضيل، وهذا نظير قولنا: (الله أعلم) والتي تعني (الله العالم)، أو قولنا: (الله أكبر) بمعنى (الله كبير).
مناقشة الإدّعاء الرابع:
والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا تحكّم وتصرّف واضح في الظاهر من غير موجب، إذ أنَّ صيغة أفعل ظاهرة في التفضيل، ومقتضى ظهورها هذا هو وجود رايات هدى أخرى أيضاً - باعتبار أن صيغة أفعل التفضيل تقتضي الاشتراك في أصل الصفة، والتمايز في مستويات الاتصاف بها - غاية ما في الأمر أن راية اليماني أكثرها هداية.
الوجه الثاني: لو سُلِّم وجود بعض الآيات التي استخدمت كلمة (أهدى) بمعنى الهدى، فهي لا تصلح أن تكون دليلاً على مدّعاهم، لما قرر في محله من أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، وعلى فرض مجيئه في القرآن الكريم فهو من قبيل الاستعمال المجازي لا الحقيقي، إذ أنَّ صيغة أفعل التفضيل موضوعة لإفادة التفضيل ولا تنفي الفضل عن غيرها، وهذا هو المتبادر منها كما لا يخفى.
على أنَّ آيات القرآن الكريم قد استعملت المفردة المذكورة لإفادة التفضيل، فلاحظ قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)(٤٩٨)، وقوله: (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ)(٤٩٩)، وقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(٥٠٠)، وقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا).(٥٠١)
أفضلية اليماني على المراجع العظام:
ومما ينبغي ذكره بهذه المناسبة: أنَّ البعض يحاول أن يستدلّ بصحيحة الأزدي المتقدّمة - والتي تنص على أن راية اليماني أهدى الرايات - على أفضلية اليماني على جميع مراجع الدين العظام.
ولكن الصحيح أنَّ هذه المحاولة غير ناهضة، لخروج مراجع الدين العظام عن محل الكلام تخصصاً، وإباء ظهور الروايات عن المساعدة على ذلك.
وإيضاح ذلك بالالتفات إلى أمرين:
الأول: إنَّ غاية ما يستفاد من الرواية الشريفة - وما هي ظاهرة فيه - إنما هو تفضيل راية اليماني على بقية الرايات، ولا يُستفاد منها تفضيل شخصه على بقية الخلق، فضلاً عن المراجع العظام.
الثاني: لو أغمضنا عمّا سبق فلنا أن نقول: إنَّ صحيحة الأزدي - خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق - ظاهرة في الحديث عن وجود رايات عسكرية، منها راية السفياني المتقدّم ذكرها، ومنها راية المصري التي أشارت إليها رواية محمد بن مسلم (عليه السلام): «يخرج قبل السفياني مصري ويماني»(٥٠٢)، ومنها راية الخراساني التي تقدّم ذكرها في روايات سابقة، وحين قالت الصحيحة: «وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق» فإنها قد قالت ذلك بعد أن قالت: «خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني» وهذا يعني أنها قد جعلت مركز التفاضل ضمن هذه الدائرة، وعليه فهي إن دلّت على تفضيل اليماني - لا على تفضيل رايته - فإنها تدل تفضيله على أصحاب الرايات المذكورة، وهذا لا يشمل المراجع العظام (أطال الله في أعمارهم ومتعنا بطول بقائهم)؛ لأنهم ليست لهم راية عسكرية يحملونها، فهم خارجون تخصصاً.
 الإدّعاء الخامس: سبق ظهور اليماني على خروجه.
 وقد تحدث عن ذلك أحد أدعياء المهدوية، فنقل كلاماً للصحابي الجليل عمار بن ياسر (رضي الله عنه) مروياً عنه بسندٍ ضعيف جداً، جاء فيه: (ويظهر ثلاثة نفر بالشام، كلهم يطلب الملك، رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب، ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد (عليهم السلام))(٥٠٣).
 ثمَّ علق عليه بقوله: (وهذا الخبر ينص على أن هذا الداعي لآل محمد (عليهم السلام) يخرج قبل خروج السفياني بالشام، وقبل توجهه نحو العراق، وقد عرفنا أن صاحب الدعوة لآل محمد (عليهم السلام) في عصر الظهور هو اليماني الموعود، فهذه إشارة إليه.. والله أعلم.
 وعليه فيكون ظهور اليماني الموعود كدعوة سابق [هكذا] للفتن المميزة في عصر الظهور كفتنة السفياني وغيره)(٥٠٤).
 والذي يحدو أدعياء المهدوية لطرح هذا الادّعاء هو: أنهم يدعون الناس إلى مبايعة أحمد الحسن على أنه هو اليماني الموعود، وحين يرفضون مبايعته بحجة أنَّ علامة اليماني الموعود هو الخروج مع السفياني والخراساني في يوم واحد من شهر واحد وسنة واحدة، يجابهونهم بدعوى أنّ لليماني ظهوراً يسبق خروج السفياني، وخروجاً يزامن خروجه، وهو الآن - بحسب زعمهم - وإن لم يخرج إلا أنه قد ظهر، وما دام قد دعا الناس إلى بيعته فيلزمهم مبايعته وإلا كانوا من أهل النار.
مناقشة الادّعاء الخامس:
ويُلاحظ على هذا الادّعاء: أنه مبني على كلام غير المعصوم، ومثله - وإن جلّ مقامه - لا يعدم الخطأ والاشتباه؛ إذ العصمة محصورة بأهلها، مع أنَّ الكلام لم يثبت استناده إليه؛ نظراً للضعف الظاهر في سنده.
 على أنه لو ثبت استناده، وأحرزنا عدم خطأه، فإنَّ دلالته في غاية القصور؛ إذ غاية ما يفيده أنَّ هنالك مَن يدعو لآل محمد (عليهم السلام) قبل خروج السفياني، وأما كون هذا الداعي هو اليماني فدون إثباته خرط القتاد.
 وقد يُتمسك لإثبات ذلك بما ورد عن محمد بن مسلم أنه قال: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني)(٥٠٥)، ولكنَّ مشكلته عدم إسناده إلى المعصوم (عليه السلام)، كما أنه لا يفيد أكثر من خروج (يماني) قبل خروج (السفياني)، وأما كونه نفس (اليماني) الموعود، فهو قاصر عن إثباته، سيما وأنَّ الروايات الشريفة لا تذكر (اليماني) إلا مقترناً بأل التعريف، بينما مَن ذكره محمد بن مسلم كان مجرداً عنها، وهذا وحده كافٍ للتشكيك في الاتحاد، إن لم نقل للإطمئنان بالتعدد.
 الادّعاء السادس: أنَّ اليماني والسفياني يتحدان في الخروج إلى العراق، لا في مطلق الخروج.
 ويتحدث عن ذلك أحد أدعياء المهدوية، فيقول: (فغاية ما تدل عليه روايات خروج الثلاثة؛ هو تحديد خروجهم إلى الكوفة في يوم واحد وتسابقهم إليها، أما خروجهم قبل ذلك فمصرح به بالنسبة للسفياني ومسكوت عنه بالنسبة لليماني والخراساني)(٥٠٦).
 ولا يخفى أنَّ الغرض من هذا الادّعاء ليس إلا تصحيح كون إمامهم (أحمد الحسن) هو اليماني الموعود، فتلزم مبايعته؛ لأنه قدظهر ودعا الناس إليها، وإن لم يتحقق خروجه مع السفياني بعد.
 وبما أنَّ هذا الادّعاء منهم غير مبرهن؛ لذلك حاولوا أن يقيموا قرينة عليه، فتشبثوا بالخبر الباقري: (لا بد لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم، وتشتت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحدا.
 ثم قال (عليه السلام): خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر احد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه)(٥٠٧).
 مناقشة الادّعاء السادس:
 ويلاحظ على هذا الادّعاء: أنَّ ما يمكن الاعتماد عليه في مسألة خروج الثلاثة ليس إلا صحيحة الأزدي المتقدمة، وهي ظاهرة في الحديث عن حركة عظيمة يشهدها العالم، حين تتحرك قوى ثلاث في يومٍ واحد من شهر واحد وسنة واحدة، ولا دلالة للصحيحة - لا من قريب ولا من بعيد - على كون هذه الحركة الثلاثية باتجاه الكوفة.
 وأما القرينة التي تشبثوا بها فهي غير صالحة للقرينية، وذلك لأمرين:
 الأول: أنها ضعيفة السند جداً، بوقوع الملعون الكذّاب الحسن بن علي بن أبي حمزة في أسانيدها، وقد تقدم الحديث عنه فلا نعيد.
 الثاني: أنها قاصرة الدلالة؛ إذ الظاهر منها أنها تتحدث عن خروجين:
 أحدهما: يكون للسفياني والخراساني، وهذا هو ما يكون باتجاه الكوفة.
 والآخر: يكون للسفياني والخراساني واليماني، وهذا ما لم تحدد الرواية مساره.
 وعليه، فإنه لا سبيل لنا لمعرفة اليماني وتمييزه إلا حين تقترن حركته بحركة السفياني والخراساني في يوم واحد من شهر واحد وسنة واحدة، وأما قبل ذلك فلا يمكن تمييز اليماني، حتى يقال بلزوم اتباعه.
 الادّعاء السابع: أنَّ اليماني هو نفسه أحمد ابن الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يمهّد الأمر له، ويتسلمه بعده، كما يستفاد من رواية الوصية وغيرها من الروايات.
مناقشة الادّعاء السابع:
ولا يخفى وهن هذا الادّعاء؛ لوجود رواية صحيحة السند - بأعلى مستويات الصحة - تدل على أنَّ اليماني يموت قبل ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) بأربعين سنة تقريباً، فكيف يكون اليماني هو الذي يسلّم أزمة الأمور للإمام المهدي (عليه السلام)، والحال أنه قد مات قبله بسنين كثيرة؟! والرواية هي ما يرويها الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير - رضي الله عنه -، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) متحدثاً عن السفياني، قال: «ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبعه اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في آخر الأمر مع ابنه في الأسارى، فيقطعهما إربا إربا، ثم يعيش في سلطنته فارغا من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك لابنه السعيد، ويأوي مكة، وينتظر ظهور قائمنا (عليه السلام) حتى يتوفى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريبا من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا (عليه السلام)»(٥٠٨).

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) وسائل الشّيعة: ٢٧\٦٢
(٢) سورة الإسراء: ٥
(٣) سورة الأنفال: ٨
(٤) الغيبة للنعماني ص٢١٢، ورواها عن أبي يعفور أيضاً، كما رواها عنه الشيخ الكليني في الكافي ١\٣٧٠.
(٥) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص٣٤٨
(٦) الكافي الشريف ١\٣٧٠، والغيبة لشيخ الطائفة ص٣٣٥.
(٧) الغيبة لشيخ الطائفة ص٣٣٩
(٨) الغيبة للنعماني ص٢١٦.
(٩) المصدر السابق ص١٤٣
(١٠) الخرائج والجرائح للقطب الراوندي ٢\٩٢٠، وعوالي ابن أبي جمهور في مواضع متعددة منها ١\٢٥٩، وأورده المحدث النوري في المستدرك ١٤\١٥٣.
(١١) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق ص٤٨٢، وعلل الشرائع ١\٢٤٦، وهذا التفصيل الذي بيّنه سيّدنا الضياء (دام عزّه) موجود في هذه الرواية الشريفة، فعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: «سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إن لصاحب هذا الامر غيبة لا بد منها يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم؟
قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما.
يا ابن الفضل: إن هذا الامر أمر من (أمر) الله تعالى وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف».
قلتُ: وهذا يدلّك على ما تقدّم من وجود الفرق بين العلاقتين، السببية والهدفية.
(١٢) الكافي الشريف ٨\٣٦ - ٤٢، نقلناه بتصرف.
(١٣) الكافي الشريف ١\٣٣٨، كمال الدين للصدوق ص٢٨٩، الغيبة للنعماني ص٦٩، الغيبة لشيخ الطائفة ص٣٣٦.
(١٤) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٤٧، الكافي الشريف ١\٣٣٦، الغيبة للطوسي ص٣٣٧، الغيبة للنعماني بطريقين ص١٥٤.
(١٥) سورة العنكبوت ٢ - ٣
(١٦) الكافي الشريف ٢\٢٥٥
(١٧) المصدر السابق ٢\٤٤٦
(١٨) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٧٣
(١٩) بصائر الدرجات ص ١٠٤
(٢٠) الغيبة للنعماني ص ٢٠٧
(٢١) أمالي شيخ الطائفة ص٥١٢.
(٢٢) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٣٧، وفي الإرشاد للمفيد ٢\٣٧٢.
(٢٣) الكافي الشريف ١\٣٤
(٢٤) المصدر السابق ١\٣٣
(٢٥) المصدر السابق ١\٣٣
(٢٦) الاحتجاج ١\٩
(٢٧) المصدر السابق
(٢٨) المصدر السابق ٢\٢٦٣
(٢٩) كمال الدين وتمام النعمة لشيخنا الصدوق ص٤٨٥
(٣٠) راجع المجلد الثاني من البحار للعلامة الأجل المجلسي قدّس سره حيث عقد هناك أبواباً متعددة وأورد فيها الروايات الشريفة المرتبطة بالمقام.
(٣١) الكافي الشريف ١\٣٧٢، الغيبة للنعماني ص٣٥٢
(٣٢) الكافي الشريف ١\٣٣٧
(٣٣) ولابد من التنبيه هنا: أنّ مصدر هذه المقدّمة هو دروس الرّجال لسماحة السيّد (أعزّه الله).
(٣٤) لسان العرب لابن منظور ١٣\٢٧٢.
(٣٥) تاج العروس ١٨\٣٦٣
(٣٦) سورة البقرة: ٤٦
(٣٧) سورة النساء: ١٥٧
(٣٨) سورة النجم: ٢٨
(٣٩) سورة الأنعام: ١١٦
(٤٠) سورة الحجرات: ١٥
(٤١) سورة البقرة: ٤٦
(٤٢) قال الشيخ الأعظم قدّس سره في حاشيته على استصحاب القوانين ص١١٤: «حتى أن ببالي أن بعض الفضلاء المعاصرين صرح هو - أو حكى عن غيره - أن المجتمع من الآيات الدالة على حرمة العمل بالظن - الأعم من الدلالة المطابقية والتضمنية والالتزامية - يقرب من مائة».
(٤٣) سورة الأعراف: ٣٣
(٤٤) سورة الإسراء: ٣٦
(٤٥) سورة يونس: ٣٦
(٤٦) قال الشيخ الأعظم قدّس سره: «حتى إن بعض الفضلاء المعاصرين - المشار إليه سابقا - صرح أو حكى عن غيره: أن المجتمع من الاخبار الدالة بإحدى الدلالات الثلاث نحو من خمسمائة» الحاشية على استصحاب القوانين ص١١٥
(٤٧) الكافي الشريف ١\٥٦
(٤٨) الكافي الشريف ١\٥٨
(٤٩) الكافي الشريف ١\٥٠
(٥٠) الكافي الشريف ٢\٤٠٠
(٥١) الرسائل الأصولية ص١٢
(٥٢) القوانين المحكمة ٤\٢٥٩
(٥٣) ولا يخفى ما لهذه المقدّمة من أهميّة، حيث أنّ أتباع هذا المنهج ينكرون حجية هذا العلم وينفون الحاجة إليه.
(٥٤) سورة الأنعام: ٧٢
(٥٥) سورة النحل: ٨٩
(٥٦) والفرق بين السّيرتين:
أن السّيرة العقلائية: هي تباني وتعارف العقلاء على سلوك معيّن في مورد من الموارد بحيث لا يتخلّف منهم أحدٌ عن هذا الميل والتعارف، وأمّا السيرة المتشرعيّة: فهي تباني وتعارف المتشرّعة على سلوك معيّن بما هم متدينون وملتزمون بتعاليم الشرع الحنيف.
وإذا اتّضح لك معنى السيرتين، لا بأس ببيان فارقين مهمّين - والفوارق كثيرة - بينهما:
الفارق الأوّل: مرتبط بمنشأ السيرتين، فمنشأ السيرة العقلائية هو الميل والطبع العقلائي، وأما منشأ السيرة المتشرعية فهو البيان الشرعي المأخوذ من الشارع المقدّس.
الفارق الثّاني: كيفية استفادة الحجية لكلا السيرتين، فحجية سيرة العقلاء تُستفاد من إمضاء المعصوم ولو بعدم الرّدع، وأما حجية سيرة المتشرّعة فتُستفاد من إثبات معاصرة هذه السيرة للمعصوم فقط، دون الحاجة إلى إثبات الإمضاء لها؛ والوجه في ذلك أن سيرة المتشرّعة كاشفة عن البيان الشرعي كشفاً إنياً، وبعبارة أخرى: هي وليدة البيان الشرعي، باعتبار أن المتدينين لا يسلكون سلوكاً معيّنا ويسيرون عليه دون أن يكون لهم مستند من رئيسهم (عليه السلام).
ولك أن تقول: إن الفقيه إذا أراد أن يثبت الحجية لظاهرة عقلائية معيّنة، فهو يحتاج إلى أمرين: الأوّل: إثبات وقوع هذه الظاهرة في زمن المعصوم (عليه السلام)، الثّاني: إثبات إمضاء المعصوم لهذه الظاهرة، ولو بعدم ردعه عنها.
وأمّا إذا أراد أن يثبت الحجية لظاهرة صادرة من المتديّنين والملتزمين بالشرع، فإنّه لا يحتاج إلا لإثبات وقوعها في زمن المعصوم (عليه السلام) ومعاصرتها له؛ إذ أنّ هذا كاشفٌ بالإنّ عن كون مستند ومرتكز هذه السّيرة وهذه الظاهرة المتشرعيّة هو البيان الشرعي المأخوذ من المعصوم (عليه السلام).
(٥٧) مصباح الأصول ١\٢٥
(٥٨) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٢٤
(٥٩) مصباح الأصول: ١ / ٢٨٠.
(٦٠) الوصية والوصي: ٢٥٥.
(٦١) الطريق إلى الدعوة اليمانية: ٧٨.
(٦٢) سورة الحجرات: ٦
(٦٣) الطريق إلى الدعوة اليمانية: ٧٨.
(٦٤) وسائل الشيعة: ٢٧ / ١٥٠.
(٦٥) عوالي اللئالي ٤\١٣٣
(٦٦) وسائل الشيعة: ٢٧ / ١٢٨.
(٦٧) الفصول المهمة: ١ / ٥٩١.
(٦٨) الفصول المهمة: ١ / ٥٩١.
(٦٩) وسائل الشيعة: ٢٧ / ١٤٧.
(٧٠) المحاسن: ١ / ٢٣٠.
(٧١) الكافي: ١ / ٦٩.
(٧٢) الكافي: ٢ / ٢٢٣.
(٧٣) مختصر بصائر الدرجات: ٧٦.
(٧٤) مختصر بصائر الدرجات: ٧٧.
(٧٥) الوصية والوصي: ٢٥٦.
(٧٦) الكافي: ١ / ٤٠١.
(٧٧) الكافي: ١ / ٦٩.
(٧٨) ولا يُقال: إنَّ هذا الإسم لا يكشف عن كون المسمّى من كتب علم الرجال؛ لاحتمال كونه كتاباً تاريخياً مثلاً، وليس كتاباً رجالياً يعنى بالتوثيق والتضعيف.
 فإنه يُقال: إنَّ هذا الاحتمال وإن كان متجّهاً في نفسه، إلا أنَّ وصول بعض الكتب المعنونة بنفس العنوان والمصنفة في نفس الحقبة لبعض المتأخرين من علماء الرجال - كالعلامة وابن داود الحليين (قدهما) - واعتمادهما إياها في مجال التقييم الرجالي، يقلّل من قيمة هذا الاحتمال، ومن هذه الكتب: (كتاب الرجال) لعلي بن الحسن بن علي بن فضال فإنه قد وصل لابن داود واعتمد عليه في رجاله، كما صرّح بذلك في مقدمته، ومثله (كتاب الرجال) للفضل بن شاذان القمي، وكتاب (تاريخ الرجال) للشريف العقيقي المتوفى سنة ٢٨٠ هـ. «الخباز»
(٧٩) الفهرست للنجاشي ص٣٦
(٨٠) تعليقة الوحيد ص٢٢٩
(٨١) الفهرست للنجاسي ص٩٥
(٨٢) العدة: ١ / ١٤١.
(٨٣) الوصية والوصي: ٢٥٦.
(٨٤) هكذا، والصحيح نحوياً: (مجانباً).
(٨٥) الوصية والوصي: ٢٥٦.
(٨٦) الوصية والوصي: ٢٥٦، ٢٥٧.
(٨٧) الوصية والوصي: ٢٥٦، ٢٥٧.
(٨٨) رجال النجاشي: ٢٨.
(٨٩) رجال النجاشي: ٢٩.
(٩٠) رجال النجاشي: ٤٦.
(٩١) رجال النجاشي: ٥٣.
(٩٢) رجال النجاشي: ٦١.
(٩٣) رجال النجاشي: ٦٢.
(٩٤) رجال النجاشي: ٣٩٦.
(٩٥) رجال النجاشي: ٢٣٢.
(٩٦) رجال النجاشي: ٧٧.
(٩٧) العدة في أصول الفقه: ١ / ١٥٤.
(٩٨) العدة في أصول الفقه: ١ / ١٤٩.
(٩٩) العدة في أصول الفقه: ١ / ١٥٠.
(١٠٠) الوصية والوصي: ٢٦٢.
(١٠١) الوصية والوصي: ٢٦٤.
(١٠٢) الوصية والوصي: ٢٦٢، ومما لا ينقضي منه العجب أنَّ صاحب هذا الكتاب لأجل تهويل إحصائية المجاهيل في الكتب الرجالية توسل بمقدماتٍ لا يقرّه عليها عاقل، ومن جملتها: أنَّ صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يبلغ عددهم مائة وأربعة عشر ألفاً، بينما الشيخ الطوسي (قده) لم يذكر منهم في رجاله إلا (٤٦٨) راوياً، ولا أجدني بحاجةٍ للتعليق على هذا الجهل الفاضح - فإنَّ كتب الرجال لم تعدّ لضبط أسماء جميع الناس، وإنما هي معدّة لضبط أسماء الرواة أو أصحاب التصانيف - ولكن يكفيني أن أطلب من هذا المدّعي أن يضبط لنا أسماء هؤلاء الصحابة جميعاً، ويميّز لنا الرواة منهم من غير الرواة، ثمّ بعد ذلك فليرفع عقيرته.
 وليبدأ في عدّ الأسماء وإحصائها منذ الآن، والفرصة مفتوحةٌ إلى يوم القيامة. «الخباز»
(١٠٣) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٤٩، والإسناد صحيح بناءً على وثاقة أحمد بن هلال كما هو مختار المحقق الأكبر سيد الطائفة المقدس الخوئي رضوان الله تعالى عليه.
(١٠٤) الكافي الشريف ١\٣٧٢
(١٠٥) الغيبة للنعماني ص٢٧٣
(١٠٦) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٣٧، وفي الإرشاد للمفيد ٢\٣٧٢
(١٠٧) الغيبة للنعماني ص٢٨٩، وقد رواها بعدّة طرق
(١٠٨) الكافي الشريف ٨\٣١٠
(١٠٩) الكافي الشريف ٨\٢٦٥
(١١٠) إشارة إلى ما رواه النعماني في الغيبة ص٣١٣ بسنده عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام):«إن من الأمور أمورا موقوفة وأمورا محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لا بد منه».
(١١١) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥٠، والكافي الشريف ٨\٣١٠ بطريق آخر إلى عمر بن حنظلة وهو صحيح.
(١١٢) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٣٥
(١١٣) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥١
(١١٤) المصدر السابق
(١١٥) الكور لغةً: جمع كورة، ويراد بها: المدينة أو الصقع.
(١١٦) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥٢
(١١٧) الغيبة للنعماني ص٣١٠، وفي صحيحة محمد بن مسلم كما رواها شيخ الطائفة في الغيبة ص٤٤٩ قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة.
ثم قال (عليه السلام): أستغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه.»
وتتراوح مدّة حمل الجمل - كما هو مقرّر في بحوث البيطرة - بين ١٢ إلى ١٣ شهراً، ولا منافاة بين الروايتين؛ إذ أنَّ خصوصيات العلامات قابلة لجريان البداء فيها، ولعل الترديد بلحاظ هذه الحقيقة. (الخبّاز)
(١١٨) غيبة الطوسي ص٤٥٠
(١١٩) الغيبة للنعماني ص٢٦٨
(١٢٠) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥٣
(١٢١) الغيبة للنعماني ص٢٦٣
(١٢٢) المصدر السابق ص٢٦٢ - ٢٦٣
(١٢٣) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥٢
(١٢٤) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥٠ - ٦٥١
(١٢٥) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٣١
(١٢٦) الغيبة للنعماني ص٢٨٦
(١٢٧) غيبة الطوسي ص٤٤٦
(١٢٨) المصدر السابق
(١٢٩) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٣١
(١٣٠) المصدر السابق ص٦٤٩
(١٣١) الغيبة للنعماني ص٢٨٨
(١٣٢) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٣٥
(١٣٣) غيبة النعماني ص٣١٤ - ٣١٥
(١٣٤) قال رحمه الله في النجم الثاقب ٢\٥٤٣: «وقد انقضى من عمره الشريف إلى الآن ألف وأربعون وعدّة سنين، ولا تبديل ولا تغيير فيه ما بقي شيء مما جاء عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) من الآيات والعلامات التي تكون قبل ظهوره ومع ظهوره، وهي جميعها قابلة للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والتأويل بشيء آخر، حتّى تلك التي عدّت في الحتميّات، فانّ المقصود من المحتوم في تلك الأخبار - على الظاهر - ليس أنّها غير قابل للتغيير أبداً، بل الظاهر منه ما قالوه (عليهم السلام) بما يأتي - والله العالم - بأنّه مرتبة من التأكيد بما لا تنافي التغير في مرحلة من مراحل وجودها».
(١٣٥) قال قدس سره في البحار ٥٢\٢٥١: «ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم البداء في خصوصياته لا في أصل وقوعه كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك.»
(١٣٦) الغيبة للنعماني ص٣١٢
(١٣٧) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٤٩
(١٣٨) لسان العرب ١\٧٧٤
(١٣٩) ومما ذكرناه اتضح أنَّ توصيف النيابة تارة بالعموم وأخرى بالخصوص إنما هو بلحاظ النائب، وإلا فإنَّ نفس النيابة - بلحاظ سعة متعلقها - قد تكون عامة مع كون النائب خاصاً، وقد تكون - بلحاظ ضيق متعلقها - خاصة للنائب العام، فتأمّل جيداً. (الخبّاز)
(١٤٠) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤١٢.
(١٤١) كمال الدين وتمام النعمة ص٥١٥، الغيبة للشيخ ص٣٩٥، الخرائج للقطب ٣\١١٢٨
(١٤٢) المزار للشيخ المفيد ص٨.
(١٤٣) المزار للشيخ المشهدي ص٥٨١، إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ١\٥١٠.
(١٤٤) كمال الدين وتمام النعمة ص٤٤٠، وفي غيبة الشيخ عنه ص٣٦٤
(١٤٥) رسائل المرتضى ٢\٢٩٧
(١٤٦) الغيبة ص٩٩
(١٤٧) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة ص٣٦
(١٤٨) بحار الأنوار ج٥٢
(١٤٩) النجم الثاقب ٢\٤٩
(١٥٠) الكافي الشريف ١\٣٤٠
(١٥١) المصدر السابق
(١٥٢) النجم الثاقب ٢\٤٠٨
(١٥٣) بحار الأنوار ٥٣\٣٢٠
(١٥٤) كمال الدين وتمام النعمة ص٥١٦، الغيبة لشيخ الطائفة ص٣٩٥
(١٥٥) مع العبد الصالح: ١ / ٢٨.
(١٥٦) مكيال المكارم: ٢ / ٣٥٥.
(١٥٧) كمال الدين وإتمام النعمة: ٥١٦.
(١٥٨) الغيبة: ٣٩٥.
(١٥٩) الاحتجاج: ٢ / ٢٩٦، إعلام الورى: ٢ / ٢٦٠، تاج المواليد: ٦٨.
(١٦٠) الثاقب في المناقب: ٦٠١.
(١٦١) الخرائج والجرائح: ٣ / ١١٢٨.
(١٦٢) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ١٨٤، ومما يجدر الالتفات إليه أنه قد نقل مضمون التوقيع، ولم ينقله بنصه، حيث قال: (ولما بلغ الأمر إلى علي بن محمد السمري ذكر أن المهدي (ع) قد عرفه أن ينتقل إلى الله، وكشف له عن يوم وفاته، وأنه قد تقدم إليه أن لا يوكل أحداً غيره، وأن قد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن فيها المؤمنون).
(١٦٣) كشف الغمة في معرفة الأئمة: ٣ / ٣٣٨.
(١٦٤) أسرار الإمامة: ٨٩.
(١٦٥) منتخب الأنوار المضيئة: ٢٣٨.
(١٦٦) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: ٢ / ٢٣٦.
(١٦٧) حديقة الشيعة: ٢ / ٩٩٠.
(١٦٨) مجالس المؤمنين: ٢ / ١١٧.
(١٦٩) نوادر الأخبار: ٢٣٣.
(١٧٠) إثبات الهداة: ٣ / ٦٩٣، هداية الأمة: ٨ / ٥٦٠.
(١٧١) مدينة المعاجز: ٨ / ٨.
(١٧٢) بحار الأنوار: ٥١ / ٣٦١.
(١٧٣) رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار ع: ٣ / ٨٤.
(١٧٤) كتاب الأربعين: ٢٢٩.
(١٧٥) مجمع الرجال: ٧ / ١٩٠.
(١٧٦) الرسائل الفقهية: ١ / ٥٢١.
(١٧٧) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: ٣٥.
(١٧٨) حق اليقين: ٢٨٦.
(١٧٩) جلاء العيون: ٣ / ٢١٨.
(١٨٠) عدة الرجال: ١ / ٧٩.
(١٨١) رسائل ومسائل: ٣ / ١٢٢.
(١٨٢) تحفة السلاطين: ٢ / ٦١٨.
(١٨٣) النجم الثاقب: ٢ / ٢٨.
(١٨٤) بهجة الآمال في شرح زبدة المقال: ٧ / ٦٢٤.
(١٨٥) مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم: ١ / ١١٧.
(١٨٦) الفوائد الرجالية من تنقيح المقال: ٢ / ١٣٩.
(١٨٧) منتهى الآمال: ٢ / ٨٤٢.
(١٨٨) الكنى والألقاب: ٣ / ٢٦٨.
(١٨٩) أعيان الشيعة: ٢ / ٤٨.
(١٩٠) المجالس السنية: ٢ / ٤٩٥.
(١٩١) ولقد تعمدنا أن نحشد الكثير من كلمات أعلام الطائفة (قدهم) دحضاً لما يدعيه أدعياء المهدوية من عدم وجود تسالم لدى علماء الطائفة على انقطاع السفارة في زمن الغيبة الكبرى، فلاحظ (جامع الأدلة) ٣٠ - ٣١.
(١٩٢) الغيبة: ١٦٤.
(١٩٣) الغيبة للشيخ النعماني: ١٧٨.
(١٩٤) الغيبة للشيخ الطوسي (قده): ٤١٢، وجدير بالذكر أن أبا محمد الأنصاري في (جامع الأدلة) ٣٢ قد حاول أن يصرف كلام الشيخ ابن قولويه (قده) عن ظاهره، ويلتف عليه التفافاً غريباً، فذكر أنَّ كلامه ناظر إلى مدّعي السفارة حال وجود السفير الحق، باعتبار أنَّ أبا دلف الذي كفره الشيخ ابن قولويه قد ادعى السفارة في حياة السفير السمري (رضوان الله تعالى عليه) واستمر بعده، ولم يكتفِ بهذه المحاولة البائسة التي لا تتلاءم مع ظاهر عبارة (بعد السمري) - والتي كان بإمكان ابن قولويه أن يبدلها إلى (مع السمري) - حتى لجأ إلى حذف عبارة (رحمه الله) الواردة في كلام ابن قولويه بعد كلمة (السمري)، لتأكيدها على أنّ ابن قولويه في حكمه بالكفر على مدّعي السفارة كان ناظراً إلى مرحلة ما بعد السفير السمري. «الخبّاز»
(١٩٥) الإرشاد: ٢ / ٣٤٠، وقد حاول في (جامع الأدلة) ٣٤ أن يلتف على هذه العبارة أيضاً، فذكر أنها بصدد التحديد التاريخي للغيبتين ليس إلا، ولكنها محاولة لا تنطلي إلا على صاحبها؛ إذ أنَّ الشيخ المفيد (قده) قد عبّر عن منتهى الغيبة الصغرى بـ (انقطاع السفارة وعدم السفراء)، وهو تعبير واضح وصريح جداً في انقطاع السفارة بموت السفير الرابع (رضوان الله عليه). «الخبّاز»
(١٩٦) كنز الفوائد: ٢ / ٢١٨.
(١٩٧) لقد حاول صاحب (جامع الأدلة) الصفحة: ٢٠ أن يشوّش من خلال هذه الرواية دلالة التوقيع الشريف، وذلك أولاً: بحجة أنَّ السفير السمري (رضي الله عنه) لم يقل: " لا سفير بعدي "، بل قال " لله أمر هو بالغه ".
 وثانياً: بحجة سؤالهم له عن الوصي من بعده، ولو كانوا قد فهموا من التوقيع الذي تلقوه منه قبل ستة أيام انقطاع النيابة لم يسألوه.
 ولا يخفاك ما في كلامه؛ فإنَّ أيَّ متتبع لكلمات العرب ومحاوراتهم يجد أنهم يستعملون عبارة (لله أمر هو بالغه) للتعبير عن الأشياء التي قضاها الله تعالى وحتم وقوعها، وبما أنَّ السفير السمري قد أخبر سائليه قبل ستة أيام بانقطاع النيابة الخاصة، وأنَّ الإمام (أرواحنا فداه) قد أمره أن لا يقيم أحداً مقامه، معللاً ذلك بوقوع الغيبة التامة - بينما السائلون قد احتملوا جريان البداء خلال الأيام الستة؛ ولذا سألوه عن الوصي بعده - أجابهم بأنَّ ما سبقَ وأن أبلغهم به - من انقطاع السفارة وتحقق الغيبة التامة - أمرٌ مقضي لا محيص عنه، فتأمل جيداً. «الخبّاز»
(١٩٨) الغيبة: ٣٩٣ - ٣٩٥.
(١٩٩) المقنع في الإمامة: ١٤٦.
(٢٠٠) الاحتجاج: ٢ / ٢٩٦.
(٢٠١) تاج المواليد: ٦٥.
(٢٠٢) لا يخفى أنَّ الشيخ الطبرسي (قده) كما سيتضح من كلامه اللاحق وكلاميه المتقدمين قد حسم الأمر في مسألة انقطاع السفارة بموت السفير السمري (رضوان الله عليه)، وإنما الكلام في وجود سفراء آخرين في زمن الغيبة الصغرى سوى السفراء الأربعة أو لا، وقد استظهر البعض من هذه العبارة - والتي قد نُسبت اشتباهاً للسيد ابن طاووس (قده) بسبب الاشتباه في نسخةٍ من كتاب (إعلام الورى) قد كُتب عليها (ربيع الشيعة) واسم السيد ابن طاووس معاً - وجود سفراء آخرين، غير أنَّ الأمر لا يخلو عن تأمل، والعبارة لا تخلو عن نحو اضطراب، وإن صحّت فلعلَّ المقصود بسفارة غير الأربعة السفارة في شؤون خاصة، لا السفارة العامة على نحو سفارة الأربعة، والذي ينبّه على ذلك أنَّ بعضهم - كعمر الأهوازي وأبي محمد الوجناني - ليس معروفاً بشيء في كتب الحديث والتراجم والرجال، سوى تشرف الأول برؤية جمال إمام الزمان (عجّل الله فرجه)، ونقل الثاني لحادثة خروج الإمام (عليه السلام) من داره، كما أنَّ كلمات الأعلام (قدهم) قد خليت عن ذكرهم ضمن سلسلة السفراء.
ومما يجدر ذكره: أنَّ بعض الرجاليين قد حاول استفادة التوثيق من هذه العبارة لمن ذُكرت أسماؤهم فيها، وهو لا يخلو عن إشكال بل منع؛ إذ أنَّ (محمد بن علي بن بلال) قد ذُكِر اسمه معهم، مع أنه ممن نص شيخ الطائفة الطوسي (قده) على مذموميته - الغيبة: ٣٥٣ - مما ينبّه على أنَّ الشيخ الطبرسي - والذي أُبدِلَ به السيد ابن طاووس في بعض الكلمات - ليس إلا بصدد ضبط الأسماء، بغضّ النظر عن الممدوحية والمذمومية.
والذي أطمئن له - تجاوزاً لكلّ ما ذكرناه - أنَّ هنالك سقطاً في العبارة، وترشد إليه عبارة الشيخ أبي الصلاح الحلبي قُدّس سره (م ٤٤٧) في (تقريب المعارف) ٤٢٧ حيث يقول مثبتاً إمامة الإمام المهدي (عليه السلام): (وأما شهادة المقطوع بصدقهم، فمعلوم لكلّ سامع لأخبار الشيعة تعديل أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) جماعة من أصحابه، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء على قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه إلى شيعته، وأنَّ هذه الجماعة شهدت بمولد الحجة بن الحسن عليه السلم، وأخبرت بالنص عليه من أبيه (عليهما السلام)، وقطعت بإمامته، وكونه الحجة المأمول للانتصار من الظالمين.
 فكان ذلك منهم نائباً مناب نص أبيه (عليه السلام) لو كان مفقوداً؛ إذ لا فرق في ثبوت الحكم بين أن ينص عليه حجة معلوم العصمة لكونه نبيّاً أو إماماً، وبين أن ينص عليه منصوص على صدقه بقول نبي أو إمام.
 والجماعة المذكورة: أبو هاشم داود بن قاسم الجعفري، ومحمد بن علي بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهم، وعمرو الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمد الوجنائي، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمد ابن إبراهيم). «الخبّاز»
(٢٠٣) إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢ / ٢٥٩.
(٢٠٤) الخرائج والجرائح: ٣ / ١١٠٨.
(٢٠٥) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: ١٨٤.
(٢٠٦) كشف الغمة في معرفة الأئمة ع: ٣ / ٢٤٣.
(٢٠٧) أسرار الإمامة: ٨٨.
(٢٠٨) خلاصة الأقوال: ٢٥٠.
(٢٠٩) المستجاد من الإرشاد: ٢٣٢.
(٢١٠) رجال ابن داود: ١٧٨.
(٢١١) الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية: ١٦٥.
(٢١٢) الفصول المهمة في معرفة الأئمة ع: ٢ / ١٠٩٧.
(٢١٣) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: ٢ / ٢٣٣.
(٢١٤) رسائل الشهيد الثاني: ٢ / ٧٧٩.
(٢١٥) مجالس المؤمنين: ١١٩.
(٢١٦) ﮔوهر مراد: ٥٨٢، ومحصّل كلامه (قده): أنه في زمن الغيبة الصغرى كان للإمام (عليه السلام) وكلاء معروفون بأسمائهم وأنسابهم، قد ظهرت على أيديهم المعجزات والكرامات وأجابوا عن المشكلات، وهم عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وكان كلّما قربت وفاة أحد منهم عيّن (عليه السلام) من يقوم مقامه بآيات وكرامات شاهده‏ بتصديقه، ولما حانت وفاة الأخير أبلغه الإمام (عليه السلام) بذلك وحدد له يوم وفاته، وأمره أن لا يعيّن وكيلاً بعده؛ إذ قد حلت الغيبة الكبرى، والتي يكون بها امتحان المؤمنين. «الخبّاز»
(٢١٧) روضة المتقين: ٤ / ٢٧٥.
(٢١٨) هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار: ٢٠٩.
(٢١٩) الوافي: ٢ / ٤١٤.
(٢٢٠) علم اليقين في أصول الدين: ٢ / ٩٣٢.
(٢٢١) سفينة النجاة: ٩.
(٢٢٢) المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء: ٤ / ٣٣٥.
(٢٢٣) هداية الأمة: ٨ / ٥٠٦.
(٢٢٤) مدينةالمعاجز: ٨ / ٦.
(٢٢٥) بحار الأنوار: ٥٨ / ٢٣٣.
(٢٢٦) رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار ع: ٣ / ٢٢.
(٢٢٧) رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار ع: ٣ / ٨٤.
(٢٢٨) رياض السالكين: ١ / ١٩١.
(٢٢٩) كتاب الأربعين: ٢٢٨.
(٢٣٠) الهداية في إثبات الإمامة والولاية: ٢١٦.
(٢٣١) التعلیقة على مشرق الشمسين: ٧٠.
(٢٣٢) الحدائق الناضرة: ١٧ / ٤٤٠.
(٢٣٣) الحدائق الناضرة: ١٢ / ٤٦٩.
(٢٣٤) الفوائد الرجالية: ٣ / ٣٢٢.
(٢٣٥) المحاسن النفسانية: ١٢.
(٢٣٦) طرائف المقال: ٦ / ٢٣٧.
(٢٣٧) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة: ٣٥.
(٢٣٨) عدة الرجال: ١ / ٨٠.
(٢٣٩) مقابس الأنوار: ٧.
(٢٤٠) كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع: ١٥١.
(٢٤١) رسائل ومسائل: ٣ / ١٢٤، ومحصّل كلامه (قده): أنَّ المراد من التوقيع الشريف أنَّ جمعاً من الشيعة سيدعون المشاهدة، بمعنى النيابة، وكل من يدعي ذلك فهو كذاب مفترٍ في ادعائه، فالتوقيع يكذب كل مدع للنيابة في زمن الغيبة الكبرى مثل أبي محمد الشريعي، وهو أول من ادعى ذلك بعد وفاة آخر السفراء أبي الحسن السمري. «الخبّاز»
(٢٤٢) كتاب الغيبة: ١ / ٥٠٨.
(٢٤٣) طرائف المقال: ٢ / ٥٢٣.
(٢٤٤) منهاج البراعة: ١٣ / ٣٤٦.
(٢٤٥) بهجة الآمال في شرح زبدة المقال: ٧ / ٦١٨.
(٢٤٦) رجال الخاقاني: ١٧.
(٢٤٧) سفينة النجاة: ١ / ٧.
(٢٤٨) مكيال المكارم: ٢ / ٣٣٣.
(٢٤٩) فوز العباد في المبدأ والمعاد: ١ / ٣٨.
(٢٥٠) الفوائد الرجالية من تنقيح المقال: ٢ / ١٣٣.
(٢٥١) منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل: ٢ / ٨٤١.
(٢٥٢) منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل: ٢ / ٨٤٢.
(٢٥٣) المجالس السنية: ٤ / ٤٩١.
(٢٥٤) المهدي عجل الله فرجه: ١٨٠.
(٢٥٥) الشيعة في الإسلام: ٢١٤.
(٢٥٦) مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي: ٢٧٢.
(٢٥٧) نهج الهدى: ٣٢.
(٢٥٨) أدوار علم الفقه وأطواره: ٢٢٠.
(٢٥٩) مصباح الفقاهة: ٥ / ٥٨.
(٢٦٠) الدعوى المشار إليها هي: رؤية الإمام القائم (عليه السلام) في المنام، والقطع بأنه هو، وأن الرائي قد أرسله الإمام الحجة عج إلى الشيعة يأمرهم وينهاهم في المسائل الخاصة والعامة، ويأخذ منهم الخمس، وقوله وأمره ونهيه كل ذلك مقدم عند أتباعه على ما يأتي من الفقهاء مع التعارض، وطريقه في هذه التبليغات والأوامر والنواهي رؤيته المنامية للإمام القائم - عجل الله فرجه - نفسه أو الحسين بن روح، كما قد تُدْعَى له الملاقاة لهما في عالم اليقظة. «الخبّاز»
(٢٦١) مسائل وردود: ٣ / ١٤٢ (دار الأمير - النجف).
(٢٦٢) صراط النجاة: ٥ / ٣٢١، ٣٢٢.
(٢٦٣) صراط النجاة: ٥ / ٣١٩.
(٢٦٤) أجوبة المسائل: ١ / ١٨٨.
(٢٦٥) هُدى السائل لأجوبة المسائل، إعداد محمد جواد الشهابي ص ١٤٥ - ١٤٦ مسألة ٤٣٥، ونصّ السؤال: (قد وجد في وقتنا هذا من يطلق على نفسه ويطلق عليه أتباعه عنوان (نائب باب المولى)، مدعياً النيابة عن الحسين بن روح (رضوان الله عليه) السفير الثالث في زمن الغيبة الصغرى الواقع واسطة بينه وبين الإمام المنتظر عجل الله فرجه حاضراً، وهو يدعي رؤية الإمام القائم (عليه السلام) في المنام، وأنه قطع بأنه هو، وقد أرسله إلى الشيعة يأمرهم وينهاهم في المسائل الخاصة والعامة، ويأخذ منهم الخمس، وقوله وأمره ونهيه كل ذلك مقدم عند أتباعه على ما يأتي من الفقهاء مع التعارض، وطريقه في هذه التبليغات والأوامر والنواهي رؤيته المنامية للإمام القائم عجل الله فرجه نفسه، أو الحسين بن روح، كما قد تُدعى له الملاقاة لهما في عالم اليقظة.
وقد حدث أن أعلم هو نفسه اشتباهه وتخليه عن دعواه أمام جمع من العلماء، وكتب تقريراً موقعاً بذلك ومذيلاً بتعليق من العلماء الذين حضروا مجلس الاعتراف والتخلي، إلا أن دعوته لا زالت قائمة وتجمع الأتباع، وأن من تابعه من العلماء من وكلائه لا زال يؤمن بصدق دعواه وحقّأنيته، وإن ادعى توقف الدعوة إليها، الأمر الذي يشهد الواقع بخلافه.
ويقوم بتسليم هؤلاء ومن قاربهم بهذه الدعوى على ما ينقلونه عنه من إخبارات بأمور خفية، وما جاء على يده ينسبه للإمام القائم عجل الله فرجه من نصوص يلفظها يرون أنها فوق مستوى الناقل، وأنه يمتنع عليه أن يأتي بها من نفسه في ظروف لا يحتملون معه أنه يستمدها من غيره من دون الإمام عجل الله فرجه مما جعلهم - كما يقولون - يقطعون بصحة دعواه.
والصفة السائدة في هذه النصوص استعمالها لغريب اللغة الشاذّة جداً.
أولاً: ما هو الرأي المذهبي في إمكان هذه الدعوى؟
ثانياً: ما هو توجيهكم (حفظكم الله) لهؤلاء الوكلاء والأتباع، ومنهم من كان معروفاً بالوثاقة والحرص على الدين؟
ثالثاً: من يصر من هؤلاء على دعواه بعد أن بذل الجهد من العلماء معه في بيان بطلان الدعوى، هل يجوز الاقتداء بصلاته وحضور محاضراته وخطاباته وجلساته وتدريسه، أو يمتنع عن ذلك ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيقاف سريان البدعة.
ملاحظتان:
أ - تحت يد الرجل منجد لغوي، والنصوص تحمل الغيب المذكور من ناحية الفصاحة. وأنها لا ميزة بلاغية لها، والبيان الأول منها - وهو خطاب للشيعة بالاستجابة للدعوى وهو منسوب إلى الإمام عجل الله فرجه - لا يخلو من أخطاء نحوية.
ب ـ المبتدع في الدين مع انتفاء الشبهة هل يبقى عادلاً أم لا؟)
(٢٦٦) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ع: ٢ / ٥٠٧ (دار المرتضى - بيروت).
(٢٦٧) مع العبد الصالح: ١ / ٢٨.
(٢٦٨) قراءة جديدة في رواية السمري: ١٧.
(٢٦٩) الاحتجاج: ١ / ١٠.
(٢٧٠) كمال الدين وإتمام النعمة: ٥١٦، الغيبة: ٣٩٥.
(٢٧١) الغيبة: ٤١٥.
(٢٧٢) مع العبد الصالح: ١ / ٢٩.
(٢٧٣) قراءة جديدة في رواية السمري: ١٦، وقد أوضح أبو محمد الأنصاري في (جامع الأدلة) ٢٥ أنَّ مقصود إمامهم أحمد الحسن من المتشابه هو ما ليس له معنى واضح، لكونه يحتمل معاني عديدة، ولا يخفاك أنَّ هذا من التخبط في استعمالات اصطلاحات العلوم؛ إذ أنَّ هذا تفسير لـ (لمجمل) في قبال (المفصّل)، وأما المتشابه - في قبال المحكم - فله معنى ظاهر، إلا أنه يُعلم - من الخارج - عدم كونه مقصوداً للمتكلم. «الخبّاز»
(٢٧٤) جامع الأدلة: ٣١.
(٢٧٥) مع العبد الصالح: ١ / ٢٩.
(٢٧٦) جامع الأدلة: ٢٧.
(٢٧٧) شرح الشمسية: ٣١٧.
(٢٧٨) شرح الإشارات والتنبيهات: ١ / ١٤٥.
(٢٧٩) عدة الأصول: ١ / ٢٤٧.
(٢٨٠) معارج الأصول: ٨٣.
(٢٨١) زبدة الأصول: ١٢٧.
(٢٨٢) سورة البقرة: ٣٨.
(٢٨٣) سورة البقرة: ١٧٣.
(٢٨٤) سورة البقرة: ١٨٤.
(٢٨٥) سورة البقرة: ١٨٥.
(٢٨٦) سورة البقرة: ١٩٤.
(٢٨٧) سورة البقرة: ٢٥٦.
(٢٨٨) سورة الأنعام: ١٢٥.
(٢٨٩) سورة الشورى: ٤٠.
(٢٩٠) سورة الزلزلة: ٧، ٨.
(٢٩١) وسائل الشيعة: ١٤ / ٥٠٦.
(٢٩٢) وسائل الشيعة: ١٤ / ٥٩٦.
(٢٩٣) وسائل الشيعة: ١٤ / ٤١٩.
(٢٩٤) وسائل الشيعة: ٢١ / ٥٠١.
(٢٩٥) قال (ضياء الزيدي) في كتابه (قراءة جديدة في رواية السمري) ٣١: وأنت كما ترى إن هذه القضية (رواية السمري) من القضايا المهملة التي لم تحد بسور (فمن ادعى المشاهدة... فهو كذاب مفتر)، فهي لم تحدد بكل أو بعض أو ما شاكل، فتكون من القضايا المهملة، التي تعمل عمل الجزئية، وهذا لا خلاف ولا شبهة فيه، في إن بعض من ادعى المشاهدة هو كذاب مفتر، إلا إن هذا في (البعض) لا في (الكل).
(٢٩٦) بحار الأنوار: ٥٢ / ١٧١.
(٢٩٧) جامع الأدلة: ٢٣، قراءة جديدة في رواية السمري: ٢٤.
(٢٩٨) رسائل المحقق الكركي ١\١٤٢
(٢٩٩) سورة الأنبياء: ٧٣
(٣٠٠) الفقيه ٤\٤٢٠، وهذا الحديث قد أرسله الشيخ الصدوق قدّس سره بصيغة الجزم عن أمير المؤمنين، فهو معتبر على مبنى من يذهب إلى التفريق بين مراسيل الصدوق الجزمية وغير الجزمية، واعتبار الأولى لا الثانية.
كما أن بعض الأعلام يذهب إلى اعتبار الحديث لكثرة طرقه المورثة للإطمئنان، وبعض الأعلام يذهب إلى خلاف ذلك، والبحث يُطلب في مظانه.
(٣٠١) الغيبة للشيخ ص٢٩١، الاحتجاج ٢\٢٨٣.
(٣٠٢) سورة يونس: ٥٩.
(٣٠٣) سورة الحشر: ٧.
(٣٠٤) الكافي الشريف ١\٢٦٦
(٣٠٥) الاحتجاج ٢\٢٦٣
(٣٠٦) الكافي الشريف ٧\٤٠٦
(٣٠٧) الكافي الشريف ٧\٤١٢
(٣٠٨) معاني الأخبار، للشيخ الصدوق ص ١٠٢
(٣٠٩) الخصال، للشيخ الصدوق ص ٢٠٠
(٣١٠) المصدر السابق ١\٢٨٤
(٣١١) الكافي الشريف، للكليني ١\٢٨٤، وقد عدّه العلامة الحلي في القسم الأوّل في خلاصته ص٢٩٥، وكذا ابن داوود في رجاله ص٢٠٥، ولا يخفى أنّ ذلك يعني اعتمادهما على روايته، بل قد ادّعى ابن داوود رحمه الله مدح الشيخ الكشّي له، على أن بعض الأعاظم كالإمام الخوئي (قدس الله تربته الزكيّة) ذهبوا إلى مجهوليّته، وكيفما كان، ضعفُ سند الرّواية لا يضرّ في المقام، ولكننا أحبننا الإشارة إلى هذه النكتة الرّجالية في هذا السّند.
(٣١٢) معاني الأخبار ص ١٣٢
(٣١٣) الخصال ص٦٥ - ٦٧
(٣١٤) الكافي الشريف، للكليني ١\٣٠٩
(٣١٥) المصدر السابق ١\٣٢٥
(٣١٦) علل الشرائع: ٢٠٢ - ٢٠٣
(٣١٧) أوائل المقالات ص٤٠
(٣١٨) الشافي: ٢ / ٥
(٣١٩) سورة البقرة: ١٨٠
(٣٢٠) جمعها العلامة المجلسي (قده) في المجلد ٢٢ من بحار الأنوار.
(٣٢١) إذ المراد من الخير باتفاق المفسرين هو المال، وهو أحد استعمالات اللغة العربية والقرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد).
(٣٢٢) سورة الصف: ٦
(٣٢٣) الإرشاد: ١ / ١٨٤.
(٣٢٤) نهج البلاغة ١\٣٠
(٣٢٥) الكافي الشريف ٤\٥٨٢
(٣٢٦) بحار الأنوار ٤٩\٧٦
(٣٢٧) المصدر السابق.
(٣٢٨) الكافي الشريف ١\٣٧٣، ثواب الأعمال ص٢١٤.
(٣٢٩) الخصال: ٤٢٨.
(٣٣٠) الكافي الشريف ١\٣٤٦
(٣٣١) علل الشرائع ١\١٢٢
(٣٣٢) النجم الثاقب ٢\٧.
(٣٣٣) الغيبة: ٤١٤.
(٣٣٤) الاحتجاج ٢\٢٩٧
(٣٣٥) الغيبة: ٤٠١.
(٣٣٦) والتفصيل سيأتي في الفصول القادمة.
(٣٣٧) سورة الأنعام: ١٠٩
(٣٣٨) سورة الإسراء: ٩٣
(٣٣٩) البرهان في تفسير القرآن للمحدث البحراني ٣\٥٤٢
(٣٤٠) تفسير الطبري ١٧\٤٧٦ - ٤٧٧.
(٣٤١) سورة الأنفال: ٣٢
(٣٤٢) سورة يونس: ٩٠
(٣٤٣) سورة يونس: ٩١
(٣٤٤) النبوة الخاتمة للمدعو أحمد الحسن ص٩٣
(٣٤٥) سورة الأعراف: ١٠٣ إلى ١٢٦.
(٣٤٦) سورة النساء: ١٨
(٣٤٧) سورة يونس: ٨٣.
(٣٤٨) سورة القمر: ١ - ٢
(٣٤٩) سورة الحديد: ٢٥
(٣٥٠) الكافي الشريف ١\٢٤
(٣٥١) وتسميته باللدني منتزعة من قوله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا).
(٣٥٢) تمّت استفادة هذا المطلب من كتاب (مشكاة الأصول) ١ / ٥٠ - ٥١، لجامع العلوم العقلية والنقلية، المحقق المدقق، سماحة آية الله العظمى السّيد حسين الشمس الخراساني (مد ظله) بقلم سماحة السيّد ضياء الخبّاز (دامت بركاته)، ص٥٠ - ٥١.
(٣٥٣) استفدنا هذا المطلب من هامش كتاب مشكاة الأصول، ص٥١.
(٣٥٤) الخصال، للشيخ الصدوق ص ٢٠٠
(٣٥٥) عيون الأخبار للصدوق ٢\٢١٦
(٣٥٦) الخصال للصدوق ص٤٢٨
(٣٥٧) الكافي الشريف ١\١٦٨
(٣٥٨) الكافي الشريف ١\٢٨٥
(٣٥٩) مدينة المعاجز للبحراني ٥\١٢٩
(٣٦٠) الكافي الشريف ١\٢٨٥
(٣٦١) من مقال بعنوان (شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكلّ اللغات) للمدعو ناظم العقيلي.
(٣٦٢) سورة آل عمران، الآية: ٤٩.
(٣٦٣) سورة النمل، الآية: ١٦.
(٣٦٤) من مقال (شبهة: المعصوم يُعرف بعلمه بكلّ اللغات).
(٣٦٥) وليست هذه أولى مفارقاتهم، فكتبهم مليئة بها، ولا بأس بذكر واحدة منها، وهي: أنَّ المدعو ناظم العقيلي في مقاله حول علم المعصوم باللغات لما نقل رواية تدل على ذلك عن كتاب (الاختصاص) علّق على ذلك بقوله: (وكل هذه الروايات إلا ما ندر أصلها كتاب الهداية الكبرى للخصيبي الاختصاص للمفيد وبصائر الدرجات للصفار ومناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ودلائل الإمامة ونظائرها، وهذه الكتب فيها كلام عن ثبوت نسبتها إلى مؤلفيها وما شابه) في محاولة منه لتوهين الرواية المنقولة عنه.
 ولكنه نفسه في كتابه (رسالة في رواية الأصبغ) الصفحة ٢٢ لما حاول أن يقوّي رواية الأصبغ المنقولة عن نفس كتاب (الاختصاص) قال: (إن المجزوم به وجود لفظ (من ظهر) في الكافي، والاختصاص للشيخ المفيد، والغيبة للطوسي في موضعين، ودلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي (، وكلها من أوثق الكتب وأشهرها).
 فتراه هنا قد اعتبر كتاب (الاختصاص) من أوثق الكتب وأشهرها؛ لأنَّ الضبط المنقول عنه قد طابق هواه، بينما في مسألة اللغات - لأنها تخالف هواه - أشار إلى وجود علامة استفهام على كتاب الاختصاص، وهكذا هو ديدن مَن يعبد الله تعالى على سبعين حرفاً. «الخبّاز»
(٣٦٦) مصباح الأصول: ١ / ٢٧٤ - ٢٧٧.
(٣٦٧) ومن عجائب هذا المدّعي: أنه سعى لتضعيف ما أمكنه من الروايات الدالة على علم الإمام (عليه السلام) باللغات، وحاول أن يناقش في أسانيدها، والحال أنه لا يعترف بشيء اسمه (علم الرجال).
 ولا يُقال: إنه في مقام الإلزام لغيره، وإلا فهو لا يعتقد به.
 لأنه يُقال: إن كان لا يعتقد به، فالروايات التي ضعفها حجة عليه، وعليه فإنه ينبغي عليه أن يعتقد بمضمونها، والحال أنه منكر لمضمونها، وموهّن له.
 ولكن يعجبني أن أنقل كلاماً له حول علم الرجال ذكره في كتابه (الوصية والوصي) ٢٥٥، وإني لأراه هو الأولى به، وإليك نصه، قال: (وقد استخدم هذا العلم لأغراض تخدم جهات سياسية معادية للنهج المحمدي الأصيل، وذلك من خلال تضعيف النصوص المنسوبة إلى المعصوم (عليه السلام)، والتي لا تتفق مع مصالح تلك الجهات بحيث تجعلها لا قيمة لها شرعا وعقلا). «الخبّاز»
(٣٦٨) بصائر الدرجات ص١٦٠
(٣٦٩) بصائر الدرجات ص٢٣٧
(٣٧٠) جمع المحدّث الجليل السيّد هاشم البحراني قدّس سره بعض الروايات المرتبطة بهذه الحادثة العظيمة في مدينة المعاجز ٢\١٠٥ في الباب التاسع والتسعين ومائتين: نقصان الفرات حين طغى، وإنطاق الحيتان بالتسليم بإمرة المؤمنين، وقد نقل هناك كلمات الأعلام في استفاضة هذه الحادثة بين الخاص والعام، قال ابن شهرآشوب في المناقب ٢\١٥٥: «واستفاض بين الخاص والعام أن أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من الغرق لما زاد الفرات»، وقال الشيخ المفيد في الإرشاد ١\٣٤٧ - ٣٤٨: «روى نقلة الأخبار واشتهر في أهل الكوفة لاستفاضته بينهم، وانتشر الخبر به إلى من عداهم من أهل البلاد، فأثبته العلماء من كلام الحيتان له في فرات الكوفة، وذلك أنهم رووا أن الماء طغى في الفرات وزاد حتى أشفق أهل الكوفة من الغرق، ففزعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).... وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل والرواية كشهرة كلام الذئب للنبي (صلى الله عليه وآله)، وتسبيح الحصى بكفه، وحنين الجذع إليه، وإطعامه الخلق الكثير من الطعام القليل، ونحوه».
(٣٧١) الغيبة للنعماني ص٢٥٠
(٣٧٢) الكافي الشريف ١\٣٨٨
(٣٧٣) الخصال للصدوق ص٥٢٨، وفي العيون ١\١٩٢، معاني الأخبار ص١٠٢، الفقيه ٤\٤١٨
(٣٧٤) الغيبة للنعماني ص٢٤٩
(٣٧٥) الخصال للصدوق ص٥٢٨
(٣٧٦) الكافي الشريف ١\٢٣٨
(٣٧٧) المصدر السابق
(٣٧٨) الكافي الشريف ١\٢٣٤
(٣٧٩) روضة المتقين للمجلسي الأول ١٣\٢٤١
(٣٨٠) الكافي الشريف ١\٢٣٨
(٣٨١) سورة البقرة: ٢٤٨، وهذا التابوت هو الذي وضعت فيه أم موسى (عليهما السلام) ولدها، وألقته في البحر، ثمّ بعد ذلك أصبح شيئاً مقدّساً، حيث وُضعت فيه ألواح النبي موسى (عليه السلام) ومواريث الأنبياء (عليهم السلام)، ونظراً لهذه الخصوصية فإنه أينما وُجد وجدت النبوة.
(٣٨٢) بصائر الدرجات ص١٧٥
(٣٨٣) بصائر الدرجات ص١٧١
(٣٨٤) الكافي الشريف ١\٢٤٠
(٣٨٥) الكافي الشريف ١\٢٧٦
(٣٨٦) قرب الاسناد للقمي ص٣٦٤
(٣٨٧) الكافي الشريف ١\٢٣٥
(٣٨٨) قانون معرفة الحجة، لعبد الرزاق الديراوي: ٧٨.
(٣٨٩) قانون معرفة الحجة: ٧٩.
(٣٩٠) حاكمية الله لا حاكمية الناس: ١٩ فما بعد.
(٣٩١) بحار الأنوار: ٣٣ / ٣٤٣.
(٣٩٢) حاكمية الله لا حاكمية الناس: ٨.
(٣٩٣) وسائل الشيعة ١٥\٥٢ ح٦
(٣٩٤) نهج البلاغة: ١ / ٩١.
(٣٩٥) كتاب سليم بن قيس ص٢٩١
(٣٩٦) الكافي: ٣ / ٤٢٤.
(٣٩٧) الرّد الحاسم على منكري ذرية القائم، للمدعو ناظم العقيلي تحت عنوان الإضاءة الخامسة ص٣٨ الطبعة الثانية ١٤٣٣هـ، ونص كلامه: «وبغض النظر عن كل شيء لا يمكن تجاهل هذه الروايات والإعراض عنها فإنها تتحدث عن مصير الأمة الإسلامية، بل البشرية وتمس تكليف كل مسلم. فيجب النظر إليها بعين الاعتبار ولو من باب دفع الضرر المحتمل على اقل تقدير».
(٣٩٨) الغيبة للنعماني ص٢٨٩، وقد رواها بعدّة طرق
(٣٩٩) الكافي الشريف ٨\٣١٠
(٤٠٠) الكافي الشريف ٨\٢٦٥
(٤٠١) غيبة النعماني ص١٦٢
(٤٠٢) المصدر السابق ص١٦١ - ١٦٢
(٤٠٣) الأمالي: ٤١٩.
(٤٠٤) الكافي الشريف ١\٦٨
(٤٠٥) غيبة النعماني ص١٧٨
(٤٠٦) كمال الدين وتمام النعمة ص٤٧٥
(٤٠٧) الكافي الشريف ١\٣٣٦
(٤٠٨) ذكر هذه الأدلة المدعو ناظم العقيلي في كتابه (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم) فلاحظ.
(٤٠٩) الكافي الشريف ٥\٣٢٩
(٤١٠) راجع ما ذكره المدعو ناظم العقيلي في كتابه «الرد الحاسم على منكري ذرية القائم» ص٥، حيث قال: «وإذا أمكن زواجه أمكن القول بتحققه وان الإمام المهدي (عليه السلام) متزوج في غيبته الكبرى بالفعل وذلك لان فيه تطبيقاً للسنة المؤكدة في الإسلام والأوامر الكثيرة في الزواج والحث العظيم عليه والنهي عن تركه، والمهدي أولى أن يتبع سنة الإسلام وخاصة إذا قلنا بان المعصوم لا يترك المستحب ولا يفعل المكروه مهما أمكن، والتزمنا بعصمة المهدي (عليه السلام) كما هو الصحيح. فيتعين أن يكون متزوجاً بعد أن توصلنا إلى إمكان زواجه وعدم منافاته مع احتجابه»
(٤١١) العروة الوثقى مع تعليقات عدة من الفقهاء ٥\٤٧٦، قال رضي الله عنه: «وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب».
(٤١٢) جواهر الكلام ٢٩\٣٣، قال طيّب الله مضجعه: «ويحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب، كالحج».
(٤١٣) كتاب النكاح ١\٤٥٣، قال السيّد المقدّس: «على أن مقتضى قوله (ع): (من ولد فاطمة) هو حرمة الجمع بين الاثنتين من المنتسبات إلى فاطمة (ع) ولو من جهة الأم خاصة وهو مما لم يلتزم به حتى الأخباريين فإنهم قد خصوا الحكم بالجمع بين الفاطميتين فإن هذه الأمور مما يدل على كون الحكم لو تم سند الرواية هو الكراهة دون الحرمة».
(٤١٤) الغيبة للطوسي ص١٦٢
(٤١٥) الغيبة للنعماني ص١٧٦
(٤١٦) المزار للمشهدي ص١٣٤
(٤١٧) المصدر السابق
(٤١٨) بحار الأنوار ٩٩\٢٢٨
(٤١٩) الغيبة ص٢٨٠
(٤٢٠) الإقبال ١\١٩١
(٤٢١) الكافي الشريف ٤\١٦٢، أقول: وقد نقلها عن محمد بن عيسى: الشيخ في المصباح ص٦٣١، وفي التهذيب ٣\١٠٣، والمجلسي الأول في الروضة ٣\٤٤٩، والفيض الكاشاني في الوافي ١١\٤٠٦، والمشهدي في المزار ص٦١١، رضوان الله تعالى عليهم جميعاً.
ولم ينقلها بهذه الزيادة إلا السيد ابن طاووس قدّس سره، وهذا وجهٌ آخر لسقوطها عن الاعتبار.
(٤٢٢) مهذب الأحكام: ٣ / ١٥٠.
(٤٢٣) بحار الأنوار: ٩٩ / ١٠٠.
(٤٢٤) العين: ٨ / ٣٦١.
(٤٢٥) لاحظ ما كتبه ناظم العقيلي في (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم) ٢٤.
(٤٢٦) الفوائد الرجالية: ٣ / ١٣٧.
(٤٢٧) الحاشية على مدارك الأحكام: ٣ / ١٨٧.
(٤٢٨) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٠.
(٤٢٩) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٢.
(٤٣٠) النجم الثاقب: ٢ / ٦٨.
(٤٣١) الكافي: ٨ / ٢٢٥.
(٤٣٢) النجم الثاقب: ٢ / ٧٠.
(٤٣٣) الغيبة: ١٥١.
(٤٣٤) يقول ناظم العقيلي في (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم) ٨: (فإذا ثبت وجود الذرية للإمام المهدي (عليه السلام) يندفع الإشكال الذي وجه إلى السيد أحمد الحسن رسول الإمام المهدي؛ لتصريحه بالانتساب إلى الإمام المهدي (عليه السلام)).
(٤٣٥) الوصي والوصية، لناظم العقيلي: ١١٩.
(٤٣٦) بحار الأنوار: ٨٦ / ٣٤٠.
(٤٣٧) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٥.
(٤٣٨) مشارق أنوار اليقين: ١٩٦، وعنه بحار الأنوار: ٥١ / ١٦٣.
(٤٣٩) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٦١.
(٤٤٠) إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ١ / ١٠٢.
(٤٤١) هكذا، والصحيح نحوياً: المهديون.
(٤٤٢) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٧.
(٤٤٣) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٨.
(٤٤٤) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٩.
(٤٤٥) الرد الحاسم على منكري ذرية القائم: ١٨.
(٤٤٦) الغيبة للطوسي ص٢٢٤
(٤٤٧) قال المدعو ناظم العقيلي في (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم) الصفحة ٢٥: (وقد توهم البعض أن هذه الرواية تنفي الذرية عن الإمام المهدي (عليه السلام) لتوهمهم أن المقصود من الإمام الذي ليس له عقب المذكور في الرواية هو الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا فهم سقيم وغير صائب.
فالإمام الذي ليس له عقب والذي يخرج عليه الحسين (عليه السلام) هو آخر المهديين الذين يحكمون بعد الإمام المهدي (عليه السلام) والذين هم من ذريته (عليه السلام)).
(٤٤٨) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٥٨
(٤٤٩) إثبات الرجعة: ٣٦.
(٤٥٠) إثبات الوصية للمسعودي ص٢٠١
(٤٥١) الهداية الكبرى للخصيبي ص٣٦١
(٤٥٢) الغيبة ص٢٢٨
(٤٥٣) لا يخفى أنَّ أدعياء المهدوية قد حاولوا جاهدين أن يربطوا الكثير من الروايات الشريفة بشخصية اليماني، إلا أنهم قد خبطوا خبط العشواء، وربطوا بين الروايات بغير رابط، ونظموها بغير سلك، ووحدوا بينها بغير جامع، وهذا هو دأبهم وما عليه ديدنهم في جميع كتاباتهم السطحية الزائفة.
(٤٥٤) كمال الدين وتمام النعمة ص٦٥٠، وقد تقدّم أن في الكافي الشريف ٨\٣١٠ طريقاً آخرَ إلى عمر بن حنظلة وهو صحيح.
(٤٥٥) غيبة الطوسي ص٤٤٦
(٤٥٦) كمال الدين وتمام النعمة ص٣٣١
(٤٥٧) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٢٨.
(٤٥٨) إثبات الرجعة: ٦٦.
(٤٥٩) عيون الحكم والمواعظ ص٢٤٤
(٤٦٠) الغيبة، للنعماني: ٢٨٦.
(٤٦١) الأمالي: ٦٦١.
(٤٦٢) المصدر السابق
(٤٦٣) دراسة في شخصية اليماني: ١٣٠.
(٤٦٤) ذكر هذه المؤيدات ناظم العقيلي في (دراسة في شخصية اليماني) الصفحة ١٣٠ فما بعدها.
(٤٦٥) المختصر في أخبار البشر: ٢ / ١٥٦، وقريب منه في (وفيات الأعيان) ٣ / ٣٨١ لابن خلكان.
(٤٦٦) الصحاح: ج‌٦، ص: ٢٢١٩
(٤٦٧) لسان العرب: ج‌١٣، ص ٤٦٤.
(٤٦٨) معجم مقاييس اللغة: ٦ / ١٥٨.
(٤٦٩) بصائر الدرجات: ٤٢١.
(٤٧٠) بصائر الدرجات: ١٦١.
(٤٧١) هذا البحث مُستفاد من دروس سماحة السيّد (أعزّه الله تعالى) في شرح كتاب (مرقاة الأصول).
(٤٧٢) بحار الأنوار ١٠/٧٩.
(٤٧٣) دراسة في شخصية اليماني: ١١٨.
(٤٧٤) دراسة في شخصية اليماني: ١٢٩، ١٣٠.
(٤٧٥) الجواهر السنية: ١٠٨، روضة المتقين: ١٣ / ٤٦.
(٤٧٦) الأمالي، للشيخ الصدوق: ٦١٢.
(٤٧٧) بحار الأنوار: ١٤ / ٢٩٧.
(٤٧٨) دراسة في شخصية اليماني: ٦٤.
(٤٧٩) صحيح البخاري: ٤ / ٢٣٢، صحيح مسلم: ٧ / ١٥٧، البداية والنهاية: ٤ / ٤٣١.
(٤٨٠) الكافي: ٨ / ٧٠.
(٤٨١) الأصول الستة عشر: ٢٥٠.
(٤٨٢) مسند أحمد: ٤ / ٣٨٧، مجمع الزوائد: ١٠ / ٤٣، كنز العمال: ١٢ / ٥٤.
(٤٨٣) قال ناظم العقيلي في كتابه (دراسة في شخصية اليماني) ١٢١: (فمن الواضح أن كلمة (من اليمن) في الرواية الأولى جاءت موضوعة بين قوسين، وهذا يعني أنها لا توجد في بعض النسخ، بل أنها لا توجد في النسخة الأم أو الأكثر اعتمادًا؛ لأن الناسخ أو المحقق يعتمد في متن ما يحقق له النسخة الأم أو الأكثر اعتمادًا... وأما إذا وجدت زيادة أو نقصان في بعض النسخ الأخرى، فإما أن يضعه بين قوسين أو يشير إليه في الهامش.
 وعلى أي حال فكلمة (من اليمن) غير ثابتة في هذه الرواية، ولا يمكن التعويل عليها بحال، ويؤيد ذلك أن بعض العلماء عندما نقلوها عن كمال الدين لم ينقلوا (من اليمن) فيها أصلاً، منهم:
١ - العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج ٥١ ص ٢١٧ - ٢١٨.
٢ - الشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى: ج ٢ ص ٢٣٢ - ٢٣٤.
٣ - السيد بهاء الدين النجفي في منتخب الأنوار المضيئة: ص ٣٠٧ - ٣٠٨.
٤ - الشيخ علي اليزدي الحائري في إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج ١ ص ١٩٦ - ١٩٧.
٥ - ميرزا محمد تقي الأصفهاني في مكيال المكارم: ج ١ ص ٧٠ - ٧١.
فهؤلاء وجدتهم على عجالة، وكلهم نقلوا هذه الرواية عن كمال الدين ولم ينقلوا فيها كلمة (من اليمن)، وهذا يدل على وجود نسخ معتمدة عندهم لا توجد فيها تلك الكلمة، أو أنها لم تثبت عندهم أصلاً في جميع النسخ فلم ينقلوها لعدم وثوقهم بوجودها.
 ولا يخفى أن مثل العلامة المجلسي وأمثاله كانوا أقرب إلى النسخ الخطية لكتب الحديث، بل أنهم صرحوا بوجود تلك النسخ عندهم).
(٤٨٤) وبهذا يتضح وجه الزيف فيما زعمه المدعو ناظم العقيلي بقوله: (يحتمل جدًا بأن أصل الروايتين رواية واحدة، وقد نقل الراوي أحدهما نصًا أو كاملة ونقل الأخرى بالمعنى وبصورة غير كاملة، أو إن كلاً من الروايتين منها ما هو نصًا [هكذا!!] ومنها ما هو معنى كلام المعصوم. وخصوصًا إذا لاحظنا أنهما متحدتان في السند تمامًا). دراسة في شخصية اليماني: ١٢٨.
(٤٨٥) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٣١، إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢ / ٢٩٢، بحار الأنوار: ٥٢ / ١٩٢، إثبات الهداة: ٥ / ٣٤٦، الوافي: ٢ / ٤٦٥، رياض الأبرار، للسيد نعمة الله الجزائري: ٣ / ١٥٨، الأنوار البهية: ٣٧٤.
 ومما يجدر ذكره أنَّ هذه الحقيقة لما كانت موجعة لأدعياء المهدوية، حاول ناظم العقيلي أن يثير حولها علامة من علامات تشكيكه، فذكر في دراسته في شخصية اليماني - الصفحة: ١٢٦ - أنَّ بعض طبعات (إعلام الورى) لا تشتمل على الفقرة المذكورة، مع اعترافه بأنَّ الطبعة الإيرانية المحققة مشتملة عليها، إلا أنه أبدى ريبه في الطبعات الإيرانية، وليته أتعب نفسه، وسار على سيرة أهل التحقيق في الرجوع إلى النسخ الخطية التي ذكرها المحققون لكتاب (إعلام الورى) في مقدمة تحقيقهم، ليتأكد من أمانتهم بصورة علمية، لا لمجرد الشك، فإنَّ هذا ليس دأب المحققين، وإنما هو دأب المشككين.
وهب أنه عجز عن تتبع النسخ الخطية، فهلا تتبع ما تنقله المصادر الأخرى عن كتاب (إعلام الورى)، ويكفيه أن يرجع لكتاب (المحجة البيضاء) ٤ / ٣٤٢، ليجد أنَّ الفيض الكاشاني (قده) قد نقل الرواية مع الفقرة المذكورة عن نفس كتاب (إعلام الورى)، إلا أن لا يكون الفيض أميناً أيضاً بنظر القوم. «الخبّاز»
(٤٨٦) الغيبة للنعماني ص٢٦٤
(٤٨٧) المصدر السابق.
(٤٨٨) رجال الكشي: ٢ / ٨٢٧.
(٤٨٩) رجال النجاشي: ٣٦.
(٤٩٠) رجال ابن الغضائري: ٥١.
(٤٩١) الكافي: ٨ / ٢٦٤.
(٤٩٢) الغيبة، للنعماني: ٢٨١.
(٤٩٣) دراسة في شخصية اليماني: ٢٢.
(٤٩٤) الأصول الستة عشر: ٢٤٨،
(٤٩٥) تفسير العياشي: ١ / ٦٥.
(٤٩٦) سورة الملك: ٢٢
(٤٩٧) جامع الأدلة: ١١٩، ١٢٠.
(٤٩٨) سورة النساء: ٥١
(٤٩٩) سورة الملك: ٢٢
(٥٠٠) سورة القصص: ٤٩
(٥٠١) سورة فاطر: ٤٢
(٥٠٢) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٤٧
(٥٠٣) دراسة في شخصية اليماني: ٩٠.
(٥٠٤) دراسة في شخصية اليماني: ٩١.
(٥٠٥) الغيبة، للشيخ الطوسي (قده): ٤٤٧.
(٥٠٦) دراسة في شخصية اليماني: ١٧٧.
(٥٠٧) الغيبة، للشيخ النعماني (قده): ٢٦٤.
(٥٠٨) إثبات الرجعة: ٦٣.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016